دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > قواعد الأصول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1431هـ/2-04-2010م, 04:46 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي 2: السنة النبوية

و(السنة) : ما ورد عن النبي من قول غير القرآن أو فعل أو تقرير .
فـ(القول) حجة قاطعة يجل على من سمعه العمل بمقتضاه لدلالة المعجزة على صدقه .
وأما (الفعل) فما ثبت فيه أمر الجبلة كالقيام والقعود , وغيرهما فلا حكم له ، وما ثبت خصوصه به كقيام الليل فلا شركة لغيره فيه ، وما فعله بياناً إما بالقول كقوله ((صلّوا كما رأيتموني أصلي)) ، أو بالفعل , كقطع يد السارق من الكوع ، فهو معتبر اتفاقاً في حق غيره ، وما سوى ذلك فالتشريك ، فإن عُلم حكمه من الوجوب والإباحة وغيرهما فكذلك اتفاقاً ، وإن لم يُعلم ففيه روايتان : إحداهما : أن حكمه الوجوب كقول أبي حنيفة وبعض الشافعية ، والأخرى الندب ، لثبوت رجحان الفعل دون المنع من الترك .
وقيل : الإباحة ، وتوقف المعتزلة ، للتعارض . والوجوب أحوط .
وأما (تقريره) وهو ترك الإنكار على فعل فاعل ، فإن عُلم علة ذلك كالذمي على فطره رمضان ، فلا حكم له ، وإلا دل على الجواز .
ثم (العالم) بذلك منه بالمباشرة إما بسماع القول أو رؤية الفعل والتقرير . فقاطع به ، وغيره إنما يصل إليه بطريق الخبر عن المباشر ، فيتفاوت في قطعيته بتفاوت طريقه لأن الخبر يدخله الصدق والكذب ، ولا سبيل إلى القطع بصدقه لعدم المباشرة .

  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1431هـ/3-04-2010م, 06:31 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تيسير الوصول إلى قواعد الأصول للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان

والسنّة: ما ورد عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من قولٍ غير القرآن، أو فعل، أو تقرير، (فالقول) حجة قاطعة يجب على من سمعه العمل بمقتضاه؛ لدلالة المعجز على صدقه.
قوله: (والصحيح: أن المتشابه: ما يجب الإيمان به، ويحرم تأويله) المراد بالتأويل هنا: صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقتضيه، وهو قد يكون صحيحاً مقبولاً إن دلّ عليه دليل صحيح، وقد يكون فاسداً مردوداً إن لم يكن كذلك، فهو على الأول من باب التأويل بمعنى التفسير، وعلى الثاني من باب تحريف الكلام عن مواضعه.
مثال الأول: قوله تعالى: {{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}} [النحل: 1] فهذا ماضٍ، ولكنه يصرف إلى المستقبل؛ لأنه لم يأت بعدُ، بدليل {{فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}} وبدليل: {{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} ...} [النحل: 98] أي: أردت أن تقرأ، وإنما جاء لفظ الماضي تنبيهاً على تحقق وقوعه.
ومثال الثاني: قوله تعالى: {{الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *}} [طه: 5] فظاهره العلو اللائق بالله، وهذا هو المراد، فصرفه إلى معنى الاستيلاء باطل؛ لأنه ليس عليه دليل صحيح، بل هو من تحريف الكلام عن مواضعه. وأمَّا إن أريد بالتأويل التفسير فهو صحيح بالنسبة إلى معنى الصفة، كمعرفة معنى الاستواء، لا الكيفية، كما سيأتي إن شاء الله.
قوله: (كآيات الصفات) أي: إن آيات الصفات كقوله تعالى: {{الرَّحْمَانُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى *}} من المتشابه الذي يجب الإيمان به ويحرم تأويله، وهذا فيه نظر، فإن آيات الصفات لا يطلق عليها اسم المتشابه بهذا المعنى؛ لأن معناها معلوم في اللغة العربية وليس متشابهاً، وأمَّا كيفية اتصافه جلّ وعلا بها فهو مما استأثر الله تعالى بعلمه، وهي من المتشابه بهذا الاعتبار، فالاستواء إذا عُدّي بعلى فمعناه في اللغة: العلو والارتفاع، وأما كيفية استوائه سبحانه وتعالى على عرشه فلا يعلمها إلا هو.
وقد ردّ ابن تيمية رحمه الله هذا التفسير وبيّن فساد القول بأن آيات الصفات من المتشابه الذي لا يفهم معناه، وقرر أن معناها معلوم، كما قال الإمام مالك رحمه الله وغيره من سلف هذه الأمة، وأما الكيفية فلا تُعلم، ولا يجوز لأحد السؤال عنها[(185)].
والأظهر ـ والله أعلم ـ أن المحكم ما عُرف المراد منه، إما بالظهور، وإما بالتأويل، والمتشابه ما خفي معناه حيث يشتبه على بعض الناس، لكن من رَدَّ المتشابه إلى المحكم تبيّن له المراد، وتعيَّن له وجه الصواب، ومن اقتصر على المتشابه ضلّ سواء السبيل، كقوله تعالى: {{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ}} [النساء: 171] فالنصارى احتجوا بهذه الآية على أن عيسى ابن الله، ولم يرجعوا إلى قوله تعالى في عيسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ: {{إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ}} [الزخرف: 59] وقوله تعالى: {{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ}} [آل عمران: 59] .
ومن المتشابه ما لا يعلمه إلا الله تعالى، مثل كيفية الصفات، وما في اليوم الآخر مما أخبر الله. وهذا لا يُسأل عنه؛ لتعذر الوصول إليه[(186)].
ومن حكمة خطاب الخلق بالمتشابه الذي لا يفهم معناه: اختبارهم وامتحانهم بالإيمان بما لا يعلمون معناه، ويدل لذلك قوله تعالى عن الراسخين: {{آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}} [آل عمران: 7] .
الأصل الثاني: السنّة
قوله: (والسنّة) شرع المصنف رحمه الله في الكلام على الأصل الثاني من أصول الأدلة الشرعية، وهو السنّة. وقد تقدم معنى (السنّة) لغة، وبيان إطلاقاتها في باب «المندوب».
قوله: (ما ورد عن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم من قولٍ غير القرآن أو فعل أو تقرير) هذا تعريف السنّة في اصطلاح الأصوليين. فهي قول وفعل وتقرير، ويضيف المحدثون: أو صفة، فمعناها عندهم أعم؛ لأنهم أهل العناية برواية الأخبار، وبعض الأصوليين ـ كالبيضاوي ـ يعرّف السنّة بأنها قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم وفعله، ولا يذكر التقرير؛ لأنه فعل؛ إذ هو كف عن الإنكار؛ والكفُّ فِعْلٌ، على المختار [(187)]، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ توضيح كل نوع مع الأمثلة.
وقوله: (غير القرآن) هذا ما عليه أكثر الأصوليين[(188)]، وهو إخراج القرآن من مفهوم السنّة، وأن قول النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا كان وحياً كالقرآن فإنه لا يقال فيه: إنه من السنّة، والمحدثون لا يذكرون هذا الاستثناء، وهو الأظهر.
قوله: (فالقول حجة قاطعة يجب على من سمعه العمل بمقتضاه) أي: إن قول النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم حجة قاطعة على من سمعه كالصحابة رضي الله عنهم الذين سمعوا منه الأحكام، لا يسوغ خلافها بوجه من الوجوه إلا بنسخ، أو جمع بين متعارض، وهذا لا يعدّ خلافاً.
فإن كان القول منقولاً إلى الغير فهو إمَّا متواتر أو آحاد، وسيأتي ذلك ـ إن شاء الله ـ.
قوله: (لدلالة المعجز على صدقه) أي: إن الدليل على وجوب العمل بسنّة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أن المعجز دلّت على صدقه، وكل من دلّ المعجز على صدقه فهو صادق، فهو صلّى الله عليه وسلّم صادق، وكل صادق فقوله حجة، فيكون قوله عليه الصلاة والسلام حجة؛ ولأن الله تعالى أمر بتصديقه، وكل من أمر الله بتصديقه كان قوله حجة، قال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}} [النساء: 136] ، وقال تعالى: {{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي}} [آل عمران: 31] ، والمتابعة فرع على التصديق وملزوم له؛ ولأن الله تعالى حذر من مخالفة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله سبحانه: {{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}} [النور: 63] ، فالله توعد المخالفين لأمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالفتنة، وهي الزيغ أو بالعذاب الأليم، ولا يتوعد بذلك إلا على ترك واجب. فدلّ على أن متابعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم واجبة[(189)].
وأما (الفعل) فما ثبت فيه أمر الجِبِلَّة؛ كالقيام والقعود، وغيرهما، فلا حكم له، وما ثبت خصوصه به، كقيام الليل فلا شركة لغيره فيه، وما فعله بياناً إما بالقول، كقوله: «صَلُّوا كما رَأَيْتُمونِي أُصلي» أو بالفعل، كقطع السارق من الكوع، فهو معتبر اتفاقاً في حق غيره، وما سوى ذلك فالتشريك، فإن عُلِمَ حكمه من الوجوب والإباحة وغيرهما فكذلك اتفاقاً، وإن لم يعلم ففيه روايتان: إحداهما: أن حكمه الوجوب، كقول أبي حنيفة وبعض الشافعية، والأخرى: الندب، لثبوت رجحان الفعل دون المنع من الترك.
قوله: (وأمَّا الفعل فما ثبت فيه أمر الجبلة؛ كالقيام والقعود وغيرهما فلا حكم له) هذا القسم الثاني من أقسام السنّة، وهو السنّة الفعلية. وقد عُني الأصوليون بالأفعال النبوية، وأفردوا فيها مصنفات مستقلة[(190)]؛ لأنها من أدلة الأحكام الشرعية، وهي أنواع:
الأول: ما ذكره المصنف وهو ما فعله النَّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمقتضى الجِبِلَّة ـ بكسرتين وتثقيل اللام ـ، أي: الطبيعة والخلقة؛ كالقيام والقعود والنوم والأكل والشرب، فهذا لا حكم له في ذاته؛ لأنه ليس من باب التكليف؛ لأن التكليف فيما يمكن فعله وتركه، وهذه الأفعال ليست مشروعة لذاتها ومقصوداً بها التأسي؛ لأن كل ذي روح من البشر لا يخلو عنها، ولهذا نُسبت إلى الجبلة، إلا إذا كان الفعل له هيئة معينة، كصفة أكله وشربه ونومه ونحو ذلك، فهذا له حكم شرعي، كما دلّت عليه النصوص.
قوله: (وما ثبت خصوصه به؛ كقيام الليل فلا شركة لغيره فيه) هذا النوع الثاني من الأفعال، وهو ما فعله على وجه الخصوصية، فهذا يكون مختصاً به ولا يشاركه فيه غيره.
ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم وجوب قيام الليل، كما قال تعالى: {{يَاأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ *قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً *}} ثم نسخ هذا الوجوب على أحد القولين[(191)].
ومن خصائصه صلّى الله عليه وسلّم الوصال في الصوم، والزيادة على أربع في النكاح، والنكاح بلفظ الهبة، وغير ذلك مما يدل عليه القرآن والسنّة[(192)].
ولا يحكم بالخصوصية إلا بدليل؛ لأن الأصل التأسي به صلّى الله عليه وسلّم؛ لقوله تعالى: {{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}} [الأحزاب: 21] فيكون هذا النص معمولاً به حتى يقوم الدليل المانع، وهو ما يوجب الخصوصية.
قوله: (وما فعله بياناً إمَّا بالقول، كقوله: «صلُّوا كما رأيتموني أصلي» أو بالفعل، كقطع السارق من الكوع) هذا النوع الثالث من الأفعال النبوية، وهو ما فعله صلّى الله عليه وسلّم بياناً لمجمل، والبيان يكون بالقول ويكون بالفعل.
فالبيان بالقول كإخباره صلّى الله عليه وسلّم عن أنصبة الزكاة ومقاديرها، كما في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «فيما سقت السماء العشر»[(193)] بياناً لمجمل قوله تعالى: {{وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}} [الأنعام: 141] .
ومن ذلك أنه صلّى الله عليه وسلّم فَعَلَ الصلاة، وقال: «صلّوا كما رأيتموني أُصلي»[(194)].
وظاهر عبارته أن هذا من البيان بالقول فقط. وعليه جرى غيره، وفيه نظر؛ فإن بيان كيفية الصلاة لم يحصل بمجرد القول المذكور؛ بل بالفعل، وغاية ما يدل عليه أنه وضَّح كون الفعل بياناً بقوله: «صلوا كما رأيتموني أُصلي» ولو لم يقترن الحال بالفعل لما فُهمت الصلاة من مجرد هذا القول، والصلاة قد بيّنت بالفعل، كما في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه[(195)] وبالقول كما في حديث المسيء في صلاته[(196)]. فيكون القول مؤكداً للفعل[(197)].
والظاهر أن غرض المصنف بيان أن دليل كون صلاته صلّى الله عليه وسلّم بياناً هو الطريق القولي، فلذا اقتصر عليه، والله أعلم.
والبيان بالفعل: مثل قيامه صلّى الله عليه وسلّم بأفعال المناسك أمام الأمة بياناً لمجمل قوله تعالى: {{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}} [آل عمران: 97] ، وقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «لتأخذوا مناسككم»[(198)] ، فَأَمَرَ الأمة أن تتأسى به في فعل المناسك وأن تفعل مثل ما يفعل صلوات الله وسلامه عليه.
وقول المصنف رحمه الله: (كقطع يد السارق من الكوع) يشير به إلى ما ورد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أنه صلّى الله عليه وسلّم (أمر بقطع السارق الذي سرق رداء صفوان من المفصل)[(199)]. والمراد به: الكوع، وتمثيل المصنف بذلك مبنيٌّ على أن اليد في آية السرقة مجملة، وليس كذلك، لأن اليد إذا أُطلقت في الشرع تناولت إلى الكوع، ولا تتعداه إلا بدليل[(200)].
قوله: (فهو معتبر اتفاقاً في حق غيره) هذا بيان حكم ما فعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم بياناً لمجمل، وهو أنه معتبر في حق غيره من الأمة اتفاقاً؛ لأنه تشريع داخل في عموم قوله تعالى: {{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}} [النحل: 44] ، ثم إن كان الفعل بياناً لواجب فهو واجب، وإن كان بياناً لمندوب فالفعل مندوب[(201)]، لكنه واجب على الرسول صلّى الله عليه وسلّم مطلقاً حتى يحصل البلاغ.
فمثال الواجب: مسحه الرأسَ كلَّه[(202)] بياناً لقوله تعالى: {{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}} [المائدة: 6] [(203)] وغسل اليد مع المرفق[(204)] بياناً لقوله تعالى: {{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} [المائدة: 6] [(205)].
ومثال المندوب: صلاته صلّى الله عليه وسلّم ركعتين عند المقام بعد طوافه بياناً لقوله تعالى: {{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}} [البقرة: 125] ، فكونه صلاها عند المقام من باب الندب، فقد نُقل الإجماع على جواز صلاة ركعتي الطواف إلى أي جهة من جهات الكعبة[(206)].
ويعرف الفعل بأنه بيان بأن يرد من القول ما يدل على أن هذا الفعل بيان، أو يرد خطاب مجمل فيفعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ما يصلح أن يكون بياناً له، أو يُسأل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن بيانِ مشكل فيفعل فعلاً ويُعلم بالقرائن أنه جواب للسائل[(207)].
قوله: (وما سوى ذلك فالتشريك) أي: ما سوى الجبلي والخاص به، وما فعله بياناً، فحكمه التشريك بينه وبين أمته، وهذا إمَّا أن يعلم حكمه أو لا.
قوله: (فإن علم حكمه من الوجوب والإباحة وغيرهما فكذلك اتفاقاً) أي: ما علم حكمه من أفعاله صلّى الله عليه وسلّم، من وجوب أو ندب أو إباحة، فإن أمته مثله[(208)]، لأن الأصل مشاركة أمته له، حتى يدل دليل على غير ذلك، وقد دلَّ على ذلك القرآن وفعل الصحابة رضي الله عنهم. أمَّا القرآن فقوله تعالى: {{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}} [الحشر: 7] . ووجه الاستدلال: أن فعله صلّى الله عليه وسلّم من جملة ما أَتَى به، فيكون الأخذ به واجباً، وقوله تعالى: {{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}} [آل عمران: 31] والأمر بالاتباع يقتضي الوجوب.
وأمَّا الصحابة فكانوا يرجعون إلى فعله صلّى الله عليه وسلّم احتجاجاً واقتداءً به في وقائع كثيرة، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تقبيل الحجر الأسود، وقال: (لولا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقبّلك ما قبّلتك)[(209)].
قوله: (وإن لم يعلم ففيه روايتان...) أي: وإن لم يعلم حكم الفعل بالنسبة للنبي صلّى الله عليه وسلّم ففيه عن الإمام أحمد روايتان.
قوله: (إحداهما: أن حكمه الوجوب، كقول أبي حنيفة وبعض الشافعية) أي: أنه واجب علينا وعليه، وهو قول مالك وأبي حنيفة وبعض الشافعية، ودليلهم ما ورد من الأمر باتباع النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، والأمر للوجوب.
قوله: (والأخرى: الندب..) هذه الرواية الثانية، وهي أنه يدل على الندب، قال المجد ابن تيمية: (نقلها إسحاق بن إبراهيم والأثرم وجماعة عنه بألفاظ صريحة)[(210)]، وهو قول في مذهب أبي حنيفة، وقول بعض الشافعية، وهو قول الظاهرية.
وقيل: الإباحة، وتوقف المعتزلة؛ للتعارض، والوجوب أحوط.
وأما (تقريره) وهو ترك الإنكار على فعل فاعل. فإن عُلِمَ علةُ ذلك كالذمي على فطره رمضان، فلا حكم له، وإلا دلّ على الجواز، ثم العالم بذلك منه بالمباشرة إما بسماع القول أو رؤية الفعل أو التقرير فقاطع به، وغيره إنما يصل إليه بطريق الخبر عن المباشر، فيتفاوت في قطعيته بتفاوت طريقه؛ لأن الخبر يدخله الصدق والكذب، ولا سبيل إلى القطع بصدقه؛ لعدم المباشرة.
...........................................................
قوله: (لثبوت رجحان الفعل دون المنع من الترك) هذا دليل القائلين بالندب، وهو أن الفعل أرجح من الترك؛ لأن فعل النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم له يدل على مشروعيته، وأقل أحوال المشروع أن يكون مندوباً، لا سيما ما ظهر فيه قصد القربة والطاعة فهو دليل على أن الفعل مطلوب، فيترجح فعله على تركه؛ لأن رجحان الفعل في باب الطلب أرجح من الوجوب الذي فيه المنع من الترك.
قوله: (وقيل: الإباحة) هذا القول الثالث في المسألة، وهو أن الفعل للإباحة؛ حملاً على أقل الأحوال.
قوله: (وتوقف المعتزلة؛ للتعارض) هذا القول الرابع، وهو الوقف وعدم الجزم برأي معين؛ لأن الفعل يحتمل الوجوب والندب والإباحة، مع احتمال أن يكون من خصائصه، فيكون التوقف متعيناً.
والمصنف رحمه الله حكى الخلاف في هذه المسألة، ولم يفرق بين ما يظهر فيه قصد القربة وما لا يظهر فيه ذلك، ومن الأصوليين من يجعلهما مسألتين، ويفرد لكل مسألة أقوالاً متشابهة في مجملها[(211)].
والظاهر أن مراده ـ هنا ـ ما ظهر فيه قصد القربة؛ لأنه ذكر عن الإمام أحمد روايتين، وهما فيما كان على جهة القربة، كما حكاه المجد ابن تيمية وغيره[(212)]. والترجيح الآتي يؤيد ذلك.
قوله: (والوجوب أحوط) أي: إن المصنف رحمه الله يرجح القول بوجوبه؛ لأن الوجوب أعلى مراتب الفعل، فوجب حمله عليه احتياطاً، وهذا الترجيح قد يكون مسلَّماً فيما ظهر فيه قصد القربة، وأمَّا ما لا يظهر فيه قصد القربة فالقول بالوجوب لا يخلو من ضعف[(213)].
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن ما فعله صلّى الله عليه وسلّم وقصد به القربة فهو مندوب بالنسبة لنا؛ لأن القربة طاعة، وهي غير خارجة عن الواجب والمندوب، والقدر المشترك بينهما ترجيح الفعل على الترك. وهذه حقيقة المندوب، لكنه واجب على النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى يحصل البلاغ.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (وما فعله النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم على وجه التعبد فهو عبادة يشرع التأسي به فيه، فإذا خصَّص زماناً أو مكاناً بعبادة كان تخصيصه تلك العبادة سنة...)[(214)].
ومن أمثلة ذلك: ما رواه شريح بن هانئ قال: (سألت عائشة رضي الله عنها: بأي شيء كان يبدأ الرسول صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك)[(215)].
أمَّا ما لم يظهر فيه قصد القربة فالأظهر فيه الإباحة؛ لأن ما لا يظهر فيه قصد القربة متردد بين كونه عبادة أو عادة، فمفاده على أقل تقدير إباحة ذلك الفعل للأمة حيث إن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم فعله، والإباحة تشريع.
ومثال ذلك: نزوله صلّى الله عليه وسلّم بالمحصَّب عند الخروج من منى، فقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم في هذا النزول: هل فعله النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم لأنه كان أسمح لخروجه، فيكون من الأفعال التي ليس فيها معنى القربة، أو لكونه سنة، فالنزول بالمحصَّب فيه معنى القربة؟ فعائشة رضي الله عنها تقول: (نزول الأبطح ليس بسنة، إنَّما نزله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنه كان أسمح لخروجه إذا خرج)[(216)]. وهذا هو رأي ابن عباس رضي الله عنهما[(217)] وغيره، وخالف في ذلك ابن عمر رضي الله عنهما فإنه كان يرى أن النزول بالأبطح سنة[(218)].
قوله: (وأمَّا تقريره) هذا القسم الثالث من أقسام السنة، وهو السنة التقريرية، والتقرير حجة على قول أكثر الأصوليين، ونقل الحافظ ابن حجر الاتفاق على الاحتجاج به[(219)]؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم معصوم عن أن يُقِرَّ أحداً على خطأ أو معصية فيما يتعلق بالشرع.
قوله: (وهو ترك الإنكار على فعل فاعل) هذا تعريف التقرير، والتعريف بترك الإنكار أولى من تعريفه بالسكوت عن الإنكار؛ لأنه قد يسكت عن الإنكار باللسان، ولكن يغيره بيده، كما أدار ابن عباس رضي الله عنهما عندما قام في الصلاة عن يساره فأقامه عن يمينه[(220)]، ورأى رجلين يطوفان بالبيت وبينهما زمام فقطعه[(221)].
والمراد بالفعل: ما يشمل القول، فالأولى أن يقال في تعريفه: ترك الإنكار على ما عَلِمَ به من قول أو فعل[(222)].
قوله: (فإن عُلِمَ علة ذلك كالذمي على فطره رمضان فلا حكم له) أي: فإن علم علة ترك إنكاره صلّى الله عليه وسلّم كأن يكون للفاعل عذر خاص، فإن ذلك لا يدل على الجواز[(223)]. وذلك كإقرار الذمي على فطره في رمضان، أو إقراره على شرب الخمر، وغير ذلك مما علمت علته، إذ لا بد أن يكون المقَرُّ منقاداً للشرع، بأن يكون مسلماً سامعاً مطيعاً.
قوله: (وإلا دلَّ على الجواز) أي: وإلا تُعلم علة ترك الإنكار كان ذلك دليلاً على الجواز، لأن التقرير وترك الإنكار تشريع للأمة؛ لأنه لو كان منكراً لأنكره؛ قال تعالى في صفته صلّى الله عليه وسلّم: {{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ}} [الأعراف: 157] .
ومن التقرير على الفعل: تقريره خالد بن الوليد رضي الله عنه على أكل لحم الضب[(224)]، وإقراره الحبشة يلعبون في المسجد من أجل التأليف على الإسلام[(225)].
ومن التقرير على القول؛ إقراره صلّى الله عليه وسلّم أبا بكر رضي الله عنه على قوله بإعطاء سلب القتيل لقاتله [(226)].
قوله: (ثم العالم بذلك..) شرع المصنف رحمه الله في تقسيم من تصل إليه السنة، فذكر أن ذلك قسمان:
الأول: عالم بذلك منه بالمباشرة.
الثاني: من تصل إليه بطريق الخبر.
قوله: (بالمباشرة إمَّا بسماع القول أو رؤية الفعل أو التقرير فقاطع به) هذا القسم الأول، وهو أن يكون عالماً بالسنة مباشرة إما بسماع قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو رؤية فعله، أو تقريره، وهذا لا يكون إلا للصحابة رضي الله عنهم.
وقوله: (فقاطع به) أي: إن العالم بما ذكر قاطع بحصوله منه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنه تحصيل للعلم بطريق قطعي، فيكون حجة قاطعة على من سمعه لا يسوغ خلافها بوجه من الوجوه، إلا بنسخ أو جمعٍ بين متعارض، وهذا لا يعد خلافاً، كما تقدم.
قوله: (وغيره إنَّما يصل إليه بطريق الخبر عن المباشر، فيتفاوت في قطعيته بتفاوت طريقه) هذا القسم الثاني وهو من تصل إليه السنة بطريق الخبر عن المباشر، وهو السامع للقول، والمشاهد للفعل أو التقرير، فقوله: (وغيره) أي: وغيرُ العالم بالسنة مباشرةً، من تصل إليه السنة بواسطة، وقوله: (فيتفاوت في قطعيته بتفاوت طريقه) أي: والحكم على هذا النوع منظور فيه إلى الواسطة التي نقلت الخبر، فإن رواه جماعة كثيرون ـ كما سيأتي ـ فهو متواتر، وإلا فآحاد.
قوله: (لأن الخبر يدخله الصدق والكذب) هذا تعليل لما تقدم من أن الخبر إذا كان بواسطة تَفَاوَتَ في قطعيته بسبب تَفَاوُتِ طريقه؛ لأنه يدخله الصدق والكذب، فإن طابق المُخْبَرَ عنه فهو صدق، وإلا فكذب.
لكن يرد على هذا التعليل أن من الأخبار ما لا يدخله الكذب، ومنها ما لا يدخله الصدق، فلو زيد عليه كلمة (لذاته) لكان أولى، كما قاله الزركشي والقرافي وغيرهما [(227)]. فيخرج بهذا القيد الخبر الذي لا يحتمل الصدق، أو لا يحتمل الكذب باعتبار المخبر به.
فالأول: كخبر مدعي الرسالة بعد الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
والثاني: كخبر الله تعالى، وخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الثابت عنه.
فإذا قال إنسان: قدم أبوك، فهذا خبر يحتمل الصدق والكذب لذات الخبر، فإن طابق الواقع فهو صدق وإلا فكذب، وذلك إمَّا على السواء إن كان القائل مجهول الحال، أو مع رجحان الصدق إن كان المخبر عدلاً، أو الكذب إن كان فاسقاً.
قوله: (ولا سبيل إلى القطع بصدقه لعدم المباشرة) أي: لا يمكن القطع بصدق المُخْبِر غير المباشر؛ لما تقدم من أن الخبر يحتمل الصدق والكذب.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
2, السنة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مجلس مذاكرة (مختصر عبد الغني) بطريقة التلخيص مسلمة 12 منتدى الإعداد العلمي 32 5 ربيع الثاني 1437هـ/15-01-2016م 01:25 AM
البث المباشر في رمضان - موقع شبكة السنة النبوية وعلومها‎ طيبة المنتدى العام 1 4 رمضان 1430هـ/24-08-2009م 04:24 PM


الساعة الآن 02:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir