دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الوقف

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1431هـ/19-04-2010م, 09:27 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شروط الوقف

فتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ معَ الكِنايةِ أو اقترانِ أحَدِ الألفاظِ الْخَمسةِ أو حُكْمِ الوَقْفِ، ويُشْتَرَطُ فيه الْمَنفعةُ دائمًا من عينٍ يُنتفَعُ به معَ بَقاءِ عَينِه كعَقارٍ وحيوانٍ، ونحوِهما وأن يكونَ على بَرٍّ كالمساجِدِ والقناطرِ والمساكينِ والأقاربِ من مسلمٍ وذِمِّيٍّ، غيرَ حَرْبِيٍّ وكَنيسةٍ ونُسَخِ التوارةِ والإنجيلِ , وكُتُبِ زَنْدَقَةٍ.
وكذا الوصِيَّةُ والوَقْفُ على نفسِه، ويُشترَطُ في غيرِ المسجدِ ونحوِه أن يكونَ على مُعَيَّنٍ يُمْلَكُ لا ملكٌ وحيوانٌ وقبرٌ وحَمْلٌ، لا قَبولُه ولا إخراجُه عن يدِه.


  #2  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 12:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

..........................

  #3  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 12:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(فيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ معَ الكِنايةِ، أو اقْتِرَانُ) الكنايةِ بـ (أحدِ الألفاظِ الخمسةِ) الباقيةِ مِن الصريحِ والكنايةِ؛ كتَصَدَّقْتُ بكذا صَدَقَةً موقوفةً، أو مُحَبَّسَةً أو مُسَبَّلَةً أو مُحَرَّمَةً أو مُؤَبَّدَةً؛ لأنَّ اللفظَ يَتَرَجَّحُ بذلك-لإرادةِ الوقفِ.
(أو) اقْتِرَانُها بـ ُكْمِ الوَقْفِ)؛كقَوْلِهِ: تَصَدَّقْتُ بكذا صَدَقَةً لا تُبَاعُ ولا تُوَرَّثُ، (ويُشْتَرَطُ فيه) أربعةُ شروطٍ: الأوَّلُ: (المَنْفَعَةُ)؛أي: أنْ تكونَ العينُ يُنْتَفَعُ بها (دائماً مِن عَيْنٍ)،فلا يَصِحُّ وَقْفُ شيءٍ في الذِّمَّةِ؛ كعبدٍ ودارٍ،ولو وَصَفَه؛كالهِبَةِ،َنْتَفِعُ به معَ بقاءِ عَيْنِهِ؛كعَقَارٍ وحيوانٍ ونَحْوِهِما) مِن أثاثٍ وسلاحٍ.
ولا يَصِحُّ وَقْفُ المَنْفَعَةِ؛ كخِدْمَةِ عبدٍ مُوصَى له بها،ولا عينٍ لا يَصِحُّ بَيْعُها؛كحُرٍّ وأمِّ ولدٍ،ولا ما لا يُنْتَفَعُ معَ بَقَائِهِ؛ كطعامٍ لأكلٍ، ويَصِحُّ وَقْفُ المصحفِ والمالِ المُشَاعِ.
(و) الشرطُ الثاني: (أنْ يكونَ على بِرٍّ)،إذا كانَ على جِهَةٍ عامَّةٍ؛ لأنَّ المقصودَ مِنه التَّقَرُّبُ إلى اللَّهِ تعالَى،وإذا لم يَكُنْ على بِرٍّ، لم يَحْصُلِ المقصودُ؛ (كالمساجِدِ والقَنَاطِرِ والمساكِنِ) والسِّقَايَاتِ وكُتُبِ العلمِ (والأقاربِ مِن مُسْلِمٍ وذِمِّيٍّ)؛لأنَّ القريبَ الذِّمِّيَّ مَوْضِعُ القُرْبَةِ؛ بدليلِ جَوَازِ الصدقةِ عليه،ووَقَفَتْ صَفِيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا على أخٍ لها يَهُودِيٍّ.فيَصِحُّ الوقفُ على كافرٍ مُعَيَّنٍَيْرِ حَرْبِيٍّ) ومُرْتَدٍّ؛ لانتفاءِ الدوامِ؛ لأنَّهما مَقْتُولاَنِ عن قُرْبٍ، (و) غيرَِنِيسَةٍ) وبَيْعَةٍ وبيتِ نارٍ وصَوْمَعَةٍ، فلا يَصِحُّ الوَقْفُ عليها؛لأنَّها بُنِيَتْ للكُفْرِ، والمسلمُ والذِّمِّيُّ في ذلك سواءٌ، (و) غيرِ َسْخِ التوراةِ والإنجيلِ وكُتُبِ زَنْدَقَةٍ) وبِدَعٍ مُضِلَّةٍ، فلا يَصِحُّ الوقفُ على ذلك؛لأنَّه إعانةٌ على معصيةٍ، وقد غَضِبَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَى معَ عُمَرَ شيئاً اسْتَكْتَبَهُ مِن التوراةِ وقالَ: ((أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟! أَلَمْ آتِ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَلَوْ كَانَ أَخِي مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ اتِّبَاعِي)).
ولا يَصِحُّ أيضاًً على قُطَّاعِ الطريقِ أو المَغَانِي أو فقراءِ أهلِ الذمَّةِ، أو التنويرِ على قبرٍ أو تَبْخِيرِهِ، أو على مَن يُقِيمُ عندَه،أو يَخْدُمُه،ولا وَقْفُ سُتُورٍ لغيرِ الكعبةِ.
(وكذا الوصيَّةُ)،فلا تَصِحُّ على مَن لا يَصِحُّ الوقفُ عليه،(و) كذا (الوقفُ على نفسِهِ)،قالَ الإمامُ: لا أَعْرِفُ الوَقْفَ إلاَّ ما أَخْرَجَهُ اللَّهُ تعالَى أو في سَبِيلِهِ، فإنْ وَقَفَه عليه حَتَّى يَمُوتَ فلا أَعْرِفُه؛لأنَّ الوقفَ إمَّا تمليكٌ للرقبةِ أو المنفعةِ، ولا يَجُوزُ له أنْ يُمَلِّكَ نَفْسَه مِنْ نفسِهِ. ويُصْرَفُ في الحالِ لِمَن بَعْدَه كمُنْقَطِعِ الابتداءِ، فإنْ وَقَفَ على غيرِهِ، واسْتَثْنَى كلَّ الغَلَّةَ أو بَعْضَها، أو الأكلَ مِنه مُدَّةَ حياتِهِ أو مُدَّةً معلومةً- صَحَّ الوقفُوالشرطُ؛ لشرطِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أكلَ الوالِي منها،وكانَ هو الوالِي عليها،وفَعَلَه جماعةٌ مِن الصحابةِ.
والشرطُ الثالثُ أشارَ إليه بقولِهِ: (ويُشْتَرَطُ في غيرِ) الوقفِ على (المسجِدِ ونحوِهِ)؛كالرِّبَاطِ والقَنْطَرَةِ، (أنْ يكونَ على مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ) مِلْكاً ثابتاً؛لأنَّ الوقفَ تَمْلِيكٌ،فلا يَصِحُّ على مجهولٍ؛ كرَجُلٍ ومَسْجِدٍ،ولا على أَحَدِ هذَيْنِ، ولا على عبدٍ ومُكَاتَبٍ، و (لا) على َلَكٍ) وجِنِّيٍّ ومَيِّتٍ (وحيوانٍ وحَمْلٍ وقَبْرٍ) أصالةً، ولا على مَن سَيُولَدُ،ويَصِحُّ على وَلَدِهِ ومَن يُولَدُ له،ويَدْخُلُ الحَمْلُ والمعدومُ تَبَعاً.
الشرطُ الرابعُ: أنْ يَقِفَ نَاجِزاً،فلا يَصِحُّ مُؤَقَّتاً ولا مُعَلَّقاً إلاَّ بموتٍ، وإذا شَرَطَ أنْ يَبِيعَهُ مَتَى شاءَ،أو يَهَبَه، أو يَرْجِعَ فيه- بَطَلَ الوقفُوالشرطُ، قالَه في (الشرحِ).
(لا قَبُولُه)؛أي: قَبُولُ الوَقْفِ، فلا يُشْتَرَطُ، ولو كانَ على مُعَيَّنٍ، (ولا إِخْرَاجُهُ عن يَدِهِ)؛لأنَّه إزالةُ مِلْكٍ يَمْنَعُ البيعَ، فلم يُعْتَبَرْ فيه ذلكَ؛ كالعِتْقِ، وإنْ وَقَفَ على عبدِهِ ثمَّ المساكينِ، صُرِفَ في الحالِ لهم،وإنْ وَقَفَ على جِهَةٍ تَنْقَطِعُ؛ كأولادِهِ،ولم يَذْكُرْه مآلاً،أو قالَ: هذا وَقْفٌ. ولم يُعَيِّنْ جِهَةً، صَحَّ، وصُرِفَ بعدَ أولادِهِ لِوَرَثَةِ الواقفِ نَسَباً على قَدْرِ إِرْثِهِم وَقْفاً عليهم؛لأنَّ الوقفَ مَصْرِفُه البِرُّ،وأَقَارِبُه أَوْلَى الناسِ بِبِرِّهِ، فإنْ لم يَكُونُوا فعلى المساكينِ.


  #4  
قديم 27 جمادى الأولى 1431هـ/10-05-2010م, 12:17 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(فتشترط النية مع الكنايةأو اقتران) الكناية بـ(ـأحد الألفاظ الخمسة) الباقية من الصريح والكناية كتصدقت بكذا صدقة موقوفة، أو محبسة، أو مسبلة، أو محرمة، أو مؤبدة لأن اللفظ يترجح بذلك لإرادة الوقف (أو) اقترانها بـ(ـحكم الوقف)كقوله: تصدقت بكذا صدقة لا تباع ولا تورث .
(ويشترط فيه) أربعة شروط الأول: (المنفعة) أي أن تكون العين ينتفع بها (دائما من معين)فلا يصح وقف شيء في الذمة كعبد ودار، ولو وصفه كالهبة (ينتفع به مع بقاء عينه، كعقار، وحيوان) ونحوهما، من أثاث، وسلاح .
ولا يصح وقف المنفعة كخدمة عبد موصى له بها ولا عين لا يصح بيعها كحر وأم ولد ولا ما لا ينتفع به مع بقائه كطعام لأكل ويصح وقف المصحف والماء والمشاع .
(و) الشرط الثاني: (أن يكون على بر)إذا كان على جهة عامة لأن المقصود منه التقرب إلى الله تعالى وإذا لم يكن على بر لم يحصل المقصود (كالمساجد، والقناطروالمساكين) والسقايات وكتب العلم (والأقارب من مسلم وذمي)لأن القريب الذمي موضع القربة، بدليل جواز الصدقة عليه
ووقفت صفية رضي الله عنها على أخ لها يهودي فيصح الوقف على كافر معين(غير حربي) ومرتد لانتفاء الدوام، لأنهما مقتولان عن قرب(و) غير (كنيسة) وبيعة وبيت نار، وصومعة فلا يصح الوقف عليها، لأنها بنيت للكفر والمسلم والذمي في ذلك سواء .
(و) غير (نسخ التوراة والإنجيل وكتب زندقة) وبدع مضلة فلا يصح الوقف على ذلك، لأنه إعانة على معصية وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر شيئًا استكتبه من التوراة، وقال ((أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ ألم آت بها بيضاء نقية؟ ولو كان أخي موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي))ولا يصح أيضًا على قطاع الطريق .
أو المغاني أو فقراء أهل الذمة أو التنوير على قبر، أو تبخيره أو على من يقيم عنده، أو يخدمه ولا وقف ستور لغير الكعبة (وكذا الوصية) فلا تصح على من لا يصح الوقف عليه(و) كذا (الوقف على نفسه)قال الإمام: لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى، أو في سبيله .
فإن وقفه عليه حتى يموت فلا أعرفه لأن الوقف إما تمليك للرقبة أو المنفعة ولا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه ويصرف في الحال لمن بعده كمنقطع الابتداء فإن وقف على غيره واستثنى كل الغلة أو بعضها .
أو الأكل منه مدة حياته أو مدة معلومة صح الوقف والشرط لشرط عمر رضي الله عنه أكل الوالي منها، وكان هو الوالي عليهاوفعله جماعة من الصحابة والشرط الثالث، أشار إليه بقوله: (ويشترط في غير) الوقف على (المسجد ونحوه) كالرباط والقنطرة (أن يكون على معين يملك) ملكا ثابتا لأن الوقف تمليك، فلا يصح على مجهول .
كرجل ومسجد ولا على أحد هذين ولا على عبد ومكاتب و(لا) على (ملك)وجني وميت (وحيوان، وحمل وقبر) أصالة .
ولا على من سيولد ويصح على ولده، ومن يولد له، ويدخل الحمل والمعدوم تبعا الشرط الرابع: أن يقف ناجزا فلا يصح مؤقتا ولا معلقا إلا بموت .
وإذا شرط أن يبيعه متى شاء أو يهبه أو يرجع فيه، بطل الوقف والشرط قاله في الشرح (لا قبوله) أي قبول الوقف، فلا يشترط، ولو كان على معين (ولا إخراجه عن يده)لأنه إزالة ملك يمنع البيع، فلم يعتبر فيه ذلك كالعتق وإن وقف على عبده ثم المساكين صرف في الحال لهم .
وإن وقف على جهة تنقطع كأولاده، ولم يذكر مآلا أو قال: هذا وقف ولم يعين جهة صح وصرف بعد أولاده لورثة الواقف نسبًا على قدر إرثهم وقفا عليهم لأن الوقف مصرفه البر وأقاربه أولى الناس ببره .
فإن لم يكونوا فعلى المساكين .



([1])فمتى أتى بإحدى الكنايات، واعترف بما نواه، لزم في الحكم لظهوره، وإن قال: ما أردت الوقف. فالقول قوله.
([2])فتخصها بالوقف.
([3])أي كأن يقول: تصدقت بكذا صدقة موقوفة، أو تصدقت بكذا صدقة محبسة، أو صدقة مسبلة، أو صدقة مؤبدة، أو صدقة محرمة، أو هذه العين محرمة موقوفة، أو محرمة محبسة، أو محرمة مسبلة، أو محرمة مؤبدة.
([4])أي لأن لفظ الكناية يترجح بأحد الألفاظ الخمسة الباقية لإرادة الوقف بها.
([5])أي أو اقتران الكناية بحكم الوقف، بأن يصف الكناية بصفات الوقف.
([6])أو تصدقت بأرضي على فلان، أو على الفقراء، أو الغزاة، لأن ذلك كله لا يستعمل في غير الوقف، فانتفت الشركة، وقال الشيخ: من قال: قريتي التي بالثغر لموالي الذين به ولأولادهم. صح وقفا، وهو رواية عن أحمد، وإذا قال كل منهم: جعلت ملكي للمسجد، أو في المسجد. ونحو ذلك، صار بذلك وقفا للمسجد، فيؤخذ منه أن الوقف يحصل بكل ما أدى معناه، وإن لم يكن من الألفاظ السابقة، وتقدم في البيع وغيره أن العقود تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل، فكل ما عده الناس وقفا انعقد به، وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال، انعقد عند كل قوم بما يفهمونه من الصيغ والأفعال.
([7])يعني لصحة الوقف، وفي الإقناع وغيره «خمسة» والخامس أن يكون من جائز التصرف، وتقدم.
([8])من جهة أو شخص.
([9])لأنه نقل ملك على وجه الصدقة، فلا يصح في غير معين كالهبة، وفي المحرر: ولا يصح وقف المجهول، قال الشيخ: المجهول نوعان «مبهم» وهذا قريب، «ومعين» مثله أن يقف دارا لم يرها، فمنع هذا بعيد، وكذلك هبته.
([10])لأنه يراد للدوام، ليكون صدقة جارية، وقال الشيخ: أقرب الحدود في الموقوف أنه كل عين تجوز عاريتها.
([11])كبساط ليفرش بالمسجد، وسيف، وحلي على لبس وعارية لمن يحل له، فأما العقار فلفعل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الحيوان فلحديث أبي هريرة: ((من احتبس فرسا في سبيل الله)) وخبر فرس عمر، وخبر أم معقل: أن زوجها جعل ناضحه في سبيل الله؛ وأما الأثاث فلقوله صلى الله عليه وسلم ((أما خالد فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله)).
([12])ومنفعة أم ولده في حياته، ومنفعة العين المستأجرة، واختار الشيخ صحته، وقال: لو وقف منفعة يملكها كالعبد الموصى بخدمته، أو منفعة أم ولده في حياته، أو منفعة العين المستأجرة، فإنه لا فرق بين وقف هذا ووقف البناء والغراس، ولا فرق بين وقف ثوب على الفقراء يلبسونه، أو فرس يركبونه، أو ريحان يشمه أهل المسجد، وطيب الكعبة: حكمه حكم كسوتها، فعلم أن التطيب منفعة مقصودة، لكن قد يطول بقاء مدة التطيب وقد يقصر، ولا أثر لذلك.
([13])ومرهون، وكلب، وسباع لا تصلح للصيد، وجوارح طير لا تصلح له، لأنه لا يصح بيعها.
([14])ومشموم لا ينتفع به مع بقاء عينه، وقال الوزير: اتفقوا على أن كل ما لا يمكن الانتفاع به إلا بإتلافه كالذهب، والفضة، والمأكول لا يصح وقفه. اهـ. بخلاف ند، وصندل، وقطع كافور، فيصح وقفه لشم مريض وغيره، وتقدم قول الشيخ: إنه لا أثر لطول المدة.
([15])وإن لم يصح بيعه، وتقدم ما فيه من الخلاف.
([16])أي ويصح وقف الماء، نص عليه أحمد وغيره، لخبر بئر رومة، ويصح وقف المشاع، قال الوزير: اتفقوا على أن وقف المشاع جائز، وفي خبر عمر: أنه أصاب مئة سهم من خيبر، فأذن له صلى الله عليه وسلم في وقفها، ولأنه عقد يجوز
على بعض الجملة مفرزًا، فجاء مشاعا، كالبيع، وذلك بحيث يكون مشهورًا متميزًا، يؤمن أن يلتبس بغيره، وإلا فلا بد من التحديد اتفاقًا.
([17])أو معروف، سواء كان الواقف مسلما أو ذميًا.
([18])كما مثل به الماتن والشارح، وغيرهما.
([19])ولأن الوقف قربة وصدقة، فلا بد من وجودها فيما لأجله الوقف، واستظهر في شرح المنتهى أنه وقف يترتب عليه الثواب، فإن الإنسان قد يقف على غيره توددا، وعلى ولده خشية بيعه بعد موته وإتلاف ثمنه، أو خشية أن يحجر عليه ويباع في دينه، ورياء ونحوه، وهو لازم لا ثواب فيه، لأنه لم يبتغ فيه وجه الله.
([20])الذي من أجله حصل الثواب.
([21])وكالغزاة، والعلماء، والحج، والغزو، وإصلاح الطرق، والمدارس.
([22])وهي في الأصل: الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في المواسم وغيرها، وتطلق على ما بني لقضاء الحاجة.
([23])كما قال تعالى بعد أن ذكر الصدقات{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ}وقال{لا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}.
([24])وإذا جازت الصدقة عليه جاز الوقف عليه كالمسلمين.
([25])رواه البيهقي وغيره.
([26])ولو كان الذمي الموقوف عليه أجنبيًا من الواقف، ويستمر له إن أسلم.
([27])ولأن أموالهم مباحة في الأصل، تجوز إزالتها، فما يتجدد لهم أولى، والوقف يجب أن يكون لازما، لأنه تحبيس الأصل.
([28])الكنيسة: متعبد اليهود والنصارى، والبيعة بكسر الباء: متعبد النصارى أيضًا، فلا يصح الوقف عليهما.
([29])بيت النار: متعبد المجوس، والصوامع: متعبد الرهبان.
([30])فلا يصح الإعانة على إظهار الكفر، ولا يصح على مصالحها كقناديلها وفرشها، بخلاف الوقف على ذمي معين، لأنه لا يتعين كون الوقف عليه لأجل دينه.
([31])قال أحمد – في نصارى وقفوا على البيعة ضياعا كثيرة وماتوا، ولههم أبناء نصارى، فأسلموا والضياع بيد النصارى – فلهم أخذها، وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم، قال الموفق: ولا نعلم فيه مخالفًا. لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه، لا يصح من الذمي كالوقف على غير معين.
([32])أو شيء منها، لكونها منسوخة مبدلة، فلا يصح الوقف عليها، ولا يصح على مباح، كتعليم شعر مباح، ولا على مكروه أو محرم، كتعليم منطق، لانتفاء القربة.
([33])ككتب الدرزية، والباطنية، والقدرية، والخوارج.
([34])لما اشتملت عليه كتب الزندقة والبدع المضلة من الكفريات الشنيعة، والبدع الفضيعة.
([35])استفهام إنكار.
([36])يعني شريعته صلى الله عليه وسلم كاملة، فتغنيك عما جاء به موسى من التوراة.
([37])لأنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الناس كافة، وعيسى عليه السلام إذا نزل إنما يحكم بشرع محمد صلى الله عليه وسلم.
([38])ولا الفسقة ولا الأغنياء، ويصح على الصوفية بشرطه، فمن كان منهم جماعا للمال، ولم يتخلق بالأخلاق المحمودة ولا يتأدب بالآداب الشرعية، وغلبت عليه الآداب الوضعية أو فاسقًا، فقال الشيخ وغيره: لا يستحق شيئًا.
([39])فإنه لا يجوز أخذ الأجرة على الغناء والدف، فعدم جواز الوقف أولى.
([40])ولا على صنف منهم.
([41])للعنه صلى الله عليه وسلم ((زوارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج)).
([42])أو على بناء عليه، لكونه وسيلة إلى الشرك، بل العكوف عنده شرك.
([43])لأنه بدعة، وكيف يجعل بيت المخلوق كبيت الخالق، وقد قال صلى الله عليه وسلم ((لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفًا إلا سويته)) فمن يصحح الوقف على البناء عليه، أو من يقيم عنده أو يخدمه، أو على وضع الستور عليه الذي هو أصل شرك العالم؟!.
وأما الكعبة المشرفة فأجمعوا على جواز وضع الستور عليها، وصحة الوقف على ذلك.
([44])ويأتي موضحا في بابه إن شاء الله تعالى.
([45])أي فلا يصح.
([46])أي سبيل الله، كما قال عمر: في سبيل الله، وابن السبيل... الخ.
([47])وعنه: ما سمعت بهذا، ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله.
([48])أي وجهه أن الوقف تمليك إما للرقبة أو المنفعة، وكلاهما لا يصح هنا.
([49])كبيعه من ماله لنفسه.
([50])وذلك في نحو ما إذا قال: على نفسي، ثم من بعدي على أولادي. لأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه.
([51])يكون على من بعده كموقوف جعل على من لا يجوز عليه، ثم على من يجوز عليه، فإن لم يذكر غير نفسه فملكه بحاله ويورث عنه، وعنه: يصح على نفسه واختاره جماعة، منهم شيخ الإسلام، وصححه ابن عقيل، وأبو المعالي وغيرهما، وصوبه في الإنصاف، وقال: العمل عليه في زمننا، وقبله من أزمنة متطاولة، وفيه مصلحة عظيمة، وترغيب في فعل الخير، وهو من محاسن المذهب.
([52])له يعني الواقف مدة حياته، أو مدة معينة صح الوقف، وقال ابن القيم: جائز بالسنة الصحيحة، والقياس الصحيح، وهو مذهب فقهاء الحديث، قال: والمانعون قالوا: يمنع كون الإنسان معطيا من نفسه لنفسه، فلا يصح وقفه على نفسه.
والمجيزون يقولون: أخرج الوقف لله، وجعل نفسه أحق المستحقين للمنفعة مدة حياته، يؤيده أنه لو وقف على جهة عامة جاز أن يكون كواحد منهم، كما وقف عثمان بئر رومة، وجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين، وكما يصلي في المسجد الذي وقف، وينتفع بالمقابر، ونحو ذلك.
([53])أو الانتفاع لنفسه، أو لأهله.
([54])أو اشترط أن يطعم صديقه منه مدة حياته، أو مدة معينة، صح الوقف والشرط.
([55])ولفظه: لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يطعم صديقا، غير متمول منه. وكان الوقف في يديه إلى أن مات، ثم ابنته حفصة، ثم ابنه عبد الله، رضي الله عنهم.
([56])وقال ابن القيم: هو اتفاق من الصحابة، فإن عمر رضي الله عنه كان يلي صدقته، وكذا الخلفاء وغيرهم، وهو قول الجمهور، ولأنه لو وقف وقفا عاما – كالمساجد، والقناطر، والمقابر – كان له الانتفاع به بلا نزاع، فكذا هاهنا.
([57])مما هو وقف على المسلمين، إلا أنه عُيَّنَ في نفع خاص لهم، والرباط حصن يرابط فيه الجيش، أو واحد الرباطات المبنية، الموقوفة للفقراء، والقنطرة هي الجسر، وهو أزج يبنى – بالآجر، أو الحجارة أو الأسمنت وغيرها – على الماء، يعبر عليه.
([58])من جهة كمسجد كذا، أو شخص كزيد.
([59])ويقتضي الدوام، ومن ملكه غير ثابت تجوز إزالته.
([60])لصدقه على كل رجل، وكل مسجد، فلا يصح.
([61])أي ولا يصح على مبهم، كعلى أحد هذين الرجلين، أو المسجدين ونحوهما، وقال الشيخ: هو شبيه بالوصية له، وفي الوصية للمبهم روايتان، مثل أن يوصي لأحد هذين، أو لجاره محمد وله جاران بهذا الاسم، ووقفه على المبهم مفرع على هبته وبيعه، وليس عن أحمد في هذا منع.
([62])ومدبر، وأم ولد، لأن الوقف تمليك، فلا يصح على من لا يملك، ولا على من لا يستقر ملكه.
([63])بفتح اللام، ولو عين، فقال: على جبرائيل أو ميكائيل.
([64])كأن يقول: داري التي يسكنها فلان؛ إذا مات وقف عليه. لم يصح.
([65])أصالة، وهو أن يقول: وقفت على ما في بطن هذه المرأة. واختار الشيخ صحته أصالة، وهو قول ابن عقيل وغيره.
([66])كعلى قبر فلان مخصوصًا به، فلا يصح الوقف على قبر، ولا على خدمته، لا أصالة ولا تبعا، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن البناء على القبور، واتخاذ المساجد والسرج عليها، فكيف بالوقف على العكوف عندها، والتبرك بها، بل ودعاء المقبورين، والالتجاء إليهم، فالوقف على ذلك إعانة على الشرك بالله.
وقال ابن القيم: الوقف على المشاهد باطل، وهو مال ضائع، فيصرف في مصالح المسلمين، فإن الوقف لا يصح إلا في قربة، وطاعة لله ورسوله، فلا يصح على مشهد، ولا قبر يسرج عليه، ويعظم، وينذر له، ويحج إليه ويعبد من دون الله، ويتخذ وثنًا من دون الله، وهذا مما لا يخالف فيه أحد من أئمة المسلمين ومن اتبع سبيلهم.
([67])أي له، أو من سيولد لفلان، فلا يصح أصالة.
([68])ويستحقه حمل موجود عند تأبير النخل، أو بدو صلاح الثمر، من حين موت أبيه ولو لم ينفصل، كما في الاختيارات وغيرها، وأما من قدم إلى موقوف عليه فقال الشيخ وغيره: يستحق بحصته من مغله، ومن جعله كالولد فقد أخطأ، وقال ابن عبد القوي: يستحق بقدر عمله في السنة من ريع الوقف في السنة، لئلا يفضي إلى أن يحضر الإنسان شهرا فيأخذ جميع الوقف، ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهور الثمرة فلا يستحق شيئًا، وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقاصدها.
([69])أي غير مؤقت، ولا معلق، ولا مشروط فيه خيار ونحوه.
([70])كهو وقف على كذا سنة ثم يرجع لي؛ أو شرط تحويله كعلى جهة كذا، ولي أن أحوله عنها؛ أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئت، بطل.
([71])أي ولا يصح الوقف معلقا، كإن شفى الله مريضي فهذا وقف؛ أو: إن قدم زيد. ونحو ذلك، قال الشارح: لا نعلم في هذا خلافًا. أو: على أن يولد لي ولد. لم يصح، إلا بالموت فيصح تعليقه به، ولأبي داود: أوصى عمر: إن حدث به حدث أن ثمغا صدقة، واشتهر ولم ينكر فكان إجماعًا، ويكون وقفا من حينه، وكسبه ونحوه للواقف وورثته إلى الموت، ويكون من ثلث المال، لأنه في حكم الوصية.
([72])بطل الوقف، لمنافاته مقتضى الوقف.
([73])وأنه لا يعلم خلافًا في بطلان الشرط، وذكر الفرق بين تعليقه بالموت أو على شرط في الحياة، وأنه لا يصح التسوية بينهما، قال: وإن شرط الخيار في الوقف فسد، نص عليه، وبه قال الشافعي، لأنه شرط ينافي مقتضى العقد، كما لو شرط متى شاء يبيعه.
([74])قال الشيخ: الذي عليه محققوا الفقهاء في مسألة الوقف على المعين، إذا لم يقبل أورد، أن ذلك ليس كالوقف المنقطع الابتداء، بل الوقف هنا صحيح قولا واحدا، ثم إن قبل الموقوف عليه وإلا انتقل إلى من بعده، كما لو مات، أو تعذر استحقاقه، لفوات فيه إذ الطبقة الثانية تتلقى من الوقف، لا من الموقوف عليه.
([75])أي ولا يشترط إخراجه عن يده، لخبر عمر، فإن وقفه كان بيده إلى أن مات.
([76])أي ولأن الوقف أيضًا تبرع يمنع البيع والهبة، فلزم بمجرد اللفظ، وزال ملكه عنه، فعلم من ذلك أن إخراجه عن يده ليس شرطا لصحته بطريق الأولى، وأما المساجد، والقناطر، والآبار ونحوها فتكفي التخلية بين الناس وبينها بلا خلاف.
([77])لما تقدم من أن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه، وإن لم يذكر له مآلا لم يصح، وكذا إن جعل له مآلا لا يصح الوقف عليه.
([78])بأن لم يقل: ثم هو على كذا من بعدهم. صح، لأنه معلوم المصرف، وهذا مذهب مالك، وأحد قولي الشافعي.
([79])أو قال: صدقة موقوفة؛ ولم يذكر سبيله صح، لأنه إزالة ملك على وجه القربة، فوجب أن يصح كالأضحية.
([80])فيما إذا قال: وقف على أولادي. ولم يذكر مآلا، وكذا إن وقف ولم يعين، فإن عين بأن قال: على ولدي. لم يدخل ولد زيد تبعا إذا مات أبوه، بل يكون لورثة الواقف وقفا.
([81])غنيهم وفقيرهم، لاستوائهم في القرابة، لأن الملك زال عنه بالوقف، فلا يعود ملكا لهم.
([82])أي لأن القصد به الثواب الجاري على الدوام.
([83])لقوله عليه الصلاة والسلام ((صدقتك على ذي رحمك صدقة وصلة)) وقوله ((إنك إن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس)) ولأنهم أولى الناس بصدقات النوافل والمفروضات، فكذا صدقته المنقولة، وذكروا ضابط الأول في الوقف المنقطع، إما على جميع الورثة، وإما على العصبة، وإما على المصالح، وإما على الفقراء والمساكين، وذكر ابن أبي موسى أنه إذا رجع
إلى جميع الورثة، يكون ملكًا بينهم على فرائض الله، بخلاف رجوعه إلى العصبة، قال الشيخ: وهذا أصح، وأشبه بكلام أحمد.
وقال: إذا وقف على الفقراء فأقارب الواقف أحق من الفقراء الأجانب، مع التساوي في الحاجة، وإذا قدر وجود فقير مضطر، كان دفع ضرورته واجبًا، وإذا لم تندفع إلا بتنقيص كفاية الواقف، من غير ضرورة تحصل لهم، تعين ذلك.
([84])أي فإن لم يكن للواقف أقارب صرف على الفقراء والمساكين وقفا عليهم.



  #5  
قديم 11 جمادى الآخرة 1431هـ/24-05-2010م, 06:54 PM
ريحانة الجنان ريحانة الجنان غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثاني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 133
افتراضي الشرح المختصر على متن زاد المستقنع للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

فتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ معَ الكِنايةِ أو اقترانِ أحَدِ الألفاظِ الْخَمسةِ أو حُكْمِ الوَقْفِ، ويُشْتَرَطُ فيه الْمَنفعةُ دائمًا من عينٍ يُنتفَعُ به معَ بَقاءِ عَينِه كعَقارٍ وحيوانٍ، ونحوِهما وأن يكونَ على بَرٍّ كالمساجِدِ والقناطرِ والمساكينِ والأقاربِ من مسلمٍ وذِمِّيٍّ، غيرَ حَرْبِيٍّ وكَنيسةٍ ونُسَخِ التوارةِ والإنجيلِ , وكُتُبِ زَنْدَقَةٍ.وكذا الوصِيَّةُ والوَقْفُ على نفسِه، ويُشترَطُ في غيرِ المسجدِ ونحوِه أن يكونَ على مُعَيَّنٍ يُمْلَكُ لا ملكٌ وحيوانٌ وقبرٌ وحَمْلٌ، لا قَبولُه ولا إخراجُه عن يدِه.

(1) لأﻧﻬا لفظ محتمل فلإزالة هذا الاحتمال اشترط اقتراﻧﻬا بأحد ثلاثة أمور : إما النية أي : نية الوقف فلو قال : مانويت الوقف لم يصر وقفًا , وإما اقتراﻧﻬا بأحد الألفاظ الخمسة الباقية من الصريح والكناية التي مر بياﻧﻬا قريبًا ، وإما اقتراﻧﻬا بحكم الوقف كقوله : تصدقت به صدقة لا تباع ولا تورث .
(2) فلا يصح وقف ما لا نفع فيه ، ولا ما نفعه غير دائم ، ولا وقف شيء غير معين كعبد ودار في الذمة ، ولا يصح وقف ما لا يبقى بعد الانتفاع به كالطعام ونحوه ،وقوله : ( كعقار وحيوان ) مثال لما تتوفر فيه الشروط .
(3) أي : إذا كان على جهة عامة لأن المقصود به التقرب إلى الله فإذا لم يكن على بر لم يحصل المقصود .
(4) أى : سواء كان القريب مسلماً أو كافراً ذمياً , لأن القريب الذمي موضع قربة ولأن صفية - رضي الله عنها - وقفت على أخ لها يهودي .
(5) فالكافر الحربي لا يصح الوقف عليه لأن الواجب قتله مع الإمكان والوقف يراد للبقاء .
(6) الكنيسة متعبد اليهود والنصارى .
(7) فلا يصح الوقف على هذه الأشياء ؛ لأنه إعانة على معصية .
(8) فلا تصح إلا فيما يصح الوقف عليه .
(9) أي : لا يصح الوقف على نفسه ؛ لأنه لا يجوز أن يملك نفسه من نفسهوالوقف تمليك .
(10) مما كان فيه الوقف على غير جهة .
(11) لأن هذه الأشياء لا تملك والوقف تمليك فلا يصح على مجهول .
(12) أي : لايشترط قبول الموقوف عليه ولو كان معينًا ولا يشترط إخراجه عن يد الواقف فيجوز بقاؤه بيده .


  #6  
قديم 23 ربيع الثاني 1432هـ/28-03-2011م, 11:29 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ مَعَ الكِنَايَةِ، أَوِ اقْتِرَانُ أَحَدِ الأَلْفَاظِ الخَمْسَةِ، أَوْ حُكْمِ الوَقْفِ.
قوله: «فتشترط النية مع الكناية، أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة، أو حكم الوقف» ، يعني أن الكناية لا يثبت بها الوقف إلا بواحد من أمور ثلاثة:
الأول: النية، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))، فإذا قال: تصدقت بسيارتي على فلان، ثم قال: إنه نوى أنها وقف عليه، فكلام المؤلف يدل على أنها تصير وقفاً، وأن المتصدَّق عليه لا يبيعها، ولا ينقل ملكها؛ لأنها وقف، لكن لو ادعى المتصدَّق عليه أنها ملك، فهنا تعارض شيئان: ظاهر اللفظ، وباطن النية، فهل نقول: إن الإنسان أعلم بنيته، وأنه يُرجع إليه؛ لأنه أخرج ملكه على هذا الوجه فلا يخرج إلا على هذا الوجه، أو نقول: إن هذه دعوى خلاف الظاهر، وهي ممكنة؛ لأنه ربما يندم على الصدقة بها، ويدعي أنها وقف حتى تكون حبيسة؟
هنا ينبغي أن يتدخل فيها القضاء، وينظر هل هذا الرجل أمين ـ بحيث يكون ما ادعاه من النية صدقاً ـ أو غير أمين؟ ويحكم بالقرائن.
وإذا قال: حرَّمت سيارتي، فهذا يحتمل أن المعنى حرمها أي: حلف ألا يركبها؛ لأن التحريم يمين، كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1، 2] ، فيحتمل أن يقال: حرَّمتها، أي: حرَّمت ركوبها والانتفاع بها، وحينئذٍ يكون ذلك يميناً، فإذا كفر كفارة يمين عاد واستعملها.
فإذا قال: حرَّمت سيارتي، ثم رأيناه يريد أن يبيعها، فهنا نقول له: هل أنت نويت الوقف أو لا؟ فإذا قال: لم أنوِ الوقف، قلنا: بعها وكفِّر كفارة يمين، وإذا قال: إنه نوى الوقف صارت وقفاً.
الثاني: قوله: «أو اقتران أحد الألفاظ الخمسة» ، وهي ثلاثة ألفاظ صرائح، وكنايتان غير الكناية التي هي الصيغة؛ لأن الألفاظ ثلاث صريحة، وثلاث كناية، فاقتران أحد الألفاظ الخمسة، يعني الصرائح الثلاث والثنتين من الكناية.
مثاله: أن يقول: تصدقت صدقة موقوفة على زيد، فهنا ينعقد الوقف؛ لأنه قرن مع «تصدقت» أحد ألفاظ الوقف الخمسة وهي قوله: «موقوفة» . ولو قال: حرمت هذا تحريماً مؤبداً على زيد، فينعقد الوقف؛ لأنه قرنه بالتأبيد حيث قال: «تحريماً مؤبداً» .
ولو قال: أبدت هذا على زيد صدقة، فينعقد الوقف؛ لأنه اقترن به أحد الألفاظ الخمسة وهي «صدقة» .
الثالث: قوله: «أو حكم الوقف» ، يعني يقترن بها حكم الوقف، ومن أحكام الوقف أنه لا يباع، فإذا قال: تصدقت بهذا على زيد صدقة لا تباع، صار وقفاً، ولو قال: تصدقت على زيد صدقة، فلا يكون وقفاً؛ لأن المؤلف يقول: «أو حكم الوقف» .
وقوله: «أو حكم الوقف» كان الأولى أن يقول: «أو بما يدل على الوقف»؛ لأنه أعم.
فمثلاً إذا قال: صدقة لا تباع، فهذا اقترن به حكم الوقف بأنه لا يباع، أو صدقة لا ترهن كذلك، وما يدل عليه كما لو قال: تصدقت بهذا على زيد ومن بعده عمرو، فهذا ليس فيه حكم الوقف، لكن فيه ما يدل على الوقف، وهو أنه جعله مرتباً، إذ أن الصدقة المحضة إذا تصدق بها على زيد لم تنتقل إلى غيره، وإذا قال: تصدقت به على فلان والناظر فلان، فهذا وقف أيضاً؛ لأن النظر إنما يكون في الأوقاف، فالتعبير بقوله: أو ما يدل على الوقف، أولى من قوله: (من حكم الوقف) لأن حكم الوقف غير شامل.
ولم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ شروط الواقف، فيقال: يشترط في الواقف أن يكون عاقلاً، فلو قال المجنون: وقفت بيتي فإن الوقف لا يصح.
ويشترط أن يكون بالغاً، فلو قال مراهق: وقفت بيتي لطلبة العلم فلا يصح الوقف؛ لأنه غير بالغ.
وهل يشترط أن يكون جائز التبرع، بمعنى أنه ليس عليه دينٌ يستغرق مالَهُ؟ في هذا خلاف بين العلماء، وهو مبني على جواز تصرف من عليه دين، فإن قلنا بجواز تصرف من عليه دين يستغرق ماله، قلنا بجواز الوقف، وإن لم نقل ذلك قلنا: لا يصح وقفه.
والصحيح أنه لا يصح تبرعه؛ لأن من عليه دينٌ يستغرق ماله فقد شغله بالدين، وقضاء الدين واجب، والتبرع والصدقة مستحب، فلا يمكن أن نسقط واجباً بمستحب، فالصحيح أنه لا يصح منه الوقف والعتق ولا يجوز له أن يتصدق، أما المذهب فيجوز إلا إذا حُجر عليه من قبل القاضي، فإنه لا يصح أن يتبرع.
ويشترط أن يكون جائز التصرف من باب أولى، فلو كان بالغاً عاقلاً لكنه سفيه لا يحسن التصرف في ماله فإنه لا يصح وقفه؛ لأنه ليس جائز التصرف، فإن كان لا يصح أن يبيع ماله فتبرعه به من باب أولى ألا يجوز، وأما شروط الوقف فقال:

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ المَنْفَعَةُ دَائِماً مِنْ مُعَيَّنٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَعَقَارٍ وَحَيَوَانٍ وَنَحْوِهِمَا،
«ويشترط فيه المنفعة» ، يعني يشترط للوقف شروط: أولاً: أن يكون فيه منفعة، فأما ما لا منفعة فيه فإنه لا يصح وقفه كما لا يصح بيعه، وأي شيء يستفيد الموقوف عليه من شيء لا منفعة فيه؟! كما لو أوقف حماراً هرماً، فهذا لا منفعة فيه؛ لأنه لا يركب ولا يحمل عليه، وإنما يؤذي بنفقته، فهذا لا يصح فيه الوقف؛ لأنه ليس فيه منفعة.
قوله: «دائماً» ، كذلك ـ أيضاً ـ لا بد أن تكون المنفعة دائمة، فإن كان من معيَّن فيه منفعة مؤقتة فإنه لا يصح وقفه.
مثال ذلك: رجل استأجر بيتاً لمدة عشر سنوات، ثم أوقف هذا البيت على شخص، فالوقف هنا لا يصح؛ لأن المنفعة غير دائمة، المنفعة مدة الإجارة فقط، ولأنه في الإجارة لا يملك المستأجر إلا المنفعة ولا يملك العين.
وهل يصح وقف عَبْدٍ حُكِمَ عليه بالسجن، ثم القتل بعد شهر مثلاً، أو لا يصح؟
الجواب: يصح؛ لأن منفعته الولاء؛ لأنه إذا أوقفه ثم أعتقه الموقوف عليه، وقلنا بصحته فله الولاء.
قوله: «من معيَّن» ، ضده المبهم، فلا يصح وقفه، مثل أن يقول: وقفت أحدَ بيتي، فهذا لا يصح؛ لأنه مبهم غير معين.
وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن تكون القيم متساوية أو غير متساوية؛ لأنه لم يعينه، والصحيح أنه إذا كانت متساوية فإنه يثبت الوقف.
مثال ذلك: إنسان عنده شقق متساوية من كل وجه، فقال: وقفت إحدى شققي على فلان، فهنا لا مانع؛ أولاً: لأنه عقد تبرع، والتبرع يتسامح فيه ما لا يتسامح في غيره.
ثانياً: أن القيم متساوية، فلا فرق بين اليمين أو الشمال، وكما أنه أحد القولين في مسألة البيع ـ وهو معاوضة مبنية على المشاحة ـ أنه إذا تساوت القيم جاز بيع المبهم، بأن يقول: بعت عليك إحدى هاتين السيارتين.
وقوله: «من معين» ظاهر كلامه أنه لا يصح وقف ما ليس بمعين، يعني ما لم تثبت عينه.
مثال ذلك: إنسان اشترى من شخص سيارة موصوفة، صفتها كذا وكذا، ثم أراد أن يوقفها، فهذه لا يصح وقفها؛ لأنها دين في الذمة غير معينة.
وظاهر كلام المؤلف: أنه لا يشترط أن يكون معلوماً، فلو وقف أحد عقاراته بدون أن يعلمه فإنه يصح وقفه؛ لأن هذا معين، والمذهب أنه لا يصح؛ لأنه مجهول، وإذا كان مجهولاً فإنه قد يكون أكثر مما قد يتصوره الواقف، والراجح صحة هذا؛ لأنه لم يجبر على الوقف؛ وليس الوقف مغالبة حتى يقول: خدعت أو غلبت؛ بل الوقف تبرع أخرجه الإنسان لله تعالى، كما لو تصدّق بدراهم بلا عدٍّ فتصح وتنفذ ولا يصح الرجوع فيها؛ لأنه تصدَّق وتبرَّع؛ فلهذا كان الراجح أنه يصح وقف المعيّن وإن كان مجهولاً؛ لأنه تبرّع محض إذا أمضاه الإنسان نفذ.
قوله: «ينتفع به» ، أي: بهذا المعين.
قوله: «مع بقاء عينه» ، هذا هو الشرط المهم هنا، فإن كان لا يمكن أن ينتفع به إلا بتلف عينه فإنه لا يصح وقفه؛ لأن الوقف حبس الأصل وتسبيل المنفعة، فلو وقف جراب تمر على الفقراء فإنه لا يصح؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا بتلف عينه؛ لأن الفقراء سوف يأكلونه وإذا أكلوه لم تبق عينه، فلا بد أن يكون من معيَّن يُنتفع به مع بقاء عينه.
ولو وقف خبزاً على الفقراء فلا يصح؛ لأنه لا يمكن أن يُنتفع به مع بقاء عينه.
واستثنوا من هذا الماء، فقالوا: إن وقفه يصح؛ لأنه ورد عن السلف، فيجوز أن يوقف هذه القربة على العِطَاش من المسلمين، فيقال: إن وروده عن السلف يدل على جواز مثله إذ لا وجه لاستثنائه.
فالصواب أنه يجوز وقف الشيء الذي لا ينتفع به إلا بتلفه، فإذا قال: هذا الجراب من التمر وقف على الفقراء، قلنا: جزاك الله خيراً، وقبل منك، وهو بمنزلة الصدقة.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وهو الصواب، أنه يجوز وقف الشيء الذي ينتفع به مع تلف عينه.
فإن وقف دراهم للقرض، وقال: هذه وقف لإقراض المحتاجين، فهل يصح أو لا يصح؟ على المذهب لا يصح؛ لأنه لا يمكن أن ينتفع بالدراهم إلا بتلفها، يأخذها المستقرض ويشتري بها حاجاته فتتلف.
والصحيح أن هذا جائز؛ لأنه إذا جاز وقف المعين الذي يتلف بالانتفاع به، فوقف مثل هذا من باب أولى؛ لأنه إذا استقرضه سيرد بدله ويكون دائماً.
إذاً الصواب جواز وقف الدراهم لإقراضها المحتاجين، ولا حرج في هذا، ولا دليل على المنع، والمقصود إسداء الخير إلى الغير.
قوله: «كعقار» ، مثل الدور والدكاكين والأراضي التي تزرع أو تستأجر أحواشاً أو مستودعات، فهذه يجوز أن يوقفها.
قوله: «وحيوان» ، الحيوان ينتفع به؛ لأنه إن كان مركوباً فبركوبه، وإن كان محلوباً فبحلبه، والحيوان يمكن أن ينتفع به مع بقاء عينه، فإن قال: وقفت هذه الشاة لِتُطْعَم للفقراء، فهل يصح أو لا يصح؟ على المذهب لا يصح؛ لأنه قيَّده بما يمكن الانتفاع به مع بقائه، فهو كما لو وقف التمر والأرز والبر وما أشبهه.
قوله: «ونحوهما» في الوقت الحاضر مثل السيارات، فيصح وقفها، وكذا الأقلام؛ لأنها تستعمل مع بقاء عينها، لكن الأقلام التي تستهلك مثل الرصاص، قد نقول: إن الرصاص الذي فيها بمنزلة المداد فيصح وقفها، وقد نقول: إن المقصود من هذا القلم هو الرصاصة التي فيه، ولا يمكن الانتفاع به إلا بتلفها، فلا يصح على المذهب.
ومن ذلك ـ أيضاً ـ الأقلام السابقة، فقد كانت الأقلام فيما سبق من أغصان الشجر اليابسة، تؤخذ وتُبْرَى بمبراة ويكتب بها ـ وقد أدركنا هذا ـ فهذه لا بد أن تتآكل، مثل أعواد الأراك فإنها تتآكل، فالظاهر أنه على قاعدة المذهب لا يصح، ولكن قد يقال بالصحة؛ لأن استهلاكها يسير والانتفاع بها يطول، وليست كالأكل، مثل التمر والبر وما أشبه ذلك.
فهذا الشرط الأول يشتمل على أكثر من شرط، فلا بد أن يكون فيه منفعة، وأن تكون دائمة، وأن يكون معيَّناً، وأن ينتفع به مع بقاء عينه، فهو شرط واحد يشتمل على أربعة شروط.

وَأَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ كَالمَسَاجِدِ وَالقَنَاطِرِ والمَسَاكِينِ والأَقَارِبِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ...
قوله: «وأن يكون على بِرٍّ» ، هذا هو الشرط الثاني أن يكون على بِرٍّ، قال الإمام أحمد: لا أعرف الوقف إلا ما أريد به وجه الله، ولأن عمر ـ رضي الله عنه ـ أراد بوقفه التقرب إلى الله.
وهذا الشرط فيه تفصيل، فإن كان على جهة عامة فإنه يشترط أن يكون على بر، وإن كان على معين فإنه لا يشترط أن يكون على بِرٍّ، لكن يشترط ألا يكون على إثم، والفرق بين هذا وهذا يظهر بالمثال، فمثال الجهة العامة:
قوله: «كالمساجد» ، فلو عَمَرَ الإنسان مسجداً وأوقفه، فهذا على بِرٍّ، إلا إذا عمر مسجداً على قبر فهنا يحرم ولا يصح؛ لأن هذا ليس ببر، بل هو إثم.
أو بنى مسجداً من أجل أن تقام فيه البدع، فهذا ـ أيضاً ـ لا يصح؛ لأنه ليس على بر، فمراده بالمساجد، أي: التي على بر وتقوى.
فإن كان الوقف على مسجد معيَّن تعين فيه، ولا يجوز صرفه إلى غيره، وإن كان على المساجد عموماً وجب على الناظر أن يبدأ بالأحق فالأحق، سواء كانت هذه الأحقية عائدة إلى ذات المسجد أو إلى المصلين فيه.
قوله: «والقناطر» جمع قنطرة وهي الجسر على الماء للعبور عليها، فلو بنى قنطرة على نهر فهنا يصح أن يوقفها؛ لأنها على بر، ويصح أن يؤجرها لأنها ملكه.
فإذا قال قائل: القناطر يمشي عليها المسلم والكافر، فما الجواب؟
نقول: العبرة بالقصد، وهذا قصد البر، والكافر الذي يعبر عليها، إما أن يكون ممن تحل له الصدقة، وإما أن يكون ممن لا تحل له الصدقة، لكن يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
قوله: «والمساكين» ، المساكين جهة بر؛ لأنهم في حاجة، فإذا وقف هذا البيت على المساكين، فهذه جهة بر، ويقدم الأحوج فالأحوج؛ لأن الحكم إذا علق بوصف ازداد قوة بحسب قوة الوصف فيه.
قوله: «والأقارب» أيضاً الأقارب نفعهم بر؛ لأنه من الصلة، فإذا قال: هذا وقف على أقاربي ـ ولو كانوا غير مسلمين ـ صح الوقف؛ لأن صلة القرابة من البر، والأقارب من الجد الرابع فنازل، فالإخوان والأعمام وأعمام الأب وأعمام الجد وأعمام جد أبيك فهؤلاء أقارب، ومن فوق الجد الرابع فليسوا بأقارب، وإن كان فيهم قرابة لكن لا يُعَدُّون من الأقارب الأدْنَيْن، ولهذا لما أنزل الله: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ *} [الشعراء] ، لم يدع النبي صلّى الله عليه وسلّم كل قريب، بل دعى من شاركوه في الأب الرابع فما دون.
والوصف هنا القرابة، فيقدم الأقرب، إلا إذا علمنا أن مراد الواقف دفع الحاجة دون الصلة، فيقدم الأحوج ولو بَعُد.
قوله: «من مسلم وذمي» ، يعني سواء كان القريب مسلماً أو كان ذمياً، أو معاهداً؛ لأن المعاهد والمُسْتأمِن والذمي كلهم معصومون، والصدقة عليهم جائزة، ولأن وصف القرابة ينطبق عليهم جميعاً وإن كانوا مخالفين في الدين، فإذا قال: هذا وقف على فلان، وهو ذمي، فلا بأس ولو كان كافراً؛ لأن الله يقول: {لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] .
وقوله: «من مسلم وذمي» ، كأن المؤلف أسقط المعاهد والمستأمن؛ لأن العهد لا يدوم، وكذلك الأمان لا يدوم، بخلاف عقد الذمة فالأصل فيه الدوام.

غَيْرَ حَرْبِيٍّ وَكَنِيسَةٍ وَنَسْخِ التَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ وَكُتُبِ زَنْدَقَةٍ ........
قوله: «غير حربي» ، الاستثناء هنا منقطع؛ لأن الحربي ليس من الذمي في شيء، فالحربي هو الكافر الذي ليس بيننا وبينه ذمة ولا عهد ولا أمان، يعني لا يصح الوقف على حربي، ولا على مرتد؛ لأن هؤلاء ليس لهم حرمة، ولا يُرَادون للبقاء، فإذا كان من شرط الوقف أن يكون الموقوف ذا بقاء، فالموقوف عليه من باب أولى، فهؤلاء ـ أي: الحربي والمرتد ـ الواجب قتلهم، إلا أن يسلموا، فإذا قال: هذا وقف على أخي، وأخوه حربي، فالوقف غير صحيح.
وإذا قال: هذا وقف على أخي، وأخوه لا يصلي فإنه لا يصح الوقف؛ لأنه إذا كان على معين فيشترط ألا يكون فيه إثم.
قوله: «وكنيسة» وهي متعبَّد النصارى، يعني بمنزلة المساجد للمسلمين، والبيعة لليهود، والصومعة للرهبان، فإذا وقف على الكنيسة فإن الوقف لا يصح، فَدُورُ الكُفْرِ لا يصح الوقف عليها لقوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] .
وظاهر كلام المؤلف سواء كان المُوقِف مسلماً أو نصرانياً؛ لأنه إن كان مسلماً فالأمر ظاهر، وإن كان نصرانياً، فالحكم بصحة الوقف إعانة لهم على الإثم، ولا يحل، فإذا وقف النصراني على الكنيسة أبطلنا الوقف؛ لأن هذه جهة، والجهة لا بد أن تكون على بر.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا كان الذي أوقف على الكنيسة نصرانياً فإن الوقف يصح؛ لأنهم يدينون لله تعالى ـ وإن كان دينهم باطلاً ـ ببناء الكنائس والإنفاق عليها، ونحن نقرهم على دينهم، والمال ليس مالنا حتى نقول: لا يمكن أن يصرف مال المسلم في معابد الشرك، فالمال ماله هو، وهذا ليس ببعيد إذا لم يتحاكموا إلينا، فإن تحاكموا إلينا وجب الحكم بينهم بما أنزل الله.
قوله: «ونَسْخِ التوراة والإنجيل» ، يعني لا يجوز الوقف على نسخ التوراة، فلو أوقف مالاً لنسخ القرآن الكريم، ومالاً لنسخ التوراة، ومالاً لنسخ الإنجيل، فالأول يصح؛ لأنه قربة، والثاني والثالث لا يصح؛ لأن هذه الكتب كتب محرفة من حيث ذاتها، منسوخة من حيث أحكامها، فلا يعتمد عليها إطلاقاً، وما فيها من حق فقد تضمنته الشريعة الإسلامية.
فلا يجوز لأحد أن ينسخ التوراة أو الإنجيل أو يقرأها أو يوزعها؛ لأن فيما أنزل الله علينا كفاية؛ ولأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فربما يزيِّن له شيئاً من التوراة والإنجيل يصده عن القرآن.
وهل يجوز للنصراني ـ مثلاً ـ أن يوقف شيئاً لنسخ الإنجيل؟ فيه تفصيل إن كان على نسخ ونشر فإننا نمنعه، وإن كان على نسخه لينتفع به النصارى فقط، فقد يقال: لا بأس به، على أن في نفسي منه شيئاً؛ لأنه يمكن أن يوزع على الناس، فخطره أعظم من تعمير الكنيسة، وقد يقال بالمنع.
قوله: «وكتب زندقة» ككتب الشيوعية، أو كتب البدع المكفرة أو المفسقة، فلا يجوز الوقف عليها، فلو أوقف إنسان شيئاً على مؤلفات الزنادقة، فإنه لا يصح الوقف؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان.
فإذا وقف الشيوعي على نشر كتب الشيوعية، فهل نقول: هذا كإيقاف النصراني على نسخ الإنجيل؟ لا؛ لأن النصراني له شبهة، فالإنجيل مُنزل من عند الله، لكنه محرف ومنسوخ، بخلاف الشيوعي فكتب الشيوعية كتب ضلال وإلحاد، وليست من عند الله، فيمنع من إثبات الأوقاف فيها والعمل بها مطلقاً، وكذلك كتب البدع يمنع، فلا يوقف أي شيء في بلاد الإسلام على نسخ كتب البدع.
الخلاصة : أنه إذا كان الوقف على جهة فلا بد أن يكون على بر، وإذا كان على معين فلا يشترط أن يكون على بر؛ لأنه قد يقصد منفعة هذا المعين بعينه، لا التقرب إلى الله عزّ وجل، لكن يشترط ألا يكون فيه إثم، فإذا كان على إثم فلا يصح، ولنضرب لهذا أمثلة:
وقف على المساكين يصح؛ لأنه بر.
وقف على الأغنياء، لا يصح؛ لأن هذه جهة، والجهة لا بد أن يكون الوقف فيها على بر، والأغنياء ليسوا أهلاً للصدقة.
وقف على ضارب الدفوف، فيه تفصيل: إذا كان على ضاربات الدفوف في العرس، فهذا يجوز؛ لأنه قربة، ويسن إعلان النكاح والدف فيه للنساء.
وإذا كان على لاعبي الكرة، فهذا لا يصح؛ لأن هذه جهة، ولا بد أن تكون على بر، وهذا ليس ببر.
ولو وقف على فلان اليهودي فهذا يصح؛ لأنه على معين.
ولو وقف على نصراني معين، فهذا يصح؛ لأن هذا مما لم ننه عن بره، والوقف بر وليس فيه نهي، فالواقف لم يرتكب ما نهى الله عنه، ولم يصدق عليه أنه عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الله قد أذن في ذلك.
ولو وقف على داعية للنصرانية؛ فهذا لا يصح؛ لأن هذا معناه تشجيع هذا الرجل على باطله، ومن باب أولى أن يوقف على الكنائس والصوامع والبيع، وما أشبه ذلك.

وَكَذَا الوَصِيَّةُ وَالوَقْفُ عَلَى نَفْسِهِ، .....
قوله: «وكذا الوصية» ، يعني أن الوصية لا تصح على جهة عامة إلا أن تكون على بر، أما إذا كانت على جهة معينة كشخص معين، فلا بأس ألا تكون على بر، لكن لا يجوز أن تكون على إثم.
والفرق بين الوصية والوقف:
أولاً: أن الوقف عقد ناجز، فإذا قال الرجل: وقفت بيتي، أو وقفت سيارتي، أو وقفت كتبي، فيكون وقفاً في الحال.
والوصية تكون بعد الموت، فيقول مثلاً: أوصيت بداري للفقراء.
ثانياً: أن الوقف ينفذ من جميع المال، فلو وقف جميع ماله نفذ، إلا أن يكون في مرض موته المخوف.
والوصية لا تكون إلا من الثلث فأقل، ولغير وارث، وما زاد على ذلك، أو كان لوارث، فلا بد من موافقة الورثة على هذه الوصية.
فلو قال: أوصيت ببيتي لفلان، ثم توفي، وحصرنا تركته بعد موته فوجدنا أن هذا البيت أكثر من الثلث، فالذي ينفذ من البيت ما يقابل الثلث فقط، فإذا كان هذا البيت النصف فإنه ينفذ منه ثلثاه؛ لأن ثلثي النصف بالنسبة للكل ثلث.
لكن لو أجاز الورثة وقالوا: ليس عندنا مانع، فإن ذلك لا بأس به، وهذه هي قاعدة المذهب، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام عليها، وتحريرها.
قوله: «والوقف على نفسه» يعني لا يصح، بأن يقول: وقفت على نفسي بيتي الفلاني، قال الإمام أحمد: لا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله.
والمُوقف على نفسه لم يصنع شيئاً؛ لأنه أخرج ملكه إلى ملكه، فما الفائدة؟
فإن قالوا: الفائدة ألا يبيعه؛ لأن الوقف لا يجوز بيعه، قلنا: ومن الذي يجبره على بيعه؟! يبقيه حراً غير وقف ولا يبيعه.
فإن قال: أخشى أن تغلبني نفسي على بيعه، فأوقفه على نفسي، فهنا تكون الفائدة، فإذا كان الإنسان يخشى على نفسه أن يبيع بيته فأوقفه على نفسه خوفاً من ذلك، فهذه فائدة، ولا شك أن لها وزناً وقيمة؛ ولذلك اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ هل يصح أن يقف الإنسان على نفسه أو لا؟
فالمذهب: أنه لا يصح، وعليه فيرجع الوقف إليه ملكاً؛ لعدم صحته، فيجعل عقد الوقف وعدمه سواء.
ولكن إذا وقفه على نفسه ثم ذكر أحداً بعد نفسه انتقل إليهم في الحال، مثل أن يقول: هذا وقف على نفسي، ومِنْ بَعْدِي على أولاد فلان، فنقول: ينتقل في الحال إلى أولاد فلان، ولا يصح أن يقف على نفسه، ومثل ذلك لو وَقَّف على نفسه ثم طلبة العلم، انتقل مباشرة إلى طلبة العلم.
أما إذا لم يذكر أحداً بعده، بأن قال: وقفت هذا على نفسي، وسكت، فالوقف لا يصح ويبقى ملكاً حراً غير وقف؛ لأن هذا الوقف لم يصح، ولم يُذكر له مآل يُصرف إليه، فيرجع إلى الواقف.
والحقيقة أن قولهم: إنه يصرف إلى من بعده وقفاً، يؤيد القول بأن الوقف على النفس صحيح؛ لأننا إذا قلنا: إنه لا يصح وجب ألا يصح، ولا يصرف إلى من بعده، إذ كيف يصرف إلى من بعده وهو لم يكن وقفاً صحيحاً؟!
والقول الثاني: أنه يصح الوقف على النفس، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ، وجماعة من العلماء المحققين؛ لأن الوقف على النفس فيه فائدة، وهي الامتناع من التصرف فيه، فلا يبيعه ولا يهبه ولا يرهنه، وأنه إذا مات صرف مصرف الوقف المنقطع، ولم يكن ميراثاً للورثة.
ولكن لو فعل هذا تحيلاً لإسقاط حق الغرماء، مثل أن يكون رجلاً مديناً، فأوقف بيته على نفسه لئلا يُباع في دَينه، فالوقف هنا غير صحيح، حتى لو فرض أنه وقفه على غير نفسه حيلة ألا يباع في الدَّين، فإنه لا يصح الوقف، وهذا هو القول الراجح أن الإنسان الذي عليه دَين يستغرق ماله، فإنه إذا أوقف شيئاً من ماله لا يصح؛ لأن ماله الآن تعلق به حق الغرماء؛ ولأن وفاء الدين واجب والوقف سنة، ولا يمكن أن تقوى سنة على إسقاط واجب.
ولكن لو وقف وقفاً معلقاً بصفة، واتصف الواقف بهذه الصفة، مثل أن يقول: هذا وقف على طلبة العلم أو الفقراء، ثم أصبح الواقف طالبَ علم أو فقيراً فإنه يصح؛ لأنه لم يوقفه على نفسه ابتداءً.

وَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ المَسْجِدِ وَنَحْوِهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ لا مَلَكٍ وَحَيَوَانٍ وَحَمْلٍ وَقَبْرٍ لا قَبُولُهُ وَلاَ إِخْرَاجُهُ عَنْ يَدِهِ.
قوله: «ويشترط في غير المسجد ونحوه أن يكون على معيَّن يَملِك» ، هذا هو الشرط الثالث، فيشترط أن يكون على معيَّن يَملِك.
وقوله: «في غير المسجد» مثل المكتبة، أو الكتب، وما أشبه ذلك.
وقوله: «ونحوه» يريد به الجهات العامة، كالفقراء وطلبة العلم والمجاهدين وما أشبه ذلك، فإذا كان على جهة فإنه لا يشترط في الموقوف عليه أن يكون معيناً يملك فيشترط في غير الجهة أن يكون على معين يملك، فإذا أوقف هذا البيت على مسجد يصرف ريعه في مصالح المسجد، فهذا معين لكنه لا يملك، وإذا أوقف على الفقراء، فهو غير معين ولكنه يملك، ونحن نشترط أن يكون على معين ويملك.
فصار الوقف على جهة لا تملك لا بأس به، والوقف على جهة عامة ولو كانت تملك لا بأس به.
وقوله: «أن يكون على معين» ضده المبهم، فإذا قال: هذا وقف على زيد أو عمرو، أو على أحد هذين الرجلين، فالوقف غير صحيح؛ لأنه غير معين، ولا ندري من هو الذي له الوقف من هذين.
وقال بعض العلماء: يصح ويخرج أحدهما بقرعة؛ لأن هذا أقرب إلى مقصود الواقف، إذ إن الواقف يريد أن يبر أحد هذين ولكن لا يدري أيهما أصلح، وهذا القول أقرب للصواب اتباعاً لمقصود الواقف، فالواقف أخرج هذا عن ملكه ولا يريده، لكن أشكل عليه هذا أو هذا، فقال: هو وقف على أحد هذين الرجلين إما فلان وإما فلان، فهنا يخرج بقرعة.
لكن لو قال: إما فلان، وإما فلان، والنظر لفلان الثالث، فهنا نقول لفلان الناظر: أعطه من ترى أنه أصلح، فإذا كان أحدهما أشد حاجة، أو أشد طلباً للعلم، أو ما أشبه ذلك فلا حرج أن يُعْطى إياه؛ لأننا نعلم أن مقصود الواقف هو البر والإحسان.
ولا بد أن يكون المعين يملك، فإن كان على معين لا يملك لم يصح، مثاله:
قوله: «لا مَلَكٍ» ، فلو وقف على مَلَك معيَّن، كجبريل مثلاً، قال: هذا وقف على جبريل ـ عليه السلام ـ؛ لأنه أمين الله على وحيه، فهذا لا يصح؛ لأنه لا يملك، وإذا كان لا يملك فلا يصح.
قوله: «وحيوان» ، مثل أن يقول: هذا وقف على فرس فلان، فهذا لا يجوز؛ لأن الفرس لا يملك، أما لو قال: على خيول الجهاد، فهذه جهة وليست بمعين، فيصح؛ لأنها عامة، وكلامنا على المعين فلا بد أن يكون ممن يملك، لكن لو تأملت مقصود الواقف حينما قال: هذا وقف على الفرس الفلاني، وهو يريد أن ينفع هذا الفرس؛ لأنه يقاتل عليه في سبيل الله، فهنا يصح على ما نراه.
فالقول الثاني في الحيوان: أنه إذا كان هذا الحيوان مما ينتفع به في الدِّين، أو له عمل بر، فلا بأس أن يوقف عليه، ويصرف في مصالحه في رعيه، أو في بناء حجرة له في الشتاء أو في الصيف أو ما أشبه ذلك، فإن استغنى عنه صرف فيما يشابهه.
قوله: «وحمل» ، كذلك لا يصح الوقف على الحمل في البطن، مثل أن يقول: هذا وقف على ما في بطن هذه المرأة، فهنا لا يصح؛ لأن الحمل لا يملك، وإذا كان لا يملك الإرث مع قوة نفوذه فهنا من باب أولى، وإذا كان لا يملك فإنه لا يصح الوقف عليه، لكن يصح عليه تبعاً، كما لو قال: على فلان ومن يولد له فلا بأس، وأما استقلالاً فلا؛ وذلك لأن الحمل لا يملك.
ولو ذهب ذاهب إلى صحة الوقف على الحمل أصالة لم يكن بعيداً، ونقول: إن خرج هذا الحمل حيًّا حياة مستقرة استحق الوقف، وإلا بطل الوقف ما لم يذكر له مآلاً.
مثال ذلك: رجل قال: هذا وقف على ما في بطن زوجة ابني، فما المانع من الصحة؟! فيقال: إذا وضعت طفلاً حيًّا حياة مستقرة صار الوقف له، وإلا بأن وضعت ميتاً بطل الوقف، إلا أن يذكر له مآلاً، مثل أن يقول: هذا وقف على ما في بطن زوجة ابني ثم المساكين، فإنه ينتقل إلى المساكين إذا خرج الحمل ميتاً، فلو قال أحد بهذا لكان قولاً وجيهاً.
قوله: «وقبر» ، فلو وقف على القبر فالوقف غير صحيح؛ لأن القبر لا يملك، ولأنه وسيلة إلى المحرم؛ لأنه لا ينتفع القبر بهذا، فإذا قال: أنا لا أريد أن أُزَوِّقَ القبر، أو أعلق عليه السرج أو ما أشبه ذلك، لكن أريد إذا انخسف أن يجدد؛ لأنه في بعض الأحيان تكثر الأمطار، وتنزل إلى اللبن الموضوع على اللحد ثم ينخسف القبر، فيحتاج إلى ترميم، فإننا نقول: لا يجوز حتى في هذه الحال؛ لأن هذه حال نادرة، فلا تصح.
فإذا قال قائل: إذا كان القبر قبرَ وَلِيٍّ له سدنة وله خدم وله زوار، فإننا نقول: هذا لا يصح من باب أولى؛ لأنه وسيلة إلى الشرك، وقد يكون شركاً أكبر لمن يزورونه.
قوله: «لا قبوله» ، يعني لا يشترط في الوقف على معين أن يقبله ذلك المعين، ولا في الوقف على جهة أن يقبله الولي على تلك الجهة، أو جميع أفراد هذه الجهة، فلا يمكن أن نحيط بجميع الفقراء ونسألهم هل يقبلون أو لا؟
فإذا قال: هذا البيت وقف على فلان، وقال فلان: أنا لا أريده، نقول: الوقف الآن نفذ ويصرف إلى من بعده إن ذكر له مآلاً، وإلا صرف مصرف الوقف المنقطع، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ بيان لمن يكون الوقف إذا انقطع من يستحقونه.
وقوله: «لا قبوله» ، نص على نفي كون القبول شرطاً؛ لأن من العلماء من قال: إن الوقف على معين يشترط قبول المعين له، وهذا القول جيد؛ لأننا كيف نلزم الشخص أن يُدخل ملكه هذا الشيء بدون رضاه؟!
فإذا قال: أنا لا أقبل، كما لا أقبل أن تهدي لي هدية، أو تهب لي هبة، لا أقبل أن توقف علي شيئاً، فالقول بأنه لا بد من قبول المعين إذا وُقِفَ عليه الوقف قول قوي، أقوى من القول بعدم اشتراطه.
قوله: «ولا إخراجه عن يده» ، يعني ولا يشترط إخراج الوقف عن يد الواقف، فلو وقف البيت وبقيت يده عليه، فالوقف يخرج عن ملكه وإن لم يخرج عن يده، ولهذا لو أن إنساناً وضع دراهم في جيبه على أنها صدقة، ثم بدا له ألا يتصدق، فهذا يجوز ولا بأس به، فهي ما دامت في يدك إن شئت أمضيتها وإن شئت رددتها، لكن الوقف إذا وقف نفذ ولو كان تحت سيطرته وتحت يده.
فالشروط التي ذكرها المؤلف ـ رحمه الله ـ هي:
الأول: دوام المنفعة، فلا يصح توقيف العين التي تتلف بالانتفاع بها.
الثاني: أن يكون الموقوف معيَّناً، فلا يصح: وقفت أحد هذين البيتين.
الثالث: أن يكون على بر، إذا كان على جهة عامة.
الرابع: أن يكون على معين يملك.
الخامس: قبوله على قول من يرى أنه يشترط قبوله، أما على القول الثاني فليس بشرط.



[1] أخرجه البخاري في بدء الوحي/ باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (1)؛ ومسلم في الإمارة/ باب قوله ((إنما الأعمال بالنيات)) (1907) عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ.
[2] من ذلك ما رواه الترمذي في المناقب/ باب في مناقب عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ (3699) «أنه اشترى بئر رومة على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعلها للغني والفقير وابن السبيل»، قال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب، وفي رواية النسائي في الجهاد/ باب فضل من جهز غازياً (6/146) أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له: ((اجعلها سقاية للمسلمين، وأجرها لك))، وأصل الحديث في البخاري في الوصايا/ باب إذا وقف أرضاً أو بئراً أو اشترط لنفسه مثل ولاء المسلمين (2778).
[3] سبق تخريجه ص(6).
[4] أخرجه البخاري في الوصايا/ باب هل يدخل النساء والولد في الأقارب (2753)؛ ومسلم في الإيمان/ باب قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } (204) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الوقف, شروط

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:40 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir