دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:30 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة غافر

سورة غافر
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
(حم (1) تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم (2)
الحواميم كلها مكية، نزلت بمكة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل الحواميم في القرآن كمثل الحبرات في الثياب.
وقال ابن مسعود: الحواميم ديباج القرآن.
وجاء في التفسير عن ابن عباس - رحمه اللّه - ثلاثة أقوال في حم.
قال: حم اسم اللّه الأعظم، وقال: حم قسم.
وقال: حم حروف الرحمن مقطعه.
والمعنى: " الر " و "حم " و " نون " بمنزلة الرحمن.
وقد فسرنا إعراب حروف الهجاء في أول البقرة.
والقراءة فيها على ضربين.
حم بفتح الحاء، وحم بكسر الحاء.
فأمّا الميم فساكنة في قراءة القراء كلهم إلا عيسى بن عمر فإنه قرأ: حم والكتاب، بفتح الميم، وهو على ضربين: أحدهما أن يجعل حم اسما للسّورة، فينصبه ولا ينوّنه لأنه على لفظ الأسماء الأعجمية نحو هابيل وقابيل، ويكون المعنى اتل حم.
والأجود أن يكون فتح لالتقاء السّاكنين حيث جعله اسما للسورة، ويكون حكاية حروف هجاء.
[معاني القرآن: 4/365]
وقوله عزّ وجلّ: (غافر الذّنب وقابل التّوب شديد العقاب ذي الطّول لا إله إلّا هو إليه المصير (3)
على صفات اللّه، فأما خفض (شديد العقاب) فعلى البدل لأنه مما يوصف به النكرة.
وقوله: (ذي الطّول).
معناه ذي الغنى والفضل والقدرة.
تقول: لفلان على فلان طول إذا كان له عليه فضل.
وقوله جلّ وعزّ: (ما يجادل في آيات اللّه إلّا الّذين كفروا فلا يغررك تقلّبهم في البلاد (4)
المعنى في دفع آيات اللّه بالباطل ليدحض به الحق، إلا الذين كفروا.
ومعنى (فلا يغررك تقلبهم في البلاد).
أي فلا تغررك سلامتهم بعد كفرهم حتى إنهم، يتصرفون كيف شاءوا، فإن عاقبة كفرهم العذاب والهلاك.
ثم بين كيف ذلك وأعلم أن الأمم التي كذبت قبلهم أنهم أهلكوا بقوله:
(كذّبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ فأخذتهم فكيف كان عقاب (5)
يعني عادا وثمود وقوم لوط والأمم التي أهلكت بين ذلك.
(وهمّت كلّ أمّة برسولهم ليأخذوه).
أي ليتمكنوا منه فيقتلوه.
(وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحقّ).
أي ليدفعوا به الحق.
[معاني القرآن: 4/366]
(فأخذتهم).
أي جعلت جزاءهم على إرادة أخذ الرسل أن أخذتهم فعاقبتهم.
(فكيف كان عقاب).
أي إنهم يجتازون بالأمكنة التي أهلك فيها القوم فيرون آثار الهلاك.
(وكذلك حقّت كلمت ربّك على الّذين كفروا أنّهم أصحاب النّار (6)
أي ومثل ذلك حقت كلمة ربك - يعني به، قوله (لأملأن جهنّم)
(أنّهم أصحاب النّار).
ويجوز " إنهم "، ثم أخبر - جلّ وعز - بفضل المؤمنين فقال:
(الّذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للّذين آمنوا ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلما فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (7)
يعني الملائكة.
(يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به ويستغفرون للّذين آمنوا).
فالمؤمن تستغفر له الملائكة المقرّبون.
ويعني: (ربّنا وسعت كلّ شيء رحمة وعلما فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك).
المعنى يقولون: ربنا وسعت كل شيء، أي تقول الملائكة.
وقوله: (رحمة وعلما) منصوب على التمييز.
(فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك).
[معاني القرآن: 4/367]
أي لزموا طريق الهدى التي دعوت إليها.
وقوله تعالى: (ربّنا وأدخلهم جنّات عدن الّتي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم إنّك أنت العزيز الحكيم (8)
(ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرّيّاتهم).
" من " في موضع نصب، عطف على الهاء والميم في قوله: (ربّنا وأدخلهم جنّات عدن) أي، وأدخل من صلح.
ويصلح أن يكون عطفا على الهاء والميم في قوله: (وعدتهم) فيكون المعنى وعدتهم ووعدت من صلح من آبائهم.
وقوله تعالى: (إنّ الّذين كفروا ينادون لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون (10)
معناه إن الذين كفروا ينادون إذا كانوا في حال العذاب لمقت اللّه إياكم في الدنيا (إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون).
(أكبر من مقتكم أنفسكم) إذ عذبتم في النار.
(قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (11)
(ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا)
أي: قد أريتنا من الآيات ما أوجب أن علينا أن نعترف وقالوا في (أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين) أي خلقتنا أمواتا ثم أحييتنا ثم أمتّنا بعد، ثم بعثتنا بعد الموت.
وقد جاء في بعض التفاسير أن إحدى الحياتين، وإحدى الموتتين أن يحيا في القبر ثم يموت، فذالك أدل على أحييتنا وأمتنا، والأول أكثر في التفسير.
وقوله عزّ وجلّ: (رفيع الدّرجات ذو العرش يلقي الرّوح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التّلاق (15)
جاء في التفسير أن الروح الوحي، وجاء أن الروح القرآن وجاء أن الروح
[معاني القرآن: 4/368]
أمر النبوة.
فيكون المعنى تلقي الروح أو أمر النبوة على من تشاء، على من تختصه بالرسالة.
(لينذر يوم التّلاق).
أي لينذر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالذي يوحى إليه يوم التلاق، ويجوز أن يكون لينذر اللّه يوم التلاق، والأجود - واللّه أعلم - أن يكون لينذر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والدليل على ذلك أنه قرئ لتنذر يوم التلاق - بالتاء -.
ويجوز يوم التلاقي بإثبات الياء، والحذف جائز حسن لأنه آخر آية.
ومعنى التلاقي يوم يلتقي أهل الأرض وأهل السماء.
وتأويل الروح فيما فسّرنا أنه به حياة الناس، لأن كل مهتد حيّ، وكل ضالّ كالميّت، قال الله عز وجل: (أموات غير أحياء وما يشعرون أيّان يبعثون). وقال: (أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في النّاس).
وهذا جائز في خطاب الناس، يقول القائل لمن لا يفقه عنه ما فيه صلاحه: أنت ميّت.
(وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع (18)
معنى أنذرهم خوّفهم، والآزفة يوم القيامة، كذا جاء في التفسير.
وإنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها.
يقال قد أزف الأمر إذا قرب.
وقوله: (إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين).
نصب (كاظمين) على الحال، والحال محمولة على المعنى لأن القلوب لا يقال لها كاظمة، وإنّما الكاظمون أصحاب القلوب والمعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم.
وجاء في التفسير أن القلب من الفزع يرتفع
[معاني القرآن: 4/369]
فيلتصق بالحنجرة فلا يرجج إلى مكانه ولا يخرج فيستراح من كرب غمّه.
(ما للظّالمين من حميم ولا شفيع يطاع).
(يطاع) من صفة شفيع، أي ولا من شفيع مطاع.
(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور (19)
إذا نظر الناظر نظرة خيانة علمها اللّه، فإذا نظر أول نظرة غير متعمد خيانة فذلك غير إثم، فإن عاد ونيته الخيانة في النّظر علم الله ذلك، والله - عزّ وجلّ - عالم الغيب والشهادة، ولكنه ذكر العلم ههنا ليعلم أن المجازاة لا محالة واقعة.
وقوله - جلّ وعزّ -: (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين (23)
أي بعلاماتنا التي تدلّ على صحة نبوته، من العصا وإخراج يده بيضاء من غير سوء وأشباه ذلك.
(وسلطان مبين) أي حجة ظاهرة.
(إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذّاب (24)
هذه الأسماء. في موضع خفض إلّا أنها فتحت لأنها لا تنصرف لأنها معرفة وهي أعجمية.
(فقالوا ساحر كذّاب).
المعنى فقالوا هو ساحر كذاب، جعلوا أمر الآيات التي يعجز عنها المخلوقون سحرا.
(فلمّا جاءهم بالحقّ من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الّذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلّا في ضلال (25)
[معاني القرآن: 4/370]
وإنه كان قيل لفرعون إن ملكه يزول بسبب غلام يولد، فقيل افعلوا هذا حتى لا ينجو المولود.
(وما كيد الكافرين إلا في ضلال).
أي يذهب باطلا، ويحيق الله به ما يريد.
وقوله: (وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إنّي أخاف أن يبدّل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد (26)
(أو أن يظهر في الأرض الفساد).
على هذا مصاحف أهل العراق، وفي مصحف أهل الحجاز: (وأن يظهر) بغير ألف، ويجوز وأن يظهر، ومعنى أو وقوع أحد الشيئين فالمعنى على (أو) أن فرعون قال إني أخاف أن يبدل دينكم أو يفسد، فجعل طاعة الله تعالى هي الفساد، فيكون المعنى إني أخاف أن يبطل دينكم ألبتّة، فإن لم يبطله أوقع فيه الفساد.
ومن قرأ - " وأن " فيكون المعنى أخاف إبطال دينكم والفساد معه.
(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الّذي يعدكم إنّ اللّه لا يهدي من هو مسرف كذّاب (28)
جاء في التفسير أن هذا الرجل أعني مؤمن آل فرعون، كان أن يسمى سمعان، وقيل كان اسمه حبيبا، ويكون (من آل فرعون) صفة للرجل، ويكون (يكتم إيمانه) معه محذوف، ويكون المعنى يكتم إيمانه منهم، ويكون يكتم من صفة رجل، فيكون المعنى: وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون.
(أتقتلون رجلا أن يقول ربّي اللّه).
المعنى لأن يقول ربي اللّه.
(وقد جاءكم بالبيّنات من ربّكم).
أي بما يدل على صدقه من آيات النبوة (وإن يك كاذبا فعليه كذبه) أي فلا يضركم.
[معاني القرآن: 4/371]
(وإن يك صادقا يصبكم بعض الّذي يعدكم).
وهذا من لطيف المسائل، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره، لم يقع بعضه، فالسؤال في هذا من أين جاز أن يقول بعض الذي يعدكم، وحق اللفظ كل الذي يعدكم فهذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى الزام الحجة بأيسر ما في الأمر، وليس في هذا نفي إصابة الكل ومثل هذا قول الشاعر:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
إنما ذكر البعض ليوجب له الكل، لا أن البعض هو الكل ولكن للقائل إذا قال أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل الزلل، فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه.
وكان مؤمن آل فرعون قال لهم: أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وفي بعض ذلك هلاككم، فهذا تأويله واللّه أعلم.
(يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلّا ما أرى وما أهديكم إلّا سبيل الرّشاد (29)
هذه حكاية قول مؤمن آل فرعون.
أعلمهم اللّه أن لهم الملك في حال ظهورهم على جميع الناس.
ثم أعلمهم أن بأس اللّه لا يدفعه دافع ولا ينصر منه ناصر فقال: (فمن ينصرنا من بأس اللّه إن جاءنا).
(وقال الّذي آمن يا قوم إنّي أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب (30)
أي مثل يوم حزب حزب، والأحزاب ههنا قوم نوح وعاد وثمود ومن أهلك بعدهم وقبلهم.
[معاني القرآن: 4/372]
ومعنى: (مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والّذين من بعدهم وما اللّه يريد ظلما للعباد (31)
مثل عادة، وجاء في التفسير مثل حال قوم نوح، أي أخاف عليكم أن تقيموا على كفركم فينزل بكم ما نزل بالأمم السالفة المكذبة رسلهم.
(ويا قوم إنّي أخاف عليكم يوم التّناد (32)
(التّناد)
بكسر الدال - وقرأ الحسن يوم التنادي - بإثبات الياء -، وأكثر القراءة - التناد، وقرأ ابن عباس يوم التنادّ - بتشديد الدال، والأصل التنادي وإثبات الياء الوجه، وحذفها حسن جميل لأن الكسرة تدل عليها الياء وهو رأس آية، وأواخر هذه الآيات على الدال.
ومعنى يوم التنادي يوم ينادي (أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّا) وينادي (أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء).
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون " يوم الئناد " يوم يدعي كل أناس بإمامهم.
ومن قرأ يوم التنادّ بتشديد الدال، فهو من قولهم ندّ فلان وندّ البعير إذا هرب على وجهه، ومما يدل على هذا قوله: (يوم تولّون مدبرين).
وقوله (يوم يفرّ المرء من أخيه (34) وأمّه وأبيه (35).
[معاني القرآن: 4/373]
وجاء في التفسير أنهم يؤمر بهم إلى النار فيفرون ولا يعصمهم من النار (ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبيّنات فما زلتم في شكّ ممّا جاءكم به حتّى إذا هلك قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا كذلك يضلّ اللّه من هو مسرف مرتاب (34)
أي الآيات المعجزات.
(حتى إذا هلك قلتم لن يبعث اللّه من بعده رسولا).
أي أقمتم على كفركم وظننتم أنه لا يجدد عليكم إيجاب الحجة.
(كذلك يضلّ اللّه من هو مسرف مرتاب).
أي مثل ذلك الضلال يضل اللّه من هو مسرف مرتاب:
(مسرف) ههنا كافر، و (مرتاب) شاكّ في أمر اللّه وأنبيائه.
(الّذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند اللّه وعند الّذين آمنوا كذلك يطبع اللّه على كلّ قلب متكبّر جبّار (35)
(الذين) في موضع نصب على الرد على " من " أي كذلك اللّه يضل الذين يجادلون في آيات اللّه بغير حجة أتتهم.
ويجوز أن يكون موضع (الذين) رفعا على معنى من هو مسرف مرتاب هم الذين يجادلون.
وقوله عزّ وجلّ: (كبر مقتا عند اللّه وعند الّذين آمنوا).
أي كبر جدالهم مقتا عند الله وعند الذين آمنوا.
(كذلك يطبع اللّه على كلّ قلب متكبّر جبّار).
ويقرأ على كل قلب متكبّر، والأول الوجه، لأن المتكبر هو الإنسان.
وقد يجوز أن تقول: قلب متكبّر، أي صاحبه متكبّر.
(وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلّي أبلغ الأسباب (36)
[معاني القرآن: 4/374]
والصرح القصر، وكل بناء عظيم فهو صرح.
(لعلّي أبلغ الأسباب).
جاء في التفسير أبواب السماء، والأسباب في اللغة ما اتصل بالشيء.
وكذلك يقال للحبل سبب، لأنه يوصل بالأشياء.
وجاء في التفسير أيضا طرق السّماوات.
فالمعنى - واللّه أعلم. لعلي أبلغ إلى الذي يؤديني إلى السّماوات.
(أسباب السّماوات فأطّلع إلى إله موسى وإنّي لأظنّه كاذبا وكذلك زيّن لفرعون سوء عمله وصدّ عن السّبيل وما كيد فرعون إلّا في تباب (37)
ويقرأ (فأطلع) - بالرفع والنصب.
(وإنّي لأظنّه كاذبا).
هذا قول فرعون، يقول وإن كنت زعمت أني أطلع إلى إله موسى، فأنا قلت هذا على دعوى موسى لا على أني على يقين من ذلك.
فيروى أن هامان طبخ الآجر لبناء الصرح وأن أول من طبخ الآجر هامان.
(وكذلك زيّن لفرعون سوء عمله).
موضع الكاف نصب المعنى (زيّن لفرعون سوء عمله) مثل ما وصفنا.
(وصدّ عن السّبيل).
أي صدّ عن السّبيل المستقيم. أي المستقيمة بكفره.
(وما كيد فرعون إلّا في تباب).
إلا في خسران، يقال: تبّت يداه أي خسرتا.
(وقال الّذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرّشاد (38)
يعني سبيل القصد إلى اللّه عزّ وجلّ، وأخرجكم عن سبيل فرعون.
فأهدكم جزم جواب للأمر.
المعنى إن تتبعوني أهدكم.
(لا جرم أنّما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدّنيا ولا في الآخرة وأنّ مردّنا إلى اللّه وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار (43)
[معاني القرآن: 4/375]
يعني أنه ليس له استجابة دعوة في الدنيا ولا في الآخرة.
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: (لا جرم)، فقال: لا جرم ردّ لكلام. والمعنى وجب أن لهم النّار، وحق أن لهم النار.
وأنشد:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة... جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
المعنى كسبتهم الغضب، وأحقّتهم بالغضب.
فمعنى (لا جرم أنّما تدعونني إليه) لقد وجب أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة أي وجب بطلان دعوته.
(وأنّ مردّنا إلى اللّه).
وجب مردنا إلى اللّه، وكذلك (وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار).
وقوله - عزّ وجلّ -: (سوء العذاب (45) النّار يعرضون عليها غدوّا وعشيّا ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب (46)
(النّار) بدل من قوله (سوء العذاب)، وجائز أن تكون مرتفعة على إضمار تفسير سوء العذاب، كان قائلا قال: ما هو؟ فكان الجواب هو:
(النّار يعرضون عليها)
فإن قال قائل: كيف يعرضون عليها وهم من أهل النار؟
فجاء في التفسير أن أرواحهم في أجواف طير سود تعرض على النار بالغداة والعشى إلى يوم القيامة.
ألا ترى أن - بعده (ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب) ويقرأ ادخلوا على معنى الأمر لهم بالدخول، كأنّه ويوم تقوم الساعة يقول ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب.
وقرئت (أدخلوا) على جهة الأمر للملائكة بإدخالهم أشدّ العذاب.
(إنّا لننصر رسلنا والّذين آمنوا في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد (51)
(ويوم يقوم الأشهاد).
أي: الملائكة، وأحدهم شاهد، مثل صاحب وأصحاب.
[معاني القرآن: 4/376]
(إنّ الّذين يجادلون في آيات اللّه بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلّا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ باللّه إنّه هو السّميع البصير (56)
أي يجادلون في دفع آيات اللّه
(بغير سلطان أتاهم).
أي بغير حجة أتتهم.
(إن في صدورهم إلّا كبر ما هم ببالغيه).
أي ما هم ببالغي إرادتهم فيه، وإرادتهم دفع آيات اللّه عزّ وجلّ ودل على هذا المعنى (يجادلون في آيات اللّه).
لأن الكبر هم قد أوقعوه فليس يلبس هذا ببالغي الكبر.
وجاء في التفسير أنه يعنى به اليهود، وأن الكبر الذي ليس هم ببالغيه توقع أمر الدّجال، فتكبروا متربصين يتوقعون خروج الدجال.
فأعلم اللّه أن هذه الفرقة التي تجادل لا تبلغ خروج الدجال.
ويدل على قول من قال هذا قول اللّه - عزّ وجلّ - يعقب هذا: (فاستعذ باللّه).
وقوله جلّ وعزّ: (وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين (60)
(سيدخلون جهنّم داخرين).
معناه صاغرين.
(ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلّا بإذن اللّه فإذا جاء أمر اللّه قضي بالحقّ وخسر هنالك المبطلون (78)
جاء في التفسير أن اللّه عز وجل بعث ثمانية ألف نبي، منهم أربعة آلاف من بني اسرائيل، ومنهم أربعة آلاف من سائر الناس.
وجاء عن علي رضي اللّه عنه أنه قال: في قوله تعالى: (ومنهم من لم نقصص عليك)
أن اللّه بعث نبيا أسود. فهو ممن لم تذكر قصته في القرآن.
وقوله تعالى: (اللّه الّذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون (79)
[معاني القرآن: 4/377]
الأنعام ههنا الإبل.
وقوله: (إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل).
يجوز على ثلاثة أوجه
(والسّلاسل) بالنصب، و (السّلاسل) بالخفض.
فمن رفع فعطف على الأغلال ومن جر فالمعنى إذ الأغلال في أعناقهم وفي السلاسل، ومن نصب ففتح اللام قرأ (والسّلاسل يسحبون).
(ذلكم بما كنتم تفرحون) الآية.
يدل عليه قوله تعالى: (فلمّا جاءتهم رسلهم بالبيّنات فرحوا بما عندهم من العلم).
أي ذلك العذاب الذي نزل بكم بما كنتم تفرحون بالباطل الذي كنتم فيه، و (تمرحون) أي تأشرون وتبطرون وتستهزئون.
(فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا سنّت اللّه الّتي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (85)
يقول حين عاينوا العذاب.
(سنّت اللّه).
على معنى سنّ اللّه هذه السّنّة في الأمم كلّها، لا ينفعهم إيمانهم إذا رأوا العذاب.
(وخسر هنالك الكافرون).
وكذلك: (وخسر هنالك المبطلون).
والمبطلون والكافرون خاسرون في ذلك الوقت وفي كل وقت خاسرون.
ولكنه تعالى بيّن لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب.
[معاني القرآن: 4/378]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir