دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 شوال 1431هـ/1-10-2010م, 04:27 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة المجادلة

سورة المجادلة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله عزّ وجلّ: (قد سمع اللّه قول الّتي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى اللّه واللّه يسمع تحاوركما إنّ اللّه سميع بصير (1)
إدغام الدال في السين حسن، لقرب المخرجين. يقرأ (قد سمع اللّه) بإدغام الدال في السين حتى لا يلفظ التكلم بدال.
وإنما حسن ذلك لأنّ السين والدال من حروف طرف اللسان فإدغام الدال في السين تقوية للحرف.
وإظهار الدال جائز لأن موضع الدال - وإن قرب من موضع السين - فموضع الدال حيّز على حدة.
ومن موضع الدال الطاء والتاء، هذه الأحرف الثلاثة موضعها واحد. والسين والزاي والصاد من موضع واحد، وهي تسمى حروف الصفير، فلذلك جاز إظهار الدال.
وهذه الآية نزلت بسبب خولة بنت ثعلبة، وأوس بن الصامت وكانا من الأنصار، قال لها: أنت على كظهر أمّي.
وقيل قال لها أنت على كأمّي.
وكانت هذه الكلمة مما يطلق بها أهل الجاهلية، فرووا أنها صارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إنّ أوسا تزوجني وأنا شابّة مرغوب فيّ، فلما خلا سني ونثرت بطني، أي كثر ولدي جعلني عليه كأمّه.
فروي أن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال لها: ما عندي في أمرك شيء، فشكت إلى اللّه عزّ وجلّ وقالت:
اللهم إني أشكو إليك.
وروي أيضا أنها قالت للنبي عليه السلام فيما قالت: إن لي صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، فأنزل اللّه
[معاني القرآن: 5/133]
- عزّ وجلّ - كفّارة الظّهار.
وفي هذا دليل أنه لا يكون ما يطلق به الجاهلية طلاقا إلا أن يأتي الإسلام بذلك نحو ما قالوا في خليّة وبريّة وحبلك على غاربك.
وأصل قولهم: أنت طالق لمّا أتى الإسلام بحكم فيه مضى على حكم الإسلام.
وقوله: (الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هنّ أمّهاتهم إن أمّهاتهم إلّا اللّائي ولدنهم وإنّهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإنّ اللّه لعفوّ غفور (2)
المعنى ما اللواتي يجعلن من الزوجات كالأمهات بأمّهات.
(إن أمّهاتهم إلّا اللّائي ولدنهم).
المعنى ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، فذكر اللّه - عزّ وجلّ – الأمّهات في موضع آخر فقال: (وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم)، فأعلم اللّه أنّ المرضعات أمهات، والمعنى ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم، أي الوالدات والمرضعات.
فلا تكن الزوجات كهؤلاء، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن ذلك منكر وباطل فقال: (وإنّهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإنّ اللّه لعفوّ غفور).
عفا عنهم وغفر لهم بجعله الكفارة عليهم.
و (الذين) في موضع رفع بالابتداء، وخبره (ما هنّ أمّهاتهم).
وأمهاتهم في موضع نصب على خبر (ما).
المعنى ليس هن بأمّهاتهم.
وقوله: (والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به واللّه بما تعملون خبير (3)
(الذين) رفع بالابتداء، وخبرهم فعليهم تحرير رقبة، ولم يذكر " عليهم "
لأن في الكلام دليلا عليه، وإن شئت أضمرت فكفارتهم تحرير رقبة.
(من قبل أن يتماسّا).
فاختلف أهل العلم فقال بعضهم: الكفارة للمسيس.
وقال بعضهم: إذا أراد العود إليها والإقامة مسّ أو لم يمس كفّر.
[معاني القرآن: 5/134]
وقوله عزّ وجلّ: (ذلكم توعظون به).
المعنى ذلكم التغليظ في الكفّارة توعظون به.
وقال بعض الناس لا تجب الكفّارة حتى يقول ثانية: أنت عليّ كظهر أمّي. وهذا قول من لا يدري اللغة، وهو خلاف قول أهل العلم أجمعين.
إنما المعنى ثم يعودون العودة التي من أجل القول، فلتلك العودة تلزم الكفارة لا لكل عودة.
وفيها قول آخر للأخفش وهو أن يجعل " لما قالوا " من صلة فتحرير رقبة، فالمعنى عنده: والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا، فهذا مذهب حسن أيضا.
والدليل على بطلان هذا القائل أن " ثم يعودون لما قالوا " أن يقول ثانية: أنت على كظهر أمّي - قول جميع أهل العلم ومتابعته هو إياهم: (للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهر فإن فاءوا)
فأجمعوا أنه ليس (فإن فاءوا) فإن حلفوا ثانية.
ومعنى فاءوا في اللغة وعادوا معنى واحد.
وقوله: (من قبل أن يتماسّا) كناية عن الجماع، ودليل ذلك قوله: (وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ).
فالمعنى من قبل أن تدخلوا بهنّ.
وقوله: (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسّا فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله وتلك حدود اللّه وللكافرين عذاب أليم (4)
المعنى فمن لم يجد الرقبة فكفارته صيام شهرين متتابعين، وإن شئت فعليه صيام شهرين متتابعين.
ولو قرئت فصيام شهرين جاز كما قال اللّه - عزّ وجلّ -
(أو إطعام في يوم ذي مسغبة (14) يتيما ذا مقربة (15).
ولا أعلم أحدا قرأ بالتنوين.
وقوله: (فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا).
[معاني القرآن: 5/135]
" من " في موضع رفع على معنى فمن لم يستطع الصيام فكفارته إطعام ستين مسكينا، وكذلك فإطعام بالتنوين ولا أعلم أحدا قرأ بها.
وقوله: (ذلك لتؤمنوا باللّه ورسوله).
(ذلك) في موضع رفع، المعنى الفرض ذلك الذي وصفنا.
ومعنى لتؤمنوا باللّه ورسوله، أي لتصدّقوا ما أتى به رسول اللّه، ولتصدّقوا أن اللّه أمرنا به.
(وتلك حدود اللّه).
أي تلك التي وصفنا في الظّهار والكفّارة حدود اللّه.
(وللكافرين عذاب أليم).
أي لمن لم يصدق بها، وأليم مؤلم.
وقوله: (إنّ الّذين يحادّون اللّه ورسوله كبتوا كما كبت الّذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بيّنات وللكافرين عذاب مهين (5)
معنى (كبتوا) أذلّوا وأخزوا بالعذاب وبأن غلبوا، كما نزل بمن قبلهم ممن حادّ اللّه.
ومعنى (يحادّون اللّه) ويشاقون الله أي هم في غير الحدّ الذي يكون فيه أولياء اللّه، وكذلك يشّاقون يكونون في الشق الذي فيه أعداء اللّه.
وقوله: (يوم يبعثهم اللّه جميعا فينبّئهم بما عملوا أحصاه اللّه ونسوه واللّه على كلّ شيء شهيد (6)
(يوم) منصوب بمعنى قوله: وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم اللّه جميعا)، أي يبعثهم مجتمعين في حال واحدة.
(فينبّئهم بما عملوا).
أي يخبرهم بذلك ليعلموا وجوب الحجة عليهم.
وقوله تعالى: (ألم تر أنّ اللّه يعلم ما في السّماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم ولا خمسة إلّا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلّا هو معهم أين ما كانوا ثمّ ينبّئهم بما عملوا يوم القيامة إنّ اللّه بكلّ شيء عليم (7)
[معاني القرآن: 5/136]
أي يعلم كل ما في السّماوات وكل ما في الأرض مما ظهر للعباد ومما بطن.
وقوله عزّ وجلّ: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلّا هو رابعهم).
أي ما يكون من خلوة ثلاثة يسرون شيئا ويتناجون به إلا وهو رابعهم عالم به، وهو في كل مكان، أي بالعلم.
ونجوى مشتق من النجوة وهو ما ارتفع وتنحّى تقول: فلان من هذا المكان بنجوة إذا كانت ناحية منه فمعنى تناجون يتخالون بما يريدون.
وذكر الله هذه الآية لأن المنافقين واليهود كانوا يتناجون، فيوهمون المسلمين أنهم يتناجون فيما يسوءهم ويؤذيهم فيحزنون لذلك، فنهي الله عزّ وجلّ - عق تلك النجوى فعاد المنافقون واليهود إلى ذلك فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قد عادوا في مثل تلك النجوى بعينها فقال:
(ألم تر إلى الّذين نهوا عن النّجوى ثمّ يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرّسول وإذا جاءوك حيّوك بما لم يحيّك به اللّه ويقولون في أنفسهم لولا يعذّبنا اللّه بما نقول حسبهم جهنّم يصلونها فبئس المصير (8)
أي يوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول.
(وإذا جاءوك حيّوك بما لم يحيّك به اللّه ويقولون في أنفسهم لولا يعذّبنا اللّه بما نقول).
أي هلّا يعذبنا الله بما نقول، وكانوا إذا أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا: السام عليكم، والسام: الموت، فقالوا: لم لا ينزل بنا العذاب إذا قلنا للنبي - عليه السلام - هذا القول، واللّه - عزّ وجلّ - وعدهم بعذاب الآخرة وبالخزي في الدنيا، وبإظهار الإسلام وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وغلبة حزبه، فقال: (حسبهم جهنّم يصلونها).
وقال: (كبتوا كما كبت الّذين من قبلهم).
وقال: (فإنّ حزب اللّه هم الغالبون (56).
فصدق وعده ونصر جنده وأظهر دينه وكبت عدوّه.
[معاني القرآن: 5/137]
وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرّسول وتناجوا بالبرّ والتّقوى واتّقوا اللّه الّذي إليه تحشرون (9)
أي إذا تخاليتم للسّر فلا تخالوا إلا بالبرّ والتقوى، ولا تكونوا كاليهود والمنافقين.
وفي تناجوا ثلاثة أوجه:
فلا تتناجوا بتاءين ظاهرتين.
وبتاء واحدة مدغمة مشدّدة: فلا تناجوا.
وإنما أدغمت التاءان لأنهما حرفان من مخرج واحد متحرّكان وقبلهما ألف، والألف قد يكون بعدها الدغم نحو دابّة ورادّ.
ويجور الإظهار لأن التاءين في أول الكلمة وأن " لا " كلمة على حالها.
و " تتناجوا " كلمة أخرى، فلم يكن هذا البناء لازما فلذلك كان الإظهار أجود.
ويجوز الإدغام، ويجوز حذف التاء لاجتماع التاءين.
يحكى عن العرب " تبين هذه الخصلة، وتتبين هذه الخصلة، وفي القرآن لعلكم تذكّرون، وتتذكّرون وتذكرون واحدة، ولا أعلم أحدا قرأ " ولا تناجوا " بتاء واحدة ولكن تقرأ " فلا تنتجوا " أي لا تفتعلوا من النجوى.
وقوله: (إنّما النّجوى من الشّيطان ليحزن الّذين آمنوا وليس بضارّهم شيئا إلّا بإذن اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (10)
أي النجوى بالإثم والعدوان من الشيطان ليحزن الذين آمنوا.
ويجوز (ليحزن الذين آمنوا) - بضم الياء وكسر الزاي - العرب تقول: حزنني الأمر وأحزنني.
(وليس بضارّهم شيئا).
أي ليس يضرّ التناجي المؤمنين شيئا.
ويجوز أن يكون وليس بضارهم الشيطان شيئا.
وقوله: (إلّا بإذن اللّه)، أي لا يضرهم شيء إلا ما أراد الله (وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون).
أي يكلون أمرهم إلى الله ويستعيذون به من الشيطان الرجيم.
[معاني القرآن: 5/138]
وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا قيل لكم تفسّحوا في المجالس فافسحوا يفسح اللّه لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع اللّه الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات واللّه بما تعملون خبير (11)
(في المجلس) (تفسّحوا)
ويقرأ (في المجالس) وتقرأ (تفاسحوا).
وجاء في التفسير أن المجلس ههنا يعنى به مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل في المجالس مجالس الحرب مثل قوله تعالى: (مقاعد للقتال).
فأمّا ما أمروا به في مجلس النبي عليه السلام فقيل إن الآية نزلت بسبب عبد اللّه بن شمّاس وكان من أهل الصفّة، وكان من يجلس في مجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذوي الغنى والشرف كأنهم لا يوسعون لمن هو دونهم، فأمر اللّه المؤمنين بالتواضع وأن يفسحوا في المجلس لمن أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتساوى الناس بالأخذ بالحظ منه.
(وإذا قيل انشزوا فانشزوا).
أي إذا قيل انهضوا - قوموا - فانهضوا.
وهذا كما قال: (ولا مستأنسين لحديث إنّ ذلكم كان يوذي النبي فيستحي منكم).
وقيل أيضا (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) أي إذا قيل قوموا لصلاة أو قضاء حقّ أو شهادة فانشزوا.
ويجوز " انشروا فانشروا، جميعا يقرأ بهما ويرويان عن العرب نشر ينشر وينشز.
وقوله: (يرفع اللّه الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العلم درجات).
والدليل على فضل أهل العلم ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: عبادة العالم يوما واحدا تعدل عبادة العابد الجاهل أربعين سنة.
وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر فإن لم تجدوا فإنّ اللّه غفور رحيم (12)
أي إذا خاليتم الرسول بالسّرّ فقدموا قبل ذلك صدقة وافعلوا ذلك.
وقيل إن سبب ذلك أن الأغنياء كانوا يستخلون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسارّونه بما يريدون، وكان الفقراء لا يتمكنون من النبي - صلى الله عليه وسلم - تمكنهم ففرض عليهم
[معاني القرآن: 5/139]
الصدقة قبل النجوى ليمتنعوا من ذلك، فروي أن عليّا رحمه الله أراد أن يناجي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فتصدق بدينار باعه بعشرة دراهم قبل مناجاته، ثم نسخ ذلك الزكاة فقال - عزّ وجلّ:
(أأشفقتم أن تقدّموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب اللّه عليكم فأقيموا الصّلاة وآتوا الزّكاة وأطيعوا اللّه ورسوله واللّه خبير بما تعملون (13)
أي أطيعوه في كل أمر، ودخل في ذلك التّفسّح في المجلس لتقارب النّاس في الدّنو من النبي عليه السلام.
وقوله عزّ وجلّ: (ألم تر إلى الّذين تولّوا قوما غضب اللّه عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون (14)
هؤلاء المنافقون تولّوا اليهود.
ومعنى قوله: (ويحلفون على الكذب) يدل على تفسيره قوله: (ويحلفون باللّه إنّهم لمنكم وما هم منكم ولكنّهم قوم يفرقون)
وقوله: (يوم يبعثهم اللّه جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم)
يدل عليه قوله: (ثمّ لم تكن فتنتهم إلّا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين (23) انظر كيف كذبوا على أنفسهم).
وقوله: (استحوذ عليهم الشّيطان فأنساهم ذكر اللّه أولئك حزب الشّيطان ألا إنّ حزب الشّيطان هم الخاسرون (19)
معنى " استحوذ " في اللغة استولى، يقال: حذت الإبل وحزتها إذا استوليت عليها وجمعتها، وهذا مما خرج على أصله ومثله في الكلام أجودت وأطيبت، والأكثر أجدت وأطبت، إلّا أنّ استحوذ جاء على الأصل، لأنه لم يقل على حاذ لأنه إنما بني على استفعل في أول وهلة كما بني افتقر على افتعل وهو من الفقر ولم يقل منه فقر ولا استعمل بغير زيادة، ولم يقل: حاذ عليهم الشيطان ولو جاء استحاذ كان صوابا، ولكن استحوذ ههنا أجود لأنّ
[معاني القرآن: 5/140]
الفعل في ذا المعنى لم يستعمل إلا بزيادة.
وقوله عزّ وجلّ: (أولئك حزب الشّيطان).
قال أبو عبيدة: حزب الشيطان جند الشيطان، والأصل في اللغة أن الحزب الجمع والجماعة، يقال منه: قد تحزب القوم إذا صاروا فرقا، جماعة كذا وجماعة كذا.
وقوله تعالى: (إنّ الّذين يحادّون اللّه ورسوله أولئك في الأذلّين (20)
قد فسرنا يحادون ومعناه يشاقون أي يصيرون في غير حد أولياء اللّه.
وفي غير شقّهم.
(أولئك في الأذلّين)، أي أولئك في المغلوبين.
وقوله: (كتب اللّه لأغلبنّ أنا ورسلي إنّ اللّه قويّ عزيز (21)
أي قضى الله قضاء ثابتا، ومعنى غلبة الرسل على نوعين: من بعث بالحرب فغالب في الحرب.
ومن بعث منهم بغير حرب فهو غالب بالحجة.
(إنّ اللّه قويّ عزيز).
أي مانع حزبه من أن يذلّ لأنه قال جلّ وعلا: (أولئك في الأذلّين).
والعزيز الذي لا يغلب ولا يقهر.
وقوله: (لا تجد قوما يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادّون من حادّ اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح منه ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللّه عنهم ورضوا عنه أولئك حزب اللّه ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون (22)
جاء في التفسير أن هذه الآية نزلت بسبب حاطب بن أبي بلتعة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - عزم على قصد أهل مكة فكتب حاطب يشرح لهم القصة وينذرهم ليحرزوا فنزل الوحي على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فذكر حاطب لمّا وبّخ بذلك أن له بمكة أهلا وأنه ليس له أحد يكنفهم، وإنما فعل ذلك ليحاط أهله، فأعلم اللّه - عزّ وجلّ - أن إيمان المؤمن يفسد بمودة الكفار بالمعاونة على المؤمنين.
وأعلم اللّه تعالى أنه من كان مؤمنا باللّه واليوم الآخر لا يوالي من كفر، ولو كان أباه أو أمّه أو أخاه أو أحدا من عشيرته.
[معاني القرآن: 5/141]
وقوله تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان).
يعني الذين لا يوادّون من حادّ اللّه ورسوله، ويوالون المؤمنين.
وقوله: (وأيّدهم بروح منه).
أي قواهم بنور الإيمان بإحياء الإيمان، ودليل ذلك قوله: (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا).
فكذلك: (وأيّدهم بروح منه).
فأعلم الله عزّ وجلّ أن ذلك يوصلهم إلى الجنّة فقال: (ويدخلهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي اللّه عنهم ورضوا عنه أولئك حزب اللّه).
أي الذين لا يوادّون من حاد الله ورسوله ومن المؤمنين، وحزب الله أي الداخلون في الجمع الذي اصطفاه الله وارتضاه.
وقوله: (ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون).
(ألا) كلمة تنبيه، وتوكيد للقصّة.
و (المفلحون) المدركون البقاء في النعيم الدائم.
[معاني القرآن: 5/142]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir