دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: الخبر إما مقطوع بكذبه كالمعلوم خلافه ضرورة أو استدلالا، وكل خبر أوهم باطلا ولم يقبل التأويل فمكذوب، أو نقص منه ما يزيل الوهم، وسبب الوضع نسيان أو افتراء أو غلط أو غيرها، ومن المقطوع بكذبه على الصحيح: خبر مدعي الرسالة بلا معجزة أو تصديق الصادق، وما نقب عنه ولم يوجد عند أهله، وبعض المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمنقول آحادا فيما تتوفر الدواعي على نقله خلافا للرافضة.
ش: الخبر من حيث ذاته محتمل للصدق والكذب كما تقدم لكن قد يعرض له ما يقتضي القطع بكذبه أو صدقه، فالمقطوع بكذبه أنواع:
الأول: ما علم خلافه بالضرورة، كقول القائل: النار باردة. أو بالاستدلال كقول الفيلسوف: العالم قديم.
الثاني: أن يوهم أمراً باطلا من غير أن يقبل التأويل، لمعارضته للدليل العقلي كما اختلق بعض الزنادقة حديثا: أن الله تعالى أجرى فرسا ثم خلق نفسه من عرقها تعالى الله عن ذلك وتردد المصنف في هذا النوع بين أن يكون مكذوبا وبين أن يكون سقط منه على بعض روايته ما يزيل الوهم.
قال الشارح: وقد مثل له بما ذكره ابن قتيبة في (مختلف الحديث) أنه عليه الصلاة والسلام ذكر سنة مائة: ((أنه لا يبقى على ظهر الأرض يومئذ نفس منفوسة)) وهو خلاف المشاهدة وقد تبين أن لفظه ((لا يبقى على ظهر الأرض منكم)) فأسقط الراوي لفظة ((منكم)).
الثالث: أن يدعي شخص الرسالة عن الله تعالى بغير معجزة، وهذا ذكره إمام الحرمين، وفصل فيه بين أن يزعم أن الخلق كلفوا تصديقه فيقطع بكذبه وإلا فلا، لكنه فرضه في دعوى النبوة، ولما فرضه المصنف في دعوى الرسالة لم يحتج لهذا التقييد ولا يخفى أن هذا قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم وأما بعده فيقطع بكذبه مطلقا، لقيام القاطع على أنه خاتم النبيين، وهو راجع إلى القسم الأول وهو ما علم خلافه استدلالا وضم المصنف إلى المعجزة تصديق الصادق، وهو نبي معلوم النبوة قبل ذلك، بصدق هذا المدعي للنبوة في دعواه فلا يحتاج معه إلى معجزة.
الرابع: الخبر المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد استقرار الأخبار، إذا فتش عنه فلم يوجد في بطون الكتب ولا صدور الرواة، ذكره الإمام فخر الدين وسبقه إليه صاحب (المعتمد) وقال القرافي: يشترط استيعاب الاستقراء بحيث لا يبقى ديوان ولا راو إلا وكشف أمره في جميع أقطار الأرض وهو عسر أو متعذر، وقد ذكر أبو حازم في مجلس هارون الرشيد حديثا وحضره الزهري فقال: لا أعرف هذا الحديث فقال: أحفظت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كله؟ فقال: لا، قال: فنصفه؟ قال: أرجو. قال: اجعل هذا في النصف الذي لم تعرفه، هذا وهو الزهري شيخ مالك فما ظنك بغيره؟ نعم إن فرض دليل عقلي أو شرعي يمنع منه، عاد إلى ما سبق.
قلت: ليس هذا مما نحن فيه، لأن الكلام بعد استقرار الأخبار كهذه الأزمنة وقبلها بمدد لما دونت الأحاديث وضبطت، وأما في الأعصار الأولى فقد كانت السنة منتشرة لانتشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الأمصار، بحيث لا يفتش الآن على الأحاديث من صدور الرواة، وإنما يرجع إلى دواوين الإسلام الحديثية وهي معروفة محصورة، فما لم يوجد فيها لا يقبل من راويه، ومن العجب قوله في هذه الحكاية: إن الزهري وأبا حازم اجتمعا في مجلس هارون الرشيد، وقد ماتا قبل مجيء الدولة العباسية، وإنما كان اجتماعهما في مجلس سليمان بن عبد الملك.
الخامس: بعض الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم على الإيهام مقطوع بكذبه، لأنه روي عنه أنه قال: (سيكذب علي) فإن كان هذا الخبر صحيحا فقد حصل المدعى لامتناع الخلف في خبره وإن كان كذبا – وهو الواقع، لأنه لا يعرف لهذا اللفظ إسناد – فقد كذب عليه، وضعف هذا الاستدلال لإمكان التزام صحته ولا يلزم وقوع الكذب في الماضي لجواز وقوعه في المستقبل وقد جاء في معنى هذا الحديث ما في مقدمة (صحيح مسلم) من حديث أبي هريرة مرفوعا: ((يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم)).
السادس: الخبر المنقول بطريق الآحاد فيما لم يتوفر الدواعي على نقله، إما لغرابته كسقوط الخطيب عن المنبر يوم الجمعة أو لتعلقه بأصل من أصول الدين كالنص على الإمامة فعدم تواتره دليل على عدم صحته. وخالفت الرافضة في ذلك فادعوا أن النص دل على استحقاق علي رضي الله عنه للإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يتواتر ورد عليهم بما ذكرناه.
وللوضع أسباب:
أحدها: نسيان الراوي، بأن يطول عهده بالسماع، فيزيد فيه أو يغير معناه أو يرفعه وهو موقوف.
الثاني: افتراء الزنادقة (تنفيرا) للغفلى عن الشريعة قال حماد بن زيد: وضعت الزنادقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة عشر ألف حديث.
قلت: وكم وضع بعد زمن حماد بن زيد؟
ثالثها: الغلط، بأن يريد الراوي التلفظ بشيء فيسبق لسانه إلى غيره. وقول المصنف: (أو غيرها) قال الشارح: يعني كما ذهب إليه بعض الكرامية من جواز وضع الحديث في الترغيب والترهيب وهو راجع إلى الافتراء.
قلت: بقى لذلك أسباب، منها: الارتزاق والاحتراف فقد كان جماعة يرتزقون بذلك في قصصهم كأبي سعد المدائني ومنها الاحتساب وطلب الأجر كأحاديث فضائل القرآن، ومنها الانتصار لآرائهم كما يفعل الخطابية.
واعلم أن المصنف ذكر سبب الوضع في أثناء أقسام المقطوع بكذبه، ولو أخره إلى استيفائها لكان أولى، والله أعلم.
ص: وإما بصدقه، كخبر الصادق وبعض المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمتواتر معنى أو لفظا وهو خبر جمع يمتنع تواطؤهم على الكذب عن محسوس وحصول العلم آية اجتماع شرائطه ولا تكفي الأربعة وفاقا للقاضى والشافعية، وما زاد عليها صالح من غير ضبط، وتوقف القاضي في الخمسة، وقال الإصطخري: أقله عشرة. وقيل: اثنا عشر. وعشرون، وأربعون، وسبعون، وثلاثمائة، وبضعة عشر. والأصح: لا يشترط فيه إسلام ولا عدم احتواء بلد، وأن العلم فيه ضروري وقال الكعبي والإمامان: نظري. وفسره إمام الحرمين بتوقفه على مقدمات حاصلة. لا الاحتياج إلى النظر عقيبه، وتوقف الآمدي، ثم إن أخبروا عن عيان فذاك وإلا فيشترط ذلك في كل الطبقات.
ش: وأما المقطوع بصدقه فهو أنواع أيضا.
الأول: خبر الصادق، وهو يتناول خبر الله تعالى، وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم وخبر كل الأمة، لأن الإجماع حجة. واعترض على هذا بأنه إن أريد أنه حجة قطعية كما صرح به الآمدي هنا فهو مخالف لقوله وقول الإمام إنه ظني، وإن أراد أنه حجة ظنية، فالظن لا يفيد القطع.
الثاني: بعض المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم على الإيهام.
الثالث: الخبر الذي بلغت رواته حد التواتر، وسواء أكان التواتر لفظيا: وهو ما اتفق رواته على نقل قضية واحدة، أو معنويا وهو ما نقل رواته قضايا بينها قدر مشترك، كأن ينقل واحد عن حاتم أعطى دنانير وآخر: أعطى دراهم، وآخر: أعطى جمال، فهذه قضايا مختلفة لكن بينها قدر مشترك وهو الإعطاء الدال على الجود.
ثم أخذ المصنف يتكلم على التواتر اللفظي فعرفه بما حكينا فخرج بالجمع خبر الواحد، وبقوله: (يمتنع تواطئهم على الكذب) جمع لا يمتنع ذلك فيهم، وزاد بعضهم (بنفسه) ليخرج ما امتنع فيهم ذلك بالقرائن أو موافقة دليل عقلي أو غير ذلك، ولا يحتاج لذلك لأن المفيد للقطع هو مع القرائن، وقوله: (عن محسوس) يدل على أمرين:
أحدهما: أن يكون عن علم لا ظن.
والثاني: أن يكون علمهم مدركا بإحدى الحواس الخمس، هكذا ذكره الإمام فخر الدين والآمدي وأتباعهما والذي ذهب إليه القاضي أبو بكر وغيره من المتقدمين – وتابعهم إمام الحرمين -: أن المعتبر أن يكون ذلك العلم ضروريا سواء كان عن حس أو قرينة أو خبر فلو أخبروا عن نظر لم يفد العلم، لتفاوت العقلاء في النظر، ولهذا يتصور الخلاف فيه إثباتا ونفيا.
والجمهور على أنه لا يشترط للمخبرين عدد، بل ضابط ذلك حصول العلم فمتى أفاد خبرهم العلم من غير قرينة انضمت إليه فهو متواتر وإلا فلا، ولا يكفي أن يكون عددهم أربعة لأنه لو اكتفى بذلك لاستغني عن تزكية شهود الزنا، وبه قال القاضي أبو بكر فقال: أقطع بأن قول الأربعة لا يفيد، وأتوقف في الخمسة، وعزى المصنف عدم الاكتفاء بأربعة للشافعية، اعتمادا على قول ابن السمعاني: ذهب أكثر أصحاب الشافعي إلى أنه لا يجوز التواتر بأقل من خمسة فما زاد. وحكي عن الإصطخري: أنه يشترط أن يكون عددهم عشرة والذي في (القواطع) عنه: أنه لا يجوز أن يتواتر بأقل من عشرة، وإن جاز أن يتواتر بالعشرة فما زاد، لأن ما دونها جمع الآحاد فاختص بأخبار الآحاد، والعشرة فما زاد جمع الكثرة، وقيل: اثنا عشر، عدة النقباء الذين بعثهم موسى عليه السلام ليعلموه بأحوال بني إسرائيل.
وقيل: عشرون، لقوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون} وقيل: أربعون لقوله تعالى: {يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين} وكانوا عند نزول الآية أربعين.
وقيل: سبعون، لقوله تعالى: {واختار موسى قومه سبعين} وقيل: ثلاثمائة وبضعة عشر، عدة أهل بدر لحصول العلم بخبرهم للمشركين، أو لأن الواقعة تواترت بهم. والبضع بكسر الباء: ما بين الثلاثة إلى التسعة وهذه الأقاويل ضعيفة جدا، فإنه لا تعلق لشيء من هذه الأعداد بالأخبار، وبتقدير أن يكون لها بها تعلق ليس فيها ما يدل على كون ذلك العدد شرطا لتلك الوقائع، ولا على كونه مفيدا للعلم
ثم ذكر المصنف مسائل من التواتر:
الأولى: أنه لا يشترط في رواة المتواتر الإسلام خلافا لابن عبدان من الشافعية ولا ألا يحصيهم عدد ولا يحيط بهم بلد خلافا لقوم لأن أهل الجامع لو أخبروا بسقوط الخطيب عن المنبر وقت الخطبة أفاد العلم.
الثانية: اختلفوا في أن العلم الذي يفيده التواتر ضروري أو نظري: فقال بالأول الجمهور.
أي: يلزم التصديق به عند اجتماع شرائطه بالضرورة، وقال بالثاني الكعبي وإمام الحرمين والإمام فخر الدين فأما إمام الحرمين فقد صرح بالبرهان بموافقة الكعبي لكنه فسر النظري بتوقفه على مقدمات حاصلة، وأنه ليس المراد الاحتياج إلى نظر عقبه وقال: إن هذا مراد الكعبي، وأما الإمام فخر الدين ففي (المحصول) موافقته للجمهور، وتوقف في ذلك الآمدي وقبله الشريف المرتضى.
الثالثة: إن أخبر عدد التواتر عن معاينة فأمره واضح، وإن لم يخبروا عن معاينة اشترط وجود الجمع الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب في جميع الطبقات، وهو معنى قولهم: لا بد في التواتر من استواء الطرفين والواسطة. ومن هنا يعلم أن المتواتر قد ينقلب آحادا عند الاندراس.
تنبيه:
بقي من أقسام المقطوع به ما علم مدلوله ضرورة كقولنا: الواحد نصف الاثنين أو استدلالا كقولنا: العالم حادث. وأن يخبر جمع عظيم عن أحوال أنفسهم فنقطع بأن فيهم صادقا وإن لم يتعين. والخبر المحفوف بالقرائن عند جماعة كما سيأتي.
ص: والصحيح ثالثها أن علمه لكثرة العدد: متفق للسامعين وللقرائن قد يختلف، فيحصل لزيد دون عمرو. وأن الإجماع على وفق خبر لا يدل على صدقه وثالثها: يدل إن تلقوه بالقبول. وكذلك بقاء خبر تتوفر الدواعي على إبطاله خلافاً للزيدية. وافتراق العلماء بين مؤول ومحتج خلافا لقوم. وأن المخبر بحضرة قوم لم يكذبوه – ولا حامل على سكوتهم – صادق. وكذا المخبر بمسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولا حامل على التقرير والكذب، خلافا للمتأخرين وقيل: يدل إن كان عن دنيوي.
ش: فيه مسائل:
الأولى – وهي من بقايا مسائل المتواتر – أنه هل يجب اطراد حصول العلم بالمتواتر لكل من بلغه أو يمكن حصول العلم لبعضهم دون بعض؟ فيه ثلاثة أقوال:
ثالثها – وهو الراجح عند المصنف تبعا للصفي الهندي: إن كان حصول العلم لمجرد كثرة العدد اطرد، وهذا معنى قول المصنف (إن علمه متفق) أي تتفق: الناس كلهم في العلم به ولا يختلفون وإن كان لإحفاف قرائن به اضطرب فقد يحصل لبعضهم دون بعض. وفيه نظر، فإن الخبر الذي لم يحصل العلم فيه إلا بانضمام القرينة إلى الخبر ليس من التواتر بل لا بد أن يكون حصول العلم بمجرد روايتهم.
الثانية: إذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث وانعقد الإجماع على العمل على وفقه فهل يدل ذلك على القطع بصدقه؟ فيه مذاهب:
أصحها: لا لاحتمال أن يكون للإجماع مستند آخر.
والثاني. نعم، وبه قال الكرخي.
والثالث: أن مجرد العمل لا يدل على صدقه، بل إن تلقوه بالقبول حكم بصدقه، وإلا فلا، حكاه إمام الحرمين عن ابن فورك.
قال الشارح: واعلم أنهما مسألتان:
إحداهما: الإجماع على وفقه من غير أن يتبين أنه مستندهم، وفيها قولان في أنه هل يدل على صدقه قطعا أم لا.
والثانية: أن يجمعوا على قبوله والعمل به، ولا خلاف أنه يدل على صدقه وإنما الخلاف في أنه هل يدل عليه قطعا أو ظنا: فالجمهور من أصحابنا على القطع، وذهب القاضي أبو بكر وإمام الحرمين إلى الظن، وجمع المصنف فيهما ثلاثة أقوال، ومقتضاه أن الصحيح أنه لا يدل على صدقه وإن تلقوه بالقبول، وهذا لا يقوله أحد. انتهى.
قلت: الحق أن الجمع بين المسألتين، تخليط فإنه ليس بينهما قدر جامع، فإن الأولى في العمل على وفقه من غير أن يستدلوا به والثاني في معرفته والعمل به وتلقيه بالقبول فكان الواجب إفراد كل منهما عن الأخرى.
الثالثة: قالت الزيدية: بقاء نقل خبر مع توفر الدواعي على إبطاله يقتضي القطع بصحته كقوله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم لعلي رضي الله عنه: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) وقوله: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) فقد سار نقلهما في زمن الأمويين مع توفر دواعيهم على إبطالهما، وخالفهم الجمهور، وقالوا: قد يشتهر خبر الواحد بحيث يعجز العدو عن إخفائه.
الرابعة: إذا ورد حديث فافترق العلماء فيه فمنهم من قبله واحتج به ومنهم من أوله – دل ذلك على القطع بصحته عند طائفة منهم ابن السمعاني والأكثرون على خلافه، لأن المظنون كالمقطوع في العمل به.
الخامسة: إذا أخبر واحد بخبر بحضرة جمع كثير بحيث لا يخفى على مثلهم عادة حاله، وسكتوا عن تكذيبه، ولا حامل لهم على السكوت من خوف أو رجاء – هل يدل على القطع بصحته؟
قال الجمهور: نعم. وقال آخرون: ليس بقطعي لاحتمال مانع من التكذيب واختاره الإمام فخر الدين والآمدي.
السادسة: إذا أخبر إنسان بأمر والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه، فلم ينكر عليه، مع أنه لا حامل له على ترك الإنكار، بأن يكون قد بين الحكم قبل ذلك، والمخبر معاند، لا ينفع فيه الإنكار – ففيه مذاهب:
أحدها – وهو الذي اختاره المصنف -: إن ذلك يدل على صدقه.
والثاني: لا، وحكاه المصنف عن المتأخرين، ومنهم الآمدي وابن الحاجب.
والثالث: التفصيل، فإن كان ذلك الأمر دنيويا لم يدل ذلك على صدقه، فإنه عليه الصلاة والسلام لم يبعث لبيان الدنيويات وإن كان دينيا دل على صدقه قاله في (المحصول) وما عرفت معنى ذكر المصنف هنا الكذب مع التقرير فليحرر.
ص: وأما مظنون الصدق فخبر الواحد، وهو ما لم ينته إلى التواتر ومنه المستفيض، وهو الشائع عن أصل وقد يسمى مشهورا وأقله اثنان وقيل: ثلاثة.
ش: لما ذكر المقطوع بكذبه والمقطوع بصدقه ذكر قسما ثالثا وهو مظنون الصدق، وهو خبر العدل الواحد والمراد به ما لم ينته إلى التواتر ولو زادت رواته على واحد، ومن خبر الواحد نوع يسمى المستفيض والمختار في تعريفه أنه الشائع عن أصل، فخرج الشائع لا عن أصل يرجع إليه فإنه مقطوع بكذبه، كذا قال الشارح، وقد يقال: من أين يجيء القطع؟ وجوابه أن ذلك مستفاد من عدم الإسناد، فلما لم ينقله راو دل على أن ذاكره اختلقه. ثم ذكر أن المستفيض قد يسمى مشهورا فهما لفظان مترادفان، وأقل عدد الاستفاضة اثنان وقيل: ثلاثة، وقيل: ما زاد على ذلك، وجزم الآمدي وابن الحاجب بالثلاثة، وحكى الرافعي في الشهادات عن الشيخ أبي حامد وأبي إسحاق المروزي وأبي حاتم القزويني أن أقل ما يثبت به الاستفاضة سماعه من اثنين، وإليه ميل إمام الحرمين.
قال: واختار ابن الصباغ وغيره سماعه من عدد يمتنع تواطؤهم على الكذب، قال: وهو أشبه بكلام الشافعي. انتهى.
وقال ابن فورك: إن المستفيض يفيد القطع. فجعله من أقسام المتواتر.

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أنواع, الأخبار

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir