دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير اللغوي > معاني القرآن للزجاج

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 شوال 1431هـ/30-09-2010م, 06:09 PM
علي بن عمر علي بن عمر غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 1,654
افتراضي المعاني الواردة في سورة الحجر

سورة الحجر
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله: (ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين (2)
قرئت (ربّما) يود بتشديد الباء وتخفيفها، والعرب تقول: ربّ رجل جاءني، ويخففون فيقولون رب رجل، قال الحادرة:
فسميّ ما يدريك أن رب فتية... باكرت لذّتهم بأدكن مترع
يريد سميّة، فرخّم.
[معاني القرآن: 3/171]
ويسكنون في التخفيف فيقولون: رب رجل قد جاءني.
وأنشدوا بيت الهذلي:
أزهير إن يشب القذال فإنّني... رب هيضل لجب لففت بهيضل
ويقولون ربتّا رجل، وربّت رجل، ويقولون ربّ رجل، فيفتحون الراء وربما رجل جاءني - بفتح الراء، وربّتما رجل فيفتحون.
حكى ذلك قطرب.
فأما تفسير الآية ففيه غير قول، قيل إنه إذا كان يوم القيامة وعاين الكافر القيامة ودّ لو كان مسلما، وقيل إنه إذا عاين الموت ودّ لو أنه مسلم.
وقيل إذا كان يوم القيامة أخرج المسلمون من النار فودّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
وقيل يعيّر أهل النار الكفرة المسلمين قائلين: ما نفعكم إيمانكم، فيغضب اللّه عزّ وجلّ لذلك، فيخرجهم من النّار فيود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.
والذي أراه - واللّه أعلم - أن الكافر كلما رأى حالا من أحوال العذاب ورأى حالا عليها أحوال المسلم ودّ لو كان مسلما.
فهذه الأحوال كلها تحتملها الآية.
فإن قال قائل: فلم كانت، (ربّ) ههنا، وربّ للتقليل؟
فالجواب في هذا أن العرب خوطبت بما تعقله في التهدّد، والرجل يتهدّد الرجل فيقول له: لعلك ستندم على فعلك، وهو لا يشك في أنه يندم، وتقول له: ربما ندم الإنسان من مثل ما صنعت، وهو يعلم أن الإنسان يندم كثيرا، ولكن مجازه أن
[معاني القرآن: 3/172]
هذا أو كان مما يودّ في حال واحدة من أحوال العذاب، أو كان الإنسان يخاف أن يندم على الشيء لوجب عليه اجتنابه.
والدليل على أنه على معنى التهدّد.
قوله عزّ وجلّ: (ذرهم يأكلوا ويتمتّعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون (3)
وجائز أن يكون - واللّه أعلم - أن أهوال يوم القيامة تسكرهم وتشغلهم عن التمني، فإذا أفاقوا من سكرة من سكرات العذاب ودوا لو كانوا مسلمين.
فأمّا من قال إن ربّ يعني بها الكثير فهذا ضدّ ما يعرفه أهل اللغة، لأن الحروف التي جاءت لمعنى تكون على ما وضعت العرب. فربّ موضوعة للتقليل، وكم موضوعة للتكثير، وإنما خوطبوا بما يعقلون ويستفيدون.
وإنما زيدت ما مع ربّ ليليها الفعل، تقول ربّ رجل جاءني وربما جاءني رجل.
وقوله عزّ وجلّ: (وما أهلكنا من قرية إلّا ولها كتاب معلوم (4)
أي إلا ولها أجل لا تتقدمه ولا تتأخر عنه.
وقوله عزّ وجلّ - (لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصّادقين (7)
معناه هلّا تأتينا بالملائكة، روى ذلك.
قالوا للنبي عليه السلام: (لولا أنزل عليه ملك).
فقال: (ما ننزّل الملائكة إلّا بالحقّ وما كانوا إذا منظرين (8)
أي إنما تنزل بآجال أو بوحي من اللّه.
(وما كانوا إذا منظرين).
أي لو نزلت الملائكة لم ينظروا، وانقطعت التوبات، كما قال:
(ولو
[معاني القرآن: 3/173]
أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون).
وتقرأ (ما تنزل الملائكة إلا بالحقّ)، وما تنزّل الملائكة، وما تنزّل الملائكة، وما تنزل الملائكة.
وقوله: (إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون (9)
أي نحفظه من أن يقع فيه زيادة أو نقصان، كما قال: (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)).
وقوله عزّ وجلّ: (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأوّلين (10)
أي في فرق الأولين
(وما يأتيهم من رسول إلّا كانوا به يستهزءون (11)
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن سفهاء كل أمّة يستهزئون برسلها.
(كذلك نسلكه في قلوب المجرمين (12)
وتقرأ نسلكه، أي كذلك نسلك الضلال في قلوب المجرمين، أي كما فعل بالمجرمين الذين استهزأوا بمن تقدّم من الرّسل كذلك نسلك الإضلال في قلوب المجرمين. ثم بين ذلك فقال:
(لا يؤمنون به وقد خلت سنّة الأوّلين (13)
أي وقد مضت سنة الأولين بمثل ما فعله هؤلاء، فهم يقتفون آثارهم في الكفر، ثم أعلمهم تعالى أنهم إذا وردت عليهم الآية المعجزة قالوا سحر وقالوا: (سكّرت أبصارنا) كما قالوا حين انشق القمر: (هذا سحر مستمر)، فقال عزّ وجلّ:
(ولو فتحنا عليهم بابا من السّماء فظلّوا فيه يعرجون (14)
ويقرأ يعرجون، أي يصعدون ويذهبون - ويجيئون ويصلح أن يكون
[معاني القرآن: 3/174]
(يعرجون) للملائكة والناس، وقد جاء بهما التفسير.
(لقالوا إنّما سكّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (15)
وسكرت، ويجوز سكرت بفتح السين، ولا تقرأنّ بها إلا أن ثبتت بها رواية صحيحة.
وفسروا سكرت أغشيت، وسكرت تحيّرت وسكنت عن أن تنظر.
والعرب تقول: سكرت الريح تسكر إذا سكنت وكذلك سكر الحر يسكر، قال الشاعر:
جاء الشّتاء واجثألّ القبّر... وجعلت عين الحرور تسكر
وقوله عزّ وجلّ: (ولقد جعلنا في السّماء بروجا وزيّنّاها للنّاظرين (16)
جاء في التفسير نجوما وكواكب، وقيل منازل الشمس والقمر.
وهذه البروج التي يسمّيها الحسّاب: الجمل، والثور، وما أشبهها، هي كواكب أيضا، صورها على صور أسماء أصحابها.
فالبروج نجوم كما جاء في التفسير.
(وحفظناها من كلّ شيطان رجيم (17)
[معاني القرآن: 3/175]
معنى رجيم قيل ملعون، وجائز أن يكون رجم مرجوما بالكواكب، كما قال عزّ وجلّ: (ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشّياطين).
وقوله عزّ وجلّ: (إلّا من استرق السّمع فأتبعه شهاب مبين (18)
موضع " من " نصب، بمعنى لكن من استرق السمع، وجائز أن يكون في موضع خفض، على معنى (إلّا من استرق السّمع فأتبعه شهاب مبين).
والشهب الكواكب المنقضة من آيات اللّه للنبي عليه السلام، والدليل على أنها كانت انقضّت بعد مولد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن شعراء العرب الذين كانوا يمثلون في السرعة بالبرق وبالسيل وبالأشياء المسرعة لم يوجد في أشعارها بيت واحد فيه ذكر الكواكب المنقضّة، فلما حدثت بعد مولد النبي عليه السلام استعملت الشعراء ذكرها قال ذو الرمة.
كأنّه كوكب في إثر عفرية... مسوّم في سواد الليل منقضب
(والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كلّ شيء موزون (19)
كانت الأرض طينة فمدت، وقيل مدّت من تحت البيت الحرام والرواسي الجبال الثوابت.
ومعنى (من كلّ شيء موزون) أي من كل شيء مقدور جرى على وزن من قدر اللّه عزّ وجلّ لا يجاوز ما قدره الله عليه، لا يستطيع خلق زيادة فيه ولا نقصانا.
وقيل (من كلّ شيء موزون)، أي من كل شيء يوزن نحو الحديد والرصاص والنحاس والزرنيخ.
[معاني القرآن: 3/176]
(وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين (20)
موضع " من " نصب من جهتين إحداهما العطف على معايش، المعنى وجعلناكم من لستم له برازقين، وجائز أن يكون عطفا على تأويل لكم.
المعنى (في جعلنا لكم فيها معايش) أعشناكم ومن لستم له برازقين.
وفي التفسير أن من لستم له برازقين الدوابّ والأنعام. وقيل في بعض التفسير الوحوش.
والنحويون يذهبون إلى أن " من " لا يكاد أن يكون لغير ما يعقل، وقد قال عزّ وجلّ: (فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع)، فجاءت " من " لغير الناس إذ وصف غير الناس بصفاتهم، كما جاءت الواو لغير الناس في قوله: (وكلّ في فلك يسبحون).
والأجود واللّه أعلم أن يكون " من " ههنا أعني (ومن لستم له برازقين)
يراد بها العبيد والأنعام والدواب فيكون المعنى جعلناكم فيها معايش وجعلنا لكم العبيد والدواب والأنعام وكفيتم مؤونة أرزاقها.
وقوله عزّ وجلّ: (وأرسلنا الرّياح لواقح فأنزلنا من السّماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين (22)
(لواقح) تأتي بالسحاب، ولواقح تلقح السحاب وتلقح الشجر، وجاز أن يقال للريح لقحت إذا أتت بالخير، كما قيل لها عقيم إذا لم تأت بخير، وأتت بعذاب، كما - قال عزّ وجلّ: (وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الرّيح العقيم (41).
ويجوز أن يقال لها لواقح وإن لقحت غيرها لأن معناها النسب.
وقوله عزّ وجلّ: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين (24)
[معاني القرآن: 3/177]
قيل فيها غير قول، قيل المستقدمين ممن خلق والمستأخرين ممن يحدث من الخلق إلى يوم القيامة ثم قال:
(وإنّ ربّك هو يحشرهم إنّه حكيم عليم (25)
أي الذي أنشأهم وعلّمهم هو يحشرهم مبعوثين كما بدأهم أول خلق: (إنّه حكيم عليم).
أي تدبيره يجري بحكمة وعلم، وقيل: ولقد علمنا المستقدمين منكم في طاعة الله والمستأخرين فيها، وقيل إنه كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فيمن يصلّي من النساء، وكان بعض من يصلي، يتأخر في آخر الصفوف، فإذا سجد اطلع إليها من تحت إبطه، والذين لا يقصدون هذا المقصد إنّما يطلبون التقدم في الصفوف لما فيه من الفضل.
(قال هذا صراط عليّ مستقيم (41)
فمن قرأ (صراط عليّ مستقيم)، فالمعنى هذا صراط مستقيم على أي على إرادتي وأمري، ومن قرأ " عليّ " أراد: طريق رفيع في الدّين والحق.
وقوله: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون (26)
الصّلصال الطين اليابس الذي يصل ليبسه، ومعنى يصل يصوّت قال الشاعر:
رجعت إلى صدر كجرّة حنتم ... إذا قرعت صفرا من الماء صلّت
[معاني القرآن: 3/178]
و (مسنون).
قيل فيه متغير. وإنما أخذ من أنه. على سنّة الطريق لأنه إنما تغير إذا قام بغير ماء جار.
(والجانّ خلقناه من قبل من نار السّموم (27)
(الجانّ) منصوب بفعل مضمر، المعنى وخلقنا الجانّ خلقناه، وخلق اللّه الملائكة من نور العزّة، وخلق آدم من تراب وخلق الجانّ من نار السّموم.
وقوله عزّ وجلّ: (فسجد الملائكة كلّهم أجمعون (30)
قال سيبويه والخليل: (أجمعون) توكيد بعد توكيد، وقال محمد بن يزيد: (أجمعون) يدل على اجتماعهم في السجود، المعنى فسجدوا كلهم في حال واحدة.
وقول سيبويه والخليل أجود، لأن أجمعين معرفة، فلا يكون حالا.
(إلّا إبليس أبى أن يكون مع السّاجدين (31)
(إبليس) مستثنى وليس من الملائكة إنما هو من الجن كما قال عزّ وجلّ:
(إلّا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربّه).
وهو منصوب استثناء ليس من الأول، كما قال: (فإنّهم عدوّ لي إلّا ربّ العالمين (77).
المعنى لكن إبليس أبى أن يكون.
وقوله عزّ وجل: (قال يا إبليس ما لك ألّا تكون مع السّاجدين (32)
موضع أن نصب بإسقاط في، وإفضاء الناصب إلى أن المعنى أيّ شيء يقع لك في أن لا تكون مع السّاجدين.
وقوله: (قال فاخرج منها فإنّك رجيم (34)
[معاني القرآن: 3/179]
معناه مرجوم ملعون.
وقوله عزّ وجلّ: (لها سبعة أبواب لكلّ باب منهم جزء مقسوم (44)
لجهنم سبعة منازل لكل منزلة صنف ممن يعذب على قدر منزلته في الذنب
وقوله عزّ وجلّ: (ونزعنا ما في صدورهم من غلّ إخوانا على سرر متقابلين (47)
الغل الحقد، ويروى أنّه يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنّار، فيقتص لبعضهم من بعض، ثم يؤمر بهم إلى الجنة وقد نقوا وهذبوا فخلصت نياتهم من الأحقاد.
(إخوانا).
منصوب على الحال.
(على سرر متقابلين).
في التفسير لا ينظر بعضهم في قفا بعض.
(لا يمسّهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين (48)
أي لا ينالهم تعب
(نبّئ عبادي أنّي أنا الغفور الرّحيم (49) وأنّ عذابي هو العذاب الأليم (50)
يروى في التفسير أن العبد لو علم قدر عفو اللّه - لما أمسك عن ذنب.
ولو علم مقدار عقوبة لبخع نفسه في العبادة، ولما قدم على ذنب.
(إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنّا منكم وجلون (52)
(فقالوا سلاما) قال سلام.
(سلاما) منصوب على المصدر كأنهم قالوا سلّمنا سلاما.
وقوله: (قال إنّا منكم وجلون).
أي خائفون، فإنما وجل لما قدّم إليهم العجل فرآهم لا يأكلون منه وجل.
[معاني القرآن: 3/180]
(قالوا لا توجل إنّا نبشّرك بغلام عليم (53)
يقال وجل يوجل، وياجل ييجل ويجل، إذا خاف.
(قال أبشّرتموني على أن مسّني الكبر فبم تبشّرون (54)
(فبم تبشّرون).
بفتح النون وهو أجود في القراءة، وقرئت: فبم تبشّرون - بكسر النون - قرأ بها نافع، والأصل (فبم تبشرونن فاستثقل النونان، فحذفت إحداهما وقيل الحذف من الإدغام، كأنّها فبم تبشرن، بتشديد النون، فحذفت إحدى النونين لثقل التضعيف، كما قالوا ربما، وربّما.
قال الشاعر في حذف النون:
رأته كالنعام يعلّ مسكا... يسوء الغاليات إذا فليني
يريد فلينني.
وقوله عزّ وجلّ: (قال ومن يقنط من رحمة ربّه إلّا الضّالّون (56)
يقال قنط يقنط، وقنط يقنط، وهما جميعا جائزتان، والقنوط بمعنى اليأس.
(قال فما خطبكم أيّها المرسلون (57)
أي فما أمركم.
وقوله: (إلّا آل لوط إنّا لمنجّوهم أجمعين (59)
استثناء ليس من الأول، المعنى: (قالوا إنّا أرسلنا إلى قوم مجرمين (58) إلّا آل لوط إنّا لمنجّوهم أجمعين (59).
المعنى إنا أرسلنا بالعذاب إلى قوم لوط.
وقوله: (إلّا امرأته قدّرنا إنّها لمن الغابرين (60)
المعنى علمنا أنّها لمن الغابرين، وقيل دبرنا إنها لمن الغابرين، وقدرنا ههنا لا يحتاج إلى تفسير، المعنى إلا امرأته قدرنا أنها لمن الباقين في
[معاني القرآن: 3/181]
العذاب، والغابر الباقي، قال الشاعر:
فما ونى محمد مذ أن غفر... له الإله ما مضى وما غبر
المعنى وما بقي
وقوله: (قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون (63)
أي جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون في نزوله.
وقوله: (فأسر بأهلك بقطع من اللّيل واتّبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون (65)
وتقول: فأسر بأهلك - بقطع الألف ووصلها. وسير الليل يقال فيه أسرى وسرى ومعنى بقطع من اللّيل، أي بعدما يمضي شيء صالح من الليل
(ولا يلتفت منكم أحد)
أمر - صلى الله عليه وسلم - بترك الالتفات لئلا يرى عظيم ما ينزل بهم من العذاب - واللّه أعلم -.
وقوله عزّ وجلّ: (وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين (66)
موضع (أن) نصب. وهو بدل من قوله: (وقضينا إليه ذلك الأمر)
ثم فسر ما الأمر، فالمعنى وقضينا إليه (أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين).
(مصبحين) منصوب على الحال.
وقوله: (إنّ هؤلاء ضيفي فلا تفضحون (68)
الضيف يوحّد وإن وصفت به الجماعة، تقول: هذا ضيف، وهذان ضيف وهؤلاء ضيف. كما تقول: هؤلاء عدل، وإن شئت قلت أضياف.
وضيفان. فمن وحّد فلأنه مصدر وصف به الاسم، فلذلك وحّد، وإنما وحّد المصدر في قولك: ضربت القوم ضربا، لأن الضرب صنف واحد. وإذا كان
[معاني القرآن: 3/182]
أصنافا وجمعت، فقلت ضربتهم ضربن، وضربتهم ضروبا، أي أجناسا من الضرب، والضيف مصدر ضفت الرجل أضيفه ضيفا. فأنا ضائف، والرجل مضيف إذا كان مفعولا، وأضفته إذا أنزلته.
(قالوا أولم ننهك عن العالمين (70)
معناه: ألم ننهك عن ضيافة العالمين.
(قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين (71)
فالجواب محمول على المعنى، لأنّهم أرادوا الضيفان للفساد، فقال لهم لوط: هؤلاء بناتي لأن نساء أمة كل نبيّ بمنزلة بناته وأزواجه بمنزلة أمّهاتهم، المعنى النساء على جهة التزويج أطهر لكم.
ومعنى (إن كنتم فاعلين).
أي إن كنتم مريدين لهذا الشأن فعليكم بالتزويج ببناتي.
(لعمرك إنّهم لفي سكرتهم يعمهون (72)
هذه الآية آية عظيمة في تفضيل النبي عليه السلام أعني قوله سبحانه (لعمرك)، جاء في التفسير أنه قسم بحياة محمد - صلى الله عليه وسلم - كذلك أكثر التفسير، وقد جاء في بعض التفسير: (لعمرك) كلمة من كلام العرب، ولست أحبّ هذا التفسير، لأن قوله: كلمة من كلام العرب لا فائدة فيه، لأن القرآن كله عربي مبين، وكلمه من كلام العرب، فلا بد من أن يقال ما معناها.
وقال سيبويه والخليل وجميع أهل اللغة: العمر والعمر بمعنى واحد.
فإذا استعمل في القسم فتح أوله لا غير، لا تقول العرب إلا لعمرك، وإنما آثروا الفتح في القسم لأن الفتح أخف عليهم وهم يكثرون القسم بلعمري.
ولعمرك، فلما كثر استعمالهم إياه لزموا الأخفّ عليهم.
[معاني القرآن: 3/183]
وقال النحويون ارتفع لعمرك بالابتداء والخبر محذوف، المعنى لعمرك قسمي، ولعمرك ما أقسم به. وحذف الخبر لأنّ في الكلام دليلا عليه.
المعنى أقسم إنهم لفي سكرتهم يعمهون، ومعنى يعمهون يتحيّرون.
وباب القسم قد يحذف معه الفعل، تقول: واللّه لأفعلنّ وتاللّه لأفعلنّ، والمعنى أحلف باللّه، وأحلف واللّه، فيحذف أحلف لعلم المخاطب بأنك حالف، وكذلك يحذف خبر الابتداء كما ذكرنا.
وقوله: (فأخذتهم الصّيحة مشرقين (73)
أي أخذت قوم لوط الصيحة بالعذاب مشرقين، يقال أشرقنا فنحن مشرقون، إذا صادفوا شروق الشمس، وهو طلوعها، كما تقول أصبحنا إذا صادفوا الصبح. يقال شرقت الشمس إذا طلعت وأشرقت بمعنى واحد، إلا أن معنى " مشرقين " في معنى مصادفين لطلوع الشمس.
وقوله: (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجّيل (74)
معنى (من سجّيل) من طين عليه كتاب. واشتقاق ذلك من السجل.
ودليل هذا التفسير قوله: (حجارة من طين (33) مسوّمة عند ربّك).
فأعلم أنها من طين وأنها مسومة أي معلّمة لعلامات الكتاب.
(إنّ في ذلك لآيات للمتوسّمين (75)
قيل المتوسّمون المتفرسون، وقيل المتفكرون. وحقيقته في اللغة المتوسمون النظّار المتثبّتون في نظرهم حتى يعرفوا حقيقة سمة الشيء تقول توسّمت في فلان كذا وكذا، أي عرفت وسم ذلك فيه.
[معاني القرآن: 3/184]
(وإنّها لبسبيل مقيم (76)
أي لبطريق واضح بيّن.
(إنّ في ذلك لآية للمؤمنين (77)
أي لعلامة بيّنة للمصدقين.
(وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين (78)
أي أصحاب الشجر، والأيك الشجر وهؤلاء أهل موضع كان ذا شجر.
فانتقم اللّه منهم بكفرهم، قيل إنه أخذهم الحر أياما ثم اضطرم عليهم المكان نارا فهلكوا عن آخرهم. ومعنى " إن واللام " التوكيد.
(فانتقمنا منهم وإنّهما لبإمام مبين (79)
أي لبطريق يؤتمّ أي يقصد فيبيّن، وأصحاب الحجر أصحاب واد يقال له الحجر.
وقوله: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم (87)
قيل: السبع من المثاني هي فاتحة الكتاب، وهي سبع آيات، وإنما قيل لها المثاني لأنها يثنّى بها في كل ركعة من ركعات الصلاة، ويثنى بها مع ما يقرأ من القرآن.
ويجوز - واللّه - أعلم - أن يكون من المثاني أي مما أثني به على اللّه، لأن فيها حمد اللّه، وتوحيده وذكر ملائكته وملكه يوم الدّين.
وروي في التفسير أنه ما أعطيت أمّة كما أعطيت أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - من سورة الحمد.
فأما دخول " من " فهي ههنا تكون على ضربين، تكون للتبعيض من القرآن، أي ولقد آتيناك سبع آيات من جملة الآيات التي يثنى بها على اللّه - عزّ وجلّ - وآتيناك القرآن العظيم، ويجوز أن يكون السبع هي المثاني، وتكون " من " الصفة كما قال عزّ وجلّ: (فاجتنبوا الرّجس من الأوثان).
المعنى اجتنبوا الأوثان، لا أنّ بعضها رجس.
[معاني القرآن: 3/185]
ويجوز أن يكون المعنى سبعا مثاني على هذا القياس، ويدل على القول الأول قوله عزّ وجلّ: (اللّه نزّل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني)..
وقيل سبعا من المثاني: السبع الطوال، من البقرة إلى الأعراف ستّ، واختلفوا في السابعة، فقال بعضهم: سورة يونس، وقيل الأنفال وبراءة، وإنّما سميت مثاني لذكر الأقاصيص فيها مثناة.
ويجوز (والقرآن العظيم) بالخفض، ولكن لا تقرأنّ به إلا أن تثبت به رواية صحيحة.
(لا تمدّنّ عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين (88)
(أزواجا منهم) أي أمثالا في النّعم.
(واخفض جناحك للمؤمنين).
أي ألن جانبك للمؤمنين، أي لمن آمن بك وبما أتيت به.
(كما أنزلنا على المقتسمين (90) الّذين جعلوا القرآن عضين (91)
يروى أنّ المشركين قالوا أساطير الأولين، وقالوا سحر، وقالوا شاعر.
وقالوا كاهن. فقسّموه هذه الأقسام، وعضوه أعضاء.
ويروى أن أهل الكتاب هم المقتسمون، آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه.
وقالوا نحوا مما روي عن المشركين.
(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين (94)
قيل في التفسير اجهر بالقرآن، ويكون - واللّه أعلم - فاصدع بما تؤمر.
أي أبن ما تؤمر به، وأظهره، وأخذ ذلك من الصّديع وهو الصبح.
قال الشاعر:
كأنّ بياض غرّته الصديع
[معاني القرآن: 3/186]
وتأويل الصّدع في الزّجاج، أو في الحائط، أن يبين بعض الشيء عن بعض.
(إنّا كفيناك المستهزئين (95)
قيل هؤلاء جماعة من المشركين، خمسة نفر كانوا يستهزئون برسول اللّه صلى الله عليه وسلم فنزلت بهم آفات مات أكثرهم منها، وعمي واحد منهم.
والخمسة سمّوا في التفسير منهم الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، وعدي بن قيس، والأسود بن المطلب، والأسود بن عبد يغوث.
أعلم اللّه أنهم من المشركين بقوله:
(الّذين يجعلون مع اللّه إلها آخر).
وقوله عزّ وجلّ: (واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين (99)
أي: حتّى يأتيك الموت، كما قال عيسى ابن مريم:
(وأوصاني بالصّلاة والزّكاة ما دمت حيّا).
فإن قال قائل كيف تكون عبادة لغير الحي، أي كيف يعبد الإنسان وهو ميّت؟
فإنّ مجاز هذا الكلام مجاز " أبدا "، المعنى اعبد ربك أبدا، واعبده إلى الممات، لأنه لو قيل: اعبد ربك - بغير التوقيت - لجاز إذا عبد الإنسان مرة أن يكون مطيعا، فإذا قال حتى يأتيك اليقين، أي أبدا وما دمت حيّا، فقد أمرت بالإقامة على العبادة.
[معاني القرآن: 3/187]


التوقيع :
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المعاني, الواردة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir