دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو القعدة 1429هـ/6-11-2008م, 06:32 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي باب الوضوء (1/12) [التسوك مع الوضوء]

بابُ الوُضوءِ
32 - عن أبي هُرَيْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ)). أَخرَجَهُ مالكٌ، وأحمدُ والنَّسائيُّ،، وصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَةَ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 11:14 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني

بَابُ الوُضُوءِ

فِي القَامُوسِ: الوُضُوءُ يَأْتِي بِالضَّمِّ: الفِعْلُ، وَبِالفَتْحِ: مَاؤُهُ، وهوَ مَصْدَرٌ أَيْضاً، أَوْ لُغَتَانِ، يُعْنَى بهما المَصْدَرُ وَد يُعْنَى بِهِمَا المَاءُ، وَيُقَالُ: تَوَضَّأْتُ لِلصَّلاةِ، وَتَوَضَّيْتُ، لُغَيَّةٌ أَوْ لُثْغَةٌ (ا هـ). وَاعْلَمْ أَنَّ الوُضُوءَ مِنْ أَعْظَمِ شُرُوطِ الصَّلاةِ.
وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً: ((إنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ)). وَثَبَتَ حَدِيثُ: ((الوُضُوءُ شَطْرُ الإِيمَانِ)). وَأَنْزَلَ اللَّهُ فَرِيضَتَهُ مِن السَّمَاءِ فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلاةِ} الآيَةَ، وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ.
وَاخْتَلَفَ العُلَمَاءُ: هَلْ كَانَ فَرْضُ الوُضُوءِ بِالمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ؟ فَالمُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ بِالمَدِينَةِ؛ لِعَدَمِ النَّصِّ النَّاهِضِ عَلَى خِلافِهِ.
وَوَرَدَ فِي الوُضُوءِ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعاً: ((إذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ أَو المُؤْمِنُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إلَيْهَا بِعَيْنِهِ مَعَ المَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ من يده كُلُّ خَطِيئَةٍ بَطَشَتْهَا يَدَيْهِ مَعَ المَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ- فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلاهُ مَعَ المَاءِ- أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ المَاءِ- حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِن الذُّنُوبِ)).
وَأَشْمَلُ مِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ أَيْضاً مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ، بِضَمِّ الصَّادِ المُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ المُوَحَّدَةِ آخِرُهُ مُهْمَلَةٌ، نِسْبَةً إلَى صُنَابِحٍ بَطْنٍ مِنْ مُرَادٍ، وَهُوَ صَحَابِيٌّ، قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُؤْمِنُ، فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ فِيهِ، وَإِذَا اسْتَنْثَرَ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ، فَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ، فَإِذَا مَسَحَ بِرَأْسِهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ رَأْسِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتِ الخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إلَى المَسْجِدِ وَصَلاتُهُ نَافِلَةً لَهُ)). وَفِي مَعْنَاهُمَا عِدَّةُ أَحَادِيثَ.
ثُمَّ هَل الوُضُوءُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ فِيهِ خِلافٌ. المُحَقِّقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهَا، إنَّمَا الَّذِي مِنْ خَصَائِصِهَا الغُرَّةُ وَالتَّحْجِيلُ.

1/29- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ)) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقاً.
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ. أَخْرَجَهُ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقاً).
المُعَلَّقُ: هُوَ مَا يَسْقُطُ مِنْ أَوَّلِ إسْنَادِهِ رَاوٍ فَأَكْثَرَ. قَالَ فِي الشَّرْحِ: الحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا لَفْظُهُ. قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: إسْنَادُهُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ. قَالَ النَّوَوِيُّ: غَلِطَ بَعْضُ الكِبَارِ فَزَعَمَ أَنَّ البُخَارِيَّ لَمْ يُخْرِجْهُ.
قُلْتُ: وَظَاهِرُ صَنِيعِ المُصَنِّفِ هُنَا يَقْضِي بِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْهُ وَاحِدٌ مِن الشَّيْخَيْنِ، حيثُ لم يَنْسُبْهُ إلى الشيخيْن، ونَسَبَه إلى غيرِهما؛ فإن المعروفَ مِن قاعدةِ المُحَدِّثِينَ أنه إذا أَخْرَجَ الشيخانِ الحديثَ نَسَبُوه إليهما ولا يَكْتَفُون بروايةِ غيرِهما إلا لعدمِ إخراجِهما لهما.
وَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ (عُمْدَةُ الأَحْكَامِ) الَّتِي لا يُذْكَرُ فِيهَا إلَّا مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ، إلَّا أَنَّهُ بِلَفْظِ: ((عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ)). وَفِي مَعْنَاهُ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ عِدَّةٍ مِن الصَّحَابَةِ؛ مِنْهَا: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه، عِنْدَ أَحْمَدَ، وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ، عندَ أحمدَ، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ، وَعن أَبِي أَيُّوبَ، عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، ومِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ،وَعَائِشَةَ، عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ.
وَوَرَدَ الأَمْرُ بِهِ مِنْ حَدِيثِ: ((تَسَوَّكُوا؛ فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ)) أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَفِيهِ ضَعْفٌ، وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ عَدِيدَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ لِلْأَمْرِ بِهِ أَصْلاً.
وَوَرَدَ فِي أَحَادِيثَ: أَنَّ السِّوَاكَ مِنْ سُنَنِ المُرْسَلِينَ، وَأَنَّهُ مِنْ خِصَالِ الفِطْرَةِ، وَأَنَّهُ مِن الطَّهَارَاتِ، وَأَنَّ فَضْلَ الصَّلاةِ الَّتِي يُسْتَاكُ لَهَا على الصلاةِ التي لاَ يُسْتَاكُ لها سَبْعُونَ ضِعْفاً. أَخْرَجَهَ أَحْمَدُ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ، وَالحَاكِمُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ فِي البَدْرِ المُنِيرِ: قَدْ ذُكِرَ فِي السِّوَاكِ زِيَادَةٌ عَلَى مِائَةِ حَدِيثٍ فَوَاعَجَباً لِسُنَّةٍ تَأْتِي فِيهَا الأَحَادِيثُ الكَثِيرَةُ، ثُمَّ يُهْمِلُهَا كَثِيرٌ مِن النَّاسِ، بَلْ كَثِيرٌ مِن الفُقَهَاءِ، فَهَذِهِ خَيْبَةٌ عَظِيمَةٌ.
هَذَا، وَلَفْظُ السِّوَاكِ بِكَسْرِ السِّينِ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى الفِعْلِ، وَعَلَى الآلَةِ، وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَجَمْعُهُ سُوُكٌ، كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ. وَيُرَادُ بِهِ فِي اصْطِلاحِ العلماءِ: اسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الأَسْنَانِ؛ لِتَذْهَبَ الصُّفْرَةُ وَغَيْرُهَا.
قُلْتُ: وَعِنْدَ ذَهَابِ الأَسْنَانِ أَيْضاً يُشْرَعُ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ يَذْهَبُ فُوهُ، أَيَسْتَاكُ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). قُلْتُ: كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: ((يُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ)). أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ: فَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ العُلَمَاءِ، وَقِيلَ بِوُجُوبِهِ، وَحَدِيثُ البَابِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ؛ لِقَوْلِهِ فِي الحَدِيثِ هذا: ((لَأَمَرْتُهُمْ)). أَيْ: أَمْرَ إيجَابٍ، فَإِنَّهُ تَرَكَ الأَمْرَ بِهِ لِأَجْلِ المَشَقَّةِ، لا أَمْرَ النَّدْبِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِلا مِرْيَةٍ. وَالحَدِيثُ دَلَّ عَلَى تَعْيِينِ وَقْتِهِ، وَهُوَ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ. وَفِي الشَّرْحِ: أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ الأَوْقَاتِ.
وَيَشْتَدُّ اسْتِحْبَابُهُ فِي خَمْسَةِ أَوْقَاتٍ:
أحدُها: عِنْدَ الصَّلاةِ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَطَهِّراً بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، أَوْ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ، كَمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلا تُرَاباً.
الثاني: عِنْدَ الوُضُوءِ.
الثالثُ: عِنْدَ قِرَاءَةِ القُرْآنِ.
الرابعُ: عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ مِن النَّوْمِ.
الخامسُ: عِنْدَ تَغَيُّرِ الفَمِ.
قَالَ ابْنُ دَقِيقِ العِيدِ: السِّرُّ فِيهِ- أَيْ: فِي السِّوَاكِ عِنْدَ الصَّلاةِ- أَنَّا مَأْمُورُونَ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ أَنْ نَكُونَ فِي حَالَةِ كَمَالٍ وَنَظَافَةٍ؛ إظْهَاراً لِشَرَفِ العِبَادَةِ.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ الأَمْرَ يَتَعَلَّقُ بِالمَلَكِ، وَهُوَ أَنَّه يَضَعُ فَاهُ عَلَى فَمِ القَارِئِ وَيَتَأَذَّى بِالرَّائِحَةِ الكَرِيهَةِ؛ فَسُنَّ السِّوَاكُ لِأَجْلِ ذَلِكَ. وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ.
ثُمَّ ظَاهِرُ الحَدِيثِ أَنَّهُ لا يَخُصُّ صَلاةً عن اسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ لَهَا؛ فِي إفْطَارٍ وَلا صِيَامٍ، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ: لا يُسَنُّ بَعْدَ الزَّوَالِ فِي الصَّوْمِ؛ لِئَلَّا يَذْهَبَ بِهِ خُلُوفُ الفَمِ المَحْبُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَأُجِيبَ: بِأَنَّ السِّوَاكَ لا يَذْهَبُ الخُلُوفُ بِهِ، فَإِنَّهُ صَادِرٌ مِنْ خُلُوِّ المَعِدَةِ، وَلا يَذْهَبُ بِالسِّوَاكِ.
ثُمَّ هَلْ يُسَنُّ ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئاً، كَمَا يَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ: ((عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ))؟ قِيلَ: نَعَمْ يُسَنُّ ذَلِكَ. وَقِيلَ: لا يُسَنُّ إلَّا عِنْدَ الوُضُوءِ؛ لِحَدِيثِ البابِ: ((مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ))، وَأَنَّهُ يُقَيِّدُ إطْلاقَ ((عِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ)) بِأَنَّ المُرَادَ: عِنْدَ وُضُوءِ كُلِّ صَلاةٍ. وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ يُلاحَظُ المَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ شُرِعَ السِّوَاكُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى وَقْتٌ طَوِيلٌ يَتَغَيَّرُ فِيهِ الفَمُ بِأَحَدِ المُغَيِّرَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ، وَهِيَ أَكْلُ مَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ، وَطُولُ السُّكُوتِ، وَكَثْرَةُ الكَلامِ، وَتَرْكُ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، شُرِعَ السواكُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ، وَإِلَّا فَلا. لَكَانَ وَجْهاً.
وَقَوْلُهُ فِي رَسْمِ السِّوَاكِ اصْطِلاحاً: (أَوْ نَحْوِهِ): أَيْ: نَحْوِ العُودِ. وَيُرِيدُونَ بِهِ كُلَّ مَا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ كَالخِرْقَةِ الخَشِنَةِ، والأُصْبُعِ الخَشِنَةِ وَالأُشْنَانِ؛ وَالأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ السِّوَاكُ عُودَ أَرَاكٍ مُتَوَسِّطاً، لا شَدِيدَ اليُبْسِ، فَيَجْرَحَ اللِّثَةَ، وَلا شَدِيدَ الرُّطُوبَةِ، فَلا يُزِيلَ مَا يُرَادُ إزَالَتُهُ.


  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 11:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

بابُ الوُضُوءِ
مقدِّمةٌ
الوُضُوءُ لغةً: بضمِّ الواوِ: مصدرٌ هو الفعلُ، مأخوذٌ من الوَضَاءَةِ، وهي النظافةُ والحُسْنُ، وأما بالفتحِ فالماءُ الذي يُتَوَضَّأُ به.
قالَ النَّوَوِيُّ: بالضمِّ: إذا أُرِيدَ الفعلُ الذي هو المصدرُ، وبالفتحِ: إذا أُرِيدَ الماءُ.
وشَرْعاً: استعمالُ ماءٍ طَهورٍ في الأعضاءِ الأربعةِ، على صفةٍ مخصوصةٍ في الشرعِ؛ بأنْ يَأْتِيَ بها مرتَّبةً متوالِيَةً.
وهو ثابتٌ بالكتابِ والسنَّةِ والإجماعِ: فالكتابُ: آيةُ المائدةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآيةَ.
والأحاديثُ فيه قولاً وفعلاً وتقريراً كثيرةٌ.
وأَجْمَعَ العلماءُ على أن الطهارةَ من الحَدَثِ شرطٌ لصحَّةِ الصلاةِ.
ما يُعْرَفُ من حكمةِ الوُضوءِ:
جوهرُ الصلاةِ ورُوحُها هو أنْ يَتَصَوَّرَ العبدُ أنه أمامَ اللَّهِ تعالى، ولكي يَتَهَيَّأَ ذِهْنُه لذلكَ ويَتَخَلَّصَ من شواغلِ الحياةِ فُرِضَ الوضوءُ قبلَ القيامِ بالعبادةِ؛ لكونِ الوضوءِ آلةً هادئةً لتنبيهِ ذهنِه المستغرِقِ في أعمالِ الحياةِ إلى أداءِ الصلاةِ؛ فإنَّ المستغرِقَ بفكرِه في أعمالِ تجارتِه أو صناعتِه ونحوِهما لو قِيلَ له: قُمْ للعبادةِ، لوَجَدَ صعوبةً في تَأْدِيَتِها، وهنا كانَتْ حكمةُ الوضوءِ؛ لأنه يُساعِدُ على تركِ التفكيرِ الأوَّلِ، ويُعْطِيه الوقتَ الكافِيَ لِيَبْدَأَ في تفكيرٍ عميقٍ من نوعٍ آخرَ.
وبالجملةِ: فللنفسِ انتقالٌ واقعيٌّ وتنبيهٌ مِن خَصْلَةٍ إلى خَصلةٍ، هو العمدةُ في المعالجاتِ النفسيَّةِ، وإنما يَحْصُلُ هذا التنبيهُ بمراكزَ في صميمِ طبائِعِهِم وجذورِ نفوسِهم.
وتَقْتَصِرُ الطهارةُ الصُّغْرَى على غَسْلِ الأطرافِ التي جَرَتِ العادةُ بانْكِشَافِها وخُرُوجِها من اللِّباسِ، فتُسْرِعُ إليها الأوساخُ، كما جَرَتِ العادةُ بنظافتِها عندَ الأعمالِ النظيفةِ، وعندَ الدخولِ على الكُبَرَاءِ وتقابُلِ الناسِ بعضِهم ببعضٍ. كما أنَّ غسلَ هذه الأعضاءِ الأربعةِ فيه تنبيهٌ للنفسِ من النومِ والكسلِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: جاءَتِ السنَّةُ باجتنابِ الخبائثِ الجسمانيَّةِ والتطهُّرِ منها، وكذلك جاءَتْ باجتنابِ الخبائثِ الرُّوحانيَّةِ والتطهُّرِ منها؛ فقد قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلاَثاً؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيْشُومِهِ)).
وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ فَلاَ يَغْمِسْ يَدَهُ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلاَثاً؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ)).
فعَلَّلَ الأمرَ بالاستنشاقِ بمَبِيتِ الشيطانِ على خَيْشُومِه، فعُلِمَ أن ذلكَ سببُ الطهارةِ من غيرِ النجاسةِ الظاهرةِ.
والوضوءُ من أهمِّ شروطِ الصلاةِ؛ لِمَا في الصحيحيْن عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبَلُ صَلاَةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ))، ولِمَا رَوَى مسلمٌ: ((الْوُضُوءُ شَطْرُ الإِيمَانِ)). ونَزَلَتْ فريضتُه من السماءِ في قَوْلِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} الآيةَ.
واخْتَلَفَ العلماءُ هل فُرِضَ في مَكَّةَ أو في المدينةِ؟ والمحقِّقُونَ على أنه فُرِضَ بالمدينةِ؛ لعدمِ النصِّ الناهضِ على خلافِه. قالَ شيخُ الإسلامِ: الوضوءُ مِن خصائصِ هذه الأمَّةِ، كما جاءَتْ به الأحاديثُ الصحيحةُ: ((إِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ)).
وأن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِفُ أمَّتَه بهذه السِّيماءِ؛ فدَلَّ على أنه لا يُشَارِكُهم فيها غيرُهم، وأمَّا ما رَوَاه ابنُ ماجهْ: أن جِبريلَ عَلَّمَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوُضوءَ، زادَ عليه أَحْمَدُ: وقالَ: ((هَذَا وُضُوئِي وَوُضُوءُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي)) فضعيفٌ لا يُحْتَجُّ به.

29 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ)). أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَذَكَرَهُ البُخَارِيُّ تَعْلِيقاً.
درجةُ الحديثِ: الحديثُ صحيحٌ.
هذا الحديثُ رَوَاه البُخَارِيُّ (887)، ومسلمٌ (252) من حديثِ أبي هُرَيْرَةَ، لكِنْ بلفظِ: ((مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ)).
قالَ ابنُ مَنْدَهْ: إسنادُه مُجْمَعٌ على صحَّتِه، وفي معناه عِدَّةُ أحاديثَ عن عِدَّةٍ مِن الصحابةِ: عن عليٍّ وزيدِ بنِ خالدٍ وأمِّ حبيبةَ وعبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو وسَهْلِ بنِ سَعْدٍ وجابرٍ وأَنَسٍ وأبي أيُّوبَ وابنِ عَبَّاسٍ وعائشةَ.
قالَ ابنُ المُلَقِّنِ في البدرِ المُنيرِ: قد ذُكِرَ في السواكِ زيادةٌ عن مائةِ حديثٍ، وأما روايةُ: ((مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ)) فقد أَخْرَجَها مَالِكٌ في المُوَطَّأِ عن ابنِ شِهابٍ، عن حُمَيْدٍ، عن أبي هُرَيْرَةَ، وأَخْرَجَها عنه: أَحْمَدُ والنَّسائِيُّ، وسَنَدُها صحيحٌ، قالَ ابنُ عبدِ الهادي في المُحَرَّرِ: عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ)). رُوَاتُه كلُّهم أئِمَّةٌ أَثباتٌ.
مفرداتُ الحديثِ:
- لَوْلاَ: حرفُ شرطٍ وابتداءٍ، وهي كَلِمَةٌ لربطِ امتناعِ الثانيةِ لوجودِ الأولَى. والمعنى هنا: لولا مخافةُ أنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي، لأَمَرْتُهُم أمرَ إيجابٍ، وهي مُرَكَّبَةٌ مِن "لو" الدالَّةِ على انتفاءِ الشيءِ لانتفاءِ غيرِه، و"لا" النافيةِ، فدَلَّ الحديثُ على انتفاءِ الأمرِ لثبوتِ المشقَّةِ، ولا بُدَّ لها من جوابٍ مذكورٍ أو مُقَدَّرٍ إذا دَلَّ عليه دليلٌ، ولا تَكْثُرُ اللامُ في جوابِها.
- أَنْ: مصدريَّةٌ هي وما دَخَلَتْ عليه في محلِّ رفعٍ على الابتداءِ، والخبرُ محذوفٌ، والتقديرُ: لولا مخافةُ المشقَّةِ على أمتي، ويجوزُ أنْ يكونَ مرفوعاً بفعلٍ محذوفٍ، والتقديرُ: لولا خِيفَتِ المشقَّةُ.
- أَشُقَّ: الشِّقُّ بكسرِ الشينِ: الجَهْدُ والمشقَّةُ، {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
- لأَمَرْتُهُمْ: جوابُ لولاَ.
- بِالسِّوَاكِ: بكسرِ السينِ وفتحِ الواوِ، بعدَها ألفٌ فكافٌ؛ أي: باستعمالِ السواكِ؛ لأنَّ السواكَ آلةٌ، وسيأتي بيانُه في موضعِه إنْ شاءَ اللَّهُ تعالى.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- تَأَكُّدُ استحبابِ السواكِ معَ كلِّ وُضوءٍ، وأنَّ ثوابَه قريبٌ مِن ثوابِ الواجباتِ.
2- أنَّ السِّوَاكَ عندَ الوضوءِ وعندَ غيرِه من العباداتِ ليسَ بواجبٍ؛ فقدْ مَنَعَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن إيجابِه على أُمَّتِه مخافةُ مَشَقَّتِهِم.
3- أن الذي مَنَعَ الأمرَ بوجوبِه هو خشيةُ عدمِ القيامِ به؛ ممَّا يَتَرَتَّبُ عليه الإثمُ بتركِه.
4- هذا الحديثُ الشريفُ من أدلَّةِ القاعدةِ الكبرَى: "المَشَقَّةُ تَجْلُبُ التيسيرَ" فخشيةُ المَشَقَّةِ سببُ عَدَمِ فرضيَّتِه.
5- كثيرٌ من العباداتِ الفاضلةِ يَتْرُكُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَها معَ أُمَّتِه، أو أَمْرَهم بها؛ خشيةَ فرضِها عليها، وذلك مثلُ صلاةِ الليلِ في رمضانَ جماعةً، والسواكِ، وتأخيرِ صلاةِ العشاءِ إلى وقتِها الفاضلِ؛ كلُّ ذلك شَفَقَةً على أُمَّتِه ورحمةً بهم وخوفاً عليهم، وهذا مِن خُلُقِه الكريمِ الذي وَصَفَه اللَّهُ تعالى بقولِه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}.
6- سَعَةُ هذه الشريعةِ وسماحتُها ومسايرتُها للحالةِ البشريَّةِ الضعيفةِ؛ قالَ تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}، وقالَ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
7- هذا الحديثُ العظيمُ دليلٌ على القاعدةِ الشَّرْعِيَّةِ، وهي: "دَرْءُ المفاسدِ مُقَدَّمٌ على جَلْبِ المصالحِ"؛ فمفسدةُ الوقوعِ بالإثمِ من تركِ الواجبِ مَنَعَتْ من مصلحةِ وجوبِ السواكِ عندَ كلِّ وضوءٍ.
8- قالَ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ: السرُّ أنَّا مأمورونَ في كلِّ حالةٍ من أحوالِ التقرُّبِ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ أنْ نكونَ في حالةِ كمالِ النظافةِ؛ لإظهارِ شرفِ العبادةِ. وقِيلَ: إنَّ ذلكَ الأمرَ يَتَعَلَّقُ بالمَلَكِ؛ فإنه يَتَأَذَّى بالرائحةِ الكريهةِ. قالَ الصَّنْعَانِيُّ: ولا يَبْعُدُ أنَّ السرَّ مجموعُ الأمريْن المذكوريْن؛ لِمَا رَوَى البُخَارِيُّ (854)، ومسلمٌ (564) من حديثِ جابرٍ مرفوعاً: ((مَنْ أَكَلَ الثُّومَ أَوِ الْبَصَلَ أَوِ الْكُرَّاثَ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا؛ فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ)).
9- فَحْوَى الحديثِ يَدُلُّ على تَعيينِ وقتِ السواكِ في الوضوءِ وعندَ المَضْمَضَةِ.
10- المشهورُ من مذهَبِ الإمامِ أَحْمَدَ: أنه لا يُجْزِئُ في السواكِ إلاَّ استعمالُ العُودِ، والراجِحُ: أنه يُجْزِئُ بغيرِه مِن أُصْبَعٍ وخِرْقَةٍ وغيرِهما؛ ولذا قالَ المُوَفَّقُ والنَّوَوِيُّ: يُجْزِئُ بأيِّ شيءٍ يُزِيلُ التغَيُّرَ.
11- يَدُلُّ الحديثُ على قاعدةٍ أصوليَّةٍ؛ وهي: أنَّ الأمرَ المطلَقَ يُفِيدُ الوجوبَ، ووجهُه: أنه لو كانَ الأمرُ يُفِيدُ الاستحبابَ لَمَا امْتَنَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن أمرِهم بالسواكِ، ولكن ما يَقْتَضِيه الأمرُ وما يَفْهَمُه الصحابةُ والعلماءُ من الأمرِ المجرَّدِ عن قرينةٍ صارفةٍ هو الوجوبُ، وهو الذي مَنَعَه من أَمْرِهِم بالسواكِ.
12- إذا تَعَارَضَتِ الأدلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ بينَ الوجوبِ والاستحبابِ، أو بينَ التحريمِ والكراهةِ، وليسَ هناكَ أصلٌ يُبْنَى عليه – فإنَّ طبيعةَ الشريعةِ السمْحَةِ ومَنْهَجَها بالتخفيفِ على العبادِ، ووُرُودُ النصوصِ العامَّةِ فيها تَجْعَلُ الأخذَ بأيسرِ القوليْن وأبعدِهما عن التحريمِ والوجوبِ أقربَ وأرجحَ؛ فقد جاءَ في الصحيحيْن: أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خُيِّرَ بينَ أمريْنِ إلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُما.
خِلافُ العلماءِ:
عمومُ الحديثِ يُفِيدُ استحبابَ السواكِ كلَّ وقتٍ، للصائمِ وغيرِه، أولَ النهارِ وآخِرَه، ولا يُوجَدُ دليلٌ يُخَصِّصُ هذا العمومَ بالفِطْرِ، إلا قولُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ عِنْدَ اللَّهِ أَطْيَبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)). رَوَاه البُخَارِيُّ (5927)، ومسلمٌ (1151)، وهذا ليسَ فيه صريحُ الدَّلالةِ؛ فإنَّ الخلوفَ يَنْشَأُ من خُلُوِّ المَعِدَةِ من الطعامِ، وليسَ مِن الفمِ.
وأمَّا حديثُ: ((إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا فِي الْغَدَاةِ وَلاَ تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ)) فضعيفٌ، وهو معارَضٌ بالأحاديثِ التي منها ما رَوَاه أَحْمَدُ (1525)، والتِّرْمِذِيُّ (721)، وحَسَّنَه، وعَلَّقَه البُخَارِيُّ من حديثِ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ، قالَ: "رأيتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وهو صائمٌ". ولم يُقَيِّدْه بوقتٍ دونَ آخرَ.
ومِمَّن قالَ باستحبابِ السواكِ مطلقاً: الإمامانِ أبو حنيفةَ ومَالِكٌ، واخْتارَهُ الشيحُ تَقِيُّ الدِّينِ ابنُ تَيْمِيَّةَ؛ قالَ في الفُروعِ: وهو أَظْهَرُ.
أمَّا مَن كَرِهَه للصائمِ بعدَ الزوالِ فهم: الإمامانِ الشَّافِعِيُّ وأَحْمَدُ وأتباعُهما وإسحاقُ؛ استدلالاً بحديثِ: ((إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا فِي الْغَدَاةِ، وَلاَ تَسْتَاكُوا فِي الْمَسَاءِ)). ولكنه حديثٌ ضعيفٌ، كما تَقَدَّمَ، واسْتَدَلُّوا بحديثٍ صحيحٍ، وهو: ((لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ)). ولكن لا دَلالةَ فيه؛ لأنَّ السواكَ لا يُزِيلُ الخَلُوفَ؛ لأنَّ مَصْدَرَه المَعِدَةُ، وليسَ مَصْدَرُه الفمَ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوضوء, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir