دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:39 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الزخرف

سورة الزّخرف
(مكّيّة)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله عزّ وجلّ: (حم (1) والكتاب المبين (2)
قد فسرنا معنى (حم)، ومعنى (الكتاب المبين)، الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة، وأبان كل ما تحتاج إليه الأمّة.
وقوله عزّ وجلّ: (إنّا جعلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون (3)
معناه إنا بيّنّاه قرآنا عربيا.
وقوله (وإنّه في أمّ الكتاب لدينا لعليّ حكيم (4)
(أم الكتاب) أصل الكتاب، وأصل كل شيء أمّه، والقرآن مثبت عند اللّه في اللوح المحفوظ، والدليل على ذلك قوله: (بل هو قرآن مجيد (21) في لوح محفوظ (22).
وقوله: (أفنضرب عنكم الذّكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين (5)
ويقرأ (إن كنتم قوما مسرفين) فمن فتحها فالمعنى أفنضرب عنكم الذكر صفحا لأن كنتم، ومن كسرها فعلى معنى الاستقبال، على معنى إن تكونوا مسرفين نضرب عنكم الذكر، ويقال: ضربت عنه الذكر وأضربت عنه الذكر.
والمعنى أفنضرب عنكم ذكر العذاب والعذاب بأن أسرفتم.
والدليل على أن
[معاني القرآن: 4/405]
المعنى هذا وأنه ذكر العذاب قوله: (فأهلكنا أشدّ منهم بطشا ومضى مثل الأوّلين (8).
أي مضت سنتهم، ويكون (أفنضرب عنكم الذكر) أي نهملكم فلا نعرفكم ما يجب عليكم لأن أسرفتم، ومثله: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى (36).
وقوله: (الّذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلّكم تهتدون (10)
(وجعل لكم فيها سبلا): طرقا.
وقوله: (والّذي خلق الأزواج كلّها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون (12)
معناه خلق الأصناف كلها، تقول عندي من كلّ زوج أي من كلّ صنف.
(وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون).
أي خلق لكم وسخرها لكم:
(لتستووا على ظهوره).
وقوله عزّ وجلّ: (ثمّ تذكروا نعمة ربّكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين (13)
أي تحمدون اللّه وتعظمونه، فيقول القائل إذا ركب السفينة: بسم اللّه مجراها ومرساها، ويقول إذا ركب الدابة: الحمد للّه سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، أي مطيقين، واشتقاته من قولك: أنا لفلان مقرن أي مطيق، أي قد صرت قرنا له.
(وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون (14)
أي نحن مقرّون بالبعث.
وقوله عزّ وجلّ: (وجعلوا له من عباده جزءا إنّ الإنسان لكفور مبين (15)
يعنى به الذين جعلوا الملائكة بنات اللّه، وقد أنشدني بعض أهل
[معاني القرآن: 4/406]
اللغة بيتا يدل على أن معنى جزء معنى الإناث ولا أدري البيت، قديم أم مصنوع، أنشدني:
إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب... قد تجزئ الحرّة المذكار أحيانا
أي إن " أنثت، ولدت أنثى.
وقوله عزّ وجلّ: (أومن ينشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين (18)
ويقرأ (ينشأ)، وموضع " من " نصب.
المعنى أجعلوا من ينشّأ في الحلية - يعني البنات - للّه.
(وهو في الخصام غير مبين).
يعنى البنات، أي الأنثى لا تكاد تستوفي الحجة ولا تبين.
وقد قيل في التفسير إن المرأة لا تكاد تحتج بحجة إلا عليها.
وقد قيل إنّه يعني به الأصنام.
والأجود أن يكون يعني به المؤنث.
وقوله تعالى: (وجعلوا الملائكة الّذين هم عباد الرّحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون (19)
الجعل ههنا في معنى القول والحكم على الشيء. تقول: قد جعلت زيدا أعلم الناس، أي قد وصفته بذلك وحكمت به.
وقوله - عزّ وجلّ -: (ستكتب شهادتهم).
وتقرأ سنكتب، ويجوز سيكتب، المعنى سيكتب اللّه شهادتهم ولا نعلم أحدا قرأ بها. والقراءة بالتاء والنون.
[معاني القرآن: 4/407]
وقوله: (وقالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إن هم إلّا يخرصون (20)
المعنى ما لهم بقولهم إنّ الملائكة بنات اللّه من علم، ولا بجميع ما تخرصوا به.
وقوله: (أم آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون (21)
أي أم هل قالوا عن كتاب، المعنى أشهدوا خلقهم أم آتيناهم بكتاب بما قالوه من عبادتهم ما يعبدون من دون اللّه، ثم أعلم اللّه - عزّ وجلّ – أن فعلهم اتباع ضلالة آبائهم فقال:
(بل قالوا إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مهتدون (22)
ويقرأ " على إمّة " بالكسر، فالمعنى على طريقة.
وقوله عزّ وجلّ: (وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلّا قال مترفوها إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون (23)
أي قد قال لك هؤلاء كما قال أمثالهم للرسل من قبلك.
وقوله: (وإنّا على آثارهم مقتدون).
معناه نقتدي بهم، ويصلح أن يكون خبرا لإنا مهتدون، و (على) من صلة مهتدين، وكذلك مقتدون، فيكون المعنى وإنهم مهتدون على آثارهم، وكذلك يكون المعنى مقتدون على آثارهم، ويصلح أن يكون خبرا بعد خبر، فيكون (وإنّا على آثارهم) الخبر ويكون (مهتدون) خبرا ثانيا، وكذلك (مقتدون).
وقوله: - عزّ وجلّ - (قال أولو جئتكم بأهدى ممّا وجدتم عليه آباءكم قالوا إنّا بما أرسلتم به كافرون (24)
المعنى فيه قل أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه.
وقوله تعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنّني براء ممّا تعبدون (26) إلّا الّذي فطرني فإنّه سيهدين (27)
[معاني القرآن: 4/408]
(براء) بمعنى بريء ممّا تعبدون، والعرب تقول للواحد منها أنا البراء منك، وكذلك الاثنان والجماعة والذكر والأنثى يقولون نحن البراء منك والخلاء منك، ولا يقولون: نحن البراءان منك ولا البراءون.
وإنما المعنى إنا ذوو البراء منك ونحن ذوو البراء منك كما تقول رجل عدل وامرأة عدل وقوم عدل، والمعنى ذوو عدل وذوات عدل.
وقوله: (إلّا الّذي فطرني فإنّه سيهدين (27)
المعنى إنا نتبرأ مما تعبدون إلا من الله عزّ وجلّ، ويجوز أن يكون " إلا " بمعنى لكن فيكون المعنى لكن الذي فطرني فإنه سيهدين.
(وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلّهم يرجعون (28)
يعني بها كلمة التوحيد وهي لا إله إلا اللّه باقية في عقب إبراهيم، لا يزال من ولده من يوحد اللّه عزّ وجلّ.
(وقالوا لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (31)
المعنى على رجل من رجلي القريتين عظيم، والرجلان أحدهما الوليد ابن المغيرة المخزومي من أهل مكة، والآخر حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي من أهل الطائف، والقريتان ههنا مكة والطائف.
ويجوز " لولا نزّل " أي لولا نزّل اللّه هذا القرآن، ويجوز لولا نزل هذا القرآن.
ومعنى لولا هلّا ولم يقرأ بهاتين الأخريين، إنما القراءة (نزّل).
و (هذا) في موضع رفع، والقرآن ههنا مبيّن عن هذا ويسميه سيبويه عطف البيان، لأن لفظه لفظ الصفة، ومما يبين أنه عطف البيان قولك مررت بهذا الرجل وبهذه الدار، و (هذا القرآن) إنما يذكر بعد هذا اسما يبين بها اسم الإشارة.
وقوله عزّ وجلّ (أهم يقسمون رحمت ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتّخذ بعضهم بعضا سخريّا ورحمت ربّك خير ممّا يجمعون (32)
[معاني القرآن: 4/409]
أي قولهم: لم لم ينزل هذا القرآن على غير محمد عليه السلام اعتراض منهم، وليس تفضل اللّه عزّ وجلّ يقسمه غيره.
ولما أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة قالت العرب - أو أكثرها -: كيف لم يرسل اللّه ملكا وكيف أرسل اللّه بشرا، فقال اللّه عزّ وجلّ: (وما أرسلنا من قبلك إلّا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى).
وقال: (أكان للنّاس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم).
فلما سمعوا أن الرسالة كانت في رجال من أهل القرى قالوا: " لولا نزل على أحد هذين الرجلين ".
وقال - عزّ وجلّ -: (أهم يقسمون رحمت ربّك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدّنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات).
قكما فضلنا بعضهم على بعض في الرزق وفي المنزلة، كذلك اصطفينا للرسالة من نشاء.
وقوله: (ليتّخذ بعضهم بعضا سخريّا).
و (سخريّا)
أي ليستعمل بعضهم بعضا، ويستخدم بعضهم بعضا.
وقيل (سخريّا) أي، يتخذ بعضهم بعضا عبيدا.
ثم أعلم - عزّ وجلّ - أن الآخرة أحظّ من الدنيا فقال: (ورحمت ربّك خير ممّا يجمعون).
وأعلم قلّة الدنيا عنده عزّ وجلّ فقال:
(ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرّحمن لبيوتهم سقفا من فضّة ومعارج عليها يظهرون (33)
ويقرأ سقفا من فضة، ويجوز سقفا بسكون القاف وضم السين، فمن قال سقفا وسقفا فهو جمع سقف كما قيل رهن ورهن ورهن، ومن قال سقفا فهو واحد يدلّ على الجمع المعنى جعلنا لبيت كل واحد منهم سقفا من فضة.
[معاني القرآن: 4/410]
وقوله: (ومعارج عليها يظهرون).
(معارج) درج واحدها معرج.
المعنى وجعلنا معارج من فضة، وكذلك:
(أبوابا وسررا عليها يتّكئون (34)
أي أبوابا من فضة وسررا من فضة.
(وزخرفا وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا والآخرة عند ربّك للمتّقين (35)
(وزخرفا).
الزخرف - جاء في التفسير أنه ههنا الذهب، إلا زيد بن أسلم فإنه قال: هو متاع البيت، والزخرف في اللغة الزينة وكمال الشيء فيها، ودليل ذلك قوله: (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها) أي كمالها وتمامها.
(وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدّنيا والآخرة).
معناه وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، ويقرأ لما متاع و " ما " ههنا لغو، المعنى لمتاع.
وقوله: (ولولا أن يكون النّاس أمّة واحدة).
أي: لولا أن تميل بهم الدنيا فيصير الخلق كفارا لأعطى اللّه الكافر في الدنيا غاية ما يتمنى فيها لقلّتها عنده، ولكنه - عزّ وجلّ - لم يفعل ذلك لعلمه بأن الغالب على الخلق حبّ العاجلة.
وقوله: (ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانا فهو له قرين (36)
ويقرأ (ومن يعش) بفتح الشين من عشي يعشى، أي من يعم عن ذكر الرحمن.
[معاني القرآن: 4/411]
(نقيّض له شيطانا).
نسبب له شيطانا، يجعل اللّه له ذلك جزاءه.
وقوله: (وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون (37)
أي الشياظين تصدهم عن السبيل، ويحسب الكفار أنّهم مهتدون.
وقوله - عزّ وجلّ -: (لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم) يصلح أن يكون بدلا من قوله (لمن يكفر بالرحمن)، ويكون المعنى لجعلنا لبيوت من يكفر بالرحمن، ويصلح أن يكون لبيوتهم على معنى لجعلنا لمن يكفر بالرحمن على بيوتهم.
وقوله: (حتّى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين (38)
ويقرأ (جاءانا) فمن قرأ (جاءانا) فالمعنى حتى إذا جاء الكافر وشيطاته.
ومن قرأ (حتّى إذا جاءنا) فعلى الكافر وحده.
(قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين).
معنى (المشرقين) ههنا بعد المشرق والمغرب، فلما جعلا اثنين غلب لفظ المشرق كما قال:
لنا قمراها والنجوم الطوالع
يريد الشمس والقمر، وكما قالوا سنة العمرين يراد سنة أبي بكر وعمر رحمة اللّه عليهما.
وقوله عزّ وجلّ: (ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنّكم في العذاب مشتركون (39)
المعنى لن تنفعكم الشركة في العذاب، قال محمد بن يزيد في جواب
[معاني القرآن: 4/412]
هذه الآية إنّهم منعوا روح التّأسّي لأن التّأسّي يسهّل المصيبة، فأعلموا أن لن ينفعهم الاشتراك في العذاب وأن اللّه - عزّ وجلّ - لا يجعل فيه أسوة.
قال وأنشدني في المعنى للخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي... على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن... أعزي النّفس عنه بالتّأسّي
وقوله - عزّ وجلّ -: (فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون (41) أو نرينّك الّذي وعدناهم فإنّا عليهم مقتدرون (42)
دخل " ما " توكيدا للشرط والنون الثقيلة في قوله: (نذهبنّ) دخلت أيضا توكيدا، وإذا دخلت (ما) دخلت معها النون كما تدخل مع لام القسم.
والمعنى إنا ننتقم منهم إن توفيت أو نريك ما وعدناهم ووعدناك فيهم من النصر، فقد أراه اللّه - عزّ وجلّ - ما وعده فيهم ووعدهم من إهلاكهم إن كذبوا.
وقد قيل إنه كانت بعد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أشياء لم يحبب اللّه أن يريه إياها.
وقوله عزّ وجلّ: (وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون (44)
يريد أن القرآن شرف لك ولقومك.
وقوله: (وسوف تسألون).
معناه سوف تسألون عن شكر ما جعله اللّه لكم من الشرف.
وقوله: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون (45)
في هذه المسألة ثلاثة أوجه:
جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به جمع له الأنبياء في بيت المقدس فأمّهم وصلّى بهم، وقيل له: سلهم فلم
[معاني القرآن: 4/413]
يشكك عليه السلام ولم يسل.
ووجه ثان وهو الذي أختاره، وهو أن المعنى سل أمم من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون؟.
ويكون معنى السؤال ههنا على جهة التقرير كما قال: (ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه) فليس يسالهم ههنا عمن خلقهم إلا على جهة التقرير وكذلك إذا سال جميع أمم الأنبياء لم يأتوا بأن في كتبهم أن اعبدوا غيري.
ووجه ثالث يكون المعنى في خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - معناه مخاطبة الأمّة، كأنّه قال: واسألوا، والدليل على أن مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يدخل فيها خطاب الأمة قوله: (يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء).
وقوله: (وقالوا يا أيّه السّاحر ادع لنا ربّك بما عهد عندك إنّنا لمهتدون (49)
إن قال قائل: كيف يقولون لموسى عليه السلام يا أيّها الساحر وهم يزعمون أنهم مهتدون؟
فالجواب أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالسحر، ومعنى بما عهد عندك أي بما عهد عندك فيمن آمن به من كشف العذاب عنه.
الدليل على ذلك قوله: (فلمّا كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون (50)
أي إذا هم ينقضون عهدهم.
وقوله عزّ وجلّ: (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون (51)
" مصر " ههنا يعنى بها مدينة مصر المعروفة، فمصر مذكر سمّي به مؤنث لأن المدينة الغالب عليها التأنيث، وقد يجوز ملك مصر، يذهب به إلى أن مصر اسم لبلد، وهذا فيه بعد من قبل أن أكثر ما يستعمل البلد لما يضم مدنا
[معاني القرآن: 4/414]
كبيرة نحو بلاد الرّوم وبلاد الشام وبلد خراسان.
ويجوز أن تصرف مصرا إذا جعلته اسما لبلد عند جميع النحويين من البصريين.
وقوله عزّ وجلّ: (أفلا تبصرون (51) أم أنا خير من هذا الّذي هو مهين ولا يكاد يبين (52)
قال سيبويه والخليل عطف " أنا " بـ (أم) على قوله (أفلا تبصرون)
لأنّ معنى (أم أنا خير) معناه أم تبصرون، كأنّه قال: " أفلا تبصرون أم تبصرون، قال لأنهم إذا قالوا أنت خير منه فقد صاروا عنده بصراء، فكأنّه قال أفلا تبصرون أم أنتم بصراء.
ومعنى (مهين) قليل.
يقال شيء مهين أي قليل، وهو فعيل من المهانة.
وقوله (ولا يكاد يبين).
قال ذلك لأنه كانت في لسان موسى عليه السلام لثغة، والأنبياء - صلوات اللّه عليهم - أجمعون مبيّنون بلغاء.
وقوله عزّ وجلّ: (فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين (53)
كانه لما وصف نفسه بالملك والرياسة قال: هلّا جاء موسى بشيء يلقى عليه فيكون ذلك أسورة من ذهب تدل على أنها من عند إلهه الذي يدعوكم إلى توحيده، أو هلّا جاء معه الملائكة مقترنين أي يمشون معه فيدلّون على صحة نبوته، وقد أتى موسى عليه السلام من الآيات بما فيه دلالة على تثبيت النبوة، وليس للذين يرسل إليهم الأنبياء أن يقترحوا من الآيات ما يريدون هم.
وتقرأ (أساورة من ذهب)، ويصلح أن يكون جمع الجمع تقول أسورة وأساورة، كما تقول: أقوال وأقاويل ويجوز أن يكون جمع إسوار وأساورة.
[معاني القرآن: 4/415]
وإنما صرفت أساورة لأنك ضممت الهاء إلى أساور فصار اسما واحدا وصار الاسم له مثال في الواحد مثل علانية وعباقية.
وقوله عزّ وجلّ: (فلمّا آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين (55)
معنى (آسفونا) أغضبونا.
(فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين (56)
جعلناهم سلفا متقدّمين ليتعظ بهم الآخرون.
ويقرأ سلفا - بضم السين واللام، ويقرأ سلفا - بضم السين وفتح اللام -. فمن قال سلفا - بضمتين - فهو جمع سليف، أي جميع قد مضى.
ومن قرأ سلفا فهو جمع سلفة أي فرقة قد مضت.
وقوله عزّ وجلّ: (ولمّا ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدّون (57)
(يصدّون) ويقرأ (يصدّون) - بضم الصاد - والكسر أكثر ومعناهما جميعا يضجّون ويجوز أن يكون معنى المضمومة يعرضون.
وجاء في التفسير أن كفار قريش خاصمت النبى - صلى الله عليه وسلم - فلما قيل لهم: (إنّكم وما تعبدون من دون اللّه حصب جهنّم) قالوا قد رضينا أن تكون آلهتنا بمنزله عيسى ابن مريم والملائكة الذين عبدوا من دون اللّه.
فهذا معنى ضرب عيسى المثل.
وقوله: (وقالوا أآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلّا جدلا بل هم قوم خصمون (58)
(ما ضربوه لك إلّا جدلا).
أي طلبا للمجادلة لأنهم قد علموا أن المعنى في (حصب جهنّم) ههنا أنه يعني به الأصنام وهم.
[معاني القرآن: 4/416]
وقوله تعالى: (إن هو إلّا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل (59)
يعني به عيسى ابن مريم.
ومعنى (وجعلناه مثلا لبني إسرائيل) أنه يدلهم على نبوته.
(ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون (60)
معنى (يخلفون) يخلف بعضهم بعضا، والمعنى لجعلنا منهم بدلا منكم.
(وإنّه لعلم للسّاعة فلا تمترنّ بها واتّبعون هذا صراط مستقيم (61)
ويقرأ (لعلم للسّاعة) المعنى أن ظهور عيسى ابن مريم عليه السلام علم للسّاعة، أي إذا ظهر دلّ على مجيء الساعة.
وقد قيل إنه يعني به أن القرآن العلم للساعة يدل على قرب مجيئها، والدليل على ذلك قوله: (اقتربت السّاعة وانشقّ القمر).
والأول أكثر في التفسير.
وقوله: (فلا تمترنّ بها) أي لا تشكّنّ فيها.
وقوله عزّ وجلّ: (ولمّا جاء عيسى بالبيّنات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبيّن لكم بعض الّذي تختلفون فيه فاتّقوا اللّه وأطيعون (63)
قوله جاء (بالحكمة) أي بالإنجيل وبالبينات أي الآيات التي يعجز عنها المخلوقون.
وقالوا في معنى (بعض الّذي تختلفون فيه) أي كل الذي يختلفون فيه واستشهدوا بقول لبيد:
[معاني القرآن: 4/417]
أو يخترم بعض النّفوس حمامها
يريد كل النفوس، واستشهدوا أيضا بقول القطامي:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته.
قالوا معناه كل حاجته.
وهذا مذهب أبي عبيدة، والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكل، وهذا ليس في الكلام، والذي جاء به عيسى في الإنجيل إنّما هو بعض الذي اختلفوا فيه، وبين اللّه سبحانه لهم من غير الإنجيل ما احتاجوا إليه، وكذلك قوله: أو يخترم بعض النفوس حمامها، إنما يعني نفسه، ونفسه بعض النفوس.
وقوله عزّ وجلّ: (فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للّذين ظلموا من عذاب يوم أليم (65)
(الأحزاب) قيل إنهم الأربعة الذين كانوا بعد عيسى، يعني به اليهود والنصارى.
وقوله: (الأخلّاء يومئذ بعضهم لبعض عدوّ إلّا المتّقين (67)
جاء في التفسير عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: الأخلاء أربعة مؤمنان وكافران - فمات أحد المؤمنين فسئل عن خليله فقال ما علمته إلا أمّارا بالمعروف نهّاء عن المنكر، اللهم اهده كما هديتني، وأمته على ما أمتني عليه.
وسئل الكافر عن خليله فقال: ما علمته إلا أمّارا بالمنكر نهّاء عن المعروف، اللهم أضلله كما أضللتني، وأمته على ما أمتني عليه، فإذا كان يوم القيامة أثنى كل واحد على صاحبه شرّا.
[معاني القرآن: 4/418]
قوله - عز وجل - (يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون (68)
وتقرأ يا عبادي - بإثبات الياء، وقد فسرنا حذف الياء وإثباتها في مثل هذا فيما سلف من الكتاب.
وقوله: (الّذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين (69)
(الذين) في موضع نصب على النعت لعبادي، لأن عبادي منادى مضاف، وإنّما قيل (لا خوف عليكم اليوم) للمؤمنين لا لغيرهم، وكذلك " (ادخلوا الجنّة) لا خوف عليكم يعنى يا عبادي المؤمنين ادخلوا الجنّة.
وقوله: (أنتم وأزواجكم تحبرون (70)
(تحبرون) تكرمون إكراما يبالغ فيه، والحبرة المبالغة فيما وصف بجميل.
وقوله: (يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وأنتم فيها خالدون (71)
" الصحاف " واحدها صحفة وهي القصعة، والأكواب واحدها كوب وهو إناء مستدير لا عروة له.
وقوله: (وفيها ما تشتهي الأنفس).
وقرئت (تشتهيه الأنفس) بإثبات الهاء، وأكثر المصاحف بغيرها، وفي بعضها الهاء.
وقوله - عزّ وجلّ -: (لا يفتّر عنهم وهم فيه مبلسون (75)
المبلس: الساكت الممسك إمساك يائس من فرج.
وقوله: (وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظّالمين (76)
" هم " ههنا فصل كذا يسميها البصريون، وهي تأتي دليلا على أن ما
[معاني القرآن: 4/419]
بعدها ليس بصفة لما قبلها، وأن المتكلم يأتي بخبر الأول. ويسميها الكوفيون العماد.
وهي عند البصريين لا موضع لها في رفع ولا نصب ولا جرّ، ويزعمون أنها بمنزلة (ما) في قوله سبحانه: (فبما رحمة من اللّه لنت لهم) وقد فسرت ما في هذا فيما تقدم من الكتاب ويجوز " ولكن كانوا هم الظالمون " في غير القرآن، ولكن لا تقرأنّ بها لأنّها تخالف المصحف.
وقوله عزّ وجلّ: (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربّك قال إنّكم ماكثون (77)
وقد رويت يا مال - بغير كاف، وبكسر اللام - وهذا يسميه النحوّيون الترخيم، وهو كثير في الشعر في مالك وعامر ولكنني أكرههما لمخالفتهما المصحف.
وقوله عزّ وجلّ: (أم أبرموا أمرا فإنّا مبرمون (79)
أي أم أحكموا عند أنفسهم أمرا من كيد أو شرّ فإنا مبرمون.
محكمون مجازاتهم كيدا بكيدهم، وشرّا بشرّهم.
وقوله: (قل إن كان للرّحمن ولد فأنا أوّل العابدين (81)
معناه إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدا فانا أول الموحّدين لأن من عبد الله - عزّ وجلّ - واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد.
والمعنى أن كان للرحمن ولد في قولكم، كما قال: (أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم) أي في قولكم. واللّه واحد لا شريك له.
وقد قيل إنّ (إن) في هذا الموضع في موضع (ما) المعنى ما كان للرحمن ولد، (فأنا أوّل العابدين).
وقد قيل إن العابدين في معنى الآنفين، فأنا أول من يأنف من هذا القول.
[معاني القرآن: 4/420]
وقوله عزّ وجلّ: (وهو الّذي في السّماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم (84)
المعنى هو الموحّد في السماء وفي الأرض.
وقرئت (في السّماء اللّه وفي الأرض اللّه).
ويدل ما خلق بينهما وفيهما أنه واحد حكيم عليم، لأن خلقهما يدل على الحكمة والعلم.
وقوله: (وقيله يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون (88)
(وقيله)
ويقرأ (وقيله)، (وقيله يا ربّ)، فيها ثلاثة أوجه:
الخفض على معنى (وعنده علم الساعة) وعلم قيله يا ربّ
والنصب من ثلاثة أوجه:
قال أبو الحسن الأخفش إنه منصوب من جهتين:
إحداهما على العطف على قوله: (أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم) وقيله، أي ونسمع قيله. ويكون على وقال قيله.
قال أبو إسحاق: والّذي أختاره أنا أن يكون " قيله " نصبا على معنى وعنده علم الساعة ويعلم قيله، فيكون المعنى إنّه يعلم الغيب ويعلم قيله، لأن معنى عنده علم الساعة يعلم الساعة ويعلم قيله.
ومعنى الساعة في كل القرآن الوقت الذي تقوم فيه القيامة.
والرفع على معنى وقيله هذا القول، أي وقيله قوله (يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون).
[معاني القرآن: 4/421]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir