دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 11:00 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الكلام في الأخبار [الخبر والإنشاء]

الكلام
الكَلَامُ فِي الأَخْبَارِ:
المُرَكَّبُ إمَّا مُهْمَلٌ وَهُوَ مَوْجُودٌ خِلَافًا للإِمَامِ وَلَيْسَ مَوْضُوعًا وَإِمَّا مُسْتَعْمَلٌ، وَالمُخْتَارُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَالكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ مِنْ الكَلِمِ إسْنَادًا مُفِيدًا مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَقَالَتْ المُعْتَزِلَةُ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِيِّ، وَقَالَ الأَشْعَرِيُّ مَرَّةً فِي النَّفْسَانِيِّ: هُوَ المُخْتَارُ وَمَرَّةً مُشْتَرَكٌ، وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ الأُصُولِيُّ فِي اللِّسَانِيِّ، فَإِنْ أَفَادَ بِالوَضْعِ طَلَبًا، فَطَلَبُ ذِكْرِ المَاهِيَّةِ اسْتِفْهَامٌ وَتَحْصِيلِهَا أَوْ تَحْصِيلِ الكَفِّ عَنْهَا أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَلَوْ مِنْ مُلْتَمِسٍ وَسَائِلٍ وَإِلَّا فَمَا لَا يُحْتَمَلُ منه الصِّدْقُ وَالكَذِبُ تَنْبِيهٌ وَإِنْشَاءٌ وَمُحْتَمِلُهُمَا الخَبَرُ وَأَبَى قَوْمٌ تَعْرِيفَهُ كَالعِلْمِ وَالوُجُودِ وَالعَدَمِ، وَقَدْ يُقَالُ الإِنْشَاءُ مَا يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الخَارِجِ بِالكَلَامِ وَالخَبَرُ خِلَافُهُ: أَيْ مَا لَهُ خَارِجُ صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ، وَلَا مَخْرَجَ لَهُ عَنْهُمَا لِأَنَّهُ إمَّا مُطَابِقٌ للخَارِجِ أَوْ لَا وَقِيلَ بِالوَاسِطَةِ فَالجَاحِظُ إمَّا مُطَابِقٌ مَعَ الِاعْتِقَادِ وَنَفْيِهِ أَوْ لَا مُطَابِقَ مَعَ الِاعْتِقَادِ وَنَفْيِهِ، فَالثَّانِي فِيهِمَا وَاسِطَةٌ وَغَيْرُهُ الصِّدْقُ المُطَابَقَةُ لِاعْتِقَادِ المُخْبِرِ طَابَقَ الخَارِجَ أَوْ لَا وَكَذِبُهُ عَدَمَهَا، فَالسَّاذَجُ وَاسِطَةٌ وَالرَّاغِبُ: الصِّدْقُ المُطَابَقَةِ الخَارِجِيَّةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ، فَإِنْ فُقِدَ فَمِنْهُ كَذِبٌ وَمَوْصُوفٌ بِهِمَا بِجِهَتَيْنِ وَمَدْلُولُ الخَبَرِ الحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ لَا ثُبُوتُهَا وِفَاقًا للإِمَامِ وَخِلَافًا للقَرَافِيِّ، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الخَبَرِ كَذِبًا، وَمَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالكَذِبِ النِّسْبَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا لَيْسَ غَيْرُ كَقَائِمٌ فِي: زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَائِمٌ لَا بُنُوَّةُ زَيْدٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: الشَّهَادَةُ بِتَوْكِيلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فُلَانًا شَهَادَةٌ بِالوَكَالَةِ فَقَطْ، وَالمَذْهَبُ بِالنَّسَبِ ضِمْنًا وَالوَكَالَةِ أَصْلاً.

  #2  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:26 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي منع الموانع للقاضي: عبد الوهاب السبكي


التاسع عشر: ما معنى قولكم: (ومن ثم قال مالك وبعض أصحابنا: الشهادة بتوكيل فلان ابن فلان فلاناً إلى آخره).
. . .
مورد الصدق والكذب النسبة ليس غير:
وأما قولنا: ومن ثم قال مالك وبعض أصحابنا: (الشهادة بتوكيل فلان ابن فلان، فلاناً شهادة بالوكالة فقط، والمذهب بالنسب ضمناً، والوكالة أصلاً)، فهو مفرع على قولنا قبله: (ومورد الصدق والكذب النسبة التي تضمنها ليس غير، كقائم في: (زيد بن عمرو قائم)، لا بنوة، زيد). انتهى، وهو قاعدة مهمة أغفلها الأصوليون.
حاصلها أن مورد الصدق والكذب في الخبر هو النسبة لا واحد من طرفيها.
فإذا قلت: قام زيد، فقيل: صدقت أو كذبت، انصرف ذلك إلى قيام زيد، لا إلى أن ذلك المشار إليه بالقيام، هل اسمه زيد أو عمرو؟ وتظهر فائدة هذا فيما لو كان مختلفاً في اسمه، فلا يستفاد من ذلك أنك حاكم بأن ذلك اسمه بهذه القضية، وكذلك لو قلت: قام زيد بن عمرو، فالمورد قيام هذا الرجل، لا كونه ابن عمرو، فإذا قيل: صدقت، كان معناه صدقت في أن المشار إليه قام، لا في أنه ابن عمرو، ولذلك يصح قول: (صدقت) ممن يوافقك على قيامه، ويخالفك في بنوته لعمرو، نعم، إذا وقع هذا في كلام الصادق دل على صحة الطرفين والنسبة، ولذلك استدل الشافعي رضي الله عنه على صحة أنكحة الكفار بقوله تعالى: {وقالت امرأة فرعون}، وفي أبي لهب: {وامرأته حمالة الحطب}، وقال ما معناه: سمى كلاًّ منهما امرأة.
لفظ الشارع محمول على المعنى الشرعي:
ولفظ الشارع محمول على الشرعي، فدل على أن كلاًّ منهما امرأة للكافر.
قولهم (لا غير) لحن:
وقولنا: (ليس غير) في (جمع الجوامع) هو الصواب، فغير اسم ملازم للإضافة معنى، ويجوز قطعه إن فهم معناه، وتقدمه كلمة (ليس)، ويقع في كلام الفقهاء (لا غير)، وقيل: إنه لحن، وقد وقع فيه ابن مالك، حيث قال في (التسهيل): (يتم في المحذوف اللام من التثنية ما يتم في الإضافة لا غير. انتهى.
والصواب (ليس غير) كما قلناه. ويجوز فيه وجوه:
أحدها: فتحه من غير تنوين على إضمار الاسم، أي: ليس المورد غيرها فأضمر اسم ليس وقطع (غير) عن الإضافة لفظاً.
والثاني: الضم بلا تنوين، وحينئذٍ زعم المبرد والمتأخرون أنها ضمة بناء، وأن غيراً شبهت بالغايات كقبل وبعد، فعلى هذا يجوز أن يكون اسماً وأن يكون خبراً. وقال الأخفش: إنها ضمة إعراب لأنه ليس باسم زمان كقبل وبعد، ولا مكان كفوق وتحت، وإنما هو بمنزلة كل وبعض، وعلى هذا فهو الاسم، وحذف الخبر. وقال ابن خروف: يحتمل الوجهين.
والثالث: الفتح والتنوين، فتقول: ليس غيراً.
والرابع: الضم والتنوين، وعلى هذين الوجهين تكون الحركة إعرابية، لأن التنوين إما أن يكون للتمكين، وتنوين التمكين لا يلحق إلاَّ المعرب، وإما للتعويض، فكأن المضاف إليه مذكور.
إذا عرفت ذلك، فقولنا: (ومن ثم قال مالك إلى آخره)، واضح البناء، والمعنى: أنه من هناك، وهو أن الثابت النسبة فقط، قال مالك وبعض أصحابنا: إذا شهد شاهدان بأن فلان ابن فلان وكَّل فلاناً كانت شهادة بالتوكيل، ولا يستفاد منها أنهما شهدا بالبنوة، فليس له لو نوزع في محاكمة أخرى في البنوة، أن يقول: هذان شهدا لي بالبنوة، لقولهما في شهادة التوكيل: إني فلان ابن فلان.
والمذهب الصحيح عند علمائنا: أنه شهادة بالوكالة أصلاً، وهذا واضح لأنه مورد الكلام ومقصده، وبالنسب ضمناً، وهذا قد يستشكل على هذا الأصل، ولا إشكال فيه، لأنا لما صدقنا الشاهدين كان قولهما متضمناً لذلك، وهذه المسألة مسطورة في الإشراف لأبي سعد الهروي، وفي (الحاوي) للماوردي في باب التحفظ في الشهادة والعلم بها، فإن قلت: أيحكم القاضي بما شهدا به ضمناً؟ قلت: لا، بل لا بدَّ من إيراد لفظ الشهادة على مقصود بالأصالة، وقعت الدعوى به.

  #3  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(الكلام): في الأخبار

أَيْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَافْتَتَحَهُ بِتَقْسِيمِ الْمُرَكَّبِ الصَّادِقِ بِالْخَبَرِ لِيَنْجَرَّ الْكَلَامُ إلَيْهِ زِيَادَةً لِلْفَائِدَةِ فَقَال:َ
(الْكَلَامُ فِي الْأَخْبَارِ) أَيْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَافْتَتَحَهُ بِتَقْسِيمِ الْمُرَكَّبِ الصَّادِقِ بِالْخَبَرِ لِيَنْجَرَّ الْكَلَامُ إلَيْهِ زِيَادَةً لِلْفَائِدَةِ فَقَالَ (الْمُرَكَّبُ) أَيْ مِنْ اللَّفْظِ (إمَّا مُهْمَلٌ) بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَعْنًى (وَهُوَ مَوْجُودٌ) كَمَدْلُولِ لَفْظِ الْهَذَيَانِ (خِلَافًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيُّ فِي نَفْيِهِ وُجُودَهُ قَائِلًا: التَّرْكِيبُ إمَّا يُصَارُ إلَيْهِ لِلْإِفَادَةِ فَحَيْثُ انْتَفَتْ انْتَفَى فَمَرْجِعُ خِلَافِهِ إلَى أَنَّ مِثْلَ مَا ذُكِرَ لَا يُسَمَّى مُرَكَّبًا (وَلَيْسَ مَوْضُوعًا) اتِّفَاقًا (وَإِمَّا مُسْتَعْمَلٌ) بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَعْنًى (وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ) أَيْ بِالنَّوْعِ، وَقِيلَ: لَا وَالْمَوْضُوعُ مُفْرَدَاتُهُ، وَلِلتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْكَلَامِ قَالَ
(وَالْكَلَامُ مَا تَضَمَّنَ مِنْ الْكَلِمِ) أَيْ كَلِمَتَانِ فَصَاعِدًا تَضَمَّنَتَا (إسْنَادًا مُفِيدًا مَقْصُودًا لِذَاتِهِ) فَخَرَجَ غَيْرُ الْمُفِيدِ نَحْوُ رَجُلٌ يَتَكَلَّمُ بِخِلَافِ تَكَلَّمَ رَجُلٌ ; لِأَنَّ فِيهِ بَيَانًا بَعْدَ إبْهَامٍ، وَغَيْرُ الْمَقْصُودِ كَالصَّادِرِ مِنْ النَّائِمِ، وَالْمَقْصُودُ لِغَيْرِهِ كَصِلَةِ الْمَوْصُولِ نَحْوُ جَاءَ الَّذِي قَامَ أَبُوهُ فَإِنَّهَا مُفِيدَةٌ بِالضَّمِّ إلَيْهِ مَقْصُودَةٌ لِإِيضَاحِ مَعْنَاهُ وَلِإِطْلَاقِ الْكَلَامِ عَلَى النَّفْسَانِيِّ كَاللِّسَانِيِّ، وَالِاخْتِلَافُ فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي مَاذَا قَالَ حَاكِيًا لَهُ (وَقَالَتْ الْمُعْتَزِلَةُ إنَّهُ) أَيْ الْكَلَامَ (حَقِيقَةٌ فِي اللِّسَانِيِّ) وَهُوَ الْمَحْدُودُ بِمَا تَقَدَّمَ لِتَبَادُرِهِ إلَى الْأَذْهَانِ دُونَ النَّفْسَانِيِّ الَّذِي أَثْبَتَتْهُ الْأَشَاعِرَةُ دُونَ الْمُعْتَزِلَةِ (وَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ مَرَّةً) إنَّهُ حَقِيقَةٌ (فِي النَّفْسَانِيِّ) وَهُوَ الْمَعْنَى الْقَائِمُ بِالنَّفْسِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِمَا صَدَقَاتِ اللِّسَانِيِّ مَجَازٌ فِي اللِّسَانِيِّ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) قَالَ الْأَخْطَلُ:
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا = جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلَا
(وَمَرَّةً) إنَّهُ (مُشْتَرَكٌ) بَيْنَ اللِّسَانِيِّ وَالنَّفْسَانِيِّ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ: وَعَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنَّا وَيُجَابُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ عَنْ تَبَادُرِ اللِّسَانِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ، أَوْ فِي أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ الْحَقِيقَيْنِ فَيَتَبَادَرُ إلَى الْأَذْهَانِ، وَالنَّفْسَانِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى النَّفْسِ، وَنُونٌ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْعَظَمَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ شَعْرَانِيٌّ لِلْعَظِيمِ الشِّعْرِ (وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ الْأُصُولِيُّ فِي اللِّسَانِيِّ) لِأَنَّ بَحْثَهُ فِيهِ لَا فِي الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ.
(فَإِنْ أَفَادَ) أَيْ مَا صَدَقَ اللِّسَانِيِّ (بِالْوَضْعِ طَلَبًا فَطَلَبُ ذِكْرِ الْمَاهِيَّةِ) أَيْ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِطَلَبِ ذَلِكَ (اسْتِفْهَامٌ) نَحْوُ مَا هَذَا (وَ) طَلَبُ (تَحْصِيلِهَا أَوْ تَحْصِيلِ طَلَبِ الْكَفِّ عَنْهَا) أَيْ اللَّفْظِ الْمُفِيدِ لِذَلِكَ (أَمْرٌ وَنَهْيٌ) نَحْوُ قُمْ وَلَا تَقْعُدْ (وَلَوْ) كَانَ طَلَبُ تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ (مِنْ مُلْتَمِسٍ) أَيْ مُسَاوٍ لِلْمَطْلُوبِ مِنْهُ رُتْبَةً (وَسَائِلٍ) أَيْ دُونَ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ رُتْبَةً، فَإِنَّ اللَّفْظِ الْمُفِيدَ لِذَلِكَ مِنْهُمَا يُسَمَّى أَمْرًا وَنَهْيًا، وَقِيلَ: لَا بَلْ يُسَمَّى مِنْ الْأَوَّلِ الْتِمَاسًا وَمِنْ الثَّانِي سُؤَالًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا الْخِلَافِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ بِالْوَضْعِ طَلَبًا(فَمَا لَا يُحْتَمَلُ) مِنْهُ (الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ) فِيمَا دَلَّ عَلَيْهِ (تَنْبِيهٌ وَإِنْشَاءٌ) أَيْ يُسَمَّى بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ سَوَاءٌ لَمْ يُفِدْ طَلَبًا نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْ أَفَادَ طَلَبًا بِاللَّازِمِ كَالتَّمَنِّي وَالتَّرَجِّي نَحْوُ لَيْتَ الشَّبَابَ يَعُودُ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَعْفُوَ عَنِّي (وَمُحْتَمِلُهُمَا) أَيْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ هُوَ (الْخَبَرُ) وَقَدْ يَقْطَعُ بِصِدْقِهِ أَوْ كَذِبِهِ لِأُمُورٍ خَارِجَةٍ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي (وَأَبَى قَوْمٌ تَعْرِيفَهُ كَالْعِلْمِ وَالْوُجُودِ وَالْعَدَمِ) أَيْ كَمَا أَبَوْا تَعْرِيفَ مَا ذُكِرَ قِيلَ ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَرْبَعَةِ ضَرُورِيٌّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَعْرِيفِهِ وَقِيلَ لِعُسْرِ تَعْرِيفِهِ. (وَقَدْ يُقَالُ الْإِنْشَاءُ مَا) أَيْ كَلَامٌ (يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ) نَحْوُ أَنْتِ طَالِقٌ وَقُمْ فَإِنَّ مَدْلُولَهُ مِنْ إيقَاعِ الطَّلَاقِ وَطَلَبُ الْقِيَامِ يَحْصُلُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ بِالْكَلَامِ مِنْ إقَامَةِ الظَّاهِرِ مَقَامَ الْمُضْمَرِ لِلْإِيضَاحِ فَالْإِنْشَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى أَعَمُّ مِنْهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ لِشُمُولِهِ مَا قَبْلَ الْأَوَّلِ مَعَهُ (وَالْخَبَرُ خِلَافُهُ) أَيْ مَا يَحْصُلُ مَدْلُولُهُ فِي الْخَارِجِ بِغَيْرِهِ (أَيْ مَا لَهُ خَارِجُ صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ) نَحْوُ قَامَ زَيْدٌ فَإِنَّ مَدْلُولَهُ أَيْ مَضْمُونَهُ مِنْ قِيَامِ زَيْدٍ يَحْصُلُ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِأَنْ يَكُونَ وَاقِعًا فِي الْخَارِجِ فَيَكُونَ هُوَ صِدْقًا، وَغَيْرَ وَاقِعٍ فَيَكُونَ هُوَ كَذِبًا (وَلَا مَخْرَجَ لَهُ) أَيْ لِلْخَبَرِ مِنْ حَيْثُ مَضْمُونُهُ (عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (لِأَنَّهُ إمَّا مُطَابِقٌ لِلْخَارِجِ) فَالصِّدْقُ (أَوْ لَا) فَالْكَذِبُ (وَقِيلَ بِالْوَاسِطَةِ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (فَالْجَاحِظُ) قَالَ: الْخَبَرُ (إمَّا مُطَابِقٌ) لِلْخَارِجِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) أَيْ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ الْمُطَابِقَةَ (وَنَفْيِهِ) أَيْ فِي اعْتِقَادِهَا بِأَنْ اعْتَقَدَ عَدَمَهَا، أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا (أَوْ لَا مُطَابِقَ) لِلْخَارِجِ (مَعَ الِاعْتِقَادِ) أَيْ اعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ عَدَمَ الْمُطَابَقَةِ (وَنَفْيِهِ) أَيْ نَفْيِ اعْتِقَادِ عَدَمِهَا بِأَنْ اعْتَقَدَهَا أَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ شَيْئًا (فَالثَّانِي) أَيْ مَا انْتَفَى فِيهِ الِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ الصَّادِقُ بِصُورَتَيْنِ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُطَابِقِ وَغَيْرِ الْمُطَابِقِ وَذَلِكَ أَرْبَعُ صُوَرٍ (وَاسِطَةٌ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَالْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا مَعَهُ الِاعْتِقَادُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُطَابِقِ الصِّدْقُ، وَفِي غَيْرِ الْمُطَابِقِ الْكَذِبُ (وَغَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ الْجَاحِظِ قَالَ (الصِّدْقُ: الْمُطَابَقَةُ) أَيْ صِدْقُ الْخَبَرِ مُطَابَقَتُهُ (لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ طَابَقَ) اعْتِقَادُهُ (الْخَارِجَ أَوْ لَا وَكَذِبُهُ عَدَمَهَا) أَيْ عَدَمَ مُطَابَقَتِهِ لِاعْتِقَادِ الْمُخْبِرِ، طَابَقَ اعْتِقَادُهُ الْخَارِجَ أَوْ لَا (فَالسَّاذَجُ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَا لَيْسَ مَعَهُ اعْتِقَادٌ (وَاسِطَةٌ) بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ طَابَقَ الْخَارِجَ أَوْ لَا (وَالرَّاغِبُ) قَالَ (الصِّدْقُ فِي الْمُطَابَقَةِ الْخَارِجِيَّةِ مَعَ الِاعْتِقَادِ) لَهَا كَمَا قَالَ فِي الْجَاحِظِ (فَإِنْ فُقِدَ) أَيْ الْمُطَابَقَةُ الْخَارِجِيَّةُ وَاعْتِقَادُهَا أَيْ مَجْمُوعُهُمَا بِأَنْ فُقِدَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا (فَمِنْهُ كَذِبٌ) وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ صَدَقَ فَقْدُ اعْتِقَادِ الْمُطَابَقَةِ بِاعْتِقَادِ عَدَمِهَا أَوْ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ (وَ) مِنْهُ (مَوْصُوفٌ بِهِمَا) أَيْ بِالصِّدْقِ وَالْكَذِبِ (بِجِهَتَيْنِ) وَهُوَ مَا فُقِدَ فِيهِ وَاحِدٌ مِنْ الْمُطَابَقَةِ لِلْخَارِجِ، وَاعْتِقَادُهَا يُوصَفُ بِالصِّدْقِ مِنْ حَيْثُ مُطَابَقَتُهُ لِلِاعْتِقَادِ أَوْ لِلْخَارِجِ وَبِالْكَذِبِ مِنْ حَيْثُ انْتَفَتْ فِيهِ الْمُطَابَقَةُ لِلْخَارِجِ أَوْ اعْتِقَادُهَا فَهُوَ وَاسِطَةٌ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ.
(وَمَدْلُولُ الْخَبَرِ) فِي الْإِثْبَاتِ (الْحُكْمُ بِالنِّسْبَةِ) الَّتِي تَضَمَّنَهَا كَقِيَامِ زَيْدٍ فِي قَامَ زَيْدٌ مَثَلًا (لَا ثُبُوتُهَا) فِي الْخَارِجِ (وِفَاقًا لِلْإِمَامِ) الرَّازِيُّ فِي أَنَّهُ الْحُكْمُ بِهَا (وَخِلَافًا لِلْقَرَافِيِّ) فِي أَنَّهُ ثُبُوتُهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَدْلُولُ الْخَبَرِ الْحُكْمَ بِالنِّسْبَةِ بَلْ كَانَ ثُبُوتَهَا (لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا) أَيْ غَيْرَ ثَابِتِ النِّسْبَةِ فِي الْخَارِجِ، وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَذِبَ الْخَبَرِ بِأَنْ لَمْ تَثْبُتْ نِسْبَتُهُ فِي الْخَارِجِ لَيْسَ مَدْلُولَهُ حَتَّى يُنَافِيَ مَا جُعِلَ مَدْلُولُهُ مِنْ ثُبُوتِ النِّسْبَةِ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْخَبَرَ الْكَذِبَ تَخَلَّفَ فِيهِ الْمَدْلُولُ عَنْ الدَّلِيلِ ; لِأَنَّ دَلَالَتَهُ وَضْعِيَّةٌ لَا عَقْلِيَّةٌ، وَتَقْسِيمُ الْخَبَرِ إلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ وُجُودِ مَدْلُولِهِ مَعَهُ وَتَخَلُّفِهِ عَنْهُ نَعَمْ الْأَوَّلُ الْمُوَافِقُ لِلْإِمَامِ الرَّازِيُّ سَالِمٌ عَنْ هَذَا التَّخَلُّفِ وَتَقْسِيمُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ إلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ بِاعْتِبَارِ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ النِّسْبَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَيُقَاسُ عَلَى الْخَبَرِ فِي الْإِثْبَاتِ الْخَبَرُ فِي النَّفْي فَيُقَالُ: مَدْلُولُهُ الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ النِّسْبَةِ، وَقِيلَ: انْتِفَاؤُهَا، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ الْخَبَرِ كَذِبًا أَوْضَحُ كَمَا قَالَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَحْصُولِ لَمْ يَكُنْ الْكَذِبُ خَبَرًا وَمِنْ عِبَارَةِ التَّحْصِيلِ وَغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ الْخَبَرُ كَذِبًا.
(وَمَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) فِي الْخَبَرِ (النِّسْبَةُ الَّتِي تَضَمَّنَهَا لَيْسَ غَيْرُ كَقَائِمٌ فِي: زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو قَائِمٌ لَا بُنُوَّةُ زَيْدٍ) لِعَمْرٍو وَأَيْضًا فَقَائِمٌ الْمُسْنَدُ إلَى ضَمِيرِ زَيْدٍ مُشْتَمِلٌ عَلَى نِسْبَةٍ هِيَ قِيَامُ زَيْدٍ، وَهِيَ مَوْرِدُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَا بُنُوَّةُ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فِيهِ أَيْضًا ; إذْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِخْبَارَ بِهَا (وَمِنْ ثَمَّ) أَيْ مِنْ هُنَا وَهُوَ أَنَّ الْمَوْرِدَ النِّسْبَةُ أَيْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (قَالَ) الْإِمَامُ (مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: الشَّهَادَةُ بِتَوْكِيلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فُلَانًا شَهَادَةٌ بِالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ، وَوَجْهُ بِنَائِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَنَّ مُتَعَلَّقَ الشَّهَادَةِ خَبَرٌ كَمَا سَيَأْتِي (وَالْمَذْهَبُ) أَيْ الرَّاجِحُ عِنْدَنَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ (بِالنَّسَبِ) لِلْمُوَكِّلِ (ضِمْنًا وَالْوَكَالَةِ) أَيْ التَّوْكِيلِ (أَصْلًا) لِتَضَمُّنِ ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ الْمَقْصُودِ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ.

  #4  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


الكلام في الأخبار

المركب إما مهمل، وهو موجود خلافا للإمام، وليس موضوعا.
(ش) لا خلاف أن المهمل يوجد في المفردات أما المركبات بأن يكون المدلول لفظا مركبا مهملا – فقال الإمام: الأشبه أنه غير موجود، لأن التركيب إنما يصار إليه لغرض الإفادة، فحيث لا إفادة لا تركيب وخالفه البيضاوي ومثله بلفظ الهذيان فإن موضوعها ألفاظ مركبة مهملة فيقال لضرب من الهوس أو غيره لا يقصد بها الدلالة على شيء، وجرى عليه المصنف، وحكى الهندي كلام الإمام ثم قال: وهذا حق، إن عنى بالمركب ما يكون جزؤه دالا على جزء المعنى حين هو جزؤه وإن عنى به ما يكون لجزئه دلالة في الجملة ولو في غير معناه، وما يكون مؤتلفا من لفظين كيف كان التأليف، وإن لم يكن لشيء من أجزائه دلالة فهو باطل أما الأول فمثل: عبد الله، إذا كان علما فإن اسم العلم يدل عليه، وهو لفظ مركب على هذا التقدير غير دال على المعنى المركب، وأما الثاني: فلفظ الهذيان، فإنه يدل على المركب من مهملتين، أو من لفظة مهملة ومستعملة وهو غير دال على المعنى المركب، هذا إن أراد بعدم دلالته على معنى المعنى المركب، أما إن أراد به لا يدل على معنى أصلا، وأراد باللفظ المركب المعنى الثاني – فينتقض بالثاني دون الأول. انتهى. (وليس موضوعا) أي: للعرب بلا خلاف.
(ص) وإما مستعمل والمختار أنه موضوع.
(ش) يشير إلى الخلاف في أن المركبات موضوعة أم لا؟ والراجح – كما قاله القرافي وغيره – أنها موضوعة، لأن العرب حجرت في التراكيب كما حجرت في المفردات، فعلى هذا تكون دلالة المركب على معناه بالمطابقة لكن الذي رجحه النحويون، كابن مالك، وابن الحاجب وغيرهما، أنها ليست موضوعة، وإلا لكان استعمال الجمل يتوقف على النقل عن العرب كما في المفردات.
(ص) والكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته.
(ش) (ما تضمن من الكلم): بيان لجنس الكلام، وأنه ليس خطأ ولا رمزا ولا إشارة، وإطلاق الكلام عليها مجازا، و(ما) بمعنى شيء فيصلح للواحد فما فوقه وقوله: (من الكلم) يخرج به الواحد وهو أحسن من قول (المفصل): ( ما تركب من كلمتين) لشموله ذات الكلمات، فإن بعض الكلام تكثر أجزاؤه حتى يصير خمسين كلمة وستين كلمة وثمانية كلمة، كقوله تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض} إلى {يعقلون} وقوله تعالى: {إذا الشمس كورت} إلى {أحضرت} وقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} إلى {ما ملكت أيمانكم} وأحسن من قول ابن الحاجب: ما تضمن من كلمتين (لأنه إن سلم من عدم تناول ذي الكلمتين – لكن لم يتناول ذا الكلمات، لأن ما تضمن كلمتين) لا بد من كونه، ذا أجزاء من جملتها الكلمتان، فإن التضمن غير المتضمن، والشيء لا يتضمن نفسه، والمراد بالإسناد: تعليق خبر بمخبر عنه، كزيد قائم أو طلب مطلوب عنه، كاضرب فيخرج النسبة التقيدية، كنسبة الإضافة في: غلام زيد، ونسبة النعت في نحو: الرجل الخياط (من قولنا: جاء الرجل الخياط) واحترز بالمفيد من نحو: السماء فوق الأرض والواحد نصف الاثنين، فلا يسمى كلاما إلا مجازا، وبالمقصود: عن كلام النائم (والساهي والطيور والقابلة للتلقين، وبالذات: عن المقصود لغيره كجهله للشرط قبل جوابها فإنها ليست بكلام) لأنها لم تقصد لذاتها، بل المقصود لذاته هو الجواب، والشرط مذكور لأجله فإن قولك: إن يقم زيد أقم، لم تقصد الحديث عن زيد، بل عن نفسك بالقيام مشروطا بقيام زيد، وكذا الجمل الموصول بها، من: جاء أبوه، من قولنا: الذي جاء أبوه، لأن من شرط صحة الوصل بها كون معناها معهودا عند السامع، وإنما يقصد بها إيضاح معنى الموصول، لأنها منزلة منزلة جزء كلمة، والكلمة التامة ليست كلاما فكيف بما هو جزء منها؟
تنبيهات:
الأول: هذا التعريف ذكره ابن مالك في (التسهيل)، وهو لا يخلو عن إشكال، ولك أن تنازع في عدم تسمية نحو: السماء فوق الأرض – كلاما، لأنه خبر بدليل أن يقال فيه: صدقت أو كذبت، ومتى كان خبرا كان كلاما، لأنه قسم منه، ولا حاجة لقوله: مقصودا فإن ذكر الإسناد يغني عما احترز به عنه لما سبق في تفسير الإسناد وهو منتف في النائم ونحوه، وكذا لا حاجة للقيد الأخير، لأنهم شرطوا في جملة الصلة، والصلة كونها خبرية، وهو قسم من الكلام والظاهر أنه أخذ القيد هنا بالمعنى الأعم، لا ما يحسن السكوت عليه، وإلا فمتى أخذناه بهذا المعنى الخاص، فركنا الكلام، التركيب والإفادة ولهذا قال في (شرح الكافية): وفي الاقتصار على (مفيد) كفاية.
الثاني: هذا بالنسبة لاصطلاح النحاة، وقد سبق أول الاستثناء أن القاضي أبا بكر يشرط فيه صدوره من ناطق واحد، وسبق ما فيه في (الارتشاف) وليس من شرط الكلام، قصد الناطق به، ولا كونه صادرا من ناطق واحد، ولا إفادة المخاطب شيئا يجهله، خلافا لزاعمي ذلك بل إذا حصل الإسناد كان كلاما ولو من غالط أو ساه أو مخطئ أو من ناطقين أو تركيب لا يستفيد المخاطب منه شيئا أو تركيب محال. انتهى. وهذا اعتبار كثير من النحويين – أعني اعتبار التركيب الإسنادي فقط – وأما في اصطلاح الفقهاء فيطلق على الكلمة الواحدة، وأقل ما تكون من حرفين، أو حرف مفهم، ولهذا أبطلوا الصلاة به، قال ابن مالك في (التسهيل): ولهذا انتهى الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن الكلمة فما فوقها حين نهوا عن الكلام في الصلاة وهو شائع في اللغة، وفي (الصحاح) الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، فيقع على الكلمة الواحدة وعلى الكلام بخلاف الكلم فإنه لا يكون أقل من ثلاث كلمات.
الثالث: قال النحاة: لا يتركب الكلام إلا من اسمين، أو اسم وفعل، لأنه يستدعي محكوما عليه ومحكوما به، والمحكوم عليه لا يكون إلا اسما، والمحكوم به يصح أن يكون اسما وأن يكون فعلا.
ونقضه المنطقيون بالقضية الشرطية قالوا: ولا محيص عنه إلا بتخصيص المدعي بالقول الجازم ونقض أيضا بالنداء فإنه كلام مركب من اسم وحرف وأجيب بأن النداء في تقدير الفعل، وقيل عليه: لو كان في تقدير الفعل لكان محتملا للصدق والكذب، وجاز أن يكون خطابا مع الثالث، لأن الفعل الذي قدر النداء به كذلك وجوابه منع الملازمتين، وإنما يصدقان لو كان الفعل المقدر به إخبارا لا إنشاء، غاية ما في الباب أنه في بعض موارد الاستعمال إخبار، لكن لا يلزم منه أن يكون إخبارا في جميع الموارد، لجواز أن يكون من الصيغ المشتركة بين الإخبار والإنشاء كألفاظ العقود.
(ص) وقالت المعتزلة: إنه حقيقة في اللساني: (وقال الأشعري مرة: في النفساني وهو المختار ومرة: مشترك، وإنما يتكلم الأصولي في اللساني).
(ش) والكلام يطلق بثلاثة اعتبارات:
أحدها: اللفظي التام، وهو اصطلاح النحاة.
وثانيها: اللفظ الناقص وهو الكلمة الواحدة وهو اصطلاح اللغويين، وقد سبقا.
والثالث: النفسي، وهو الفكر التي يدبرها الإنسان في نفسه قبل أن يعبر عنها باللسان، وعبر عنه ابن مالك بالمعنوي فقال: وهو الذي أشار إليه عمر رضي الله عنه، إذ قال: وكنت زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقدمها بين يدي أبي بكر ومن الدليل على إثباته قوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم} وقوله تعالى: {والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} ومعلوم أن الله تعالى ما كذبهم في قوله: {إنك لرسول الله} لأنهم صدقوا فيه، بل في القول القائم بنفوسهم وهو قولهم في أنفسهم: ما أنت برسول. وقوله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} فأخبر أن ما يسره قول، وأيضا فإن قول القائل: افعل، يريد به الإيجاب أو الندب أو الإباحة، وصورة اللفظ واحد، فيعلم أن الإيجاب: معنى في النفس يتميز بالقرائن.
إذا علمت هذا، فاختلف في أنه حقيقة في ماذا على أقوال.
أحدها: أنه حقيقة في اللساني خاصة، وإنما خصه المصنف بالمعتزلة، لأنه لم يصر إليه أحد من أئمتنا.
والثاني: أنه حقيقة في النفساني، مجاز في اللفظي الدال عليه، تسمية للدليل باسم المدلول، فيطلق عليها كلام مجازا، لدلالتها على الكلام الحقيقي، كما تسمي علما في قولك: سمعت علما، وإنما تريد العبارات الدالة على المعلوم، والمجاز قد يشتهر اشتهار الحقائق، وهو أحد قولي الأشعري، واختاره إمام الحرمين في باب الأوامر من (البرهان) قال: لكون النفسي جنسا ذا حقيقة لا يتغير والعبارات تختلف فما لم يتغير الاسم له حقيقة وأنكر عليك ذلك، فإنه لا يتلقى معرفة الحقيقة والمجاز مثل ذلك، قال الهندي: ولا شك أن الاشتقاق لا يشهد لهم في أنه حقيقة في هذا المعنى، قلت: مرادهم في القديم لا يطلق الكلام، فإنهم يوافقونا على أنه في الحادث حقيقة في اللفظ، وإنما صار الأشعري في أحد قوليه إلى هذا فرارا من قول المعتزلة المؤدي إلى خلق القرآن، ومن قول الحشوية بأنه الحرف والصوت المؤدي إلى أن تكون الذات المقدسة محلا للحوادث، ولم يرد الأشعري أنه حقيقة لغوية، وقد قال الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي في كتاب (الحدود): الكلام نوعان: قديم، ومحدث: فالمحدث كلام المخلوقين، وينقسم إلى: معنى في النفس يجده كل عاقل بالضرورة قبل أن ينطق به، وإلى ما يكون أصواتا مترتبة، وكلاهما كلام على الحقيقة، والقديم: هو كلام الله سبحانه، قائم بذاته المقدسة لا يشبه كلام المخلوقين، فليس بحرف ولا صوت، لأن الكلام صفته (ومن شأن الصفة أن تتبع الموصوف، فإذا كان الموصوف لا يشبه شيئا فكذلك) صفاته لا تشبه صفات غيره، وإنما غلط الخصوم في إلحاقهم الغائب بالشاهد قال: فحصل أن كلام الخلق ينقسم إلى نفسي ولفظي بخلاف القديم وهو كما تقول: علم المخلوق ينقسم إلى ضروري وكسبي، بخلاف القديم فكما أن علمنا لا يشبه علمه، فكذلك كلامنا لا يشبه كلامه، وإن كان الكلام في الجملة حد جامع، وهي الصفة التي يستحق من قامت به أن يشتق منها اسم المتكلم لكن يختلفان في التفصيل، قال: ومن أصحابنا من قال: كلام الخلق في الحقيقة هو ما في النفس، وما يوجد بالنطق يسمى كلاما مجازا، قال: والأول أصح، لما قلناه ولأنه أحسم للشغب. انتهى.
والثالث: أنه حقيقة فيهما بالاشتراك، وعزاه الهندي للأكثرين، وقال إمام الحرمين: إنه الطريقة المرضية عندنا وهو معنى كلام الأشعري، وكذا قال ابن القشيري والشيخ أبو إسحاق وغيرهما، وقالوا: إنها تدرأ تشعب الخصوم، وحكاه في (المحصول) عن المحققين وقال الآمدي في (غاية المرام): إنكار تسمية النفسي كلاما لا يستقيم نظرا إلى إطلاق الوضع اللغوي، فإنه يصح أن يقال: في نفسي كلام، وفي نفس كلام ومنه قوله تعالى: {ويقولون في أنفسهم} قال: ولا نظر إلى كونه أصليا فيه أو فيما يدل عليه من العبارات أو فيهما كيف، وحاصل هذا النزاع ليس إلا في قضية لغوية، وإطلاقات لفظية، ولا حرج فيها بعد فهم المعنى، وكذا قال الأبياري في (شرح البرهان): المسألة لغوية محضة، والقطع بأحدهما لم يثبت عندي وأهل العربية مطبقون على إطلاق الكلام على الألفاظ.
(ص) فإن أفاد بالوضع طلبا، فطلب ذكر الماهية استفهام وتحصيلها أو تحصيل الكف عنها أمر ونهي، ولو من ملتمس وسائل.
(ش) فاعل أفاد هو المركب وأراد بالوضع أنه يفيده إفادة أولية، وعدل عن قول (المنهاج): بالذات للتنبيه على صواب العبارة واحترز عما يفيد الطلب باللازم، كقولك: أنا أطلب منك أن تذكر لي حقيقة الإنسان، فإنه لا يسمى استفهاما وأن تسقيني الماء فإنه لا يسمى أمراً لأنهما وإن دلا على الطلب لكن ليس بالصيغة، لأن صيغة الخبر لم توضع للطلب، وعدل عن قول (المنهاج): الطالب للماهية إلى قوله: (طلب ذكر الماهية) لأنها أحسن لموافقتها المقصود والحاصل أن المركب إن أفاد طلبا لذاته فإن كان الطلب لذكر ماهية الشيء فهو استفهام كقولك: ما هذا؟ ومن هذا؟ أو إن كان لتحصيل أمر ما من الأمور – فأمر، أو الكف عنه فنهي، وزاد المصنف هذا على قول (المنهاج): ولتحصيل أمر، فإنه إن أراد تحصيل الفعل الذي ليس بكف، فالتقسيم غير حاصر لخروج طالب الكف بالمنهي عنه وإن أراد تحصيل الفعل مطلقا كفا كان أو غيره، لزم دخول النهي في حد الأمر، وهما حقيقتان مختلفتان، فلهذا استوفى المصنف القسمين بالحصر، وهو بناء على أن الكف فعل وهو المختار. ومثال الملتمس: قول القائل لمماثله: افعل كذا، أو السائل هو المشتغل كقول من يجعل نفسه دون المطلوب منه وهو سؤال سواء كان دونه في نفس الأمر أم لا وما صرح به المصنف من دخولهما في الأمر بناء على ما سبق منه في باب الأوامر إن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء واستند إلى قول ابن دقيق العيد في شرح العنوان (أن تسمية التساوي بالالتماس اصطلاح خاص وقال الأبياري في شرح (البرهان): اختلف في تسمية الدعاء أمرا، فأباه النحويون وأكثر الأصوليين، ومنهم من قال: يصح أن يأمر الأدنى الأعلى، وهذا غير متحقق في التحريم والإيجاب، فإن قيل: كلامه إنما هو في المركب، وصيغة الأمر مفردة، لأن جزء لفظها لا يدل على جزء معناها – قلنا: في صيغة الأمر ضمير مستكن في حكم اللفظ به، بدليل توكيده وتثنيته وجمعه فقم، قم أنت قوما وقوموا.
(ص) وإلا فما لا يحتمل الصدق والكذب تنبيه وإنشاء ومحتملها الخبر.
(ش) أي وإن لم يفد بالوضع طلبا، أي لا يدل على طلب الفعل دلالة أولية، لكنه يدل عليه باللازم، فإما أن يحتمل الصدق والكذب أولا، فما لا يحتملها يسمى تنبيها، أي نبهت به على مقصودك بالكلام، ويندرج في التنبيه التمني، كـ(ليت) الشباب يعود والترجي نحو: لعل لي مالا فأنفقه، والقسم والنداء فإنه لا يحسن أن يقال لقائلها: صدقت أو كذبت، وهو في هذا متابع للمحصول فإنه جعل هذه الأقسام مما لا يدل على الطلب بالوضع لكن البيانيون أطلقوا عليها اسم الطلب وقالوا: إنه يتنوع إلى طلب حصول ما في الخارج أن يحصل في الذهن كالاستفهام أو طلب حصول ما في الذهن أن يحصل في الخارج، وقالوا: إنه ينحصر بالاستقراء في خمسة أقسام: الاستفهام والأمر، والنهي، والنداء، والتمني، وادعاء القرافي في (الفروق) الإجماع على أن الأمر و النهي والقسم والترجي والتمني والنداء من قسم الإنشاء – لا يخالف ما نقلناه عن البيانيين، لأنهم جزموا بأن الطلب من الإنشاء، وقسموا الإنشاء إلى طلب وغيره نعم الأمر والنهي ليسا من الإنشاء على طريقة الرازي، وتابعه المصنف، وقوله: وإنشاء أي ويسمى أيضا إنشاء من قولهم: أنشأ يفعل كذا، أي ابتدأ ثم نقل إلى إيقاع لفظ لمعنى يقارنه في الوجود، وقوله: ومحتملهما: أي وإن احتمل الصدق والكذب فهو الخبر، وزعم قوم منهم الغزالي أن التعبير بالتصديق والتكذيب أحسن من الصدق والكذب، لأن من الأخبار ما لا يحتمل إلا الصدق كخبر الصادق، وما لا يحتمل إلا الكذب، كما لو قال: الواحد نصف العشرة ولم يرتضه المصنف فإن احتماله لهما بحسب المفهوم، والخبر من حيث هو محتمل لذلك، وتعين أحد الاحتمالين في بعض الأفراد بحسب الخارج لخصوصية ومزية – لا يخرج احتمال ماهية الخبر، من حيث هي محتملاتها، ثم إن التصديق والتكذيب عبارة عن الإخبار بكون الكلام صدقا أو كذبا فتعريفه دور.
(ص) وأبى قوم تعريفه كالعلم والوجود والعدم، وقد يقال: الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه أي ماله خارج صدق أو كذب.
(ش) ذهب قوم – منهم الإمام الرازي – إلى أن الخبر لا يحد، لأنه ضروري لأن كل واحد يعلم أنه موجود، والخبر جزء من هذا الخبر وقيل: يعسر الحد، وهو كالخلاف في تعريف العلم والوجود والعدم، والصحيح خلافه، ثم اختلف القائلون بتحديده، فقيل: ما يحتمل الصدق والكذب، وقد سبق ومنهم من قال:
يعرف بتعريف مقابله فقال: الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام، كبعت وتزوجت وطلقت فإنه إذا وردت من المكلف رتب عليها الشرع مقتضياتها، إما مع اللفظ أو آخر حرف منه على الخلاف المشهور، والمراد بالخارج ما هو خارج عن كلام النفسي المدلول عليه بذلك اللفظ، والخبر بخلافه، أي ما يقال له في الخارج صدق أو كذب، والحاصل أن النسبة في الإنشاء وجودها مع وجود اللفظ لا وجود لها قبله والنسبة في الخبر خارجية قبل وجود اللفظ ثم اللفظ يخبر عنها وهو معنى قولهم: الإنشاءات يتبعها مدلولها، والأخبار تتبع مدلولاتها قال القرافي: وليس المراد التبعية في الوجود وإلا لما صدق ذلك إلا في الماضي فقط، فإن الحاضر مقارن، والمستقبل وجوده بعد الخبر، بل المراد أنه تابع لتقرر مخبره في زمانه ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا وقد أورد على هذا التعريف الإخبار عن المستقبلات نحو: سيقوم زيد فإنه عند النطق به ليس له خارج صدق ولا كذب، فلا يمكن وصفه بذلك وعند وجود المخبر ليس الخبر موجودا حتى يصفه بصدق، ولا شك أن الإخبار عن المستقبلات بوصف للصدق والكذب، قال تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} فلو قال: إن كان محكوما فيه بنسبة خارجية فهو الخبر – كما فعل ابن الحاجب – كان أولى، وكان بعض مشايخنا يقول: التحقيق أن لكل من نسبة الإنشاء والخبر العقليين نسبة في الخارج غير أن النسبة العقلية في الخبر تابعة للنسبة الخارجية، وأخرج الكلام تابعا لها في الظاهر والنسبة الخارجية في إنشاء تابعة للنسبة العقلية، أخرج الكلام ليوقع على حسبه.
تنبيهات:
الأول: قوله: (وقد يقال): إشارة إلى قول آخر خلاف ما ذكره أولا من التقسيم إلى ثلاثة: طلب وإنشاء وخبر، وهذا القائل قسمه إلى قسمين: خبر أو إنشاء وجعل الطلب داخلا في الإنشاء، لأنه ردد الكلام بين ما له خارج وبين ما لا خارج له، وجعل الإنشاء ما ليس له خارج، وذلك يشمل الطلب والإنشاء، وذهب ابن مالك إلى قول ثالث، وهو انقسامه إلى خبر وطلب، ويرد عليه أن من الكلام ما ليس خبرا ولا طلبا كالشرط في الإنشاء نحو: إن دخلت الدار فأنت طالق، فإنه ليس بخبر، إذ لا يحتمل الصدق والكذب ولا بطلب لانحصار الطلب عندهم في الأقسام الخمسة السابقة واعلم أن من حصره في ثلاثة أقسام (فسر الإنشاء بإيقاع لفظ بمعنى يقاربه في الوجود، كإيقاع البيع ببعت، ومن حصره في قسمين) فسر الإنشاء بما لا نسبة له في الخارج، وبهذا ينحل الإشكال المشهور في أن الطلب لا يدخل في الإنشاء، إذ الإنشاء لا بد فيه من المقارنة، والطلب بخلافه فإن هذا اعتراض مركب على المذهبين، فإن من قسمه قسمين لم يفسر الإنشاء بهذا التفسير.
الثاني: قوله: والخبر بخلافه أي ماله خارج، جعله هذا قسيما لما قبله – فيه نظر، فإن من فسر الإنشاء بما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام فسر الخبر بما يحصل وجوده في الخارج بغيره مثل: زيد منطلق فإنه يمكن علمه بالمشاهدة بخلاف الأمر والنهي فإنه لا يمكن استفادته إلا من المتكلم ومن فسر الخبر بما له خارج يطابقه أولا، فسر الإنشاء بما ليس له خارج أصلا، ولم يفسر أحد الطرفين، كما فصل المصنف، وقد أورد على القائلين) بما له خارج أن الخبر قد يكون متعلقه ذهنيا فلا يشترط في الخبر مطابقته لما في الخارج، بل مطابقته لما في نفس الأمر.
الثالث: وهو سؤال على قولهم: إن صدق الخبر ومطابقته للواقع فإن المخبر بالواقع قد أكذبه الله تعالى في القذف في قوله: {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} وقال العلماء: لا تصح توبته إلا بإكذابه نفسه (ولا شك قد يكون صادقا في نفس الأمر، فكيف يكون كاذبا ويؤمر بتكذيب نفسه)؟ وأجيب بأن القاذف كاذب في حكم الله تعالى، وإن كان خبره مطابقا لمخبره، أي أنه يعاقب معاقبة المفتري الكذاب، فلا تتحقق توبته حتى يعترف بأنه كاذب عند الله، كما أخبر به عنه، فإذا لم يعترف بذلك وقد جعله الله كاذبا، أي قوله له، مع إصراره على مخالفة حكم الله عليه بالكذب.
(ص) ولا مخرج له عنهما، لأنه إما مطابق للخارج، أو لا وقيل بالواسطة فالجاحظ: إما مطابق مع الاعتقاد ونفيه، أولا مطابق مع الاعتقاد ونفيه، فالثاني فيهما واسطة، وغيره: الصدق: المطابقة لاعتقاد المخبر، طابق الخارج أولا وكذبه عدمها، فالساذج واسطة، والراغب الصدق: المطابقة الخارجية مع الاعتقاد فإن فقدا فمنه كذب وموصوف بهما بجهتين.
(ش) ذهب الجمهور إلى أن الخبر لا يخرج عن كونه صدقا أو كذبا، لأنه إما أن يطابق المخبر عنه أو لا، والأول صدق، والثاني كذب، والعلم باستحالة حصول الواسطة بينهما على هذا التفسير – ضروري، وقيل: بينهما واسطة، واختف القائلون به على مذاهب: أحدها: قول الجاحظ صدق المخبر مطابقته للخارج، مع اعتقاد مطابقته وكذبه: عدم مطابقته مع اعتقاد المخبر عدم مطابقته وغيرهما ليس بصدق ولا كذب، فأثبت الواسطة في أربع صور، وهي ما إذا كان مطابقا وهو غير معتقد لشيء أو مطابقا وهو معتقد عدم المطابقة، أو غير مطابق وهو يعتقد المطابقة، أو غير مطابق ولا يعتقد شيئا، فالأربعة ليس بصدق ولا كذب وإليها أشار أولا بقوله: أو لا مطابق مع الاعتقاد ونفيه أي وما ليس معه الاعتقاد والمطابقة هو الواسطة، وقوله (مع الاعتقاد) أي (أو الظن) كذا حكاه عنه أبو الحسين في (المعتمد) قال: وقد أفسده عبد الجبار، بأن ظن المخبر واعتقاده يرجع إليه لا إلى الخبر، فلم يكن شرطا في كونه كذبا.
الثاني: صدق الخبر مطابقته لاعتقاد المخبر، سواء طابق الخارج أو لا، وكذبه عدمهما ولو كان صوابا وعلى هذا فالساذج واسطة ونعني بالساذج: الخبر الذي لا اعتقاد معه، أو معه اعتقاد العدم، ولكن صاحب الإيضاح البياني صرح بأن صاحب هذا القول لا يثبت الواسطة، وعلى هذا يدخل في قوله: (عدمها) ما لا اعتقاد معه أو معه اعتقاد العدم بل يدخل فيه خبر الشأن، والكل عنده كذب، وما فهمه المصنف في حكاية هذا القول – ذكره الخطيب، احتمالا في كلام صاحب (التلخيص) وهو اشتراط الاعتقاد فقط في كل من الطرفين، ليكون خبر غير المعتقد واسطة، لكنه لم يثبت عن أحد، بل أصل هذا القول غريب، قيل: إنه لم يحكه سوى صاحب (الإيضاح) وإن كان ظاهر عبارة ابن الحاجب تقتضيه إلا أن المحققين من شراحه حملوه على خلافه.
الثالث: وهو قول أبي القاسم الراغب في كتاب (الذريعة): أن الصدق التام هو المطابقة للخارج والاعتقاد معاً، فإن انخرم شرط من ذلك لم يكن صدقا تاما بل إما أن لا يوصف بالصدق والكذب كقول المبرسم الذي لا قصد له: زيد في الدار، فلا يقال له: إنه صدق ولا كذب، وأما أن يوصف تارة بالصدق وتارة بالكذب بنظرين مختلفين إذا كان مطابقا للخارج غير مطابق للاعتقاد كقول الكفار: {نشهد إنك لرسول الله} فإن هذا يصح أن يقال فيه: صدق، لكون المخبر عنه كذلك، ويصح أن يقال كذب، لمخالفة قوله ضميره فلهذا كذبهم الله تعالى، وكذلك إذا قال: من لم يعلم كون زيد في الدار، إنه في الدار، يصح أن يقال: صدق وأن يقال: كذب بنظرين مختلفين. انتهى.
إذا علمت هذا فما نقله المصنف عنه لا يطابق كلامه، لأنه لم يعرف مطلق الصدق بما ذكره، بل الصدق التام والصدق عنده قسمان. وكذا قوله: فإن فقدا فمنه كذب إنما تكلم على ما إذا فقد أحدهما ثم وصفه بالجهتين، إنما يكون في هذه الحالة لا في حالة فقدهما.
فائدة: الساذج بذال معجمة: قال في (المحكم): أي أصله ساده فمعرب.
(ص) ومدلول الخبر، الحكم بالنسبة لا ثبوتها، وفاقا للإمام وخلافا للقرافي وإلا لم يكن شيء من الخبر كذبا.

(ش) قال الإمام في (المحصول): إذا قلت: العالم حادث فمدلول هذا الكلام حكمه بثبوت الحدوث للعالم، لا نفس ثبوت الحدوث للعالم إذ لو كان مدلوله نفس ثبوت الحدوث للعالم لكان حيثما وجد قولنا: العالم محدث، كان العالم محدثا لا محالة، فوجب أن لا يكون الكذب خبرا ولما بطل ذلك علمنا أن مدلول الصيغة هو الحكم بالنسبة لا نفس النسبة. انتهى واعترض عليه بأنه توهم أن يكون الكذب متحققا لا بصفة الخيرية=، والواقع على هذا التقدير انتفاء الكذب وتوهم جماعة أن هذا انقلب على الإمام، وغيره في (التحصيل)، فقال: وإلا لم يكن الخبر كذبا وهو أيضا عبارة فاسدة لما توهم من أن كل خبر كذب، والحق أن عبارة الإمام صحيحة وتقريرها أن مدلول النسبة لو كان ثبوتا كان الكذب غير خبر، لكن اللازم منتف ضرورة أن الكذب أحد قسمي الخبر الذي هو صدق وكذب، فالملزوم مثله، وبيان الملازمة أن ثبوت النسبة وقوعها في الخارج، فلا يكون إلا خارجا عنه كذبا، وأوضح منها عبارة المصنف، ومن محاسنه أنه أخر التعليل عن ذكر الإمام لينبه على أن هذا التعليل لم يذكره الإمام والغرض منه وقوع الخطأ لقوم في فهمه، ومنهم من نازع الإمام في الدليل، وقال: إنه غير لازم، لأن اللفظ دليل على وجوب النسبة وقد لا تكون موجودة، لأن الخبر دليل بمعنى المعرف، وقد يتأخر المعرف عن (المعرف لأمر ما، ثم ما قاله قد يعكس، فيقال: لو كان مدلول النسبة الحكم لم يكن خبره كذبا) لأن كل من قال: قام زيد، فقد حكم بقيامه فيكون خبره مطابقاً سواء كان في الخارج أو لا ولا سيما والإمام قائل بأن الألفاظ وضعت بإزاء المعاني الذهنية ثم يقول: لو كان المدلول الحكم بالنسبة لكان الخبر إنشاء ولم يكن ثم خارج يطابقه، وإما أن العرب لم تضع الخبر إلا للصدق، قال: وظن جماعة من الفقهاء أن احتمال الخبر للصدق والكذب مستفاد من الوضع اللغوي، وليس كذلك بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق، لاتفاق اللغويين والنحاة على أن معنى قولنا: قام زيد – حصول القيام منه في الزمن الماضي ولم يقل أحد منهم: إن معناه صدور القيام أو عدمه، وإنما احتمله من جهة المتكلم لا من جهة الوضع اللغوي، وعلى هذا يستقيم قول محمد بن الحسن في (الجامع): إن أخبرتني أن فلانا قدم، يحنث بالصدق والكذب، لأنه يستعمل فيهما من جهة المتكلم والمخاطب، وقلت: وكذا قال أصحابنا لكن نضعف مذهب القرافي بأمور:
أحدها: القول بأن المركبات ليست موضوعية.
ثانيها: ما ذكره المصنف من القاعدة.
ثالثها: لا نسلم أن مدلول: قام زيد، حصول القيام، وإنما مدلوله الحكم بحصوله القيام، وذلك يحتمل الصدق والكذب.
رابعها: اتفاق الناس على أن الخبر أعم من الصدق والكذب.
(ص) ومورد الصدق والكذب النسبة التي تضمنها ليس غير كقائم، في: زيد ابن عمرو قائم، لا بنوة زيد، ومن ثم قال مالك وبعض أصحابنا الشهادة بتوكيل فلان ابن فلان فلانا – شهادة بالوكالة فقط، والمذهب، بالنسب ضمنا والوكالة أصلا.
(ش) مورد الصدق والكذب في الخبر هو النسبة التي تضمنها الخبر لا واحد من طرفيها، فإذا قيل: زيد بن عمرو قائم، فقيل: صدقت أو كذبت فالصدق والكذب راجعان إلى القيام لا إلى بنوة زيد وقوله: ومن ثم، أي من هناك وهو أن الثابت النسبة فقط، قال مالك وبعض أصحابنا إذا شهد شاهدان بأن فلان بن فلان وكل فلانا، كانت شهادة بالتوكيل، ولا يستفاد منها، أنهما شهدا بالبنوة، فليس له في محاكمة أخرى في البنوة أن يقول: هذان شهدا لي بالبنوة لقولهما في شهادة التوكيل: إني فلان ابن فلان، والمذهب الصحيح عندنا أنه شهادة بالوكالة أصلا، وهذا واضح لأنه مورد الكلام ومقصده وبالنسب ضمنا، وهذا قد يستشكل على هذا الأصل، ولا إشكال فيه، لأنا لما صدقنا الشاهدين كان قولهما متضمنا لذلك، وهذه المسألة مذكورة في (الإشراف) للهروي و(الحاوي) للماوردي، و(البحر) للروياني واعلم أن هذه القاعدة مهمة، وقد أهملها الأصوليون وذكرها البيانيون كالسكاكي ومنهم أخذ المصنف وقد أورد عليهم ما رواه البخاري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقال للنصارى يوم القيامة ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد)) وكذلك استدل الشافعي رضي الله عنه وغيره من الأئمة على صحة أنكحة الكفار بقوله تعالى: {وقالت امرأة فرعون} وينبغي أن يخرج الفرع الذي ذكره المصنف تفصيلا في المسألة، وهو يدل على نسبة المحمول للموضوع بالمطابقة وعلى غيره بالالتزام قال بعضهم: وهذا هو الحق, وينبغي أن يستثنى من ذلك ما لو كانت صفة المسند إليه مقصودة بالحكم بأن يكون المحكوم عليه في المعنى الهيئة الحاصلة من المسند إليه كقوله عليه الصلاة والسلام: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) فإنه لا يخفى أن المراد الذي جمع كرم نفسه وآبائه وهو يوسف وليس المراد الإخبار عن الكريم الذي اتفق له صفة الكرم كما في قولك: زيد العالم قائم وكذلك الصفات الواقعة في الحدود نحو: الإنسان حيوان ناطق فإن المقصود الصفة والموصوف معا، ولو قصدت الإخبار بالموصوف فقط لفسد الحد، ولم يقف والد المصنف على نقل في المسألة، فقال في (فتاويه): إنه لا يدل على ذلك في كلام الآدميين, وإن دل فبالالتزام وهو غير نافع، بل لا بد أن يصرح به الشاهد بخلاف كلام الله تعالى، فإنه محتج به وبما يدل عليه مطابقة كان أو التزاما فافهم الفرق بين الموضعين فهذا كلامه.
فائدة: يجوز في قوله: ليس غير، أربعة أوجه: فتح الراء وضمها بلا تنوين فيهما على إضمار الاسم، وبالتنوين فيهما، وعدل عن قول غيره من المصنفين: لا غير لأن بعضهم لحنهم في ذلك، وقال: إنها تقطع عن الإضافة لفظا إذا تقدمت (كلمة ليس، خاصة ونازع في ذلك آخرون منهم ابن بري وقال: ويجوز بناؤها على الضم، مع لا، لانقطاعها) عن الإضافة كما فعل بقبل وبعد، والتقدير: لا غير ذلك، فلما منعت الإضافة رفعت.

  #5  
قديم 18 ذو الحجة 1429هـ/16-12-2008م, 09:29 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: الكلام في الأخبار
المركب إما مهمل وهو موجود خلافا للإمام وليس موضوعا وإما مستعمل والمختار أنه موضوع.
ش: صدر الكلام في الأخبار بمقدمة، وهي أن المركب سواء أكان مهملا أو مستعملا هل هو موضوع للعرب أم لا؟
أما المركب المهمل فقال الإمام فخر الدين: الأشبه أنه غير موجود، لأن الغرض من التركيب الإفادة وتبعه صاحبا (التحصيل) و(الحاصل) وخالفهما البيضاوي ومثل له بالهذيان فإنه لفظ مدلوله لفظ مركب مهمل، ورجحه المصنف.
وما ذكره الأولون إنما يدل على أن المهمل غير موضوع، لا على أنه لم يوضع له اسم وهذا معنى قول المصنف: (إنه ليس موضوعا) بعد قوله: (إنه موجود) فأراد بوجوده وجود اسم دال عليه، وبكونه ليس موضوعا أن نفس ذلك اللفظ المهمل لم تضعه العرب ولا يجوز نسبته إليها لا حقيقة ولا مجازا، وهذا لا خلاف فيه، وأما المركب المستعمل فرجح ابن الحاجب وابن مالك وغيرهما أنه ليس موضوعا، وإلا لتوقف استعمال الجمل على النقل عن العرب كالمفردات ورجح المصنف تبعا للقرافي وغيره أنه موضوع لأن العرب حجرت في التراكيب كما حجرت في المفردات. وقد ظهر لك بهذا التقرير أن الكلام في المهمل والمستعمل ليس على حد سواء، فالكلام في المهمل في وضع اسم دال عليه، وفي المستعمل في وضعه وهل هو وضعته العرب كما وضعت المفردات أم لا؟ وكان ينبغي ذكر الأول في تقسيم الألفاظ كما فعل البيضاوي والثاني في الوضع.
ص: والكلام ما تضمن من الكلم إسنادا مفيدا مقصودا لذاته.
ش: هذا التعريف لابن مالك في (التسهيل).
فقوله: (ما) جنس بمعنى شيء.
وخرج بقوله: (تضمن من الكلم) الخط والرمز والإشارة وإطلاق الكلام عليها مجاز وخرج بـ (الكلم) الكلمة الواحدة وهو أحسن من قول (المفصل): (ما تركب من كلمتين) لأنه يخرج عنه ما تركب من أكثر منهما، ومن قول ابن الحاجب: (ما تضمن كلمتين) لأنه لا يتناول المركب من كلمتين لأن لفظ التضمن يقتضي أن يكون له أجزاء تزيد على الكلمتين.
والمراد بالإسناد تعليق خبر بمخبر عنه، كزيد قائم، أو طلب بمطلوب كاضرب.
وخرج بالمفيد نحو: قولهم: السماء فوقنا فإنه لا يسمى في اصطلاح النحاة كلاما وبالمقصود كلام النائم والناسي والطيور.
وخرج بقولنا: (لذاته) المقصود لغيره، كالجملة التي هي صلة الموصول، فإنه إنما قصد بها إيضاح معنى الوصول.
ص: وقالت المعتزلة: إنه حقيقة في اللساني، وقال الأشعري مرة: في النفساني، وهو المختار، ومرة: مشترك، وإنما يتكلم الأصولي في اللساني.
ش: لا شك في إطلاق الكلام على اللساني والنفساني وهو الفكر التي يدبرها الإنسان في نفسه قبل أن يعبر عنها، وفي التنزيل {ويقولون في أنفسهم} {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور}.
وقال الشاعر:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
واختلف في أنه حقيقة في ماذا على أقوال:
أحدها: إنه حقيقة في النفساني وحكاه المصنف عن المعتزلة، لأنه لم يصر إليه أحد من أئمتنا.
الثاني: إنه حقيقة في النفسي وهو أحد قولي الأشعري واختاره المصنف تبعا لإمام الحرمين في باب الأوامر من (البرهان).
قال الشارح: ومرادهم في الكلام القديم لا مطلق الكلام فإنهم يوافقون على أنه في الحادث حقيقة في اللفظ، وإنما صار الأشعري في أحد قوليه إلى هذا فرارا من قول المعتزلة المؤدي لخلق القرآن، ومن قول الحشوية بالحرف والصوت المؤدي إلى أن يكون الذات المقدسة محلا للحوادث ولم يرد الأشعري أنه حقيقة لغوية.
الثالث: إنه حقيقة فيهما بالاشتراك وهو أحد قولي الأشعري، وقال إمام الحرمين: إنه الطريقة المرضية عندنا وهو معنى كلام الأشعري، وحكاه في (المحصول) عن المحققين والصفي الهندي عن الأكثرين.
ثم ذكر المصنف أن الأصوليين إنما يتكلمون في اللساني، وقال الإبياري في (شرح البرهان): أهل العربية مطبقون على إطلاق الكلام على الألفاظ.
ص: فإن أفاد بالوضع طلبا فطلب ذكر الماهية استفهام وتحصيلها أو تحصيل الكف عنها أمر ونهي ولو من ملتمس وسائل وإلا فما لا يحتمل الصدق والكذب تنبيه وإنشاء ومحتملهما الخبر.
ش: قسم المصنف المركب أو الكلام إلى أقسام:
أحدها: أن يفيد بالوضع طلب ذكر الماهية وهو الاستفهام.
ثانيها: أن يفيد بالوضع طلب تحصيلها وهو الأمر.
ثالثها: أن يفيد بالوضع طلب الكف عنها وهو النهي.
فقول المصنف: (وتحصيلها أو تحصيل الكف عنها أمر ونهي). من اللف والنشر المرتب.
وقوله: (ولو من ملتمس) أي ولو صدر ذلك من ملتمس وهو المساوي في الرتبة (وسائل) وهو الأسفل في الرتبة, فالقسمان داخلان في الأمر بناء على ما سبق أنه لا يشترط فيه علو ولا استعلاء.
وخرج بالوضع الطلب اللازم، كقولك: أطلب منك أن تذكر لي حقيقة الإنسان، أو أن تسقيني ماء، أو أن لا تؤذيني فلا يسمى الأول استفهاما ولا الثاني أمرا ولا الثالث نهيا.
رابعها: أن لا يكون فيه طلب أصلا، أو يكون فيه طلب بلازمه لا بذاته كما تقدم تمثيله ولا يحتمل الصدق والكذب وهو التنبيه والإنشاء فهما لفظان مترادفان فإن سمى بالأول لأنك نبهت به على مقصودك، وبالثاني لأنك ابتكرته من غير أن يكون موجودا قبل ذلك في الخارج من قوله تعالى: {إنا أنشأناهن إنشاء} ويندرج فيه التمني والترجي والنداء والقسم.
والفرق بين الترجي والتمني أن الترجي لا يستعمل إلا في الممكن بخلاف التمني فإنه يستعمل في الممكن والمستحيل تقول: ليت الشباب يعود، ولا تقول: لعل الشباب يعود.
خامسها: أن لا يكون فيه طلب بذاته، ويحتمل الصدق والكذب وهو الخبر. وذكر الغزالي وغيره أن التعبير بالتصديق والتكذيب أحسن من الصدق والكذب، لأن من الخبر ما لا يحتمل الكذب، كقولنا: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه ما لا يحتمل الصدق كقول القائل: مسيلمة صادق، مع أن كلا من المثالين يحتمل التصديق والتكذيب، ولذلك كذب بعض الكفار الأول، وصدق الثاني وفيه نظر فإن الخبر من حيث هو محتمل الصدق والكذب وسقوط أحد الاحتمالين في بعض الصور لعارض لا يخرجه عن احتمال ماهيته لذلك وأيضا فالتعبير بالتصديق والتكذيب قال في (المحصول) رديء لأن التصديق والتكذيب كون الخبر صدقا أو كذبا فتعريفه به دور، قال: والحق أن الخبر تصوره ضروري لا يحتاج إلى حد ولا رسم.
ص: وأبى قوم تعريفه كالعلم والوجود والعدم وقد يقال الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام والخبر خلافه أي ما له خارج صدق أو كذب.
ش: بعد أن يعرف الخبر بما تقدم حكي عن قوم منهم فخر الدين الرازي أنه لا يعرف أي لا بحد ولا برسم لأنه ضروري وقيل بعسره، ونظير ذلك العلة والوجود والعدم فإن كلا منهم قيل فيه ذلك، لأنه ضروري والصحيح فيها خلافه، ثم أشار إلى مقالة أخرى في تعريف الإنشاء والخبر وهي أن الإنشاء ما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام كبعت وتزوجت وطلقت فإن الشرع رتب عليها مقتضاها إما مع اللفظ أو آخر جزء منه على الخلاف المشهور في ذلك، والخبر خلافه، أي ما كان مدلوله حاصلا في الخارج قبل الكلام إما على سبيل الصدق أو الكذب، وهذا معنى قول بعضهم الإنشاء يتبعه مدلوله والخبر يتبع مدلوله.
وهذا التعريف للإنشاء أعم من التعريف المذكور أولا لتناوله الطلب فإنه إنما يحصل مدلوله في الخارج بالكلام ولا خارج له قبل ذلك، فعلى الأول الكلام ثلاثة أقسام: الطلب والإنشاء والخبر. وعلى الثاني قسمان فقط: الإنشاء والخبر والطلب داخل في قسم الإنشاء. وتفسير الإنشاء على الأول: إيقاع لفظ لمعنى يقاربه في الوجود. وعلى الثاني ما لا نسبة له في الخارج، وقد أورد على الثاني الإخبار عن المستقبل نحو: سيقوم زيد فإنه خبر قال الله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} مع أنه عند النطق به ليس له خارج صدق ولا كذب فلا يمكن وصفه بذلك.
ص: ولا مخرج له عنهما لأنه إما مطابق للخارج أو لا وقيل بالواسطة فالجاحظ إما مطابق مع الاعتقاد ونفيه أو لا مطابق مع الاعتقاد ونفيه فالثاني فيهما واسطة وغيره: الصدق المطابقة لاعتقاد المخبر طابق الخارج أو لا وكذبه عدمها فالساذج واسطة والراغب: الصدق في المطابقة الخارجية مع الاعتقاد فإن فقد فمنه كذب وموصوف بهما بجهتين.
ش: قد تقرر انقسام الخبر إلى صدق وكذب، ثم اختلفوا هل بينهما واسطة أم لا، فقال الجمهور: لا واسطة بينهما ولا يخرج الخبر عن كونه صدقا أو كذبا، لأنه إما أن يطابق الخارج المخبر عنه أو لا، فإن طابقه فهو صدق وإن لم يطابقه فهو كذب، ولا عبرة باعتقاد المخبر وذهب آخرون إلى أن بينهما واسطة، ثم اختلف هؤلاء على مذاهب:
أحدها: وبه قال الجاحظ: أنه يعتبر في الصدق المطابقة مع اعتقاد المخبر ذلك، وفي الكذب عدم المطابقة مع اعتقاد المخبر ذلك، فإن طابق مع انتفاء اعتقاد المخبر المطابقة – إما لاعتقاده عدمها وإما لخلوه عن اعتقاد أو لم يطابق مع انتفاء اعتقاد المخبر عدم المطابقة إما لاعتقاده للمطابقة وإما لخلوه عن اعتقاد لم يكن صدقا ولا كذبا، بل هو واسطة بينهما وهي أربعة أقسام وقد تناولها قول المصنف: (والثاني فيهما واسطة) ومراده بالثاني نفي الاعتقاد وقوله: (فيهما) أي في المطابق وغير المطابق، ولا يتوقف ذلك عند الجاحظ على الاعتقاد الجازم بل الظن في معناه، كذا حكاه عنه أبو الحسين في المعتمد، قال: وقد أفسده عبد الجبار بأن ظن المخبر واعتقاده يرجع إليه لا إلى المخبر، فلم يكن شرطا في كونه كذبا.
الثاني: أنه يعتبر في الصدق المطابقة لاعتقاد المخبر خاصة، سواء طابق الخارج أم لا، وفي الكذب عدم المطابقة لاعتقاد المخبر سواء طابق في الخارج أم لا، فيخرج عنهما ما إذا لم يكن للمخبر في ذلك اعتقاد وهو مراد المصنف بالساذج وهو بذال معجمة، قال في (المحكم): أرى أصله ساذه فعرب، فهذا واسطة بينهما لا يسمى صدقا ولا كذبا حكاه المصنف عن غير الجاحظ وذكر الخطيئي ذلك احتمالا في كلام صاحب (التلخيص) لكن صرح صاحب (الإيضاح) في علم المعاني والبيان بأن صاحب هذا القول لا يثبت واسطة بينهما، فعلى هذا يدخل في قوله: (عدمها) ما لا اعتقاد معه، وهذا القول في أصله غريب، وقيل: إنه لم يحكه إلا صاحب (الإيضاح).
الثالث: وهو قول أبي القاسم الراغب، إنه يعتبر في الصدق المطابقة في الخارج مع اعتقاد المخبر ذلك، كذا أطلق المصنف عنه وإنما اعتبر الراغب هذا في الصدق التام، قال: فإن كان اختل أحدهما لم يكن صدقا تاما، بل فيه تفصيل إن انتفى الاعتقاد ككلام المبرسم لم يوصف بصدق ولا كذب وإن كان مطابقا للخارج دون الاعتقاد كقول المنافقين {نشهد إنك لرسول الله} فيصح وصفه بالصدق لمطابقته للخارج وبالكذب لمخالفته لاعتقادهم، ولذلك كذبهم الله تعالى.
وقد ظهر لك بهذا التقرير أن قول المصنف: (فقدا) غير مطابق لكلام الراغب فإنه إنما ذكر ذلك في فقد أحدهما، فنقل المصنف عنه محتمل من وجهين. أما إذا فقد أي المطابقة في الخارج والاعتقاد فهو عنده كذب تام.
ص: ومدلول الخبر الحكم بالنسبة لا ثبوتها وفاقا للإمام وخلافا للقرافي وإلا لم يكن شيء من الخبر كذبا.
ش: مدلول الخبر الحكم بثبوت النسبة لا نفس الثبوت، فإذا قلت: زيد قائم، فمدلوله الحكم بثبوت قيامه لا نفس ثبوت قيامه إذ لو كان الثاني لزم منه أن لا يكون شيء من الخبر كذبا، بل يكون كله صدقا، وقد ذكر الإمام هذا في (المحصول) لكنه قال في التعليل: وجب أن لا يكون الكذب خبرا فقال بعضهم: هذا معكوس لأن مقتضاه أن يكون الكذب متحققا لا بصيغة الخبرية، والواقع على هذا التقرير انتفاء الكذب فلهذا قال في (التحصيل): وإلا لم يكن الخبر كذبا وهو تعبير فاسد لإيهامه أن كل خبر كذب، فلذلك عدل عنه المصنف إلى قوله: (شيء من الخبر) وهو تعبير حسن، لكن تعليل الإمام أيضا صحيح، وتقريره أن مدلول النسبة لو كان ثبوتيا لكان الكذب غير خبر لكن اللازم منتف ضرورة أن الكذب أحد قسمي الخبر الذي هو صدق وكذب، فالملزوم مثله وبيان الملازمة أن ثبوت النسبة وقوعها في الخارج فغير الواقع في الخارج ليس خبرا على هذا، وتعليل المصنف أوضح، ولما لم يكن نفس تعليل الإمام لم يصله به، لئلا يتوهم أنه من كلامه، وخالف القرافي في ذلك فقال: إن العرب لم تضع الخبر إلا للصدق لاتفاق اللغويين والنحويين على أن معنى: (قام زيد) حصول القيام منه في الزمن الماضي، واحتماله للكذب ليس من الوضع بل من جهة المتكلم كذا قال وهو شاذ.
ص: ومورد الصدق والكذب النسبة التي تضمنها ليس غير كقائم في: (زيد بن عمرو قائم) لا بنوة زيد، ومن ثم قال مالك وبعض أصحابنا: الشهادة بتوكيل فلان بن فلان فلانا شهادة بالوكالة فقط، والمذهب بالنسب ضمنا والوكالة أصلا.
ش: هذه قاعدة مهمة أهملها أهل الأصول وأخذها المصنف من البيانيين كالسكاكي وغيره وتقريرها أن مورد الصدق والكذب في الخبر هو النسبة التي تضمنها الخبر لا واحد من طرفيها وهما المسند والمسند إليه فإذا قيل: (زيد بن عمرو قائم) فقيل: صدقت أو كذبت، فالصدق والكذب راجعان إلى القيام لا إلى النبوة الواقعة في المسند إليه ولهذا قال مالك وبعض الشافعية: إذا شهد شاهدان بأن فلان بن فلان وكل فلانا، فهي شهادة بالوكالة فقط ولا ينسب إليهما الشهادة بالنسب، فليس له عند التنازع في النسب أن يكون قد ثبت نسبي بتلك الشهادة لكن الصحيح عندنا أنها تتضمن الشهادة بالنسب وإن كان أصل الشهادة إنما هو بالوكالة، ذكره الهروي في (الإشراف) والماوردي والروياني، قال الشارح: وينبغي أنه يستثنى من ذلك ما لو كانت صفة المسند إليه مقصودة بالحكم بأن يكون المحكوم عليه في المعنى الهيئة الحاصلة من المسند إليه وصفته، كقوله عليه الصلاة والسلام: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)) فإن المراد الذي جمع كرامة نفسه وآبائه وكذلك الصفات الواقعة في الحدود، نحو: الإنسان حيوان ناطق فإن المقصود الصفة والموصوف معا، ولو قصدت الإخبار بالموصوف فقط لعسر الحد. انتهى.
واعلم أنه يرد على هذه القاعدة الحديث المرفوع في صحيح البخاري: ((يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله. فيقال: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد)) وكذلك استدل الشافعي وغيره على صحة أنكحة الكفار بقوله تعالى: {وقالت امرأت فرعون} قلت: وقد يدعى أن الآية والحديث مما استثناه الشارح من موضع الخلاف، فإن قصد عابدي المسيح بنسبته إلى الله إقامة حجتهم في عبادته، وأريد في الآية التعجب من صدور هذه المقالة البديعة في الحسن منها مع انتسابها إلى ذلك المتمرد العاتي، ويمكن أن الذي خص ذلك بالنسبة أراد دلالة المطابقة وهذه دلالة تضمن كما تقدم وأن من قال: لا يثبت النسب بذلك لا ينكر هذه الدلالة ولكنه لا يثبت النسب بدلالة التضمن، وإنما يثبتها بدلالة المطابقة، والله أعلم.
تنبيه:
عبر المصنف بقوله (ليس غير) لإنكار بعضهم أن يقال: لا غير، وقال: إنما يقطع (غير) عن الإضافة مع (ليس) فقط، لكن أنكر ذلك ابن بري وسوى بينهما، ويجوز فيه ضم الراء وفتحها، مع التنوين فيهما وتركه، فهذه أربعة أوجه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الكلام, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:11 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir