دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:39 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الحج

سورة الحج
من الاية 1 الى الاية 37
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله: (يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم (1)
(يا أيّها) نداء مبهم مفرد، وها للتنبيه، وهو مبنى على الضم، والناس رفع تبع لـ (يا أيها)، والنحويون لا يجيزون إلا رفع الناس ههنا.
والمازني أجاز النصب في يا أيها الرجل أقبل، كما تقول يا زيد الظريف والظريف، وهذا غلط من المازني، لأن زيدا يجوز الوقف والاقتصار عليه دون الظريف ويا أيها ليس بكلام، وإنما القصد الناس، فكأنّه بمنزلة - يا ناس اتقوا ربكم.
وجاء في التفسير أن كل شيء جاء في كتاب اللّه من (يا أيها الناس) فمكي، وما كان فيه من (يا أيها الذين آمنوا) فمدني.
وقوله: (إنّ زلزلة السّاعة شيء عظيم).
قيل إن هذه الزلزلة في الدنيا وأن يكون بعدها طلوع الشمس من مغربها وقيل إنها الزلزلة التي تكون مع الساعة.
(يوم ترونها تذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حمل حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديد (2)
ويجوز (تذهل كلّ مرضعة)، ومعنى تذهل تحيّر، وتترك كل مرضعة قد ذهلت عمّا أرضعت.
و(مرضعة) جار على المفعل على ما أرضعت، ويقال:
[معاني القرآن: 3/409]
امرأة مرضع أي ذات رضاع أرضعت ولدها أو أرضعت غيره والقصد قصد ملبن أي ذات لبون ولبن.
وقوله: (وترى النّاس سكارى).
وقرئت: (وترى النّاس سكرى) واسم الفاعل مضمر في ترى.
المعنى ترى أنت أيها الإنسان الناس، ومن قرأ: (وترى النّاس سكرى) كان بمنزلة وترى أنت الناس سكرى.
وفيه وجه آخر ما قرئ به وهو (ويرى الناس سكرى)
فيكون الناس اسم يرى، ووجه آخر لم يقرأ به: (ويرى النّاس سكرى).
المعنى ويرى الإنسان الناس سكرى.
ويقرأ وترى الناس سكرى وما هم بسكرى، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى.
ويجوز وترى الناس سكارى ومال هم بسكارى.
والقراءة الكثيرة: (وترى الناس سكرى وما هم بسكرى).
(وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى) أيضا.
والتفسير أنك تراهم سكارى من العذاب والخوف، وما هم بسكارى من الشراب ويدل عليه: (ولكنّ عذاب اللّه شديد).
وقوله: (ومن النّاس من يجادل في اللّه بغير علم ويتّبع كلّ شيطان مريد (3)
أي يتبع ما يسول له الشيطان، ومريد ومارد معناه أنه قد مرد في الشرّ.
[معاني القرآن: 3/410]
وتأويل المرود أن يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف.
وجائز أن يستعمل ذلك في غير الشيطان، فتقول قد تمرد هذا السيّئ أي قد جاوز حدّ مثله، وأصله في اللغة املساس الشيء، من ذلك قولك للإنسان أمرد إذا لم يكن في وجهه شعر، ويقال للصخرة مرداء إذا كانت ملساء.
وقوله عزّ وجلّ: (كتب عليه أنّه من تولّاه فأنّه يضلّه ويهديه إلى عذاب السّعير (4)
(أنّه) في موضع رفع.
(فأنّه يضلّه)، عطف عليه، وموضعه رفع أيضا، والفاء الأجود فيها أن تكون في معنى الجزاء، وجائز كسر إنّ مع الفاء، ويكون جزاء لا غير.
والتأويل: كتب عليه أي على الشيطان إضلال متولّيه وهدايتهم إلى عذاب السعير، وحقيقة " أن " الثانية أنها مكررة مع الأولى على جهة التوكيد، لأن المعنى كتب عليه أنه من تولاه أضله.
وقوله: (يا أيّها النّاس إن كنتم في ريب من البعث فإنّا خلقناكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة مخلّقة وغير مخلّقة لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمّى ثمّ نخرجكم طفلا ثمّ لتبلغوا أشدّكم ومنكم من يتوفّى ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج (5)
(يا أيّها النّاس إن كنتم في ريب من البعث)
ويقرأ من البعث بفتح العين، والريب الشك، فأمّا البعث بفتح العين - فذكر جميع الكوفيين أن كل ما كان ثانيه حرفا من حروف الحلق، وكان مسكنا مفتوح الأول جاز فيه فتح المسكن نحو نعل ونعل، وشعر وشعر، ونهر ونهر، ونخل ونخل.
فأمّا البصريون فيزعمون أن ما جاء من هذا فيه اللغتان تكلّم به على ما جاء.
وما كان لم يسمع لم يجز فيه التحريك نحو وعد، لأنك لا تقول: لك عليّ وعد، أي عليّ وعدة، ولا في هذا الأمر وهن – في
[معاني القرآن: 3/411]
معنى وهن -. وهذا في بابه مثل ركّ، وركك وقدر وقدر، وقصّ الشاة وقصصها فلا فرق في هذا بين حروف الحلق وغيرها.
وقيل للذين جحدوا البعث وهم المشركون: إن كنتم في شكّ من أنّ اللّه يبعث الموتى فتدبروا أمر خلقكم وابتدائكم فإنكم لا تجدون في القدرة فرقا بين ابتداء الخلق وإعادته، وإحياء الموتى.
ثم بين لهم ابتداء خلقهم فأعلمهم أنهم خلقوا من تراب، وهو خلق آدم عليه السلام، ثم خلق ولده من نطفة، ثم من علقة ثم من مضغة.
وأعلمهم أحوال خلقهم.
ويروى أن الإنسان يكون في البطن نطفة أربعين يوما ثم مضغة أربعين يوما، ثم يبعث اللّه ملكا فينفخ - فيه الروح.
ومعنى (مخلّقة وغير مخلّقة)
وصف الخلق أو منهم من يتمّم مضغته فتخلق له الأعضاء التي تكمل آلات الإنسان ومنهم من لا يتمم اللّه خلقه.
وقوله: (لنبيّن لكم).
أي ذكرنا أحوال خلق الإنسان.
ووجه آخر هو خلقناكم هذا الخلق (لنبيّن لكم).
(ونقرّ في الأرحام ما نشاء).
لا يجوز فيها إلا الرفع، - ولا يجوز أن يكون معناه فعلنا ذلك لنقر في الأرحام، وأنّ اللّه - عزّ وجلّ - لم يخلق الأنام لما يقر في الأرحام، وإنما خلقهم ليدلّهم على رشدهم وصلاحهم.
وقوله - عزّ وجلّ -: (ثمّ نخرجكم طفلا).
في معنى أطفال، ودل عليه ذكر الجماعة.
وكأنّ طفلا يدل على معنى ويخرج كل واحد منكم طفلا.
[معاني القرآن: 3/412]
(ثمّ لتبلغوا أشدّكم).
قد فسرنا الأشدّ، وتأويله الكمال في القوّة والتمييز، وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين.
وقوله: (ومنكم من يردّ إلى أرذل العمر).
أرذل العمر هو الذي يخرف فيه الإنسان من الكبر حتى لا يعقل، وبين ذلك بقوله: (لكيلا يعلم من بعد علم).
ثم دلّهم على إحيائه الموتى بإحيائه الأرض فقال:
(وترى الأرض هامدة).
يعنى جافة ذات تراب.
(فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت).
وتقرأ وربأت.
فاهتزازها تحركها عند وقوع الماء بها وإنباتها.
ومن قرأ: (وربت) فهو من ربا يربو إذا زاد على أي الجهات، ومن قرأ وربأت بالهمز فمعناه ارتفعت.
(وأنبتت من كلّ زوج بهيج).
أي من كل صنف حسن من النبات.
(ذلك بأنّ اللّه هو الحقّ وأنّه يحي الموتى وأنّه على كلّ شيء قدير (6)
المعنى الأمر ذلك، أي الأمر ما وصف لكم وبيّن لكم (بأنّ اللّه هو الحقّ وأنّه يحي الموتى وأنّه على كلّ شيء قدير).
فالأجود أن يكون موضع (ذلك) رفعا.
ويجوز أن يكون نصبا على معنى فعل اللّه ذلك بأنه هو الحق وأنه يحي الموتى.
[معاني القرآن: 3/413]
وقوله: (ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل اللّه له في الدّنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق (9)
وليضل عن سبيل اللّه، و (ثاني) منصوب على الحال، ومعناه التنوين.
ومعناه ثانيا عطفه، وجاء في التفسير أن معناه لاويا عنقه، وهذا يوصف به.
فالمعنى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم متكبّرا.
وقوله: (ذلك بما قدّمت يداك وأنّ اللّه ليس بظلّام للعبيد (10)
يقال: هذا العذاب بما قدمت يداك، وموضع (ذلك) رفع بالابتداء.
وخبره (بما قدّمت يداك)، وموضع " أن " خفض المعنى ذلك بما قدمت يداك وبأن الله ليس بظلام للعبيد.
ولو قرئت (إن) بالكسر لجاز.
ويجوز أن يكون موضع (ذلك) رفعا على خبر الابتداء.
المعنى الأمر (ذلك بما قدمت يداك).
ويكون موضع أن الرفع على معنى (أنّ اللّه ليس بظلام للعبيد).
(قوله: (ومن النّاس من يعبد اللّه على حرف فإن أصابه خير اطمأنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدّنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين (11)
جاء في التفسير على شكّ، وحقيقته أنّه يعبد اللّه على حرف الطريقة في الدّين، لا يدخل فيه دخول متمكن.
(فإن أصابه خير اطمأنّ به).
أي إن أصابه خصث وكثر ماله وماشيته اطمأنّ بما أصابه ورضي بدينه.
(وإن أصابته فتنة).
اختبار بجدب وقلّة مال.
(انقلب على وجهه).
رجع عن دينه إلى الكفر وعبادة الأوثان.
وقوله: (يدعو من دون اللّه ما لا يضرّه وما لا ينفعه ذلك هو الضّلال البعيد (12)
يعنى يدعو الوثن الذي لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضرّ.
[معاني القرآن: 3/414]
وقوله: (يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير (13)
فقال: ولا يضره، وقال ضره أقرب من نفعه، معناه الضرر بعبادته أقرب من النفع.
فإن قال قائل: كيف يقال: أقرث من نفعه ولا نفع من قبله ألبتّة؟
فالعرب تقول لما لا يكون: هذا بعيد، والدليل على ذلك قوله تعالى: (أإذا متنا وكنّا ترابا ذلك رجع بعيد (3).
وقد اختلف الناس في تفسير هذه اللام، وفي (يدعو) بأي شيء هي معلّقة ونحن نفسر جميع ما قالوه وما أغفلوه مما هو بيّن من جميع ما قالوا إن شاء اللّه.
قال البصريون والكوفيون: اللام معناها التأخير، المعنى يدعو من لضرّه أقرب من نفعه ولم يشبعوا الشرح، ولا قالوا من أين جاز أن تكون اللام في غير موضعها.
وشرح ذلك أن اللام لليمين والتوكيد فحقها أن تكون في أول الكلام فقدمت لتجعل في حقها، وإن كان أصلها أن تكون في " لضرّه " كما أن لام " إن " حقها أن تكون في الابتداء، فلما لم يجز أن تلي " إنّ " جعلت في الخبر في مثل قولك: إنّ زيدا لقائم، ولا يجوز " إنّ لزيدا قائم "، فإذا أمكن أن يكون ذلك في الاسم كان ذلك أجود الكلام، تقول إن في ذلك لآية، فهذا قول.
وقالوا أيضا. أن يدعو معها هاء مضمرة، وأن (ذلك) في موضع رفع و (يدعو) في موضع الحال.
المعنى، ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، المعنى في
[معاني القرآن: 3/415]
حال دعائه إيّاه، ويكون (لمن ضرّه أقرب من نفعه) مستأنفا مرفوعا بالابتداء
وخبره (لبئس المولى ولبئس العشير).
وفيه وجه آخر ثالث، يكون يدعو في معنى يقول، يكون من في موضع رفع وخبره محذوف، ويكون المعنى: يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو مولاي، ومثله يدعو في معنى يقول في قول عنترة.
يدعون عنتر والرماح كأنّها... أشطان بئر في لبان الأدهم
ويجوز أن يكون " يدعو " في معنى " يسمّي "
كما قال ابن أحمر:
أهوى لها مشقصا جشرا فشبرقها... وكنت أدعو قذاها الإثمد القردا
ووجه هذا القول الذي قبله.
وفيها وجه رابع وهو الذي أغفله الناس، أن " ذلك " في موضع نصب بوقوع يدعو عليه، ويكون " ذلك " في تأويل الذي، ويكون المعنى الذي هو الضلال البعيد يدعو، ويكون (لمن ضرّه أقرب من نفعه) مستأنفا، وهذا مثل قوله: (وما تلك بيمينك) على معنى وما التي بيمينك يا موسى.
ومثله قول الشاعر:
[معاني القرآن: 3/416]
عدس ما لعبّاد عليك إمارة... نجوت وهذا تحملين طليق
وقوله عزّ وجلّ: (من كان يظنّ أن لن ينصره اللّه في الدّنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السّماء ثمّ ليقطع فلينظر هل يذهبنّ كيده ما يغيظ (15)
هذه الهاء لمحمد - صلى الله عليه وسلم - أي من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا - صلى الله عليه وسلم - حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظا، وهو تفسير قوله: (فليمدد بسبب إلى السّماء).
السبب الحبل، والسماء السقف، أي فليشدد حبلا في سقفه.
(ثمّ ليقطع).
أي ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا.
(هل يذهبنّ كيده ما يغيظ).
أي هل يذهبن كيده غيظه.
وقرئت ثم ليقطع، وثم ليقطع، بكسر اللام وجزمها.
وقوله: (إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئين والنّصارى والمجوس والّذين أشركوا إنّ اللّه يفصل بينهم يوم القيامة إنّ اللّه على كلّ شيء شهيد (17)
يفصل اللّه بين هذه الفرق الخمس وبين المؤمنين.
(هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم (19)
(فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار).
والمؤمنون يدخلون الجنة وهو
قوله: (إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار).
وخبر (إنّ) الأولى جملة الكلام مع إنّ الثانية. وقد زعم قوم أن قولك: إنّ زيدا إنه قائم رديء وأنّ هذه الآية إنما صلحت في الذي.
ولا فرق بين الذي وغيره في باب (إنّ).
إن قلت إن زيدا إنه قائم كان جيدا
ومثله قول الشاعر:
[معاني القرآن: 3/417]
إن الخليفة إنّ اللّه سربله
وليس بين البصريين خلاف في أن " (إنّ) تدخل على كل ابتداء وخبر.
تقول إنّ زيدا هو قائم وإنّ زيدا إنّه قائم.
وقوله: (ألم تر أنّ اللّه يسجد له من في السّماوات ومن في الأرض والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب ومن يهن اللّه فما له من مكرم إنّ اللّه يفعل ما يشاء (18)
والسجود ههنا الخضوع للّه عزّ وجلّ، وهى طاعة ممن خلق الله من الحيوان والموات.
والدليل على أنه سجود طاعة قوله: (وكثير من النّاس وكثير حقّ عليه العذاب).
هذا أجود الوجوه أن يكون تسجد مطيعة، للّه عزّ وجلّ.
كما قال اللّه تعالى: (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين)، وكما قال: (وإنّ منها) يعني الحجارة (لما جهبط من خشية اللّه)، فالخشية لا تكون إلّا لما أعطاه اللّه مما يختبر به خشيته.
وقال قوم: السجود من هذه الأشياء التي هي موات ومن الحيوان الذي لا يعقل إنما هو أثر الصنعة فيها والخضوع الذي يدل على أنها مخلوقة، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر:
بجيش يضل البلق في حجراته... ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر
أي قد خشعت من وطء الحوافر عليها، وذلك القول الذي قالوه لأن السجود الذي هو طاعة عندهم إنما يكون ممن يعقل، والذي يكسر هذا ما وصف اللّه عزّ وجلّ من أن من الحجارة لما يهبط من خشية اللّه، والخشية والخوف ما عقلناه إلا للآدميين، وقد أعلمنا اللّه - عزّ وجلّ - أن من الحجارة
[معاني القرآن: 3/418]
ما يخشاه، وأعلمنا أنه سخر مع داود الجبال والطير تسبح معه، فلو كان تسبيح الجبال والطير أثر الصنعة: ما قيل سخرنا ولا قيل مع داود الجبال لأن أثر الصنعة يتبين مع داود وغيره، فهو سجود طاعة لا محالة، وكذلك التسبيح في الجبال والطير، ولكنا لا نعلم تسبيحها إلا أن يجيئنا في الحديث كيف تسبيح ذلك.
وقال اللّه عزّ وجلّ - (وإن من شيء إلّا يسبّح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
وقوله عزّ وجلّ: (هذان خصمان اختصموا في ربّهم فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار يصبّ من فوق رءوسهم الحميم (19)
الخصمان المؤمنون والكافرون - جاء في التفسير أن اليهود قالوا للمسلمين ديننا أقدم من دينكم وكتابنا أقدم من كتابكم، فأجابهم المسلمون بأنّا آمنا بما أنزل إلينا وأنزل إليكم وآمنا باللّه وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وأنتم كفرتم ببعض الرسل فظهرت حجة المسلمين على الكافرين.
وقيل اختصموا وقد قال خصمان لأنهما جمعان.
(فالّذين كفروا قطّعت لهم ثياب من نار).
وجاء في التفسير أن الثياب التي من نار هي نحاس قد أذيب.
قوله عزّ وجلّ.: (يصبّ من فوق رءوسهم الحميم (19) يصهر به ما في بطونهم والجلود (20)
يغلى به ما في بطونهم حتى يخرج من أدبارهم، فهذا لأحد الخصمين.
وقال في الخصم الذين هم مؤمنون:
(إنّ اللّه يدخل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير (23)
و(لولؤ) يقرأان جميعا، فمن قرأ (ولؤلؤا) فعلى معنى يحلون فيها أساور من
[معاني القرآن: 3/419]
ذهب ويحلون لؤلؤا، ومن قرأ ولؤلؤ أراد ومن لؤلؤ.
وجائز أن يكون أساور من ذهب ولؤلؤ، فيكون ذلك فيها خلطا من الصنفين ويقرأ (يحلون فيها) على معنى قولك حلي يحلى إذا صار ذا حلي.
وقوله: (إنّ الّذين كفروا ويصدّون عن سبيل اللّه والمسجد الحرام الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم (25)
لفظ (يصدّون) لفظ مستقبل عطف به على لفظ الماضي، لأن معنى الذين كفروا الذين هم كافرون، فكأنّه قال إنّ الكافرين والصّادّين.
وخبر (إنّ) فيه قولان أحدهما أن يكون محذوفا فيكون المعنى إنّ الذين هذه صفتهم هلكوا وجائز أن يكون - وهو الوجه - الخبر (نذقه من عذاب أليم).
فيكون المعنى إنّ الكافرين والملحدين في المسجد الحرام نذقهم من عذاب أليم.
وقوله تعالى،: (سواء العاكف فيه والباد).
القراءة الرفع في (سواء)، ورفعه من جهتين:
إحداهما أن يكون وقف التمام هو (الذي جعلناه للناس)، كما قال: (إن أول بيت وضع للنّاس).
ويكون سواء العاكف فيه والباد - على الابتداء والخبر، ويجوز أن يكون على جعلناه سواء العاكف فيه، فيرتفع (سواء) على الابتداء، ويكون الخبر ههنا (العاكف فيه)، أعني خبر (سواء العاكف) ويكون خبر (جعلناه) الجملة.
[معاني القرآن: 3/420]
وتفسير قوله: (سواء العاكف فيه والباد) أنه يستوي في سكنى مكة المقيم بها والنارح إليها من أي بلد كان، وقيل سواء في تفضيله وإقامة المناسك العاكف. المقيم بالحرم والنارح إليه.
وقوله: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم).
قيل الإلحاد فيه الشرك باللّه، وقيل كل ظالم فيه ملحد.
وجاء عن عمر أن احتكار الطعام بمكة إلحاد.
وقال أهل اللغة إن معنى الباء الطرح.
المعنى ومن يرد فيه إلحادا بظلم.
وأنشدوا قول الشاعر:
هنّ الحرائر لا ربّات أحمرة... سود المحاجر لا يقرأن بالسّور
المعنى عندهم لا يقرأن السّور، وأنشدوا:
بواد يمان ينبت الشّثّ فرعه... وأسفله بالمرخ والشّبهان
أي وينبت أسفله المرخ والشبهان.
والذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة، المعنى عندهم ومن إرادته فيه بأن يلحد بظلم وهو مثل قوله:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما... تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل
المعنى أريد، وإرادتي لهذا.
ومعنى الإلحاد في اللغة العدول عن القصد.
[معاني القرآن: 3/421]
وقوله عزّ وجلّ: (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين والرّكّع السّجود (26)
جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم، والمبوأ المنزل، فالمعنى أن اللّه أعلم إبراهيم مكان البيت فبنى البيت على أسه القديم، وكان البيت في أيام الطوفان رفع إلى السماء حين غرّق اللّه الأرض وما عليها فشرّف بيته بأن أخرجه عن جملة ما غرق.
ويروى أن البيت كان من ياقوتة حمراء.
وقوله: (وطهّر بيتي للطّائفين والقائمين)
قيل: المعنى طهره من الشرك.
والقائمون ههنا المصلّون.
وقوله: (وأذّن في النّاس بالحجّ يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق (27)
روي أن أذان إبراهيم بالحج أن وقف في المقام فقال: أيها الناس أجيبوا يا عباد اللّه أطيعوا الله يا عباد الله اتقوا اللّه، فوقرت في قلب كل مؤمن ومؤمنة وأسمع ما بين السماء والأرض وأجابه من في الأصلاب ممن كتب له الحج، فكل من حج فهو ممن أجاب إبراهيم، ويروى أنّ أذانه بالحج كان يا أيها الناس كتب عليكم الحج.
وقوله تعالى: (يأتوك رجالا وعلى كلّ ضامر).
(رجالا) جمع راجل مثل صاحب وصحاب، وقائم وقيام.
(وعلى كل ضامر يأتين)، أي يأتوك رجالا وركبانا.
وقال يأتين على معنى الإبل
المعنى وعلى كل بعيد ضامر يأتي من كل فج عميق.
وعميق بعيد.
قال رؤبة:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق
الأعماق الأقعار، ومن هذا قيل: هذه بئر " عميقة "، أي بعيدة القرار.
[معاني القرآن: 3/422]
وقوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (28)
أي ليشهدوا ما ندبهم اللّه إليه مما فيه النفع لهم في آخرتهم.
(ويذكروا اسم اللّه في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
يعنى به يوم النحر والأيّام التي بعده ينحر فيها لأن الذكر ههنا يدل – على التسمية على ما ينحر لقوله (على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
وقوله: (فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير).
(البائس: الذي قد ناله بؤس، والبؤس شدة الفقر، يقال: قد بؤس، وبأس إذا صار ذا بؤس.
وقوله (فكلوا منها) ليس بأمر لازم، من شاء أكل من أضحيته ومن شاء لم يأكل، وإنما هو إباحة كما قال: (وإذا حللتم فاصطادوا).
فإنما قال فاصطادوا، لأنه كان قد حظر عليهم الصيد وهم محرمون.
فأباحهم الصيد.
وكذلك هذا الأمر ههنا إباحة بعد حظرهم على أنفسهم أكل الأضاحي، لأن أهل الجاهلية كانوا إذا نحروا لم يستحلوا أن يأكلوا من نساكهم شيئا، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن ذلك جائز.
وقوله: (ثمّ ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطّوّفوا بالبيت العتيق (29)
قرئت (ثمّ ليقضوا) بكسر اللام، وكذلك قرأ أبو عمرو، والقراءة بالتسكين مع - ثم كثيرة..
والتفث في التفسير جاء، وأهل اللغة لا يعرفون إلا من التفسير، قالوا
[معاني القرآن: 3/423]
التفث الأخذ من الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والأخذ من الشعر، كأنّه الخروج منى الإحرام إلى الإحلال.
قوله: (وليطّوّفوا بالبيت العتيق).
قيل في العتيق أقوال، قال الحسن هو البيت القديم، ودليل الحسن على ذلك قوله: (إنّ أوّل بيت وضع للنّاس للّذي ببكّة مباركا).
وقيل إن البيت العتيق الذي عتق من الغرق أيام الطوفان، ودليل هذا القول: (وإذ بوّأنا لإبراهيم مكان البيت)، فهذا دليل أن البيت رفع وبقي مكانه.
وأكثر ما جاء في التفسير أنه اعتق من الجبابرة، فلم يغلب عليه جبار.
وقيل إنه سمّي العتيق لأنه لم يدعه أحد من الناس.
وقيل إنما سمي العتيق لأنه لم يقصده جبار إلا أهلكه اللّه، يقال أعتقت المملوك فهو معتق وعتيق.
وكل ما مرّ في تفسير العتيق فجائز حسن - واللّه أعلم بحقيقة ذلك - وهذه الآية تدل على أن الطواف يوم النحر فرض.
وقوله: (ذلك ومن يعظّم حرمات اللّه فهو خير له عند ربّه وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرّجس من الأوثان واجتنبوا قول الزّور (30)
وحرمات اللّه الحجّ والعمرة وسائر المناسك، وكل ما فرض الله فهو من حرمات اللّه، والحرمة ما وجب القيام به وحرم تركه والتفريط فيه.
وموضع (ذلك) رفع، المعنى الأمر ذلك.
وقوله: (وأحلّت لكم الأنعام إلّا ما يتلى عليكم).
" ما " في موضع نصب أي إلا ما يتلى عليكم من الميتة والدم والمنخنقة والموقوذة وسائر ما تلي تحريمه.
وقوله: (فاجتنبوا الرّجس من الأوثان).
[معاني القرآن: 3/424]
" من " ههنا لتخليص جنس من أجناس.
المعنى فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
وقوله: (واجتنبوا قول الزّور).
الزور الكذب، وقيل إنه ههنا الشرك باللّه، وقيل أيضا شهادة الزور.
وهذا كله جائز.
والآية تدل - واللّه أعلم - على أنهم نهوا أن يحرموا ما حرم أصحاب الأوثان نحو قولهم: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، ونحو نحرهم البحيرة والسائبة، فأعلمهم اللّه أنّ الأنعام محللة إلّا ما حرّم اللّه منها، ونهاهم الله عن قول الزور أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام ليفتروا على اللّه كذبا.
وقوله: (حنفاء للّه غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكان سحيق (31)
(حنفاء للّه)
منصوب على الحال، وتأويله مسلمين لا يميلون إلى دين غير الإسلام.
وقوله: (غير مشركين به ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير).
ويقرأ فتخطفه الطير وفتخطّفه. وقرأ الحسن فتخطّفه بكسر التاء والخاء والطاء.
فمن قرأ فتخطفه بالتخفيف فهو من خطف يخطف، والخطف الأخذ بسرعة، ومن قرأ فتخطّفه - بكسر الطاء والتشديد - فالأصل فتختطفه فأدغم التاء في الطاء وألقى حركة التاء على الخاء ففتحها، ومن قال بكسر الخاء والطاء، كسر الخاء لسكونها وسكون الطاء، ومن كسر التاء والخاء والطاء - وهي قراءة الحسن - فهو على أن الأصل تختطفه.
وهذا مثل ضربة الله للكافر في بعده عن الحق - فأعلم اللّه أن بعد من أشرك به من الحق كبعد من خرّ من السماء فذهبت به الطير أو هوت به الريح في مكان سحيق - أي، بعيد (2).
[معاني القرآن: 3/425]
قوله: (ذلك ومن يعظّم شعائر اللّه فإنّها من تقوى القلوب (32)
شعائر اللّه المعالم التي ندب إليها وأمر بالقيام بها، واحدتها شعيرة.
فالصفا والمروة من شعائر اللّه، " الذي يعنى به هنا البدن.
وقوله: (لكم فيها منافع إلى أجل مسمّى ثمّ محلّها إلى البيت العتيق (33)
يعنى أن لكم في البدن - قبل أن تعلموها، وتسموها هديا إلى بيتي - منافع.
فإذا أشعرتموها - والإشعار أن يشق في السنام حتى يدمى ويعلق عليها نعلا ليعلم أنها بدنة، فأكثر النّاس لا يرى الانتفاع بها إذا جعلت بدنة، لا بلبنها ولا بوبرها ولا بظهرها، يقول لا يعطى لبنها ووبرها وظهرها أحدا لأنها بدنة فلا ينتفع بها غير أهل اللّه إلاّ عند الضرورة المخوف معها الموت.
وبعضهم يقول: إنّ له أن ينتفع بها فيركبها المعيي وينتفع بمنافعها إلى وقت محلها - مكان نحرها -.
والحجة في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجل يسوق بدنة فأمره - صلى الله عليه وسلم - بركوبها، فقال: إنها بدنة فأمره الثانية وأمره الثالثة، وقال له في الثالثة: اركبها ويحك، فهذا - يجوز أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - رآه مضطرا في ركوبها من شدة الإعياء، وجائز على ظاهر الحديث أن يكون ركوبها جائزا.
ومن أجاز ركوبها والانتفاع بها يقول: ليس له أن يهزلها وينضيها لأنها بدنة.
وقوله عزّ وجلّ: (ولكلّ أمّة جعلنا منسكا ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا وبشّر المخبتين (34)
وتقرأ منسكا، والمنسك في هذا الموضع يدل على معنى النحر فكأنه قال جعلنا لكل أمّة أن تتقرب بأن تذبح الذبائح للّه، ويدل على ذلك قوله تعالى (ليذكروا اسم اللّه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).
المعنى ليذكروا اسم الله على نحر ما رزقهم من بهيمة الأنعام.
وقال بعضهم: المنسك الموضع الذي يجب تعهده، وذلك جائز.
[معاني القرآن: 3/426]
ومن قال منسك فمعناه مكان نسك مثل مخلس مكان خلوس.
ومن قال منسك فهو بمعنى المصدر نحو النّسك والنّسوك.
وقوله: (فإلهكم إله واحد).
أي لا ينبغي أن تذكروا على ذبائحكم إلا اللّه وحده.
وقوله: (وبشّر المخبتين).
قيل المخبتون المتواضعون، وقيل المخبتون المطمئنون بالإيمان بالله عزّ وجلّ، وقيل المخبتون الذين لا يظلمون وإذا ظلموا لم ينتصروا.
وكل ذلك جائز.
واشتقاقه من الخبت من الأرض وهي المكان المنخفض منها، فكل مخبت متواضع.
وقوله عزّ وجلّ: (الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون (35)
(والمقيمي الصّلاة).
القراءة الخفض وإسقاط التنوين، والخفض على الإضافة، ويجوز: والمقيمين الصّلاة، إلا أنه بخلاف المصحف.
ويجوز أيضا على بعد والمقيمي الصّلاة، على حذف النون ونصب الصلاة لطول الاسم، وأنشد سيبويه:
الحافظو عورة العشيرة لا... يأتيهم من ورائهم نطف
وزعم أنه شاذّ.
وقوله تعالى: (والبدن جعلناها لكم من شعائر اللّه لكم فيها خير فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ كذلك سخّرناها لكم لعلّكم تشكرون (36)
النصب أحسن لأن قبله فعلا، المعنى وجعلنا البدن، فنصب بفعل
[معاني القرآن: 3/427]
مضمر الذي ظهر يفسره.
وإن شئت رفعت على الاستئناف.
والبدن بتسكين الدال وضمها. بدنة وبدن، وبدن مثل قوله ثمرة وثمر وثمر.
وإنما سميت بدنة لأنها تبدن، أي تسمن.
وقوله: (فاذكروا اسم اللّه عليها صوافّ).
(صوافّ) منصوبة على الحال، ولكنها لا تنون لأنها لا تنصرف، أي قد صفّت قوائمها، أي فاذكروا اسم الله عليها في حال نحرها.
والبعير ينحر قائما، وهذه الآية تدل على ذلك، وتقرأ صوافن، والصافن الذي يقوم على ثلاث، فالبعير إذا أرادوا نحره تعقل إحدى يديه فهو صافن، والجمع صوافن يا هذا، وقرئت صوافي بالياء وبالفتح بغير تنوين وتفسيره خوالص - أي خالصة لله عزّ وجلّ، لا تشركوا في التسمية على نحرها أحدا.
وقوله: (فإذا وجبت جنوبها).
أي إذا سقطت إلى الأرض.
(فكلوا منها وأطعموا القانع والمعترّ).
بتشديد الراء، ويجوز والمعتري بالماء، ويقال: وجب الحائط يجب وجبة إذا سقط، ووجب القلب يجب وجبا ووجيبا إذا تحرك من فزع، ووجب البيع يجب وجوبا وجبة، والمستقبل في ذلك كله يجب.
وقيل في القانع الذي يقنع بما تعطيه، وقيل الذي يقنع باليسير.
وقيل وهو مذهب أهل اللغة السائل، يقال قنع الرجل قنوعا إذا سأل، فهو قانع، وأنشدوا للشماخ:
لمال المرء يصلحه فيغني... مفاقره أعفّ من القنوع
أي أعفّ من السؤال، وقنع قناعة إذا رضي فهو قنع، والمعتر: الذي
[معاني القرآن: 3/428]
يعتريك فيطلب ما عندك، سألك إذ سئلت عن السؤال وكذلك المعتري.
وقوله عزّ وجلّ: (لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التّقوى منكم كذلك سخّرها لكم لتكبّروا اللّه على ما هداكم وبشّر المحسنين (37)
وقرئت: (لن تنال اللّه لحومها) بالتاء، فمن قرأ بالياء فلجمع اللحوم.
ومن قرأ بالتاء فلجماعة اللحوم - وكانوا إذا ذبحوا لطخوا البيت بالدم، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أنّ الّذي يصل إليه تقواه وطاعته فيما يأمر به.
(ولكن يناله التقوى منكم).
وتناله - التقوى منكم - بالياء والتاء - فمن أنث فللفظ التقوى، ومن ذكر
فلأن معنى التقوى والتقى واحد.


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:41 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي من الاية 38 الى اخر السورة

وقوله: (إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا إنّ اللّه لا يحبّ كلّ خوّان كفور (38)
ويدفع عن الذين آمنوا.
هذا يدل على النصر من عنده، أي فإذا دفعتم، أي فإذا فعلتم هذا، وخالفتم الجاهلية فيما تفعلونه في نحرهم.
وإشراكهم بالله، فإنّ اللّه يدفع عن حزبه.
وقوله: (كلّ خوّان كفور).
(خوّان) فعّال من الخيانة، أي من ذكر اسم غير الله وتقرّب إلى الأصنام بذبيحته فهو خوّان كفور.
والبدن قيل إنها الإبل خاصّة، وقيل إنها الإبل والبقر، ولا أعلم أحدا قال: إن الشاء داخلة فيها، فأمّا من قال إنها الإبل والبقر فهم أكبر فقهاء الأمصار، ولكن الاستعمال في السّياقة إلى البيت الإبل فلذلك قال من قال إنها - الإبل.
[معاني القرآن: 3/429]
وقوله: (أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقدير (39)
ويقرأ (أذن للّذين يقاتلون)، ويقرأ (أذن للّذين يقاتلون) ويقاتلون.
والمعنى أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا.
ويروى أنّها أول آية نزلت في القتال.
(بأنّهم ظلموا).
أي أذن لهم أن يقاتلوا بسبب ما ظلموا
وقوله: (وإنّ اللّه على نصرهم لقدير).
وعدهم الله النصر، ولا يجوز أن يقرأ و " أنّ " اللّه - بفتح أنّ، ولا بين أهل اللغة خلاف في أن هذا لا يجوز لأن " أنّ " إذا كانت معها اللام لم تفتح أبدا.
وقوله: (الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلّا أن يقولوا ربّنا اللّه ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم اللّه كثيرا ولينصرنّ اللّه من ينصره إنّ اللّه لقويّ عزيز (40)
(الذين) في موضع جر، المعنى " أذن للذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا اللّه "
" أن " في موضع جر، المعنى أخرجوا بلا حقّ، إلّا بقولهم ربّنا اللّه أي لم يخرجوا إلا بأن وحدوا اللّه، فأخرجتهم عبدة الأوثان لتوحيدهم.
وقوله.: (ولولا دفع اللّه النّاس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع).
المعنى: ولولا أن دفع اللّه بعض الناس ببعض لهدّمت صوامع.
وتقرأ (لهدمت) وهي صوامع الرهبان.
(وبيع وصلوات ومساجد).
والبيع بيع النصارى، والصّلوات كنائس اليهود، وهي بالعبرانية صلوتا،
[معاني القرآن: 3/430]
وقرئت صلاة ومساجد، وقيل إنها موضع صلوات الصّابئين.
وتأويل هذا: لولا أن الله - عزّ وجل - دفع بعض الناس ببعض لهدّم في شريعة كلّ نبيّ المكان الّذي كان يصلّي فيه، فكان لولا الدفع لهدم في زمن موسى عليه السلام الكنائس التي كان يصلي فيها في شريعته، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد - صلى الله عليه وسلم - المساجد.
وقوله.: (ولينصرنّ اللّه من ينصره).
أي من أقام شريعة من شرائعه، نصر على إقامة ذلك، إلا أنّه لا يقام في شريعة نبيّ إلّا ما أتي به ذلك النبي وينتهى عما نهى عنه.
وقوله: (الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللّه عاقبة الأمور (41)
(الذين) في موضع نصب على تفسير من، المعنى ولينصرن اللّه من ينصره ثم بين صفة ناصريه فقال:
(الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر).
فصفة حزب اللّه الذين يوحدونه، إقامة الصلاة، وإيتاء الزّكاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وهما واجبان كوجوب الصلاة والزكاة أعني الأمر بالمعروف والّنهي عن المنكر.
(فكأيّن من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطّلة وقصر مشيد (45)
ويقرأ أهلكتها، المعنى فكيف كان نكير أي تم أخذتهم فأبلغت أبلغ الإنكار.
فأهلكت قرى كثيرة، لأن معنى (فكأيّن من قرية) معنى فكم من قرية، ومعنى كم من قرية عدد كثير من القرى.
[معاني القرآن: 3/431]
ويجوز كائن بتشديد الياء، ويجوز كائن من قرية، وهو عند البصريين في معنى العدد الكبير، نقول: وكائن من رجل جاءني معناه العدد الكثير من الرجال.
(فهي خاوية على عروشها).
والعروش السقوف، فالمعنى أنها قد خربت وخلت فصارت على سقوفها كما قال في موضع آخر: (فجعلنا عاليها سافلها)، يقال خوت الدار والمدينة خواء، ممدود، فهي خاوية، وخويت المرأة وخوي الإنسان إذا خلا من الطعام خوى، مقصور فهو خو.
وقوله: (وبئر معطّلة وقصر مشيد).
أكثر ما جاء في مشيد من التفسير مجصّص، والشيد الجصّ والكلس أيضا شيد، وقيل مشيد محصّن مرتفع، والمشيد إذا قيل مجصّص فهو مرتفع في قدره وإن لم يرتفع في سمكه، وأصل الشيد الجصّ والنورة، وكل ما بني بهما أو بأحدهما فهو مشيد.
وقوله: (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور (46)
(ولكن تعمى القلوب الّتي في الصّدور).
القلب لا يكون إلا في الصدر - ولكن جرى على التوكيد كما قال عز وجل (يقولون بأفواههم)، وكما قال: (ولا طائر يطير بجناحيه).
وكما قرأ بعضهم: (له تسع وتسعون نعجة).
فالتوكيد جار في الكلام مبالغ في الإفهام.
[معاني القرآن: 3/432]
وقوله: (ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده وإنّ يوما عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون (47)
قيل إن يوما من أيام عذابهم كألف سنة، ويدل على ذلك الحديث الذي يروى أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم.
وجاء في حديث آخر تفسير هذا القول بخمسمائة عام.
فهذا يدل على أنّ اليوم من أيام القيامة ألف سنة، والذي تدل عليه الآية - واللّه أعلم - أنهم استعجلوا فأعلم اللّه عز وجلّ أنه لا يفوته شيء وأن يوما عنده وألف سنة في قدرته واحد، وأن الاستعجال في ميعادهم لا فرق فيه بين وقوع ما يستعجلون به من العذاب وتأخره في القدرة إلّا أنّ اللّه - جل ثناؤه - تفضل بالإمهال، وغفر بالتوبة، فالتأخير الفرق بينه وبين التقديم تفضل الله عزّ وجل بالنظرة.
ثم أعلم - عزّ وجل - أنّه قد أخذ قوما بعد الإملاء والتأخير عقوبة منه ليزدادوا إثما فقال بعد قوله: (ويستعجلونك بالعذاب)، وبعد تمام الآية (وكأيّن من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثمّ أخذتها وإليّ المصير (48).
المعنى ثم أخذتها بالعذاب، واستغني عن ذكر العذاب لتقدم ذكره في قوله: (ويستعجلونك بالعذاب).
وقوله: (والّذين سعوا في آياتنا معاجزين أولئك أصحاب الجحيم (51)
أي ظانّين أنهم يعجزوننا لأنهم ظنوا أنهم لا يبعثون، وأنّه لا جنّة ولا نار.
وقيل في التفسير معاجزين معاندين، وليس بخارج من القول الأول.
وقرئت معجّزين، وتأويلها أنهم كانوا يعجّزون من اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثبّطونهم عنه.
وقوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبيّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليم حكيم (52)
معنى (إذا تمنّى)إذا تلا، ألقى الشيطان في تلاوته، فذلك
[معاني القرآن: 3/433]
محنة من اللّه، - عزّ وجلّ - وله أن يمتحن بما شاء، فألقى الشيطان على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا من صفة الأصنام فافتتن بذلك أهل الشقاق والنفاق ومن في قلبه مرض فقال اللّه عر وجل:
(ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنة للّذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم)
ثم أعلم أنهم ظالمون، وأنهم في شقاق دائم، والشقاق غاية العداوة فقال -: (وإنّ الظّالمين لفي شقاق بعيد).
ثم أعلم أن هؤلاء لا يتوبون فقال: (ولا يزال الّذين كفروا في مرية منه) أي في شك منه.
(حتّى تأتيهم السّاعة بغتة) أي مفاجأة.
(أو يأتيهم عذاب يوم عقيم).
أصل العقم، العقم في الولادة، يقال: هذه امرأة عقيم، كما قال اللّه - عز وجل -: (قالت عجوز عقيم).
وكذلك رجل عقيم إذا كان لا يولد
قال الشاعر:
عقم النّساء فلن يلدن شبيهه... إن النّساء بمثله عقم
والريح العقيم التي لا تأتي بسحاب يمطر، وإنما تأتي بالعذاب، واليوم العقيم هو الّذي لا يأتي فيه خير، فيوم القيامة عقيم على الكفار كما قال اللّه
[معاني القرآن: 3/434]
- عزّ وجلّ - (على الكافرين غير يسير).
وليس هو على المؤمنين الذين أدخلوا في رحمة اللّه كذلك.
وأنشد بعض أهل اللغة في قوله تمنى في معنى تلا قول الشاعر:
تمنّى كتاب الله أوّل ليله... وآخره لاقى حمام المقادر
أي تلا كتاب اللّه مترسلا فيه كما تلا داود الزبور مترسّلا فيه.
وقوله: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثمّ بغي عليه لينصرنّه اللّه إنّ اللّه لعفوّ غفور (60)
(ذلك) في موضع رفع، المعنى الأمر ذلك، أي الأمره، قصصنا لحيكم.
قوله: (ومن عاقب بمثل ما عوقب به).
الأول لم يكن عقوبة، وإنما العقوبة الجزاء، ولكنه سمّي عقوبة لأن الفعل الذي هو عقوبة كان جزاء فسمّي الأول الذي جوزي عليه عقوبة لاستواء الفعلين في جنس المكروه.
كما قال عزّ وجلّ: (وجزاء سيّئة سيّئة مثلها).
فالأول سيئة والمجازاة عليها حسنة من حسنات المجازي عليها إلا أنها سمّيت سيئة بأنها وقعت إساءة بالمفعول به، لأنه فعل به ما يسوءه.
وكذلك قوله (مستهزئون (14) اللّه يستهزئ بهم)، جعل مجازاتهم باستهزائهم مسمّى بلفظ فعلهم لأنه جزاء فعلهم.
وقوله: (ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة إنّ اللّه لطيف خبير (63)
وقرئت مخضرة.
[معاني القرآن: 3/435]
ذكر الله جل ثناؤه - ما يدل على توحيده من إيلاج الليل في النّهار والنهار في الليل، وذكر إنزاله الماء ينبت وذكر تسخير الفلك في البحر وإمساك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فدل أنه الواحد الّذي خلق الخلق وأتى بما لا يمكن البشر أن يأتوا بمثله، ثم ذكر جهل المشركين في عبادتهم الأصنام فقال عزّ وجل:
(ويعبدون من دون اللّه ما لم ينزّل به سلطانا وما ليس لهم به علم وما للظّالمين من نصير (71)
أي ما لم ينزل به حجة وما ليس لهم به علم.
ثم ضرب لهم مثل ما يعبدون، وأنه لا ينفع ولا يضر.
وأما القراءة: (فتصبح الأرض مخضرّة) لا غير قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى: (ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فتصبح الأرض مخضرّة) فقال هذا واجب ومعناه التنبيه كأنّه قال: أتسمع؟
أنزل الله من السماء ماء، فكان كذا وكذا، وقال غيره مثل قوله.
قال مجاز هذا الكلام مجاز الخبر كأنه قال: الله ينزل من السماء ماء، فتصبح الأرض مخضرة.
وأنشدوا:
ألم تسأل الرّبع القواء فينطق... وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق؟
قال الخليل: المعنى فهو مما ينطق، وأما من قرأ مخضرة فهو على معنى ذات مخضرة مثل مبقلة ذات بقل، ومشبعة ذات شبع، ولا يجوز مخضرّة - بفتح الميم وتشديد الراء - لأن مفعلّة ليس في الكلام ولا معنى له.
وقوله عزّ وجلّ: (ألم تر أنّ اللّه سخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه إنّ اللّه بالنّاس لرءوف رحيم (65)
[معاني القرآن: 3/436]
(الفلك) بالنصب نسق - على " ما " المعنى وسخر لكم الفلك.
ويكون (تجري) حالا، أي وسخر لكم الفلك في حال جريها.
ويقرأ: (والفلك تجري في البحر بأمره)، فيكون الفلك مرفوعا بالابتداء، وتجري هو الخبر، والمعنى معنى التسخير لأن جريها بأمره هو التسخير.
وقوله: (ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه).
على معنى كراهة أن تقع على الأرض، وموضع " أن " نصب بيمسك.
وهي مفعول. المعنى لكراهة أن تقع.
وقوله: (لكلّ أمّة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدى مستقيم (67)
ومنسكا، وقد تقدم الشرح في هذا.
وقوله: (فلا ينازعنّك في الأمر)
أي لا يجادلنّك فيه، ومعناه لا تنازعهم، والدليل عنى أن المعنى لا يجادلنّك ولا تجادلنّهم قوله: (وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون).
هذا قبل القتال.
فإن قال قائل: فهم قد جادلوه فلم قيل (فلا ينازعنّك في الأمر) وهم قد نازعوه؟
فالمعنى أنه نهي له - صلى الله عليه وسلم - عن منازعتهم كما يقول: لا يخاصمنّك فلان في هذا أبدا، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إلا من اثنين لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إلا باثنين، فإذا قلت لا يجادلنك فلان فهو بمنزلة لا تجادلنّه، ولا يجوز هذا في قوله: لا يضربنّك فلان، وأنت تريد لا تضربه.
ولكن لو قلت لا يضاربنّك فلان لكان كقولك لا تضاربنّ فلانا.
ويقرأ: " فلا ينزعنّك في الأمر ": معناه لا يغلبنّك في المنازعة فيه، يقال: نازعني فلان فنزعته وعازّني فعززته، أنزعه وأغلبه، المعنى فلا يغلبنّك في الأمر.
وقوله: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بيّنات تعرف في وجوه الّذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالّذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار وعدها اللّه الّذين كفروا وبئس المصير (72)
[معاني القرآن: 3/437]
أي يكادون يبطشون بسطوة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، والذين يتلون عليهم القرآن.
وقوله،: (قل أفأنبّئكم بشرّ من ذلكم النّار وعدها اللّه).
القراءة بالرفع وهي أثبت في النحو من الجر والنصب والخفض.
والنّصب جائز، فأمّا من رفع فعلى معنى هو النّار، وهي النّار، كأنّهم قالوا: ما هذا الذي هو شرّ؟ فقيل النّار. ومن قال النّار بالجر، فعلى البدل من شرّ، ومن قال النّار بالنصب، فهو على معنى أعني النّار، وعلى معنى أنبئكم بشرّ من ذلكم كأنّه قال أعرفكم شرّا من ذلكم النّار.
وقوله: (يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطّالب والمطلوب (73)
لأنهم عبدوا من دون اللّه ما لا يسمع ولا يبصر وما لم ينزّل به حجة.
فأعلمهم اللّه عزّ وجل الجواب فيما جعلوه للّه مثلا، وجعلوه له نيرا، فقال: (إنّ الّذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له).
يعنى الأصنام، وكل من دعي من دون اللّه إلها لا إله إلا اللّه وحده.
وقوله: (وإن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه).
أعلم اللّه - جلّ ثناؤه - أنه الخالق، ودل على وحدانيته بجميع ما خلق ثم أعلم أن الذين عبدوا من دونه لا يقدرون على خلق واحد قليل ضعيف من خلقه، ولا على استنقاذ تافه حقير منه.
ثم قال: (ما قدروا اللّه حقّ قدره إنّ اللّه لقويّ عزيز (74)
أي ما عظموه حقّ عظمته، ثم أعلم بعد ذكره ضعف قوة المعبودين قوّته فقال: (إنّ اللّه لقويّ عزيز).
[معاني القرآن: 3/438]
وقوله (ضعف الطّالب والمطلوب)
يجوز ضعف، وضعف الطالب والمطلوب، أي فهم يضعفون عن أن يخلقوا ذبابا، وعن أن يستنقذوا من الذباب شيئا ضعف الذباب.
وقوله - عزّ وجلّ -: (اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن النّاس إنّ اللّه سميع بصير (75)
اصطفى اللّه من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت واصطفى من الناس النبيين والمرسلين صلى الله عليهم وسلم أجمعين.
وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربّكم وافعلوا الخير لعلّكم تفلحون (77)
أي اقصدوا بركوعكم وسجودكم الله وحده.
(وافعلوا الخير).
والخير كل ما أمر اللّه به.
وقوله: (لعلّكم تفلحون)
هذا ليس بشك، ولكن معناه لترجوا أن تكونوا على فلاح، كما قال لموسى وهارون: (اذهبا إلى فرعون إنّه طغى (43) فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى (44).
أي اذهبا على رجائكما كما كما يرجو النبي ممن يبعث إليه، واللّه عز وجلّ من وراء العلم بما يؤول إليه أمر فرعون إلا أن الحجة لا تقوم إلا بعد الإبانة.
وقوله عزّ وجل: (وجاهدوا في اللّه حقّ جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدّين من حرج ملّة أبيكم إبراهيم هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرّسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على النّاس فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة واعتصموا باللّه هو مولاكم فنعم المولى ونعم النّصير (78)
قيل إنه بمنزلة قوله: (اتّقوا اللّه حقّ تقاته) وأن نسخها قوله: (فاتّقوا اللّه ما استطعتم).
وقوله: (هو اجتباكم) معناه: اختاركم.
[معاني القرآن: 3/439]
وقوله: (وما جعل عليكم في الدّين من حرج).
أي من ضيق، جعل الله على من لم يستطع الشيء الذي يثقل في وقت، ما هو أخف منه، فجعل للصائم الإفطار في السفر، وبقصر الصلاة للمصلّي إذا لم يطق القيام أن يصلّي قاعدا، وإن لم يطق القعود أن يومئ إيماء، وجعل للرجل أن يتزوج أربعا، وجعل له جميع ما ملكته يمينه.
فوسّع اللّه - عزّ وجلّ - على خلقه.
وقوله: (ملّة أبيكم إبراهيم).
معناه اتبعوا ملّة أبيكم إبراهيم.
وجائز أن يكون منصوبا بقوله: اعبدوا ربكم وافعلوا الخير فعل أبيكم إبراهيم.
وقوله: (هو سمّاكم المسلمين من قبل وفي هذا).
" هو " راجعة إلى اللّه - عر وجل - المعنى: اللّه سمّاكم المسلمين من قبل أن ينزّل القرآن، وفي هذا القرآن سمّاكم المسلمين.
وجائز أن يكون إبراهيم عليه السلام سمّاكم المسلمين من قبل، وفي هذا، أي حكم إبراهيم أن كل من آمن بمحمد موحّدا للّه فقد سمّاه إبراهيم مسلما.
وقوله: (وتكونوا شهداء على النّاس).
يروى أن الله سبحانه أعطى هذه الأمة ثلاثة أشياء لم يعطها إلا الأنبياء.
جعلت شهيدة على سائر الأمم، والشهادة لكل نبيّ على أمّته.
وأن يقال للنبي عليه السلام: اذهب ولا حرج عليك، وقال اللّه لهذه الأمّة: (وما جعل عليكم في الدّين من حرج)، وأنه قال لكل نبيّ سل تعطه، وقال لهذه الأمّة: (وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم).
[معاني القرآن: 3/440]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir