دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:30 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة طه

سورة طه
من الاية 1 الى الاية 69
(مكّيّة)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله: طه (1) ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2)
يقرأ طه - بفتح الطاء والهاء، وتقرأ طه - بكسرهما - ويقرأ طه – بفتح الطاء وإسكان الهاء، وطه بفتح الطاء وكسر الهاء.
واختلف في تفسيرها فقال أهل اللغة هي من فواتح السّور نحو حم والم، ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى رفع رجلا ووضع أخرى فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (طاها) أي طأ الأرض بقدميك جميعا.
وقوله عزّ وجلّ: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى (2)
أي لتصلّي على إحدى رجليك فتشتد عليك، وقيل طه لغة بالعجمية معناها يا رجل، فأمّا من فتح الطاء والهاء فلأن ما قبل الألف مفتوح، ومن كسر الطاء والهاء، أمال إلى الكسر لأن الحرف مقصور، والمقصور تغلب عليه الإمالة إلى الكسر ومن قرأ طه بإسكان الهاء ففيها وجهان أحدهما أن يكون أصله " طا " بالهمزة فأبدلت منها الهاء كما قالوا في إياك هياك وكما قالوا في أرقت الماء هرقت وجائز أن يكون من " وطي " على ترك الهمزة.
فيكون " ط "
[معاني القرآن: 3/349]
يا رجل - ثم أثبت فيها الهاء للوقف فقيل طه.
وقوله عزّ وجلّ: (تنزيلا ممّن خلق الأرض والسّماوات العلى (4)
المعنى أنزلناه تنزيلا، والعلى جمع العليا، يقال: سماء عليا وسموات على، مثل الكبرى والكبر.
وقوله: (الرّحمن على العرش استوى (5)
الاختيار الرفع، ويجوز الخفض على البدل من " من " المعنى تنزيلا من خالق الأرض والسّماوات الرحمن، ثم أخبر بعد ذلك فقال: على العرش استوى، وقالوا معنى (استوى) استولى - واللّه أعلم. والذي يدل عليه استوى في اللغة على ما فعله من معنى الاستواء.
قوله: (له ما في السّماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثّرى (6)
الثرى في اللغة الندى، وما تحت الأرض ندى، وجاء في التفسير وما تحت الثرى ما تحت الأرض.
وقوله: (وإن تجهر بالقول فإنّه يعلم السّرّ وأخفى (7)
فالسّر ما أكننته في نفسك، و " أخفى " ما يكون من الغيب الذي لا يعلمه إلا اللّه.
وقوله: (اللّه لا إله إلّا هو له الأسماء الحسنى (8)
يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " للّه تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ".
وتأويل من أحصاها دخل الجنة، من وحّد اللّه وذكر هذه الأسماء الحسنى يريد بها توحيد اللّه وإعظامه دخل الجنة.
وقد جاء أنه من قال لا إله
[معاني القرآن: 3/350]
إلا اللّه دخل الجنة، فهذا لمن ذكر اسم الله موحّدا له به فكيف بمن ذكر أسماءه كلّها يريد بها توحيده والثناء عليه.
وقوله عزّ وجلّ: (إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إنّي آنست نارا لعلّي آتيكم منها بقبس أو أجد على النّار هدى (10)
القبس ما أخذته في رأس. عود من النّار أو رأس فتيلة.
(أو أجد على النّار هدى) جاء في التفسير أنه - صلى الله عليه وسلم - ضل الطريق وجاء أنه ضل عن الماء فرجا أن يجد عند النار من يهديه الطريق أو يدلّه على الماء.
(فلمّا أتاها نودي يا موسى (11) إنّي أنا ربّك فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى (12)
ويقرأ أنّي أنا - بالفتح والكسر، فمن قرأ " أني " فالمعنى نودي بأني أنا ربّك، وموضع " أنّي " نصب.
ومن قرأ (إنّي أنا ربّك) بالكسر فالمعنى نودي يا موسى إنّي أنا ربّك.
(فاخلع نعليك إنّك بالواد المقدّس طوى).
روي أنه أمر بخلعهما لأنهما كانتا من جلد حمار ميّت، وروي أنه أمر بخلعهما ليطأ بقدميه الوادي المقدس، وروي أنه قدس مرتين.
وقوله: (طوى).
اسم الوادي، ويجوز فيه أربعة أوجه:
طوى - بضم أوله، بغير تنوين وتنوين وبكسر أوله - بتنوين وبغير تنوين. فمن نوّنه فهو اسم الوادي، وهو مذكر سمّي بمذكر على فعل نحو حطم وصرد. ومن لم ينونه ترك صرفه من جهتين:
إحداهما أن يكون معدولا عن " طاء " فيصير مثل عمر المعدول عن عامر.
والجهة الأخرى أن يكون اسما للبقعة كما قال الله عزّ وجلّ:
(في البقعة
[معاني القرآن: 3/351]
المباركة من الشّجرة). وإذا كسر ونوّن طوى فهو - مثل معى وضلع - مصروف.
ومن لم ينوّن جعله اسما للبقعة.
وقوله - عزّ وجلّ - (وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى (13)
ويقرأ (وأنّا اخترناك)، فمن قرأ: (وأنّا اخترناك) فالمعنى يؤدي بـ (وأنّا اخترناك) ويجوز (وإنّا اخترناك) على وجهين:
على الاستئناف وعلى معنى الحكاية لأنّه معنى يؤدى قيل له إنّا اخترناك.
وقوله: (إنّني أنا اللّه لا إله إلّا أنا فاعبدني وأقم الصّلاة لذكري (14)
(وأقم الصّلاة لذكري).
هذا على معنيين أحدهما أقم الصلاة لأن تذكرني لأن الصلاة لا تكون إلا بذكر اللّه، والمعنى الثاني هو الذي عليه الناس ومعناه أقم الصلاة متى ذكرت أنّ عليك صلاة كنت في وقتها أو لم تكن، لأن اللّه عزّ وجلّ لا يؤاخذنا إن نسينا ما لم نتعمّد الأشياء التي تشغل وتلهي عن الصلاة، ولو ذكر ذاكر أنّ عليه صلاة في وقت طلوع الشمس أو عند مغيبها وجب أن يصفيها.
وقرئت للذكرى - معناه في وقت ذكرك.
وقوله: (إنّ السّاعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كلّ نفس بما تسعى (15)
بضم الألف، وجاء في التفسير: أكاد أخفيها من نفسي، فالله أعلم بحقيقة هذا التفسير، وقرئت: أكاد أخفيها - بفتح الألف - معناه أكاد أظهرها
قال امرؤ القيس:
[معاني القرآن: 3/352]
فإن تدفنوا الداء لا نخفه... وإن توقدوا الحرب لا نقعد
أي أن تدفنوا الداء لا نظهره.
وهذه القراءة الثانية أبين في المعنى، لأن معنى أكاد أظهرها، أي قد أخفيتها وكدت أظهرها..
وقوله: (لتجزى كلّ نفس بما تسعى).
معنى (بما تسعى) بما تعمل، و (لتجزى) متعلق بقوله: (إنّ السّاعة آتية)
لتجزى كل نفس بما تسعى.
ويجوز أن يكون على أقم الصلاة لذكري لتجزى كل نفس بما تسعى.
وقوله: (فلا يصدّنّك عنها من لا يؤمن بها واتّبع هواه فتردى (16)
معناه واللّه أعلم فلا يصدنك عن التصديق بها من لا يؤمن بها، أي من لا يؤمن بأنها تكون، وخطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - هو خطاب سائر أمته.
ومعنى لا يصدّنّك عنها: لا يصدّنّكم، قال اللّه عزّ وجلّ: (يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء). فنبّه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب وخوطب هو وأمته بقوله (إذا طلّقتم).
وقوله: (فتردى).
معناه فتهلك، يقال ردي يردى ردى، إذا هلك، وكذلك تردّى إذا هلك
في قوله عزّ وجلّ: (وما يغني عنه ماله إذا تردّى (11).
قوله: (وما تلك بيمينك يا موسى (17)
تلك اسم مبهم يجري مجرى التي، ويوصل كما توصل التي، المعنى
[معاني القرآن: 3/353]
ما التي بيمينك يا موسى.
وهذا الكلام لفظه لفظ الاستفهام ومجراه في الكلام مجرى ما يسأل عنه، ويجيب المخاطب بالإقرار به لتثبت عليه الحجة بعدما قد اعترف مستغنى بإقراره عن أن يجحد بعد وقوع الحجة، ومثله من الكلام أن تري المخاطب ماء فتقول له ما هذا فيقول ماء، ثم تحيله بشيء من الضبغ فإن قال إنه لم يزل هكذا قلت له: ألست قد اعترفت بأنه ماء؟
وقوله: (قال هي عصاي أتوكّأ عليها وأهشّ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى (18)
وقرئ هي عصى بغير ألف، وأجودهما عصاي. وعصى لغة هذيل.
والأصل في يا الإضافة أن يكسر ما قبلها، تقول هذا حجري فتكسر الراء وهي في موضع ضم وكذلك رأيت حجري، فإذا جاءت بعد الألف المقصورة لم تكسرها؛ لأن الألف لا تحرّك، وكذلك إذا جاءت بعد ألف التثنية في الرفع في قولك هما غلاماي، وبعد ياء النصب في قولك: رأيت غلاميّ، وبعد كل ياء قبلها - كسرة نحو هذا قاضى ورأيت مسلميّ، فجعلت هذيل بدلا من كسرة الألف تغييرها إلى الياء، وليس أحد من النحويين إلا وقد حكى هذه اللغة.
قال أبو ذؤيب:
سبقوا هويّ وأعنقوا لهواهم... فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع
قوله: (وأهشّ بها على غنمي).
جاء في التفسير أخبط بها الشجر، واشتقاقه من أني أحيل الشيء إلى الهشاشة والإمكان.
وقوله: (ولي فيها مآرب أخرى).
جاء في التفسير حاجات أخر، وكذلك هو في اللغة، وواحد المآرب
[معاني القرآن: 3/354]
مأربة وماربة. وجاء (أخرى) على لفظ صفة الواحدة، لأن مآرب في معنى جماعة فكأنّها جماعات من الحاجات الأخرى، فلو جاءت أخر كان صوابا.
قوله: (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى (21)
معنى (سيرتها) طريقتها يعنى - هيئتها، تقول إذا كان القوم مشتبهين: هم على سيرة واحدة وطريقة - واحدة، تريد أن هيئتهم واحدة وشبههم واحد، وإن كان أصل السيرة والطريقة أكثر ما يقع بالفعل، تقول: فلان على طريقة فلان وعلى سيرته أي أفعاله تشبه أفعال فلان، والمعنى: سنعيدها عصا كما كانت.
و(سيرتها) منصوب على إسقاط الخافض، وأفضى الفعل إليها، المعنى - والله أعلم - سنعيدها إلى سيرتها الأولى، فلما حذفت " إلى " أفضى الفعل - وهو سنعيدها - فنصب.
وقوله: (واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى (22)
جناح الإنسان عضده إلى أصل " إبطه.
وقوله: (تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى).
(آية) منصوبة لأنها في موضع الحال، وهي اسم في موضع الحال.
المعنى - واللّه أعلم - تخرج بيضاء مبيّنة آية أخرى.
ويجوز أن يكون (آية أخرى) منصوبة على معنى آتيناك آية - أخرى أو سنؤتينك آية أخرى، لأنه لما قال: (تخرج بيضاء) كان في ذلك دليل أنّه يعطى آية أخرى، فلم يحتج إلى ذكر آتيناك لأن في الكلام دليلا عليه.
ويجوز آية أخرى بالرفع على إضمار هذه آية أخرى.
وقوله: (واحلل عقدة من لساني (27) يفقهوا قولي (28)
جاء في التفسير أنه كان في لسانه رتّة، لأن امرأة فرعون جعلت على لسانه حجرة لأنه كان أخذ وهو صبي بلحية فرعون فهمّ به، وقال هذا عدو
[معاني القرآن: 3/355]
فأعلمته أنه صبي لا يعقل وأن دليلها على ذلك أنه التقم جمرة فدرأت عنه ما همّ به فرعون فيه.
وقوله: (واجعل لي وزيرا من أهلي (29) هارون أخي (30)
يجوز أن يكون نصب هارون من جهتين:
إحداهما أن يكون (اجعل) لا يتعدى إلى مفعولين فيكون المعنى اجعل هارون أخي وزيري فتنصب " وزيرا " على أنه مفعول ثان.
ويجوز أن يكون هارون بدلا من قوله " وزيرا " ويكون المعنى اجعل لي وزيرا من أهلي ثم أبدل هارون من وزير.
والقول الأول أجود و (أخي) نعت لهارون.
وقوله: (اشدد به أزري (31) وأشركه في أمري (32)
يقرأ على ضربين:
على معنى اجعل أخي وزيرا، فإنك إن فعلت ذلك أشدد به أزري. " أشدد " على الإخبار عن النفس وأظهرت التضعيف لأنه جواب الأمر وأشركه في أمري، فيقرأ على هذا: هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري بقطع ألف أشدد وضم الألف من وأشركه.
ومن قرأ هارون أخي اشدد به أزري وأشركه فعلى الدعاء.
المعنى: اللهم أشدد به أزري وأشركه في أمري.
(ولقد مننّا عليك مرّة أخرى (37)
قد بين المرة على ما هي وهي قوله:
(إذ أوحينا إلى أمّك ما يوحى (38) أن اقذفيه في التّابوت فاقذفيه في اليمّ فليلقه اليمّ بالسّاحل يأخذه عدوّ لي وعدوّ له وألقيت عليك محبّة منّي ولتصنع على عيني (39)
لأنه نجّاه بهذا من القتل، لأنّ فرعون كان يذبح الأبناء.
وقوله عزّ وجلّ: (ولتصنع على عيني).
قالوا معناه ولتغذى.
ومعنى أزري، يقال آزرت فلانا على فلان إذا أعنته عليه وقوّيته، ومثله:
[معاني القرآن: 3/356]
(فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه).
فتأويله أقوى به واستعين به على أمري.
فأما الوزير في اللغة فاشتقاقه من الوزر، والوزر الجبل الذي يعتصم به لينجي من الهكلة، وكذلك وزير الخليفة معناه الذي يعتمد عليه في أموره ويلتجئ إلى رأيه وقوله: (كلّا لا وزر) معناه لا شيء يعتصم به من أمر الله - عزّ وجلّ -.
وقوله: (إذ تمشي أختك فتقول هل أدلّكم على من يكفله فرجعناك إلى أمّك كي تقرّ عينها ولا تحزن وقتلت نفسا فنجّيناك من الغمّ وفتنّاك فتونا فلبثت سنين في أهل مدين ثمّ جئت على قدر يا موسى (40)
(وفتنّاك فتونا).
معناه اختبرناك اختبارا.
وقوله: (ثمّ جئت على قدر يا موسى).
قيل في التفسير: على موعد، وقيل على قدر من تكليمي إياك.
(اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري (42)
معناه ولا تضعفا، يقال: ونى يني ونيا وونيّا إذا ضعف، وقولك قد توانى فلان في هذا الأمر أي قد فتر فيه وضعف.
وقوله: (فقولا له قولا ليّنا لعلّه يتذكّر أو يخشى (44)
لعل في اللغة ترجّ وطمع، تقول: لعلي أصير إلى خير، فمعناه أرجو وأطمع أن أصير إلى خير، واللّه - عزّ وجلّ - خاطب العباد بما يعقلون والمعنى عند سيبويه فيه: اذهبا على رجائكما وطمعكما.
والعلم من الله عزّ وجلّ قد أتى من وراء ما يكون. وقد علم الله عزّ وجلّ أنه لا يتذكر ولا يخشى، إلا أن الحجة إنما تجب عليه بالإبانة، وإقامتها عليه، والبرهان.
[معاني القرآن: 3/357]
وإنما تبعث الرسل وهي لا تعلم الغيب ولا تدري أيقبل منها أم لا، وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم، ومعنى " لعل " متصور في أنفسهم، وعلى تصور ذلك تقوم الحجة، وليس علم الله بما سيكون تجب به الحجة علم.
الآدميين، ولو كان كذلك لم يكن في الرسل فائدة.
فمعنى: (لعلّه يتذكّر أو يخشى).
هو الذي عليه بعث جميع - الرّسل.
وقوله عزّ وجلّ: (قالا ربّنا إنّنا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى (45)
معنى يفرط علينا يبادر بعقوبتنا، يقال: قد فرط منه أمر أي قد بدر منه أمر، وقد أفرط في الشيء إذا سقط فيه، وقد فرط في الشيء أي قصّر ومعناه كله التقدم في الشيء، لأن الفرط في اللغة المتقدم.
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم - " أنا فرطكم على الحوض ".
وقوله: (فأتياه فقولا إنّا رسولا ربّك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذّبهم قد جئناك بآية من ربّك والسّلام على من اتّبع الهدى (47)
(والسّلام على من اتّبع الهدى).
ليس يعنى به التحية، وإنما معناه أن من اتبع الهدى سلم من عذاب اللّه وسخطه والدليل على أنه ليس بسلام أنه ليس ابتداء لقاء وخطاب.
ومعنى (فأتياه فقولا إنّا رسولا ربّك).
ولم يقل فأتياه فقالا له إنا رسولا ربّك، لأن الكلام قد دل على ذلك فاستغنى عنه أن يقال فيه فأتياه فقالا، لأن قوله: (قال فمن ربّكما يا موسى (49).
فيه دليل على أنهما أتياه فقالا له:
وقوله عزّ وجلّ: (قال ربّنا الّذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى (50)
معناه خلق كل شيء على الهيئة التي بها ينتفع، والتي هي أصلح الخلق له، ثم هداه لمعيشته، وقد قيل ثم هداه لموضع ما يكون منه الولد.
[معاني القرآن: 3/358]
والأول أبين في التفسير، وهذا جائز، لأنا نرى الذّكر من الحيوان يأتي الأنثى ولم ير ذكرا قد أتى أنثى قبله فألهمه اللّه - عزّ وجلّ - ذلك وهداه إلى المأتي.
والقول الأول ينتظم هذا المعنى، لأنّه إذا هداه لمصلحته فهذا داخل في المصلحة، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: (قال فما بال القرون الأولى (51)
قال له موسى عليه السلام:
(قال علمها عند ربّي في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى (52)
معناه لا يضلها ولا ينساها، ولا يضله ربي ولا ينساه، يعنى به الكتاب.
ومعنى ضللت الشيء وضللت بكسر اللام وفتحها أضلّه وأضلّه، إذا جعلته في مكان لم تدر أين هو، ويضل من أضللته، ومعنى أضللته أضعته.
قال أبو إسحاق من قرأ بالفتح فمعناه لا يضل أي لا يضل عن ربّي..
وإذا ضممت الياء فمعناه لا يوجد ربي ضالّا عنها.
وقوله عزّ وجلّ: (كلوا وارعوا أنعامكم إنّ في ذلك لآيات لأولي النّهى (54)
(إنّ في ذلك لآيات لأولي النّهى)
معناه لذوي العقول، واحد لنهى نهية.
يقال: فلان ذو نهية ومعناه ذو عقل ينتهي به عن المقابح ويدخل به في المحاسن.
وقال بعض أهل اللغة: ذو النهية الذي ينتهى إلى رأيه وعقله.
وهذا حسن أيضا
وقوله عزّ وجلّ: (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى (55)
يعنى به الأرض، لأن اللّه - عزّ وجلّ - خلق آدم من تراب، وجرى الإضمار على قوله: (الّذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا).
وقوله: (تارة أخرى).
منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى (55)
[معاني القرآن: 3/359]
متعلق بقوله (منها نخرجكم)، لأن المعنى كمعنى الأول.
لأن معنى (ومنها نخرجكم) بمنزلة منها خلقناكم، فكأنّه قال - واللّه أعلم -: ومنها نخلقكم تارة أخرى، لأن إخراجهم وهم تراب بمنزلة خلق آدم من تراب.
وقوله: (فلنأتينّك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى (58)
(مكانا سوى)
وتقرأ سوى بالضم ومعناه منصفا، أي مكانا يكون النصف فيما بيننا وبينك، وقد جاء في اللغة " سواء " في هذا المعنى، تقول: هذا مكان سواء أي متوسط بين المكانين، ولكن لم يقرأ إلا بالقصر سوى وسوى.
وقوله تعالى: (قال موعدكم يوم الزّينة وأن يحشر النّاس ضحى (59)
وتقرأ (يوم الزينة)، فالرفع على خبر الابتداء، والمعنى وقت موعدكم يوم الزينة ومن قرأ (يوم) فمنصوب على الظرف، المعنى يقع يوم الزينة.
وقوله: (وأن يحشر النّاس ضحى).
موضع (أن) رفع، المعنى موعدكم حشر الناس ضحى، وتأويله إذا رأيتم الناس قد حشروا ضحى.
وقيل يوم الزينة يوم عيد كان لهم، وقيل إنه كان يوم عاشوراء.
ويجوز أن يكون في موضع خفض عطفا على الزينة.
المعنى موعدكم يوم الزينة ويوم حشر الناس.
وقوله عزّ وجلّ: (قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى (61)
(ويلكم) منصوب على أن ألزمهم اللّه ويلا، ويجوز أن يكون منصوبا على النداء كما قال تعالى: (يا ويلتى أألد وأنا عجوز)
و(يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا).
[معاني القرآن: 3/360]
وقوله: (فيسحتكم بعذاب).
ويقرأ (فيسحتكم) - بضم الياء وكسر الحاء، يقال سحته، وأسحته إذا استأصله وأهلكه، قال الفرزدق:
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع... من المال إلاّ مسحتا أو مجلّف
معنى لم يدع لم يستقر - من الدعة من المال، وأكثر الرواية إلاّ مسحتا.
فهذا على أسحت فهو مسحت.
وقوله عزّ وجلّ: (فتنازعوا أمرهم بينهم وأسرّوا النّجوى (62)
يعنى به السحرة، قالوا بينهم: إن غلبنا موسى آمنا به، وكان الأمر له.
وقوله عزّ وجلّ: (قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى (63)
(إن هذان لساحران).
يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.
وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.
[معاني القرآن: 3/361]
فهذه الرواية فيه.
فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة - رحمهما اللّه -.
وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو رأى... مساغا لناباه الشّجاع لصمّما
وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.
قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،
[معاني القرآن: 3/362]
وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.
وينشدون:
ويقلن شيب قد علّا... ك وقد كبرت فقلت إنّه
ويحتجون بأن هذه اللام - أصلها - أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله... ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وأنشدوا أيضا:
أمّ الحليس لعجوز شهربه... ترضى من الشاة بعظم الرّقبه
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللّه أعلم - وكنت عرضته على عالمينا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.
[معاني القرآن: 3/363]
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن (إن هذان لساحران) بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.
قوله تعالى: (ويذهبا بطريقتكم المثلى).
معناه في قول النحويين بجماعتكم الأشراف. والمثلى تأنيث الأمثل.
ومعنى الأمثل والمثلى معنى " ذو الفضل " الذي يستحق أن يقال فيه هذا أمثل قومه.
وفي التفسير: (بطريقتكم المثلى) بأشرافكم، والعرب تقول للرجل الفاضل هذا طريقة قومه، ونظيرة قومه، ونظورة قومه.
كل هذا للرجل الفاضل.
وإنما تأويله هذا الذي ينبغي أن يجعله قومه قدوة ويسلكوا طريقته.
والذي قال أيضا: هذا نظورة قومه ونظيرة قومه، معناه هذا الذي ينبغي أن ينظر إليه قومه وأن يتبعوه.
والذي عندي - واللّه أعلم - أن في الكلام محذوفا يدل عليه ما بقي.
إنما المعنى يذهبا بأهل طريقتكم المثلى، كما قال اللّه عزّ وجلّ:
(واسأل
[معاني القرآن: 3/364]
القرية الّتي كنّا فيها)، معناه واسأل أهل القرية، وكذلك قول العرب: هذا طريقة قومه معناه هذا صاحب طريقة قومه.
وقوله عزّ وجلّ: (واصطنعتك لنفسي).
تأويله اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي حتى صرت في الخطاب عني والتبليغ عني بالمنزلة التي أكون بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم.
وقوله عزّ وجلّ: (فأجمعوا كيدكم ثمّ ائتوا صفّا وقد أفلح اليوم من استعلى (64)
وقرئت (فاجمعوا كيدكم)، فمن قرأ فأجمعوا بقطع الألف، فمعناه ليكن عزمكم - كلكم على الكيد مجمعا عليه أي لا تختلفوا فتختلوا.
ومن قرأ (فاجمعوا) فمعناه جيئوا بكل كيد تقدرون عليه، ولا تبقوا منه شيئا.
وقوله: (ثمّ ائتوا صفّا).
معناه ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم، يقال: أتيت صفّا بمعنى أتيت المصلّى، ويجوز أن يكون (ثمّ ائتوا صفّا) ثم ائتوا مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم، وأشد لهيئتكم.
(وقد أفلح اليوم من استعلى).
ومعنى (من استعلى) من علا بالغلبة.
وقوله عزّ وجلّ: (قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى (66)
ولم يقل ههنا " فألقوا " فإذا حبالهم، لأنه قد جاء في موضع آخر، (فألقوا حبالهم وعصيّهم).
ويجوز في عصيّ عصيّ، والكسر أكثر، والأصل
[معاني القرآن: 3/365]
الضم إلا أن الكسر يثقل بعد الضم فلذلك اختير كسر العين.
ويروى في التفسير أنّ السّحرة كانوا يومئذ سبعين ألف ساحر معهم سبعون ألف حبل وسبعون ألف عصا، فأوحى الله إلى موسى حين خيّل إليه من سحرهم أنها تسعى أن يلقي عصاة فإذا هي ثعبان مبين فاغر فاه فابتلع جميع تلك الحبال، وقرئت (فإذا حبالهم وعصيّهم يخيّل إليه من سحرهم أنّها تسعى).
وموضع أن على هذه القراءة رفع، المعنى يخيل إليه سعيها، ويقرأ " تخيّل " بالتاء، وموضع أن على هذه القراءة يجوز أن يكون نصبا، ويجوز أن يكون رفعا، فأمّا النصب فعلى معنى يخيل إليه أنها ذات سعي ويجوز أن يكون مرفوعا على البدل على معنى يخيل إليه سعايتها، وأبدل أنها تسعى من المضمر في يخيل لاشتماله على المعنى، ويكون إليه الخبر على هذا التقدير.
ومثل ذلك ما حكاه سيبويه يقال: مالي بهم علم أمرهم، أي مالي علم بأمرهم، ومثل ذلك من الشعر:
تذكّرت تقتد برد مائها
المعنى تذكّرت برد ماء تقتد.
[معاني القرآن: 3/366]
وقوله عزّ وجلّ: (وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنّما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح السّاحر حيث أتى (69)
(إنّما صنعوا كيد ساحر)
ويقرأ (كيد سحر)، ويجوز إنما صنعوا كيد ساحر، ويجوز كيد ساحر بنصب الدال. فمن قرأ " أنما: نصب " أنّما " على معنى تلقف ما صنعوا لأنّ ما صنعوا كيد ساحر، ولا أعلم أحدا قرأها هنا " أنّما "، والقراءة بالكسر، وهو أبلغ في المعنى.
فأمّا رفع كيد فعلى معنى أن الذي صنعوه كيد ساحر على خبر إنّ و " ما " اسم، ومن قرأ كيد ساحر جعل " ما " تمنع " إنّ " العمل، وتسوّغ للفعل أن يكون بعدها، وينتصب " كيد ساحر " بـ صنعوا، كما تقول: إنما ضربت زيدا.
وقوله عزّ وجلّ: (ولا يفلح السّاحر حيث أتى).
قالوا معناه حيث كان، وقيل معناه حيث كان الساحر يجب أن يقتل.
وكذلك مذهب أهل الفقه في السحرة.


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:32 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي من الاية 70 الى اخر السورة

وقوله عزّ وجلّ: (فأوجس في نفسه خيفة موسى (67)
وأصلها خوفة، ولكن الواو قلبت ياء لانكسار ما قبلها.
(وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنّما صنعوا).
و " تلقف " القراءة بالجزم جواب الأمر، ويجوز الرفع على معنى الحال.
كأنه قال ألقها متلقّفة، على حال متوقّعة، ولم يقرأ بها، ولا ينبغي أن يقرأ بما لم تتقدم به قراءة.
وقوله تعالى: (فألقي السّحرة سجّدا قالوا آمنّا بربّ هارون وموسى (70)
(سجّدا) منصوب على الحال، وهي أيضا حال مقدرة، لأنهم خروا وليسوا ساجدين، إنما خروا مقدرين السجود.
[معاني القرآن: 3/367]
وقوله: (قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابا وأبقى (71)
(ولأصلّبنّكم في جذوع)
معناه على جذوع النخل، ولكنه جاز أن تقع " في " ههنا لأنه في الجذع على جهة الطول، والجذع مشتمل عليه فقد صار فيه.
قال الشاعر:
وهم صلبوا العبديّ في جذع نخلة... فلا عطست شيبان إلا بأجدعا
قوله: (ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابا وأبقى).
" أيّ " رفعت لأنها وضعت موضع الاستفهام، ولا يعمل ما قبل " أيّ " فيها لأن ما قبلها خبر وهي استفهام، فلو عمل فيها لجاز أن يعمل فيما بعد الألف في قولك: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو.
وقوله: (قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والّذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنّما تقضي هذه الحياة الدّنيا (72)
موضع الذي خفض، المعنى لن نؤثرك على اللّه، ويجوز أن يكون " الّذي " خفضا على القسم، ويكون المعنى لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات واللّه، أي نحلف باللّه.
قوله: (فاقض ما أنت قاض).
أي: اصنع ما أنت صانع، قال أبو ذؤيب:
[معاني القرآن: 3/368]
وعليهما مسرودتان قضاهما... داود أو صنع السّوابغ تبّع
وقوله عزّ وجلّ: (إنّما تقضي هذه الحياة الدّنيا).
القراءة بالنصب - الحياة الدّنيا - ويجوز إنما تقضي هذه الحياة الدنيا بالرفع، تأويله أن الذي تقضيه متاع الحياة الدنيا، ولا أعلم أحدا قرأها بالرفع.
وقوله: (إنّا آمنّا بربّنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السّحر واللّه خير وأبقى (73)
(وما أكرهتنا عليه من السّحر)
موضع " ما " نصب، المعنى لتغفر لنا خطايانا وإكراهك إيانا على السحر.
ويروى أن فرعون أكرههم على تعلم السحر.
ومعنى: (واللّه خير وأبقى).
أي الله خير لنا منك وأبقى عذابا لأنهم قالوا هذا له جواب قوله: (ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابا وأبقى).
وقوله عزّ وجلّ: (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى (77)
(فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا).
ويجوز يابسا ويبسا، بتسكين الباء، فمن قال يابسا جعله نعتا للطريق.
ومن قال يبسا فإنه نعته بالمصدر المعنى طريقا ذا يبس، يقال يبس الشيء وييبس يبسا، ويبسا ويبسا، ثلاث لغات في المصدر.
وقوله: (لا تخاف دركا ولا تخشى).
ويجوز: لا تخف دركا ولا تخشى، فمن قرأ (لا تخاف) فالمعنى لست
[معاني القرآن: 3/369]
تخاف دركا، ومن قال لا تخف دركا فهو نهي عن أن يخاف، ومعناه لا تخف أن يدركك فرعون ولا تخشى الغرق.
(فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليمّ ما غشيهم (78)
ويقرأ فاتبعهم فرعون بجنوده، فمن قرأ (فأتبعهم) ففيه دليل أنه أتبعهم ومعه الجنود، ومن قرأ (فاتّبعهم) فرعون بجنوده فمعناه ألحق جنوده بهم. وجائز أن يكون معهم على ذا اللفظ وجائز ألا يكون إلّا أنه قد كان معهم.
(فغشيهم من اليمّ ما غشيهم).
اليم: البحر، والمعنى فغشيهم من اليم ما غرقهم.
وقوله: (كلوا من طيّبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى (81)
ويقرأ (فيحلّ عليكم غضبي، ومن يحلل عليه غضبي.
فمن قرأ (فيحلّ عليكم) فمعناه فيجب عليكم، ومن قرأ (فيحلّ عليكم) فمعناه فينزل عليكم.
والقراءة: ومن يحلل بكسر اللام أكثر.
(فقد هوى)
أي هلك وصار إلى الهاوية، وهي قعر نار جهنّم.
وقوله عزّ وجلّ: (وإنّي لغفّار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثمّ اهتدى (82)
أي تاب من ذنبه، وآمن بربّه وعمل بطاعته، ثم اهتدى، أي ثم أقام على إيمانه.
وقوله عزّ وجلّ: (قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك ربّ لترضى (84)
(أولاء) مبني على الكسر، (على أثري) من صلة (أولاء)، ويجوز أن يكون
[معاني القرآن: 3/370]
خبرا بعد خبر، كأنّه قال: هم على أثري هؤلاء، والأجود أن يكون صلة.
ورويت أولاي على أثري ولا وجه لها، لأن الياء لا تكون بعد الألف آخرة إلا للإضافة نحو هداي، ولا أعلم أحدا من القراء المشهورين قرأ بها وذكرها الفراء، ولا وجه لها.
قوله: (قال فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك وأضلّهم السّامريّ (85)
أي ألقيناهم في فتنة ومحنة، واختبرناهم.
(وأضلّهم السّامريّ).
قال بعض أهل التفسير: السّامريّ علج من أهل كرمان، والأكثر في التفسير أنّه كان عظيما من عظماء بني إسرائيل من قبيلة تعرف بالسّامرة. وهم إلى هذه الغاية في الشام يعرفون بالسامريين.
وقوله عزّ وجلّ: (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربّكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحلّ عليكم غضب من ربّكم فأخلفتم موعدي (86)
(غضبان أسفا).
أسف: شديد الحزن مع غضبه.
وقوله: (أن يحلّ عليكم غضب من ربّكم).
القراءة فيها بالكسر في حاء يحل، على معنى أنه يجب عليكم، فالضم يجوز فيها على معنى أن ينزل عليكم غضب من ربكم.
(قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنّا حمّلنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السّامريّ (87)
يجوز الضم والكسر والفتح في الميم. بملكنا، وبملكنا، وبملكنا.
فأصل الملك السلطان والقدرة، والملك ما حوته اليد، والملك المصدر.
تقول: ملكت الشيء أملكه ملكا.
وقيل في بعض التفسير: ما أخلفنا موعدك بأن ملكنا الصواب.
وجائز أن يكون ما أخلفنا موعدك بسلطان كان لنا ولا قدرة، ثم أخبروا سبب تأخرهم عنه فقالوا: (ولكنّا [حملنا] أوزارا من زينة القوم).
[معاني القرآن: 3/371]
ويقرأ (حمّلنا أوزارا)، بتشديد الميم وكسرها، يعنون بالأوزار حليا كانوا أخذوها من آل فرعون حين قذفهم البحر فألقاهم على ساحله، فأخذوا الذهب والفضة، وسميت أوزارا لأن معناها الآثام، وجائز أن يكون سمّيت أوزارا يعنون بها أثقالا، لأن الوزر في اللغة الحمل، وسمّي الإثم وزرا لأن صاحبه قد حمّل بها ثقلا، قال اللّه تعالى: (ووضعنا عنك وزرك (2) الّذي أنقض ظهرك (3).
فقالوا: حملنا حليّا فقذفناها في النار، وكذلك فعل السامريّ، أي ألقى حليّا كان معه.
(فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي (88)
واختلف في تفسير خواره، فقيل إنه كان يخور كما يخور الثور من الحيوان، فإذا خار سجدوا له، وإذا عاد الخوار رفعوا من السجود، وقال بعضهم: إنما خار خورة واحدة، ودليله: (أفلا يرون ألّا يرجع إليهم قولا).
وقال مجاهد: خواره حفيف الريح إذا دخلت جوفه.
ويروى أن هارون عليه السلام مر بالسّامريّ وهو يصنع العجل فقال له: ما تصنع؟
قال أصنع ما لا ينفع ولا يضر، وقال: أدع، فقال هارون اللّهمّ أعطه ما يسأل كما يحبّ.
فسأل اللّه عزّ وجلّ أن يجعل للعجل خوارا، والذي قاله مجاهد من أن خواره حفيف الريح فيه، أسرع إلى القبول لأنه شيء ممكن.
والتفسير الآخر وهو أنه خوار ممكن في محنة اللّه عزّ وجلّ - أن امتحن القوم بذلك، وليس في خوار صفر ما يوجب عبادته لأنهم قد رأوه معمولا مصنوعا، فعبادتهم إياه لو خار وتكلّم كما يتكلّم الآدمي لم تجب به عبادته.
فقالوا: (هذا إلهكم وإله موسى فنسي).
قيل إن السّامريّ نسي ما كان عليه من الإيمان، لأنه نافق لما عبر
[معاني القرآن: 3/372]
البحر، المعنى فترك ما كان عليه من الإيمان، وقيل إن السّامريّ قال لهم إن موسى عليه السلام أراد هذا العجل فنسي وترك الطريق الذي يصل إليه.
وقوله جلّ وعزّ: (أفلا يرون ألّا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرّا ولا نفعا (89)
كما قال: (ألم يروا أنّه لا يكلّمهم ولا يهديهم سبيلا).
ويجوز أن لا يرجع بنصب بأن، والاختيار مع رأيت وعلمت وظننت أن لا يفعل، في معنى قد علمت أنه لا يفعل.
وقوله - جلّ وعزّ -: (قال يبنؤمّ لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إنّي خشيت أن تقول فرّقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي (94)
(يا ابن أمّ) بفتح الميم، وإن شئت (يا ابن أمّ) - بكسر الميم - وفتحت أم والموضع موضع جر لأن (ابن) و (أم) جعلا اسما واحدا فبنى ابن وأم على الفتح، ومن قال (يا ابن أمّ) أضافه إلى نفسه.
وفيها وجه ثالث " يا ابن أمّي لا تأخذ " ولكنه لا يقرأ بها. ليست ثابتة الياء في المصحف.
ومثل هذا من الشعر:
يا ابن أمّي ويا شقيّق نفسي... أنت خلّيتني لأمر شديد
ولم يجئ هذا إلا في ابن أم، وابن عم، وذلك أنه يقال لمن ليس بأخ لأمّ. ولا بأخ ألبتّة: يا ابن أم، وكذلك يقال للأجنبي: يا ابن عم، فلما أزيل عن بابه بني على الفتح، وإن كان قد يقول القائل لأخيه من أمه أيضا يا ابن أمّ، فإنما أدخل أخاه في جملة من يقول له يا ابن أمّ.
وقد قيل في هارون إنّه لم يكن أخا موسى لأمّه - واللّه أعلم -.
[معاني القرآن: 3/373]
قوله: (قال فما خطبك يا سامريّ (95)
معنى ما خطبك ما أمرك الذي تخاطب به.
(قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرّسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي (96)
يقال: قد بصر الرجل يبصر إذا كان عليما بالشيء، وأبصر يبصر إذا نظر.
والتأويل علمت بما لم يعلموا به، وكان رأى فرس جبريل عليه السلام فقبض فبضة من تراب حافر الفرس، يقال: قبضت قبضة، وقبصت قبصة - بالصاد غير معجمة - فالقبضة بجملة الكف، والقبصة بأطراف الأصابع. ويقرأ بالصاد والضاد، وفيه وجه آخر لم يقرأ به فيما علمت، يجوز فقبصت قبصة وقبصة، ولكن لا يجوز القراءة بها - إن كان لم يقرأ بها - فالقبضة قبض الشيء مرة واحدة، والقبصة مقدار ما يقبص، ونظير هذا قوله عزّ وجلّ: (إلّا من اغترف غرفة بيده)، و (غرفة بيده).
(فنبذتها).
ألقيتها في العجل لتخور.
(وكذلك سوّلت لي نفسي).
أي زيّنت لي نفسي، ومثله: (الشّيطان سوّل لهم وأملى لهم).
(قال فاذهب فإنّ لك في الحياة أن تقول لا مساس وإنّ لك موعدا لن تخلفه وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفا لنحرّقنّه ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفا (97)
وأنّ لك، ويجوز لا مساس، وأنّ لك - بفتح الميم وكسر السين الآخرة على وزن دراك وتراك، والتأويل أن موسى عليه السلام حرّم مخالطة السامريّ، فالمعنى إنك في الدنيا لا تخالط جزاء لفعلك.
فمن قرأ لا
[معاني القرآن: 3/374]
مساس - بفتح السين الأخيرة فهو منصوب على البدء به، ومن قال: لا مساس فهو مبني على الكسر، وهو نفي وقولك مساس، أي مساس القوم تأمر بذلك، فإذا قلت لا مساس فهو نفي ذلك، وبنيت مساس على الكسر وأصلها الفتح لمكان الألف، ولكن مساس ودراك مؤنث، فاختير الكسر لالتقاء السّاكنين لأنك تقول في المؤنث فعلت يا امرأة، وأعطيتك يا امرأة.
(وإنّ لك موعدا لن تخلفه).
و (لن تخلفه)، فمن قرأ (لن تخلفه) فالمعنى يكافئك الله على ما فعلت في القيامة واللّه لا يخلف الميعاد، ومن قرأ (لن تخلفه) فالمعنى إنك تبعث وتوافي يوم القيامة، لا تقدر على غير ذلك، ولن تخلفه.
وقوله عزّ وجلّ: (وانظر إلى إلهك الّذي ظلت عليه عاكفا).
وظلت بفتح الظاء وكسرها، فمن فتح فالأصل فيها ظللت، ولكن اللام حذفت لثقل التضعيف والكسر، وبقيت الظاء على فتحها.
ومن قرأ ظلت - بالكسر - حوّل كسرة اللام على الظاء، وقد يجوز في غير المكسور نحو أحست تريد أحسست، وقد حكيت همت بذلك، تريد هممت ومعنى عاكف مقيم، وعاكف منصوب خبر ظلت، ليس بمنصوب على الحال.
وقوله: (لنحرّقنّه).
ويقرأ (لنحرقنّه). أي لنحرقنه بالنار، فإذا شدّد فالمعنى نحرقه مرة بعد مرة.
وقرئت لنحرقنّه، وتأويله لنبردنّه بالمبرد، يقال حرقت أحرق وأحرق إذا بردت الشيء.
ولم يقرأ لنحرقنّه، ولو قرئت كانت جائزة.
[معاني القرآن: 3/375]
وقوله عزّ وجلّ : (ثمّ لننسفنّه في اليمّ نسفا).
اليم: البحر، والنسف التذرية.
وقوله: (خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا (101)
المعنى ساء الوزر لهم يوم القيامة، و (حملا) منصوب على التمييز.
(يوم ينفخ في الصّور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا (102)
قد جرى تفسيره فيما مضى.
وأكثر ما يذهب إليه أهل اللغة أن الصور جمع صورة.
وقوله عزّ وجلّ: (ونحشر المجرمين يومئذ زرقا).
قيل عطاشا وقيل عميا، يخرجون من قبورهم بصراء كما خلقوا أول مرة ويعمون في المحشر، وإنما قيل زرقا لأن السواد يزرق إذا ذهبت نواظرهم.
ومن قال عطاشا فجيّد أيضا، لأنهم من شدة العطش يتغير سواد أعينهم حتى يزرق.
وقوله - عزّ وجلّ -: (يتخافتون بينهم إن لبثتم إلّا عشرا (103)
أصل الخفوت في اللغة السكون، والتخافت ههنا السّرار، فالمعنى أنهم يتسارّون بينهم.
وقوله عزّ وجلّ: (نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلّا يوما (104)
(أمثلهم طريقة).
أي أعلمهم عند نفسه بما يقول (إن لبثتم إلّا يوما)، معناه ما لبثتم إلا يوما
وقوله: (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربّي نسفا (105)
النسف التذرية
تصير الجبال كالهباء المنثور، تذرّى تذرية.
[معاني القرآن: 3/376]
(فيذرها قاعا صفصفا (106)
القاع من الأرض المكان الذي يعلوه الماء، ويقال المكان الطيب والصّفصف، المستوي من الأرض.
(لا ترى فيها عوجا ولا أمتا (107)
العوج في العصا والجبل ألا يكون مستويا، والأمت أن يغلظ مكان ويدقّ مكان.
قوله: (يومئذ يتّبعون الدّاعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلّا همسا (108)
المعنى لا عوج لهم عن دعائه، لا يقدرون أن لا يتبعوا وقوله - عزّ وجلّ -:. (فلا تسمع إلّا همسا).
الهمس في اللغة الشيء الخفيّ، والهمس - ههنا - في التفسير صوت وطء الأقدام.
وقوله: (وعنت الوجوه للحيّ القيّوم وقد خاب من حمل ظلما (111)
معنى عنت في اللغة خضعت، يقال عنا يعنو إذا خضع، ومنه قيل أخذت البلاد عنوة، إذا أخذت غلبة، وأخذت بخضوع من أهلها.
وقوله عزّ وجلّ: (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما (110).
ما بين أيديهم من أمر القيامة، وجميع ما يكون، وما خلفهم ما قد وقع من أعمالهم.
وقوله عزّ وجلّ: (ومن يعمل من الصّالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما (112)
الهضم: النّقص، يقال فلان يهضمني حقي أي ينقصني، كذلك هذا شيء يهضم الطعام، أي ينقص ثقلته.
[معاني القرآن: 3/377]
وقوله عزّ وجلّ: (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما (115)
(فنسي) ههنا معناه فترك، لأن النّاسي لا يؤاخذ بنسيانه، وجاء في الحديث " لو وزن حلم بني آدم مذ كان آدم إلى أن تقوم السّاعة ما وفى حلم جميع من ولده وحزمهم بحلم آدم وحزمه - صلى الله عليه وسلم -.
وقال عزّ وجلّ: (ولم نجد له عزما).
وقوله - سبحانه -: (وأنّك لا تظمأ فيها ولا تضحى (119)
يجوز (وإنّك) بالكسر، (وأنّك) بالفتح، فإذا كسرت فعلى الاستئناف وعطف جملة كلام على جملة، وإذا فتحت فعلى معنى إن لك " أن لا " تظمأ فيها، فتنسق بأنك على (ألّا تجوع).
ويكون أنك على هذا القول في موضع نصب.
ويجوز أن يكون في موضع رفع، والعطف على اسم إن وأنّ، لأن معنى إن زيدا قائم زيد قائم فالمعنى ذلك إنك لا تظمأ فيها.
ومعنى (لا تظمأ) لا تعطش، يقال ظمئ الرجل يظمأ ظمأ فهو ظمآن بمعنى عطشان.
ومعنى (لا تضحى) ولا تصيبك الشمس، ولا تبرز يقال ضحى الرجل يضحى إذا برز إلى الشمس.
قال الشاعر:
رأت رجلا أمّا إذا الشمس عارضت... فيضحى وأمّا بالعشيّ فيخصر
ومعنى - يخصر يصيبه الخصر وهو شدة البرد، وبلوغه الأطراف.
وقوله عزّ وجلّ: (ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى (124)
الضّنك: أصله في اللغة الضيق والشدة، ومعناه - واللّه أعلم - أن هذه المعيشة الضنك في نار جهنم.
وأكثر ما جاء في التفسير أنّه عذاب القبر.
[معاني القرآن: 3/378]
وقوله: (ونحشره يوم القيامة أعمى).
مثل ونحشر المجرمين يومئذ زرقا، وقيل أعمى عن حجته، وتأويله أنه لا حجة له يهتدي إليها، لا أن له حجة، وأنه يعمى عنها.
ما للناس على اللّه حجة بعد الرسل، ولله الحجة البالغة وقد بشّر وأنذر، ووعد وأوعد.
وقوله عزّ وجلّ (لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكرا).
أي لعل الوعيد يحدث لهم تذكر العذاب، فيزجرهم عن المعاصي وقيل: (أو يحدث لهم ذكرا) أي: شرفا.
وقوله عزّ وجلّ: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه).
أي من قبل أن يبيّن لك بيانه، ويقرأ من قبل أن نقضي إليك وحيه بالنون، ويجوز من قبل أن يقضي إليك وحيه، أي من قبل أن يقضي اللّه إليك وحيه، ولم تقرأ " تقضي " وقرئت يقضى ونقضي - بالياء والنون.
وقوله عزّ وجلّ: (قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (126)
أي كذلك تترك في النار كما تركت آياتنا.
وقوله: (أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إنّ في ذلك لآيات لأولي النّهى (128)
قرئت بالنون والياء، فمن قرأ بالنّون فمعناه أفلم نبين لهم بيانا يهتدون به، ومن قرأ أفلم يهد - بالياء - فالمعنى أفلم يبيّن لهم الأمر بإهلاك من قبلهم من القرون.
و " كم " في موضع نصب بـ (أهلكنا).
وكانت قريش تتجر وترى مساكن عاد وثمود وبها علامات الإهلاك، فذلك قوله: (يمشون في مساكنهم)
ويجوز (في مسكنهم) أي في موضع سكناهم ولم يقرأ بها.
ويقرأ: (يمشّون في مساكنهم) بالتشديد.
[معاني القرآن: 3/379]
وقوله: (إنّ في ذلك لآيات لأولي النّهى).
أي لذوي العقول والمعرفة، يقال: فلان ذو نهية إذا كان له عقل ينتهي به عن المقابح.
وقوله: (ولولا كلمة سبقت من ربّك لكان لزاما وأجل مسمّى (129)
أي لكان القتل الذي نالهم لازما أبدا، ولكان العذاب لازما لهم.
(وأجل مسمّى).
معطوف على (كلمة) المعنى لولا كلمة سبقت وأجل مسمى لكان لزاما، يعنى بالأجل المسمى أن الله وعدهم العذاب يوم القيامة.
وذلك قوله: (بل السّاعة موعدهم والسّاعة أدهى وأمرّ (46).
وقوله: (فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ومن آناء اللّيل فسبّح وأطراف النّهار لعلّك ترضى (130)
(وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها).
وذلك وقت الغداة والعشي.
(ومن آناء اللّيل فسبّح وأطراف النّهار).
الآناء الساعات، وواحد الآناء إني - وقد بيّنّاه فيما مضى.
(فسبّح وأطراف النّهار).
وأطراف النهار الظهر والعصر.
(لعلّك ترضى)، ويقرأ ترضى.
وقوله تعالى: (ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدّنيا لنفتنهم فيه ورزق ربّك خير وأبقى (131)
أي رجالا منهم.
(زهرة الحياة الدّنيا).
و(زهرة) جميعا - بفتح الهاء وتسكينها - و (زهرة) منصوب بمعنى متعنا لأن معناه جعلنا لهم الحياة الدنيا زهرة.
[معاني القرآن: 3/380]
(لنفتنهم فيه).
أي لنجعل ذلك فتنة لهم
وقوله عزّ وجلّ: (وقالوا لولا يأتينا بآية من ربّه أولم تأتهم بيّنة ما في الصّحف الأولى (133)
معناه هلّا يأتينا بآية أمن ربّه، وقد أتتهم البينات والآيات ولكنهم طلبوا أن يقترحوا هم ما يؤيدون من الآيات.
وقوله تعالى: (ولو أنّا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربّنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتّبع آياتك من قبل أن نذلّ ونخزى (134)
(من قبل أن نذلّ ونخزى).
يجوز فيها يذل ويخزى.
وقوله عزّ وجلّ: (قل كلّ متربّص فتربّصوا فستعلمون من أصحاب الصّراط السّويّ ومن اهتدى (135)
(فستعلمون من أصحاب الصّراط السّويّ)
" من " في موضع رفع، ولا يجوز أن يعمل فيها (فستعلمون)، لأن معناه معنى التسوية، المعنى فستعلمون أصحاب الصراط السوي نحن أم هم، فلم يعمل (فستعلمون) لأن لفظ الكلام لفظه لفظ الاستفهام.
ومعنى (أصحاب الصّراط السّويّ) أصحاب الطريق المستقيم، ويجوز من أصحاب الصراط السّوي ومن اهتدى.
(ومن اهتدى).
أي فسيعلمون من أصحاب الطريقة السوءى ومن المهتدي.
[معاني القرآن: 3/381]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir