دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 10:43 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة النور

سورة النّور
(مدنية)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله عزّ وجلّ: (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بيّنات لعلّكم تذكّرون (1)
القراءة الرفع، وقرأ عيسى بن عمر (سورة) بالنصب.
فأمّا الرفع فعلى إضمار هذه سورة أنزلناها، ورفعها بالابتداء قبيح لأنها نكرة و (أنزلناها) صفة لها. والنصب على وجهين، على معنى أنزلنا سورة، كما تقول زيدا ضربته، وعلى معنى اتل سورة أنزلناها.
(وفرضناها).
بتخفيف الراء، ويقرأ بالتشديد في الراء، فمن قرأ بالتخفيف فمعناه ألزمناكم العمل بما فرض فيها، ومن قرأ بالتشديد فعلى وجهين:
أحدهما على معنى التكثير، على معنى أنا فرضنا فيها فروضا كثيرة وعلى معنى بيّنّا وفضلنا ما فيها من الحلال والحرام.
وقوله: (الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين (2)
القراءة الرفع، وقرأ عيسى بن عمر بالنصب، (الزانية والزاني) بفتح التاء.
وزعم الخليل وسيبويه أن النصب المختار وزعم سيبويه أن القراءة الرفع.
وزعم غيرهم من البصريين والكوفيين أن الاختيار الرفع، وكذا هو عندي، لأن الرفع كالإجماع في القراءة، وهو أقوى في العربيّة، لأن معناها معنى - من زنى
[معاني القرآن: 4/27]
فاجلدوه، فتأويله الابتداء، وقال سيبويه والخليل إن الرفع على معنى: " وفيما فرضنا عليكم الزانية والزاني " - بالرفع - أو الزانية والزاني فيما فرض عليكم.
والدليل على أن الاختيار الرفع قوله عزّ وجلّ: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما).
وإنّما اختار الخليل وسيبويه النصب لأنه أمر، وأنّ الأمر بالفعل أولى. والنصب جائز على معنى اجلدوا الزانية والزاني.
والإجماع أن الجلد على غير المحصنين، يجلد غير المحصن وغير المحصنة مائة جلدة، وينفى مع الجلد في قول كثير من الفقهاء، يجلد مائة ويغرب عاما.
فأمّا أهل العراق فيجلدونه مائة.
وقوله: (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه).
وتقرأ رأفة في دين الله على وزن رعافة، وتقرأ " يأخذكم بالياء ".
ورآفة مثل السآمة مثل قولك سئمت سآمة، ومثله كآبة ففعاله من أسماء المصادر، وسآمة على قياس كلالة.
وفعالة في الخصال مثل القباحة - والملاحة والفخامة.
وهذا يكثر جدا.
ومعنى (ولا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه)، لا ترحموهما فتسقطوا عنهما ما أمر اللّه به من الحدّ، وقيل يبالغ في جلدهما.
وقوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).
القراءة إسكان اللام، ويجوز كسرها.
واختلف الناس في الطائفة، فقال بعضهم الواحد فما فوقه طائفة، وقال آخرون لا تكون الطائفة أقل من اثنين، وقال بعضهم ثلاثة، وقال بعضهم أربعة، وقال بعضهم عشرة، فأمّا من قال واحد فهو على غير ما عند أهل
[معاني القرآن: 4/28]
اللغة، لأن الطائفة في معنى الجماعة وأقل الجماعة اثنان، وأقل ما يجب في الطائفة عندي اثنان.
والذي ينبغي أن يتحرى في شهادة عذاب الزاني أن يكونوا جماعة لأن الأغلب على الطائفة الجماعة.
وقوله: (الزّاني لا ينكح إلّا زانية أو مشركة والزّانية لا ينكحها إلّا زان أو مشرك وحرّم ذلك على المؤمنين (3)
ويجوز الزاني لا ينكح إلّا زانية، والزانية لا ينكحها إلا زان ولم يقرأ بها. وتأويل (الزّاني لا ينكح إلّا زانية) على معنى لا يتزوّج.
وكذلك الزانية لا يتزوجها إلا زان.
وقال قوم: إنّ معنى النكاح ههنا الوطء، فالمعنى عندهم الزاني لا يطأ إلّا زانية والزانية لا يطؤها إلا زان.
وهذا القول يبعد، لأنه لا يعرف شيء من ذكر النكاح في كتاب اللّه إلا على معنى التزويج، قال اللّه سبحانه: (وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم)، فهذا تزويج لا شكّ فيه.
وقال اللّه، عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ).
فاعلم عزّ وجلّ أن عقد التزويج يسمّى النكاح.
وأكثر التفسير أن هذه الآية نزلت في قوم من المسلمين فقراء كانوا بالمدينة، فهمّوا بأن يتزوجوا ببغايا من بالمدينة - يزنين، ويأخذن الأجرة.
فأرادوا التزويج بهن ليعلنهم، فأنزل الله عزّ وجلّ تحريم ذلك، وقيل إنهم أرادوا أن يسامحوهنّ، فأعلموا أن ذلك حرام.
[معاني القرآن: 4/29]
ويروى أن الحسن قال: إن الزاني إذا أقيم عليه الحدّ لا يزوج إلا بامرأة أقيم عليها الحدّ مثله، وكذلك المرأة إذا أقيم عليها الحدّ عنده لا تزوج إلا برجل مثلها.
وقال بعضهم: الآية منسوخة نسخها قوله: (وأنكحوا الأيامى منكم).
وأكثر القول أن المعنى ههنا على التزويج.
ويجوز " وحرّم ذلك على المؤمنين " بمعنى وحرّم اللّه ذلك على المؤمنين، ولم يقرأ بها.
وهذا لفظه لفظ خبر، ومعناه معنى الأمر، ولو كان على ما قال من قال إنه الوطء لما كان في الكلام فائدة، لأن القائل إذا قال الزانية لا تزني إلا بزان.
والزاني لا يزني إلا بزانية، فليس فيه فائدة إلا على جهة التغليظ في الأمر، كما تقول للرجل الذي قد عرفته بالكذب: هذا كذاب، تريد تغليظ أمره. فعلى ما فيه الفائدة وما توجبه اللغة أن المعنى معنى التزويج.
وقوله تعالى: (والّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4)
معنى (يرمون المحصنات) أي، بالزنا، لكنه لم يقل بالزنا، لأن فيما تقدّم من ذكر الزانية والزاني دليلا على أن المعنى ذلك.
وموضع (الذين) رفع بالابتداء.
وعلى قراءة عيسى بن عمر، يجب أن يكون موضع (الذين يرمون المحصنات) نصبا على معنى اجلدوا الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء.
وعلى ذلك اختيار سيبويه والخليل.
والمحصنات ههنا: اللواتي أحصنّ فروجهنّ بالعفّة.
وقوله: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون (4) إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفور رحيم (5)
[معاني القرآن: 4/30]
اختلف الناس في قبول شهادة القاذف، فقال بعضهم: إذا تاب من قذفه قبلت شهادته.
ويروى أن عمر بن الخطاب قبل شهادة قاذفين، وقال لأبي بكرة إن تبت قبلت شهادتك.
وتوبته أن يرجع عن القذف.
وهذا مذهب أكثر الفقهاء، وأما أهل العراق فيقولون شهادته غير مقبولة لقول اللّه تعالى: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا)، قالوا، وقوله: (إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفور رحيم).
قالوا: هذا الاستثناء من قوله: (وأولئك هم الفاسقون)، فاستثني التائبون من الفاسقين.
وقال من زعم أن شهادته مقبولة أن الاستثناء من قوله: (ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا. إلا الّذين تابوا قالوا وقوله: (وأولئك هم الفاسقون) صفة لهم.
وأجمعوا أن من قذف وهو كافر ثم أسلم وتاب، وكان بعد إسلامه عدلا قبلت شهادته وإن كان قاذفا، والقياس قبول شهادة القاذف إن تاب واللّه - عزّ وجلّ - يقول في الشهادات: (ممن ترضون من الشهداء) فليس القاذف بأشد جرما من الكافر، فحقه أنه إذا تاب وأصلح قبلت شهادته، كما أن الكافر إذا أسلم وأصلح قبلت شهادته.
فإن قال قائل: فما الفائدة في قوله (أبدا)؟
قيل الفائدة أن الأبد لكل إنسان مقدار مدته في حياته، ومقدار مدّته فيما يتصل بقصّته. فتقول: الكافر لا يقبل منه شيء أبدا فمعناه، ما دام كافرا فلا يقبل منه شيء.
وكذلك إذا قلت: القاذف لا تقبل منه شهادة أبدا، فمعناه ما دام قاذفا، فإذا زال عنه الكفر فقد زال أبده، وكذلك القاذف إذا زال عنه القذف فقد زال عنه أبده، ولا فرق بين هذا وذلك. -
وتقرأ (ثم لم يأتوا بأربعة شهداء) - بالتنوين - (فاجلدوهم)، فأربعة
[معاني القرآن: 4/31]
مخفوضة منؤنة، و (شهداء) صفة للأربعة، في موضع جرّ.
ويجوز أن يكون في موضع نصب من جهتين:
إحداهما على معنى ثم لم يحضروا أربعة شهداء، وعلى نصب الحال مع النكرة ثم لم يأتوا حال الشهادة.
فأمّا (إلا الّذين تابوا) فيجوز أن يكون في موضع جر على البدل من الهاء والميم، على معنى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا إلا الذين تابوا.
ويجوز أن يكون في موضع نصب على الاستثناء على قوله: (وأولئك هم الفاسقون - إلا الّذين تابوا)، وإذا استئنوا من الفاسقين أيضا.
فقد وجب قبول شهادتهم لأنهم قد زال عنهم اسم الفسق.
وقوله: (والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه إنّه لمن الصّادقين (6)
معناه والذين يرمون أزواجهم بالزنا.
وقوله: (فشهادة أحدهم أربع شهادات باللّه).
ويقرأ أربع شهادات باللّه بالنصب، فمن قرأ أربع بالرفع فعلى خبر الابتداء، المعنى فشهادة أحدهم التي تدرأ حدّ القاذف أربع، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: (ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات باللّه).
ومن نصب أربعا فالمعنى فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات.
[معاني القرآن: 4/32]
وعلى معنى فالذي يدرأ عنها العذاب أن يشهد أحدهم أربع شهادات (والخامسة أن لعنة الله عليه).
ويجوز والخامسة أن لعنة اللّه عليه، وكذلك والخامسة أن غضب اللّه عليها، والخامسة جميعا، فمن قال: والخامسة فعلى معنى ويشهد الخامسة.
فإذا قذف القاذف امرأته، فشهادته أن يقول: أشهد باللّه إني لمن الصادقين فيما قذفتها به، أو يقول: أحلف باللّه إني لمن الصادقين فيما قذفتها به، أربع مرات، ويقول في الخامسة لعنة اللّه عليه إن كان من الكاذبين.
وكذلك تقول المرأة: أشهد بالله إنه لمن الكاذبين فيما قذفني به، أربع مرات، وتقول في الخامسة: وعليّ غضب الله إن كان من الصادقين.
وهذا هو اللّعان، فإذا تلاعنا فرق بينهما، واعتدّت عدّة المطلّقة من وقتها ذلك.
فإذا فعلا ذلك لم يتزوجها أبدا في قول أكثر الفقهاء من أهل الحجاز وبعض الكوفيين يتابعهم، وهو أبو يوسف، والقياس ما عليه أهل الحجاز، لأن القاذف قذفها بالزّنا، فهو لا ينبغي له أن يتزوّج بزانية، وليس يظهر لهذا توبة، واللّعان لا يكون إلا بحاكم من حكام المسلمين.
وقوله تعالى: (ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته وأنّ اللّه توّاب حكيم (10)
ههنا جواب لولا متروك، والمعنى - واللّه أعلم - ولولا فضل الله عليكم لنال الكاذب لما ذكرنا عذاب عظيم، ويدل عليه: (ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته في الدّنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم (14).
وقوله تعالى: (إنّ الّذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرّا لكم بل هو خير لكم لكلّ امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والّذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم (11)
معنى الإفك ههنا الكذب. وقد سمّي بعضهم في الآثار، ولم يسمّوا في القرآن
[معاني القرآن: 4/33]
فممن سمّي حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وعبد اللّه بن أبيّ.
ومن النساء حمنة بنت جحش.
(لا تحسبوه شرّا لكم بل هو خير لكم).
وقيل لكم والتي قصدت عائشة رحمها اللّه، فقيل لكم يعنى به هي ومن بسببها من النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر رحمه اللّه.
وقوله: (والّذي تولّى كبره منهم).
ويقرأ (كبره منهم له عذاب عظيم).
[معاني القرآن: 4/34]
فمن قرأ (كبره) فمعناه من تولّى الإثم في ذلك، ومن قرأ كبره أراد معظمه.
ويروى أن حسان بن ثابت دخل على عائشة، فقيل لها أتدخلين هذا الذي قال اللّه عزّ وجلّ - فيه: (والّذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم) فقالت أو ليس قد ذهب بصره.
ويروى أنّه أنشدها قوله في بيته:
حصان رازان ما تزنّ بريبة... وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت له: لكنك لست كذلك.
وقوله تعالى: (والخامسة أن غضب اللّه عليها).
بتخفيف أن ورفع غضب على معنى أنه غضب الله عليها، ويجوز أن غضب اللّه عليها، وههنا " هاء " مضمرة، وأن مخففة من الثقيلة.
المعنى أنه غضب اللّه عليها، وأنه غضب اللّه عليها.
قال الشاعر:
في فتية كسيوف الهند قد علموا... أن هالك كل من يحفى وينتعل
وجاء في التفسير في قوله: (لا تحسبوه شرّا لكم بل هو خير لكم)
أنه يعنى به عائشة وصفوان بن المعطّل، ويجوز " لكم " في معنى
[معاني القرآن: 4/35]
(لكما)، والذي فسّرناه أولا يتضمّن أمر عائشة وصفوان والنبي - صلى الله عليه وسلم - وكل من بينه وبين عائشة سبب، ويجوز أن يكون لكل من رمي بسبب.
وقوله تعالى: (لولا إذ سمعتموه ظنّ المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين (12)
معناه هلّا إذ سمعتموه، لأن المعنى ظن المؤمنون بأنفسهم، في موضع الكناية عنهم وعن بعضهم، وكذلك يقال للقوم - الذين يقتل بعضهم بعضا أنّهم يقتلون أنفسهم.
(وقالوا هذا إفك مبين)، أي كذب بيّن.
وقوله عزّ وجلّ: (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسّعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل اللّه وليعفوا وليصفحوا ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم واللّه غفور رحيم (22)
وقرئت: ولا يتألّ أولو الفضل منكم والسّعة.
ومعنى تأتلي تحلف وكذلك يتألّى يحلف.
ومعنى (أن يؤتوا) أن لا يؤتوا (أولي القربى)، المعنى ولا يحلف أولو الفضل منكم والسّعة أن لا يعطوا (أولي القربى والمساكين).
ونزلت هذه الآية في أبي بكر الصّدّيق، وكان حلف أن لا يفضل على مسطح بن أثاثة، وكان ابن خالته بسبب سبّه عائشة - رضي الله عنها - فلما نزلت: (ألا تحبّون أن يغفر اللّه لكم).
قال أبو بكر: بلى، وأعاد الإفضال على مسطح وعلى من حلف أن لا يفضل عليه وكفّر عن يمينه.
[معاني القرآن: 4/36]
وقوله تعالى: (إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدّنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم (23)
قيل إنه يعنى به أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقيل إن الأصل فيه أمر عائشة، ثم صار لكل من رمى المؤمنات.
ولم يقل ههنا والمؤمنين استغناء بأنه إذا رمى المؤمنة فلا بد أن يرمي فعها مؤمنا، فاستغنى عن ذكر المؤمنين لأنه قد جرى ذكر المؤمنين والمؤمنات، ودل ذكره المؤمنات على المؤمنين، كما قال: (سرابيل تقيكم الحرّ) ولم يقل وتقيكم البرد، لأن ما كان وقى الحرّ وقى البرد، فاستغنى عن ذكر أحدهما بالآخر.
وقوله: (يومئذ يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ ويعلمون أنّ اللّه هو الحقّ المبين (25)
ويقرأ الحقّ، فمن قرأ الحقّ فالحقّ من صفة اللّه عزّ وجلّ، فالمعنى يومئذ يوفيهم اللّه الحق دينهم، ومن قرأ دينهم الحق، فالحق من صفة الذين والدّين ههنا الجزاء، المعنى يومئذ يوفّيهم اللّه جزاءهم الحق، أي جزاءهم الواجب.
وقوله جلّ وعزّ: (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيّبات للطّيّبين والطّيّبون للطّيّبات أولئك مبرّءون ممّا يقولون لهم مغفرة ورزق كريم (26)
فيها وجهان، المعنى الكلمات الخبيثات للخبيثين من الرجال، والرجال الخبيثون للكلمات الخبيثات، أي لا يتكلّم بالخبيثات إلا الخبيث من الرجال والنساء، ولا يتكلّم بالطيبات إلا الطيب من الرجال والنساء، ويجوز أن يكون معنى هذه الكلمات الخبيثات إنما تلصق بالخبيثين من الرجال والخبيثات من النّساء، فأما الطاهرات الطيبات فلا يلصق بهن شيء.
وقيل الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال وكذلك الطيبات من النساء، للطيبين من الرجال.
[معاني القرآن: 4/37]
وقوله: (أولئك مبرّءون ممّا يقولون).
أي عائشة وصفوان بن المعطّل، وكذلك كل من قذف من المؤمنين
والمؤمنات مبرأون ممّا يقول أهل الخبث القاذفون.
(لهم مغفرة ورزق كريم).
أي للذين قذفوا ورموا مغفرة ورزق كريم، وللقاذفين اللعنة في الدنيا والآخرة وعذاب عظيم.
وقوله: (إذ تلقّونه بألسنتكم).
معناه إذ يلقيه بعضكم إلى بعض، وقرأت عائشة رحمها اللّه: إذ تلقونه بألسنتكم، ومعناه إذ تسرعون بالكذب، يقال ولق يلق إذا أسرع في الكذب وغيره.
قال الشاعر:
جاءت به عنس من الشام تلق
أي تسرع.
وقوله تعالى: (يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلّكم تذكّرون (27)
يقرأ بالضمّ والكسر، ولكن الضم أكثر، فمن ضمّ فعلى أصل الجمع.
يجمع بيت وبيوت مثل قلب وقلوب وفلس وفلوس، ومن قرأ بالكسر فإنما كسر للياء التي بعد الباء، وذلك عند البصريين رديء جدّا، لأنه ليس في كلام العرب فعول - بكسر الفاء -.
وقوله: (حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها).
[معاني القرآن: 4/38]
معنى تستأنسوا في اللغة تستأذنوا، وكذلك هو في التفسير، والاستئذان الاستعلام، تقول آذنته بكذا أي أعلمته، وكذلك آنست منه كذا وكذا - علمت منه، وكذلك، (فإن آنستم منهم رشدا) أي علمتم.
فمعنى حتى تستأنسوا حتى تستعلموا أيريد أهلها أن يدخلوا أم لا، والدليل على أنه الإذن قوله: (فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتّى يؤذن لكم).
وقوله تعالى: (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم واللّه يعلم ما تبدون وما تكتمون (29)
أي ليس عليكم جناح أن تدخلوا هذه بغير إذن.
وجاء في التفسير أنه يعنى بها الخانات، ويقال للخان فندق وفنتق. -
بالدال والتاء - وإنما قيل: ليس عليكم جناح أن تدخلوا هذه البيوت لأنه حظر أن تدخل البيوت الّتي ليست لهم إلا بإذن، فأعلموا أن دخول هذه المواضع المباحة - نحو الخانات وحوانيت التجارة التي تباع فيها الأشياء ويبيح أهلها دخولها - جائز.
وقيل إنه يعنى بها الخربات التي يدخلها الرجل لبول أو غائط.
ويكون معنى: (فيها متاع لكم) بمعنى إمتاع، أي متفرّجون فيها مما بكم.
وقوله تعالى: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنّ ويحفظن فروجهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلّا ما ظهر منها وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ ولا يبدين زينتهنّ إلّا لبعولتهنّ أو آبائهنّ أو آباء بعولتهنّ أو أبنائهنّ أو أبناء بعولتهنّ أو إخوانهنّ أو بني إخوانهنّ أو بني أخواتهنّ أو نسائهنّ أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة من الرّجال أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ وتوبوا إلى اللّه جميعا أيّه المؤمنون لعلّكم تفلحون (31)
(ولا يبدين زينتهنّ إلّا ما ظهر منها).
أي لا يبدين زينتهنّ الباطنة، نحو المخنقة والخلخال والدّملج والسّوار.
والتي تظهر هي الثياب والوجه.
[معاني القرآن: 4/39]
وقوله تعالى: (ولا يضربن بأرجلهنّ ليعلم ما يخفين من زينتهنّ).
كانت المرأة ربما اجتازت وفي رجلها الخلخال، وربما كان فيها الخلاخل فإذا ضربت برجلها علم أنها ذات خلخال وزينة، وهذا يحرك من الشهوة فنهي عنه، كما أمرن ألا يبدين، لأن استماع صوته بمنزلة إبدائه.
وقوله: (وأنكحوا الأيامى منكم والصّالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله واللّه واسع عليم (32)
قرئت من عبيدكم، وكلاهما جائز، وهذا لازم في الأيامى، والمعنى وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن أردن تحصّنا.
(وليستعفف الّذين لا يجدون نكاحا حتّى يغنيهم اللّه من فضله والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا لتبتغوا عرض الحياة الدّنيا ومن يكرههنّ فإنّ اللّه من بعد إكراههنّ غفور رحيم (33)
ومعنى (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصّنا).
أي لا تكرهوهن على البغاء ألبتّة، وليس المعنى: لا تكرهوهن إن أردن تحصنا. وإن لم يردن فليس لنا أن نكرههنّ.
وقوله: (إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله).
فحث اللّه - عزّ وجلّ - على النكاح وأعلم أنه سبب لنفي الفقر.
ويروى عن عمر رحمه اللّه أنه قال: عجت لامرئ كيف لا يرغب في الباءة واللّه يقول (إن يكونوا فقراء يغنهم اللّه من فضله).
وقوله: (والّذين يبتغون الكتاب ممّا ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا).
معنى (إن علمتم فيهم خيرا) قيل إن علمتم أداء ما يفارق عليه، أي علمتم أنهم يكتبون ما يؤدّونه.
ومعنى المكاتبة أن يكاتب الرجل عبده أو أمته
[معاني القرآن: 4/40]
على أن يفارقه، أنه إذا أدّى إليه كذا وكذا من المال في كذا وكذا من النجوم فالعبد حر إذا أدّى جميع ما عليه، وولاؤه لمولاه الذي كاتبه، لأن مولاه جاد عليه بالكسب الذي هو في الأصل لمولاه.
وقوله: (وآتوهم من مال اللّه الّذي آتاكم).
هذا - عند أكثر الفقهاء - على الندب، للمولى أن يعطيه شيئا مما يفارقه عليه، أو من ماله ما يستعين به على قضاء نجومه، وله ألّا يفعل، وكذلك له أن يكاتبه إذا طلب المكاتبة وله ألّا يكاتبه.
ومخرج هذا الأمر مخرج الإباحة، كما قال: (وإذا حللتم فاصطادوا) لأنه حرّم عليهم الصيد ما داموا حرما.
وكذلك قوله: (فإذا قضيت الصّلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه) هذا بعد أن حظر عليهم البيع في وقت النداء إلى الصلاة، فهذا أباحه
فيه لأن العبد المملوك لا مال له، ولا يقدر على شيء، فأباح اللّه لهم أن يقدروه.
ويروى عن عمر أنه كاتب عبدا له يكنى أبا أميّة، وهو أول عبد كوتب في الإسلام، فأتاه بأول نجم فدفعه إليه عمر، وقال له: استعن به على مكاتبتك، فقال: لو أخرته إلى آخر نجم، فقال أخاف ألّا أدرك ذلك.
وقوله: (أو نسائهنّ)..
وذلك أنه لا يحل أن ترى المشركات ما يحل أن تراه المؤمنات من
[معاني القرآن: 4/41]
المؤمنات، يعنى بنسائهن نساء المؤمنات، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض).
وقوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانهنّ أو التّابعين غير أولي الإربة).
" غير " صفة للتابعين دليل على قوله: (أو ما ملكت أيمانهنّ)، معناه أيضا غير أولي الإربة من الرجال.
والمعنى لا يبدين زينتهن لمماليكهنّ ولا لتباعهنّ إلا أن يكونوا غير أولي إربة. والإربة الحاجة، ومعناه ههنا غير ذوي الحاجات
إلى النساء فأمّا خفض " غير " فصفة للتابعين، وإن كانت " غير " توصف بها النكرة، فإنّ التابعين ههنا ليس بمقصود إلى قوم بأعيانهم، إنما معناه لكل تابع غير أولي إربة.
ويجوز " غير " بنصب " غير " على ضربين:
أحدهما الاستثناء، المعنى لا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا أولي الإربة فلا يبدين زينتهن لهم، ويجوز أن يكون منصوبا على الحال، فيكون المعنى، والتابعين لا مريدين النساء أي في هذه الحال.
وقوله عزّ وجلّ: (أو الطّفل الّذين لم يظهروا على عورات النّساء).
ويقرأ " عورات " - بالفتح الواو - لأن فعلة يجمع على فعلات – بفتح العين - نحو قولك جفنة وجفنات، وصحفة وصحفات، فإذا كان نحو قولك لوزة وجوزة وعورة، فالأكثر أن تسكن، وكذلك قوله بيضات، لثقل الحركة مع الواو والياء، ومن العرب من يلزم الأصل والقياس في هذا فيقول جوازات وبيضات.
وعلى هذا قرئ عورات. ومعنى لم يظهروا على عورات النساء، لم يبلغوا أن يطيقوا النساء، كما تقول: قد ظهر فلان على فلان إذا قوي عليه. ويجوز أن يكون (لم يظهروا على عورات النساء) لم يدروا ما قباحة عورات النساء من غيرها.
[معاني القرآن: 4/42]
وقوله: (ولقد أنزلنا إليكم آيات مبيّنات ومثلا من الّذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتّقين (34)
يقرأ بالفتح والكسر - فمن قرأ مبيّناب بالفتح فالمعنى أنه ليس فيها لبس، ومن قرأ بالكسر فالمعنى أنها تبيّن لكم الحلال من الحرام.
ثم أعلم عزّ وجلّ أنه قد بيّن جميع أمر السماء، وأمر الأرض بيانا نيّرا لا غاية بعد نوره فقال:
(اللّه نور السّماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزّجاجة كأنّها كوكب درّيّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقيّة ولا غربيّة يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي اللّه لنوره من يشاء ويضرب اللّه الأمثال للنّاس واللّه بكلّ شيء عليم (35)
(اللّه نور السّماوات والأرض)
أي مدبّر أمرهما بحكمة بالغة وحجة نيّرة.
ثم مثل مثل نوره ذلك في القلوب بأبين النور الذي لم يدرك بالأبصار فقال:
(مثل نوره كمشكاة فيها مصباح).
فنوره يجوز أن يكون ما ذكرنا من تدبيره، وجائز أن يكون كتابه الذي بيّن به فقال: (قد جاءكم من اللّه نور وكتاب مبين) وجائز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو النور الذي قال مثل نوره، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المرشد والمبيّن والناقل عن الله ما هو نيّر، بيّن.
وقال: (كمشكاة)، وهي الكوّة، وقيل إنها بلغة الحبش، والمشكاة من كلام العرب، ومثلها - وإن كانت لغير الكوّة - الشكوة وهي معروفة، وهي الدقيق الصغير أو ما يعمل مثله.
(فيها مصباح المصباح في زجاجة).
والمصباح السراج.
وقال: (المصباح في زجاجة) - لأن النور في الزّجاج.
[معاني القرآن: 4/43]
وضوء النار أبين منه في كل شيء، وضوؤه يزيد في الزّجاج.
ثم وصف الزجاجة فقال:
(كأنّها كوكب درّيّ).
و (درّيّ)، منسوب إلى أنه كالدّر، في صفائه وحسنه، وقرئت درّيّ ودرّيّ - بالكسر والفتح - وقد رويت بالهمز.
والنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه فيه، لأنه ليس في كلام العرب شيء على فعّيل، ولكن الكسر جيّد بالهمز - يكون على وزن فعّيل، ويكون من النجوم الدّراري التي تدر.
أي ينحط ويسير متدافعا، ويجوز أن يكون درّيّ بغير همز مخففا من هذا.
قال أبو إسحاق: ولا يجوز أن يضم الدال ويهمز، لأنه ليس في الكلام
فعّيل، ومثال " درّيّ " فعليّ منسوب إلى الدّرّ، ومن كسر الدال قال درّيّ - فكان له، أن يهمز ولا يهمز، فمن همز أخذه من درأ يدرأ الكوكب إذا تدافع منقضّا، فتضاعف ضوءه، يقال: تدارأ الرجلان إذا تدافعا، ويكون وزنه على فعّيل.
ومن كسرها فإنما أصله الهمز فخفف، وبقيت كسرة الدال على أصلها.
ووزنه أيضا فعّيل كما كان وهو مهموز.
وقوله: (يوقد من شجرة مباركة).
ويقرأ (توقد) بالتاء، فمن قرأ بالياء عنى به المصباح، وهو مذكر.
ومن قرأ بالتاء عنى به الزجاجة.
ويجوز " في زجاحة " بفتح الزاي وفيها وجهان آخران قرئ بهما - توقّد - بفتح الدال وضمها وتشديد القاف فيهما جميعا.
فمن قرأ توقّد، فالمعنى تتوقد الزجاجة، ومن قرأ توقّد فتحه لأنه فعل ماض.
ويكون المعنى: المصباح في زجاجة توقّد المصباح (2).
وقوله: (من شجرة مباركة زيتونة).
[معاني القرآن: 4/44]
وليس شيء في الشجر يورق غصنه من أوله إلى آخره مثل الزيتون والرمّان
قال الشاعر:
بورك الميت الغريب كما... بورك نظم الرمان والزيتون
قوله عزّ وجلّ: (لا شرقيّة ولا غربيّة).
أكثر التفسير أنها ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها فقط أو عند الغروب، أي ليس يسترها في وقت من النهار شيء، أي فهي شرقية غربيّة، أي تصيبها الشمس بالغداة، والعشى، فهو أنضر لها وأجود لزيتها وزيتونها.
وقال الحسن: إن تأويل قوله: (لا شرقيّة ولا غربيّة) أنها ليست من شجر الدّنيا أي هي من شجر الجنّة.
وقوله عزّ وجلّ: (في بيوت أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال (36)
جاء في التفسير أن تبنى، وقال الحسن: تأويل " أن ترفع " أن تعظّم.
و " في " من صلة قوله (كمشكاة).
المعنى كمشكاة في بيوت، أي في مساجد.
وقال الحسن يعنى به بيت المقدس.
ويجوز أن تكون " في " متصلة بـ (يسبّح)
ويكون فيها تكريرا على التوكيد، فيكون المعنى يسبح للّه رجال في بيوت أذن اللّه لأن ترفع.
وتقرأ (يسبّح) له فيها، فيكون رفع رجال ههنا على تفسير ما لم
[معاني القرآن: 4/45]
يسم فاعله، فيكون المعنى على أنه لما قال: (يسبّح له فيها) كأنّه قيل: من يسبّح الله فقيل يسبّح رجال كما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة... ومختبط مما تطيح الطّوائح
(والآصال): واحدها أصل، وهي العشايا.
(رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار (37)
ومعنى: (لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة).
أي لا يشغلهم أمر عن ذلك.
ويروى أن ابن مسعود رأى قوما من أهل السوق، وقد نودي بالصّلاة فتركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصّلاة، فقال: هؤلاء من الذين قال اللّه - عز وجل - فيهم، (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللّه).
وقوله: (وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة)
الكلام أقمت الصلاة إقامة، وأصلها أقمت إقواما، ولكن قلبت الواو أيضا فاجتمعت ألفان، فحذفت إحداهما لالتقاء السّاكنين، فبقي أقمت الصلاة إقامة وأدخلت الهاء عوضا من المحذوف، وقامت الإضافة ههنا في التعويض مقام الهاء المحذوفة.
وهذا إجماع من النحويين.
وقوله: (يخافون يوما تتقلّب فيه القلوب والأبصار).
ويجوز تقلّب فيه القلوب والأبصار، في غير القرآن، ولا يجوز في القران " تقلّب، لأن القراءة سنة لا تخالف وإن جاز في العربية ذلك.
[معاني القرآن: 4/46]
ومعنى تتقلب أي ترجف وتجف من الجزع والخوف، ومعناه أن من كان قلبه موقنا بالبعث والقيامة ازداد بصيرة، ورأى ما يحبّه مما وعد به، ومن كان قلبه على غير ذلك رأى ما يوقن معه بأمر القيامة والبعث، فعلم ذلك بقلبه وشاهده ببصره، فذلك تقلب القلوب والأبصار.
وقوله: (والّذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظّمآن ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب (39)
والقيعة جمع قاع، مثل جار وجيرة، والقيعة والقاع ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري.
وذلك هو السّراب، والآل مثل السراب إلا أنه يرتفع وقت الضحى كالماء بين السماء والأرض.
(يحسبه الظّمآن ماء).
يجوز يحسبه ويحسبه، ويجوز الظّمآن والظّمان، على تخفيف الهمزة.
وهو الشديد العطش يقال ظمئ الرجل يظمأ ظمأ فهو ظمآن، مثل عطش يعطش عطشا فهو عطشان.
وقوله: (حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا).
أي حتى إذا جاء إلى السراب وإلى موضعه رأى أرضا لا ماء فيها.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن الكافر يظن عمله قد نفعه عند اللّه، ظنه كظنّ الذي يظن أن السراب ماء، وأن عمله قد حبط وذهب.
وضرب الله هذا المثل للكافر فقال: إن أعمال الكفار كهذا السراب.
(أو كظلمات في بحر لجّيّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور (40)
[معاني القرآن: 4/47]
لأنه عزّ وجل وصف نوره الذي هو للمؤمنين، وأعلم أن قلوب المؤمنين وأعمالهم بمنزلة النور الّذي وصفه، وأنهم يجدونه عند اللّه يجازيهم عليه بالجنة، وأن أعمال الكافرين وإن مثلت بما يوجد فمثله كمثل السراب، وإن مثلت بما يرى فهي كهذه الظلمات التي وصف في قوله: (أو كظلمات في بحر لجّيّ) الآية.
وقوله: (إذا أخرج يده لم يكد يراها).
معناه لم يرها ولم يكد، وقال بعضهم يراها من بعد أن كان لا يراها من شدة الظلمة، والقول الأول أشبه بهذا المعنى، لأن في دون هذه الظّلمات لا يرى الكف.
وقوله: (ومن لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور).
أي من لم يهده اللّه إلى الإسلام لم يهتد.
وقوله: (ألم تر أنّ اللّه يسبّح له من في السّماوات والأرض والطّير صافّات كلّ قد علم صلاته وتسبيحه واللّه عليم بما يفعلون (41)
ويجوز " والطير " على معنى: " يسبح له الخلق مع الطير " ولم يقرأ بها.
وقوله: (كلّ قد علم صلاته وتسبيحه).
معناه كل قد علم اللّه صلاته وتسبيحه، والصلاة للناس، والتسبيح لغير الناس، ويجوز أن يكون (كلّ قد علم صلاته وتسبيحه) كل شيء قد علم
[معاني القرآن: 4/48]
صلاة نفسه وتسبيحها، ويجوز أن يكون كل إنسان قد علم صلاة الله، وكل شيء قد علم تسبيح اللّه.
والأجود أن يكون كل قد علم اللّه صلاته وتسبيحه.
ودليل ذلك قوله - (واللّه عليم بما يفعلون).
وقوله: (ألم تر أنّ اللّه يزجي سحابا ثمّ يؤلّف بينه ثمّ يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السّماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار (43)
معنى: (يزجي) يسوق، (ثمّ يؤلّف بينه) أي يجعل القطع المتفرّقة من السحاب قطعة واحدة (ثمّ يجعله ركاما)، أي يجعل بعض السحاب يركب بعضا.
(فترى الودق يخرج من خلاله).
الودق المطر، ويقرأ من خلله، وخلاله أعم وأجود في القراءة، وخلال جمع خلل وخلال، مثل جبل وجبال، ويجوز أن يكون السحاب جمع سحابة ويكون " بينه " أي بين جميعه، ويجوز أن يكون السحاب واحدا إلا أنه قال بينه لكثرته، ولا يجوز أن تقول جلست بين زيد حتى تقول وعمرو.
وتقول ما زلت أدور بين الكوفة، لأن الكوفة اسم يتضمّن أمكنة كثيرة، فكأنك تقول ما زلت أدور بين طرق الكوفة.
وقوله تعالى: (وينزّل من السّماء من جبال فيها من برد).
ويجوز وينزل بالتخفيف، ومعنى (من السّماء من جبال فيها من برد) من جبال برد فيها كما تقول هذا خاتم في يدي من حديد.
المعنى هذا خاتم حديد في يدي.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون معنى " من جبال " من مقدار جبال من برد كما تقول عند فلان جبال مال تريد مقدار جبال من كثرته.
قوله: (يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار).
[معاني القرآن: 4/49]
وقرأ أبو جعفر المدني: يذهب بالأبصار، ولم يقرأ بها غيره، ووجهها في العربيّة ضعيف، لأن كلام العرب: ذهبت به وأذهبته.
وتلك جائزة أيضا - أعني الضم في الياء في يذهب.
ومعنى (سنا برقه) ضوء برقه، وقرئت (سنا برقه يذهب بالأبصار)
على جمع برقة وبرق، والفرق بين برقه - بالضم -
وبرقه بالفتح أن البرق المقدار من البرق، والبرقة أن يبرق الشيء مرة واحدة، كما تقول: غرفت غرفة واحدة تريد مرة واحدة.
والغرفة مقدار ما يغرف، وكذلك اللّقمة واللّقمة.
وقوله تعالى: (واللّه خلق كلّ دابّة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق اللّه ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيء قدير (45)
(واللّه خالق كلّ دابّة من ماء)
ويقرأ، (واللّه خلق كلّ دابّة من ماء)، فدابّة اسم لكل حيوان ممينر وغيره: فلما كان لما يعقل ولما لا يعقل قال (فمنهم)، ولوكان لما لا يعقل لقيل فمنها أو منهنّ.
ثم قال: (من يمشي على بطنه).
فقال (من) - وأصل من لما يعقل -، لأنه لمّا خلط الجماعة فقيل فمنهم جعلت العبارة بمن، وقيل يمشي على بطنه، لأن كل سائر كان له رجلان أو أربع أو لم تكن له قوائم، يقال له ماش وقد مشى، ويقال لكل مستمر ماش، وإن لم يكن من الحيوان حتى يقال قد مشى. هذا الأمر.
(من ماء)، وإنما قيل من ماء كما قال اللّه سبحانه: (وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ).
وقوله جلّ وعلا: (وإن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين (49)
جاء في التفسير " مسرعين "، والإذعان في اللغة الإسراع مع الطاعة.
تقول: قد أذعن لي بحقي، معناه قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه، وصار يسرع إليه.
[معاني القرآن: 4/50]
وقوله: (وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ قل لا تقسموا طاعة معروفة إنّ اللّه خبير بما تعملون (53)
(قل لا تقسموا طاعة معروفة).
تأويله طاعة معروفة أمثل من قسمكم لما لا تصدقون فيه.
والخبر مضمر،. وهو " أمثل " - وحذف لأن في الكلام دليلا عليه، لأنه قال: (وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجنّ).
واللّه عزّ وجلّ وراء ما في قلوبهم فقال: (قل لا تقسموا طاعة معروفة إنّ اللّه خبير بما تعملون).
ويجوز: طاعة معروفة على معنى أطيعوا طاعة معروفة، لأنهم أقسموا إن أمروا أن يطيعوا فقيل أطيعوا طاعة معروفة، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فإن لم ترو فلا تقرا بها، وهذا يعنى به المنافقون.
وقوله عزّ وجلّ: (وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون (55)
(وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم)
وإنما جاءت اللام لأن " وعدته بكذا أو كذا " و " وعدته لأكرمنّه بمنزلة قلت لأن الوعد لا ينعقد إلا بقول.
ومعنى (ليستخلفنّهم في الأرض) أي ليجعلنّهم يخلفون من بعدهم من المؤمنين فاستخلف الذّين من قبلهم.
وقرئت (كما استخلف الذين من قبلهم).
(وليمكّننّ لهم دينهم الّذي ارتضى لهم).
يعني به الإسلام.
(وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا) وقرئت (وليبدلنّهم).
وقوله: (يعبدونني لا يشركون بي شيئا) يجوز أن يكن مستأنفا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، على معنى وعد اللّه المؤمنين في حال عبادتهم وإخلاصهم للّه - عزّ جل - ليفعلنّ بهم.
ويجوز أن يكون استئنافا على طريق الثناء عليهم وتثبيتا كأنّه قال: يعبدني المؤمنون لا يشركون بي شيئا.
[معاني القرآن: 4/51]
وقوله: (لا تحسبنّ الّذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النّار ولبئس المصير (57)
القراءة بالتاء على معنى: لا تحسبنّ يا محمد الكافرين معجزين، أي قدرة اللّه محيطة بهم وقرئت: لا يحسبن على حذف المفعول الأول من يحسبن على معنى لا يحسبن الذين كفروا إياهم معجزين في الأرض، كما تقول زيد حسبه، فإنما تريد حسب نفسه قائما، وكأنه لا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم معجزين، وهذا في باب ظننت، تطرح فيه النفس يقال ظننتني أفعل، ولا يقال ظننت نفسي أفعل، ولا يجوز ضربتني، استغني عنها بضربت نفسي.
وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم والّذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ طوّافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات واللّه عليم حكيم (58)
فأمر اللّه عزّ وجلّ بالاستئذان في الأوقات التي يتخفى فيها ويتكشفون، وبيّنها فقال: (من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظّهيرة ومن بعد صلاة العشاء).
يعنى به العتمة عشاء الآخرة، فأعلم أنها عورات فقال (ثلاث عورات لكم)، على معنى هي ثلاث عورات لكم، وقرئت " ثلاث عورات لكم "
والإسكان أكثر لثقل الحركة والواو.
تقول طلحة وطلحات، وجمرة وجمرات.
ويجوز في لوزة لوزات بحركة الواو، والأجود لوزات، ويجوز ثلاث عورات بالنصب، على معنى ليستأذتوكم ثلاث عورات، أي في أوقات ثلاث عورات.
وقوله: (ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهنّ).
أي ليس عليكم جناح ولا عليهم في أن لا يستأذنوا بعد أن يمضي كل وقت من هذه.
[معاني القرآن: 4/52]
وقوله تعالى: (طوّافون عليكم).
على معنى هم طوافون عليكم.
وقوله: (بعضكم على بعض) على معنى يطوف بعضكم على بعض.
وقوله: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم كذلك يبيّن اللّه لكم آياته واللّه عليم حكيم (59)
فالبالغ يستأذن في كل الأوقات، والطفل والمملوك يستأذن في الثلاث العورات.
وقوله: (والقواعد من النّساء اللّاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة وأن يستعففن خير لهنّ واللّه سميع عليم (60)
القواعد جمع قاعدة، وهي التي قعدت عن الزواج.
(اللّاتي لا يرجون نكاحا) أي لا يردنه، ولا يرجونه، وقيل أيضا اللاتي قد قعدن عن الحيض.
(فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات بزينة).
قال ابن مسعود: أن يضعن الملحفة والرّداء.
(وأن يستعففن خير لهنّ).
أي أن لا يضعن الرداء والملحفة خير لهن من أن يضعنه.
وقوله: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمّهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عمّاتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم تحيّة من عند اللّه مباركة طيّبة كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تعقلون (61)
الحرج في اللغة الضيق، ومعناه في الدّين الإثم، وجاء في التفسير أن أهل المدينة قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا لا يؤاكلون هؤلاء، فقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك خوفا من تمكن الأصحاء في الطعام، وقلّة تمكن هؤلاء، فقيل
[معاني القرآن: 4/53]
لهم ليس في مؤاكلتهم حرج، وقيل إنهم كانوا يفعلون ذلك تقززا، وقيل أيضا إنّهم كانوا إذا خرجوا مع رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - خلّفوا هؤلاء فكانوا يتحوبون أن يأكلوا مما يحفظونه فأعلمو أنه ليس عليهم خناح، وقيل أيضا إنه كان قوم يدعونهم إلى طعامهم فربما صاروا إلى منازلهم فلم يجدوا فيها طعاما، فيمضون بهم إلي آبائهم.
وجميع ما ذكروا جيّد بالغ إلا ما ذكروا من ترك المؤاكلة تقززا، فإني لا أدري كيف هو.
وقوله: (ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا).
معنى (أشتاتا) متفرقين متوحّدين.
ونصب " جميعا " على الحال، ويروى أن حيا من العرب كان الرجل منهم لا يأكل وحده، وهم حيّ من كنانة، يمكث
الرجل يومه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا، وربما كانت معه الإبل الحفّل، وهي التي ملء أخلافها اللبن فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الرجل منهم إن أكل وحده فلا إثم عليه.
وقوله تعالى: (فإذا دخلتم بيوتا فسلّموا على أنفسكم).
معناه فليسلّم بعضكم على بعض، فالسلام قد أمر الله به، وقيل أيضا: إذا دخلتم بيوتا وكانت خالية فليقل الداخل: السلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين.
وقوله عزّ وجلّ: (تحيّة من عند اللّه).
[معاني القرآن: 4/54]
معناه النصب على المصدر، لأن قوله فسلموا، معناه تحيوا، ويحيي بعضكم بعضا، تحيّة من عند اللّه.
فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن السلام مبارك طيّب.
وقوله: (إنّما المؤمنون الّذين آمنوا باللّه ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتّى يستأذنوه إنّ الّذين يستأذنونك أولئك الّذين يؤمنون باللّه ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم اللّه إنّ اللّه غفور رحيم (62)
قال بعضهم كان ذلك في الجمعة، فهو - واللّه أعلم - أن اللّه عزّ وجل أمر المؤمنين إذا كانوا مع نبيّه - صلى الله عليه وسلم - فيما يحتاج فيه إلى الجماعة، نحو الحرب للعدو، أو ما يحضرونه مما يحتاج إلى الجمع فيه، لم يذهبوا حتى يستاأذنوه.
وكذلك ينبغي أن يكونوا مع أئمّتهم لا يخالفونهم ولا يرجعون عنهم في جمع من جموعهم إلا بإذنهم، وللإمام أن يأذن، وله أن لا يأذن، على قدر ما يرى من الحظّ في ذلك لقوله تعالى: (فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم).
فجعل المشيئة إليه في الإذن.
(واستغفر لهم اللّه).
أي استغفر لهم بخروجهم عن الجماعة إذا رأيت أنّ لهم عذرا.
وقوله: (لا تجعلوا دعاء الرّسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذا فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (63)
أي لا تقولوا: يا محمد كما يقول أحدكم لصاحبه، ولكن قولوا يا رسول الله ويا نبي اللّه بتبجيل وتوقير وخفض صوت.
أعلمهم اللّه عزّ وجلّ فضل النبي عليه السلام على سائر البريّة في المخاطبة.
[معاني القرآن: 4/55]
وقوله: (قد يعلم اللّه الّذين يتسلّلون منكم لواذا).
أظهرت الواو في (لواذا) على معنى لاوذت لواذا، ومعنى لواذا ههنا الخلاف - أي، يخالفون خلافا، ودليل ذلك قوله: (فليحذر الّذين يخالفون عن أمره).
فأمّا مصدر لذت فقولك: لذت به لياذا.
[معاني القرآن: 4/56]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir