دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 12:41 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي فروض الوضوء

بابُ فُروضِ الوُضوءِ وصِفَتُه

( فروضُه ) سِتَّةٌ: غَسْلُ الوجهِ والفمِ والأنْفِ منه، وغَسلُ اليدينِ، ومَسْحُ الرأسِ ومنه الأُذنانِ، وغَسْلُ الرِّجلينِ والترتيبُ والْمُوالاةُ، وهي أن لا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حتى يَنْشَفَ الذي قَبْلَه، والنِّيَّةُ شَرْطٌ لطَهارةِ الأَحْدَاثِ كلِّها، فيَنْوِي رفْعَ الْحَدَثِ أو الطهارةِ لِمَا لا يُباحُ إلا بها، فإنْ نَوَى ما تُسَنُّ له الطهارةُ كقراءةٍ أو تَجديدًا مَسنونًا نَاسِيًا حَدَثَه ارْتَفَعَ، وإن نَوَى غُسْلًا مَسنونًا أَجْزَأَ عن واجبٍ وكذا عَكْسُه، وإن اجْتَمَعَتْ أحداثٌ تُوجِبُ وُضوءًا أو غُسْلًا فنَوَى بطهارتِه أحدَها ارْتَفَعَ سائرُها، ويَجِبُ الإتيانُ بها عندَ أَوَّلِ واجباتِ الطهارةِ وهو التسميةُ، وتُسَنُّ عندَ أوَّلِ مَسنوناتِها إن وُجِدَ قبلَ واجبٍ، واستصحابُ ذِكْرِها في جَميعِها، ويَجِبُ استصحابُ حُكْمِها.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 03:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.....................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 03:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

بابُ فَرْضِ الوُضُوءِ وصِفَتِه

الفَرْضُ لُغَةً: يُقَالُ لمَعَانٍ أَصْلُها الحَزُّ والقَطْعُ .
وشَرْعاً: ما أُثِيبَ فَاعِلُه وعُوقِبَ تَارِكُه.
والوُضُوءُ: استِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ في الأَعْضَاءِ الأربعَةِ على صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ
وكانَ فَرْضُه معَ فَرْضِ الصَّلاةِ كما رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ، ذَكَرَهُ في (المُبْدِعِ).
(فُرُوضُهُ سِتَّةٌ): أَحَدُها
(غَسْلُ الوَجْهِ) لقَوْلِه تعَالَى: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}
(والفَمُ والأَنْفُ مِنْهُ)؛ أي: مِن الوَجْهِ لدُخُولِهِمَا في حَدِّه؛: فلا تَسْقُطُ المَضْمَضَةُ ولا الاستِنْشَاقُ في وُضُوءٍ ولا غُسْلٍ لا عَمْداً ولا سَهْواً.
(و) الثَّانِي (غَسْلُ اليَدَيْنِ) معَ المِرْفَقَيْنِ لقَوْلِه تعَالَى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ}.
(و) الثَّالِثُ (مَسْحُ الرَّأْسِ) كُلِّهِ (ومِنْهُ الأُذُنَانِ) لقَوْلِه تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ}
وقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ: ((الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ)) رواهُ ابنُ مَاجَهْ.
(و) الرَّابِعُ (غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ) معَ الكَعْبَيْنِ لقَوْلِه تعَالَى: {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ}.
(و) الخَامِسُ (التَّرْتِيبُ) على ما ذَكَرَ اللَّهُ تعَالَى؛ لأنَّ اللَّهَ تعَالَى أَدْخَلَ المَمْسُوحَ بينَ المَغْسُولاتِ
ولا نَعْلَمُ لهذَا فَائِدَةً غَيْرَ التَّرْتِيبِ، والآيَةُ سِيقَت لبَيَانِ الوَاجِبِ، والنَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ رَتَّبَ الوُضُوءَ وقَالَ:
((هَذَا وُضُوءٌ لا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلاةَ إِلاَّ بِهِ)) فلَو بَدَأَ بشَيْءٍ مِن الأعضاءِ قَبْلَ غَسْلِ الوَجْهِ لم يُحْسَبْ لهُ وإِنْ تَوَضَّأَ
مُنَكِّساً أَرْبَعَ مَرَّاتٍ صَحَّ وُضُوءُه إِن قَرُبَ الزَّمَنُ، ولَو غَسَلَهَا جَمِيعاً دُفْعَةً وَاحِدَةً لم يُحْسَبْ له غَيْرُ الوَجْهِ
وإِن انغَمَسَ نَاوِياً في ماءٍ وخَرَجَ مُرَتِّباً؛ أَجْزَأَهُ، وإلا فَلا.
(و) السَّادِسُ (المُوَالاةُ) لأنَّهُ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ (رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا المَاءُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الوُضُوءَ)
رواهُ أَحْمَدُ وغَيْرُه، (وهي)؛ أي: المُوَالاةُ .
(أنْ لا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حتَّى يَنْشَفَ الذي قَبْلَهُ) بزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ أو قَدْرِه مِن غَيْرِه، ولا يَضُرُّ إِنْ جَفَّ لاشتِغَالِه بسُنَّةٍ كتَخْلِيلٍ وإِسْبَاغٍ وإزَالَةِ
وَسْوَسَةٍ أو وَسَخٍ، ويَضُرُّ لاشتغالٍ بتَحْصِيلِ مَاءٍ أو إِسْرَافٍ أو نَجَاسَةٍ أو وَسَخٍ لغَيْرِ طَهَارَةٍ. وسَبَبُ وُجُوبِ الوُضُوءِ الحَدَثُ
ويُحِلُّ جَمِيعَ البَدَنِ كجَنَابَةٍ.
(والنِّيَّةُ) لُغَةً: القَصْدُ. ومَحِلُّها القَلْبُ، فلا يَضُرُّ سَبْقُ لِسَانِه بغَيْرِ قَصْدِه، ويُخْلِصُها للَّهِ تَعَالَى .
(شَرْطٌ) هو لُغَةً: العَلامَةُ، واصطِلاحاً: ما يَلْزَمُ مِن عَدَمِهِ العَدَمُ، ولا يَلْزَمُ مِن وُجُودِه وُجُودٌ ولا عَدَمٌ لِذَاتِه.
(لطَهَارَةِ الأحداثِ كُلِّهَا) لحَدِيثِ: ((إِنَّمَا الأعمَالُ بالنِّيَّاتِ)) فلا يَصِحُّ وُضُوءٌ وغُسْلٌ وتَيَمُّمٌ ولو مُسْتَحَبَّاتٍ إلا بها.
(فَيَنْوِي رَفْعَ الحَدَثِ أو) يَقْصِدُ (الطَّهَارَةِ لِمَا لا يُبَاحُ إِلاَّ بِهَا)؛ أي: بالطَّهَارَةِ كالصَّلاةِ والطَّوَافِ ومَسِّ المُصْحَفِ
لأنَّ ذلك يَسْتَلْزِمُ رَفْعَ الحَدَثِ، فإِنْ نَوَى طَهَارَةً أو وُضُوءاً أو أَطْلَقَ أو غَسَلَ أَعْضَاءَهُ ليُزِيلَ عنها النَّجَاسَةَ
أو ليُعَلِّمَ غَيْرَه أو للتَّبَرُّدِ لم يُجْزِه، وإن نَوَى صَلاةً مُعَيَّنَةً لا غَيْرَها ارتَفَعَ مُطْلَقاً، ويَنْوِي مَن حَدَثُه دَائِمٌ استِبَاحَةَ الصَّلاةِ
ويَرْتَفِعُ حَدَثُه ولا يَحْتَاجُ إلى تَعْيِينِ النِّيَّةِ للفَرْضِ فلو نَوَى رَفْعَ الحَدَثِ لم يَرْتَفِعْ في الأَقْيَسِ، قالَهُ في (المُبْدِعِ)، ويُسْتَحَبُّ نُطْقُهُ بالنِّيَّةِ سِرًّا.
تَتِمَّةٌ: يُشْتَرَطُ لوُضُوءٍ وغُسْلٍ أَيْضاً: إِسْلامٌ، وعَقْلٌ، وتَمْيِيزٌ، وطُهُورِيَّةُ مَاءٍ، وإِبَاحَتُه، وإِزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ، وانقِطَاعُ مُوجِبٍ
ولوُضُوءٍ: فَرَاغُ استِنْجَاءٍ أو استِجْمَارٍ، ودُخُولُ وَقْتٍ على مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ لفَرْضِه.
(فإِنْ نَوَى ما تُسَنُّ له الطَّهَارَةُ كقِرَاءَةِ) قُرْآنٍ وذِكْرٍ وأَذَانٍ ونَوْمٍ وغَضَبٍ ارتَفَعَ حَدَثُه (أو) نَوَى (تَجْدِيداً مَسْنُوناً) بأَنْ صَلَّى بالوُضُوءِ الذي قَبْلَهُ
(نَاسِياً حَدَثَهُ ارتَفَعَ) حَدَثُه؛ لأنَّهُ نَوَى طهَارَةً شَرْعِيَّةً.
(وإِنْ نَوَى) مَن عليه جنابَةٌ (غُسْلاً مَسْنُوناً) كغُسْلِ الجُمُعَةِ، قالَ في (الوَجِيزِ): نَاسِياً (أَجْزَأَ عَن وَاجِبٍ) كما مَرَّ فِيمَن نَوَى التَّجْدِيدَ .
(وكذا عَكْسُه)؛ أي: إِنْ نَوَى وَاجِباً أَجْزَأَ عَن المَسْنُونِ، وإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلا، والأَفْضَلُ أن يَغْتَسِلَ للواجِبِ ثُمَّ للمَسْنُونِ كَامِلاً.
(وإِن اجتَمَعَت أَحْدَاثٌ) مُتَنَوِّعَةٌ ولو مُتَفَرِّقَةٌ (تُوجِبُ وُضُوءاً أو غُسْلاً فنَوَى بطَهَارَتِه أَحَدَهَا) لا على أن لا يَرْتَفِعَ غَيْرُه.
(ارتَفَعَ سَائِرُها)؛ أي: بَاقِيها؛ لأنَّ الأحداثَ تَتَدَاخَلُ فإذا ارتفعَ البَعْضُ ارتفَعَ الكُلُّ.
(ويَجِبُ الإتيانُ بها)؛ أي: بالنِّيَّةِ (عند أوَّلِ وَاجِبَاتِ الطَّهَارَةِ وهو التَّسْمِيَةُ) فلو فَعَلَ شَيْئاً مِن الوَاجِبَاتِ قَبْلَ النِّيَّةِ لم يُعْتَدَّ بهِ
ويَجُوزُ تَقْدِيمُها بزَمَنٍ يَسِيرٍ كالصَّلاةِ، ولا يُبْطِلُهَا عَمَلٌ يَسِيرٌ. (وتُسَنُّ) النِّيَّةُ (عِنْدَ أَوَّلِ مَسْنُونَاتِهَا)؛ أي: مَسْنُونَاتِ الطَّهَارَةِ كغَسْلِ اليَدَيْنِ في أَوَّلِ الوُضُوءِ.
ِنْ وُجِدَ قَبْلَ وَاجِبٍ)؛ أي: قَبْلَ التَّسْمِيَةِ، (و) يُسَنُّ (استِصْحَابُ ذِكْرِهَا)؛ أي: تَذَكُّرِ النِّيَّةِ .
(في جَمِيعِهَا)؛ أي: جَمِيعِ الطَّهَارَةِ لتَكُونَ أَفْعَالُه مَقْرُونةً بالنِّيَّةِ .
(ويَجِبُ استِصْحَابُ حُكْمِهَا)؛ أي: حُكْمِ النِّيَّةِ بأن لا يَنْوِي قَطْعَها حتَّى يُتِمَّ الطَّهَارَةَ، فإن عَزَبَت عَن خَاطِرِه
لم يُؤَثِّرْ، وإن شكَّ في النِّيَّةِ في أَثْنَاءِ طَهَارَتِه استأْنَفَها إلا أن يكونَ وَهْماً كالوَسْوَاسِ فلا يُلْتَفَتُ إليه، ولا يَضُرُّ إبطالُها بعدَ فَرَاغِه، ولا شَكٌّ بَعْدَه.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 11:44 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم


باب فروض الوضوء وصفته([1])

الفرض يقال لمعان، منها الحز والقطع([2]).
وشرعا: ما أثيب فاعله وعوقب تاركه([3]) والوضوء استعمال ماء طهور في الأعضاء الأربعة([4]) على صفة مخصوصة([5]).


وكان فرضه مع فرض الصلاة كما رواه ابن ماجه، ذكره في المبدع([6]).
(فروضه ستة) أحدها (غسل الوجه)([7]) لقوله تعالى: ]فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ[([8]) (والفم والأنف منه) أي من الوجه لدخولهما في حده([9]) فلا تسقط المضمضة ولا الاستنشاق في وضوء ولا غسل لا عمدا ولا سهوا([10]).
(و) الثاني (غسل اليدين) مع المرفقين([11]) لقوله تعالى: ]وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ[([12]).


(و) الثالث (مسح الرأس) كله (ومنه الأذنان)([13]) لقوله تعالى: ]وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ[([14]) وقوله صلى الله عليه وسلم «الأذنان من الرأس» رواه ابن ماجه([15]).


(و) الرابع (غسل الرجلين) مع الكعبين([16]) لقوله تعالى: ]وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[([17]) (و) الخامس (الترتيب) على ما ذكر الله تعالى([18]): لأن الله أدخل الممسوح بين المغسولات ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب([19]).
والآية سيقت لبيان الواجب([20]) والنبي صلى الله عليه وسلم رتب الوضوء وقال «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»([21]) فلو بدأ بشيء من الأعضاء قبل غسل الوجه لم يحسب له([22]).


وإن توضأ منكسا أربع مرات صح وضوءه إن قرب الزمن([23]) ولو غسلها جميعا دفعة واحدة لم يحسب له غير الوجه([24]) وإن انغمس ناويا في ماء، وخرج مرتبا أجزأه وإلا فلا([25]) (و) السادس (الموالاة)([26]) لأنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي في ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء رواه أحمد وغيره([27]).
(وهي) أي الموالاة (أن لا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله)([28]) بزمن معتدل، أو قدره من غيره([29]) ولا يضر إن جف لاشتغاله بسنة([30]).


كتخليل وإسباغ وإزالة وسوسة أو وسخ([31]) ويضره الاشتغال بتحصيل ماء([32]) أو إسراف أو نجاسة أو وسخ لغير طهارة([33]) وسبب وجوب الوضوء الحدث([34]) ويحل جميع البدن كجنابة([35]).


(والنية) لغة القصد([36]) ومحلها القلب([37]) فلا يضر سبق لسانه بغير قصده([38]) ويخلصها الله تعالى([39]) (شرط) هو لغة العلامة([40]) واصطلاحا: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته([41]).
(لطهارة الأحداث كلها)([42]) لحديث «إنما الأعمال بالنيات»([43]).
فلا يصح وضوء وغسل وتيمم ولو مستحبات إلا بها([44]) (فينوي رفع الحدث([45]) أو يقصد (الطهارة لما لا يباح إلا بها) أي بالطهارة([46]) كالصلاة والطواف ومس المصحف([47]) لأن ذلك يستلزم رفع الحدث([48]) فإن نوى طهارة أو وضوءا أو أطلق أو غسل أعضاءه ليزيل عنها النجاسة، أو ليعلم غيره أو للتبرد لم يجزئه([49]).


وإن نوى صلاة معينة لا غيرها ارتفع مطلقا([50]) وينوي من حدثه دائم استباحة الصلاة ويرتفع حدثه([51]) ولا يحتاج إلى تعيين النية للفرض([52]) فلو نوى رفع الحدث لم يرتفع في الأقيس قاله في المبدع([53]) ويستحب نطقه بالنية سرا([54]).
تتمة([55])
ويشترط لوضوء وغسل أيضا إسلام([56]) وعقل وتمييز([57]) وطهورية ماء، وإباحته([58]).
وإزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة([59]) وانقطاع موجب([60]) ولوضوء فراغ استنجاء أو استجمار([61]) ودخول وقت على من حدثه دائم لفرضه([62]) فإن نوى ما تسن له الطهارة([63]) كقراءة قرآن وذكر، وأذان ونوم وغضب ارتفع حدثه([64]).
(أو) نوى (تجديدا مسنونا) بأن صلى بالوضوء الذي قبله (ناسيا حدثه ارتفع) حدثه([65]) لأنه نوى طهارة شرعية([66]) (وإن نوى) من عليه جنابة (غسلا مسنونا) كغسل جمعة([67]) قال في الوجيز ناسيا (أجزأ عن واجب)([68]) كما مر فيمن نوى التجديد([69]) (وكذا عكسه) أي إن نوى واجبا أجزأ عن المسنون([70]).


وإن نواهما حصلا([71]) والأفضل أن يغتسل ثم للمسنون كاملا([72]) (وإن اجتمعت أحداث) متنوعة ولو متفرقة([73]) (توجب وضوءا أو غسلا([74]) فنوى بطهارته أحدها) لا على أن لا يرتفع غيره([75]) (ارتفع سائرها) أي باقيها([76]) لأن الأحداث تتداخل، فإذا ارتفع البعض ارتفع الكل([77]).


(ويجب الإتيان بها) أي بالنية (عند أول واجبات الطهارة([78]) وهو التسمية)([79]) فلو فعل شيئا من الواجبات قبل النية لم يعتد به([80]) ويجوز تقديمها بزمن يسير كالصلاة([81]) ولا يبطلها عمل يسير([82]).
(وتسن) النية (عند أول مسنوناتها) أي مسنونات الطهارة
كغسل اليدين في أول الوضوء([83]) (إن وجد قبل واجب) أي قبل التسمية([84]).
(و) يسن (استصحاب ذكرها) أي تذكر النية([85]) (في جميعها) أي جميع الطهارة لتكون أفعاله مقرونة بالنية([86]) (ويجب استصحاب حكمها) أي حكم النية([87]) بأن لا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة([88]) فإذا عزبت عن خاطره لم يؤثر([89]) وإن شك في النية في أثناء طهارته استأنفها([90]) إلا أن يكون وهما كالوسواس فلا يلتفت إليه([91]).

ولا يضر إبطالها بعد فراغه
([92]) ولا شكه بعده([93])


([1]) لما ذكر الماء الذي تحصل به الطهارة وآنيته وأردفه بالاستنجاء ثم بالسواك، أتبع ذلك بالكلام على مقاصد الطهارة، وبدأ بالوضوء لتكرره، ولأنه مطلوب مطلقا لكل صلاة، وهو من أعظم شروط الصلاة، وفي الصحيحين لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ولمسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور، وله أيضا: الطهور شطر الإيمان، والأصل في الوضوء الكتاب والسنة والإجماع، والوضوء بضم الواو فعل المتوضئ، وهو إمرار الماء على أعضائه من الوضاءة أي النضارة والحسن والنظافة، ووضوء الشيء يوضئ وضوءا ووضاءة صار نضرا حسنا نظيفا، لأنه ينضره ويحسنه وينظفه، وبفتحها الماء يتوضأ به، وحكي الضم والفتح فيهما، والأول هو المعروف في اللغة، وعبر بالفرض هنا، وفي الصلاة بالركن، لأن الصلاة لما امتنع تفريق النية على أفعالها كانت حقيقة واحدة مركبة من أجزاء فناسب عد أجزائها أركانا، بخلاف الوضوء، لما كان كل جزء منه مستقلا بلا تركيب عبر فيه بالفرض، وصفة الوضوء كيفية الكامل منه والمجزئ.

([2]) أي الفرض شيء لازم للعبد كلزوم الحز للشيء، والقطع كالتفريض، وهو التحريز ومصدر بمعنى المفروض ومنه (فمن فرض فيهن الحج) فكل واجب موقت فهو مفروض، وفرض الله الصلاة وغيرها أوجبها، وفرض يفرض فرضا وقت. وفي القاموس: الفرض التوقيت، والحز في الشيء، كالتفريض، وفي المصباح اشتقاق الفرائض من الفرض الذي هو التقدير، لأن الفرائض مقدرات والفرض ما أوجبه الله تعالى، سمي بذلك لأن له معالم وحدودا، وقال تعالى (نصيبا مفروضا) أي محدودا وفي المطلع: ما كان فعله راجحا على تركه مع
المنع من تركه مطلقا اهـ ويطلق الفرض شرعا على معنى آخر، وهو ما تتوقف عليه صحة العبادة، وجواز الإتيان بها، وقال ابن عقيل والموفق وغيرهما، الفرض هو الواجب على إحدى الروايتين، وهو قول الشافعي: والثانية هو آكد من الواجب فقيل هو اسم لما يقطع بوجوبه، كمذهب أبي حنيفة، وقيل ما لا يسامح في تركه عمدا ولا سهوا، نحو أركان الصلاة، قالت الحنفية: الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، والنزاع لفظي، وتأكد الفرض، على الواجب شرعا ظاهر موافق لمقتضاه لغة.

([3]) قولهم: شرعا. إخراج للشيء عن المعنى اللغوي إلى الحقيقة الشرعية، وهي ماتلقي معناها عن الشارع، وإن لم يتلق عن الشارع سمي اصطلاحا وعرفا.

([4]) المعهود لأهل الشرع على سبيل الغسل والمسح، والأربعة هي الوجه واليدان والرأس والرجلان، قال الشيخ: ولم يرد الوضوء، بمعنى غسل اليد والفم إلا في لغة اليهود.

([5]) في الشرع. بأن يأتي بها مرتبة متوالية مع باقي الفروض والشروط وما يجب اعتباره، واختصت هذه الأعضاء الأربعة به، لأنها أسرع ما يتحرك من البدن للمخالفة، ورتب غسلها على ترتيب سرعة حركتها في المخالفة، تنبيها بغسلها ظاهرا على تطهيرها باطنا، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه كلما غسل عضوا منها حط عنه كل خطيئة أصابها بذلك العضو، وأنها تخرج خطاياه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء وإن وضع وجهه لله خرج من خطاياه كيوم ولدته أمه، ثم أرشد بعدها إلى تجديد الإيمان بالشهادتين، وقال بعد آية الوضوء ]لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ[ فوضع تعالى الشرائع لمصالح العباد، في العاجل والمعاد، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.

([6]) ولفظه أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء عند نزوله عليه بالوحي، وهو من طريق رشدين بن سعد، وأخرجه أحمد من طريق ابن لهيعة والطبراني من طريق الليث موصولا، والشارح نبه على ذلك، لأنه قد يفهم أن الصلاة إذ ذاك بلا وضوء إلى وقت نزول آية المائدة، مع أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء، فعلى هذا تكون آية: ]إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا[ إلى آخرها مقررة للحكم الثابت، لا مؤسسة لأنها مدنية والوضوء فرض مع الصلاة بمكة وصلى بها صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين قبل الهجرة، وكذلك أصحابه، قال ابن المنذر: معلوم عند جميع أهل السير أنه صلى الله عليه وسلم افترض عليه بمكة الصلاة والغسل من الجنابة، ومعلوم أن الغسل من الجنابة لم يفرض قبل فرض الوضوء، وأنه لم يصل قط بمكة صلاة إلا بوضوء اهـ
وأخرج الحاكم أن فاطمة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: إن هؤلاء الملأ من قريش قد تعاهدوا ليقتلوك، فقال ائتوني بوضوء فتوضأ، قال الحاكم: وهذا يصح ردا على من أنكر وجوده قبل الهجرة اهـ، وهو أيضا شرع لمن قبلنا، لما روى الإمام أحمد وغيره أنه قال عليه الصلاة والسلام هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي، وفي البخاري فتوضأ وصلى، ومن قصة سارة مع الملك لما هم بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي. وجاء في قصة جريج الراهب أنه قام فتوضأ . قال النووي فهو حجة على أن الوضوء كان في غير هذه الأمة، وإنما اختصت بالغرة والتحجيل.وقال الشيخ: الوضوء من خصائص هذه الأمة، كما جاءت الأحاديث الصحيحة أنهم يبعثون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يعرفهم بهذه السيماء، فدل على أنه لا يشاركهم فيها غيرهم. وقال فيما رواه ابن ماجه: ضعيف عند أهل العلم بالحديث، لا يجوز الاحتجاج بمثله، وليس له عند أهل الكتاب خبر عن
أحد من الأنبياء أنه كان يتوضأ وضوء المسلمين بخلاف الاغتسال من الجنابة فإنه كان مشروعا قبل.

([7]) إجماعا، والغسل في الأصل من: غسل الشيء، سال، بالفتح، وغسله يغسله غسلا طهره بالماء، وأزال الوسخ ونحوه عنه، بإجراء الماء عليه، فهو غاسل، والوجه في الأصل من المواجهة، وإضافة الغسل إليه من إضافة المصدر إلى مفعوله، والفاعل محذوف أي غسل المتوضئ وجهه، ويرد عليه أن يكون صفة للفاعل وهو غير شرط، إذ لو أصابه الماء من غير فعل كفى.

([8]) أي إذا قمتم إلى الصلاة، وأنتم على غير طهر ]فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ[ بالماء فشرع غسله الذي نظافته ووضاءته عنوان على نظافة القلب، ويستب عند كل صلاة للآية، وللأمر به، وتجديده كل صلاة مستحب إجماعا، وتجوز الصلوات كلها بوضوء واحد.

([9]) وكونهما في حكم الظاهر بدليل غسلهما من النجاسة، وفطر الصائم بعود القيء بعدوصوله إليهما وأنه لا يفطر بوصول شيء إليهما.

([10]) لما في الصحيحين من توضأ فليستنشق، ولقوله: استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا، قال أحمد: وأنا أذهب إليه، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيحين عن ابن عباس، أنه توضأ فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنثر الحديث وفيه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يتوضأ وللدارقطني بسند جيد عن أبي هريرة قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلمبالمضمضة والاستنشاق ولغيرهما من الأحاديث، وكل من وصف وضوءه صلى الله عليه وسلم على الاستقصاء لم يقل إنه ترك الاستنشاق ولا المضمضة وفعله إذا خرج بيانا كان حكمه حكم ذلك المبين، وتجب الموالاة بينهما وبين بقية الأعضاء، وعنه أنهما سنة، وفاقا لمالك والشافعي، لقوله: توضأ كما أمرك الله، قال ابن المنذر: لا خلاف في أن تاركهما لا يعيد اهـ، والمشهور الأول: لأن الله أمر بغسل الوجه وأطلق، وفسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعله وتعليمه، ولم ينقل أنه أخل بذلك، مع اقتصاره على المجزئ، وقوله هذا الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به، ولأنهما في حكم الظاهر كما تقدم، وعليه لا يسقطان ولو سهوا، وأما الغسل فأجمعوا على أن الوضوء معه غير واجب، والمضمضة والاستنشاق من توابعه.

([11]) إجماعا والمرفق موصل الذراع في العضد، جمعه مرافق، وقال النووي وغيره: مجتمع العظمتين المتداخلين، وهما طرف عظم العضد، وطرف عظم الذراع، واليد أصلها يدي، وجمعها أيد ويدي، وجمع الأيدي أياد، جمع الجمع.

([12]) أي مع المرافق، وإلى تستعمل بمعنى مع كقوله: ]لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ[ وفعله عليه الصلاة والسلام يبينه وفي حديث جابر أدار الماء على مرفقيه رواه الدارقطني، ولمسلم عن أبي هريرة غسل يده حتى أشرع في العضد، وذكروا أن المغيا لا يدخل في الغاية إلا في ثلاث، غسل اليدين إلى المرفقين والرجلين إلى الكعبين، يريد إدخال المرفقين والكعبين في الغسل، والتكبير المقيد يدخل فيه عصر آخر أيام التشريق، والله سبحانه شرع غسل اليدين بعد الوجه، لأنهما أحق الأعضاء بالنظافة والنزاهة بعده.

([13]) مسح الرأس فرض بالإجماع في الجملة، مع اختلاف في قدر الواجب، وقوله: كله، هو ظاهر الكتاب والسنة، وقول جمهور السلف، وعفا في المبهج والمترجم عن يسيره للمشقة، وصوبه في الإنصاف، واختاره الشيخ تقي الدين وظاهر كلام الأكثرين بخلافه قال الشيخ: اتفق الأئمة على أن السنة مسح جميع الرأس كله، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، والذين نقلوا وضوءه صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد منهم إنه اقتصر على مسح بعضه، ومسحه مرة يكفي بالاتفاق، ولا يستحب ثلاثا، وحد الرأس من المقدم بحيث لا يسمى وجها، ومن المؤخر بحيث لا يسمى قفاء، وقوله: ومنه الأذنان أي الأذنان من الرأس، فيجب مسحهما معه، وعنه لا يجب بل يستحب، قال غير واحد من الأصحاب: هو الصحيح، وظاهر المذهب، واختاره الشيخ، وجمع قال الوزير: وأجمعوا على أن مسح باطن الأذنين وظاهرهما سنة من سنن الوضوء، وذكر الوجوب رواية عن أحمد فقط.

([14]) الباء للإلصاق أي إلصاق الفعل بالمفعول فكأنه قال: ألصقوا المسح برءوسكم يعني المسح بالماء، بخلاف ما لو قال اسمحوا رءوسكم فإنه لا يدل على الإلصاق كما يقال مسحت رأس اليتيم فشرع الله مسح جميع الرأس، وأقامه مقام غسله تخفيفا قال الزركشي، ومن قال إن الباء للتبعيض فغير مسلم دفعا للاشتراك ولإنكار الأئمة وما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم مسح مقدم رأسه، فمحمول على أن ذلك مع العمامة، كما جاء مفسرا في الصحيح في حديث المغيرة.

([15]) والدارقطني وغيرهما من غير وجه، ولحديث ابن عباس، مسح برأسه وأذنيه مرة واحدة ولغيرهما من الأحاديث والآثار البالغة حد التواتر على أنهما من الرأس، فيمسحان معه، قال الترمذي: والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم.

([16]) وهو فرض بإجماع الصحابة، حكاه ابن أبي ليلى وغيره، والكعبان هما العظمان الناتئان من جانبي القدم، وهما مجمع مفصل الساق والقدم، قال النووي وغيره: باتفاق أهل الحديث واللغة والفقه، بل وإجماع الناس، خلافا للشيعة فهذه الأعضاء الأربعة هي آلات الأفعال التي يباشر بها العبد ما يريد فعله، وبها يعصى الله ويطاع.

([17]) بالنصب أعاد الأمر إلى الغسل، وعلى القراءة بالخفض لا يخالف ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من غسل الرجلين، فإن المسح جنس تحته نوعان الإسالة وغير الإسالة. كما تقول العرب: تمسحت للصلاة فما كان بالإسالة فهو الغسل، وفي حديث عمرو ثم غسل رجليه كما أمره الله، قال الشيخ: والله أمر بالمسح إلى العظمين الناتئين وهذا هو الغسل، وفي ذكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب على الرجلين، فإن السرف يعتاد فيهما كثيرا و(إلى) بمعنى (مع) لأحاديث صفة الوضوء، ولما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ويل للأعقاب من النار.

([18]) في آية المائدة. قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ[ والترتيب هو الفرض الخامس، وهو جعل كل شيء في مرتبته واصطلاحا جعل الأشياء الكثيرة بحيث يطلق عليها اسم الواحد، ويكون لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدم والتأخر.

([19]) الممسوح الرأس، والمغسولات بقية الأعضاء، ورتب بعضها على بعض
وهي جنس واحد، فدلت على الترتيب شرعا، فيما من شأنه أن يرتب والتقديم في الترتيب يقتضي رفع المزية.

([20]) وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال عند السعي أبدأ بما بدأ الله به، وفي لفظ النسائي ابدءوا بما بدأ الله به، فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله به، وإن كان في الصفا والمروة فهو دليل على البداءة في الوضوء بما بدأ الله به، وهذا مذهب الشافعي.

([21]) رواه أبو داود وغيره من حديث عمرو بن شعيب، وقال النبي صلى الله عليه وسلم توضأ كما أمرك الله، ولأبي داود وغيره، إنه لا يتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ثم يمسح برأسه، ورجليه إلى الكعبين، قال الخطابي وغيره: فيه من الفقه أن ترتيب الوضوء وتقديم ما قدمه الله في الذكر منه واجب، وذلك معنى قوله: حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله، ثم عطف عليه بحرف الفاء الذي يقتضي الترتيب من غير تراخ، وكل من حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم حكاه مرتبا، وفعله محمول على الوجوب، وهو مفسر للآية وقال إمام الحرمين: لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه تنكيس الوضوء، ولا التخيير فيه، ولا التنبيه على جوازه، ولم يؤثر من فعل علماء المسلمين وعامتهم إلا الترتيب كالصلاة، وقال شيخ الإسلام: ولم يتوضأ قط إلا مرتبا ولا مرة واحدة في عمره، كما لم يصل إلا مرتبا اهـ ولأن الوضوء عبادة ذات أجزاء فكان الترتيب فيها واجبا كالصلاة.

([22]) أي بما غسله من الأعضاء قبله لفوات الترتيب.

([23]) بأن بدأ برجليه وختم بوجهه حصل له بكل مرة غسل عضو إن قرب الزمن فإن لم يقرب فلا، لأجل فوات الموالاة، قال الشيخ: ويكفي هذا الوضوء اسمه وهو أنه وضوء منكس.

([24]) كما لو وضأه أربعة في حالة واحدة.

([25]) أي وإن لم يخرج مرتبا فلا يرتفع حدثه، ونص أحمد في رجل أراد الوضوء فانغمس في الماء ثم خرج من الماء فعليه مسح رأسه وغسل رجليه.

([26]) أي الفرض السادس الموالاة، وهو عبارة عن الإتيان بجميع الطهارة في زمن متصل، من غير تفريق فاحش، مصدر وإلى الشيء يواليه إذا تابعه ويسقط كل من الترتيب والموالاة مع غسل من حدث أكبر متحقق، لاندراج الوضوء فيه كاندراج العمرة في الحج.

([27]) فرواه أبو داود والنسائي وغيرهما، وأعله المنذري ببقية بن الوليد، وإلى هذا ذهب مالك وهو قول للشافعي وعنه عدم الوجوب وفاقا لأبي حنيفة والقول الثاني للشافعي وأخرج مسلم من حديث عمر مرفوعا، ارجع فاحسن وضوءك ولم يذكر فتوضأ والإحسان يحصل بمجرد الإسباغ، وأصرح من الحديث الذي استدل به حديث أبي وابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم توضأ على الولاء، وقال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به، إلا أن فيه مقالا لكن
الذين وصفوا وضوءه صلى الله عليه وسلم وصفوه على الولاء، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان لقوله تعالى: ]إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ[ الآية فإذا وجد الشرط وهو القيام وجب أن لا يتأخر عنه جوابه، واختار الشيخ القول الثاني وذكر أنه الأشبه بأصول الشريعة ونصوص أحمد، وهو أن التارك لعذر قد فعل ما استطاع، وقال: لو فرق لضرورة لم يضره، وذكر التتابع في الكفارة وصلاة الخوف، وقصة ذي اليدين، وطرد ذلك في الترتيب، وقال: لو قيل بسقوطه للعذر كما إذا ترك غسل وجهه لمرض ونحوه ثم زال قبل انتقاض وضوئه فغسله لتوجه اهـ وهو مذهب أبي حنيفة، وقال للشافعي، وقال مالك: إن تعمد التفريق بطل، وإلا فلا، وعن أحمد أن الموالاة سنة، ولم يذكرها الخرقي في فروض الوضوء، واللمعة على وزن رقعة الموضع لا يصيبه الماء في الوضوء أو الغسل، كأنه على التشبيه بلمعة الحلي لقلة المتروك.

([28]) أي أن يجف العضو الذي قبل المؤخر، وذلك بأن لا يؤخر غسل اليدين حتى يجف الوجه، ولا يؤخر مسح الرأس حتى تجف اليدان، ولا غسل الرجلين حتى يجف الرأس.

([29]) أي أو قدر الزمن المعتدل من غيره، أي غير المعتدل، بأن كان حارا، أو باردا وهو معتدل ومزاجه معتدل، والمعتبر بآخر غسلة وعنه يعتبر طول الفصل قال الحلال: وهو أشبه بقوله والعمل عليه،وقال ابن عقيل: ما يفحش في العادة لأنه لم يحد في الشرع، وقال ابن رزين: هذا أقيس، لأنه لم يحد في الشرع فيرجع فيه إلى العادة.

([30]) أي ولا يضر إن نشف العضو المغسول أو الممسوح قبل غسل أو مسح الذي بعده لاشتغاله المتوضئ بسنة من نحو ما مثل به.

([31]) لأن ذلك من الطهارة . والوسوسة هي أن يتردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاثا فيجعلها مرتين، وتقدم ذكر التخليل وأما الإسباغ فقال في اللمعات يفسر بإكمال الوضوء وإبلاغ الماء كل ظاهر أعضائه، وهذا فرض، وبالتثليث وهو سنة، والتسييل، وهو شرط وإكثار الماء من غير إسراف، وهو فضيلة، ولعله المراد هنا، وقال النووي وغيره: التفريق اليسير بين أعضاء الوضوء لا يضر بإجماع المسلمين.

([32]) أي تفوت الموالاة إن جف العضو، لأجل اشتغال المتوضئ بتحصيل ماء لأنه ليس من الطهارة.

([33]) يعني أن الاشتغال بإزالة النجاسة أو الوسخ ونحوه إنما يضر إذا كان في غير أعضاء الوضوء، أما إن كان الوسخ ونحوه في أعضاء الوضوء لم يضره الاشتغال بإزالته لأنه إذا من أفعال الطهارة، والفرق بين اشتغاله بتحصيل الماء، واشتغاله بإزالة النجاسة أو الوسخ أنه مخاطب بتحصيل الماء قبل التلبس بالشروع في الطهارة بخلاف إزالة الوسخ والنجاسة.

([34]) أي تسبب عنه وجوب الطهارة لا أنه يجب بالحدث فإن الموجب الشارع وقيل: بإرادة الصلاة، وقيل بدخول الوقت، قال الشيخ: وهو لفظي، فلا يجب الوضوء ولا الغسل إلا بعد دخول الوقت وإرادة الصلاة اهـ وحكى الإجماع غير واحد أنه لا يأثم بالتأخير عن الحدث، وأنه لا يجب الغسل ولا الوضوء حتى يدخل وقت الصلاة بالفعل أو الزمان، وأنهما جائزان قبل دخول الوقت لغير نحو المستحاضة.

([35]) فإنه لا يمس المصحف بعضو مطلقا، ولا بعضو غسله حتى يتم وضوءه، ولو قلنا برفع الحدث عنه.

([36]) ومنه قول أهل الجاهلية: نواك الله بحفظه أي قصدك، وقال الأزهري، من قولك نويت بلدة كذا أي عزمت بقلبي قصدها، ونوى الشيء ينويه نواء ونية قصده وعزم عليه، والعزم والقصد والنية اسم للإرادة الحادثة، لكن العزم المتقدم عن الفعل، والقصد المقترن به، والنية المقترنة به مع دخوله تحت العلم بالمنوي وخصت في غالب الاستعمال بعزم القلب على أمر من الأمور، ففي الوضوء هي القصد إليه بتخصيصه ببعض أحكامه.

([37]) أي محل النية القلب إجماعا، لأنها من عمله.

([38]) وإن لفظ بلسانه ولم يقصد بقلبه لم يجزئه إجماعا، ولو اقتصر عليه بقلبه أجزأه إجماعا.

([39]) أي يخلص النية لله تعالى لأنها عبادة وقال تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ فإخلاصها لله ركنها الأعظم ويأتي حكم المشوب

([40]) أي النية في العبادات شرط، والشرط لغة هو العلامة قال تعالى: ]فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا[ أي علاماتها.

([41]) فالأول احتراز من المانع، لأنه لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم، والثاني احتراز من السبب ومن المانع أيضا. أما السبب فإنه يلزم من وجوده الوجود لذاته، وأما المانع فإنه يلزم من وجوده العدم، وقوله: لذاته احتراز من مقارنة الشرط وجود السبب، فيلزم الوجود، أو مقارنة الشرط قيام المانع، مثال الأول الطهارة يلزم من عدمها عدم صحة الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود صحتها، لجواز عدمها لعدم شرط آخر كعدم دخول الوقت، والذات والحقيقة والماهية بمعنى واحد، والكلام على النية من سبعة أوجه: جمعها بعضهم فقال:
كيفية شرط ومقصود حسن



حقيقة حكم محل وزمن


فحقيقتها لغة القصد، وشرعا قصد الشيء مقترنا بفعله، كما تقدم، وحكمها الوجوب ومحلها القلب، وزمنها أول الواجبات وكيفيتها تختلف بحسب الأبواب، وشرطها إسلام الناوي، وتمييزه وعلمه بالمنوي، وعدم إتيانه بمنافيها، بأن يستصحبها حكما، والمقصود بها تمييز العبادة عن العادة، أو تمييز مراتب العبادة بعضها عن بعض، لتمييز ما هو الله، عما ليس له، أو تمييز مراتب العبادات في نفسها، فالأول كالغسل للعبادة أو التبرد، والثاني كالصلاة الفرض، أو النفل وتنقسم النية إلى فعلية موجودة وحكمية معدومة فإذا كان في أول العبادة فهذه نية فعلية، ثم إذا ذهل عنها فهذه نية حكمية بمعنى أن الشرع حكم باستصحابها وكذا الإيمان والرياء، وجميع هذا النوع من أحوال القلوب إذا شرع فيها واتصف القلب بها كانت فعلية ثم إذا ذهل عنها، حكم صاحب الشرع ببقاء حكمها لمن اتصف بها.

([42]) الغسل والوضوء والتيمم قال في المبدع وغيره بغير خلاف نعلمه للآية والأخبار، ولأن الإخلاص من عمل القلب، وهو محض النية، وهو مأمور به بالكتاب والسنة والإجماع، قال الوزير وغيره، أجمعوا على وجوب النية في طهارة الحدث والغسل من الجنابة، إلا أبا حنيفة فيشترطها في التيمم دون طهارة الماء، و الآية والحديث وكونها عبادة: حجة واضحة عليه، ولمسلم الطهور شطر الإيمان فهو عبادة، وكل عبادة لا بد لها من نية ويستثنى غسل كتابية ومسلمة ممتنعة من غسل لزوج، فيغسلن قهرا، ولا نية إذ للعذر ويسقط اشتراطها.

([43]) متفق عليه، أي إنما المنوي بحسب ما نواه العامل، وليس المراد صورة العمل، بل عن حكم العمل لا يثبت إلا بالنية، لنفيه أن يكون له عمل شرعي بدونها، وأكده بقوله: وإنما لكل امرئ ما نوى، وعن علي: لا عمل لمن لا نية له، فالنية سر العبودية وروحها ولبها، قال تعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ومعلوم أن إخلاص النية للمعبود أصل النية، والعمل الذي لم ينو ليس بعبادة، ولا مأمور به فلا يكون فاعله متقربا إلى الله، وهذا لا يقبل نزاعا، وكيف يؤدي وظائف العبودية من لا يخطر بباله التمييز بين العبادة والعادات، ولا بين مراتب تلك الوظائف هذا أمر ممتنع عادة وعقلا وشرعا كما قاله الشيخ وغيره.

([44]) أي بالنية لأنها طهارة عن حدث فلا تصح بغير نية، ولأن النية للتمييز والنص دل على الثواب في كل وضوء، ولا ثواب في غير منوي إجماعا.

([45]) أي يقصد بطهارته زوال الوصف القائم بالأعضاء، قيام الأوصاف الحسية المانع من الصلاة ونحوها، قال ابن رشد وغيره، نية رفع الحدث من فرائض الوضوء اتفاقا.

([46]) أو يقصد بطهارته أمرا تتوقف استباحته بها، أو امتثال أمرا الله تعالى بأداء ما افترض عليه والثلاثة متلازمة متى خطر بباله بعضها أجزأ عن جميعها.

([47]) وكقصد الجنب بالغسل اللبث في المسجد ونحو ذلك. فإذا نوى ذلك صحت طهارته بلا خلاف عند القائلين باشتراطها ولو نوى مع رفع الحدث إزالة النجاسة، أو التبرد أو التنظيف أو التعليم صحت طهارته، لأنه نوى الطهارة وضم إليها ما لا ينافيها كمن نوى مع الحج رؤية البلاد النائية لكن ينقص الثواب، لحديث إنما الأعمال بالنيات إنما لكل امرئ ما نوى وإن نوى التبرد وما لا تشرع له الطهارة كالأكل والبيع ولم ينو الطهارة الشرعية لم يرتفع.

([48]) أي لأن نية الصلاة ونحوها لما لا يباح إلا بها يستلزم رفعه ضرورة.

([49]) لعدم إتيانه بالنية المعتبرة.

([50]) وأجزأ لتلك الصلاة وغيرها، وكفى التعيين ولغى التخصيص.

([51]) أي ينوي من به حدث دائم كالمستحاضة ومن به سلس البول وقروح سيالة ونحو ذلك استباحة الصلاة دون رفع الحدث، ويرتفع جعلا للدائم بمنزلة المنقطع على الصحيح، وقيل: لا يرتفع قال في الإنصاف، والنفس تميل إليه وإنما عليه أن يتقي الله ما استطاع.

([52]) لأن طهارته ترفع الحدث.

([53]) قاس الشيء بغيره قدره على مثاله، وقايست بين الأمرين قدرت، أي قال في المبدع: الأقيس أنه لا يرتفع لو نواه لمنافاته وجود نية رفعه.

([54]) كذا استحبه كثير من المتأخرين من الأصحاب وغيرهم، ولفظ الفروع والتنقيح وغيرهما يسن ومنصوص أحمد وغيره من الأئمة المتبعين وجميع المحققين خلاف ذلك، وصوبه في الإنصاف وغيره.
وقال في الإقناع، والتلفظ بها بدعة وذكر شيخ الإسلام أن التلفظ بها بدعة، لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولم ينقل مسلم عنه ولا عن أصحابه أنه تلفظ قبل الوضوء ولا غيره من العبادات بلفظ النية، لا سرا ولا جهرا، ولا أمر بذلك، فلما لم ينقله أحد علم قطعا أنه لم يكن، وحنيئذ فترك التلفظ بها هو السنة. وقال: اتفق الأئمة أنه لا يشرع الجهر بها، ويأتي وأنه لم يستحبه أحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم، وإنما استحبه بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وغيرهم، ورد عليهم محققوا مذهبه كالنووي وابن كثير وغيرهما، وقال ابن القيم: لم يكن صلى الله عليه وسلم يقول في أول الوضوء: نويت ارتفاع الحدث، ولا استباحة الصلاة لا هو ولا أحد من أصحابه
ولم يرو عنه في ذلك حرف واحد بسند صحيح ولا ضعيف اهـ وكثيرا ما يطلقون الاستحباب على ما ليس بمستحب والسنة على ما ليس بسنة، وقال الشيخ: إذا أطلق الإنسان السنة على شيء ليس في السنة يصدق عليه قوله من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار اهـ والسنة إنما تطلق على ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن العجب أن تجعل البدعة سنة وعبارة يستحب أهون من يسن عند أكثر أهل العلم: إذ الاستحباب يطلق على الاستحسان وعلى الأول، وعلى المندوب والسنة إنما تطلق على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الجمهور.

([55]) التتمة هي ما يتم به الشيء وتتمة كل شيء تمام غايته، يقال: هذا تمام المائة أي ما تتم به وفي المعاني تتميم المعنى وفي عرفهم كالتذنيب يؤتي بها تابعة ومتممة لما قبلها.

([56]) كما يشترط لسائر العبادات، ولو كان الوضوء والغسل مستحبين فلا يصحان من مشرك.

([57]) أي: ويشترط عقل ضد الجنون قال الشيخ: العقل في لغة المسلمين مصدر عقل يعقل عقلا، يراد به القوة التي بها يعقل، وعلوم وأعمال تحصل بذلك اهـ وهو غريزي كأنه نور يقذف في القلب، فيستعد لإدراك الأشياء، وله اتصال بالدماغ ويقل ويكثر ويختلف، فبعض الناس أكبر، لأن كمال الشيء ونقصه يعرف بكمال آثاره وأفعاله، ويقوي العقل ويضعف فإذا قوي قمع ملاحظة عاجل الهوى وأكثر الأصحاب يقولون: محله القلب، وبعضهم يقول: الدماغ ورجح المحققون أنه مشترك بينهما. مستمد منهما، ويشترط تمييز وهو الذي إذا انتهى إليه الإنسان عرف مضاره ومنافعه لتأتي النية.

([58]) أي الماء، فلو توضأ بماء غير طهور أو بماء مغصوب، أو ما عقده فاسد
أو ما وقف للشرب، أو من الآبار المحرمة، لم يصح إذا كان عالما ذاكرا، كما صرحوا به، وإلا فيصح لعدم الإثم إذا.

([59]) أي وصول الماء إلى البشرة. من طين أو عجين أو شمع أو دهن جامد أو وسخ على أعضاء الوضوء، أو على بدن في غسل، ليحصل الإسباغ، وأما الحناء ونحوه فعرض ليس له جرم يمنع وصول الماء إلى العضو.

([60]) بكسر الجيم أي فراغ خروج خارج، سواء كان خارجا من سبيل أو غيره كقيء لمنافاته الوضوء.

([61]) قبله. وتقدم في باب الاستنجاء.

([62]) أي فرض ذلك الوقت، كالسلس، لأنها طهارة ضرورة، فتقيدت بالوقت كالتيمم ويرتفع حدثه، ولا يحتاج إلى تعيين نية الفرض، وتقدم: قال الشيخ: الوضوء من الحدث الدائم لكل صلاة فيه أحاديث متعددة، وقد صحح بعضها غير واحد من العلماء، فقول الجمهور الذين يوجبون الوضوء لكل صلاة أظهر، وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد اهـ فالحاصل أن شروط الوضوء عشرة، والغسل ثمانية .

([63]) من قول أو فعل.

([64]) لأنه نوى طهارة شرعية فحصلت له الطهارة لأنه عليه الصلاة والسلام توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال هكذا لمن ليس بجنب فهذا الوضوء مندوب وفي الصحيحين أنه دعا بوضوء فتوضأ ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، وقال: إذا غضب أحدكم فليتوضأ ويأتي الندب إليه عند النوم والأذان
ويندب لرفع شك وكلام محرم كالغيبة وفعل نسك من مناسك الحج، وكدخول مسجد وتدريس علم وأكل، وكل ما نواه لذلك ونحوه، يرتفع حدثه بذلك الوضوء.

([65]) أي أو نوى بوضوئه تجديدا مسنونا، بأن صلى بالوضوء الذي قبل وضوئه هذا الذي جدد به، وكان أحدث ولكن نوى التجديد ناسيا حدثه، ارتفع حدثه بالوضوء المسنون اختاره غير واحد، قال في الشرح: وهي أصح فإن نوى الوضوء المسنون أو التجديد عالما حدثه لم يرتفع حدثه لتلاعبه.

([66]) فينبغي أن يحصل له لحديث لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالوضوء عند كل صلاة رواه أحمد والنسائي بسند صحيح، ولأبي داود من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات، وفي الصحيح: وكان يتوضأ لكل صلاة، وهذا ما لم يعارضه فضيلة أول الوقت، فتقدم عليه، ولا بأس أن يصلي الصلوات الخمس بالوضوء الواحد، ما لم يحدث بلا نزاع، ففي الصحيح وغيره عن أنس يجزئ أحدنا الوضوء ما لم يحدث ولمسلم صلى خمس صلوات بوضوء واحد.

([67]) بخلاف غير المسنون كالغسل للتبرد ونحوه.

([68]) وهو مقتضى قولهم فيما سبق والوجيز للحسن بن يوسف بن محمد بن أبي السري البغدادي الفقيه ألف الوجيز في الفقه، وله كتاب في أصول الدين ونزهة الناظرين وغيرها توفي سنة سبعمائة واثنتين وثلاثين.

([69]) أي فارتفع حدثه، ولو قال: فيمن نوى وضوءا مسنونا ناسيا، لكان أولى.

([70]) وذلك بطريق الأولى، لكن لا ثواب في غير المنوي منهما.

([71]) أي حصل له ثوابهما لأنه نواهما جميعا وأجزأ ذلك الغسل المنوي فيه عنهما.

([72]) أي غسلا آخر كاملا لأنه أكمل، واستظهر أهل التحقيق الاكتفاء بأحدهما، لدخول المسنون في الواجب تبعا، كما يدخل غسل الجمعة في الغسل الواجب، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لواجب ومسنون مرتين في آن واحد، ولاستمرار الاجتزاء بالغسل الواحد، وكذا الوضوء الواحد، مع ترادف الأحداث فهنا أولى.

([73]) في أوقات بأن لم توجد دفعة واحدة.

([74]) كالبول والغائط والريح والنوم ومس الذكر، وكالجماع وخروج المني والحيض.

([75]) فإن نوى أن لا يرتفع غيره لم يرتفع.

([76]) يعني الأحداث قال ابن رجب: هذا المشهور صححه صاحب الفائق واختاره القاضي وغيره.

([77]) أي يدخل بعضها في بعض فإذا نوى بعضها غير مقيد ارتفع جميعها كما لو نوى رفع الحدث وأطلق ولو كان عليه حدث نوم فغلط ونوى رفع حدث بول ارتفع حدثه.

([78]) لأن النية شرط فيعتبر وجودها في أول الوضوء، أو الغسل، أو التيمم أو غيرها من سائر العبادات.

([79]) أي أول واجب التسمية، لحديث لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه وتقدم.

([80]) لحديث إنما الأعمال بالنيات فتستحب إعادته بعد النية، ومتى جاء ليتوضأ أو أراد فعل الوضوء مقارنا له، أو سابقا عليه قريبا، فقد وجدت النية.

([81]) أي يجوز تقديم النية على الطهارة، بزمن يسير، كما يجوز في الصلاة، قال في الإنصاف: بلا نزاع، ولا يجوز بزمن طويل على الصحيح من المذهب، وعليه الأصحاب وقيل: يجوز مع ذكرها وبقاء حكمها، بشرط أن لا يقطعها.
قال القاضي: إذا قدمها واستصحب ذكرها حتى شرع في الطهارة جاز، وقال أبو الحسين: يجوز ما لم يعرض ما يقطعها من اشتغال بعمل ونحوه.

([82]) أي قبل الشروع في الطهارة ونحوها، قال في المبدع: في الأصح، فإن كثر بطلت، واحتاج إلى استئنافها.

([83]) أي لغير قائم من نوم ليل فيجب على ما تقدم.

([84]) أي إن وجد ذلك المسنون كغسل اليدين قبل التسمية، بأن أراد أن يقدم غسل كفيه على التسمية، فيسن الإتيان بالنية عند غسلهما لتشمل النية مسنون الطهارة ومفروضها فيثاب عليهما وكذا عبارة شرح الإقناع والمنتهى، وفي شرح المنتهى لمصنفه وغيره: قبل المضمضة والاستنشاق وهو أولى لإيهامه عدم وجوب تقدم النية على التسمية.

([85]) بقلبه بأن يكون مستحضرا لها بقلبه في أول الطهارة ثم لا ينوي قطعها.

([86]) أي موصولة بها مجموعا بينهما وكذا كل عبادة تشترك لها النية.

([87]) قاله الشيخ تقي الدين وغيره، واستصحاب مصدر، واستصحب الشيء لازمه أي يجب ملازمة حكم النية.

([88]) وذلك بأن ينوي في أول الطهارة، ثم لا يقطعها إلى آخرها، وإن لم يكن ذاكرا.

([89]) أي إن غابت النية عن باله لم يؤثر ذلك في الطهارة كما لا يؤثر في الصلاة ومحله إن لم ينو بالغسل نحو تنظيف أو تبرد، والخاطر اسم لما يتحرك في القلب من رأي أو معنى.

([90]) لأن النية هي القصد فمتى علم أنه جاء ليتوضأ أو أراد فعل الوضوء فقد وجدت منه النية، فمتى شك في وجود ذلك لم يصح ما مضى منها.

([91]) لأنه من الشيطان ليفسد عليه طهارته.

([92]) أي لا يضر إبطال نيته بعد فراغه من طهارته إجماعا.

([93]) أي لا يضر شكه في النية والطهارة بعد الفراغ، وكذا لو شك في غسل عضو أو مسحه بعده، أو المسح على الخفين إجماعا، أما قبل الفراغ فكمن لم يأت بما شك فيه، إلا أن يكون وهما كالوسواس فيطرحه، ولا يضر سبق لسانه بغير قصده.


  #5  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 06:52 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

بابُ فُرُوضِ الوُضُوءِ وصِفَتِهِ
فروضُهُ سِتَّةٌ: غَسْلُ الوجْهِ،..........
قوله: «فُروضُهُ سِتَّةٌ» ،
دليلُ انحصارها في ذلك هو التَّتبُّع.

قوله: «غسل الوجه» ،
هذا هو الفرض الأول، وخرج به المسحُ، فلا بُدَّ من الغسل، فلو بلَّلت يدك بالماء ثم مسحت بها وجهك لم يكن ذلك غسلاً.

والغَسلُ: أن يجري الماء على العضو.

وقوله: «الوجه» هو ما تحصُل به المواجهةُ، وحَدُّه طولاً: من منحنى الجبهة إِلى أسفل اللحية، وعرضاً من الأُذن إلى الأذن.

وقولنا: من منحنى الجبهة؛ وهو بمعنى قول بعضهم: من منابت شعر الرَّأس المعتاد[(339)]؛ لأنه يصِل إِلى حَدِّ الجبهة وهو المنحنى، وهذا هو الذي تحصُل به المواجهة؛ لأن المنحنى قد انحنى فلا تحصُل به المواجهة والدَّليل قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} [المائدة: 6] .
وقد سبق حكم مسترسل اللِّحية[(340)].


والفَمُ والأَنْفُ منه، وغَسْلُ اليَدَيْن،
.........
قوله: «والفمُ والأنفُ منه» ،
أي: من الوجه؛ لوجودهما فيه فيدخلان في حَدِّه، وعلى هذا فالمضمضة والاستنشاق من فروض الوُضُوء؛ لكنهما غير مستقلَّين؛ فهما يشبهان قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أُمِرتُ أن أسْجُدَ على سبعة أَعظُم، على الجبهة، وأشار بيده على أنفه»[(341)]، وإن كانت المشابهة ليست من كُلِّ وجه.

قوله: «وغسل اليدين» ،
هذا هو الفرضُ الثَّاني، وأطلق المؤلِّف رحمه الله لفظ اليدين، ولكن يجب أن يقيِّد ذلك بكونه إلى المرفقين؛ لأنَّ اليد إِذا أطلقت لا يُرادُ بها إِلا الكفّ.

والدَّليل قوله تعالى: {{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا}} [المائدة: 38] ، وقوله في التيمم: {{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}} [المائدة: 6] ، ولم يمسح النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في التيمُّم إِلا الكفَّين[(342)].


والمِرْفَقُ: هو المفْصلُ الذي بين العضد والذِّراع.

وسُمِّي بذلك من الارتفاق؛ لأن الإِنسان يرتفق عليه، أي: يتَّكئ.

والدَّليل على دخول المرفقين قوله تعالى: {{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} [المائدة: 6] وتفسير النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لها بفعله، حيث كان يغسل يده اليُمنى حتى يشرع في العَضُد، ثم يغسل يده اليُسرى كذلك[(343)].


ومَسْحُ الرَّأْسِ
............
قوله: «ومسحُ الرَّأس» ،
هذا هو الفرضُ الثَّالثُ من فُرُوض الوُضُوء، والفرقُ بين المسح والغسل: أنَّ المسحَ لا يحتاج إِلى جريان الماء، بل يكفي أن يغمس يده في الماء؛ ثم يمسح بها رأسَه، وإِنَّما أوجب الله في الرأس المسحَ دون الغسل؛ لأن الغسلَ يشقُّ على الإِنسان، ولا سيَّما إذا كَثُرَ الشَّعرُ، وكان في أيام الشِّتاء، إِذ لو غُسل لنزلَ الماءُ على الجسم، ولأن الشَّعر يبقى مبتلاً مدةً طويلة، وهذا يَلْحَق الناسَ به العسرُ والمشقَّةُ، والله إِنما يريد بعباده اليسر.

وحَدُّ الرَّأس من منحنى الجبهة إِلى منابت الشَّعر من الخلف طولاً، ومن الأُذن إِلى الأُذن عرضاً، وعلى هذا فالبياض الذي بين الرَّأس والأُذنين من الرَّأس.

واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيما إذا غسل رأسه دون مسحه؛ هل يجزئه أم لا؟ على ثلاثة أقوال[(344)]:

القول الأول:
أنه يُجزئه؛ لأن الله إنما أسقط الغسل عن الرَّأس تخفيفاً؛ لأنه يكون فيه شعر فيمسك الماء ويسيل إلى أسفل، ولو كُلِّف النَّاس غسله لكان فيه مشقَّة، ولا سيَّما في أيَّام الشتاء والبَرْد، فإذا غسله فقد اختار لنفسه ما هو أغلظ فيجزئه.

القول الثَّاني:
أنَّه يجزئه مع الكراهة بشرط أن يُمِرَّ يده على رأسه، وإِلا فلا، وهذا هو المذهب، لأنَّه إِذا أمرَّ يده فقد حصل المسح مع زيادة الماء بالغسل.

القول الثالث:
أنه لا يجزئه؛ لأنَّه خلاف أمر الله ورسوله، قال تعالى: {{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}} [المائدة: 6] ، وإذا كان كذلك فقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم من حديث عائشة: «من عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ»[(345)].

ولا ريب أنَّ المسح أفضلُ من الغسل، وإِجزاء الغسل مطلقاً عن المسح فيه نظرٌ، أما مع إِمرار اليد فالأمر في هذا قريب.

ولو مسح بناصيته فقط دون بقيَّة الرَّأس فإِنَّه لا يجزئه؛ لقوله تعالى: {{وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ}} [المائدة: 6] ولم يقل: «ببعض رؤوسكم» والباء في اللغة العربية لا تأتي للتبعيض أبداً.

قال ابن برهان: من زعم أن الباء تأتي في اللّغة العربية للتبعيض فقد أخطأ[(346)].
وما ورد في حديث المغيرة بن شعبة أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم مسح بناصيته؛ وعلى العِمامة، وعلى خُفَّيْه[(347)]. فإجزاء المسح على الناصية هنا لأنه مسح على العِمامة معه، فلا يدلُّ على جواز المسح على الناصية فقط.


ومنهُ الأَذُنَان
...........
قوله: «ومنه الأذنان» ،
أي من الرَّأس، والدَّليل مواظبته صلّى الله عليه وسلّم على مسح الأُذُنين.

وأما حديث: «الأُذنان من الرَّأس»[(348)] فضعّفه كثير من العلماء كابن الصَّلاح وغيره،
وقالوا: إن طرقه واهية، ولكثرة الضَّعف فيها لا يرتقي إلى درجة الحسن.

وبعض العلماء صحَّحه، وبعضهم حسَّنه، لكن مواظبة النبي صلّى الله عليه وسلّم على مسحهما دليلٌ لا إشكال فيه، وعلى القول بصحة الحديث فهل يجب حلق الشَّعر الذي ينبت على الأذنين مع شعر الرَّأس في حلق النسك؟

فالجواب: أنَّ من صحَّح الحديث فإِنَّه يلزمه القول بذلك.
ولكن الذي يتأمَّل حلْقَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم شعره في النُّسك لا يظَنُّ أنه كان يحلق ذلك، أو أنَّ النَّاس مكلَّفون بحلقه أو تقصيره، وأمّا على القول بضعف الحديث فلا إشكال.


وغَسْلُ الرِّجْلَيْن،
.........
قوله: «وغَسْلُ الرِّجلين» ،
وهذا هو الفرض الرَّابع من فروض الوُضوء.
وأطلق رحمه الله هنا الرِّجلين، لكن لا بُدَّ أن يُقالَ: إلى الكعبين، كما قال الله تعالى: {{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}} [المائدة: 6] ؛ ولأن الرِّجل عند الإِطلاق لا يدخل فيها العَقِبُ؛ بدليل أن قُطَّاع الطريق يُقطعون من المفصل الذي بين العَقِبِ وظهر القدم، ويبقـى العَقِب فلا يُقطع، وعلى هذا يجب أن نقيِّد كلام المؤلِّف بما قُيَّدتْ به الآيةُ.

والكَعْبَان: هما العظمان النَّاتئان اللذان بأسفل السَّاق من جانبي القدم، وهذا هو الحقُّ الذي عليه أهل السُّنَّة.

ولكن الرَّافضة قالوا: المراد بالكعبين ما تكعَّب وارتفع، وهما العظمان اللذان في ظهر القدم[(349)]، لأن الله قال: {{إِلَى الْكَعْبَيْنِ}} ولم يقل: «إلى الكِعَاب» وأنتم إذا قلتم: إن الكعبين هما: العظمان النَّاتئان فالرِّجلان فيهما أربعة، فلما قال الله: {{إِلَى الْكَعْبَيْنِ}} عُلم أنَّهما كعبان في الرِّجْلين، فلكُلِّ رِجْلٍ كعب واحد.

والرَّدُّ عليهم بسُنة النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فإِنه كان يغسل رجليه إلى الكعبين اللذين في منتهى السَّاقين، وهو أعلم بمراد الله تعالى، وتبعه على ذلك كلُّ من وصف وُضُوء النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم من الصَّحابة رضي الله عنهم.


والرَّافضة يخالفون الحقَّ فيما يتعلَّق بطهارة الرِّجل من وجوه ثلاثة:

الأول: أنهم لا يغسلون الرِّجل، بل يمسحونها مسحاً.

الثاني: أنهم ينتهون بالتطهير عند العظم الناتئ في ظهر القدم فقط.

الثالث: أنهم لا يمسحون على الخُفين، ويرون أنه محرَّم، مع العلم أنَّ ممن روى المسحَ على الخُفين عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو عندهم إمام الأئمة.


والتَّرتيبُ،
.........
قوله: «والتَّرتيبُ» ،
وهو أن يُطهَّر كلُّ عضو في محلِّه، وهذا هو الفرض الخامس من فروض الوُضُوء، والدليل قوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}} [المائدة: 6] .

وجه الدِّلالة من الآية:
إِدخال الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة إلا التَّرتيب، وإلا لسيقت المغسولات على نسقٍ واحد، ولأنَّ هذه الجملة وقعت جواباً للشَّرط، وما كان جواباً للشَّرط فإِنَّه يكون مرتَّباً حسب وقوع الجواب.

ولأن الله ذكرها مرتَّبة، وقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
«أبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به»[(350)].

والدَّليل من السُّنَّة:
أن جميع الواصفين لوُضُوئه صلّى الله عليه وسلّم ما ذكروا إِلا أنَّه كان يرتِّبها على حسب ما ذكر الله.

مسألة: هل يسقط التَّرتيبُ بالجهل أو النسيان على القول بأنَّه فرض؟

قال بعض العلماء:
يسقط بالجهل والنسيان[(351)] لأنهما عُذْر، وإِذا كان التَّرتيب بين الصَّلوات المقضيات يسقط بالنِّسيان فهذا مثله.

وقال آخرون:
لا يسقط بالنِّسيان (351) ؛ لأنه فرض والفرض لا يسقط بالنسيان.

والقياس على قضاء الصَّلوات فيه نظر؛ لأنَّ كلَّ صلاة عبادةٌ مستقلة، ولكن الوُضُوء عبادةٌ واحدة.

ونظير اختلاف الترتيب في الوُضُوء اختلاف التَّرتيب في رُكوع الصَّلاة وسُجودها، فلو سجد قبل الرُّكوع ناسياً فإِن السُّجود لا يصح؛ لوقوعه قبل محلِّه؛ ولهذا فالقول بأنَّ الترتيب يسقطُ بالنِّسيان؛ في النَّفس منه شيء، نعم لو فُرِضَ أن رجلاً جاهلاً في بادية ومنذ نشأته وهو يتوضَّأ؛ فيغسل الوجه واليدين والرِّجلين ثم يمسح الرَّأس، فهنا قد يتوجَّه القول بأنه يُعذر بجهله؛ كما عَذَرَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أُناساً كثيرين بجهلهم في مثل هذه الأحوال.


والمُوَالاةُ .........

قوله: «والموالاة» ،
هذا هو الفرض السَّادس من فروض الوُضُوء؛ وهي أن يكون الشَّيء موالياً للشيء، أي عَقِبَه بدون تأخير، واشتُرطت الموالاة لقوله تعالى: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}} الآية [المائدة: 6] .

ووجه الدِّلالة: أنَّ جواب الشَّرط يكون متتابعاً لا يتأخَّرُ، ضرورة أن المشروط يلي الشرط.

ودليله من السُّنَّة: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم توضَّأ متوالياً، ولم يكن يفصل بين أعضاء وُضُوئه، ولأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً توضَّأ، وترك على قدمه مثل موضع ظُفُر لم يصبْه الماء، فأمره أن يُحسنَ الوُضُوءَ[(352)]. وفي «صحيح مسلم» من حديث عمر رضي الله عنه: «ارجعْ فأحسِنْ وُضُوءَك» (352) .

وفي «مسند الإمام أحمد»: أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم رأى رجلاً يُصلِّي، وفي ظهر قدمه لُمْعَةٌ قَدْرَ الدِّرهم لم يصبْها الماءُ، فأمره النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن يعيد الوُضُوء والصَّلاة[(353)].
والفرق بين اللفظين ـ إذا لم نحمل أحدُهما على الآخر ـ أنَّ الأمر بإِحسان الوُضُوء أي: إتمام ما نقص منه.
وهذا يقتضي غَسْلَ ما تَرَك دون ما سَبَق، ويمكن حملُ رواية مسلم على رواية أحمد، فلا بُدَّ من إعادة الوُضُوء، ورواية أحمد سندُها جيدٌ قاله أحمد، وقال ابن كثير: «إسناده صحيح».


ومن النَّظر: أنَّ الوُضُوء عبادةٌ واحدةٌ، فإِذا فرَّق بين أجزائها لم تكن عبادة واحدة.

وقال بعضُ العلماء: إن الموالاة سُنَّةٌ وليست بشرط[(354)]؛ لأن الله أمر بغسل هذه الأعضاء، وهذا حاصل بالتَّوالي، والتفريق.

والأَوْلَى: القول بأنها شرط؛ لأنها عبادة واحدة لا يمكن تجزئتها.


وهي: أن لا يؤخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حتى يَنْشِفَ الذي قَبْلَه.

قوله: «وهي: أن لا يؤخِّر غَسْل عُضْوٍ حتى يَنْشِفَ الذي قَبْلَه» ،
هذا تفسيرالمؤلِّف رحمه الله للموالاة.

وهذا بشرط أن يكون ذلك بزمنٍ معتدل خالٍ من الرِّيح أو شِدَّة الحرِّ والبرد.

وقوله: «الذي قبله»،
أي: الذي قبل العضو المغسول مباشرة، فلو فُرِضَ أنَّه تأخَّر في مسح الرَّأس فمسحه قبل أن تَنْشِف اليدان، وبعد أن نَشِفَ الوجه فهذا وُضُوء مجزئ؛ لأنَّ المراد بقوله: «الذي قبله»، أي: قبله على الولاء، وليس كُلَّ الأعضاء السَّابقة.

وقولنا: في زمن معتدل، احترازاً من الزَّمن غير المعتدل، كزمن الشِّتاء والرُّطوبة الذي يتأخَّر فيه النَّشَاف، وزمن الحرِّ والرِّيح الذي يُسرع فيه النَّشاف.

وقال بعض العُلماء ـ وهي رواية عن أحمد ـ: إِن العبرة بطول الفصل عُرفاً، لا بنَشَاف الأعضاء[(355)].
فلا بُدَّ أن يكون الوُضُوء متقارباً، فإِذا قال النَّاس:
إن هذا الرَّجُل لم يفرِّق وضوءَه؛ بل وضوؤه متَّصلٌ، فإِنَّه يُعتبرُ موالياً، وقد اعتبر العُلماء العُرف في مسائل كثيرة.

ولكنَّ العُرْفَ قد لا ينضبطُ، فتعليقُ الحكمِ بنشَافِ الأعضاءِ أقربُ إِلى الضَّبط.

وقوله: «الموالاة» يُستثنى من ذلك ما إِذا فاتت الموالاة لأمرٍ يتعلَّق بالطَّهارة.

مثل: أن يكون بأحد أعضائه حائلٌ يمنع وصول الماء «كالبوية» مثلاً، فاشتغل بإزالته فإِنه لا يضرُّ، وكذا لو نفد الماء وجعل يستخرجه من البئر، أو انتقل من صنبور إلى آخر ونَشِفت الأعضاء فإِنَّه لا يضرُّ.

أما إذا فاتت الموالاة لأمر لا يتعلَّق بالطَّهارة؛ كأن يجد على ثوبه دماً فيشتغل بإِزالته حتى نَشِفت أعضاؤه؛ فيجب عليه إِعادةُ الوُضُوء؛ لأن هذا لا يتعلَّق بطهارته.


والنيَّةُ شرطٌ
.............
قوله: «والنِّية شرطٌ» ،
وهي القصد، ومحلُّها القلبُ ولا يعلم بالنيَّات إلا الله عزّ وجل.

والنيَّةُ شرطٌ في جميع العبادات.

والكلامُ على النيَّة من وجهين:

الأول:
من جهة تعيين العمل ليتميَّز عن غيره، فينوي بالصَّلاة أنَّها صلاة وأنَّها الظُّهر مثلاً، وبالحجِّ أنه حجٌّ، وبالصِّيام أنَّه صيام، وهذا يتكلَّم عنه أهل الفقه.

الثَّاني:
قصدُ المعمول له، لا قصد تعيين العبادة، وهو الإِخلاص وضدُّه الشِّرك، والذي يتكلَّم على هذا أرباب السُّلوك في باب التَّوحيد وما يتعلَّق به، وهذا أهمُّ من الأوَّل، لأنَّه لُبُّ الإِسلام وخلاصة الدِّين، وهو الذي يجب على الإِنسان أن يهتمَّ به.


وينبغي للإنسان أن يتذكَّر عند فعل العبادة شيئين:

الأول:
أمر الله تعالى بهذه العبادة حتى يؤدِّيها مستحضراً أمر الله، فيتوضَّأ للصَّلاة امتثالاً لأمر الله؛ لأنَّه تعالى قال: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}} [المائدة: 6] . لا لمجرد كون الوُضُوء شرطاً لصحَّة الصَّلاة.

الثاني:
التأسِّي بالنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لتتحقَّق المتابعة.

وقوله: «والنيَّةُ شرطٌ» أي لصحَّة العمل وقَبوله وإِجزائه؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنما الأعمال بالنيَّات»[(356)].

ولأنَّ الله عزّ وجل قيَّد كثيراً من الأعمال بقوله: {{ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ}}.

كقوله تعالى: {{وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ}} [الرعد: 22] ، وقوله: {{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}} [النساء: 114] .

وهل يَنطِقُ بالنيَّة؟ على قولين للعلماء[(357)]، والصَّحيحُ أنَّه لا ينطق بها، وأن التعبُّد لله بالنُّطق بها بدعة يُنهى عنها، ويدلُّ لذلك أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه لم يكونوا ينطقون بالنيَّة إِطلاقاً، ولم يُحفظ عنهم ذلك، ولو كان مشروعاً لبيَّنه الله على لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم الحالي أو المقالي.

فالنُّطق بها بدعةٌ سواءٌ في الصَّلاة، أو الزَّكاة، أو الصَّوم.

أما الحجُّ فلم يرد عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:
نويت أن أحُجَّ أو نويت النُّسك الفلاني، وإِنما يلبِّي بالحجِّ فيُظهر النِّيَّة، ويكون العقد بالنيَّةِ سابقاً على التلبية.

لكن إذا احتاج الإِنسانُ إلى اشتراط في نُسُكه، فإِنه لا يشترط أن ينطِقَ بالنية، فيقول: إني أريد كذا، بل له أن يقول: اللهم إِن حَبَسَنِي حابس فَمَحِلِّي حيث حبستني دون النُّطقِ بالنيَّة.

والمشهور من المذهب:
أنه يُسَنُّ النُّطق بها سرًّا في الحجِّ وغيره، وهذا ضعيف لما سبق.

وأمّا القول:
بأنه يُسَنُّ النُّطُق بها جهراً؛ فهذا أضعف وأضعف، وفيه من التَّشويش على النَّاس ولا سيما في الصَّلاة مع الجماعة ما هو ظاهرٌ، وليس هناك حاجة إلى التلفُّظ بالنيَّة لأنَّ الله يعلم بها.

والنيَّة ليست صعبة، وإن كانت عند بعض أهل الوسواس صعبة؛ لأنَّ كُلَّ عاقل مختار يعمل عملاً فلا بُدَّ أن يكون مسبوقاً بالنيَّة، فلو قُرِّبَ لرَجُلٍ ماءٌ، ثم سَمَّى وغسلَ كفَّيه، ثم تمضمض واستنشق... إِلخ؛ فإِن هذا لا يُعقل أن يكون بدون نيَّة.

ولهذا قال بعض العلماء رحمهم الله:
لو أنَّ الله كلَّفنا عملاً بدون نيَّة؛ لكان من تكليف ما لا يُطاق[(358)]. فلو قال الله: صلُّوا ولا تنووا، فإِنَّه غير ممكن،
حتى قال شيخ الإسلام: إِذا تعشَّى الإِنسان لياليَ رمضان فإِن عشاءه يدلُّ على نيَّته ولو لم ينوِ الصِّيام من الغد؛ وذلك لأنَّه لن يُكثر من الطَّعام كما يُكثره في سائر أيامه؛ لأنه سوف يتسحَّر آخر الليل.


لِطَهَارةِ الأحْداثِ كلِّها،
............
قوله: «لطهارة الأحداث كلِّها» ،
الحَدَثُ: معنًى يقوم بالبَدَن يمنع من فعل الصَّلاة ونحوها، هذا في الأصل.

وأحياناً يُطلقُ على سَبَبِهِ، فيُقال: للغائط حَدَثٌ، وللبول حَدثٌ، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يقبل الله صلاةَ أحدكم إِذا أحدث حتى يتوضَّأ»[(359)].

وخرج بقوله: «طهارة الأحداث» طهارة الأنجاس، فلا يُشترطُ لها نيَّةٌ، فلو عَلَّق إِنسانٌ ثوبه في السَّطح، وجاء المطرُ حتى غسله، وزالت النَّجَاسةُ طَهُرَ؛ مع أن هذا ليس بفعله، ولا بنيَّته.

وكذلك الأرض تصيبها النَّجَاسة، فينزل عليها المطر فتطهُر.


وما ذكره المؤلِّف: مذهب مالك[(360)]، والشَّافعي[(361)]، وأحمد[(362)].

وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن طهارة الحدث لا يُشترطُ لها النيَّةُ[(363)]، لأنها ليست عبادة مقصودة لذاتها، وإنما هي مقصودة لتصحيح الصَّلاة، كما لو لَبِسَ ثوباً يستُر به عورته، فإِنه لا يُشترطُ أن ينوي بذلك ستر العورة، بل لو لَبِسَهُ للتجمُّلِ أو لدفع البرد، وما أشبه ذلك أجزأه. وهذا ضعيف. والصَّوابُ أن الوُضُوء عبادةٌ مستقلِّة، بدليل أن الله تعالى رتَّب عليه الفضلَ والثَّوابَ والأجرَ، ومثلُ هذا يكون عبادةً مستقلّةً، وهو قول جمهور العلماء.

وإِذا كان عبادة مستقلَّة، صارت النيَّةُ فيه شرطاً، بخلاف إزالة النَّجاسة فإِنَّها ليست فعلاً، ولكنها تَخَلٍّ عن شيء يُطلب إِزالته، فلهذا لم تكن عبادة مستقلَّة، فلا تُشتَرطُ فيها النيَّة.

وقوله «كلِّها» أراد به شُمول الحدث الأصغر والأكبر، والطَّهارة بالماء والتيمُّم.


فَيَنْوِي رَفْعَ الحدث،
...........
قوله: «فينوي رَفْعَ الحدث» ،
هذه الصُّورة الأولى للنيَّة، فإِذا توضَّأ بنيَّة رفع الحدث الذي حَصَل له بسبب البول مثلاً صحَّ وُضُوءُه، وهذا هو المقصود بالوُضُوء.


أو الطَّهارة لِمَا لا يُبَاحُ إِلا بها، فإِن نوى ما تُسَنُّ لَهُ الطهارةُ كَقِرَاءةٍ، أو تجديداً مَسْنُوناً ناسياً حدَثَه ارتَفَعَ،
..........
قوله: «أو الطَّهارة لما لا يُبَاح إِلا بها» ،
وهذه هي الصُّورة الثَّانية، أي: ينوي الطَّهارة لشيء لا يُباح إِلا بالطَّهارة كالصَّلاة والطَّواف ومسِّ المصحف، فإِذا نوى الطَّهارَة للصَّلاة ارتفعَ حدثُه، وإِن لم ينوِ رفع الحدث، لأن الصَّلاة لا تصحُّ إلا بعد رفع الحدث.

قوله: «فإن نوى ما تُسنُّ له الطَّهارة كقراءة» ،
هذه هي الصُّورة الثالثة، أي: نوى الطَّهارة لما تُسَنُّ له، وليس لما تجب، كقراءة القرآن، فإِن قراءة القرآن دون مسِّ المصحف تُسَنُّ لها الطَّهارة، بل كلُّ ذِكْرٍ فإِن السُّنَّة أن يتطهَّرَ له؛ لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «كَرِهْتُ أن أذكر الله إلا على طهارة»[(364)]، فإذا نوى ما تُسَنُّ له الطَّهارةُ ارتفع حدثُه، لأنَّه إِذا نوى الطَّهارةُ لما تُسَنُّ له فمعنى ذلك أنه نوى رفع الحدث؛ لأجل أن يقرأ، وكذلك إِذا نوى الطَّهارةَ لرفع الغضبِ، أو النَّومِ، فإِنَّه يرتفعُ حدثه.

فصار للنيَّة ثلاثُ صُور:

الأولى: أن ينويَ رفع الحدث.

الثانية: أن ينويَ الطَّهارةَ لما تجبُ له.

الثالثة: أن ينويَ الطهارةَ لما تُسَنُّ له.

قوله: «أو تجديداً مسنوناً ناسياً حدَثَه ارتفَعَ» ،
هذه الصُّورة الرَّابعة. أي: تجديداً لوُضُوءٍ سابق عن غير حدث، بل هو على وُضُوء، فينوي تجديدَ الوُضُوء الذي كان متَّصفاً به.

لكن اشترط المؤلِّفُ رحمه الله شرطين:

الشرط الأول:
أن يكونَ ذلك التجديدُ مسنوناً؛ لأنه إِذا لم يكن مسنوناً لم يكن مشروعاً، فإِذا نوى التَّجديدَ وهو غير مسنونٍ، فقد نوى طهارةً غير شرعية، فلا يرتفع حدثُه بذلك.

وتجديد الوُضُوء يكون مسنوناً إِذا صَلَّى بالوُضُوء الذي قبله، فإِذا صلَّى بالوُضُوء الذي قبله فإِنه يُستحبُّ أن يتوضَّأ للصَّلاة الجديدة.

مثاله: توضَّأ لصلاة الظُّهر وصلَّى الظُّهر، ثم حَضَر وقتُ العصر وهو على طهارته، فحينئذٍ يُسَنُّ له أن يتوضَّأَ تجديداً للوُضُوء؛ لأنَّه صلَّى بالوُضُوء السَّابق، فكان تجديدُ الوُضُوء للعصر مشروعاً، فإن لم يَصلِّ به؛ بأنْ توضَّأ للعصر قبل دخول وقتها؛ ولم يُصَلِّ بهذا الوُضُوء، ثم لما أذَّن العصرُ جدَّد هذا الوُضُوء، فهذا ليس بمشروع؛ لأنَّه لم يُصلِّ بالوُضُوء الأوَّل، فلا يرتفع حدثُه لو كان أحدث بين الوُضُوء الأول والثَّاني.

الشرط الثَّاني:
أن ينسى حدثَه، فإِن كان ذاكراً لحدثه فإِنه لا يرتفع، وهذا من غرائب العلم! إذا نوى الشَّيءَ ناسياً صَحَّ ، وإِذا نواه ذاكراً لم يصحَّ!.

مثاله: رجل صلَّى الظُّهر بوُضُوء، ثم نقضه بعد الصَّلاة، ثم جدَّد الوُضُوء للعصر ناسياً أنه أحدث، فهذا يرتفع حدثُه؛ لأنه نوى تجديداً مسنوناً ناسياً حدثَه.

فإِذا كان ذاكراً لحدثه، فلا يرتفع؛ لأنَّه حينئذٍ يكون متلاعباً، فكيف ينوي التجديدَ وهو ليس على وُضُوء؛ لأن التَّجديد لا يكون إلا والإِنسان على طهارة.


وإِن نوى غُسْلاً مَسْنُوناً أجْزَأَ عن واجب،
...........
قوله: «وإن نوى غُسْلاً مسنوناً أجْزَأَ عن واجبٍ» ،
مثاله: أن يغتسلَ من تغسيل الميِّت، أو يغتسل للإِحرام، أو للوقوف بعرفة، فهذه أغسال مسنونةٌ، وكذلك غُسْلَ الجمعة عند جمهور العلماء، والصَّحيح: أنه واجبٌ.

وظاهر كلام المؤلِّف ـ وهو المذهب ـ:
ولو ذكر أن عليه غسْلاً واجباً وقيَّده بعض الأصحاب بما إِذا كان ناسياً حدثه[(365)]، أي: ناسياً الجنابة، فإِن لم يكن ناسياً فإِنَّه لا يرتفع؛ لأن الغُسْل المسنون ليس عن حدث، وإذا لم يكن عن حدث، فقد قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنما الأعمال بالنيَّات»[(366)].
وهذا الرَّجلُ لم ينوِ إِلا الغُسْل المسنون، وهو يعلمُ أن عليه جنابة، ويذكر ذلك، فكيف يرتفع الحدث؟

وهذا القول ـ وهو تقييده بأن يكون ناسياً ـ له وجهةٌ من النَّظر.

وتعليلُ المذهب:
أنه لما كان الغُسْل المسنونُ طهارةً شرعيَّة كان رافعاً للحدث، وهذا التَّعليل فيه شيء من العِلَّة، لأنَّه لا شَكَّ بأنَّه غُسْلٌ مشروع، ولكنه أدنى من الغُسْل الواجب من الجنابة، فكيف يقوى المسنونُ حتى يجزئ عن الواجب الأعلى؟

لكن إن كان ناسياً فهو معذور.

مثاله:
لو اغتسل للجمعة ـ على القول بأنه سُنَّة ـ وهو عليه جنابة لكنه لم يذكرها، أو لم يعلم بالجنابة إِلا بعد الصلاة، كما لو احتلم ولم يعلم إلا بعد الصلاة، فإن صلاة الجمعة تكون صحيحة لارتفاع الجنابة.

أما إذا علم ونوى هذا الغسل المسنون فقط، فإن القول بالإجزاء في النفس منه شيء.


وكذا عكْسُهُ،
...........
قوله: «وكذا عكسه» ،
كذا: خبر مقدَّم، وعكسه: مبتدأٌ مؤخَّر،
أي: إِذا نوى غُسلاً واجباً أجزأ عن المسنون لدُخُوله فيه، كما لو كان عليه جنابة فاغتسل منها عند السَّعي إلى الجُمعة فإِنه يجزئه عن غُسْل الجمعة؛ لأن الواجبَ أعلى من المسنون فيسقطُ به، كما لو دخل المسجد ووجد الناس يصلُّون فدخلَ معهم، فإِن تحيَّة المسجد تَسقطُ عنه؛ لأن الواجب أقوى من المستحبِّ.

وإذا نوى الغُسْلين الواجب والمستحبَّ أجزأ من باب أولى؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّما الأعمال بالنيَّات»[(367)].

وإِنْ جعل لكلٍّ غُسْلاً فهو أفضل؛ كما اختاره الأصحاب[(368)] رحمهم الله.


وعلى هذا فالغُسْل الواجب مع المسنون له أربع حالات:

الأولى: أن ينويَ المسنونَ دونَ الواجبِ.

الثانية: أن ينويَ الواجبَ دونَ المسنونِ.

الثالثة: أن ينويهما جميعاً.

الرابعة: أن يغتسل لكلِّ واحد غسلاً منفرداً.


وإِن اجتمعت أحداثٌ تُوجِبُ وُضوءاً
........
قوله: «وإن اجتمعت أحداثٌ تُوجِبُ وُضُوءاً» ،
أي: بأن فعل من نواقض الوُضُوء أشياء متعدِّدة، كما لو بَالَ، وتغوَّط، ونامَ، وأكل لحم إِبل، ونوى الطَّهارة عن البول، فإنه يجزئ عن الجميع.

ولكن لو نوى عن البول فقط على أن لا يرتفع غيرُه، فإِنَّه لا يجزئ إلا عن البول؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّما الأعمال بالنيَّات، وإِنما لكُلِّ امرئٍ ما نوى»[(369)].

وقيل: يجزئ عنه وعن غيره[(370)]، لأن الحدثَ وصفٌ واحد؛ وإن تعدَّدت أسبابه فإِنه لا يتعدَّد، فإِذا نوى رفعه ارتفع وإِن لم يعيِّن إلا سبباً واحداً من أسبابه.

وقيل: إِن عَيَّنَ الأوَّلَ ارتفع الباقي، وإِن عيَّن الثاني لم يرتفعْ شيء منها[(371)]؛ لأنَّ الثَّاني ورد على حدث، لا على طهارة كما لو بال أولاً، ثم تغوَّط، ثم توضَّأ عن الغائط فقط فإِنَّه لا يرتفعُ حدثُه؛ لأن الثَّاني وَرَدَ على حَدَثٍ فلم يؤثِّر شيئاً، وحينئذٍ إِذا نَوى رفع الحدث من الثَّاني لم يرتفع، لأن الحدث من الأول.

والصَّحيح:
أنه إِذا نوى رفع الحدث عن واحد منها ارتفع عن الجميع؛ حتى وإِنْ نوى أن لا يرتفع غيرُه، لأن الحدَثَ وصف واحد وإِن تعدَّدت أسبابه، فإِذا نوى رفعه من البول ارتفع.


ولا يعارض قوله صلّى الله عليه وسلّم: «وإِنّما لكُلِّ امرئٍ ما نوى»، وهذا لم ينوِ إلا عن حدث البول؛ لأن الحدث شيء واحد، فإِذا نوى رفعه ارتفع، وليس الإِنسان إِذا بال في الساعة الواحدة مثلاً صار له حدث، وإِذا تغوَّط في الساعة الواحدة والنصف صار له حدث آخر وهكذا، بل الحَدَثُ واحدٌ، والأسباب متعدِّدةٌ.


أو غُسْلاً، فَنَوى بطَهَارَتِهِ أحَدَها ارتفعَ سَائِرُها، ويجبُ الإِتيانُ بها عند أوَّلِ واجباتِ الطَّهَارةِ، وهو التَّسْمِيَةُ،
.........
قوله: «أو غُسْلاً فَنَوى بطَهَارَتِهِ أحَدَها ارتفعَ سائُرها» ،
أي: اجتمعت أحداث توجب غُسْلاً كالجماع، والإِنزال، والحيض، والنِّفاس بالنسبة للمرأة، فإذا اجتمعت ونوى بغُسْلِهِ واحداً منها، فإنَّ جميعَ الأحداث ترتفعُ.

وما يُقال في الحدثِ الأصغر، يُقالُ هنا.

قوله: «ويجب الإتيان بها عند أوَّل واجبات الطَّهارة، وهو التَّسمية» ،
أي: يجبُ الإِتيان بالنيَّة عند أوَّل واجبات الطَّهارة، وهي التَّسمية.

والنيَّة: عزمُ القلب على فعل الطَّاعة تقرُّباً إلى الله تعالى.

والمؤلِّفُ أراد الكلام على محل النيَّة، أي: متى ينوي الإنسان؟

وقوله: «عند»، هذه الكلمة تدلُّ على القُرْب كما في قوله تعالى: {{إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ *}} [الأعراف]. فالعنديَّة تدلُّ على القُرب، وعلى هذا يجب أن تكون النيَّةُ مقترنةً بالفعل، أو متقدِّمةً عليه بزمنٍ يسير، فإِن تقدمت بزمن كثير فإِنها لا تجزئ.

وقوله: «عند أوَّل واجبات الطهارة»، لم يقل عند أوَّل فروض الطَّهارة؛ لأن الواجب مقدّمٌ على الفروض في الطَّهارة، والواجب هو التَّسمية.

وهذا على المذهب من أنَّ التسمية واجبةٌ مع الذِّكر.

وقد سبق بيانُ حكم التسمية والخلاف في ذلك، وبيان أنَّ الصَّحيح أنَّها سُنَّةٌ[(372)].

فإِذا أراد أن يتوضَّأ فلا بُدَّ أن ينويَ قبل أن يُسمِّيَ، لأن التَّسمية واجبةٌ.


وتُسنُّ عِنْدَ أوَّل مسنوناتِها إِن وُجد قَبْلَ واجبٍ،
.............
قوله: «وتُسَنُّ عند أوَّل مسنوناتها إنْ وُجِدَ قبل واجبٍ» ،
أوَّلُ مسنونات الطَّهارة غسل الكفَّين ثلاثاً، فإذا غسلهما ثلاثاً قبل أن يُسمِّي صار الإِتيان بالنيَّة حينئذٍ سُنَّةٌ.

وقوله: «إِن وُجِدَ» الضَّمير يعود على أوَّل المسنونات.

وقوله: «قبل واجب»، أي: قبل التَّسمية، فلو غسل كَفَّيه ثلاثاً قبل أن يُسمِّيَ، فإِنَّ تَقَدُّمَ النِّيةِ قبلَ غسلِ اليدين سُنَّةٌ.

والنيَّةُ لها محلاَّن:

الأول: تكونُ فيه سُنَّةٌ، وهو قبل المسنون إِنْ وُجِدَ قبل واجبٍ.

الثاني: تكون فيه واجبةً عند أوَّل الواجبات، وقد سبق بيان ما في ذلك[(373)]،
وأنَّه لا يمكن أن يقرِّب الإنسانُ الماء؛ ثم يشرع في الوُضُوء من غير نيَّة؛ ولهذا لا بُدَّ أن تكون النيَّةُ سابقةً حتى على أوَّل المسنونات؛ اللهم إِلا إِن كان إِنما يغسل يديه لتنظيفهما من طعام ونحوه؛ ثم نوى الوُضُوء بعد غسل اليدين، فهذا ربما يُقالُ:
إِنه ابتدأ الطَّهارةَ بلا نيَّة، وحينئذٍ فعليه أن يأتيَ بالنيَّة عند التَّسمية.

وقولُه: «إن وُجِدَ قبل واجب»، يشير رحمه الله إلى أن هذا المسنون لا يوجد قبلَ الواجب في الغالب، فالغالب أن يُسمِّيَ قبل غسل كفَّيه، وحينئذ يكون الواجب متقدِّماً.


واستصحابُ ذِكْرِها في جميعها، ويجبُ استصحاب حُكْمِها.

قوله: «واستصحاب ذكرها في جميعها» ،
أي يُسَنُّ استصحاب ذكرها، والمرادُ ذكرُها بالقلب، أي يُسَنُّ للإِنسان تذكُّرُ النيَّةِ بقلبه في جميع الطَّهارة، فإِن غابت عن خاطره فإنه لا يضرُّ، لأن استصحاب ذكرها سُنَّةٌ.

ولو سبقَ لسانُه بغير قصده فالمدارُ على ما في القلب.

ولو نوى بقلبه الوُضُوء، لكن عند الفعل نطق بنيَّة العمل؛ فيكون اعتمادُه على عزم قلبه لا على الوهم الذي طرأ عليه، كما لو أراد الحجَّ ودخل في الإحرام بهذه النيَّة؛ لكن سبقَ لسانُه فلبَّى بالعُمْرة فإِنَّه على ما نوى.

قوله: «ويجب استصحابُ حكمها» ،
معناه: أن لا ينوي قطعها.

فالنيَّةُ إِذاً لها أربع حالات باعتبار الاستصحاب:

الأولى: أن يستصحب ذكرها من أوَّل الوُضُوء إِلى آخره، وهذا أكمل الأحوال.

الثانية: أن تغيبَ عن خاطره؛ لكنَّه لم ينوِ القَطْعَ، وهذا يُسمَّى استصحابَ حكمِها، أي بَنَى على الحكم الأوَّل، واستمرَّ عليه.

الثالثة: أن ينويَ قطعها أثناء الوُضُوء، لكن استمرَّ مثلاً في غسل قدميه لتنظيفهما من الطِّين فلا يصحُّ وُضُوءُهُ؛ لعدم استصحاب الحكم لقطعه النيَّة في أثناء العبادة.

الرابعة: أن ينويَ قطع الوُضُوء بعد انتهائه من جميع أعضائه، فهذا لا يَنتقضُ وُضُوءهُ، لأنَّه نوى القطع بعد تمام الفعل.

ولهذا لو نوى قطعَ الصَّلاةِ بعد انتهائها، فإِنَّ صلاته لا تنقطع[(374)].

قاعدة:
قَطْعُ نيَّةِ العبادة بعد فعلها لا يؤثِّر، وكذلك الشكُّ بعد الفراغ من العبادة، سواء شككتَ في النيَّة، أو في أجزاء العبادة، فلا يؤثِّر إِلا مع اليقين.

فلو أن رجلاً بعد أن صَلَّى الظُّهر قال: لا أدري هل نويتُها ظُهراً أو عصراً شكّاً منه؟ فلا عبرة بهذا الشكِّ ما دام أنَّه داخل على أنها الظُّهر فهي الظُّهر، ولا يؤثِّر الشَّكُّ بعد ذلك، ومما أُنشِدَ في هذا:

والشَّكُّ بعد الفعل لا يؤثِّرُ

وهكذا إِذا الشُّكوكُ تكثُر[(375)]

ومثله لو شَكَّ ـ بعد الفراغ من الصَّلاة ـ هل سجد سجدة أو سجدتين؟
فإن هذا لا يؤثِّرُ.

وهنا مسألةٌ مهمَّةٌ وهي:
لو نوى فرض الوقت دون تعيين الصَّلاة، وهذه تقع كثيراً، فلو جاء إنسان مثلاً لصلاة الظُّهر؛ ووجد الناس يُصلُّون ودخل معهم في تلك الساعة؛ ولم يستحضر أنَّها الظُّهر، أو الفجر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء. وإنما استحضر أنَّها فرض الوقت.

فالمذهب:
لا يجزئه؛ لأنه لا بُدَّ أن يُعيِّنَ إِما الظُّهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء، أو الصُّبح.

وعن أحمد رواية: أنه إِذا نوى فرض الوقت أجزأه. ذكرها ابن رجب في «جامع العلوم والحكم»، واختارها بعض الأصحاب[(376)].

وهذا لا يسعُ النَّاس العمل إِلا به، لأنَّه كثيراً ما يغيب عن الإِنسان تعيينُ الصَّلاة، لكن نيَّته هو أنَّها فرض الوقت.

مسألة: رجل سلَّم من ركعتين من الظُّهر بناءً على أنَّها الفجر ثم ذكر، هل يكمل ركعتين أم يستأنف الصَّلاة؟

يقولون في هذه الصُّورة:
يجب أن يستأنف الصَّلاة[(377)]؛ لأنه سلَّم على أنها صلاة ركعتين؛ بخلاف من سَلَّم من ركعتين عن الظُّهر ونحوها ثم ذكر؛ فإنه يتمُّ أربعاً ويسجد للسَّهو، ولأنَّه سلَّم على أنَّها صلاة رباعية.

  #6  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 04:26 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

(فروض): الفروض جمع فرض وهو في اللغة: القطع والحز.
أما اصطلاحاً: فهو ما أمر به الشارع على وجه الإلزام.
فإذن هو مرادف للواجب وهذا هو المشهور في مذهب الحنابلة وغيرهم بل هو مذهب جمهور الفقهاء والأصوليين.
ـ وذهب الإمام أحمد في رواية وهو مذهب أبي حنيفة إلى أن الفرض أكثر من الواجب ، فالفرض عندهم: ما ثبت بدليل قطعي.
ـ فعلى القول الأول ـ وهو قول الجمهور ـ تسمى الصلاة فرضاً وكذلك الزكاة ، وكذلك إعفاء اللحية يسمى فرضاً: أي سواء ثبت بدليل قطعي كالصلاة أو ثبت بدليل ظني كإعفاء اللحية ونحوها من الواجبات.
ـ أما على القول الثاني: فالصلاة تسمى فرضاً ، لكن مثل إعفاء اللحية ونحوه يقال: واجب.
ـ وهذا في الحقيقة أولى ؛ لأن هذا الإصطلاح ـ ولا مشاحة في الإصطلاح ـ فيه تمييز بين الواجبات نفسها.
فالأظهر هو القول بالتفريق بين الواجب والفرض ، وهو رواية عن الإمام أحمد ومذهب أبي حنيفة.

قال المصنف ـ رحمه الله ـ: (فروضه ستـة):
يريد بالفروض هنا: أركان الوضوء ، وذلك لأن ما ذكره المؤلف من هذه الست كلها جزء من ماهية الوضوء ، وجزء الشيء ركنه.

قوله: (( غسل الوجه)):
هذا هو الفرض الأول ، ودليله قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم) وهذا بالإجماع وسيأتي مزيد تفصيل له عند الكلام على صفة الوضوء.
قوله: (( والفم والأنف منه )):
أي المضمضة والاستنشاق ، فعلى ذلك المضمضة والاستنشاق فرض ؛ لأنهما من الوجه، فالوجه ما يواجه به وهذه الأعضاء تتم بها المواجهة كما تتم المواجهة ببقية أجزاء الوجه.
ـ وهذا الكلام فيه نظر ، فالأظهر: أن الفم والأنف ليسا من الوجه حقيقة ، وذلك لأنهما وإن كانا في الظاهر من الوجه لكن الذي يتم تغسيله إنما هو باطنهما ولا شك أن الباطن ليس مما يواجه به.
كما أنهم لم يوجبوا تخليل اللحية الكثيفة وأوجبوا غسل ظاهرها ، مع أن اللحية مما يواجه به ، فأوجبوا غسل ظاهرها ؛ لأنه من الوجه ولم يوجبوا غسل باطنها وكذلك هنا: فالأنف والفم غسل ظاهرهما يجب بالإجماع.
ـ أما باطنهما ، فالراجح هو ما ذهب إليه الحنابلة من وجوب المضمضة والاستنشاق لكن ليس للتعليل الذي ذكره وإنما للأدلة الشرعية الدالة على ذلك منها:
ـ ما ثبت في الصحيحين أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) ([1]) فهو فيه إيجاب الاستنشاق لأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم والأصل في الأمر الوجوب.
ـ وأما المضمضة فدليلها: ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـقال: (إذا توضأت فمضمض) ([2]) فهذا أمر والأمر للوجوب.
ـ ولم يصح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حديث البته ـ كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم ـ أنه ترك المضمضة والاستنشاق.
ـ وذهب جمهور أهل العلم إلى أن المضمضة والاستنشاق ليسا بواجبين وإنما سنتان.
قالوا: لأن الله ـ عز وجل ـ في الآية إنما أمر بغسل الوجه ولم يأمر بالمضمضة والاستنشاق ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ـ كما في سنن أبي داود بإسناد صحيح: (توضأ كما أمرك الله) ([3]) ، وليس مما أمر الله به المضمضة والاستنشاق.
وفي هذا الإستدلال نظر ، وذلك لأن ما يأمر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو مثل ما يأمر به الله ، كما أن ما يحرمه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثل ما يحرمه الله ـ كما صح في الحديث ، فقد أمرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمضمضة والاستنشاق ، وداوم على ذلك ولم يصح عنه أنه ترك ذلك البتة ، وقد أمرنا الله بمتابعته وسماع أمره ، فعلى ذلك قوله: (توضأ كما أمرك الله) وقد أمرنا الله بطاعة رسوله ، وقد أمر رسوله بالمضمضة والاستنشاق.
فالراجح: هو ما ذهب إليه الحنابلة من فرضية المضمضة والاستنشاق.

قوله: (( وغسل اليدين )):
وهذا هو الفرض الثاني ودليله قوله تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) ([4]).
وسيأتي تفصيل الكلام على ذلك عند صفة الوضوء.

قوله: (( ومسح الرأس )):
هذا الفرض الثالث وهو مجمع عليه وأنه من أركان الوضوء.

قوله: (( وفيه الأذنان )):
1ـ أي أن الأذنين من الرأس ، فيجب مسحهما كما يجب مسح الرأس ، وهذا هو مذهب الحنابلة.
وذهب جمهور أهل العلم إلى عدم إيجاب ذلك ، ورأوا أن مسح الأذنين من المستحبات المشروعات وليس من المفترضات الواجبات.
ودليل الحنابلة: ما روى عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (الأذنان من الرأس) رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي أمامة.
ورواه ابن ماجة من حديث أبي هريرة.
ورواه غيرهم من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأصحها إسناداً ما رواه الطبراني عن ابن عباس بإسناد جيد وهذه الطرق الكثيرة ترتقي بالحديث إلى درجة الصحة، لذا ذهب إليه الإمام أحمد فقال: (إن الأذنين من الرأس) ، فيجب مسحهما كما يجب مسح الرأس.
أما الجمهور: فقالوا: لم يصح هذا الحديث ، فعلى ذلك الأذنان ليسا من الرأس فلا يجب مسحهما وإنما يستحب.
ـ وإذا ثبت لنا الحديث فإننا نقول بإيجاب ذلك ، وهذا القول هو الراجح وهو مذهب الحنابلة من وجوب مسح الأذنين وإنهما من الرأس.

قوله: (( وغسل الرجلين )):
وهذا هو الفرض الرابع ، وهو فرض بالإجماع ، وقد قال تعالى: (فاغسلوا وجوهكم 000 وأرجلكم).

قوله: (( والترتيب )):
الترتيب فرض عند الحنابلة والشافعية.
ودليلهم: أن الله عز وجل في كتابه الكريم قد أدخل الممسوح بين المغسولات ، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) فأدخل الله الممسوح بين المغسولات ، فحينئذ: فصل النظير عن نظيره ، وهذا لا فائدة منه إلا الترتيب وفرضيته لأن الآية في ذكر فرائض الوضوء.
ولو أن رجلا قال: (أكرمت زيداً ، وأهنت عمراً ، وأكرمت بكراً) فهذا الكلام من العِيِّ لا من البيان.
وأنه فصل النظير عن نظيره والواجب ألا يفعل ، وأما أن يفصل فهذا من العي.
والله عز وجل ينزه عن ذلك فلا بد من فائده.
لذا استدل به أهل العلم على إيجاب الترتيب ، لأن الله أدخل الممسوح من المغسولات.
ولا يقال: إن الترتيب مستحب ؛ لأن الآية قررته في سياق الفرض وليس في سياق الاستحباب.
ـ كما أن الله ـ عز وجل ـ لم يرتب الأعضاء الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب بل رتبه هكذا مختلفة ، وذلك لا فائدة منه إلا إيجاب الترتيب.
ـ ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يصح عنه أنه توضأ غير مرتب أبداً ، كما قرر هذا ابن تيمية وابن القيم والنووي وغيرهم.
فالراجح: هو إيجاب الترتيب.
·فلو أن رجلاً توضأ غير مرتب كأن يمسح الرأس قبل غسل اليدين فإن وضوءه باطل فيجب عليه أن يعيد الوضوء إن كان هناك فاضل.
أما إن لم يكن هناك فاصل فإنه يصح منه غسل اليدين ، فيجب عليه أن يمسح الرأس مرة أخرى.
·فإن توضأ منكساً أربع مرات فهل يصح وضوءه أم لا ؟
بمعنى: غسل رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه ثم غسل وجهه وفعل ذلك أربع مرات.
قالوا: يصح وضوؤه ؛ لأن كل وضوء من هذه الوضوءات المنكسة يصح منها عضو واحد.
فعلى الوضوء الأول يصح غسل الوجه ، وفي الوضوء الثاني يصح غسل اليدين وفي الوضوء الثالث يصح مسح الرأس وفي الوضوء الرابع يصح غسل الرجلين. وهي صفة غريبة ولكن ذكرناها للفائدة.
ـ وذهب المالكية والأحناف إلى عدم وجوب الترتيب.

قوله: (( والموالاة وهي أَلاَّ يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله )):
هذا الفرض السادس من فروض الوضوء.
وهنا: ذكر فرضية الموالاة وذكر ضابطها ، فيه مبحثان:
ـ المبحث الأول: في فرضيتها.
(1) ـ مذهب الحنابلة هو فرضية الموالاة ، وأن الموالاة بين الأعضاء فرض وهذا مذهب المالكية.
واستدلوا: بما ثبت في المسند بإسناد جيد كما قال الإمام أحمد وصححه ابن كثير ، وغيره أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: رأى رجلاً يصلي وعلى قدمه لمعة قدر درهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة) ([5]).
ووجه ذلك: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يأمره أن يكتفي بغسل هذه البقعة التي لم يصبها الماء بل أمره أن يعيد الوضوء كله ، فلو لم تكن الموالاة واجبة لاكتفى أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يغسل هذا المأمور البقعة التي لم يصبها الماء.
ـ وقد ثبت في مسلم: أن رجلاً توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: (إرجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى([6])).
فهنا قوله: (فأحسن وضوءك) يفسره بالرواية المتقدمة وفي رواية لأحمد بإسناد فيه ابن لهيعة وهو ضعيف لكن ذلك التفسير يقوي هذه اللفظة: (ثم رجع فتوضأ ثم صلى).
قالوا: إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو المفسر للقرآن بفعله ، لم يثبت عنه أنه توضأ غير موال بل كل وضوئه على الموالاة.
(2) ـ وذهب الشافعية والأحناف إلى أن الموالاة غير واجبة بل هي مستحبة.
ودليلهم: أنه لم يثبت في الآية المتقدمة ، وقد قال تعالى: (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق 00) الآية.
والواو لا تفيد التعقيب ، بل لو تَرَاخَى فإنه لا حرج.
ـ لكن تقدم الدليل الدال على ذلك من السنة ، ثم إن القرآن قد فسره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفعله ، وقد تقرر عند الأصوليين أن فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمجمل القرآن يعطي حكم ذلك المجمل.
مثاله: النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلى المغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً والفجر ركعتين والظهر والعصر أربعاً ، فهذا فعل وهو بيان لمجمل في القرآن ، فيكون فرضاً كما أن قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) ([7]) فرض.
ـ المبحث الثاني: في ضابط الموالاة:
قال المؤلف: (( وهي ألا يؤخر غسل عضو حتى ينشف الذي قبله )): لو أن رجلا غسل وجهه ثم جلس زمناً فغسل يديه هذا الزمن قد جف فيه الماء الذي على وجهه، فحينئذ لا يكون وضوؤه صحيحاً بل يبطل لانتفاء الموالاة.
ـ فإن قيل لهم: لكن الزمان يختلف ، ففي الشتاء يتأخر الجفاف وفي الصيف يكون سريعاً.
قالوا: نقيد ذلك بالزمان المعتدل.
فمثلاً: الزمان المعتدل خمس دقائق لأن يجف الماء عن الوجه فلو لم يجف الماء فجلس خمس دقائق فإنه يكون قد قطع الموالاة ، وفي الصيف ذهب الماء بدقيقة بسبب حرارة الشمس.
فنقول: ينتظر خمس دقائق ؛ لأنه هو الزمان المعتدل.
هذا هو ضابط الحنابلة ، وهو ضابط الشافعية أيضا القائلين باستحباب الموالاة فإنهم يستحبونها وهو ضابطها عندهم.
ـ وهذا الضابط أولاً: لا دليل عليه ، ثانياً: يشق ضبطه فإن عامة الناس لا يمكنهم أن يضبطوا فعل ذلك.
فإيقاع هذا الضابط في الواقع فيه مشقة وعسر.
ـ وذكر بعض أهل العلم ضابطاً آخر وهو أصح منه وهو رواية عن الإمام أحمد ، وقال الخلال فيها: (وهو الأشبه بقوله والعمل عليه) ، والضابط هو: إرجاع ذلك إلى العرف.
فإذا كان هناك فاصل عرفي ثبت عرفاً أنه طويل فإنه تنتفي الموالاة ، وإن كان قصيراً فإن الموالاة لا تنتفي.
مثال: رجل توضأ فلم يغسل عقبيه ، ثم ذهب إلى المسجد فلما دخله أخبره بعض المصلين ، بهذا الموضع الذي لم يصله الماء ، فهذا فاصل طويل عرفاً.
لكن لو أن رجلاً توضأ وبمجرد ما انتهى من الوضوء أخبر أن موضعاً من يديه لم يصبه الماء فإنه فاصل قصير عرفاً فلا يعيد.
فهذا القول هو الأرجح وهو أن ذلك راجع إلى العرف وهو رواية عن الإمام أحمد واختارها بعض أصحابه.
ـ ومثل ذلك: كل ما لم يثبت في الشرع ولا في اللغة تحديد له فإنه يقيد بالعرف.

فإذن: الموالاة فرض من فروض الوضوء وضابطها: ألا يفصل بنهما بفاصل طويل عرفاً.
ـ فإن قيل: لو أن رجلاً توضأ فغسل وجهه ويديه ثم انقطع عنه الماء بأي سبب من الأسباب ثم بعد ذلك حضر الماء ، بعد فاصل طويل عرفاً ـ فهل يمسح رأسه ويغسل رجليه أم أنه يستأنف ؟
قولان لأهل العلم:
1ـ فالمشهور في مذهب الحنابلة أنه يعيد الوضوء ؛ لأن الموالاة شرط فوجب أن يأتي بها ولا يسقط بالعذر.
2ـ وذهب المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن العذر مسقط للموالاة ، لقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم)([8]) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ([9]).
ـ وأوضح منه في الاستدلال ،ما في الصحيح ـ وسيأتي ذكره إن شاء الله ـ من العمل الكثير في الصلاة ، فإنه يقتل الحية والعقرب ، ونحو ذلك ثم يعود إلى الصلاة.
فهذا قاطع عن الصلاة وهو معذور فيه ومع ذلك فإنه لا يعيد الصلاة بل يبني عليها.
ـ وهذا القول فيه قوة.
ـ والقول الأول: فيه أيضا: فإنه يمكن أن يجاب عما استدلوا به:
بأن قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ، أن يقولوا: أنه لا مشقة في إعادة الوضوء ، فإنه لا مشقة في أن يوافق أمر الله عز وجل بالإتيان بالوضوء موالياً ، فليس في ذلك شيء به المشقة.
ـ وأما الإستدلال بقتل الحية ونحوها أثناء الصلاة فيمكن أن يقال: أنه مازال في الصلاة ، فهو يصلي لله وهو مازال في نيته لم يقطع صلاته ، ومازال يتعبد لله بالصلاة وأجيز له أن يتحرك بهذه الحركة التي هي في الظاهر منافية للصلاة لكنها أجيزت من قبل الشارع للضرورة.
ـ ولا شك أن كلا القولين فيه قوة إلا أن الأحوط ما ذهب إليه الحنابلة من أنه لا يسقط بالعذر.
ـ وقيل ذلك النسيان والجهل والإكراه ، فإنه لا يسقط بها.
بل الذي يسقط إنما هو الإثم.
ـ فلو أن رجلاً ترك الموالاة جاهلاً أو ناسياً فإنه لا إثم عليه ولكن يجب عليه أن يعيد الوضوء.
ودليل ذلك ما تقدم من الحديث ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما رأى الرجل الذي في قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء أمره أن يعيد الوضوء ولم يستفصل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه أهو ناسي أم لا ، أهو جاهلٌ أم لا ؟
ونحو ذلك: وترك الإستفصال في مقام الإحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما هو مقعد عند الأصوليين فهذه من العمومات.
إذن: الراجح أن الموالاة لا تسقط بالإكراه ولا بالنسيان ولا بالجهل.
ـ وهل تسقط بالعذر أم لا ؟
تقدم البحث في هذا وتقوية كلا القولين وأن الإحتياط ما ذهب إليه أهل القول الأول.
مسألة:
إذا ثبت وجوب الترتيب بين الأعضاء الأربعة ، فهل يجب عليه أن يرتب بين المضمضة والاستنشاق ، وبين المضمضة والاستنشاق والوجه ، وبين المضمضة والاستنشاق وبقية الأعضاء ؟ هل يجب ألا يرتب بين المضمضة والاستنشاق أم لا ؟ فلو أنه استنشق قبل أن يتمضمض فهل يكون فعله جائزاً أم لا ؟.
1ـ قال الحنابلة: فعله جائز ؛ لأنهما من الوجه.
فلو أن رجلاً غسل أعلى الوجه قبل أسفله أو أسفله قبل أعلاه فإنه لا حرج عليه في ذلك.
ووجه صاحب الفروع وهو مذهب لبعض أهل العلم وجوب ذلك ، وهو أظهر ، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمر بهما ، لم يثبت عنه تقديم الاستنشاق على المضمضة بل كان يتمضمض ثم يستنشق.
فالأظهر: هو إيجاب ذلك كما هو فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد أمر بهما وكان على هذه الطريقة في تقديم المضمضة على الاستنشاق.
ـ فإن قدم الوجه على المضمضة والاستنشاق.
قال الحنابلة: لا حرج لأنهما من الوجه.
ـ فإن قدم غيرهما عليهما ، فكان منه أن غسل وجهه ثم غسل يديه ثم مسح رأسه ثم تمضمض واستنشق فهل يكون صحيحاً أم لا ؟
روايتان عن الإمام أحمد وهما قولان في المذهب:
1ـ الأول: أن المضمضة والاستنشاق يجب أن يكونا مع غسل الوجه فحينئذ يجب أن يقدما على غسل اليدين ؛ لأنهما من أجزاء الوجه.
قالوا: وهذا المحفوظ من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما في الصحيح من حديث عثمان ، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد ، وفي السنن من حديث علي بن أبي طالب.
بأن المحفوظ هو تقديم المضمضة والاستنشاق مع الوجه على بقية الأعضاء.
2ـ الثاني: وهو رواية عن الإمام أحمد أن ذلك جائز وهو مذهب بعض أصحابه.
ودليل ذلك: ما صح في سنن أبي داود من حديث المقدام بن معد يكرب الكندي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ (غسل كفيه ثلاثاً وغسل وجهه ثلاثاً ثم غسل ذراعيه ثلاثاً ثم تمضمض واستنشق ثم مسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما) رواه الإمام أحمد وزاد: (ثم غسل رجليه) ([10]).
ورواه الضياء في (المختارة) ، وقد اشترط فيها أن تكون كل الأحاديث التي فيها صحيحة ثابتة ، وقد أورد فيها هذا الحديث.
فهذا الحديث يدل على صحة الرواية الثانية فالحديث إسناده صحيح وهو ثابت.
وهذا يقوي القول المتقدم وأن المضمضة والاستنشاق ليسا من الوجه بل هي عضوان منفردان عنه.
فعلى ذلك إذا قدم غسل اليدين على المضمضة والاستنشاق فإنه يجوز ذلك مادام أنه قد فعلهما لأن الترتيب بين المضمضة والاستنشاق وبقية الأعضاء ليس بمفترض.
وهذا مذهب أحمد في رواية واختاره طائفة من أصحاب أحمد.
إذن: المضمضة والاستنشاق لها باب آخر في باب الترتيب.
أما تقديم الاستنشاق على المضمضة فالمشهور في المذهب جوازه ، وقد تقدم أن الراجح هو وجوب تقديم المضمضة على الاستنشاق.

وتقديمهما على الوجه وعلى بقية الأعضاء تقدم أن الراجح جواز تقديم بقية الأعضاء على المضمضة والاستنشاق وكذلك يجوز تقديم الوجه على المضمضة والاستنشاق.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ: (( النية شرط لطهارة الأحداث كلها )):
النية: هي القصد والعزم على الفعل ، ومحلها القلب ولا يشرع التلفظ بها إلا في الحج لثبوت ذلك عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإلا فالنية محلها القلب وليس للسان فيها مدخل أصلاً.
ـ وأعلم أن الجهر بالنية قد اتفق بالعلماء على بدعيته حتى ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن صاحبه يستحق التعزيز لأنه من البدع المحدثة في الدين.
ـ فإن أسرَّ به ولم يجهر ، ويزيد بالاسرار به أن يتلفظ بلسانه من غير أن يجهر به مثل قراءة القرآن في الصلاة فهل يشرع ؟
ـ المشهور في المذهب مشرعية ذلك ، قالوا: ليواطىء اللسان القلب.
ـ أما الإمام أحمد فإن نصَّه الذي بقي عليه وهو مذهب مالك أن ذلك ليس بمشروع وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه وهو الصواب ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يثبت عنه ذلك ولم يثبت عن أصحابه ، وما كان كذلك فإنه بدعه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
فالجهر أو الإسرار بالنية بدعة ، فالنية محلها القلب.
ـ والأصل في النية قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى) ([11]) متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب وهو حديث عظيم وهو ثلث الإسلام كما قال غير واحد من أهل العلم ، فإن العبادات كلها مبناها على هذا الحديث العظيم.
لذا قال المؤلف: (النية شرط لطهارة الأحداث كلها).
والشرط: هو ما تنعدم العبادة بانعدامه وتبطل بفقدانه ولكن الشرط إذا وجد فلا يلزم وجودها.
فمثلاً: الوضوء شرط من شروط الصلاة ، فإذا فقد أو اختل شرط من شروطه فإن العبادة تكون باطلة ، ولكن إذا وجد الوضوء فليس شرطاً أن توجد الصلاة ، هذا توضيحه.
أما تعريفه فهو: ما يلزم من عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم.
فالنية شرط في العبادات كلها وهي شرط من شروط الطهارة للأحداث كلها.
فإذا توضأ بلا نية كأن يتوضأ للتبريد ونحوه فإن هذا الوضوء باطل ؛ لأنه فقد شرطاً وهو النية ، فهو لم ينو بوضوئه التعبد لله ، وإنما نوى التبريد ونحوه.

قوله: (( فينوي رفع الحدث أو الطهارة لما لا يباح إلا بها )):
بمعنى: رجل يريد أن يتوضأ فماذا ينوي ؟
قال: ( ينوي رفع الحدث 0000).
وقد تقدم تعريف الحديث وأنه: الوصف القائم في البدن الذي يمنع من الصلاة ونحوها.
ـ فإذا فعل ناقضا من تواقض الوضوء فإنه يكون متصفاً بهذا الوصف ، فإذا توضأ وهو ينوي رفع الحديث فإن حدثه يرتفع ويكون مجزئاً عنه ، وهذا مذهب جماهير العلماء.

قوله: (( أو الطهارة لما لا يباح إلا بها )):
هناك أشياء لا تباح إلا بالطهارة ، مثل الصلاة ومس المصحف ، والطواف على قول ، ونحو ذلك فهذه العبادات لا تصح إلا بالطهارة ، فإذا فعل الطهارة كأن يتوضأ ليصلي أو ليطوف بالبيت أو ليمس المصحف فإن ذلك يجزئ عنه عند جمهور العلماء لأن هذا الفعل منه متضمن لرفع الحدث ؛ لأن هذه الأفعال لا تصح إلا بالطهارة ورفع الحدث.
ـ فلو أن رجلاً تطهر ليمس المصحف ، فيجوز له أن يصلي وغير ذلك من العبادات التي لا تصح إلا بالطهارة ؛ لأنه قد تطهر لما لا يباح إلا بالطهارة.
فإذن: إذا توضأ لما لا تباح العبادات إلا به ، فإن وضوءه صحيح وله أن يصلي فيه وأن يتعبد لله فيه بسائر العبادات.

قوله: (( فإن نَوَى ما تسن له الطهارة كقراءة أو تجديداً مسنوناً ناسياً حَدَثه ارتفع )):
فإذا نوى ما تسن له الطهارة كقراءة القرآن من غير مسٍ للمصحف أو نية ذكر الله عز وجل أو لغيرها من النيات التي تكون لأعمال لا تشترط فيها الطهارة فهل له أن يصلي فيه الصلاة المفروضة وغير ذلك ؟
قال المؤلف: ((نعم يصح أن يصلي فيه الصلاة المفروضة))
ـ وفي قول في المذهب أنه لا يجزئ عنه.
ـ والأصح هو المشهور في المذهب ؛ لأن هذا الفعل متضمن لرفع الحدث.
فإن هذا الوضوء فيه متضمن لرفع الحدث ؛ لأن هذا الوصف القائم بالبدن وهو الحدث يكره له أن يقرأ القرآن وهو عليه فتوضأ بنية قراءة القرآن فيكون متضمناً لرفع الحدث القائم به.
فعلى ذلك: إذا توضأ لما يسن له الطهارة ، فالراجح وهو المشهور في المذهب أنه يجزئ ذلك.

قوله: (( أو تجديداً مسنوناً ناسياً حدثه ارتفع)): فهنا قيَّد التجديد بقيدين:
1ـ القيد الأول: أن يكون مستوناً
2ـ القيد الثاني: أن يكون ناسياً لحدثه.
والمراد بالتجديد: الرجل يكون عليه الوضوء الشرعي الذي يمكنه أن يصلي فيه ونحو ذلك لكنه مع ذلك يستحب له أن يتوضأ وضوءاً آخر وهو التجديد.
وفي البخاري أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( كان يتوضأ لكل صلاة ) ([12]).
فتجديد الوضوء سنة.
وأما ما روى الأربعة إلا النسائي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات)([13]) فهو ضعيف.
فالتجديد في الأصل سنة فلماذا قيده هنا بقوله: (مسنوناً).
قالوا: المسنون هو الوضوء الذي فعل بعد وضوء قد صلي فيه.
فعلى ذلك: لو أن رجلاً توضأ لصلاة الظهر ثم توضأ مرة أخرى لها قبل أن يصليها فهذا ليس بمشروع ، فالمسنون إذن هو: التجديد الطارئ على وضوءٍ قد صُلِّيَ فيه.
ـ وقيْده بفيد آخر وهو قوله: (ناسياً حدثه).
فلو أن رجلاً نوى التجديد وهو ذاكر للحدث فإنه لا يجزئ عنه لأنه متلاعب بالشرع ، فكيف ينوي هذه النية وهو ليس على طهارة شرعية ؛ لأنه ذاكر لحدثه فحينئذ لا يكون فعل التجديد الشرعي ، لأن التجديد الشرعي إنما يكون مع ثبوت الوضوء السابق وهذا لا وضوء عليه فحينئذ لا يجزئ عنه.
ـ إذن: إذا ثبت التجديد بهذين الشرطين وهما: أن يكون مسنوناً ، وأن يكون ناسياً لحدثه ، فإنه يرتفع الحدث بمعنى: رجل عليه حدث ، فلما أراد أن يصلي الظهر ظن أنه مازال على وضوئه فتوضأ وهو ناسٍ لحدثه ، فهذا الوضوء منه سنة ؛ لأنه طارئ على وضوئه لصلاة الفجر مثلاً فتَذَكَّر بعد أن انتهى من الوضوء أو بعد الصلاة ، تذكر أنه لا وضوء له سابق فيكون وضوؤه صحيحاً.
هذا هو المشهور في المذهب.
ـ وذهب بعض الحنابلة وهو اختيار أبي الخطاب والقاضي ، ولعله مذهب جمهور الفقهاء إلى أن ذلك لا يجزئ عنه.
ـ أما أهل القول الأول: فقالوا: هي طهارة شرعية ؛ لأنه إنما جدد وضوءه وهو ناسٍ لحدثه فحينئذ تكون طهارته طهارة شرعية فمادام كذلك فإنها تجزئ عنه برفع حدثه.
ـ أما أهل القول الثاني: فقالوا: وإن نوى الطهارة الشرعية لكنه لم ينو طهارة ترتفع بها الأحداث ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات).
وهذا القول أصح.
فالأصح أنه لا يجزئ عنه ـ كما لو تصدق بصدقة بنية أنها صدقة فإنها لا تجزئ عن الزكاة.
فإن النية: تمييز العبادة عن العبادة ، فالنية تمييز غسل العبادة عن غسل التبريد ، وكذلك تميز الطهارة المستحبة عن الطهارة الواجبة.
فهذا قد نوى طهارة شرعية لكنها ليست متضمنه لرفع الحدث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى).

قوله: (( وإن نوى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب وكذا عكسه )):
فإذا نوى غسلاً مسنوناً كغسل الجمعة على مذهب جمهور الفقهاء (أجزأ عن واجب) كغسل الجنابة.
مثال: رجل أصبح يوم الجمعة وعليه جنابة فاغتسل ناوياً غسل الجمعة ، فهل يجزئ عن غسل الجنابة ؟.
قالوا: نعم ، وقيده بعضهم: مع نسيان الحدث الأكبر.
إذن: هذا هو المشهور في المذهب وأنه إذا اغتسل بنية الغسل المسنونة كغسل الجمعة أو غسل العيد ولم ينو رفع الجنابة فإن ذلك يجزئ عنه.
والعلة هي: ما تقدم لأنها طهارة شرعية.
ـ وفي هذا ضعف كما تقدم.
ـ فالأرجح: وهو قول للحنابلة أنها لا تجزئ لحديث (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا قد تطهر طهارة لا ترفع بمثلها الأحداث وإنما تطهر طهارة مستحبه لا تطرأ على الأحداث فترفعها فهي طهارة مسنونة.
فالراجح: أنها لا تجزئ عنه.
وقد روى ابن حبان بإسناد حسن: ( أن أبا قتادة رأى إبنه وهو يغتسل يوم الجمعة ، فقال: (إن كنت على جنابة فأعد غسلاً آخر ) ([14]).
قوله: (( وكذا عكسه )):
رجل عليه جنابة وهو في يوم جمعة فاغتسل عن الجنابة فهل يجزئ عنه في غسل الجمعة أم لا ؟
قالوا: نعم يجزئ عنه.
واعلم أن العلماء قد اتفقوا على أنه إذا نواهما معاً فإنه يجزئ عنه.
أما هذه المسألة فتبحث فيما إذا انفرد بأحد النيتين ، ففي المسألة السابقة إذا انفرد بنية غسل الجمعة.
وفي هذه المسألة إذا انفرد بنية رفع الجنابة فهل يجزئ عنه ؟
قالوا: نعم يجزئ عنه.
وفي هذا نظر ؛ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وهذا لم ينو غسل الجمعة فلا يجزئ عنه ، وهو قول في المذهب.
فلا تصح العبادة إلا بالنية وغسل الجمعة عبادة ولم ينوه فلا يجزئ عنه.

قوله: (( وإن اجتمعت أحداث توجب وضوءاً أو غسلاً فنوى بطهارته أحدهما ارتفع سائرها )):
مثاله: رجل عليه ناقضان ، ناقض بخارج من السبيلين ، وناقض بالنوم. فتوضأ بنية رفع الحدث الناتج عن الخارج من السبيلين ، فهل يرتفع حدثه مطلقاً أم يبقى الحدث المترتب على النوم ؟
قال المؤلف: (( إرتفعت سائرها ))
قالوا: لأنها ذات حكم واحد ، وهي متداخلة في هذا الباب فإذا ارتفع أحدها ارتفع سائرها فأصبح طاهراً مطلقاً.
ـ ولكن قيده بعض الحنابلة بقيد غريب وهو: (بشرط إلا ينوي عدم ارتفاع غيره).
بمعنى: رجل توضأ وقال: هذا عن حدث النوم وليس عن حدث الخارج عن السبيلين.
ـ وهذا في الحقيقة الذي ينوي هذه النية ليس محلاً للبحث ؛ لأنه ليس أهلاً للتكليف ، فمثل هذا الفعل لا يصدر في الحقيقة عن مكلف فضلاً أن تكون مسألة ولكنها في الحقيقة من غرائب العلم.
ولو قيل بمثلها وتوقع وقوعها في المكلف فالأصح أنه يرتفع حدثه وإن نوى عدم ارتفاع غيره.
لأن الحكم ليس إليه في رفع الأحداث ، وإنما إلى الله ـ عز وجل ـ فمادام أنه توضأ الوضوء الشرعي عن الحدث وإن نوى عدم ارتفاع بعضها فترتفع سائرها.

قوله: (( ويجب الإتيان بها عند أول واجبات الطهارة وهو التسمية )):
تقدم أن النية واجبة وشرط ، فإذا ثبت هذا فيجب أن يشمل النية سائر فرائض الوضوء. وأول فرائضه التسمية ، فيجب أن تكون النية سابقة للتسمية.
ـ فإذا قلنا بفرضية التسمية ، ثم سمَّى ولم ينو بعد ثم نوى فإنه لا تجزئ عنه ؛ لأن هذا الفرض وهو التسمية الذي يختل الوضوء باختلاله لم تثبت فيه النية فيكون حينئذ باطلاً.
وهذه المسألة يدل عليها حديث: (إنما الأعمال بالنيات).
فإذن: يجب أن تشمل النية سائر فرائض الوضوء.
كما لو أنه كبَّر تكبيرة الإحرام ثم نوى الصلاة بعد ، فإنها لا تجزئ عنه ، فكذلك هنا.
إذن: يجب عليه أن ينوي قبل البداءة بفرائض الوضوء.
ـ وإذا قلنا إنهما ـ أي المضمضة والاستنشاق ـ ليسا بواجبين فيجب عليه أن ينوي قبل غسل الوجه.
ـ فأول الفرائض عند الجمهور خلافاً للحنابلة هو غسل الوجه.
فيجب عليه ـ حينئذ ـ أن ينوي قبل غسل الوجه.
إذن: يجب أن تشمل النية فرائض الوضوء كلها.
ـ فإن قدمها بزمن يسير عرفاً فلا يضر ما لم يقطعها بمعنى: لا تشترط في النية أن تكون ذلك بمجرد بدئه بل لو قدمها بزمن يسير فلا حرج ما لم يقطع النية.
ـ وذهب بعض فقهاء الحنابلة كالقاضي ـ إلى أنه لو قدمها بزمن كثير فإن ذلك لا يضر ما لم يقطعها ، وهذا قول قوي.

قوله: (( وتسن عند أول مسنوناتها إن وجد قبل واجب )):
تقدم أنه يجب عليه ذلك قبل فرائضها.
ويسن له عند أول مسنوناتها إن وجد قبله واجب كغسل الكفين قبل المضمضة والاستنشاق ، فإن قلنا إن التسمية ليست بواجبه فإنه يسن له أن ينوي قبل التسمية لتدخل التسمية وهي مسنونة في النية.
ـ وإن قلنا إنها واجبة فإن غسل الكفين قبل التسمية فيستحب له أن ينوي.
إذن: إذا كانت السنة في أول الوضوء قبل الواجبات فيسن له أن ينوي قبلها لتدخل السنن والمستحبات في السنة ، لأنها عبادات ولا تصح العبادة إلا بالنية.
فمثلاً: لو أن رجلاً غسل كفيه ثم سمَّى ثم تمضمض أو استنشق ، وهكذا لكنه قبل غسل الكفين لم ينو فإنه لا يثاب على ذلك ، فالمشروع له أن ينوي.
ـ هذا على تقدير وجود السنة قبل الواجب.
وإلا فالواجب أن يبدأ أولاً بالتسمية حتى يثبت له غسل الكفين.
لأن غسل الكفين قبل التسمية لا حكم له في الأظهر (بناء على ترجيح وجوب التسمية وقد سبق خلافه).
ـ فإذن: إذا قدر وجود سنة قبل فرائض الوضوء فإنه يسن أن ينوي قبلها لتدخل هذه السنة في النية ، فيثاب عليها.

قوله: (( واستصحاب ذكرها في جميعها ، ويجب استصحاب حكمها )):
قوله: (( واستصحاب ذكرها في جميعها)): المراد بالذكر التذكر.
فهنا: يسن له أن يستصحب التذكر بمعنى: يكون قلبه متذكراً أنه إنما يتوضأ لله ولإقامة الصلاة.
هذا هو السنة لتكون أفعاله كلها متعلقة بالنية لله عز وجل.
ـ هذا مستحب وليس بواجب ، فلو غفل عن تذكر النية فإنه لا يضره.
ـ بمعنى: رجل نوى الوضوء ثم غفل عن النية واستمر في الوضوء فإنه لا يضره ذلك باتفاق العلماء ، إذ لا يشترط تذكر النية بل هو مستحب لتكون أفعاله متعلقة بنيته.
ولكن قال : (( ويجب استصحاب حكمها)): هذا هو الواجب أن يستصحب حكمها ، والمراد بحكمها نية إبقائها وعدم قطعها ، فينوي الوضوء ويستمر فيه حتى ينتهي منه من غير أن ينوي أن يقطعه.
ـ رجل لمَّا غَسَّل وجهه وغسل يديه نوى أن يقطع الوضوء فقطع النية ، فإنه ـ حينئذ ـ يبطل وضوؤه ؛ لأنه قطع النية بقطع حكمها.
وأما إذا لم ينو قطع ذلك فإن وضوءه صحيح.
إذن: لا يشترط تذكر النية وإنما يشترط استصحاب حكمها.
إذن: يشترط في النية أن يبقى مستصحباً لحكمها وهو نية عدم قطعها والبقاء عليها.
فإن خالف فإن وضوءه يَبطُل بذلك.
وأما تذكر النية فإنه مشروع لتبقى أفعاله متعلقة بنيته.
ـ فإن نوى قطع العبادة بعد فعلها فإنه لا يضره باتفاق العلماء ، فإن قطع النية بعد إنتهاء العبادة لا أثر له إجماعاً.
ومثل ذلك الشك فإن الشك بعد العبادة لا يؤثر.
فإذا توضأ ثم شك هل سَمَّى أم لا ؟
فإن هذا الشك بعد العبادة لا يؤثر.
ـ فالشك بعد العبادة وقطع النية ليس لهما أثر باتفاق العلماء.
إذ العبادة أولا صحت فقطع النية لا أثر له بعد رفعها إلى الله وثبوتها.
وأما الشك فإنه طرأ على يقين فإن العبادة إذا انتهت فقد تيقن قبولها فليس له بعد ذلك أن يشك فيها والشك يكون طارئاً على يقين فلا أثر له.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوضوء, فروض

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir