دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > جامع علوم القرآن > جمال القراء وكمال الإقراء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 ربيع الأول 1431هـ/9-03-2010م, 03:24 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الكتاب الثاني: الإفصاح الموجز في إيضاح المعجز

الكتاب الثاني


بسم الله الرحمن الرحيم


الإفصاح الموجز في إيضاح المعجز

لا ريب في عجز البلغاء وقصور الفصحاء عن معارضة القرآن العظيم، وعن الإتيان بسورة من مثله في حديث الزمان والقديم، وذلك ظاهر مكشوف ومتيقن معروف، لا سيما القوم الذين تحداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا ذوي حرص على تكذيبه والرد عليه، وحالهم معه معروفة في معاداته ومعاندته، وإظهار بغضه وأذاه، وقذفه بالجنون والشعر والسحر.
فكيف يترك من هذه حالة معارضته وهو قادر عليها، ومماثلته وهو واصل إليها.، هذا وهو ينادي عليهم بقوله: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} مع ما فيه من سبهم وسب آبائهم، ووصفهم بالجهل والعجز، وإيعادهم بالعذاب والنكال وسوء المنقلب، ورميهم بالكذب والافتراء وتقبيح الأفعال، وتهجين ما هم عليه من الأحكام الفاسدة، وإطالة القول في ذلك، وفي شرح أحوالهم واستقباح أعمالهم، وفيما أعد لهم من الهوان والنكال، في الدنيا والمآل.. أليس هذا وشبهه مما يحملهم على المعارضة لو كانوا قادرين عليها، ومما يجذبهم إلى المناظرة لو وجدوا سبيلا إليها. وحالهم في الجدال معلومة، وأمورهم في تفاخرهم وطلبهم الترفع مفهومة، وقد كانوا يجعلون أموالهم دون أعراضهم، ويهون عليهم كل مستصعب في بلوغ أغراضهم، فإذا هجاهم شاعر جدوا في معارضته وإجابته، واستعانوا على ذلك بمن يحسنه ويظهر عليه في مقاولته ومحاورته.
[1/43]
فلا ريب إذا في أنهم راموا ذلك فما أطاقوه، وجاولوه فما استطاعوه، وأنهم رأوا نظما عجيبا خارجا عن أساليب كلامهم، ورصفا بديعا مباينا لقوانين بلاغتهم ونظامهم، فأيقنوا بالقصور عن معارضته، واستشعروا العجز عن مقابلته، وهذا هو الوجه في إعجاز القرآن، كما قال بعضهم: القرآن لا يدركه عقل، ولا يقصر عنه فهم.
وأما ما تضمنه القرآن العزيز من الإخبار عن المغيب؛ فليس ذلك مما تحداهم به، ولكنه دليل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، في كونه أميا لا معرفة له ولا يحسن أن يقرأ، ولا وقف على شيء من أخبار الأمم السالفة، حتى إنه لا يقول الشعر، ولا ينظر في الكتب.
ثم إنه قد أتى بأخبار القرون الماضية والأمم الخالية، وبما كان من أول خلق الأرض والسماء إلى انقضاء الدنيا، وهم يعلمون ذلك من حاله ولا يشكون فيه، فهذه الحال دليل قاطع بصدقه صلى الله عليه وسلم.
ولكن إعجاز القرآن من قبل أنه خارج في بديع نظمه وغرابة أساليبه عن معهود كلام البشر، مختص بنمط غريب، لا يشبه شيئا من القول في الرصف والترتيب، لا هو من قبيل الشعر، ولا من ضروب الخطب والسجع، يعلم من تأمله أنه خارج عن المألوف، مباين للمعروف، متناسب في البلاغة، متشابه في البراعة، بريء من التكلف، منزه عن التصنع والتعسف.
وكلام البشر وإن كان من فصيح بليغ، يظهر فيه إذا طال تفاوت واختلاف وإخلال. والقرآن العزيز على ذوق واحد، إن بشر أو أنذر، أو وعظ وحذر، أو قص وأخبر، أو نهى أو أمر، وليس ذلك لرؤساء الكلام وفحول النظام، فقد يجيد بعضهم المدح ويقصر في ضده، وفي وصف الخيل وسير الليل، دون وصف الحرب والجود والمطر والسيل.
والقرآن العزيز كله – وإن أطال في هذه المعاني التي ذكرتها أو أوجز-
[1/44]
على قري واحد، لا تعثر فيه على اختلاف، ولا أنت لتقصير بواجد، فلا يشك في صحة نزوله من عند الله عز وجل ذو بصيرة، ولا قدرة لأحد من البشر على أن يأتي بمثله، في إحكام معانيه، وانتظام ألفاظه، وبديع منهاجه. ولقد عجزت العرب- مع قدرتها على التصرف في الكلام والفصاحة وفروع البلاغة – عن معارضته بسورة، ومن السور ما يقل عدده، وقد أعلمهم أنهم لا يقدرون على ذلك، فنطق لسان الحال بعجزهم ووقوع إياسهم، من الوصول إلى شيء منه، وانحرفوا إلى القتال وبذل الأموال في المعاندة. فالقرآن إذا لهذا السبب أعظم آياته صلى الله عليه وسلم، وأوضح الأدلة على صحة نبوته، ولهذا قال الله عز وجل: {لا ريب فيه} أي لا يرتاب فيه ذو لب.
فإن قيل: ما معنى قولكم: النظم الغريب والوصف العجيب... وهل ثم زائد على تعليق الكلام بعضه ببعض، وذلك: الاسم بالاسم، والفعل بالاسم، والحرف بهما، وهذا موجود في كلام العرب، فبأي شيء مايز القرآن كلام العرب؟.
قيل: ما كل ما يحيط به العلم تؤديه الصفة، ولكن ألست تفضل كلام البلغاء والخطباء على غيره، وترى أيضا فلانا أبلغ من فلان وأخطب، وأشعر وأفصح، فبأي شيء حصلت هذه التفرقة؟. فكذلك عرفت العرب ومن يعلم البلاغة من غيرهم- مباينة القرآن العزيز سائر الكلام، وذلك بصحة الذوق، وسلامة الطبع، ولطف الحس، حتى إن منهم من يعرف شعر الشاعر إن دلس بغيره، ويفصله مما دلس به ويقول: هذا كلام فلان.
ولقد رفع إلى الخليفة شعر صالح بن عبد القدوس في شيء من الكفر، فلما مثل بين يديه أنكر أن يكون ذلك من قوله، فأنشده غير ذلك مما اعترف به
[1/45]
فقال: هذا من نسبة ذاك، فقتله. فانظر كيف عرف شعره وأسلوبه واتحاد طريقه، حتى قضى بأنه كله شيء واحد، وإن لم يكن في الثاني شيء مما في الأول.
وقد يكون كلام البشر فصيحا مليحا موصوفا بالجودة، وأنه مطابق للمعنى سليم من التعمق والتعسف والتكلف، بريء من النقصان والزيادة، حسن المجاورة، تتبع الكلمة الكلمة التي تناسبها، وتكون بها أولى من غيرها، خفيف على السمع، حلو في النطق، جار على المعتاد من كلام الفصحاء والبلغاء، ومع ذلك فلا يقارب القرآن في شيء من ذلك ولا يدانيه.
فإن قيل: فأي فائدة في تكرير القصص فيه والأنباء. ؟ قيل: لذلك فوائد منها أن يقول المعاند والجاحد: كيف أعارض مثلا قصة موسى، وقد سردتها وأوردتها على أفصح القول وأحسنه، وسبقت إلى ذلك، فلم يبق لي طريق إلى المعارضة. فيقال له: ها هي قد جاءت في القرآن العزيز على أنحاء ومبان، فأت بها أنت ولو على بناء واحد.
ومنها أنهم لما عجزوا عن الإتيان بسورة مثله؛ أتاهم بسور مماثلة في المعنى والنظم والقصة، وذلك أزكى لقلوبهم.
ومنها أن كل واحد لا يقدر على كل سورة، فجاءت هذه السور فيها هذه القصص على قدر قوى البشر، فمن أطاق هذه حفظها، ومن لم يطق حفظ الأخرى، لينال الضعيف ما نال القوي.
ومنها إن إعادة هذه القصص المتحدة، على الأنحاء المختلفة، مع التماثل في حسن النظم، أبلغ في الفصاحة، وأعظم في المعجزة، فكانت تلك المعاني كعرائس تجلى في ملابس مختلفة رائقة، إذا رأيت الواحدة قلت هذه، فإذا رأيت الأخرى قلت بل هذه، فإذا جاءت الأخرى قلت لا بل هذه، حتى لا تفضل واحدة على أخرى. ولا يقدر بليغ ولا ناقد في الفصاحة على ذلك أبدا.
[1/46]
فإن قيل: فهل في إقامته البراهين، وإيراد الدلائل على الوحدانية بذكر السموات والأرض وتصريف الرياح والسحاب، وبأنه لو كان فيهما إله آخر لفسدتا، وعلى البعث بإنزال الماء وإحياء الأرض بعد موتها، وبالنشأة الأولى إلى غير ذلك.. إعجاز.؟
قلت: الإعجاز من جهة إيراد هذه الحجج، في الأساليب العجيبة، والبلاغة الفائقة، فهو راجع إلى ما قدمناه من نظم القرآن وإعجازه، وأما كونها براهين قاطعة؛ فهو دليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن من أهل هذا ولا قومه، ولا يعرف شيئا منه – فلا اكتراث بعد ذلك بما أظهره حاسد أو معاند أو جاهل من شك أو ارتياب يظهره لضعيف يكفره. ومن آيات الله عز وجل وتمام حكمته أن تعاطى مسيلمة الكذاب معارضته، فأتى بما جعله ضحكة للعالمين، ليظهر بذلك مضمون خبره الصادق بأن المعارضة ممتنعة، وأن الممائلة مندفعة.
ولقد حكي عن عمرو بن العاص رحمه الله أنه مر باليمامة، فأتى مسيلمة الكذاب ليختبر ما عنده، فقال له مسيلمة: ما الذي نزل على صاحبكم في هذه الأيام؟ فقال عمرو: نزل عليه: {والعصر * إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات * وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. فقال مسيلمة: قد نزل علي نحو من هذا، فقال له عمرو: وما ذلك؟ فقال: (يا وبر يا وبر، أذنان وصدر، وسائرك حقر نقر) كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب. فقد خرج مسيلمة بهذا الكلام عن كلام العقلاء ودخل في تخليط المجانين.
وأما من قال في قوله عز وجل: {فأتوا بسورة من مثله} أن الهاء تعود إلى
[1/47]
النبي صلى الله عليه وسلم – أي من مثل محمد صلى الله عليه وسلم في أميته، لا يعرف هو ولا قومه ما في القرآن من الأنباء، واستشهد على صحة ما ذهب إليه بقوله عز وجل: {تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا} – فكلام من ركب الخطر ولم ينعم النظر، لأن كلامه يقتضي أن بعض الناس يقدر على الإتيان بمثله، وهم العلماء بالسير والممارسون للكتب، وهذا يبطله قوله عز وجل: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}.
والقرآن كلام رب العالمين، غير مخلوق عند أهل الحق، وعلى ذلك أئمة المسلمين كسفيان الثوري ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل وعامة الفقهاء والعلماء.
وقال جميع المعتزلة: إن كلام الله تعالى مثل كلام المخلوقين، وإن البشر يقدرون على الإتيان بمثله وبما هو أفصح منه، وإنما منعوا من ذلك في بعض الأوقات.
والدليل على أن القرآن غير مخلوق قول الله عز وجل: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}. فلو كان القرآن مخلوقا لكان مخلوقا بقول آخر، وأدى ذلك إلى أن لا يوجد منه سبحانه فعل أبدا، إذ لا بد أن يوجد قبل ذلك الفعل أفعال هي أقوال ليس لها غاية، وذلك محال. ثم إن المخلوقات قسمان: جسم وعرض، فلو كان القرآن مخلوقا كان إما جسما وإما عرضا، والجسم يقوم بنفسه، فلو كان القرآن جسما لكان قائما بنفسه، ويلزم من ذلك وجود كلام غير قائم بمتكلم.
[1/48]
ولا يصح أيضا أن يكون عرضا مخلوقا، لأنه لو كان كذلك؛ لم يخل أن يقوم بنفس الباري عز وجل أو بغيره أولا في محل، والله تعالى وجل ليس بمحل للحوادث، فاستحال أن يخلقه في نفسه، وكذلك لا يصح أن يخلقه في غيره، لأنه كان يكون كلاما للذي خلق فيه وصفة له، كالعلم والإرادة المخلوقين في الأجسام، ألا ترى أنهما صفتان لمن قامتا به دون الخالق لهما.
وكذلك أيضا يستحيل أن يخلقه لا في شيء، كما استحال فعل حركة ولون لا في شيء. وأيضا فإنه لو كان عرضا لوجب أن يفنى في الثاني من حال حدوثه، ويلزم من ذلك أن يكون الباري عز وجل في وقتنا هذا لا آمرا بشيء ولا ناهيا عنه ولا مخبرا بشيء، وذلك خلاف ما عليه الأمة.
وقال شيخ من رؤساء المعتزلة يقال له معمر: إن الله تعالى ليس له كلام، وإن موسى إنما سمع كلام الشجرة، وإن الله تعالى عز قوله لم يأمر قط ولم ينه عن شيء ولا تكلم ألبتة. نسأل الله العفو والعافية مما صارت إليه هذه الفرقة وغيرها من فرق الضلال.
[1/49]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الثاني, الكتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الدرس الأول: التعرف على مقاصد الكتاب عبد العزيز الداخل القراءة المنظمة 47 17 ذو الحجة 1437هـ/19-09-2016م 01:34 AM


الساعة الآن 03:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir