دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 11:20 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة فاطر

سورة الملائكة
(مكّيّة)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
(الحمد للّه فاطر السّماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ اللّه على كلّ شيء قدير (1)
قال ابن عباس رحمه اللّه: ما كنت أدري ما فاطر السّماوات والأرض حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها.
أي ابتدأتها. وقيل فاطر السّماوات والأرض خالق السّماوات والأرض.
ويجوز فاطر وفاطر بالرفع والنصب، والقراءة على خفض فاطر.
وكذلك (جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع).
معنى أولي أصحاب أجنحة، وثلاث ورباع في موضع خفض.
وكذلك مثنى إلا أنه فتح ثلاث ورباع لأنه لا يتصرف لعلتين إحداهما أنه معدول عن ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة واثنين اثنين، فهذه علة.
والعلة الثانية، أن عدوله وقع في حال النّكرة
قال الشاعر:
ولكنّما أهلي بواد أنيسه... سباغ تبغي الناس مثنى وموحدا
وقوله عزّ وجلّ: (يزيد في الخلق ما يشاء).
يعنى في خلق الملائكة، والرسل من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت.
[معاني القرآن: 4/261]
(ما يفتح اللّه للنّاس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم (2)
(يفتح) في موضع جزم على معنى الشرط والجزاء، وجواب الجزاء (فلا ممسك لها)، ولو كان فلا ممسك له لجاز لأن " ما " في لفظ تذكيرا، ولكنه لمّا جرى ذكر الرحمة كان فلا ممسك لها أحسن، ألا ترى إلى قوله: (وما يمسك فلا مرسل له من بعده).
ومعنى ما يفتح الله أي ما يأتيهم به من مطر ورزق فلا يقدر أحد أن يمسكه، وما يمسك اللّه من ذلك فلا يقدر قادر أن يرسله.
ويجوز - ولا أعلم أحدا قرأ به - " ما يفتح اللّه للناس من رحمة وما يمسك " برفعهما على معنى الذي يفتحه اللّه للناس من رحمة فلا ممسك لها.
والذي يمسك فلا مرسل له، ويجوز " فلا ممسك لها " بالتنوين، وما يمسك فلا مرسل له من بعده، ولا أعلم أحدا قرأ بها فلا تقرأنّ بما لم تثبت فيه رواية وإن جاء في العربية لأن القراءة سنّة.
وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها النّاس اذكروا نعمت اللّه عليكم هل من خالق غير اللّه يرزقكم من السّماء والأرض لا إله إلّا هو فأنّى تؤفكون (3)
هذا ذكر بعد قوله: (ما يفتح اللّه للنّاس من رحمة فلا ممسك لها)
فأكد ذلك بأن جعل السؤال لهم (هل من خالق غير اللّه يرزقكم من السّماء والأرض).
(هل من خالق غير اللّه)
وقرئت (هل من خالق غير اللّه) بالرفع، على رفع غير.
المعنى هل خالق غير اللّه لأن " من " مؤكدة، وقد قرئ بهما جميعا، غير وغير، وفيها وجه آخر يجوز في العربية نصب (غير)
" هل من خالق غير اللّه يرزقكم " ويكون النصب على الاستثناء، كأنّه هل من خالق إلا اللّه يرزقكم.
[معاني القرآن: 4/262]
(فأنّى تؤفكون).
أي من أين يقع لكم الإفك والتكذيب بتوحيد اللّه وإنكار البعث.
(وإن يكذّبوك فقد كذّبت رسل من قبلك وإلى اللّه ترجع الأمور (4)
هذا تأسّ للنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمه الله أنه قد كذبت رسل من قبله، وأعلمه أنه نصرهم فقال جلّ وعزّ، (فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتّى أتاهم نصرنا).
(وإلى اللّه ترجع الأمور).
وترجع الأمور، المعنى الأمر راجع إلى اللّه في مجازاة من كذّب، ونصرة من كذّب من رسله.
وقوله: (يا أيّها النّاس إنّ وعد اللّه حقّ فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا ولا يغرّنّكم باللّه الغرور (5)
أي ما وعدكم اللّه من مجازاة فحق.
(فلا تغرّنّكم الحياة الدّنيا).
أي وإن كان لكم حظ في الدنيا يغضّ من دينكم فلا تؤثروا ذلك الحظّ.
(ولا يغرّنّكم باللّه الغرور).
والغرور: الشيطان، ويقرأ الغرور بضم الغين، وهي الأباطيل ويجوز أن يكون الغرور: جمع غاز وغرور، مثل قاعد وقعود، ويجوز أن يكون جمع غرّ مصدر غررته غرّا.
فأما أن يكون مصدر غررته غرورا
[معاني القرآن: 4/263]
فبعيد. لأن المتعدية لا تكاد تقع مصادرها على فعول، وقد جاء بعضها على فعول نحو لزمته لزوما، ونهكه المرض نهوكا فيجوز غررته غرورا على ذلك.
وقوله تعالى: (أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فإنّ اللّه يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إنّ اللّه عليم بما يصنعون (8)
الجواب ههنا على ضربين:
أحدهما يدل عليه (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات).
ويكون المعنى أفمن زين له سوء عمله فأضله اللّه ذهبت نفسك عليه حسرة، ويكون " فلا تذهب نفس "ا يدل عليه.
وقد قرئت " فلا تذهب نفسك " بضم التاء وجزم الباء ونصب النفس. ويجوز أن يكون الجواب محذوفا ويكون المعنى: أفمن زيّن له سوء عمله كمن هداه اللّه، ويكون دليله (فإن اللّه يضل من يشاء ويهدي من يشاء).
وقوله: (واللّه الّذي أرسل الرّياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور (9)
(فسقناه إلى بلد ميت) و (ميّت)
(فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النّشور)
أي ننشى المعنى مثل ذلك، أي مثل إحياء الأرض، وكذلك بعثكم.
(من كان يريد العزّة فللّه العزّة جميعا إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه والّذين يمكرون السّيّئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور (10)
أي من كان يريد بعبادته غير اللّه العزة فلله العزة جميعا، أي في حال اجتماعها، أي يجتمع له في الدنيا والآخرة.
ثم بين كيف يعز باللّه فقال:
[معاني القرآن: 4/264]
(إليه يصعد الكلم الطّيّب والعمل الصّالح يرفعه).
أي إليه يصل الكلم الذي هو توحيد اللّه، وهو قول لا إله ألا اللّه والعمل الصالح يرفعه.
المعنى إذا وحّد اللّه وعجل بطاعته ارتفع ذلك إلى اللّه، واللّه - عزّ - وجل - يرتفع إليه كل شيء ويعلم كل شيء.
ولكن المعنى فيه ههنا العمل الصالح هو الذي يرفع ذكر التوحيد حتى يكون مثبّتا للموحّد حقيقة التوحيد.
والضمير في (يرفعه) يجوز أن يكون أحد ثلاثة أشياء، وذلك قول أهل اللغة جميعا، فيكون والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب، ويجوز أن يكون والعمل الصالح يرفعه الكلم الطيب، أي لا يقبل العمل الصالح إلا من موحّد، والقول الثالث أن يرفعه الله عزّ وجلّ.
(والّذين يمكرون السّيّئات لهم عذاب شديد).
المعنى مكر الذين يمكرون بالنبي - صلى الله عليه وسلم -.
(هو يبور).
أي يفسد، وقد بين ما مكرهم في سورة الأنفال، في قوله:
(وإذ يمكر بك الّذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك).
ففسد جميع مكرهم فجعل اللّه كلمة نبيّه وأوليائه العليا، وأيديهم العالية بالنصر والحجة.
(واللّه خلقكم من تراب ثمّ من نطفة ثمّ جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلّا بعلمه وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلّا في كتاب إنّ ذلك على اللّه يسير (11)
(وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره).
وقرئت ينقص.
ويجوز " وما نعمّر من معمّر ولا ننقص " بالنون جميعا ولكنه لم يقرأ بها فيما بلغني، فلا تقرأنّ بها. وتأويل الآية أن
[معاني القرآن: 4/265]
الله جلّ وعزّ قد كتب عمر كل معمّر وكتب يعمّر كذا وكذا سنة وكذا وكذا شهرا، وكذا وكذا يوما، وكذا وكذا ساعة، فكل ما نقص من عمره من سنة أو شهر أو يوم أو ساعة كتب ذلك حتى يبلغ أجله.
(وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كلّ تأكلون لحما طريّا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلّكم تشكرون (12)
الفرات المبالغ في العذوبة.
(وهذا ملح أجاج).
الأجاج الشديد المرارة، والأجاج أيضا الشديد الحرارة.
(ومن كلّ تأكلون لحما طريّا وتستخرجون حلية تلبسونها).
وإنما تستخرج الحلية من الملح دون العذب، إلا أنهما لما كانا مختلط ين العذب والملح، جاز أن يقال تستخرجون الحلية – وهي اللؤلؤ والمرجان وما أشبه ذلك منهما - كما قال: (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان).
(وترى الفلك فيه مواخر).
المعنى في مواخر تشق الماء.
وجاء في التفسير أنها تصاعد وتنحدر في البحر بريح واحدة.
والفلك جمع فلك - لفظ الواحد كلفظ الجمع لأن فعلا جمع فعل نحو أسد وأسد، ووثن ووثن، فكذلك جمع فعل لأنهما أختان في الجمع، تقول: جبل وأجبال، وقفل وأقفال، وكذلك أسد وآساد. وفلك للواحد وفلك للجماعة.
وقوله عزّ وجلّ: (والّذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير (13)).
وهي لفافة النواة، والنقير النقرة في ظهر النواة، والفتيل الذي في وسط النّواة.
[معاني القرآن: 4/266]
(إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبّئك مثل خبير (14)
(ويوم القيامة يكفرون بشرككم)
المعنى يقولون: ما كنتم إيّانا تعبدون، فيكفرون بعبادتكم إيّاهم (ولا ينبّئك مثل خبير).
وهو اللّه، لأن ما أنبأ اللّه به مما يكون فهو وحده يخبره، لا يشركه فيه أحد.
(ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنّما تنذر الّذين يخشون ربّهم بالغيب وأقاموا الصّلاة ومن تزكّى فإنّما يتزكّى لنفسه وإلى اللّه المصير (18)
(وإن تدع مثقلة إلى حملها)
المعنى إن تدع نفس مثقلة بالذنوب إلى حملها، إلى ذنوبها، لا يحمل من ذنوبها شيء.
(ولو كان ذا قربى).
أي ولو كان الذي تدعوه ذا قربى مثل الأب والابن، ومن أشبه هؤلاء.
(إنّما تنذر الّذين يخشون ربّهم بالغيب وأقاموا الصّلاة).
فتأويل " تنذر الّذين يخشون ربّهم " - وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - تنذر الخلق أجمعين، والمعنى. ههنا أن إنذارك ينفع الذين يخشون ربّهم.
(وما يستوي الأعمى والبصير (19) ولا الظّلمات ولا النّور (20) ولا الظّلّ ولا الحرور (21)
هذا مثل ضربه اللّه للمؤمنين والكافرين، المعنى لا يستوي الأعمى عن الحق وهو الكافر، والبصير بالحق وهو المؤمن الذي يبصر رشده.
ولا الظلمات ولا النّور، الظلمات الضلالات، والنور الهدي (ولا الظّلّ ولا الحرور) المعنى لا يستوي أصحاب الحق الذين هم في
[معاني القرآن: 4/267]
ظلّ من الحق، ولا أصحاب الباطل الذين هم في حرور أي في حرّ دائم ليلا ونهارا.
والحرور استيقاد الحرّ ولفحه بالنهار وبالليل.
والسّموم لا يكون إلّا بالنّهار.
(وما يستوي الأحياء ولا الأموات إنّ اللّه يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور (22)
الأحياء هم المؤمنون، والأموات الكافرون، ودليل ذلك قوله: (أموات غير أحياء).
وقوله عزّ وجلّ: (ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن اللّه ذلك هو الفضل الكبير (32) جنّات عدن يدخلونها).
قال عمر بن الخطاب - رحمه اللّه - يرفعه: سابقنا سابق.
ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.
والآية تدل على أن المؤمنين مغفور لهم، لمقتصدهم الظالم لنفسه منهم بعد صحة العقد.
وقد جاء في التفسير أن قوله: (فمنهم ظالم) الكافر وهو قول ابن عباس، وقد روي عن الحسن أنه المنافق.
واللفظ يدل على ما قاله عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما عليه أكثر المفسرين، لأن قوله: (ثمّ أورثنا الكتاب الّذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه) يدل على أن جملة المصطفين هؤلاء.
وقال اللّه - عزّ وجلّ - (قل الحمد للّه وسلام على عباده الّذين اصطفى).
(ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود (27)
(ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها).
[معاني القرآن: 4/268]
جدد جمع جدّة، وهي الخطّة والطريقة، قال امرؤ القيس:
كأن سراته وجدّة متنه... كنائن يجري فوقهنّ دليص
" جدّة متنه " الخطّة السوداء التي تراها في ظهر حمار الوحش.
وكل طريقة جادّة وجدّة.
(وغرابيب سود).
أي ومن الجبال غرابيب وهي الحرار، الجبال التي هي ذات صخور سود. والغربيب الشديد السواد.
(ومن النّاس والدّوابّ والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء إنّ اللّه عزيز غفور (28)
المعنى وفيما خلقنا مختلف ألوانه، ومن الناس والدواب والأنعام كذلك أي كاختلاف الثمرات والجبال.
(إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء).
أي من كان عالما باللّه اشتدت خشيته له.
وجاء في التفسير كفى بخشية الله علما، وبالاغترار باللّه جهلا.
(إنّ الّذين يتلون كتاب اللّه وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرّا وعلانية يرجون تجارة لن تبور (29)
(يرجون تجارة لن تبور).
أي لن تفسد ولن تكسد.
(ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنّه غفور شكور (30)
غفور لذنوبهم شكور لحسناتهم.
[معاني القرآن: 4/269]
(جنّات عدن يدخلونها يحلّون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير (33)
فيها وجهان:
أحدهما يحلّون فيها من أساور من ذهب ومن لؤلؤ.
ويجوز ولؤلؤا على مغنى يحلون أساور، لأن معنى من أساور كمعنى أساور. والتفسير على الخفض أكثر، على معنى يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ.
وجاء في التفسير أن ذلك الذهب في صفاء اللؤلؤ، كما قال عزّ وجلّ: (قوارير قوارير من فضة)، أي هي قوارير ولكن بياضها كبياض الفضة، والفضة أصله.
ويجوز أن يكون يحلّون من أساور من ذهب، ويحلّون من لؤلؤ.
ويجوز على معنى ويحلّون لؤلؤا.
وأساور جمع إسورة وأساور وواحدها سوار. والأسوار من أساورة الفرس، وهو الجيّد الرمي بالسهام.
قال الشاعر:
ووتّر الأساور القياسا... صغديّة تنتزع الأنفاسا
(وقالوا الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربّنا لغفور شكور (34)
ويجوز الحزن مثل الرّشد والرّشد، والعرب والعرب، ومعنى أذهب عنا الحزن أذهب عنا كل ما يحزن، من حزن في مقاس.
وحزن لعذاب، أو حزن للموت، وقد أذهب اللّه عن أهل الجنة كل حزن.
(الّذي أحلّنا دار المقامة من فضله لا يمسّنا فيها نصب ولا يمسّنا فيها لغوب (35)
[معاني القرآن: 4/270]
مثل الإقامة، تقول: أقمت بالمكان إقامة ومقامة ومقاما أي أحلّنا دار الخلود من فضله، أي ذلك بتفضله لا بأعمالنا.
(لا يمسّنا فيها نصب): أي تعب.
(ولا يمسّنا فيها لغوب).
واللغوب الإعياء من التعب.
وقد قرأ أبو عبد الرحمن السّلّمي لغوب - بفتح اللام - والضمّ أكثر، ومعنى لغوب شيء يلغب منه، أي لا نتكلف شيئا نعيا منه.
(والّذين كفروا لهم نار جهنّم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفّف عنهم من عذابها كذلك نجزي كلّ كفور (36)
(فيموتوا) نصب، وعلامة النصب سقوط النون، وهو جواب النفي.
والمعنى لا يقضى عليهم الموت فيموتوا.
(ولا يخفّف عنهم من عذابها).
أي من عذاب نار جهنّم.
(كذلك يجزى كلّ كفور).
و(نجزي كلّ كفور).
وفيها وجه ثالث: (كذلك يجزي كلّ كفور)، أي كذلك يجزي اللّه.
المعنى مثل ذلك الجزاء الذي ذكرنا.
ولا أعلم أحدا قرأ بها، أعني يجزي بالياء وفتحها.
(وهم يصطرخون فيها ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنّا نعمل أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر وجاءكم النّذير فذوقوا فما للظّالمين من نصير (37)
يستغيثون ربّنا أخرجنا.
المعنى يقولون: (ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنّا نعمل).
المعنى إن تخرجنا نعمل صالحا، فوبّخهم اللّه فقال: (أولم نعمّركم ما يتذكّر فيه من تذكّر).
[معاني القرآن: 4/271]
معناه أو لم نعمّركم العمر الذي يتذكر فيه من تذكر.
وجاء في التفسير: لقد أعذر اللّه إلى عبد عمّره ستين سنة.
ويقال من الستين إلى السبعين.
وقد جاء في التفسير أنه يدخل فيها ابن سبع عشرة سنة وقد قيل أربعين.
(وجاءكم النّذير).
يعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل الشيب.
والقول الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم – النذير أكثر التفسير عليه، وقد قيل الأربعين.
(إنّ اللّه عالم غيب السّماوات والأرض إنّه عليم بذات الصّدور (38)
القراءة الكثيرة بالخفض ويجوز عالم غيب السّماوات على معنى يعلم، وعالم غيب على معنى قد علم ذلك.
(هو الّذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربّهم إلّا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلّا خسارا (39)
" خلائف " جمع خليفة، المعنى جعلكم أمّة خلفت من قبلها - ورأت وشاهدت فيمن - سلف ما ينبغي أن يعتبر به.
(فمن كفر فعليه كفره).
المعنى فعليه جزاء كفره.
(ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربّهم إلّا مقتا).
المقت أشدّ الإبغاض.
(قل أرأيتم شركاءكم الّذين تدعون من دون اللّه أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السّماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بيّنت منه بل إن يعد الظّالمون بعضهم بعضا إلّا غرورا (40)
(قل أرأيتم شركاءكم الّذين تدعون)
معناه قل أخبروني عن شركائكم.
[معاني القرآن: 4/272]
(ماذا خلقوا من الأرض).
المعنى بأي شيء أوجبتم لهم شركة اللّه، أبخلق خلقوه من الأرض (أم لهم شرك في السّماوات أم آتيناهم كتابا).
أي أم أعطيناهم كتابا بما يدعونه من الشركة.
(فهم على بيّنت منه).
ويقرأ (بيّنات).
(بل إن يعد الظّالمون بعضهم بعضا إلّا غرورا).
والغرور الأباطيل التي تغرّ.
ومعنى إن يعد: ما يعد، و (بعضهم) بدل من الظالمين.
(إنّ اللّه يمسك السّماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حليما غفورا (41)
معنى يمسك يمنع السماوات والأرض من أن تزولا.
ولما قالت النصارى المسيح ابن اللّه وقالت اليهود عزير ابن اللّه كادت السّماوات يتفطرن منه، وكادت الجبال تزول، وكادت الأرض تنشق، قال اللّه: (وقالوا اتّخذ الرّحمن ولدا (88) لقد جئتم شيئا إدّا (89).
الثلاث الآيات فأمسكها اللّه.
وقال السماوات والأرض؛ لأن الأرض تدل على الأرضين (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده).
يحتمل هذا - والله أعلم - وجهين من الجواب:
أحدهما زوالهما
[معاني القرآن: 4/273]
في القيامة قال اللّه: (وإذا السّماء كشطت) ويحتمل أن يقال إن زالتا وهما لا يزولان.
وقوله في هذا الموضع: (إنّه كان حليما غفورا).
فإن قوما سألوا فقالوا: لم كان في هذا الموضع ذكر الحلم والمغفرة وهذا موضع يدل على القدرة؟
فالجواب في هذا أنه لما أمسك السّماوات والأرض عند قولهم: (اتخذ الرحمن ولدا).
حلم فلم يعجل لهم بالعقوبة وأمسك السماوات والأرض أن تزولا من عظم فريتهم.
(وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من إحدى الأمم فلمّا جاءهم نذير ما زادهم إلّا نفورا (42)
يعني المشركين، وكانوا حلفوا واجتهدوا (لئن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من إحدى الأمم) أي من اليهود والنصارى وغيرهم.
(فلمّا جاءهم نذير).
وهو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
(ما زادهم إلّا نفورا).
إلا أن نفروا عن الحقّ.
(استكبارا في الأرض ومكر السّيّئ ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله فهل ينظرون إلّا سنّت الأوّلين فلن تجد لسنّت اللّه تبديلا ولن تجد لسنّت اللّه تحويلا (43)
" استكبارا " نصب، مفعول له.
المعنى ما زادهم إلا أن نفروا للاستكبار..
[معاني القرآن: 4/274]
(استكبارا في الأرض ومكر السّيّئ ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله فهل ينظرون إلّا سنّت الأوّلين فلن تجد لسنّت اللّه تبديلا ولن تجد لسنّت اللّه تحويلا (43)
(ومكر السّيّئ).
أي ومكر الشرك.
(ولا يحيق) يحيط.
وقرأ حمزة: (ولا يحيق المكر السّيّئ) - على الوقف، وهذا عند النحويين الحذّاق لحن، ولا يجوز، وإنما يجوز مثله في الشعر في الاضطرار
قال الشاعر:
إذا اعوججن قلت صاحب قوّم
والأصل يا صاحب قوّم، ولكنه حذف مضطرا.
وكانّ الضم بعد الكسر والكسر بعد الكسر يستثقل.
وأنشدوا أيضا:
فاليوم أشرب غير مستحقب... إثما من الله ولا واغل
وهذان البيتان قد أنشدهما جميع النحويين المذكورين وزعموا كلهم أن هذا من الاضطرار في الشعر ولا يجوز مثله في كتاب اللّه.
وأنشدناهما أبو العباس محمد بن يزيد رحمه اللّه:
إذا اعوججن قلت صاح قوّم
وهذا جيّد بالغ، وأنشدنا:
فاليوم فاشرب غير مستحقب
وأما ما يروى عن أبي عمرو بن العلاء في قراءته إلى بارئكم.
فإنما هو أن يختلس الكسر اختلاسا، ولا يجزم بارئكم، وهذا أعني
[معاني القرآن: 4/275]
جزم بارئكم إنما رواه عن أبي عمرو من لا يضبط النحو كضبط سيبويه والخليل، ورواه سيبويه باختلاس الكسر، كأنّه تقلّل صوته عند الكسرة.
(فهل ينظرون إلّا سنّت الأوّلين).
معناه فهل ينتظرون إلا مثل أيام الّذين خلوا من قبلهم.
والمعنى فهل ينتظرون إلا أن ينزل بهم من العذاب مثل الذي نزل بمن قبلهم.
(أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الّذين من قبلهم وكانوا أشدّ منهم قوّة وما كان اللّه ليعجزه من شيء في السّماوات ولا في الأرض إنّه كان عليما قديرا (44)
(وما كان اللّه ليعجزه من شيء).
المعنى ليفوته من شيء من أمر السماوات ولا من أمر الأرض.
(ولو يؤاخذ اللّه النّاس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابّة ولكن يؤخّرهم إلى أجل مسمّى فإذا جاء أجلهم فإنّ اللّه كان بعباده بصيرا (45)
قالوا: قال (على ظهرها)، لأن المعنى يعلم أنه على ظهر الأرض، وهذا حقيقته أنه قد جرى ذكر الأرض بقوله فيما قبل هذه الآية يليها قوله: (وما كان اللّه ليعجزه من شيء في السّماوات ولا في الأرض) فلذلك جاء على ظهرها.
وقوله: (ما ترك على ظهرها من دابّة).
فيه قولان:
فقيل من دابّة من الإنس والجن وكل ما يعقل.
وجاء عن ابن مسعود كاد الجعل يهلك في جحره لذنب ابن آدم.
فهذا يدل على العموم.
والذي جاء أنه يعنى به الإنس والجنّ كأنّه أشبه، واللّه أعلم.
آخر سورة الملائكة.
[معاني القرآن: 4/276]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir