دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 10:45 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الفرقان

سورة الفرقان
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
(تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (1)
(تبارك) معناه تفاعل من البركة، كذلك يقول أهل اللغة، وكذلك روي عن ابن عباس، ومعنى البركة الكثرة في كل ذي خير.
والفرقان القرآن، يسمى فرقانا لأنه فرّق به بين الحق والباطل.
وقوله: (ليكون للعالمين نذيرا).
" النذير " المخوف من عذاب الله، وكل من خوّف فقد أنذر.
قال الله - عز وجل - (فأنذرتكم نارا تلظّى (14).
(الّذي له ملك السّماوات والأرض ولم يتّخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا (2)
(وخلق كلّ شيء فقدّره تقديرا).
خلق الله الحيوان وقدر له ما يصلحه ويقيمه، وقدّر جميع ذلك لخلقه بحكمة وتقدير
وقوله تعالى: (وقال الّذين كفروا إن هذا إلّا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا (4)
" الإفك " الكذب.
(وأعانه عليه قوم آخرون).
يعنون اليهود.
[معاني القرآن: 4/57]
(فقد جاءوا ظلما وزورا).
والزّور: الكذب، ونصب (فظلما وزورا) على: فقد جاءوا بظلم وزور، فلما سقطت الباء أفضى الفعل فنصب.
(وقالوا أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا (5)
خبر ابتداء محذوف، المعنى وقالوا: الذي كتابه أساطير الأولين.
معناه مما سطره الأولون، وواحد الأساطير أسطورة، كما تقول أحدوثة وأحاديث.
وقوله عزّ وجلّ: (فهي تملى عليه بكرة وأصيلا).
الأصيل العشيّ.
وقوله: (وقالوا مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا (7)
(ما) منفصلة من اللام، المعنى أي شيء لهذا الرسول في حال أكله الطعام ومشيه في الأسواق.
التمسوا أن يكون الرسول على غير بنية الآدميين.
والواجب أن يكون الرسول إلى الآدميين آدميّا ليكون أقرب إلى الفهم عنه.
وقوله: (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا).
طلبوا أن يكون في النبوة شركة، وأن يكون الشريك ملكا، واللّه عز وجل يقول: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) أي لم يكن ليفهمهم حتى يكون رجلا، ومعنى لولا: هلّا وتأويل هلّا الاستفهام، وانتصب فيكون على الجواب بالفاء للاستفهام.
[معاني القرآن: 4/58]
(أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنّة يأكل منها وقال الظّالمون إن تتّبعون إلّا رجلا مسحورا (8)
(أو تكون له جنّة) وإن شئت أو " يكون له جنّة "، ولا يجوز النّصب في (يكون له)، لأن يكون عطف على الاستفهام، المعنى: لولا أنزل إليه ملك أو يلقى إليه كنز، أو تكون له جنّة، والجنة البستان فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنه لو شاء ذلك وخيرا منه لفعله، فقال:
(تبارك الّذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنّات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا (10)
أي لو شاء لفعل أكثر ممّا قالوا، وقد عرض اللّه - عزّ وجلّ - على النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الدنيا فزهد وآثر أمر الآخرة.
فأما " يجعل " فبالجزم، المعنى إن يشأ يجعل لك جنّات، ويجعل لك قصورا ومن رفع فعلى الاستئناف، المعنى وسيجعل
لك قصورا، أي سيعطيك اللّه في الآخرة أكثر ممّا قالوا.
وقوله: (أو تكون له جنّة يأكل منها) و (يأكل منها).
وقوله: (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيّظا وزفيرا (12)
أي سمعوا لها غليان تغيظ.
وقوله: (وإذا ألقوا منها مكانا ضيّقا مقرّنين دعوا هنالك ثبورا (13)
(دعوا هنالك ثبورا).
في معنى " هلاكا " ونصبه على المصدر كأنهم قالوا ثبرنا ثبورا.
(لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا (14)
أي هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة.
وقيل، ثبورا كثيرا، لأن ثبورا مصدر فهو للقليل والكثير على لفظ الواحد، كما تقول: ضربته ضربا
[معاني القرآن: 4/59]
كثيرا، وضربته واحدا، تريد ضربته ضربا واحدا.
وقوله عزّ وجلّ: (قل أذلك خير أم جنّة الخلد الّتي وعد المتّقون كانت لهم جزاء ومصيرا (15)
إن قال قائل: كيف يقال: الجنّة خير من النّار، وليس في النّار خير ألبتّة، وإنما يقع التفضيل فيما دخل في صنف واحد؟ فالجنة والنار قد دخلا في باب المنازل في صنف واحد، فلذلك قيل (أذلك خير أم جنّة الخلد)، كما قال اللّه عزّ وجلّ: (خير مستقرّا وأحسن مقيلا).
وقوله عزّ وجلّ: (لهم فيها ما يشاءون خالدين كان على ربّك وعدا مسئولا (16)
مسؤول ذلك قول الملائكة (ربّنا وأدخلهم جنّات عدن الّتي وعدتهم ومن صلح من آبائهم).
وقوله: (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتّخذ من دونك من أولياء ولكن متّعتهم وآباءهم حتّى نسوا الذّكر وكانوا قوما بورا (18)
لما سئلت الملائكة فقيل: (أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء أم هم ضلّوا السّبيل).
وجائز أن يكون الخطاب لعيسى والعزير.
وقرأ أبو جعفر المدني وحده: ((قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن [نتّخذ] من دونك من أولياء)، بضم النّون على ما لم يسمّ فاعله وهذه القراءة عند أكثر النحويين خطأ، وإنما كانت خطأ لأن " من " إنّما يدخل في هذا الباب في الأسماء إذا كانت مفعولة أولا، ولا تدخل على مفعول الحال، تقول ما اتخذت من أحد وليّا، ولا يجوز ما اتخذت أحدا من وليّ، لأن " من " إنّما دخلت لأنها تنفي واحدا في معنى
[معاني القرآن: 4/60]
جميع، تقول: - ما من أحد قائما، وما من رجل محبّا لما يضره.
ولا يجوز " ما رجل من محبّ ما يضره ".
ولا وجه لهذه القراءة، إلا أن الفرّاء أجازها على ضعف، وزعم أنه يجعل من أولياء هو الاسم، ويجعل الخبر ما في تتخذ كأنه يجعل على القلب، ولا وجه عندنا لهذا ألبتّة، لو جاز هذا لجاز في (فما منكم من أحد عنه حاجزين)
ما أحد عنه من حاجزين. وهذا خطأ لا وجه له فاعرفه، فإن معرفة الخطأ فيه أمثل من القراءة، والقراء كلهم يخالفون هذا منه.
ومن الغلط في قراءة الحسن: (وما تنزلت به الشياطون).
وقوله تعالى: (وكانوا قوما بورا).
قيل في التفسير " هلكى "
والبائر في اللغة الفاسد، والذي لا خير فيه.
وكذلك أرض بائرة متروكة من أن يزرع فيها.
وقوله تعالى: (فقد كذّبوكم بما تقولون فما تستطيعون صرفا ولا نصرا ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا (19)
(بما تقولون) وتقرأ (بما يقولون - بالياء والتاء - فمن قرأ بما تقولون - بالتاء - فالمعنى فقد كذبوكم بقولهم إنهم آلهة، ومن قرأ بالياء فالمعنى فقد كذّبوكم بقولهم: (سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء).
وقوله عزّ وجلّ: (فما تستطيعون صرفا ولا نصرا).
أي ما تستطيعون أن تصرفوا عن أنفسهم ما يحل بهم من العذاب.
ولا أن ينصروا أنفسهم.
[معاني القرآن: 4/61]
وقوله عزّ وجلّ: (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلّا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربّك بصيرا (20)
هذا احتجاج عليهم في قولهم: (مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق).
فقيل لهم: كذلك كان من خلا من الرسل يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فكيف يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - بدعا من الرسل. فأمّا دخول " إنّهم " بعد " إلا " فهو على تأويل ما أرسلنا رسلا إلا هم يأكلون الطعام، وإلا أنهم ليأكلون الطعام، وحذفت زسلا لأن " من " في قوله تعالى (من المرسلين) دليل على ما حذف منه، فأمّا مثل اللام بعد " إلّا " فقول الشاعر:
ما أنطياني ولا سالتهما... إلا وإني لحاجز كرمي
يريد أعطياني، وزعم بعض النحويين أن " من " بعد إلا محذوفة، كان المعنى عنده إلا " من " ليأكلون الطعام.
وهذا خطأ بيّن، لأنّ " من " صلتها " أنّهم ليأكون "، فلا يجوز حذف الموصول وتبقية الصلة.
وقوله: (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة).
فيه قولان: قيل كان الرجل الشريف ربما أراد الإسلام فعلم أن من دونه في الشرف قد أسلم قبله فيمتنع من الإسلام لئلا يقال أسلم قبله من هو دونه، وقيل كان الفقير يقول: لم لم أجعل بمنزلة الغنيّ، ويقول ذو البلاء: لم لم أجعل بمنزلة المعافى، نحو الأعمى والزّمن ومن أشبه هؤلاء.
وقوله تعالى: (أتصبرون وكان ربّك بصيرا).
[معاني القرآن: 4/62]
أي أتصبرون على البلاء فقد عرفتم ما وعد الصابرون.
وقوله عزّ وجلّ: (وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا (21)
معنى " لولا " هلّا.
(أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا).
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ الذين لا يوقنون بالبعث، ولا يرجون الثواب على الأعمال عند لقاء الله طلبوا من الآيات ما لم يأت أمة من الأمم.
فأعلم الله عزّ وجلّ أنهم قد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا، ويجوز عتوا كثيرا بالثاء، والعتو في اللغة المجاوزة في القدر في الظلم.
وأعلم الله - عزّ وجلّ - أن الوقت الذي يرون فيه الملائكة هو يوم القيامة، وأن الله قد حرمهم البشرى في ذلك الوقت فقال:
(يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا (22)
(يوم يرون) منصوب على وجهين:
أحدهما على معنى لا بشرى تكون للمجرمين يوم يرون الملائكة.
و " يومئذ " هو مؤكد " ليوم يرون الملائكة "، ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله " لا بشرى " لأن ما اتصل بلا لا يعمل فيما قبلها.
ولكن لمّا قيل لا بشرى للمجرمين بيّن في أي يوم ذلك، فكأنه قيل يجمعون البشرى يوم يرون الملائكة، وهو يوم القيامة.
(ويقولون حجرا محجورا).
وقرئت " حجرا " بضم الحاء " والمعنى وتقول الملائكة حجرا محجورا.
أي حراما محرما عليهم البشرى، وأصل الحجر في اللغة ما حجرت عليه أي ما منعت من أن يوصل إليه، وكل ما منعت منه فقد حجرت عليه، وكذلك حجر القضاة على الأيتام إنما هو منع إياهم عن التصرف في أموالهم.
وكذلك الحجرة التي ينزلها الناس هو ما حوّطوا عليه.
ويجوز أن يكون " يوم "
[معاني القرآن: 4/63]
منصوبا على معنى اذكر يوم يرون الملائكة.
ثم أخبر فقال: (لا بشرى يومئذ للمجرمين).
والمجرمون الذين اجترموا الذّنوب، وهم في هذا الموضع الذين اجترموا الكفر باللّه عزّ وجلّ.
وقوله: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (23)
معنى قدمنا عمدنا وقصدنا كما تقول: قام فلان يشتم فلانا، تريد قصد إلى شتم فلان، ولا تريد قام من القيام على الرجلين.
(فجعلناه هباء منثورا).
" الهباء " ما يخرج من الكوّة مع ضوء الشمس شبيها بالغبار.
وتأويله أن اللّه عزّ وجلّ أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء المنثور.
ثم أعلم اللّه عزّ وجلّ فضل أهل الجنة على أهل النار فقال:
(أصحاب الجنّة يومئذ خير مستقرّا وأحسن مقيلا (24)
والمقيل المقام وقت القائلة، وقيل هو النوم نصف النهار، وجاء في التفسير أن أهل الجنّة يصيرون إلى أهليهم في الجنة وقت نصف النّهار.
وقوله عزّ وجلّ: (ويوم تشقّق السّماء بالغمام ونزّل الملائكة تنزيلا (25)
ويقرأ (تشّقّق) بتشديد الشين والمعنى تتشقّق.
(ونزّل الملائكة تنزيلا).
جاء في التفسير أنه تتشقق سماء سماء وتنزل الملائكة إلى الأرض وهو قوله (وجاء ربّك والملك صفّا صفّا).
[معاني القرآن: 4/64]
وقوله عزّ وجلّ: (الملك يومئذ الحقّ للرّحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا (26)
(الحقّ) صفة للملك، ومعناه أن الملك الذي هو الملك حقّا هو ملك الرحمن يوم القيامة كما قال عزّ وجلّ: (لمن الملك اليوم) لأن الملك الزائل كأنّه ليس بملك.
ويجوز " الملك يومئذ [الحقّ] للرّحمن " ولم يقرأ بها فلا تقرأنّ بها، ويكون النصب على وجهين: أحدهما على معنى الملك يومئذ للرحمن أحق ذلك الحقّ، وعلى أعني الحق.
وقوله تعالى: (ويوم يعضّ الظّالم على يديه يقول يا ليتني اتّخذت مع الرّسول سبيلا (27)
يروى أن عقبة بن أبي معيط هو الظالم ههنا، وأنه يأكل يده ندما ثم يعود وأنه كان عزم على الإسلام فبلغ ذلك أميّة بن خلف فقال له أمية:
وجهي من وجهك حرام إن أسلمت، إن كلّمتك أبدا، فامتنع أمية من الإسلام لقول أميّة فإذا كان يوم القيامة أكل يده ندما وتمنى أن آمن واتخذ مع النبي عليه السلام طريقا إلى الجنة.
وهو قوله: (يا ويلتى ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا (28) لقد أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني).
وقد قيل أيضا في (ليتني لم أتّخذ فلانا خليلا)، أي لم أتخذ الشيطان خليلا، وتصديق هذا القول (وكان الشّيطان للإنسان خذولا).
ولا يمتنع أن يكون قبوله من أميّة من عمل الشيطان وأعوانه.
ويجوز (اتّخذت) بتبيين الذال، وبإدغامها في التاء، والإدغام أكثر وأجود.
وقوله عزّ وجلّ: (وقال الرّسول يا ربّ إنّ قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا (30)
[معاني القرآن: 4/65]
جعلوه بمنزلة الهجر. والهجر ما لا ينتفع به من القول، وكانوا يقولون إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يهجر، ويجوز أن يكون مهجورا متروكا، أي جعلوه مهجورا لا يستمعونه ولايتفهّمونه.
(وكذلك جعلنا لكلّ نبيّ عدوّا من المجرمين وكفى بربّك هاديا ونصيرا (31)
(عدوّا) لفظه لفظ واحد، ويجوز أن يكون في معنى الجماعة والواحد كما قال (فإنّهم عدوّ لي إلّا ربّ العالمين) فيجوز أن يكون في معنى أعداء، وقد جاء في التفسير أن عدو النبي - صلى الله عليه وسلم - أبوجهل بن هشام.
وقوله: (وكفى بربّك هاديا ونصيرا).
و (هاديا ونصيرا) منصوبان على وجهين:
أحدهما الحال، المعنى وكفى ربّك في حال الهداية والنصر.
والوجه الثاني أن يكون منصوبا على التمييز على معنى كفى ربّك من الهداة والنّصّار.
وقوله تعالى: (وقال الّذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبّت به فؤادك ورتّلناه ترتيلا (32)
معناه: هلّا نزل عليه القرآن في وقت واحد، وكان بين أول نزول القرآن وآخره عشرون سنة، فقالوا: لم لم ينزل جملة واحدة كما أنزلت التوراة: فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن إنزاله متفرقا ليثبت في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: (كذلك لنثبّت به فؤادك)
أي أنزلناه كذلك متفرقا، لأن معنى قولهم: (لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة) يدل على معنى لم نزل عليه القرآن متفرقا فأعلموا لم ذلك، أي للتثبيت.
(ورتّلناه ترتيلا).
أي نزلناه على التّرتيل، وهو ضدّ العجلة، وهو التمكّث.
وقوله: (ولا يأتونك بمثل إلّا جئناك بالحقّ وأحسن تفسيرا (33)
[معاني القرآن: 4/66]
معناه ولا يأتونك بمثل إلّا جئناك بالذي هو الحق وأحسن تفسيرا من مثلهم، إلا أن " من " حذفت لأن في الكلام دليلا عليها.
لو قلت: رأيت زيدا وعمرا فكان عمرو أحسن وجها، كان الكلام فيه دليل على أنك تريد: من زيد.
وقوله عز وجل: (الّذين يحشرون على وجوههم إلى جهنّم أولئك شرّ مكانا وأضلّ سبيلا (34)
(الذين) رفع بالابتداء، و (أولئك) رفع ابتداء ثان.
و (شرّ) خبر (أولئك)، و (أولئك) مع (شرّ) خبر (الّذين). وجاء في التفسير أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أصناف، صنف على الدواب وصنف على أرجلهم وصنف على وجوههم.
قيل يا رسول اللّه: كيف يمشون على وجوههم.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي مشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم.
وقوله: (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا (35)
الوزير في اللّغة الذي يرجع إليه ويتحصّن برأيه، والوزر ما يلتجأ إليه ويعتصم به، ومنه قوله: (كلا لا وزر) أي لا ملجأ يوم القيامة ولا منجا إلا لمن رحم اللّه عزّ وجلّ.
وقوله: (فقلنا اذهبا إلى القوم الّذين كذّبوا بآياتنا فدمّرناهم تدميرا (36)
يعني به فرعون وقومه، والذين مسخوا قردة وخنازير.
وقوله: (وقوم نوح لمّا كذّبوا الرّسل أغرقناهم وجعلناهم للنّاس آية وأعتدنا للظّالمين عذابا أليما (37)
يدل هذا اللفظ أن قوم نوح قد كذبوا غير نوح أيضا لقوله (الرسل).
ويجوز أن يكون (الرّسل) يعنى به نوح وحده، لأن من كذب بنبي فقد كذب
[معاني القرآن: 4/67]
بجميع الأنبياء، لأنة مخالف للأنبياء، لأن الأنبياء يؤمنون باللّه وبجميع رسله.
ويجوز أن يكون يعنى به الواحد.
ويذكر لفظ الجنس كما يقول الرجل للرجل ينفق الدرهم الواحد أنت ممن ينفق الدراهم، أي ممن نفقته من هذا الجنس.
وفلان يركب الدواب وإن لم يركب إلا واحدة.
وقوله: (وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ وقرونا بين ذلك كثيرا (38)
قوم نوح " منصوبون " على معنى - وأغرقنا قوم نوح، (وعادا وثمود وأصحاب الرّسّ) نصب عطف على الهاء والميم، التي في قوله جعلناهم للناس آية.
ويجوز أن يكون معطوفا على معنى (وأعتدنا للظّالمين عذابا أليما)
ويكون التأويل: وعدنا الظالمين بالعذاب، ووعدنا عادا وثمودا وأصحاب الرسّ.
قال أبو إسحاق: والدليل على ذلك قوله: (وأعتدنا للظّالمين عذابا أليما).
والرس: بثر، يروى أنهم قوم كذبوا بنبيهم ورموه في بئر، أي دسّوه فيها.
ويروى أن الرسّ قرية باليمامة يقال لها ملح، ويروى أن الرسّ ديار لطائفة من ثمود.
وقوله: (وقرونا بين ذلك كثيرا).
يروى أن القرن مدّته سبعون سنة.
وقوله: (وكلّا ضربنا له الأمثال وكلّا تبّرنا تتبيرا (39)
(كلّا) منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره، المعنى وأنذرنا كلّا ضربنا له الأمثال.
(وكلّا تبّرنا تتبيرا).
التتبير التدمير والهلاك، وكل شيء كسّرته وفتّتّه فقد تبّرته، ومن هذا
[معاني القرآن: 4/68]
قيل لمكسّر الزجاج التبر، وكذلك تبر الذهب.
وقوله: (ولقد أتوا على القرية الّتي أمطرت مطر السّوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا (40)
(أتوا) أي مشركو مكّة، يعنى به قرية قوم لوط التي أمر اللّه عليها الحجارة، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الذي جرأهم على التكذيب، وأنهم لم يبالوا بما شاهدوا من التعذيب في الدنيا أنهم كانوا لا يصدقون بالبعث فقال: (أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا).
قيل لا يخافون ما وعدوا به من العذاب بعد البعث.
والذي عند أهل اللغة أن الرجاء ليس على معنى الخوف، هذا مذهب من يرفع الأضداد، وهو عندي الحق، المعنى بل كانوا لا يرجون ثواب من عمل خيرا بعد البعث فركبوا المعاصي.
وقوله: (وإذا رأوك إن يتّخذونك إلّا هزوا أهذا الّذي بعث اللّه رسولا (41)
المعنى يقولون: أهذا الذي بعث اللّه إلينا رسولا.
وقوله: (أرأيت من اتّخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا (43)
يروى أن الواحد من أهل الجاهلية كان يعبد الحجر، فإذا مرّ بحجر أحسن منه ترك الأول وعبد الثاني، وقيل أيضا من اتخذ إلهه هواه، أي أطاع هواه وركبه فلم يبال عاقبة ذلك.
وقوله: (أفأنت تكون عليه وكيلا) أي حفيظا.
وقوله عزّ وجلّ: (أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلّا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا (44)
معناه ما هم إلا كالأنعام في قلة التمييز فيما جعل دليلا لهم من الآيات والبرهان.
[معاني القرآن: 4/69]
قال: (بل هم أضل سبيلا).
لأن: الأنعام تسبح بحمد الله وتسجد له وهم كما قال اللّه عزّ وجلّ:
(ثمّ قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة).
وقوله عزّ وجلّ: (ألم تر إلى ربّك كيف مدّ الظّلّ ولو شاء لجعله ساكنا ثمّ جعلنا الشّمس عليه دليلا (45)
الظل: من وقت طلوع الفجر إلى وقت طلوع الشمس.
(ولو شاء لجعله ساكن)، أي ثابتا دائما لا يزول.
(ثم جعلنا الشمس عليه دليلا).
فالشمس دليل على الظّل، وهي تنسخ الظلّ.
(ثمّ قبضناه إلينا قبضا يسيرا (46)
قيل خفيّا، وقيل سهلا، ومعنى ألم تر، ألم تعلم، وهذا من رؤية القلب.
ويجوز أن يكون ههنا من رؤية العين، ويكون المعنى: ألم تر كيف مدّ الظلّ ربّك!
والأجود أن يكون بمعنى ألم تعلم.
وقوله: (وهو الّذي أرسل الرّياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السّماء ماء طهورا (48)
فيها ستة أوجه، نشرا بفتح النون، ونشرا بضمها، ونشرا بضم النون والشين، ويجوز بشرى مؤنث بالباء على وزن فعلى، وبشرا بالتنوين والباء.
وبشرا بين يدي رحمته، فهذه ستة أوجه منها أربعة يقرأ بها.
فأمّا نشرا فمعناه إحياء ينشر السحاب الذي به المطر، الذي فيه حياة كل شيء.
ومن قرأ نشرا فهو جمع نشور ونشر مثل رسول ورسل، ومن قرأ بالإسكان أسكن الشين استخفافا، فهذه ثلاثة أوجه في النّون.
فأمّا الباء فمن نوّن بالباء وضمّها وتسكين الشين، فإنما هو بتسكين العين من قولك بشرا، وإذا لم ينوّنها فألفها
[معاني القرآن: 4/70]
للتأنيث.
ومن قرأ بشرا بالتنوين فهو جمع: يقال: ريح بشور، كما قال: (ومن آياته أن يرسل الرّياح مبشّرات) أي تبشر بالغيث.
ومن قرأ بشرا - بالضم " فهو على أصل الجمع.
ومن قرأ بشرى بغير تنوين فهو بمعنى بشارة.
وقوله: (وأنزلنا من السّماء ماء طهورا).
كل ماء نزل من السماء أو خرج من بحر أو أذيب من ثلج أو برد فهو طهور، قال عليه السلام في البحر: " هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته ".
وقوله: (لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه ممّا خلقنا أنعاما وأناسيّ كثيرا (49)
ولو كان ميتة لجاز وقيل: " ميتا " ولفظ البلدة مؤنث، لأن معنى البلد والبلدة واحد.
وقوله: (وأناسيّ كثيرا).
أناسى جمع إنسى مثل كرسي وكراسي ويجوز أن يكون جمع إنسان وتكون الياء بدلا من النون، الأصل أناسين بالنّون مثل سراحين.
وقوله: (ولقد صرّفناه بينهم ليذّكّروا فأبى أكثر النّاس إلّا كفورا (50)
أي صرفنا المطر بينهم ليذكروا، أي ليتفكروا في نعم اللّه عليهم فيه.
ويحمدوه على دلك..
(فأبى أكثر النّاس إلّا كفورا).
وهم الذين يقولون: مطرنا بنوء كذا، أي بسقوط كوكب كذا،، كما يقول المنجّمون فجعلهم اللّه بذلك كافرين.
وقوله: (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا (52)
[معاني القرآن: 4/71]
ويجوز كثيرا، والقراءة بالباء، ومعنى (به) أي بالحق، أي بالقرآن الذي أنزل اليك وهو الحق.
وقوله عزّ وجلّ: (وهو الّذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (53)
معنى مرج خلّى بينهما، تقول: مرجت الدابة وأمرجتها إذا خليتها ترعى والمرج من هذا سمّي، ويقال مرجت عهودهم وأماناتهم إذا اختلطت. يروى ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: (هذا عذب فرات).
فرات: صفة لعذب، والفرات أشدّ المياه عذوبة، والمعنى هذا عذب أشدّ الماء عذوبة.
(وهذا ملح أجاج).
والأجاج صفة للملح، المعنى وهذا ملح أشدّ الملوحة.
(وجعل بينهما برزخا).
البرزخ الحاجز فهما في مرأى العين مختلطان، وفي قدرة اللّه – عز وجل - منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر.
وقوله عزّ وجل: (وهو الّذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربّك قديرا (54)
فالأصهار من النسب من يجوز لهم التزويج، والنسب الذي ليس يصهر، من قوله: (حرّمت عليكم أمّهاتكم) إلى (وأن تجمعوا بين الأختين).
وقوله: (ويعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم ولا يضرّهم وكان الكافر على ربّه ظهيرا (55)
[معاني القرآن: 4/72]
معنى الظهير: المعين، لأنه يتابع الشيطان ويعاونه على معصية اللّه، لأن عبادتهم للأصنام معاونة للشيطان.
وقوله عزّ وجلّ: (الّذي خلق السّماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ثمّ استوى على العرش الرّحمن فاسأل به خبيرا (59)
(الرّحمن فاسأل به خبيرا).
ويجوز " الرّحمن فاسأل "، فمن قال: (الرّحمن) فهو رفع من جهتين:
إحداهما على البدل مما في قوله: (ثم استوى)، ثم بين بقوله الرحمن.
ويجوز أن يكون ابتداء و (فاسأل به) الخبر.
والمعنى فاسأل عنه خبيرا.
ومن قال " الرحمن " فهو على معنى: وتوكّل على الحيّ الّذي لا يموت (الرحمن). صفة للحيّ.
وقوله عزّ وجلّ: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرّحمن قالوا وما الرّحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا (60)
(تأمرنا) وتقرأ (يأمرنا)، والرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب الأول ولم يكونوا يعرفونه من أسماء اللّه فقيل لهم إنه من أسماء الله، (قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى).
ومعناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة، لأن فعلان بناء من أبنية المبالغة، تقول: رجل عطشان وريّان إذا كان في النهاية في الريّ والعطش، وكذلك فرحان وجذلان وخزيان، إذا كان في غاية الفرح أو في نهاية الخري.
وقوله: (تبارك الّذي جعل في السّماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا (61)
البروج: قيل هي الكواكب العظام، والبرج تباعد بين الحاجبين، وكل ظاهر مرتفع فقد برج، وإنما قيل لها بروج لظهورها وتباينها وارتفاعها.
[معاني القرآن: 4/73]
(وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا).
ويقرأ (سرجا) ويجوز سرجا بتسكين الراء مثل رسل ورسل، فمن قرأ سراجا عنى الشمس كما قال تعالى: (وجعل الشمس سراجا).
ومن قرأ (سرجا) أراد الشمس والكواكب العظام معها.
وقوله عزّ وجلّ: (وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفة لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورا (62)
ويقرأ (لمن أراد أن يذكر).
قال الحسن: من فاته عمله من التذكر والشكر كان له في الليل مستعتب، ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب.
وقال أهل اللغة خلفة يجيء هذا في أثر هذا، وأنشدوا قول زهير:
بها العين والأرام يمشين خلفة... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وجاء أيضا في التفسير خلفة مختلفان كما قال اللّه عزّ وجلّ: (إنّ في خلق السّماوات والأرض واختلاف اللّيل والنّهار لآيات لأولي الألباب (190) الّذين يذكرون اللّه قياما) الآية.
وقوله: (وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما (63)
أي يمشون بسكينة ووقار وحلم.
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما).
أي نتسلم منكم سلاما لا نجاهلكم، كأنّهم قالوا تسلّما منكم.
و " عباد "
[معاني القرآن: 4/74]
مرفوع بالابتداء، والأحسن أن يكون خبر الابتداء ههنا ما في آخر السورة من قوله: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)، كأنّه قال: وعباد الرحمن الذين هذه صفتهم كلها - إلى قوله - (واجعلنا للمتقين إماما).
ويجوز أن يكون قوله (وعباد الرّحمن) رفعا بالابتداء، وخبره (الذين يمشون على الأرض هونا).
وقوله تعالى: (والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غراما (65)
الغرام في اللغة أشد العذاب.
قال الشاعر:
ويوم النّسار ويوم الجفار... كانا عذابا وكانا غراما
وقوله عزّ وجلّ: (إنّها ساءت مستقرّا ومقاما (66)
(مستقرّا ومقاما) منصوبان على التمييز، المعنى أنها ساءت في المستقر والمقام.
وقوله: (والّذين يبيتون لربّهم سجّدا وقياما (64)
كل من أدركه الليل فقد بات يبيت، نام أو لم ينم، بات فلان البارحة قلقا، إنما المبيت إدراك اللّيل.
وقوله تبالى: (والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما (67)
(يقتروا) بضم الياء وكسر التاء، وبفتح الياء وضم التاء، (ولم يقتّروا) ولا أعلم أحدا قرأ بها، أعني بتشديد التاء.
والذي جاء في التفسير أن الاسراف النفقة في معصية الله، وأنه لا إسراف في الإنفاق فيما قرب إلى الله عزّ وجلّ.
وكل ما أنفق في معصية اللّه فإسراف، لأن الإسراف مجاوزة الحدّ
[معاني القرآن: 4/75]
والقصد.
وجاء في التفسيبر أيضا أن الإسراف ما يقول الناس فيه فلان مسرف.
والحق في هذا ما أدّب اللّه عزّ وجلّ به نبيّه - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملوما محسورا (29).
وقوله: (والّذين لا يدعون مع اللّه إلها آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68)
(ومن يفعل ذلك يلق أثاما).
" يلق " جزم على الجزاء، وتأويل الأثام تأويل المجازاة على الشيء.
قال أبو عمرو الشيباني: يقال قد لقي أثام ذلك أي جزاء ذلك.
وسيبويه والخليل يذهبان إلى أن معناه يلقى جزاء الأثام، قال سيبويه جزمت. (يضاعف له العذاب)، لأن مضاعفة العذاب لقي الأثام
كما قال الشاعر:
متى تأتنا تلمم بنا في ديارنا... تجد حطبا جزلا ونارا تأجّجا
لأن الإتيان هو الإلمام، فجزم تلمم لأنه بمعنى تأتي.
وقرأ الحسن وحده " يضعّف " له العذاب، وهو جيّد بالغ، تقول ضاعفت الشيء وضعّفته.
وقرأ عاصم: (يضاعف له العذاب) بالرفع. على تأويل تفسير يلق أثاما، كأنّ قائلا قال ما لقيّ الأثام، فقيل يضاعف للآثم العذاب (2).
وقوله: (إلّا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدّل اللّه سيّئاتهم حسنات وكان اللّه غفورا رحيما (70)
ليس أن السيئة بعينها تصير حسنة، ولكن التأويل أن السيئة تمحى بالتوبة وتكتب الحسنة مع التوبة، والكافر يحبط اللّه عمله ويثبت اللّه عليه السّيئات.
وقوله عزّ وجلّ: (والّذين لا يشهدون الزّور وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما (72)
[معاني القرآن: 4/76]
قيل الزور الشرك باللّه، وجاء أيضا أنّهم لا يشهدون أعياد النصارى.
والذي جاء في الزور أنه الشرك باللّه، فأمّا النهي عن شهادة الزور في كتاب الله فقوله: (ولا تقف ما ليس لك به علم إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسئولا (36).
وقوله عزّ وجلّ: (وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراما)
تأويله أعرضوا عنه، كما قال الله عزّ وجلّ:
(وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه)
وتأويل (مرّوا باللّغو) مروا بجميع ما ينبغي أن يلغى.
ومعنى " يلغى " يطرح.
وجاء في التفسير أنّهم إذا أرادوا ذكر النكاح كنوا عنه.
وقال بعضهم: هو ذكر الرفث، والمعنى واحد.
وجاء أيضا أنهم لا يجالسون أهل اللغو وهم أهل المعاصي، ولا يمالئونهم عليها، أي يعاونونهم عليها.
وجاء أيضا في (لا يشهدون الزور) مجالس الغناء.
وقوله عزّ وجل: (والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم لم يخرّوا عليها صمّا وعميانا (73)
تأويله: إذا تليت عليهم خرّوا سجّدا وبكيّا، سامعين مبصرين لما أمروا به ونهوا عنه.
ودليل ذلك قوله: (وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدا وبكيّا).
ومثل هذا من الشعر قوله:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم... ولم تكثر القتلى بها حين سلّت
[معاني القرآن: 4/77]
تأويله: بأيدي رجال شاموا سيوفهم وقد كثرت القتلى، ومعنى يشيموا سيوفهم يغمدوا سيوفهم.
فالتأويل: والّذين إذا ذكروا بآيات ربّهم خرّوا ساجدين مطيعين.
وقوله عزّ وجلّ: (والّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين واجعلنا للمتّقين إماما (74)
(وذرّيّتنا)
ويقرأ (وذرّيّاتنا) - سألوا أن يلحق اللّه بهم ذريتهم في الجنة، وأن يجعل أهلهم تقر بهم أعينهم.
(واجعلنا للمتقين إماما).
أي واجعلنا ممن يهتدي به المتقون، ويهتدي بالمتقين.
وقوله: (قل ما يعبأ بكم ربّي لولا دعاؤكم فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما (77)
أي لولا توحيدكم إياه.
وجاء في التفسير (ما يعبأ بكم) ما يفعل بكم وتأويل (ما يعبأ بكم) أي: أيّ وزن يكون لكم عنده، كما تقول: ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن ولا قدر.
وأصل العبء في اللغة الثقل، ومن ذلك عبأت المتاع جعلت بعضه على بعض.
وقوله: (فقد كذّبتم فسوف يكون لزاما).
جاء في التفسير عن الجماعة أنه يعنى به يوم بدر، وجاء أنه لوزم بين القتلى لزاما.
وقرئت (لزاما)، وتأويله - واللّه أعلم - فسوف يكون تكذيبكم لزاما، يلزمكم فلا تعطون التوبة وتلزمكم العقوبة، فيدخل في هذا يوم بدر.
وغيره مما يلزمهم من العذاب.
وقال أبو عبيدة: لزاما فيصلا، وهو قريب مما قلنا، إلا أن القول أشرح.
وأنشد أبو عبيدة لصخر أخي الهذلي:
[معاني القرآن: 4/78]
فإمّا ينجوا من حتف أرض... فقد لقيا حتوفهما لزاما
وتأويل هذا أن الحتف إذا كان مقدرا فهو لازم، وإن نجا من حتف مكان لحقه في مكان آخر لازما له لزاما.
ومن قرأ (لزاما) بفتح اللام، فهو على مصدر لزم لزاما.
[معاني القرآن: 4/79]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir