دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > ألفية العراقي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:56 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مَعْرِفَةُ مَن اخْتَلَطَ مِن الثِّقَاتِ

مَعْرِفَةُ مَن اخْتَلَطَ مِن الثِّقَاتِ

(985) وفِي الثِّقَاتِ مَن أَخِيراً اخْتَلَطْ = فما رَوَى فيه أو ابْهَمَ سَقَطْ
نحوُ عطاءٍ وهو ابنُ السائِبِ = وكالْجُرَيْرِيِّ سعيدٍ وأَبِي
إسحاقَ ثم ابنِ أَبِي عَرُوبَةِ = ثُمَّ الرَّقَاشِيِّ أبي قِلاَبَةِ
كذا حُصَيْنُ السُّلَمِيُّ الْكُوفِي = وعارِمٌ مُحَمَّدٌ والثَّقَفِي
كذا ابنُ هَمَّامٍ بصَنْعَا إذْ عَمِي = والرأيُ فيما زَعَمُوا والتَّوْأَمِي
(990) وابنُ عُيَيْنَةٍ معَ الْمَسْعُودِي = وآخِراً حَكَوْهُ في الْحَفِيدِ
ابنِ خُزَيْمَةٍ معَ الْغِطْرِيفِ = مع الْقَطِيعِي أحمدَ المعروفِ


  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 10:39 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الناظم

مَعرِفَةُ مَن اختَلَطَ مِن الثِّقَاتِ

(985) وفِي الثِّقَاتِ مَن أَخِيراً اخْتَلَطْ فما رَوَى فيهِ أو ابْهَمَ سَقَطْ
(986) نحوُ عطاءٍ وهْوَ ابنُ السائِبِ وكالْجُرَيْرِيِّ سعيدٍ وأَبِي
(987) إسحاقَ، ثم ابنِ أَبِي عَرُوبَةِ ثُمَّ الرَّقَاشِيِّ أبي قِلاَبَةِ
(988) كذا حُصَيْنٌ السُّلَمِيُّ الْكُوفِي وعارِمٌ مُحَمَّدٌ والثَّقَفِي
(989) كذا ابنُ هَمَّامٍ بصَنْعَا إذْ عَمِي والرأيُ فيما زَعَمُوا والتَّوْأَمِي
(990) وابنُ عُيَيْنَةٍ مَعَ الْمَسْعُودِي وآخِراً حَكَوْهُ في الْحَفِيدِ
(991) ابنِ خُزَيْمَةٍ معَ الْغِطْرِيفِ مَعَ الْقَطِيعِي أحمدَ المعروفِ

قالَ ابنُ الصَّلاحِ: هذا فَنٌّ عزيزٌ مُهِمٌّ، لم أعْلَمْ أحَداً أفْرَدَهُ بالتصنيفِ واعْتَنَى به مع كونِهِ حَقِيقاً بذلك جِدًّا.
قلْتُ: وبسبَبِ كلامِ ابنِ الصَّلاحِ أفْرَدَهُ شيخُنا الحافظُ صلاحُ الدِّينِ العَلائيُّ بالتصنيفِ في جُزْءٍ حَدَّثَنَا بهِ، ولكنه اخْتَصَرَهُ ولم يَبْسُط الكلامَ فيه، ورَتَّبَهُم علَى حُروفِ الْمُعْجَمِ، ثم الحكْمُ فيمَن اخْتَلَطَ أنه لا يُقْبَلُ مِن حديثِهِ ما حَدَّثَ به في حالِ الاختلاطِ.
وكذا ما أُبْهِمَ أمْرُهُ وأُشْكِلَ فلم يُدْرَ حَدَّثَ به قبلَ الاختلاطِ أو بعدَهُ، وما حَدَّثَ به قَبلَ الاختلاطِ قُبِلَ، وإنما يَتميَّزُ ذلك باعتبارِ الرُّواةِ عنهم، فمِنهم مَن سَمِعَ منهم قَبْلَ الاختلاطِ فقطْ، ومِنهم مَن سَمِعَ بعدَهُ فقطْ، ومِنهم مَن سَمِعَ في الحاليْنِ ولم يَتميَّزْ، فمِمَّن اختَلَطَ في آخِرِ عُمْرِهِ عَطاءُ بنُ السائبِ، قالَ ابنُ حِبَّانَ: اختَلَطَ بآخِرَةٍ ولم يَفْحُشْ خَطَؤُهُ. اهـ وممن سَمِعَ منهُ قبلَ الاختلاطِ: شُعْبَةُ وسُفيانُ الثوريُّ، قاله يحيَى بنُ مَعِينٍ ويحيَى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، إلاَّ أنَّ القَطَّانَ استَثْنَى حَديثينِ سَمِعَهما منه شُعْبَةُ بآخِرَةٍ عن زَاذانَ، وكذلك حَمَّادُ بنُ زَيدٍ سَمِعَ منه قَبْلَ أنْ يَتغيَّرَ، قالَهُ يحيَى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ، وكذا قالَ النَّسائيُّ: روايةُ حمادِ بنِ زيدٍ وشُعبةَ وسفيانَ عنهُ جَيِّدَةٌ.
وممن سَمِعَ منه بعدَ الاختلاطِ جَريرُ بنُ عبدِ الحميدِ، وخالدُ بنُ عبدِ اللَّهِ الواسطيُّ، وإسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، وعلِيُّ بنُ عاصِمٍ، قاله أحمدُ بنُ حَنبلٍ، وكذا سَمِعَ منه بعدَ التغَيُّرِ مُحَمَّدُ بنُ فُضيلِ بنِ غَزوانَ، وممن سَمِعَ منه أيضاً بآخِرَةٍ هُشيمٌ، قاله أحمدُ بنُ عبدِ اللَّهِ العِجْلِيُّ.
قلْتُ: قد رَوَى له البُخاريُّ في صحيحِهِ حَديثاً مِن روايةِ هُشيمٍ عنهُ، وليسَ له عندَ البُخاريِّ غيرُ هذا الحديثِ الواحدِ، وممن سَمِعَ منه في الحالتينِ معاً أبو عَوانةَ، قاله عبَّاسٌ الدُّورِيُّ عن يَحيَى بنِ مَعِينٍ، قالَ: ولا يُحْتَجُّ بحديثِهِ؛ أيْ: بحديثِ أبي عَوانةَ عنهُ.
وممن اخْتَلَطَ أخيراً أبو مسعودٍ سعيدُ بنُ إياسٍ الْجَريريُّ، وهو ثِقةٌ، احتَجَّ به الشيخانِ ولم يَشْتَدَّ تَغَيُّرُهُ، قالَ يحيَى بنُ سعيدٍ عن كَهْمَسٍ: أنْكَرْنا الْجَريريَّ أيَّامَ الطاعونِ، وكذا قالَ النَّسائيُّ: ثِقةٌ أُنْكِرَ أيامَ الطاعونِ. وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ: تَغَيَّرَ حِفْظُهُ قبلَ مَوْتِهِ، فمَن كَتَبَ عنه قديماً فهو صالِحٌ.
قلْتُ: وممن سَمِعَ منه قبلَ التَّغَيُّرِ: شُعْبَةُ، وسُفيانُ الثوريُّ، والْحَمَّادَانِ، وإسماعيلُ ابنُ عُلَيَّةَ، ومَعْمَرٌ، وعبدُ الوارِثِ بنُ سعيدٍ، ويَزيدُ بنُ زُريعٍ، ووُهَيْبُ بنُ خالِدٍ، وعبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ المجيدِ الثَّقَفِيُّ؛ وذلك لأنَّ هؤلاءِ كلَّهم سَمِعوا مِن أيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وقد قالَ أبو داودَ فيما رواهُ عنه أبو عُبيدٍ الآجُرِّيِّ: كلُّ مَن أدْرَكَ أيوبَ فسَمَاعُهُ مِن الْجَريريِّ جَيِّدٌ. اهـ
وممن سَمِعَ منه بعدَ التغيُّرِ: مُحَمَّدُ بنُ عَدِيٍّ، وإسحاقُ الأزرقُ، ويحيَى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ؛ ولذلك لم يُحَدِّثْ عنهُ شيئاً.
وقد روَى الشيخانِ للجَريريِّ مِن روايةِ بِشْرِ بنِ الْمُفَضَّلِ، وخالِدِ بنِ عبدِ اللَّهِ، وعبدِ الأعلَى بنِ عبدِ الأعلَى، وعبدِ الوارِثِ بنِ سعيدٍ عنهُ، وروَى له مسلِمٌ فقط مِن روايةِ جَعفرِ بنِ سُليمانَ الضُّبَعِيِّ، وحمادِ بنِ أسامةَ، وحمادِ بنِ سَلمةَ، وشُعبةَ، وسُفيانَ الثوريِّ، وسالِمِ بنِ نوحٍ، وابنِ المُبَارَكِ، وعبدِ الوهَّابِ الثَّقَفِيِّ، ووُهيبِ بنِ خالدٍ، ويَزيدَ بنِ زُريعٍ، وعبدِ الواحِدِ بنِ زيادٍ، ويَزيدَ بنِ هارونَ.
وقد قيلَ: إنَّ يزيدَ بنَ هارونَ إنما سَمِعَ منهُ بعدَ التَّغَيُّرِ، فقد روَى ابنُ سعْدٍ عنهُ قالَ: سمعتُ منه سنةَ اثنتينِ وأربعينَ ومِائةٍ وهي أوَّلُ سنةٍ دخلْتُ البصرةَ، ولم نُنْكِرْ منه شيئاً. قالَ: وكان قِيلَ لنا: إنه قد اختَلَطَ. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: كان قد اختَلَطَ قبلَ أنْ يَموتَ بثلاثِ سنينَ. قالَ: وقد رآهُ يحيَى القَطَّانُ وهو مُخْتَلِطٌ ولم يَكُن اختلاطُهُ فاحِشاً، ماتَ سَنَةَ أربعٍ وأربعينَ ومِائةٍ.
ومنهم: أبو إسحاقَ السَّبيعيُّ واسْمُهُ عمرُو بنُ عبدِ اللَّهِ، ثِقةٌ احْتَجَّ به الشيخانِ، قالَ أحمدُ بنُ حَنبلٍ: ثِقةٌ لكنَّ هؤلاءِ الذين حَمَلُوا عنهُ بآخِرَةٍ.
وقالَ يَعقوبُ الفَسَوِيُّ: قالَ ابنُ عُيينةَ: حَدَّثَنَا أبو إسحاقَ في المسجِدِ ليسَ معنا ثالثٌ. قالَ الفَسَوِيُّ: فقالَ بعضُ أهْلِ العلْمِ: كانَ قد اختلَطَ وإنما تَرَكُوهُ مع ابنِ عُيينةَ لاختلاطِهِ. اهـ، وكذا قالَ: الخليليُّ: إنَّ سَمَاعَهُ منه بعدَ ما اختَلَطَ.
قلْتُ: ولم يُخَرِّجْ له الشيخانِ مِن روايةِ ابنِ عُيينةَ شيئاً، إنما أَخْرَجَ له مِن طريقِهِ التِّرمذيُّ، وكذلك النَّسائيُّ في عَمَلِ اليومِ والليلةِ، وأنْكَرَ صاحِبُ (الْمِيزانِ) اختلاطَهُ فقالَ: شاخَ ونَسِيَ ولم يَخْتَلِطْ. قالَ: وقد سَمِعَ منه سفيانُ بنُ عُيينةَ وقد تَغَيَّرَ قليلاً.
واخْتُلِفَ في تاريخِ وَفاتِهِ، فقيلَ: سَنَةَ سِتٍّ وعِشرينَ ومِائةٍ، وقيلَ: سَبْعٍ، وقيلَ: ثَمانٍ، وقيلَ: تِسعٍ.
ومنهم سعيدُ بنُ أبي عَروبةَ، واسمُ أبي عَروبةَ مِهرانُ، ثِقةٌ احْتَجَّ به الشيخانِ لكنه اخْتَلَطَ وطالَتْ مُدَّةُ اختلاطِهِ فوقَ العشْرِ سنينَ علَى ما يَأتي مِن الْخِلافِ، قالَ أبو حاتمٍ: هو قَبْلَ أنْ يَخْتَلِطَ ثِقَةٌ.
وقد اخْتُلِفَ في ابتداءِ اختلاطِهِ، فقالَ دُحيمٌ: اختَلَطَ مَخرَجَ إبراهيمَ سنةَ خمسينِ وأربعينَ ومِائةٍ. وكذا قالَ ابنُ حِبَّانَ: اختَلَطَ سنةَ خَمْسٍ وأربعينَ ومِائةٍ وبَقِيَ خمْسَ سنينَ في اختلاطِهِ، ماتَ سَنَةَ خمسينَ ومِائةٍ. وقالَ يحيَى بنُ مَعِينٍ: خَلَّطَ بعدَ هزيمةِ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ حُسينِ بنِ حسَنٍ سنةَ اثنتينِ وأربعينَ - يَعني ومِائةٍ - ومَن سَمِعَ منه بعدَ ذلك ليسَ بشيءٍ.
قلْتُ: هكذا اقْتَصَرَ ابنُ الصَّلاحِ علَى حكايةٍ عن يَحيَى بنِ مَعِينٍ أنَّ هزيمةَ إبراهيمَ سَنَةَ اثنتينِ وأربعينَ والمعروفُ سَنَةَ خمْسٍ وأربعينَ كما تَقَدَّمَ، هذا هو المذكورُ في التواريخِ أنَّ خُروجَهُ فيها وأنه قُتِلَ فيها يومَ الاثنينِ لخمْسِ ليالٍ بَقِينَ مِن ذي القَعدةِ احْتُزَّ رأسُهُ.
فممن سَمِعَ مِن أبي عَروبةَ قبلَ اختلاطِهِ: عبدُ اللَّهِ بنُ الْمُبَارَكِ، ويزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، قاله ابنُ حِبَّانَ وغيرُهُ، وكذلك شُعيبُ بنُ إسحاقَ سَمِعَ منه سنةَ أربعٍ وأربعينَ قبلَ أنْ يَخْتَلِطَ بسَنةٍ، وكذلك يَزيدُ بنُ هارونَ صحيحُ السماعِ منهُ، قاله ابنُ مَعِينٍ، وكذلك عَبْدَةُ بنُ سليمانَ، قالَ ابنُ مَعِينٍ: إنه أْثَبَتُ الناسِ سَمَاعاً منه. وقالَ ابنُ عَدِيٍّ: أرْوَاهُم عنهُ عبدُ الأَعْلَى الشاميُّ، ثم شُعيبُ بنُ إسحاقَ، وعَبدةُ بنُ سُليمانَ، وعبدُ الوَهَّابِ الْخَفَّافُ، وأثْبَتَهم فيه يزيدُ بنُ زُرَيْعٍ، وخالِدُ بنُ الحارِثِ، ويحيَى القَطَّانُ.
قلْتُ: قد قالَ عَبدةُ بنُ سُليمانَ عن نفْسِهِ إنه سَمِعَ منهُ في الاختلاطِ إلاَّ أنْ يُريدَ بذلك بَيانَ اختلاطِهِ، وأنه لم يُحَدِّثْ بما سَمِعَهُ منه في الاختلاطِ، فاللَّهُ أعْلَمُ.
ومِمَّنْ سَمِعَ منه قديماً سِرَارُ بنُ مِجْشَرٍ، أشارَ إليه النَّسائيُّ في سُنَنِهِ الكُبرَى، وقالَ أبو عُبيدٍ الآجُرِّيُّ عن أبي داودَ: كان عبدُ الرحمنِ يُقَدِّمُهُ علَى يَزيدَ بنِ زُرَيْعٍ، وهو مِن قُدماءِ أصحابِ سعيدِ بنِ أبي عَروبةَ، وماتَ قَديماً، وممن سَمِعَ منه في الاختلاطِ أبو نُعيمٍ الفَضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، ووَكيعٌ، والمعافَى بنُ عِمرانَ الْمَوْصِلِيُّ.
قلْتُ: وقد روَى له الشيخانِ مِن روايةِ خالدِ بنِ الحارِثِ، ورَوْحِ بنِ عُبادةَ، وعبدِ الأَعْلَى الشامِيِّ، وعبدِ الرحمنِ بنِ عثمانَ البَكراويِّ، ومُحَمَّدِ بنِ سَواءٍ السَّدُوسِيِّ، ومُحَمَّدِ بنِ أبي عَدِيٍّ، ويَزيدَ بنِ زُريعٍ، ويحيَى بنِ سعيدٍ القَطَّانِ عنهُ. وروَى لهُ البُخاريُّ فقط مِن روايةِ بشْرِ بنِ الْمُفَضَّلِ، وسَهْلِ بنِ يُوسُفَ، وابنِ المُبَارَكِ، وعبدِ الوارِثِ بنِ سعيدٍ، ومُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللَّهِ الأنصاريِّ، وكَهْمَسِ بنِ الْمِنْهَالِ عنهُ.
وروَى له مُسلِمٌ فقطْ مِن روايةِ ابنِ عُلَيَّةَ، وأبي أسامةَ، وسعيدِ بنِ عامِرٍ الضُّبَعِيِّ، وسالِمِ بنِ نُوحٍ، وأبي خالِدٍ الأحمرِ، وعبدِ الوَهَّابِ بنِ عَطاءٍ، وعَبدةَ بنِ سُليمانَ وعليِّ بنِ مِسْهَرٍ، وعيسَى بنِ يُونُسَ، ومُحَمَّدِ بنِ بَكْرٍ البُرسانيِّ، وغُنْدَرٍ عنهُ.
قلْتُ: قد قالَ ابنُ مَهْدِيٍّ: سَمِعَ غُنْدَرٌ منهُ في الاختلاطِ. وأمَّا مُدَّةُ اختلاطِ سعيدٍ فقد تَقَدَّمَ قولُ ابنِ حِبَّانَ إنها خَمْسُ سنينَ، وقالَ صاحِبُ (الْمِيزانِ): ثلاثَ عشرةَ سنةً. وخالَفَ ذلك الذهبيُّ في (العِبَرِ) فقالَ:" عشْرَ سنينَ" مع قولِهِ فيهما إنه تُوُفِّيَ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ، وكذا قالَ الفَلاَّسُ وأبو موسَى الزَّمِنُ وغيرُ واحِدٍ في وفاتِهِ، وقيلَ: سَنَةَ سبْعٍ وخمسينَ ومِائةٍ.
ومنهم: أبو قِلابةَ الرَّقَاشِيُّ واسمُهُ عبدُ الْمَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللَّهِ أحَدُ شيوخِ ابنِ خُزيمةَ، قالَ فيه ابنُ خُزيمةَ: حَدَّثَنَا أبو قِلابةَ بالبَصرةِ قبلَ أنْ يَخْتَلِطَ ويَخْرُجَ إلَى بَغدادَ.
قلْتُ: وممن سَمِعَ منه آخِراً ببَغدادَ أبو عمرٍو عثمانُ بنُ أحمدَ بنِ السَّمَّاكِ، وأبو بكرٍ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ الشافعيُّ، وآخَرونَ، فعلَى قولِ ابنِ خُزيمةَ سَمَاعُهم منه بعدَ الاختلاطِ، وكانتْ وَفاتُهُ سنةَ سِتٍّ وسبعينَ ومِائتينِ ببغدادِ.
ومنهم: حُصينُ بنُ عبدِ الرحمنِ السُّلَمِيُّ الكُوفِيُّ، أحَدُ الثقاتِ الأثباتِ، احْتَجَّ بهِ الشيخانِ، ووَثَّقَهُ أحمدُ وأبو زُرعةَ والعِجْلِيُّ وغيرُهم، وقالَ أبو حاتمٍ: ثِقَةٌ ساءَ حِفْظُهُ في الآخِرِ. وكذا قالَ يزيدُ بنُ هارونَ: إنه اختَلَطَ. وقالَ النَّسائيُّ: تَغَيَّرَ. وأمَّا عَلِيُّ بنُ عاصِمٍ فقالَ: إنه لم يَخْتَلِطْ. كذا حكاهُ صاحبُ (الْمِيزَانِ) عنهُ.
وقولِي: (السُّلَمِيُّ) مِن الزياداتِ علَى ابنِ الصَّلاحِ، وفائدتُهُ عَدَمُ الاشتباهِ؛ فإنَّ في الكُوفِيِّينَ أربعةً كلُّهم حُصينُ بنُ عبدِ الرحمن ليسَ فيهم بهذا النَّسَبِ إلاَّ هذا.
ومنهم: عارِمٌ واسمُهُ مُحَمَّدُ بنُ الفضْلِ أبو النُّعمانِ السَّدوسيُّ، وعارِمٌ لقَبٌ لهُ، وهو أحَدُ الثِّقاتِ الأَثباتِ، روَى عنه البُخاريُّ في صحيحِهِ ومسلِمٌ بواسِطَةٍ، قالَ البخاريُّ: تَغَيَّرَ في أواخِرِ عُمرِهِ.
وقالَ أبو حاتِمٍ: اخْتَلَطَ في آخِرِ عُمْرِهِ وزالَ عَقْلُهُ، فمَنْ سَمِعَ منه قَبْلَ الاختلاطِ فسَماعُهُ صحيحٌ. قالَ: وكتَبْتُ عنه قبلَ الاختلاطِ سنةَ أربعَ عشْرةَ ولم أَسْمَعْ منهُ بعدَما اختَلَطَ، فمَن سَمِعَ منه قبلَ سَنةِ عِشرينَ ومِائتينِ فسماعُهُ جَيِّدٌ، وأبو زُرعةَ لَقِيَهُ سنةَ اثنتينِ وعِشرينَ.
وقالَ الحسينُ بنُ عبدِ اللَّهِ الزَّرَّاعُ عن أبي دَاودَ: بلَغَنَا أنَّ عَارِماً أُنْكِرَ سنةَ ثلاثَ عشْرةَ، ثم راجَعَهُ عقْلُهُ واستَحْكَمَ به الاختلاطُ سنةَ سِتَّ عشْرةَ. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: اخْتَلَطَ في آخِرِ عُمرِهِ وتَغَيَّرَ حتَّى كانَ لا يَدرِي ما يُحَدِّثُ بهِ فوَقَعَ في حديثِهِ الْمَناكيرُ الكثيرةُ، فيَجِبُ التنَكُّبُ عن حديثِهِ فيما رواهُ المتأخِّرونَ، فإذا لم يُعْرَفْ هذا مِن هذا تُرِكَ الكلُّ.
وأَنْكَرَ صاحِبُ (الْمِيزانِ) هذا القولَ مِن ابنِ حِبَّانَ، ووَصَفَهُ بالتخسيفِ والتهويرِ، وحَكَى قولَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَغَيَّرَ بآخِرَةٍ، وما ظَهَرَ له بعدَ اختلاطِهِ حديثٌ مُنْكَرٌ، وهو ثِقةٌ إذا تَقَرَّرَ ذلك، فممن سَمِعَ منه قبلَ اختلاطِهِ أحمدُ بنُ حَنبلٍ، وعبدُ اللَّهِ بنُ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيُّ، وأبو حاتمٍ الرازيُّ، وأبو عليٍّ مُحَمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ خالِدٍ الزُّرَيْقِيُّ.
وقالَ ابنُ الصَّلاحِ: ما رواهُ عنه البخاريُّ ومُحَمَّدُ بنُ يحيَى الذُّهَلِيُّ وغيرُهما مِن الْحُفَّاظِ يَنْبَغِي أنْ يكونَ مَأخوذاً عنه قَبْلَ اختلاطِهِ. اهـ
وممن سَمِعَ منه بعدَ اختلاطِهِ أبو زُرعةَ الرازِيُّ، وعليُّ بنُ عبدِ العزيزِ البَغَوِيُّ، وكانت وفاتُهُ سنةَ أربعٍ وعِشرينَ ومِائتينِ.
ومنهم: عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ المجيدِ الثَّقَفِيُّ، أحَدُ الثِّقاتِ الذين احْتَجَّ بهم الشيخانِ، قالَ عبَّاسٌ الدُّورِيُّ عن يَحيَى بنِ مَعِينٍ: اختَلَطَ بآخِرَةٍ. وقالَ عُقبةُ بنُ مُكْرِمٍ العَمِّيُّ: اختَلَطَ قبلَ مَوتِهِ بثَلاثِ سِنينَ أو أرْبَعِ سنينَ.
قالَ صاحِبُ (الْمِيزانِ): لكنَّه ما ضَرَّ تَغَيُّرُهُ حديثَهُ؛ فإنه ما حَدَّثَ بحديثٍ في زَمَنِ التغيُّرِ. ثم استَدَلَّ بقولِ أبي داوُدَ: تَغَيَّرَ جَريرُ بنُ حازِمٍ وعبدُ الوهَّابِ الثَّقَفِيُّ فحَجَبَ الناسُ عنهما. وماتَ سَنَةَ أربعٍ وتسعينَ ومِائةٍ، وقيلَ: سَنَةَ أربعٍ وثمانينَ.
ومنهم: عبدُ الرزَّاقِ بنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانيُّ، احتَجَّ به الشيخانِ، قالَ أحمدُ: أتَيْنَاه قبلَ المِائتينِ وهو صحيحُ البصَرِ، ومَن سَمِعَ منه بعدَما ذَهَبَ بَصَرُهُ فهو ضَعيفُ السماعِ. وقالَ أيضاً: كان يُلَقَّنُ بعدَ ما عَمِيَ. وقالَ النَّسائيُّ: فيه نَظَرٌ لِمَن كَتَبَ عنه بآخِرَةٍ. اهـ
فممن سَمِعَ منه قَبلَ اختلاطِهِ: أحمدُ بنُ حَنبلٍ، وإسحاقُ بنُ راهويهِ، ويحيَى بنُ مَعِينٍ، وعليُّ بنُ الْمَدينيِّ، ووَكيعٌ في آخَرينَ، وممن سَمِعَ منه بعدَ الاختلاطِ: أحمدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ شَبَوَيهِ، ومُحَمَّدُ بنُ حَمَّادٍ الظهرانيُّ، وإسحاقُ بنُ إبراهيمَ الدَّيْرِيُّ، قالَ إبراهيمُ الحربيُّ: ماتَ عبدُ الرزاقِ وللدَّيْرِيِّ سِتُّ سنينَ أو سَبْعُ سنينَ. وقالَ ابنُ عَدِيٍّ: استُصْغِرَ في عبدِ الرزَّاقِ. وقالَ الذهبيُّ: إنما اعْتَنَى به أبوه فأَسْمَعَهُ مِن تصانيفِهِ وله سبْعُ سنينَ أو نحوُها. وقد احْتَجَّ به أبو عَوانةَ في صحيحِهِ وغيرُهُ. اهـ
وكان مَن احْتَجَّ به لم يُبالِ بتَغَيُّرِهِ لكونِهِ إنما حَدَّثَهُ مِن كُتُبِهِ لا مِن حِفْظِهِ.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: وَجَدْتُ فيما روَى الطبرانيُّ عن الدَّيْرِيُّ عنه أحاديثَ استَنْكَرْتُها جِدًّا، فأَحَلْتُ أمْرَها علَى ذلك، وتُوُفِّيَ سنةَ إحدَى عشرةَ ومِائتينِ.
ومنهم - فيما زَعَمُوا - ربيعةُ الرازيُّ شيخُ مالِكٍ، وهو ربيعةُ بنُ أبي عبدِ الرحمنِ، واسمُ أبيه فَرُّوخٌ، وهو أحَدُ الأئمَّةِ الثقاتِ، احْتَجَّ به الشيخانِ، ولم أَرَ مَن ذَكَرَ أنه اخْتَلَطَ إلاَّ ابنَ الصَّلاحِ، فقالَ: قيلَ: إنه تَغَيَّرَ في آخِرِ عُمْرِهِ وتَرَكَ الاعتمادَ عليه لذلك؛ فلذلك أتَيْتُ بقولي: (فيما زَعَمُوا) وقد وثَّقَهُ أحمدُ أبو حاتمٍ، والعِجْلِيُّ، والنَّسائيُّ، وآخَرونَ، إلاَّ أنَّ ابنَ سَعْدٍ بعدَ أن وَثَّقَهُ قالَ: كانوا يَتَّقُونَهُ لِمَوْضِعِ الرأيِ. وذكَرَهُ النباتيُّ في ذَيْلِ (الكاملِ) وقالَ: إنَّ البُسْتيَّ ذَكَرَهُ في الزياداتِ.
قلْتُ: ذَكَرَهُ البُسْتيُّ في الثِّقاتِ وقالَ: تُوُفِّيَ سنةَ سِتٍّ وثلاثينَ ومِائةٍ.
ومنهم: صالحٌ مولَى التَّوْءَمَةِ، وهو صالحُ بنُ نَبهانَ، اختُلِفَ في الاحتجاجِ به، قالَ أحمَدُ: أدْرَكَهُ مالِكٌ، وقد اختَلَطَ وهو كبيرٌ، وما أعْلَمُ به بَأْساً ممن سَمِعَ منه قديماً، فقد روَى عنه أكابِرُ أهلِ المدينةِ.
وقالَ ابنُ مَعِينٍ: ثقةٌ خَرِفَ قبلَ أنْ يموتَ، فمَن سمِعَ منه قبلَ ذلك فهو ثَبَتٌ. وقيلَ له: إنَّ مالِكاً تَرَكَهُ!! فقالَ: إنما أدْرَكَهُ بعدَ أنْ خَرِفَ.
وقالَ ابنُ الْمَدينيُّ: ثِقَةٌ إلاَّ أنه خَرِفَ وكَبِرَ.
وقالَ ابنُ حِبَّانَ: تَغَيَّرَ في سنةِ خَمْسٍ وعِشرينَ ومِائةٍ، وجعَلَ يَأتي بما يُشْبِهُ الموضوعاتِ عن الثِّقاتِ، فاخْتَلَطَ حديثُهُ الأخيرُ بحديثِهِ القديمِ ولم يَتميَّزْ؛ فاستَحَقَّ الترْكَ. وحكَى ابنُ الصَّلاحِ كلامَ ابنِ حِبَّانَ مُقْتَصِراً عليه.
قلْتُ: قد مَيَّزَ الأئمَّةُ بعضَ مَن سَمِعَ منه قديماً ممن سَمِعَ منه بعدَ التغييرِ، فممن سَمِعَ منه قديماً: مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ذِئبٍ، قاله يحيَى بنُ مَعِينٍ، وعليُّ بنُ الْمَدينيِّ، والْجَوْزَجَانِيُّ، وابنُ عَدِيٍّ، وكذلك ابنُ جُريجٍ، وزِيادُ بنُ سَعْدٍ، قاله عليُّ بنُ عَدِيٍّ، وممن سَمِعَ منه بعدَ الاختلاطِ: مالِكٌ، والسفيانانِ، وماتَ سَنَةَ خمْسٍ وعِشرينَ ومِائةٍ، وقيلَ: سَنَةَ سِتٍّ.
ومنهم: سفيانُ بنُ عُيينةَ أحَدُ الأئمَّةِ الثِّقاتِ، قالَ يحيَى بنُ سعيدٍ القَطَّانُ: أشْهَدُ أنه اختَلَطَ سنةَ سبعٍ وتسعينَ، فمَن سَمِعَ منه في هذه السنةِ وبعدَ هذا فسمَاعُهُ لا شيءَ.
هكذا حكاه مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ عن القَطَّانِ، قالَ صاحبُ (الْمِيزانِ): وأنا أَسْتَبْعِدُهُ وأَعُدُّهُ غَلَطاً مِن ابنِ عَمَّارٍ، فإنَّ القَطَّانَ ماتَ في صَفَرٍ سنةَ ثماني وتسعينَ وقْتَ قُدومِ الحاجِّ ووَقْتَ تَحَدُّثِهم عن أخبارِ الْحِجازِ، فمتَى تَمَكَّنَ يحيَى بنُ سعيدٍ مِن أنْ يَسمعَ اختلاطَ سفيانَ ثم يَشهدَ عليهِ بذلك والموتُ قد نَزَلَ به؟! ثم قالَ: فلَعَلَّهُ بَلَغَهُ ذلك في أثناءِ سنةِ سبْعٍ. وقالَ: سَمِعَ منه فيها - أيْ: سَنَةَ سبْعٍ - مُحَمَّدُ بنُ عاصمٍ صاحبُ ذلك الجزءِ العالِي.
قالَ: ويَغْلِبُ علَى ظنِّي أنَّ سائِرَ شيوخِ الأئمَّةِ الستَّةِ سَمِعُوا منه قبلَ سَنَةِ سبعٍ، فأمَّا سنةُ ثمانٍ وتسعينَ ففيها ماتَ ولم يَلْقَهُ أحَدٌ فيها؛ فإنه تُوُفِّيَ قبلَ قُدومِ الحاجِّ بأربعةِ أشْهُرٍ.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ويَحْصُلُ نَظَرٌ في كثيرٍ مِن العوالي الواقعةِ عمن تأخَّرَ سَمَاعُهُ مِن ابنِ عُيينةَ وأشباهِهِ. وقالَ ابنُ الصَّلاحِ: إنه تُوُفِّيَ سنةَ تِسْعٍ وتسعينَ.
قلْتُ: والمعروفُ ما تَقَدَّمَ، فإنه ماتَ بِمَكَّةَ يومَ السبْتِ أوَّلَ شَهْرِ رجَبٍ سنةَ ثمانٍ وتسعينَ، قاله مُحَمَّدُ بنُ سعْدٍ، وابنُ زَبْرٍ، وابنُ حِبَّانَ، إلاَّ أنه قالَ: آخِرَ يومٍ مِن جُمادَى الآخِرَةِ.
ومنهم: الْمَسعوديُّ، وهو عبدُ الرحمنِ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عُتبةَ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ، قالَ ابنُ سَعْدٍ: ثِقةٌ إلاَّ أنه اخْتَلَطَ في آخِرِ عُمْرِهِ، وروايةُ المتقدِّمينَ عنه صحيحةٌ. قالَ أبو حاتمٍ: تَغَيَّرَ بآخِرَةٍ قبلَ موتِهِ بسَنَةٍ أو سَنتينِ. وقالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ نُميرٍ: كان ثِقةً فلَمَّا كان بآخِرَةٍ اخْتَلَطَ. وقالَ أحمدُ: إنما اخْتَلَطَ ببغدادَ، ومَن سَمِعَ منه بالكوفةِ والبصرةِ فسماعُهُ جيِّدٌ. وقالَ ابنُ مَعِينٍ: مَن سَمِعَ منه زَمانَ أبي جَعفرٍ فهو صحيحُ السماعِ، ومَن سَمِعَ منه في زَمانِ الْمَهْدِيِّ فليس سَماعُهُ بشيءٍ.
قلْتُ: وكانتْ وفاةُ أبي جَعفرٍ المنصورِ بمكَّةَ في ذي الْحِجَّةِ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ، وكانتْ مُدَّةُ اختلاطِهِ كما قالَ أبو حاتمٍ، فإنَّ المسعوديَّ ماتَ سَنَةَ ستِّينَ ومِائةٍ ببغدادَ، وقالَ ابنُ حِبَّانَ: اختَلَطَ حديثُهُ فلم يَتميَّزْ فاستَحَقَّ الترْكِ. وكذا قالَ أبو الحسَنِ بنُ القَطَّانِ: كان لا يَتميَّزُ في الأغلَبِ ما رواهُ قبلَ اختلاطِهِ مما رواه بعدُ.
قلْتُ: قد مَيَّزَ الأئمَّةُ بينَ جماعةٍ ممن سَمِعَ منه في الصحَّةِ والاختلاطِ، فممن سَمِعَ منه قديماً قبلَ الاختلاطِ: وَكيعٌ، وأبو نُعيمٍ الفضْلُ بنُ دُكَيْنٍ، قاله أحمدُ بنُ حَنبلٍ، وممن سَمِعَ منه بعدَ الاختلاطِ: أبو النضْرِ هاشمُ بنُ القاسِمِ، وعاصمُ بنُ عَلِيٍّ، قاله أحمدُ أيضاً، وكذلك سَمِعَ منه بآخِرَةٍ: عبدُ الرحمنِ بنُ مَهْدِيٍّ، ويَزيدُ بنُ هارونَ، قاله أحمدُ بنُ نُميرٍ، وقد قيلَ: إنَّ أبا داودَ الطَّيَالِسِيَّ سَمِعَ منه بعدَ ما تَغَيَّرَ، قالَهُ سالِمُ بنُ قُتيبةَ.
ومنهم مِن المتأَخِّرينَ: أبو طاهِرٍ مُحَمَّدُ بنُ الفضْلِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ إسحاقَ بنِ خُزيمةَ حَفيدُ الحافظِ أبي بكرِ بنِ خُزيمةَ، وكذلك أبو أحمدَ مُحَمَّدُ بنُ أحمدَ بنِ الحسينِ الغِطريفيُّ الْجُرجانيُّ، فذكَرَ الحافِظُ أبو عليٍّ البَرَادِعِيُ ثم السَّمَرْقَنْدِيُّ في مُعْجَمِهِ أنهما اخْتَلَطَا في آخِرِ عُمْرِهما.
قلْتُ: أمَّا الحفيدُ فقد اخْتَلَطَ قبلَ موتِهِ بثلاثِ سنينَ وتَجَنَّبَ الناسُ الروايةَ عنه، وتُوُفِّيَ سنةَ سبْعٍ وثمانينَ وثَلاَثِمائةٍ، وقد احْتَجَّ الإسماعيليُّ بالغِطريفيِّ في صَحيحِهِ، وتُوُفِّيَ سنةَ سبعٍ وسبعينَ وثَلاَثِمائةٍ.
ومنهم: أبو بكرٍ أحمدُ بنُ جَعفرِ بنِ حَمدانَ القُطَيْعِيُّ راوي مسْنَدِ أحمدَ و(الزُّهْدِ) له.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: اخْتَلَّ في آخِرِ عُمْرِهِ وخَرِفَ حتَّى كان لا يَعْرِفُ شيئاً مما يُقرأُ عليه، وقالَ صاحِبُ (الْمِيزانِ): ذكَرَ هذا أبو الحسَنِ بنُ الفُراتِ. ثم قالَ: فهذا غُلُوٌّ وإسرافٌ، وقد وَثَّقَهُ البَرَقانيُّ والحاكِمُ، وتُوُفِّيَ سنةَ ثمانٍ وستِّينَ وثَلاَثِمائةٍ لسبْعٍ بَقينَ مِن ذي الْحِجَّةِ.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: واعْلَمْ إنما كانَ مِن هذا القَبيلِ مُحْتَجًّا برِوايتِهِ في الصحيحينِ أو أحَدِهما فإنما نَعْرِفُ علَى الْجُملةِ أنَّ ذلك مما تَمَيَّزَ وكانَ مَأخوذاً عنه قبلَ الاختلاطِ، واللَّهُ أعْلَمُ.

  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 12:56 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح الباقي لأبي زكريا الأنصاري

مَعرِفَةُ مَن اخْتَلَطَ مِن الثِّقاتِ
(معرِفةُ مَن اخْتَلَطَ مِن الثقاتِ) فائدتُها: تَمييزُ المقبولِ مِن غيرِه.
وفِي الثِّقَاتِ مَن أَخِيراً اخْتَلَطْ فما رَوَى فيه أو ابْهَمَ سَقَطْ
نحوَ عطاءٍ وهُو ابنُ السائِبِ وكالْجُرَيْرِيِّ سعيدٍ وأَبِي
إسحاقَ ثم ابنِ أَبِي عَرُوبَةِ ثُمَّ الرَّقَاشِيِّ أبي قِلاَبَةِ
كذا حُصَيْنٌ السُّلَمِيُّ الْكُوفِي وعارِمٌ مُحَمَّدٌ والثَّقَفِي
كذا ابنُ هَمَّامٍ بصَنْعَا إذْ عَمِي والرأيُ فيما زَعَمُوا والتَّوْأَمِي
وابنُ عُيَيْنَةَ مع الْمَسْعُودِي وآخِراً حَكَوْهُ في الْحَفِيدِ
ابنِ خُزَيْمَةَ معَ الْغِطْرِيفِ مع الْقَطِيعِي أحمدَ المعروفِ

(وفي الثِّقاتِ) مِن الرواةِ (مَن أخيرًا اخْتَلَطْ) أيْ: مَن اختَلَطَ آخِرَ عُمُرِه، أيْ: فسَدَ عقْلُه بأن لم يَنتظِمْ أقوالَه وأفعالَه.
(فما روَى) المختَلِطُ (فيه) أيْ: في حالِ اختلاطِه، (أو ابْهَمَ) بالدرْجِ، والبناءِ للفاعلِ - أمْرُه، أي: اشْتَبَهَ فلمْ يَدْرِ أحدَّثَ بالحديثِ قبلَ اختلاطِه أو بعدَه، (سَقَطْ) أيْ: ما رواه مما اعتَمَدَ فيه على حِفْظِه، بخِلافِ ما اعتمَدَ فيه على كِتابِه وما حَدَّثَ به قَبلَ اختلاطِه وإنْ حدَّثَ به ثانيًا.
ويَتميَّزُ ذلك بالراوي عنه، فإنه قد يكونُ سَمِعَ منه قَبْلَه فقط، أو بعدَه فقط، أو فيهما مع التمييزِ ومع عَدَمِه، كما بَيَّنَ الناظِمُ في شَرْحِه مع تمييزِ بعضِ السامعينَ.
والمختَلِطُ (نحوَ عطاءٍ وهُو) بضَمِّ الهاءِ (ابنُ السائبِ) الثقفيُّ الكوفيُّ التابعيُّ أحَدُ الثِّقاتِ.
(وكالجُريريِّ) مُصَغَّرًا - أبو مسعودٍ (سعيدٍ) هو ابنُ إياسٍ البصريُّ، أحَدُ الثقاتِ.
(و) نحوَ (أبي إسحاقَ) عمرِو بنِ عبدِ اللهِ السَّبيعيِّ الكوفيِّ التابعيِّ، أحَدِ الثقاتِ.
(ثم) نحوَ سعيدِ (ابنِ أبي عَروبةَ) مِهرانَ، أحَدِ الثقاتِ، ولَمَّا اختلَطَ طالَتْ مُدَّةُ اختلاطِه فوقَ العشْرِ سِنينَ على خِلافٍ فيه.
(ثم) نحوَ (الرَّقَاشِيِّ) بِفَتْحِ الراءِ وتخفيفِ القافِ، نِسْبَةً لامرأةٍ اسْمُها رَقَاشُ بنتُ قيسٍ (أبي قِلابةِ) عبدِ الملِكِ بنِ محمَّدٍ، الحافِظِ، أحَدِ شيوخِ ابنِ خُزيمةَ.
(وكذا حُصينٌ) مصَغَّرًا - بنُ عبدِ الرحمنِ (السُّلَمِيُّ) بضَمِّ السينِ (الكوفي) أحَدُ الثِّقاتِ، ابنُ عمِّ منصورِ بنِ المعتَمِرِ.
قالَ الناظمُ: (وقَوْلِي: السُّلَمِيُّ. مِن زيادتِي، وفائدتُه عَدَمُ الاشتباهِ؛ فإنَّ في الكوفِيِّينَ أربعةً كلُّهم حُصينُ بنُ عبدِ الرحمنِ، ليس فيهم بهذا النسَبِ إلا هذا).
(و) كذا (عارِمٌ) بعينٍ وراءٍ مهمَلَتَيْنِ - أبو النُّعمانِ (محمَّدٌ) هو ابنُ الفَضْلِ السَّدُوسِيُّ البصريُّ، أحَدُ الثِّقاتِ.
(و) كذا أبو محمَّدٍ عبدُ الوهَّابِ بنُ عبدِ المجيدِ (الثَّقَفِي) نِسْبَةً لثقيفَ، البصريُّ، أحَدُ الثقاتِ، و(كذا) عبدُ الرزاقِ (ابنُ هَمَّامٍ) أحَدُ الثقاتِ (بصَنْعَا) بالقصْرِ للوزْنِ مَدينةٍ باليمَنِ - فهو مختَلِطٌ (إذ عَمِي).
قالَ أحمدُ: (أَتيناهُ قبلَ المائتينِ وهو صحيحُ البصَرِ، ومَن سَمِعَ منه بعدَ ذَهابِ بَصَرِه فهو ضَعيفُ السماعِ).
وقالَ أيضًا: (كان يُلَقَّنُ بعدَ ما عَمِيَ فيَتَلَقَّنُ).
(و) كذا شيخُ مالِكٍ، أحَدُ الثقاتِ: ربيعةُ بنُ أبي عبدِ الرحمنِ فَرُّوخُ (الرأْيُ) وُصِفَ به لأنه كان مع مَعْرِفَتِه بالسنَّةِ قائلاً به.فهو ممن اخْتَلَطَ في آخِرِ عُمُرِه (فيما زَعَمُوا) على ما حكاه ابنُ الصلاحِ.
وقالَ الناظِمُ: (لا أَعْلَمُ أحدًا تَكلَّمَ فِيه بالاختلاطِ، وقد وَثَّقَه جماعاتٌ، إلا أنَّ ابنَ سعْدٍ لَمَّا وَثَّقَه قالَ: كانوا يَتَّقُونَه لِمَوْضِعِ الرأيِ).
(و) كذا (التَّوْأَمِي) بِفَتْحِ الفوقيَّةِ، وسكونِ الواوِ، ثم بهمزةٍ مفتوحةٍ، وهو صالحُ بنُ نَبهانَ التابعيُّ، أحَدُ الثقاتِ، ويُعْرَفُ بمولَى التَّوْأَمَةِ بنتِ أُمَيَّةَ بنِ خلَفٍ الْجُمَحِيِّ، صحابيَّةٌ، سُمِّيَتْ بذلك لأنها كانتْ هي وأُخْتٌ لها في بطْنٍ واحدٍ.
(و) كذا أبو محمَّدٍ سُفيانُ (ابنُ عُيينةَ) أحَدُ الثقاتِ (مع) عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتبةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ (المسعودي) نِسْبَةً لِجَدِّه، أحَدِ الثقاتِ.
(وآخِرًا حَكَوْهُ) أيْ: وفي وَقْتِ الْمُتَأَخِّرِينَ حكى الْمُحَدِّثُونَ الاختلاطَ آخِرَ العمُرِ (في الحفيدِ ابنِ خُزيمةَ) وهو: أبو طاهرٍ محمَّدُ بنُ الفضْلِ بنِ الحافظِ أبي بكرٍ محمَّدِ بنِ إسحاقَ بنِ خُزيمةَ.
(مع) أحَدِ الثقاتِ أبي أحمدَ محمَّدِ بنِ أحمدَ بنِ الحسينِ بنِ القاسمِ بنِ (الغِطْرِيفِ) الْجُرجانيِّ، الغِطريفيِّ، بغَينٍ مُعْجَمَةٍ مكسورةٍ - نِسْبَةً لِجَدِّ جَدِّه.
(ومع القَطيعِي) بالإسكانِ لِمَا مَرَّ - نِسْبَةً لقَطيعةَ الدقيقِ ببَغدادَ أبي بكرٍ (أحمدَ) بنِ جعفرِ بنِ حَمدانَ بنِ مالِكٍ (المعروفِ) بالثقةِ والأمانةِ.
فجَميعُ هؤلاءِ قد اخْتَلَطُوا، وتُرِكُوا على خِلافٍ في بعضِهم كما بَيَّنَه الناظمُ في شَرْحِه، وعلى ما زَعَمَه جماعةٌ في رَبيعةَ الرأيِ كما تَقَرَّرَ.

  #4  
قديم 27 ذو الحجة 1429هـ/25-12-2008م, 02:18 PM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي

مَعْرِفَةُ مَن اخْتَلَطَ مِن الثِّقَاتِ
(985) وفِي الثِّقَاتِ مَن أَخِيراً اخْتَلَطْ فما رَوَى فيه أو ابْهَمَ سَقَطْ
نحوُ عطاءٍ وهو ابنُ السائِبِ وكالْجُرَيْرِيِّ سعيدٍ وأَبِي
إسحاقَ ثم ابنِ أَبِي عَرُوبَةِ ثُمَّ الرَّقَاشِيِّ أبي قِلاَبَةِ
كذا حُصَيْنُ السُّلَمِيُّ الْكُوفِي وعارِمٌ مُحَمَّدٌ والثَّقَفِي
كذا ابنُ هَمَّامٍ بصَنْعَا إذْ عَمِي والرأيُ فيما زَعَمُوا والتَّوْأَمِي
(990) وابنُ عُيَيْنَةٍ معَ الْمَسْعُودِي وآخِراً حَكَوْهُ في الْحَفِيدِ
ابنِ خُزَيْمَةٍ معَ الْغِطْرِيفِ مع الْقَطِيعِي أحمدَ المعروفِ
(معرفةُ مَن اختَلَطَ مِن الثِّقاتِ) وكانَ الأنسبُ ذِكْرَه في مَن تُقْبَلُ رِوايتُه ومَن تُرَدُّ، كما في الذي قبلَه، وهو فَنٌّ عَزِيزٌ مُهِمٌّ، وفائدةُ ضَبْطِهم تَمِييزُ المقبولِ من غيرِه؛ ولذا لم يذكُرِ الضعفاءَ منهم كأبي مَعْشَرٍ، نَجِيحِ بنِ عبدِ الرحمنِ السنديِّ المَدَنِيِّ؛ لأنَّهم غيرُ مَقْبولِينَ بدُونِه.
(وفِي الثِّقاتِ) من الرواةِ (مَن أَخِيراً اخْتَلَطْ) أي: مَن اختَلَطَ آخرَ عُمُرِه، يعني غَالِباً، وإلا فَلَيسَ قَيْداً فيه، وكذا قولُ مالكٍ: إِنَّما يَخْرَفُ الكَذَّابونَ، وقولُ القاضي أَبِي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ لمَن تَعَجَّبَ من صِحَّةِ حَواسِّه بعدَ الزيادةِ على المائةِ: ما عَصَيْتُ اللهَ بواحدٍ منها. أو كما قالَ، محمولٌ على الغالبِ، وحَقِيقَتُه فسادُ العقلِ وعَدَمُ انتظامِ الأقوالِ والأفعالِ؛ إما بخَرَفٍ أو ضَرَرٍ أو مَرَضٍ أو عَرَضٍ من مَوْتِ ابنٍ وسَرِقَةِ مالٍ؛ كالمَسْعُودِيِّ، أو ذَهابِ كُتُبٍ كابنِ لَهِيعَةَ أو احتراقِها كابنِ المُلَقِّنِ.
(فَمَا رَوَى) المُتَّصِفُ بذلك (فيه) أي: في حالِ اختلاطِه، (أوَ ابْهَمَ) بنقلِ الهمزةِ مَبْنِيًَّا للفاعلِ، الأمرَ فيه وأشكَلَ بحيثُ لم نَعْلَمْ أروايتُه صَدَرَتْ في حالِ اتِّصافِه به أو قبلَه، (سَقَطْ) حديثُه في الصورتيْنِ، بخلافِ ما رواهُ قبلَ الاختلاطِ لثِقَتِه، هكذا أطْلَقوه، ومذهَبُ وَكيعٍ حَسْبَما نَقَلَه عنه ابنُ مَعِينٍ كما سيأتي في سعيدِ بنِ أبي عَرُوبةَ قريباً أنَّه إذا حَدَّثَ في حالِ اختلاطِه بحديثٍ واتَّفَقَ أنه كانَ حَدَّثَ به في حالِ صِحَّتِه فلم يُخالِفْه أنَّه يُقْبَلُ، فلْيُحْمَلْ إطلاقُهم عليه، ويَتمَيَّزُ ذلك بالراوي عنه، فإِنَّه تارةً يكونُ سَمِعَ منه قبلَه فقط، أو بعدَه فقط، أو فيهما معَ التمييزِ وعَدَمِه.
وما يَقَعُ في الصحيحيْنِ أو أحَدِهما من التخريجِ لمَن وُصِفَ بالاختلاطِ من طريقِ مَن لم يَسْمَعْ منه إلا بعدَه؛ فإِنَّا نَعرِفُ على الجملةِ أنَّ ذلك مما ثَبَتَ عندَ المُخرِّجِ أنه من قديمِ حديثِه، ولو لم يَكُنْ مَن سَمِعَه منه قبلَ الاختلاطِ على شَرْطِه ولو ضَعِيفاً، يُعْتَبَرُ بحديثِه فَضْلاً عن غيرِه؛ لحصولِ الأمنِ به من التَّغْيِيرِ، كما تَقدَّمَ مثلُه فيما يقَعُ عندَهما اجتماعاً وانفرداً من حديثِ المُدلِّسِ، بالعَنعَنةِ، ومن المُسْتخرَجاتِ غالباً يُستفادُ التصريحُ، ومَن سَمِعَ قديماً مِمَّن اختلَطَ.
وأفرَدَ للمُختلطِينَ كتاباً الحافظُ أبو بكرٍ الحازميُّ حَسْبَما ذكَرَه في تصنيفِه تُحْفَةِ المُسْتفيدِ، ولم يَقِفْ عليه ابنُ الصَّلاحِ؛ فإِنَّه قالَ: ولم أعْلَمْ أحداً أفْرَدَه بالتصنيفِ، واعْتَنَى به معَ كونِه حَقِيقاً بذلك جِدًّا، والعَلائِيُّ مُرَتِّباً لهم على حروفِ المعجمِ باختصارٍ، وذَيَّلَ عليه شيخُنا، وللبرهانِ الحلبيِّ الاغتباطُ بمن رُمِيَ بالاختلاطِ، وأمثلتُه كثيرةٌ.‌‌
(نَحْوُ عَطَاءٍ وهُوَ) بضمِّ الهاءِ (ابنُ السَّائِبِ) الثَّقَفِيُّ الكُوفِيُّ في أحدِ التابِعِينَ، فقد صَرَّحَ جماعةٌ من الأئمَّةِ باختلاطِه؛ كابنِ مَعِينٍ، ووصَفَه بعضُهم بالاختلاطِ الشديدِ، لكنْ قالَ ابنُ حِبَّانَ: إنَّه اخْتَلَطَ بآخرِه، ولم يُفْحِشْ حتى يَسْتَحِقَّ أنْ يُعْدَلَ به عن مَسْلَكِ العدولِ. انتهَى.
ومِمَّن سَمِعَ منه قبلَ الاختلاطِ فقط أيُّوبُ وحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ وزائدةُ وزُهَيْرُ وابنُ عُيَينَةَ والثوريُّ وشُعْبَةُ ووُهَيْبٌ، كما صرَّحَ به في الأولِ والأخيرِ الدارقطنيُّ، وفي الثاني ابنُ المَدينِيِّ ويَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ والنَّسائِيُّ والعُقَيْلِيُّ، وفي الثالِثِ والرابعِ الطَّبَرانِيُّ، وفي الخامسِ الحُمَيديُّ، وفي السادسِ والسابعِ أحمدُ وابنُ مَعِينٍ وأبو حاتمٍ والنسائيُّ والطَّبَرانيُّ، وكذا يَحْيَى القَطَّانُ، ولكنَّه استثنَى حديثيْنِ سَمِعَهما منه شُعْبةُ بآخرةٍ عن زَاذَانَ، ومنهم حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ فيما قالَه العُقَيليُّ والدارقطنيُّ وابنُ الجارودِ، وقالَ بعضُهم: بعدَه. فالظاهرُ أنَّه سَمِعَ منه في الوقتيْنِ معاً، وكذا سَمِعَ منه في الوقتيْنِ معاً أبو عَوانَةَ فيما قالَه ابنُ المَدينِيِّ وابنُ مَعِينٍ، وزادَ أنَّه لا يُحْتَجّث بحديثِ أبي عَوانَةَ عنه، ومِمَّن سَمِعَ منه بعدَه فقط إسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ وجَرِيرُ بنُ عَبْدِ الحميدِ وخالدُ بنُ عبدِ اللهِ الوَاسِطِيُّ وابنُ جُرَيجٍ وعليُّ بنُ عَاصِمٍ ومحمدُ بنُ فُضَيلِ بنِ غزوانَ وهُشَيمٌ وسائرُ مَن سَمِعَ منه من البَصْرِيِّينَ في قُدْمَتِه الثانيةِ لها دونَ الأولى، وقد خَرَّجَ البخاريُّ في تفسيرِ سورةِ الكوثرِ من صحيحِه من روايةِ هُشَيمٍ عنه حَدِيثاً واحداً، لكنَّه مَقْروناً بأبي بِشْرٍ جَعْفَرِ بنِ أبي وَحْشِيَّةَ أحدِ الأثباتِ، لم يُخَرِّجْ له في الأولِ شيئاً.
(وكالجُرَيْرِيِّ) بضمِّ الجيمِ وتشديدِ آخرِه، مُصَغَّرٌ، أبي مَسْعودٍ (سعيدٍ) وهو ابنُ إِيَاسٍ البصريُّ الثقةُ؛ فإِنَّه اختَلَطَ- كما قالَه ابنُ حِبَّانَ- قَبْلَ موتِه بثلاثِ سِنِينَ، قالَ: ورآه يحيَى القطَّانُ وهو مُختلِطٌ، ولكنْ لم يَكُنْ اختلاطُه فَاشِياً؛ ولذا قالَ ابنُ عُلَيَّةَ: لم يَخْتَلِطْ إنَّما كَبِرَ فَرَقَّ. وقالَ أبو حَاتِمٍ: تَغيَّرَ حِفْظُه قبلَ موتِه، فمَن كَتَبَ عنه قديماً فهو صَالِحٌ. وقالَ يَحْيَى القَطَّانُ فيما رواهُ ابنُ سَعْدٍ عن كَهْمَسٍ عنه: أنكَرْناه أيَّامَ الطاعونِ، وكذا قالَ النَّسائِيُّ: ثِقَةٌ أنْكَرَ أيَّامَ الطاعونِ. انتَهَى.
ومِمَّن سَمِعَ منه قبلَ تَغَيُّرِه، إسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ والحَمَّادانِ والثوريُّ وشُعبةُ وعبدُ الأعلى بنُ عبدِ الأعلى، وسَماعُه منه قبلَ تَغَيُّرِه بثمانٍ وسِتِّينَ؛ ولذلك قالَ العِجْلِيُّ: إنَّه من أصَحِّهم عنه حَدِيثاً. وعبدُ الوارثِ بنُ سَعِيدٍ وعبدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ ومَعْمَرٌ ووُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ، ويَزِيدُ بنُ زُرَيعٍ؛ لقولِ أبي عُبَيدٍ الآجُرُّيِّ عن أبي داودَ: كلُّ مَن أدْرَكَ أيُّوبَ السِّخْتِيانِيَّ فسَماعُه من الجُرَيْرِيِّ جَيِّدٌ، وكلُّ هؤلاءِ سَمِعُوا من أيُّوبَ، وبعدَ تَغَيُّرِه إسحاقُ الأزرقُ، كما سيأتي قريباً، وابنُ المُبارَكِ ومحمدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، وقالَ: لا نَكذِبُ اللهَ، سَمِعْنا منه وهو مُخْتَلِطٌ، ويَحْيَى بنُ سعِيدٍ القَطَّانُ؛ ولذا لم يُحَدِّثْ عنه شيئاً، ويَزِيدُ بنُ هَارُونَ، وقالَ- كما رواهُ ابنُ سَعْدٍ عنه-: سَمِعْتُ منه في سَنَةِ اثنتيْنِ وأربعِينَ ومائةٍ، وهي أولُ سَنَةٍ دَخَلْتُ فيها البصرةَ ولم نُنْكِرْ منه شيئاً، وكانَ قيلَ لنا: إِنَّه قد اختلَطَ، وسَمِعَ منه إسحاقُ الأزرقُ بعدَنا، وحَدِيثُه عندَ الشيخيْنِ من حديثِ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وخالدِ بنِ عبدِ الأعْلَى بنِ عبدِ الأعلى وعبِد الوارثِ عنه، وعندَ البخاريِّ فقط من حديثِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ عنه، وعندَ مُسلمٍ فقط من حديثِ ابنِ عُلَيَّةَ وبِشْرِ بنِ مَنْصورٍ وجَعْفَرِ بنِ سُلَيْمانَ الضُّبَعِيِّ وأبي أُسامةَ حَمَّادِ بنِ أُسامةَ وحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ وسالِمِ بنِ نُوحٍ والثوريِّ وسُلَيْمانَ بنِ المغيرةِ وشعبةَ وابنِ المُبارَكِ وعبدِ الواحدِ بنِ زِيادٍ والثقفيِّ وعبدِ الوهَّابِ بنِ عَطَاءٍ الخَفَّافِ ووُهَيْبٍ وابنِ زُرَيعٍ ويَزِيدَ بنِ هَارُونَ عنه، وفي هؤلاءِ جَماعةٌ مِمَّن لم نَرَ التنصيصَ على كونِ سَماعِهم منه قبلَه أو بعدَه.
(و) كـ (أبِي إسْحَاقَ) عَمْرِو بنِ عَبْدِ اللهِ السَّبِيعِيِّ الكُوفيِّ التابعيِّ أحدِ الأعلامِ الأثباتِ؛ فإِنَّه فيما قالَه الخَلِيلِيُّ: اختَلَطَ، وكذا نَقَلَه الفَسَوِيُّ عن بعضِ أهلِ العلمِ، وأشارَ إلى أنَّ سماعَ ابنِ عُيَيْنَةَ منه بعدَ اختلاطِه، ونحوُه قولُ ابنِ مَعِينٍ: إِنَّ ابنَ عُيَيْنَةَ سَمِعَ منه بعدَ ما تَغَيَّرَ، وأنكَرَ الذَّهَبِيُّ اختلاطَه، وقالَ: بل شَاخَ ونَسِيَ. يعني فإِنَّه قارَبَ المائةَ، قالَ: وسَمِعَ منه ابنُ عُيَينَةَ وقدْ تَغَيَّرَ قليلاً. وقالَ أحمدُ: ثِقَةٌ، ولكنْ هؤلاءِ حَمَلوا عنه بآخرةٍ، وقد اتَّفَقَ الشيخانِ على التخريجِ له، لا من جهةِ مُتأخِّرِي أصحابِه؛ كابنِ عُيَيْنَةَ ونحوِه، بل عن قُدمائِهِم حَفِيديْهِ؛ إسرائيلَ بنِ يُونُسَ ويُوسُفَ بنِ إسحاقَ، وزَكَرِيَّا وعُمَرَ ابنَيْ أبي زَائِدَةَ، وزُهَيْرِ بنِ مُعاوِيَةَ والثوريِّ، وهو أثبتُ الناسِ فيه، وأبي الأحْوَصِ سَلاَّمِ بنِ سُلَيْمٍ وشَرِيكٍ وشُعْبَةَ، وأخرَجَ له البخاريُّ فقط من حديثِ جَرِيرِ بنِ حازمٍ عنه، ومُسْلِمٌ فقط من حديثِ إسماعيلَ بنِ أبي خالدٍ، ورقيةَ ابنِ مَصْقَلَةَ، والأعمشِ وسُلَيمانَ بنِ مُعاذٍ وعَمَّارِ بنِ رُزَيْقٍ ومالكِ بنِ معولٍ ومِسْعَرٍ عنه، واختُلِفَ في وفاتِه، فقِيلَ: سَنَةَ سِتٍّ أو سبعٍ أو ثمانٍ أو تسعٍ وعِشرينَ ومائةٍ.
ومن التَّابِعِينَ أيضاً سعيدُ بنُ أبي سَعِيدٍ المَقْبُرِيُّ، قالَ الوَاقِدِيُّ: إنَّه اختَلَطَ قبلَ موتِه بأربعِ سِنِينَ، ونحوُه قولُ يَعْقوبَ بنِ شَيْبَةَ: إنه تَغيَّرَ وكَبِرَ واختلَطَ قبلَ موتِه يُقالُ: بأربعِ سِنِينَ. وكانَ شُعْبَةُ يقولُ: حَدَّثنا سعيدٌ بعدَما كَبِرَ، وسِمَاكُ بنُ حَرْبِ بنِ أَوْسٍ الكُوفيُّ تَغَيَّرَ قبلَ موتِه، فقالَ جَرِيرُ بنُ عبدِ الحميدِ: أَتَيْتُه، فرَأَيْتُه يَبولُ قائماً فرَجَعْتُ، ولم أسْأَلْهُ عن شيءٍ، وقُلْتُ: قَدْ خَرِفَ.
(ثُمَّ) بعدَهم جماعةٌ (كابنِ أَبِي عَرُوبَةَ) بفتحِ العينِ وضمِّ الراءِ المهملتيْنِ وبعدَ الواوِ مُوحَّدَةٌ ثم هَاءُ تأنيثٍ مَكْسورةٌ معَ اتِّزانِه، وما بعدَه بالإسكانِ أيضاً مِمَّا هو أوْلَى؛ لعدمِ ارتكابِ ضَرورةِ الصرفِ فيه، هو سعيدُ بنُ مِهْرَانَ العَدَوِيُّ البَصْرِيُّ ويُكَنَّى أبا النَّضْرِ، أحَدُ كبارِ الأئمَّةِ وثِقاتِهم، فإِنَّه مِمَّن اختلَطَ، قالَ أبو الفتحِ الأزْدِيُّ: اختلاطاً قبيحاً، وطَالَتْ مُدَّةُ اختلاطِه، واختُلِفَ في ابتدائِها، فقيلَ- كما لدُحَيمٍ وابنِ حِبَّانَ-: إِنَّه كانَ في سَنَةِ خَمْسٍ وأربعِينَ ومائةٍ. وقالَ ابنُ مَعِينٍ: بعدَ هزيمةِ إبراهيمَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حَسَنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ سنةَ اثنتيْنِ وأربَعِينَ، وهو غيرُ مُلْتئِمٍ؛ إذ هَزِيمةُ إبراهيمَ كانَتْ في سَنَةِ خَمْسٍ وأرْبَعِينَ، بل وقُتِلَ في أواخرِ ذِي القَعْدَةِ منها، وحينَئذٍ فهو أمْرٌ مُوافِقٌ للأولِ، لكنْ حَكَى الذهليُّ عن عبدِ الوَهَّابِ الخَفَّافِ أنَّ اختلاطَه كانَ في سنةِ ثَمَانٍ وأربعينَ. وقالَ يَزِيدُ بنُ زُرَيعٍ: أوَّلُ ما أنكَرْناه يومَ ماتَ سُلَيْمَانُ التَّيمِيُّ، جِئْنَا من جِنازَتِه فقالَ: مَن أينَ جِئْتُمْ؟ قُلْنا: من جنازةِ سُلَيْمانَ التَّيْمِيِّ. فقالَ: ومَن سُلَيمانُ التَّيْمِيُّ؟ وكانَتْ وَفاةُ سُلَيمانَ سنةَ ثَلاثٍ وأربعِينَ، ويَتأيَّدُ بما حَكَاهُ ابنُ عَدِيٍّ في (الكاملِ) عن ابنِ مَعِينٍ أنَّه قالَ: مَن سَمِعَ منه سنَةَ اثنتيْنِ وأربعِينَ فهو صحيحُ السماعِ، أو بعدَها فليسَ بشَيْءٍ. وقالَ ابنُ السَّكَنِ: كانَ يَزِيدُ بنُ زُرَيعٍ يقولُ: إنَّ اختلاطَه كانَ في الطاعونِ. يعني سَنَةَ اثنتيْنِ وثلاثِينَ ومائةٍ، وكانَ القَطَّانُ يُنْكِرُه ويَقولُ: إِنَّما اختلَطَ قبلَ الهزيمةِ. ويُجْمَعُ بينَهما بما قالَه البَزَّارُ: إنَّه ابتدَأَ به الاختلاطُ سنةَ ثلاثٍ وثلاثينَ، ولم يَسْتَحْكِمْ ولم يُطْبِقْ به، واستمَرَّ على ذلك إلى أن استحكَمَ به أخيراً، وعامَّةُ الرواةِ عنه سَمِعوا منه قبلَ الاستحكامِ، وإِنَّما اعتبَرَ الناسُ اختلاطَه بما قالَه القَطَّانُ.
ومِمَّن سَمِعَ منه في حَالِ الصِّحَّةِ خالدُ بنُ الحارثِ ورَوْحُ بنُ عُبَادَةَ، وسرارُ بنُ مُجَشِّرٍ، وشُعَيبُ بنُ إسحاقَ وعبدُ الأعلى الساميُّ وعبدُ اللهِ بنُ المُبارَكِ وعبدُ الوَهَّابِ الثقفيُّ وعبدُ الوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ الخَفَّافُ وعَبْدَةُ بنُ سُلَيْمانَ ويَحْيَى القَطَّانُ ويَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ ويَزِيدُ بنُ هَارُونَ، كما قالَ بهِ في الأولِ والعاشرِ والحادي عَشَرَ ابنُ عَدِيٍّ، وإنَّهم أثبتُ الناسِ فيه.
وفي الثاني أبو دَاوُدَ فيما حكاه أبو عُبَيدٍ الآجُرُّيُّ عنه بقولِه: كانَ سَماعُه منه قبلَ الهزيمةِ، وفي الثالثِ النَّسائِيُّ فيما أشارَ إليهِ في سُنَنِه الكُبْرَى، وقالَ أبو عُبَيدٍ عن أبي دَاوُدَ: إنَّ ابنَ مَهْدِيٍّ كانَ يُقَدِّمُه على يَزِيدَ بنِ زُرَيعٍ، وهو من قدماءِ أصحابِ سعيدٍ. وفي الرابعِ ابنُ حِبَّانَ فقالَ: إِنَّه سَمِعَ منه سَنَةَ أربعٍ وأربعينَ قبلَ اختلاطِه بسَنَةٍ، وكذا قالَ ابنُ عَدِيٍّ: إِنَّه هو والسابِعُ والتاسِعُ أرْوَاهم عنه بعدَ عبدِ الأعْلَى، وفي الخامسِ ابنُ عَدِيٍّ، وقالَ: إِنَّه أرْوَاهم عنه، وابنُ المَوَّاقِ، ورَدَّ قولَ أبي الحَسَنِ بنِ القَطَّانِ: إنَّه مُشْتَبِهٌ لا يَدْرِي قبلَ الاختلاطِ أو بعدَه. فأجادَ في الرَدِّ، وفي السادِسِ، وكذا في الحادي عَشَرَ أيضاً ابنُ حِبَّانَ، وفي الثامنِ ابنُ سَعْدٍ، فقالَ: سَمِعْتُه يقولُ: جَالَسْتُ سعيداً سنَةَ سِتٍّ وثَلاثِينَ وفي التاسعِ ابنُ مَعِينٍ، وقالَ: إِنَّه أثْبَتُ الناسِ فيهِ. وكذا قالَ في الأخيرِ: إِنَّه صَحِيحُ السماعِ منه سَمِعَ منه بوَاسِطَ وهو يُرِيدُ الكُوفَةَ، وقولُ التاسعِ عن نَفْسِه: إِنَّه سَمِعَ منه في الاختلاطِ. يَحتمِلُ أنَّه يُرِيدُ به بيانَ اختلاطِه وأنَّه لم يُحَدِّثْ بما سَمِعَه منه فيه.
ومِمَّن سَمِعَ منه في الاختلاطِ رَوْعُ بنُ عُبادَةَ فيما قالَه شَيْخُنا في المُقَدِّمَةِ وقدْ قَدَّمْتُ خلافَه، وابنُ مَهْدِيٍّ؛ فإِنَّ أبا دَاوُدَ فيما نقَلَه الآجُرُّيُّ عنه قالَ: إِنَّ سَماعَه منه بعدَ الهزيمةِ، وأبو نُعَيْمٍ الفضلُ بنُ دُكَيْنٍ، فإِنَّه قالَ: كَتَبْتُ عنه بعدَما اختَلَطَ حديثيْنِ، ومحمدُ بنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، ومحمدُ بنُ أَبِي عَدِيٍّ، والمُعافَى بنُ عِمْرانَ المَوْصِلِيُّ، ووَكِيعٌ؛ لقولِ ابنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيِّ الحافِظِ: لَيْسَتْ رِوايَتُهما عنه بشيءٍ، إِنَّما سَماعُهما بعدَ ما اختَلَطَ، وقد قالَ ابنُ مَعِينٍ لثانيهما: تُحَدِّثُ عن سعيدٍ، وإِنَّما سَمِعْتَ منه في الاختلاطِ؟‍! فقالَ: هل رَأَيْتَنِي حَدَّثْتُ عنه إلاَّ بحديثٍ مُسْتَوٍ.
حَكَى ذلك ابنُ الصلاحِ، وعن وَكِيعٍ أنَّه قالَ: كُنَّا ندخُلُ عليه بعدَ الهزيمةِ فنَسْمَعُ، فما كانَ من صحيحِ حديثِه أخَذْناه، وما لا طَرَحْناهُ، وخَرَّجَ له الشيخانِ من روايةِ خالدٍ ورَوْحٍ وعبدِ الأعْلَى وابنِ زُرَيْعٍ المذكورِينَ وعبدِ الرحمنِ بنِ عُثْمانَ البكراويِّ ومحمدِ بنِ سوءا= السَّدُوسِيِّ ومحمدِ بنِ أَبِي عَدِيٍّ ويَحْيَى بنِ سَعيدٍ القَطَّانِ عنه، والبخاريُّ فقط من حديثِ بِشْرِ بنِ المُفَضَّلِ، وسَهْلِ بنِ يُوسُفَ وابنِ المُبارَكِ وعبدِ الوارثِ بنِ سَعِيدٍ وكَهْمَسِ بنِ المِنْهالِ ومحمدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ عنه، ومسلمٌ فقط من حديثِ ابنِ عُلَيَّةَ وأبي أُسامَةَ وسَالِمِ بنِ نُوحٍ وسَعِيدِ بنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيِّ وأَبِي خَالِدٍ سُلَيمانَ بنِ حَيَّانَ الأحمرِ وعبدِ الوَهَّابِ الخَفَّافِ وعَبْدَةَ وعَلِيِّ بنِ مُسْهِرٍ وعِيسَى بنِ يُونُسَ ومحمدِ بنِ بِشْرٍ العَبْدِيِّ ومحمدِ بنِ بكرِ البُرْسانِيِّ وغُنْدَرٍ، واختُلِفَ في موتِه فقِيلَ: سَنَةَ خَمْسِينَ أو خَمْسٍ أو سِتٍّ أو سَبْعٍ وخَمْسِينَ ومائةٍ.@@@@
(ثُمَّ) بعدَه جماعةٌ؛ كـ (الرَّقَاشِيِّ) بفتحِ الراءِ المُهملةِ وتخفيفِ القافِ المفتوحةِ ثم شِينٍ معجمةٍ وتشديدِ ياءِ النسبةِ، نِسْبَةً إلى امرأةٍ اسْمُها رَقَاشُ ابنةُ قَيْسٍ، (أَبِي قِلابَةِ) بكسرِ القافِ وتخفيفِ اللامِ ثم مُوحَّدَةٍ ثم هاءِ تَأنيثٍ، ويُكَنَّى أيضاً أبا مُحَمَّدٍ لَكِنَّها أغْلَبُ، واسمُه عبدُ الملكِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ الملكِ بنِ مُسلمٍ البَصْرِيِّ الحافظُ، رَوَى عنه من أصحابِ الكتبِ السِّتَّةِ ابنُ مَاجَهْ، ومن غيرِهم خَلْقٌ، منهم ابنُ جَريرٍ وابنُ خُزَيمةَ، وهو الذي وَصَفَه بالاختلاطِ، فقالَ: ثَنَا أبو قِلابَةَ بالبَصْرَةِ قبلَ أنْ يَخْتَلِطَ ويَخرُجَ إلى بغدادَ. انتَهَى.
ومِمَّن سَمِعَ منه أَخِيراً ببغدادَ أبو عَمْرٍو عُثْمانُ بنُ أحمدَ السَّمَّاكُ وأبو بكرٍ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الشافعيُّ وغيرُهما، فعلَى قولِ ابنِ خُزَيمةَ سَمَاعُهم منه بعدَ الاختلاطِ وكانَتْ وَفاتُه في شَوَّالٍ سنَةَ سِتٍّ وسَبْعِينَ ومائتيْنِ.
و (كَذَا) مِمَّن كانَ قبلَ الاثنيْنِ المَذْكورَيْنِ قبلَه من المُخْتَلطِينَ (حُصَيْنُ) بمُهملتيْنِ مُصَغَّراً، ابنُ عبدِ الرحمنِ أبو الهُذَيْلِ (السُّلَمِيُّ) بضمِّ المهملةِ وتشديدِ آخرِه الكوفيُّ وابنُ عَمِّ منصورِ بنِ المُعْتَمِرِ، وبنسبتِه سُلَمِيًّا يَتميَّزُ عن جماعةٍ اسمُ كلٍّ منهم حُصَيْنُ بنُ عبدِ الرحمنِ الكوفيُّ، معَ أنَّ ابنَ الصلاحِ لم يَذْكُرْها، وهو أحَدُ الثقاتِ الأثباتِ المُتَّفَقِ على الاحتجاجِ بهم، فقدْ قالَ أبو حاتِمٍ: إِنَّه ساءَ حِفْظُه في الآخرِ. ونحوُه قولُ النَّسائِيِّ: إِنَّه تَغَيَّرَ. وقالَ الحَسَنُ الحُلْوانيُّ، عن يَزِيدَ بنِ هارونَ: إِنَّه اخْتَلَطَ. ولذا جزَمَ ابنُ الصلاحِ بأنَّه اختَلَطَ وتَغَيَّرَ، وقالَ: ذكَرَه النَّسائِيُّ وغَيْرُه، ولكنْ قَدْ أنْكَرَ ابنُ المَدِينِيِّ اختلاطَه. وكذا قالَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: إِنَّه لم يَختلِطْ، وهو مِمَّن خَرَّجَ له الشيخانِ من روايةِ خالدِ بنِ عبدِ اللهِ الواسطيِّ والثوريِّ وشُعبَةَ وأبي زُبَيدٍ عشرِ بنِ القاسِمِ ومُحمدِ بنِ فُضَيلٍ وهُشَيْمٍ وأَبِي عَوَانَةَ الوَضَّاحِ عنه، والبُخاريِّ فقط من روايةِ حُصَيْنِ بنِ نُمَيْرٍ وزَائِدَةَ بنِ قُدَامةَ وسُلَيمانَ بنِ كَثِيرٍ العَبْدِيِّ وعبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الصمدِ العَمِّيِّ وعبدِ العزيزِ بنِ مُسلمٍ وأبي كُدَيْنَةَ يَحْيَى بنِ المُهَلَّبِ وأبي بَكْرِ بنِ عَيَّاشٍ عنه، ومُسلمٌ فقط من روايةِ جَريرِ بنِ حَازِمٍ وزِيادِ بنِ عبدِ اللهِ البَكَّائِيِّ وأبي الأحوصِ سَلاَّمِ بنِ سُلَيْمٍ وعَبَّادِ بنِ العَوَّامِ وعبدِ اللهِ بنِ إدْرِيسَ عنه، وفي هؤلاء مَن سَمِعَ منه قبلَ الاختلاطِ كالواسطيِّ وزائدةَ والثوريِّ وشعبةَ، ومن سَمِعَ منه بعدَه كحُصَيْنٍ، وكانتْ وَفاتُه في سَنَةِ سِتٍّ وثَلاثِينَ ومِائةٍ عن ثلاثٍ وتِسْعِينَ سَنَةً.
(و) كذا مِن المُخْتَلِطِينَ (عَارِمٌ) بمُهملتيْنِ، ثانيهما مَكْسورةٌ، بينَهما ألفٌ وآخرَه مِيمٌ، لَقَبٌ لأحدِ الثقاتِ الأثباتِ، واسمُه (مُحمَّدٌ) هو ابنُ الفضلِ، ويُكَنَّى أبا النُّعْمانِ السَّدُوسيَّ البَصْرِيَّ، فقد قالَ البخاريُّ: إنَّه تَغَيَّرَ في آخرِ عُمُرِه. ونحوُه قولُ أبي داودَ: إِنَّه قد زالَ عَقْلُه. وقالَ النَّسائِيُّ: كانَ أحدَ الثقاتِ قبلَ أنْ يَخْتَلِطَ. وقالَ أبو حَاتِمٍ: اختَلَطَ في آخرِ عُمُرِه وزَالَ عَقْلُه، فمَن سَمِعَ منه قبلَ الاختلاطِ فسَماعُه صَحِيحٌ وقدْ كَتَبْتُ عنه قبلَه سنةَ أربعَ عَشْرَةَ، ولم أسْمَعْ منه بعدَه، ومَن سَمِعَ منه قبلَ سنةِ عشرينَ فسماعُه جَيِّدٌ، وأبو زُرْعةَ لَقِيَه سَنَةَ اثنتيْنِ وعِشرينَ. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: إنَّه اختَلَطَ في آخرِ عُمُرِه وتَغَيَّرَ حتى كانَ لا يَدْرِي ما يُحَدِّثُ به، فوَقَعَ في حديثِ المناكيرِ الكثيرةِ، فيَجِبُ التنكُّبُ عن حَديثِه فيما رَواهُ المُتأخِّرونَ، فإذا لم يُعْلَمْ هذا من هذا، تُرِكَ الكُلُّ، وأنكَرَ الذَّهَبِيُّ قولَه، ووصَفَه بالتخسيفِ والتهويرِ، وقالَ: إِنَّه لم يَقْدِرْ أنْ يَسوقَ له حَدِيثاً مُنْكَراً، والقولُ ما قالَ الدارقُطْنِيُّ: إِنَّه تَغَيَّرَ بآخرةٍ، وما ظهَرَ له بعدَ اختلاطِه حديثٌ مُنْكَرٌ، وهو ثِقَةٌ، ثم إِنَّ قولَ أبي حَاتِمٍ الماضِيَ يُخالِفُه قولُ الحُسَيْنِ بنِ عبدِ اللهِ الذارعِ، عن أبي داودَ: بَلَغَنا أنَّه أنْكَرَ سَنَةَ ثلاثَ عَشْرَةَ ثم رَاجَعَه عقلُه واستحكَمَ به الاختلاطُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ، ونحوُه قولُ العُقَيْلِيِّ: إنَّ سماعَ عليٍّ البَغَوِيِّ منه سنةَ سبعَ عَشْرَةَ يعني بعدَ اختلاطِه.
ومِمَّن سَمِعَ منه قبلَ الاختلاطِ أحمدُ بنُ حَنْبلٍ وعبدُ اللهِ بنُ محمدٍ المُسْنَدِيُّ وأبو عليٍّ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ خالدٍ الزُّرَيقِيُّ؛ فإنه قالَ: حَدَّثنا قبلَ أنْ يَختلِطَ. وأبو حاتمٍ محمدُ بنُ إدريسَ الرازيُّ كما تَقدَّمَ، والبخاريُّ؛ فإنَّه إنما سَمِعَ منه في سَنَةِ ثلاثَ عَشْرَةَ قبلَ اختلاطِه بمُدَّةٍ؛ ولذا اعتمَدَه في عِدَّةِ أحاديثَ، بل رَوَى له أيضاً بواسطةِ المُسنَدِيِّ فقط، ومحمدُ بنُ يَحْيَى الذهليُّ؛ فإِنَّه قالَ: ثَنا عَارِمٌ، وكانَ بعيداً من العَرَامةِ صحيحَ الكتابِ وكانَ ثِقَةً. ومحمدُ بنُ يُونُسَ الكُدَيْمِيُّ كما قالَه الخطيبُ، وقد قالَ ابنُ الصلاحِ: ما رواهُ عنه البخاريُّ والذهليُّ وغيرُهما من الحُفَّاظِ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ مَأْخُوذاً عنه قبلَ اختلاطِه.
ومِمَّن سَمِعَ منه بعدَه أبو زُرْعَةَ الرازيُّ وعَلِيُّ بنُ عَبْدِ العزيزِ البَغْوِيُّ كما تَقدَّمَ عنهما، وحديثُه عندَ مُسْلِمٍ أيضاً بواسطةِ أحمدَ بنِ سعيدٍ الدارميِّ وحَجَّاجٍ الشاعرِ وأبي دَاوُدَ سُلَيْمَانَ بنِ مَعْبَدٍ السِّنْجِيِّ وعبدِ بنِ حُمَيدٍ وهَارُونَ بنِ عبدِ اللهِ الحمَّالِ، وكانتْ وفاتُه في سنةِ ثلاثٍ أو في صَفَرَ سنةَ أربعٍ وعشرينَ ومائتيْنِ، والثاني أكْثَرُ.
(و) كذا مِن المُخْتلطِينَ عبدُ الوَهَّابِ بنُ عبدِ المجيدِ أبو مُحمَّدٍ (الثَّقَفِي) بفتحِ المُثلَّثةِ والقافِ ثم فاءٍ، نسبةً إلى ثَقِيفٍ، البصريُّ أحدُ الثقاتِ؛ لقولِ عَبَّاسٍ الدُّورِيِّ عن ابنِ مَعِينٍ: إِنَّه اختلَطَ بآخرةٍ. وكذا وصَفَه بالاختلاطِ عُقْبةُ بنُ مكرمٍ، وأنَّه كانَ قبلَ موتِه بثلاثِ سِنينَ أو أربعٍ، لكنْ قالَ الذَّهَبِيُّ في (الميزانِ): إِنَّه ما ضَرَّ تَغَيُّرُه حديثَه؛ فإِنَّه ما حَدَّثَ في زمنِه بحديثٍ، واستدَلَّ لذلك بقولِ أبي دَاوُدَ: تَغَيَّرَ جريرُ بنُ حَازِمٍ وعبدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ فحُجِبَ الناسُ عنهما. وكذا قالَه العُقَيليُّ، ويَخْدِشُ فيه قولُ الفَلاَّسِ: إِنَّه اختلَطَ حتى كانَ لا يَعْقِلُ، وسَمِعْتُه وهو مُخْتلِطٌ يَقولُ: ثنا محمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ ثَوْبانَ باختلاطٍ شَدِيدٍ، ولعلَّ هذا كانَ قبلَ حَجْبِه، وقد اتَّفَقَ الشيخانِ عليه من جهةِ محمدِ بنِ بَشَّارٍ بُنْدَارٍ ومحمدِ بنِ المُثَنَّى عنه، والبخاريُّ فقط من جِهَة ِأزْهَرَ بنِ جميلٍ وعمرِو بنِ عَلِيٍّ الفلاسِ وقُتَيبةَ ومحمدِ بنِ سَلاَّمٍ ومحمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ حَوْشَبٍ عنه، ومُسْلِمٌ فقط من جِهَةِ إبراهيمَ بنِ محمدِ بنِ عَرْعَرَةَ وإسحاقَ بنِ رَاهُويَهْ وسُوَيْدِ بنِ سَعِيدٍ وأبي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبةَ وعُبَيدِ اللهِ بنِ عُمَرَ القَوَارِيرِيِّ وأبي غَسَّانَ مَالِكِ بنِ عبدِ الواحدِ المِسْمَعِيِّ ومحمدِ بنِ عبدِ اللهِ الرازيِّ ومحمدِ بنِ يَحْيَى بنِ أبي عُمَرَ العَدَنِيِّ ويَحْيَى بنِ حَبِيبِ بنِ عَرَبِيٍّ عنه.
و (كَذَا) من المُخْتلطِينَ (ابنُ هَمَّامٍ) بفتحِ أوَّلِه ثم تشديدٍ؛ كحَمَّادِ بنِ نَافِعٍ، هو عَبْدُ الرزَّاقِ أبو بَكْرٍ الحِمْيَرِيُّ أحدُ الحُفَّاظِ الأثباتِ، (بصَنْعَا) بفتحِ المُهْملةِ ثم نونٍ سَاكنةٍ مقصوراً للضرورةِ، مدينةٌ باليَمَنِ شَهِيرَةٌ، (إذْ عَمِي) لقولِ أحمدَ فيما رواهُ أبو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عنه: أتَيْناهُ قبلَ المائتيْنِ وهو صحيحُ البصرِ، ومَن سَمِعَ منه بعدَ ذَهابِ بصرِه فهو ضعيفُ السماعِ. وقالَ الأثْرَمُ عن أحمدَ أيضاً: مَن سَمِعَ منه بعدَما عَمِيَ فليسَ بشيءٍ، وما كانَ في كُتُبِه فهو صَحِيحٌ، وما ليسَ في كُتُبِه فإِنَّه كانَ يُلَقَّنُ فيَتَلَقَّنُ، وحَكَى حَنْبلٌ عن أحمدَ نحوَه، وكذا قالَ النَّسائيُّ: فيه نَظَرٌ لمَن كتَبَ عنه بآخرةٍ، كَتَبُوا عنه أحاديثَ مَناكِيرَ.
ومِمَّن سَمِعَ منه قبلَ ذلك أحمدُ وإسحاقُ بنُ رَاهُويَهْ وعليُّ بنُ المَدِينِيِّ ووَكِيعٌ وابنُ مَعِينٍ، والضابِطُ لمَن سَمِعَ منه قبلَ الاختلاطِ أنْ يَكُونَ سَماعُه قبلَ المائتيْنِ، كما تَقدَّمَ، ومِمَّن سَمِعَ منه بعدَ ذلك إبراهيمُ بنُ مَنْصورٍ الرَّمادِيُّ وأحمدُ بنُ محمدِ بنِ شَبُّويَهْ، وإسحاقُ بنُ إبراهيمَ الدبريُّ، ومحمدُ بنُ حَمَّادٍ الطَّهْرَانِيُّ، قالَ إبراهيمُ الحَربِيُّ: ماتَ عبدُ الرزَّاقِ، وللدَّبَرِيِّ سِتُّ أو سَبْعُ سِنِينَ. وكذا قالَ الذَّهَبِيُّ: اعْتَنَى به أبوه فأسْمَعَه من عبدِ الرزَّاقِ تَصانيفَه، وله سَبْعُ سِنِينَ، ونحوُه قولُ ابنِ عَدِيٍّ: إنَّه اسْتَصْغَرَ فيه، وقالَ ابنُ الصلاحِ: وقد وَجَدْتُ فيما رُوِيَ عن الدبريِّ عن عبدِ الرزَّاقِ أحاديثَ اسْتَنْكَرْتُها جِدًّا فأحَلْتُ أمرَها على الدَّبَريِّ؛ لأنَّ سَماعَه منه مُتأخِّرٍ جِدًّا، ومعَ ذلك فقد احتَجَّ به أبو عَوانَةَ في صحيحِه، وكذا كانَ العُقَيْلِيُّ يُصَحِّحُ رِوايتَه، وأدْخَلَه في الصحيحِ الذي ألَّفَه، وأكثَرَ عنه الطَّبَرانِيُّ، وقالَ الحاكِمُ: قُلْتُ للدارَقُطنِيِّ: أيدخُلُ في الصحيحِ؟ قالَ: إِي واللهِ. وكأنَّهم لم يُبالُوا بتَغَيُّرِ عبدِ الرزَّاقِ؛ لكونِه إِنَّما حَدَّثَه من كُتُبِه، لا مِن حَفْظِه، قالَه المُصنِّفُ، ونحوُه قولُ ابنِ كَثِيرٍ كما قَدَّمْتُه في (أدبِ المُحَدِّثِ): مَن يَكُونُ اعتمادُه في حديثِه على حَفْظِه وضَبْطِه، يَنْبَغِي الاحترازُ من اختلاطِه إذا طَعَنَ في السنِّ أو لا، بل الاعتمادُ على كتابِه أو الضابطِ له فلا.
وقالَ شيخُنا: المناكيرُ الواقعةُ في حديثِ الدَّبَرِيِّ إنَّما سببُها أنَّه سَمِعَ من عبدِ الرزَّاقِ بعدَ اختلاطِه، فما يُوجَدُ من حديثِ الدَّبَرِيِّ عن عبدِ الرزَّاقِ في مُصنَّفاتِ عبدِ الرزَّاقِ فلا يَلْحَقُ الدَّبَرِيَّ منه تَبِعَةٌ إِلاَّ إنْ صَحَّفَ وحَرَّفَ، وقد جَمَعَ القاضي محمدُ بنُ أحمدَ بنِ مُفَرِّجٍ القُرْطبيُّ الحروفَ التي أخْطَأَ فيها الدَّبَرِيُّ وصحَّفَها في مُصنَّفِ عبدِ الرزَّاقِ، إِنَّما الكلامُ في الأحاديثِ التي عندَ الدَّبَريِّ في غيرِ التصانيفِ، فهي التي فيها المناكيرُ؛ وذلكَ لأجلِ سَماعِه منه في حالِ اختلاطِه، ثم إنَّ حَدِيثَ عبدَ الرزَّاقِ عندَ الشيخيْنِ من جهةِ إسحاقَ بنِ رَاهُويَهْ وإسحاقَ بنِ مَنْصورٍ الكَوْسَجِ ومحمودِ بنِ غَيْلانَ عنه، وعندَ البخاريِّ فقط من جهةِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ بنِ نَصْرٍ السَّعْديِّ وعبدِ اللهِ بنِ مُحمدِ المُسنَدِيِّ والذهليِّ ويَحْيَى بنِ جعفرٍ البِيكَنْدِيِّ ويَحْيَى بنِ موسى البَلْخيِّ خت= عنه، وعندَ مسلمٍ فقط من جهةِ أحمدَ بنِ حَنْبلٍ وأحمدَ بنِ يُوسُفَ السُّلَمِيِّ وحَجَّاجِ بنِ يُوسُفَ الشاعرِ والحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الخَلاَّلِ وسَلَمَةَ بنِ شَبيبٍ وعبدِ بنِ حُمَيدٍ وعمرٍو الناقدِ ومحمدِ بنِ رَافِعٍ ومحمدِ بنِ مِهْرانَ ومحمدِ بنِ يَحْيَى بنِ أبي عُمَرَ العَدَنِيِّ، وكانتْ وَفاتُه في شَوَّالٍ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ ومائتيْنِ.
(و) كَذَا عُدَّ فيهم شيخُ مالكٍ وأحَدُ الأئمَّةِ الأثباتِ رَبِيعَةُ بنِ أَبِي عبدِ الرحمنِ فَرُّوخٌ المَدَنِيُّ، (الرَّأْيُ) بتشديدِ الراءِ ثم هَمْزَةٍ؛ لأنَّه كانَ معَ مَعْرِفَتِه بالسُّنَّةِ قائلاً به، (فِيمَا زَعَمُوا) حَسْبَما حَكاهُ ابنُ الصلاحِ، فقالَ: قِيلَ: إِنَّه تَغَيَّرَ في آخرِ عُمُرِه، وتُرِكَ الاعتمادُ عليه لذلك، ولم أقِفْ عليه لغَيْرِه، وقالَ الناظِمُ: لا أعلَمُ أحداً تَكلَّمَ فيه بالاختلاطِ. انتَهَى.
وإِنَّما قالَ الواقديُّ: كانوا يَتَّقونَه لموضعِ الرَّأْيِ، على أنَّ عبدَ العزيزِ بنَ أَبِي سَلَمَةَ قالَ: قلتُ لربيعةَ في مَرضِه الذي ماتَ فيه: إِنَّا قد تَعَلَّمْنا منكَ، ورُبَّما جاءَنا مَن يَسْتَفْتِينَا في الشيءِ لم نَسْمَعْ فيه شيئاً؛ فنَرَى أنَّ رَأْيَنا خيرٌ له مِن رَأْيِه لنفسِه فنُفْتِيهِ. قالَ: فقالَ: أقْعِدونِي. ثم قالَ: وَيْحَكَ يا عبدَ العزيزِ، لَأَنْ تَمُوتَ جاهلاً خَيْرٌ من أنْ تَقولَ في شيءٍ بغيرِ علمٍ، لالا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وكانَتْ وفاتُه في سَنَةِ اثنتيْنِ أو سِتٍّ وثَلاثِينَ أو اثنتَيْنِ وأرْبَعِينَ ومائةٍ بالمدينةِ.
(و) كذا (التَّوْأَمِي) بفتحِ المُثنَّاةِ الفوقانيَّةِ ثم واوٍ سَاكِنَةٍ وهمزةٍ تَلِيها مِيمٌ، وهو صالِحُ بنُ أبي صالِحٍ نَبْهَانُ المَدَنِيُّ مَوْلَى أمِّ سَلَمَةَ، تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ، ونُسِبَ كذلك؛ لأنَّه يُعْرَفُ بمَوْلَى التَّوْأمةِ، وهي ابنةُ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ الجُمَحيِّ، صَحابِيَّةٌ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّها كانتْ هي وأُخْتٌ لها في بَطْنٍ وَاحِدٍ، فسُمِّيَتْ تلك باسْمٍ، وهذه بالتَّوْأَمَةِ؛ فإِنَّه اختلَطَ فيما قالَه أحمدُ، ونحوُه قولُ ابنِ مَعِينٍ: خَرِفَ قبلَ أنْ يَمُوتَ. وكذا قالَ ابنُ المَدِينِيِّ: خَرِفَ وكَبِرَ. وقالَ ابنُ حِبَّانَ: تَغَيَّرَ في سَنَةِ خَمْسٍ وعشرينَ ومائةٍ، وجَعَلَ يأتي بما يُشْبِهُ الموضوعاتِ عن الثقاتِ، فاختلَطَ حديثُه الأخيرُ بحديثِه القديمِ، ولم يَتمَيَّزْ فاسْتَحَقَّ التَّرْكَ، واقْتَصَرَ ابنُ الصلاحِ على حكايةِ كلامِه، معَ أنه ليسَ الأمرُ كذلك، فقد مَيَّزَ الأئمَّةُ بعضَ مَن سَمِعَ منه قديماً مِمَّن سَمِعَ منه بعدَ التغَيُّرِ، فمَن سَمِعَ منه قديماً زيادُ بنُ سعدٍ وابنُ جُرَيجٍ ومحمدُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ذِئْبٍ حَسْبَما قالَه ابنُ عَدِيٍّ فيهم، وابنُ مَعِينٍ وابنُ المَدِينِيِّ والجُوزجانيُّ في الأخيرِ فقط، ولكنْ قالَ التِّرْمِذِيُّ فيما حكاهُ ابنُ القَطَّانِ عنه عن البخاريِّ عن أحمدَ بنِ حَنْبِلٍ: إِنَّ ابنَ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَ منه أخِيراً، ورَوَى عنه مُنْكَراً، فاللهُ أعلَمُ. ومِمَّن سَمِعَ منه بعدَ الاختلاطِ السُّفْيانانِ ومَالِكٌ، فقَالَ ابنُ عُيَينةَ: سَمِعْتُ منه ولُعابُه يَسِيلُ. يعني مِن الكِبَرِ، وما عَلِمْتُ أحَداً من أصحابِنَا يُحَدِّثُ عنه، لا مَالِكٌ ولا غَيْرُه، وقالَ الحُمَيديُّ، عن ابنِ عُيَيْنَةَ أيضاً: لَقِيتُه سنةَ خَمْسٍ أو سِتٍّ وعِشْرِينَ ومائةٍ أو نحوِها وقدْ تَغَيَّرَ ولَقِيَه الثوريُّ بعدِي. وقالَ أحمدُ: كانَ مَالِكٌ أدْرَكَه وقد اختَلَطَ، فمَن سَمِعَ منه قديماً فذاكَ. ومِمَّن نَصَّ على أنَّ مالكاً والثوريَّ إِنَّما سَمِعَا منه بعدَ أنْ كَبِرَ وخَرِفَ، ابنُ مَعِينٍ، وكذا في الثوريِّ خَاصَّةً الجُوزجانِيَّ.
(و) كذا (ابنُ عُيَيْنَةٍ) بتَحْتانِيَّتَيْنِ معَ التصغيرِ وبالصرفِ للضرورةِ، هو سُفْيانُ أبو محمدٍ الهلاليُّ الكُوفِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ، وأحدُ الأئمَّةِ الأثباتِ، فقد قالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ القَطَّانُ فيما حَكَاهُ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ المَوْصِلِيُّ عنه: أشْهِدُوا أنَّه اختلَطَ سنةَ سبعٍ وتِسْعينَ، فمَن سَمِعَ منه، فيها وبعدَها فسماعُه لا شيءَ. قالَ الذَّهَبِيُّ: وأنا أسْتبعِدُه وأعُدُّه غَلَطاً من ابنِ عَمَّارٍ، فالقَطَّانُ ماتَ في الكوفةِ أوَّلَ سَنَةِ ثَمَانٍ وتِسعينَ عندَ رُجوعِ الحاجِّ وتَحدُّثِهم بأخبارِ الحجازِ، فمَتَى تَمَكَّنَ من سماعِه باختلاطِ سُفْيانَ حتى تَهَيَّأَ له أنْ يَشْهَدَ عليه بذلك والموتُ قد نزَلَ به، ثم قالَ: فلَعلَّه ذلك في أثناءِ سنةِ سَبْعٍ.
قالَ شيخُنا: وهذا الذي لا يَتَّجِهُ غيرُه؛ لأنَّ ابنَ عَمَّارٍ من الأثباتِ المُتْقنِينَ، ثم ما المانِعُ أنْ يَكُونَ القَطَّانُ سَمِعَه من جماعةٍ مِمَّن حَجَّ في تلك السنةِ واعتمَدَ قَوْلَهم، وكانوا كثيراً، فشَهِدَ على استفاضتِهم وأخبَرَ به قبلَ موتِه ولو بيومٍ؛ فضلاً عن أكثرَ منه، وقد وَجَدْتُ عن القَطَّانِ ما يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ سَبَباً لِمَا نَقَلَه عنه ابنُ عَمَّارٍ، وهو ما أوْرَدَه أبو سَعْدِ بنُ السَّمعانيِّ في ترجمةِ إسماعيلَ بنِ أبي صَالِحٍ المُؤذِّنِ من ذيلِ تاريخِ بغدادَ له بسَنَدِه إلى عبدِ الرحمنِ بنِ بِشْرِ بنِ الحَكَمِ قالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيدٍ يَقولُ: قُلْتُ لابنِ عُيَينةَ: كُنْتَ تَكْتُبُ الحديثَ وتُحَدِّثُ القومَ وتَزِيدُ في إسنادِه أو تَنْقُصُ منه؟ فقالَ: عليكَ بالسماعِ الأولِ؛ فإِنِّي سَئِمْتُ. بل قالَ ذلك غيرُ القَطَّانِ، فذكَرَ أبو مَعِينٍ الرازيُّ في زيادةِ كتابِ الإيمانِ لأحمدَ، أنَّ هارونَ بنَ مَعْروفٍ قالَ له: إِنَّ ابنَ عُيَيْنَةَ تَغَيَّرَ أمرُه بآخرةٍ، وأنَّ سُلَيْمانَ بنَ حَرْبٍ قالَ له: إِنَّ ابنَ عُيَيْنَةَ أخْطَأَ في عَامَّةِ حَدِيثِه عن أَيُّوبَ.
وقد اتَّفَقَ الشيخانِ على التخريجِ له مِن جِهَةِ إسحاقَ بنِ رَاهُويَهْ وبشرِ بنِ الحَكَمِ النَّيْسابوريِّ ووَلَدِه عبدِ الرحمنِ بنِ بِشْرٍ وقُتَيبةَ ومحمدِ بنِ عَبَّادٍ المَكِّيِّ وأبي موسَى محمدِ بنِ المُثَنَّى عنه، والبخاريُّ فقط مِن جِهَةِ حَجَّاجِ بنِ مِنْهالٍ وصَدَقَةَ بنِ الفضلِ المَرْوزِيِّ والحُمَيديِّ وعبدِ اللهِ بنِ مُحمدٍ المُسْنَدِيِّ وعبدِ اللهِ بنِ مُحمدٍ النُّفَيليِّ وعُبَيدِ اللهِ بنِ مُوسَى وعَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ وأبي نُعَيْمٍ الفضلِ بنِ دُكَيْنٍ ومالكِ بنِ إسماعيلَ النَّهْدِيِّ ومحمدِ بنِ سَلاَّمٍ، ومحمدِ بنِ يُوسُفَ ويَحْيَى بنِ جَعْفَرٍ البِيكَنْدِيَّيْنِ، وأبي الوليدِ الطَّيَالِسِيِّ عنه، ومسلمٌ فقط من جِهةِ إبراهيمَ بنِ دِينارٍ التَّمَّارِ وأحمدَ بنِ حَنْبلٍ وأبي مَعْمَرٍ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الهذليِّ وأبي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ حَرْبٍ وسعيدِ بنِ عَمْرٍو الأشعثيِّ وسعيدِ بنِ منصورٍ وسُوَيْدِ بنِ سَعيدٍ وعبدِ اللهِ بنِ محمدٍ الزُّهْرِيِّ وعبدِ الأعْلَى بنِ حَمَّادٍ النُّرْسِيِّ وعبدِ الجَبَّارِ بنِ العَلاءِ وأبي قُدامَةَ عُبَيدِ اللهِ بنِ سَعِيدٍ السَّرَخْسِيِّ وعُبَيدِ اللهِ بنِ عُمَرَ القواريريِّ وعَلِيِّ بنِ حجرٍ وعليِّ بنِ خَشْرَمٍ وعَمْرِو بنِ محمدٍ الناقدِ ومحمدِ بنِ حَاتِمِ بنِ مَيْمُونٍ ومحمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ وأبي كُرَيْبٍ محمدِ بنِ العلاءِ ومحمدِ بنِ يَحْيَى بنِ أبي عُمَرَ العَدَنِيِّ ومَخْلَدِ بنِ خَالِدٍ الشعيريِّ ونَصْرِ بنِ عَلِيٍّ الجَهْضنيِّ وهَارُونَ بنِ مَعْروفٍ ويَحْيَى بنِ يَحْيَى النَّيْسابوريِّ عنه.
قالَ الذَّهَبِيُّ: ويَغْلِبُ على ظَنِّي أنَّ سائرَ شيوخِ الأئمَّةِ السِّتَّةِ سَمِعوا منه قبلَ سنةِ سبعٍ، فأمَّا سَنَةَ ثَمانٍ ففيها ماتَ ولم يَلْقَ أحَداً فيها؛ فإِنَّه تُوُفِّيَ قبلَ قدومِ الحاجِّ بأربعةِ أشْهُرٍ، بل هو في الحقيقةِ نحوُ خَمْسَةِ أشْهُرٍ؛ لأنَّه ماتَ بمَكَّةَ في يومِ السبتِ أوَّلِ شَهْرِ رَجَبٍ، كما قالَه ابنُ سَعْدٍ وابنُ زبرٍ، وقالَ ابنُ حِبَّانَ: في آخرِ يَوْمٍ من جُمادَى الآخرةِ منها، وجزَمَ ابنُ الصلاحِ بأنَّ وَفاتَه في سنةِ تِسْعٍ، والمعروفُ: ثَمَانٍ، وكانَ انتقالُه من الكوفةِ إلى مَكَّةَ سنةَ ثلاثٍ وسِتِّينَ فاسْتَمَرَّ بها حتى ماتَ.
قالَ الذَّهَبِيُّ: ومحمدُ بنُ عاصِمٍ صاحِبُ ذاك الجُزْءِ العالي سَمِعَ منه في سنةِ سَبْعٍ، وقالَ ابنُ الصلاحِ: إِنَّه يَحْصُلُ نَظَرٌ في كثيرٍ من العوالي الواقعةِ عمَّن تأخَّرَ سماعُه من ابنِ عُيَينَةَ وأشباهِهِ. يعني مِمَّن تَغَيَّرَ.
وكذا مِمَّن اختلَطَ عبدُ اللهِ بنُ لَهِيعَةَ؛ لقولِ أبي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ في (تهذيبِ الآثارِ): إِنَّه اختلَطَ عَقْلُه في آخرِ عُمُرِه.
(معَ) عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ الهذليِّ (المَسْعودِي) نِسْبةً لجَدِّه، أحَدِ الثقاتِ المَشْهورِينَ والكبارِ من المُحَدِّثيِنَ فقد صَرَّحَ باختلاطِه غيرُ واحدٍ؛ كمحمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِنُمَيْرٍ وأبي بَكْرِ بنِ أبي شَيْبَةَ والعِجْلِيِّ وابنِ سَعْدٍ، وأنَّها في آخرِ عُمُرِه، وأبي حَاتِمٍ، وقالَ: قبلَ موتِه بسَنَةٍ أو سَنَتيْنِ. وأحمدَ وقالَ: إِنَّما اختلَطَ ببغدادَ فمَن سَمِعَ منه بالكوفةِ والبصرةِ فسماعُه جَيِّدٌ. وكذا قالَ ابنُ مَعِينٍ: كانَ نزَلَ بغدادَ وتَغَيَّرَ، فمَن سَمِعَ منه زمانَ أبي جَعْفَرٍ، يعني المنصورَ، فهو صَحِيحُ السماعِ، أو زَمَنَ المَهْدِيِّ فلا، وهو قريبٌ من قولِ أبي حاتِمٍ، إذا مَشَيْنَا على أنَّ وفاةَ المَسْعوديِّ سَنَةَ سِتِّينَ ومائةٍ؛ لأنَّ وَفاةَ المنصورِ كانَتْ بمَكَّةَ في ذي الحِجَّةِ سَنَةَ ثمانٍ وخَمْسِينَ، أمَّا على القولِ بأنَّ وَفاةَ المسعوديِّ سَنَةَ خَمْسٍ وسِتِّينَ فلا.
وقالَ ابنُ حِبَّانَ: اختلَطَ حَدِيثُه فلم يَتمَيَّزْ فاسْتَحَقَّ الترْكَ، وكذا قالَ أبو الحَسَنِ بنُ القَطَّانِ: إِنَّه لا يَتَمَيَّزُ في الأغلبِ ما رَواهُ قبلَ اختلاطِه مِمَّا رواه بعدَه، وهو مُنْتقَضٌ بتمييزِ جماعةٍ من الفَريقيْنِ، فمِمَّن سَمِعَ منه قديماً أبو نُعَيْمٍ الفضلُ بنُ دُكَيْنٍ ووَكِيعٌ فيما قالَه أحمدُ، وحَدِيثاً أبو دَاوُدَ الطَّيالسِيُّ وعاصِمُ بنُ عَلِيٍّ وابنُ مَهْدِيٍّ وأبو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القاسِمِ ويَزِيدُ بنُ هَارُونَ، كما صَرَّحَ به في الأولِ سلمُ بنُ قُتَيْبَةَ، وفي الثاني والرابعِ أحْمَدُ، وفي الآخرين، ابنُ نُمَيْرٍ، وقالَ أبو النَّضْرِ أحَدُهم: إِنِّي لَأعْرِفُ اليومَ الذي اختَلَطَ فيه، كُنَّا عندَه وهو يُعَزَّى في ابنِ له، فجاءَه إنسانٌ فقالَ له: إِنَّ غلامَكَ أخَذَ مِن مِلْكِكَ عَشَرَةَ آلافٍ وهَرَبَ، ففَزِعَ وقامَ ودخَلَ إلى منزلِه، ثم خرَجَ إلينا وقد اختلَطَ، وقدْ وقَعَ حَدِيثُه في البخاريِّ لا بقَصْدِ التخريجِ له فيما ظهَرَ لشيخِنا كما قَرَّرَه في (مُخْتَصَرِ التهذيبِ) والمُقَدِّمةِ، وإنَّما وقَعَ اتِّفاقاً، ولم يَرْوِ له مسلمٌ شيئاً.
(وآخِراً حَكَوْهُ) أي: وفي المتأخِّرِينَ حَكَى أهلُ الحديثِ؛ كأبي عليٍّ البرذعيِّ ثم السَّمَرْقَنْدِيِّ في مُعْجَمِه بلاغاً، ومَن تَبِعَهما الاختلاطُ آخرَ العُمُرِ (في الحَفيدِ ابنِ خُزَيْمَةٍ) بمُعْجَمتيْنِ، مُصَغَّرٌ، نسبةً لجَدِّه الأعلى، فهو أبو الطَّاهِرِ محمدُ بنُ الفضلِ بنِ الحَافِظِ الشهيرِ إمامِ الأئمَّةِ أبي بكرٍ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ المُغيرةِ السُّلَمِيِّ.
(معَ الغِطْرِيفِ) بكسرِ المعجمةِ وإسكانِ المهملةِ ثم راءٍ مَكْسورةٍ، بعدَها مُثنَّاةٌ تَحْتانيَّةٌ ثم فاءٌ، نسبةً لجَدِّ جَدِّه، وهو الثِّقَةُ الثَّبَتُ أحَدُ أكابرِ الحُفَّاظِ في وَقْتِه، أبو أحمدَ محمدُ بنُ أحمدَ بنِ الحُسَيْنِ بنِ القَاسِمِ بنِ الغِطْرِيفِ بنِ الجَهْمِ الرِّباطِيُّ الغِطْرِيفِيُّ الجُرْجانِيُّ العَبْدِيُّ مُصَنِّفُ المُستخرَجِ على البخاريِّ والأبوابِ وصاحبُ الجزءِ العالي وشيخُ القاضي أبي الطَّيِّبِ الطَّبَرِيِّ.
وكذا صَرَّحَ به في أَوَّلِهما الحاكِمُ فقالَ: إِنَّه مَرِضَ في الآخرِ وتَغَيَّرَ بزَوالِ عَقْلِه في ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ أربعٍ وثَمَانِينَ وثَلاثِمائةٍ، وعاشَ بعدَ ثلاثِ سِنِينَ، وقَصَدْتُه فيها فوجَدْتُه لا يَعْقِلُ، وكلُّ مَن أخَذَ عنه بعدَ ذلك فلقلَّةِ مبالاتِه بالدينِ، وماتَ في جُمادَى الأولى سنةَ سبعٍ وثَمانِينَ. انتهَى.
وعلى هذا فمُدَّةُ اختلاطِه- كما قالَ المُصنِّفُ في التقييدِ- سنتانِ ونصفُ سَنَةٍ تَنْقُصُ أيَّاماً، وتَجوَّزَ الذَّهَبِيُّ فقالَ في (العِبَرِ)، وتَبِعَه المُصنِّفُ في الشرحِ: اختَلَطَ قبلَ موتِه بثلاثةِ أعوامٍ فتَجنَّبوه. بل صَرَّحَ في (الميزانِ) بقولِه: ما عَرَفْتُ أحداً سَمِعَ منه في أيَّامِ عَدَمِ عَقْلِه. وكذا قالَ في (تاريخِ الإسلامِ): وما أعْتَقِدُ أنَّهم سَمِعُوا منه إلاَّ في صِحَّةِ عقلِه، فإنَّ مَن لا يعقِلُ كيفَ يُسْمَعُ عليه؟! وهو مُتعَقَّبٌ بكلامِ الحاكمِ على أنَّ الحاكِمَ لَيَّنَه، بخلافِ هذا؛ فإِنَّه قالَ: عَقَدْتُ له مجلسَ التحديثِ سنةَ ثمانٍ وسِتِّينَ، ودخلتُ بيتَ كُتُبِ جَدِّه، وأخرَجْتُ له مائتيْنِ وخمسينَ جزءاً من سماعاتِه الصحيحةِ، وانْتَقَيْتُ له عَشَرَةَ أجزاءٍ، وقلتُ: دَعِ الأصولَ عندِي صيانةً لها. فأخَذَها وفَرَّقَها على الناسِ، وذَهَبْتُ ومَدَّ يَدَه إلى كُتُبِ غيرِه فقرَأَ منها، ثم إنه مَرِضَ... إلى آخرِ كلامِه.
وأمَّا ثانيهما فقالَ المُصنِّفُ في التقييدِ: لم أَرَ مَن ذكَرَه فيمَن اختلَطَ إلاَّ أبا عَلِيٍّ المذكورَ، وقد تَرْجَمَه حمزةُ السَّهْمِيُّ في تاريخِ جُرْجَانَ، فلم يَذْكُرْ شيئاً من ذلك، وهو أعْرَفُ به؛ فإِنَّه من شُيوخِه، ويَشْهَدُ له روايةُ رفيقِه الحافظِ أبي بكرِ الإسماعيليِّ عنه في صحيحِه لأكثرَ من مائةِ حديثٍ، لكنَّه يُدَلِّسُه، فمَرَّةً يقولُ: ثنا محمدُ بنُ أحمدَ العَبْدِيُّ، ومَرَّةً: محمدُ بنُ أبي حامدٍ النَّيْسابوريُّ والعَبْقَسِيُّ والثَّغْرِيُّ، لكنْ لا مانعَ أنْ يَكُونَ تَغَيُّرُه- إنْ صَحَّ- بعدَ أخذِ الإسماعيليِّ عنه، وكانتْ وَفاتُه في رَجَبٍ سنةَ سَبْعٍ وسَبْعِينَ وثلاثِمائةٍ، قالَ المُصنِّفُ: وثَمَّ آخرُ يُوافِقُ الغِطْرِيفِيَّ في اسمِه واسمِ أبيهِ وبَلَدِه، ويُقارِبُه في اسمِ الجَدِّ، وهما مُتعاصِرانِ، وهو محمدُ بنُ أحمدَ بنِ الحَسَنِ بالتكبيرِ الجُرْجَانِيُّ، وهو مِمَّن ذَكَرَ الحاكمُ أنَّه تَغَيَّرَ واختلَطَ، فيَحتمِلُ أن اشْتَبَهَ بالغِطْرِيفيِّ.
وكذا مِمَّن اختلَطَ من المُتأخِّرِينَ أبو العِبَّاسِ محمدُ بنُ يَعْقوبَ الأصَمُّ صَاحِبُ الربيعِ، فقالَ القرابُ: إِنَّه حُجِبَ عن النَّاسِ في سَنَةِ أربعٍ وأربَعِينَ وثلاثِمائةٍ فلم يُؤْذَنْ لأحدٍ عليهِ حتَّى ماتَ؛ لأنَّه ذَهَبَتْ عَيْناهُ واختَلَطَ عَقْلُه، وأبو الحُسينِ زَيْدُ بنُ محمدِ بنِ جَعْفَرِ بنِ المُبارَكِ العَامِرِيُّ الكُوفِيُّ المعروفُ بابنِ أَبِي اليابسِ أحدِ شيوخِ ابنِ شَاهِينَ وغيرُه، كابنِ السمعانيِّ فإِنَّه تَرْجَمَه في الياءِ التحتانيَّةِ من الأنسابِ وقالَ: إِنَّه كانَ قد اختَلَطَ عقلُه في آخرِ عُمُرِه ووسوسَ، كَتَبْتُ عنه يسيراً.
(معَ القَطِيعِي) بفتحِ القافِ وكسرِ المهملةِ ثم مُثنَّاةٍ تَحتانيَّةٍ بعدَها عينٌ مهملةٌ، نسبةً لقطيعةِ الدقيقِ ببغدادَ، أبي بَكْرٍ (أحمدَ) بنِ جعفرِ بنِ حمدانَ بنِ مَالِكٍ (المَعْروفِ) بالثِّقةِ بحيثُ قالَ الحاكِمُ: إنَّه ثِقَةٌ مأمونٌ. وقالَ الخَطِيبُ: لا أعلَمُ أحداً ترَكَ الاحتجاجَ بهِ. وقالَ الذَّهَبِيُّ: إِنَّه صدوقٌ في نفسِه، مقبولٌ، وهو صاحبُ الأجزاءِ القَطِيعيَّاتِ الخمسةِ؛ النهايةِ في العُلُوِّ لأصحابِ الفَخْرِ بينَهم وبينَه في مُدَّةِ أربعِمائةِ سَنَةٍ ونَيِّفِ أربعةِ أنفُسٍ لا غَيْرُ، والراوي لمُسْنَدِ أحمدَ، والزُّهْدِ الكبيرِ له، المُنْفَرِدِ بهما، فقدْ قالَ ابنُ الصَّلاحِ: إِنَّه اختَلَّ في آخرِ عُمُرِه وخَرِفَ حتى كانَ لا يَعْرِفُ شَيْئاً مِمَّا يُقْرَأُ عليه. وحكاه الذَّهَبِيُّ في (الميزانِ) وقالَ: ذكَرَ هذا أبو الحَسَنِ بنُ الفُرَاتِ يعني كما نَقَلَه الخطيبُ عنه، ثم قالَ الذَّهَبِيُّ: وهذا القولُ غُلُوٌّ وإسرافٌ، وقد كانَ أبو بَكْرٍ أسنَدَ أهلِ زَمَانِهِ. انتهَى.
وإنكارُه على ابنِ الفُراتِ كما قالَ شَيْخُنا: عَجِيبٌ فإِنَّه لم يَنْفَرِدْ بذلك فقدْ حَكَى الخطيبُ في ترجمةِ أحمدَ بنِ أحمدَ السَّيِّبيِّ أنَّه قالَ: قَدِمْتُ بغدادَ، وأبو بكرِ بنُ مَالِكٍ حَيٌّ، وكانَ مَقْصودُنا دَرْسَ الفِقْهِ والفرائضِ، فقالَ لنا ابنُ اللبَّانِ الفَرَضِيُّ: لا تَذْهَبُوا إلى ابنِ مالكٍ؛ فإنَّه قدْ ضَعُفَ واختَلَّ ومَنَعْتُ ابني السماعَ منه. قالَ: فلم نذهَبْ إليه. انتهَى.
ويَجوزُ أنْ يَكونَ الذي أنكَرَه الذَّهَبِيُّ من كلامِ ابنِ الفراتِ قولَه: كانَ لا يَعرِفُ شيئاً مِمَّا يَقْرَأُ، لا الاختلاطَ. ولكنْ قدْ قالَ الذَّهَبِيُّ في ترجمةِ أبي عليِّ بنِ المذهبِ الراوي عن القَطيعِيِّ ـ هذا من الميزانِ أيضاً ـ ما نَصُّه: الظاهرُ من ابنِ المَذْهَبِ أنَّه شيخٌ ليسَ بمُتْقِنٍ، وكذلك شيخُه ابنُ مالكٍ، ومن ثَمَّ وقَعَ في المسندِ أشياءُ غيرُ مُحْكمَةِ المتنِ والإسنادِ. انتَهَى، وبالجملةِ فسَماعُ أبي عَلِيٍّ للمسندِ منه قبلَ اختلاطِه، كما نَقَلَه شيخُنا عن شَيْخِه المُصنِّفِ.
ومِمَّن اختَلَطَ من المُتأخِّرِينَ الصدرُ سليمانُ الأبشيطيُّ قالَ شَيْخُنا ـ وهو أحدُ من أخَذَ عنه ـ: إنَّه حَصَلَتْ له غفلةٌ استحكَمَتْ في آخرِ عُمُرِه، وتَغَيَّرَ قبلَ موتِه قليلاً وعبدُ الرحمنِ بنُ أحمدَ بنِ المُبارَكِ الغزيُّ ابنُ الشيخةِ شيخِ شُيوخِنا قبلَ موتِه بنحوِ أربعةِ أشْهُرٍ، وغيرُهما مِمَّن قبلَهما؛ كسليمانَ بنِ حَسَنِ بنِ أحمدَ بنِ عَمْرِو بنِ أحمدَ البَعْلِيِّ قالَ المُصنِّفُ: يُقالُ: إِنَّه اختَلَطَ وعبدُ الحقِّ بنُ محمدِ بنِ محمودٍ المَنْبِجِيُّ، وعبدُ الرحيمِ بنُ عبدِ المُحْسِنِ الكمالُ المِنشاويُّ وعبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ هارونَ الطائيُّ الأنْدَلُسِيُّ، والمُوَفَّقُ عبدُ العزيزِ بنُ عَلِيِّ بنِ مُحمدِ بنِ عبدِ اللهِ اللَّخْمِيُّ بن سميطٍ القاضي، ببابِ زويلةَ مِمَّن أخَذَ عنه أبو حَيَّانَ، نَسْأَلُ اللهَ العفوَ والعافيةَ.
تَتِمَّةٌ: رُبَّما يَتَّفِقُ عروضُ ما يُشْبِهُ الاختلاطَ ثم يَحْصُلُ الشفاءُ منه، كما حكاه أبو داودَ في سُنَنِه عن مَعْمَرٍ أنَّه قالَ: احْتَجَمْتُ فذهَبَ عَقْلِي حتى كُنْتُ أُلَقَّنُ فَاتِحَةَ الكتابِ في صَلاتِي. قالَ: وكانَ احْتَجَمَ على هَامَتِه، وبَلَغَنِي أنَّ البرهانَ الحلبيَّ عَرَضَ له الفالِجُ، فأُنْسِيَ كلَّ شيءٍ حتى الفاتحةِ ثم عُوفِيَ، وكانَ يَحْكِي عن نفسِه أنَّه صَارَ يَتراجَعُ إليه محفوظُه كالطفلِ شيئاً فشيئاً.
وأعجَبُ من هذا ما ذكَرَه القاضي عياضٌ أنَّ إبراهيمَ بنَ محمدٍ الحضرميَّ المعروفَ بابنِ الشرفيِّ، والمُتوَفَّى سَنَةَ سِتٍّ وتِسْعِينَ وثلاثِمائةٍ، كانَ قد حصَلَ له قبلَ موتِه بثلاثِينَ شَهراً فالِجٌ، فلم يَكُنْ يَنْطِقُ بغيرِ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، ولا يَكْتُبُ غيرَ بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، فكانَ ذلك من آياتِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، ونحوُه ما قالَ محمدُ بنُ إسماعيلَ الصائِعُ: كانَ أحمدُ بنُ عُمَيرٍ الوادي- يعني شيخَه- يُحَدِّثُ عن عمرِو بنِ حكامٍ والنَّضْرِ بنِ محمدٍ، فانهَدَمَتْ دَارُه وتَقَطَّعَتِ الكتبُ، فاختَلَطَ عليهِ حَدِيثُ عمرٍو في حديثِ النضْرِ؛ لأنَّهما جميعاً يُحدِّثانِ عن شُعْبَةَ، وليسَ مرادُه الاختلاطَ المذكورَ وإِنْ قالَ شيخُنا: إِنَّه يُلْحَقُ في المُختلطِينَ.
وقد يَتَغَيَّرُ الحافظُ لكِبَرِه، ويكونُ مَقْبولاً في بعضِ شيوخِه؛ لكثرةِ مُلازَمَتِه له وطولِ صحبتِه إِيَّاه بحيثُ يَصِيرُ حَدِيثُه على ذِكْرِه وحفظِه بعدَ الاختلاطِ والتغَيُّرِ، كما كانَ قبلَه؛ كحمَّادِ بنِ سَلَمةَ أحدِ أئمَّةِ المسلمينَ في ثَابتِ البُنانِيِّ؛ ولذا خَرَّجَ له مسلمٌ- كما قَدَّمْتُه- في مراتبِ الصحيحِ، على أنَّ البيهقيَّ قالَ: إِنَّ مُسْلِماً اجتهَدَ وأخرجَ من حديثِه عن ثابتٍ بخُصوصِه ما سَمِعَ منه قبلَ تَغَيُّرِه. فاللهُ أعلَمُ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مَعْرِفَةُ, مَن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:13 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir