دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 07:45 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي دليل مراتب الدين (حديث جبريل الطويل)

وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ: حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَر، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ.
فَقَالَ: يَامُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟
فَقَالَ:((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)).
فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟
قَالَ:((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟
قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)).
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟
قاَلَ: ((مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)).
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا؟
قَالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ)).
قَالَ: فَمَضَى فَلَبِثْنَا مَلِياًّ.
فَقَالَ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((يَا عُمَرُ؛ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ))؟
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَالَ: ((هذَا جبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ)).


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:15 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(2) غالب هذا الحديث تقدم شرحه، ولنا شرح عليه في (مجموع الفتاوى والرسائل) 3/143.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:18 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن :

وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ(11): حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ(12) قَالَ: (بَيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(13)، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ(14)، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ(15)، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَر، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ(16)، فَجَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ(17).
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ(18)؟
فَقَالَ: ((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِيَ الزّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً(19))).
فَقَالَ: صَدَقْتَ، فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ(20).
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟
قَالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)).
قَالَ: صَدَقْتَ(21).
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ الإِحْسَانِ؟
قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ))(22).
قَالَ: صَدَقْتَ.
قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ(23)؟
قاَلَ:((مَا المَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ))(24).
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا(25)؟
قَالَ: ((أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا(26)، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ في البُنْيَانِ (27))).
قَالَ: فَمَضَى فَلَبِثْنَا مَلِياًّ(28).
فَقَالَ صَلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عُمَرُ؛ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ))؟
قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ(29).
قَالَ: ((هذَا جبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ))(30).




الحاشية :

(11) أيْ: والدَّلِيلُ عَلَى مَرَاتِبِ الدِّينِ الثَّلاَثِ: الإسْلاَمِ، والإيمَانِ، والإِحْسَانِ، مِن الأحاديثِ الوَارِدَةِ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك.

(12) مِن طُرُقٍ عنه، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنَّما ذَكَرَ المُصَنِّفُ رَحِمَه اللَّهُ ما أَخْرَجَه مُسْلِمٌ، مِن حديثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِمَا فيه مِن زَوائِدِ الفَوَائِدِ، وهو فِي (الصَّحِيحَيْنِ)، مِن حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ولأَِحْمَدَ وغيرِه نحوُه، مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ وغيرِه، وهو حديثٌ جَلِيلٌ، عَظِيمُ الشَّأْنِ، يَشْتَمِلُ عَلَى بيانِ الدِّينِ كُلِّهِ.

(13) وفي (الصَّحِيحَيْنِ) مِن حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بارِزًا يومًا للنَّاسِ.

(14) ولأَِبِي فَرْوَةَ: (فإنَّا لَجُلُوسٌ عندَه إذ أَقْبَلَ رَجُلٌ أَحْسَنُ النَّاسِ وجْهًا، وأَطْيَبُ النَّاسِ ريحًا، كأنَّ ثِيَابَه لَمْ يَمَسَّها دَنَسٌ).

(15) ولاِبْنِ حِبَّانَ: (شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحْيَةِ).

(16) ولسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: (ليس عَلَيْهِ سَحْنَاءُ السَّفَرِ، وليس مِن البَلَدِ) ا هـ.
فَتَعَجَّبَ الصَّحَابَةُ مِن هذَا الرَّجُلِ، حَيْثُ كَانَ شَدِيدَ بياضِ الثِّيَابِ شَدِيدَ سَوادِ الشَّعْرِ، والمُسَافِرُ مِن شَأْنِه: أَنْ لاَ يَكُونَ كذلك، ومَعَ ذلك لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، ولَمْ يَعْرِفْهُ الحَاضِرُونَ.
وفي رِوَايَةِ عُثْمَانَ: (فَنَظَرَ القَوْمُ بَعْضُهم إلى بَعْضٍ، فَقَالُوا: مَا نَعْرِفُ هذا).
وفي رِوَايَةٍ لمُسْلِمٍ: (أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((سَلُونِي)) فَهَابُوا أنْ يَسْأَلُوه، قَالَ: فجَاءَ رَجُلٌ).

(17) وفي حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ وغيرِه: (ثُمَّ وَضَعَ يَدَه عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، ولسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: (فتَخَطَّى حَتَّى برَكَ بينَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا يَجْلِسُ أَحَدُنَا في الصَّلاَةِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَه عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وصَنِيعُه عَلَيْهِ السَّلاَمُ: مُنَبِّهٌ للإصْغَاءِ إِلَيْهِ.
وفيه إِشَارَةٌ لِمَا يَنْبَغِي للمَسْؤُولِ، مِن التَّواضُعِ والصَّفْحِ، عمَّا يَبْدُو مِن جَفَاءِ السَّائِلِ، كَوَضْعِه يَدَه عَلَى رُكْبَتِه، ولَعَلَّ مُبَالَغَةَ جَبْرَائِيلَ تَعْمِيَةٌ لأَِمْرِه.

(18) ولفظُ التِّرْمِذِيِّ وغيرِه: أنَّه بَدَأَ بالسُّؤَالِ عن الإيمانِ قَبْلَ الإسْلاَمِ، كَمَا في (الصَّحِيحَيْنِ) مِن حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ وفي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ عُمَرَ: أَنَّه سَأَلَه عِن الإحْسَانِ بينَ الإِسْلاَمِ والإيمانِ، قَالَ الحَافِظُ: (ولاَ شَكَّ أنَّ القِصَّةَ واحِدَةٌ، اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ في تَأْدِيَتِها، وليس في السِّياقِ تَرْتِيبٌ).
وفي رِوَايَةِ أبي فَرْوَةَ، أنَّه قَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) قَبْلَ السُّؤَالِ.
وقولُه: (يا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَن الإسْلاَمِ)، لَعَلَّه مُبَالَغَةٌ فِي التَّعْمِيَةِ.

(19) ولَفْظُ (الصَّحِيحَيْنِ)، قَالَ: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)) والمُرَادُ بالعِبَادَةِ: النُّطْقُ بالشَّهَادَتَيْنِ، وإنَّما احْتَاجَ أنْ يُوَضِّحَهَا بقَوْلِه: لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، ولَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا فِي رِوَايَةِ عُمَرَ، لاِسْتِلْزَامِهَا ذلك، وفيه: ((تُقِيمَ الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)).
وهذه الأَرْكَانُ الخَمْسَةُ هي الإِسْلاَمُ، وفي بعضِ الرِّوَايَاتِ: (فإِذَا فَعَلْتُ ذلك فَأَنَا مُسْلِمٌ؟) قَالَ:((نعم)).
فَدَلَّ عَلَى أنَّ مَن أَكْمَلَ الإِتْيانَ بِمَبانِي الإِسْلاَمِ الخَمْسِ، صَارَ مُسْلِمًا حَقًّا، وهذا هو دَلِيلُ المَرْتَبَةِ الأُولَى، وفَسَّرَه بأَعْمَالِ الجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ، والإِسْلاَمُ هو الدِّينُ، قَالَ تَعَالَى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وهو الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، الذي أَمَرَ اللَّهُ بالاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ.

(20) عَجِبَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم منه، فإنَّ مِن شَأْنِ السَّائِلِ: أنْ يَجْهَلَ مَا يَسْأَلُ عَنْهُ.

(21) وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ الإيمانَ، بهذِه الأُصُولِ، في مَوَاضِعَ مِن كِتَابِه، والنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: جَعَلَ هذه السِّتَّةَ، هي أَرْكَانَهُ ومَبَانِيَهُ.
وإِعَادَةُ (تُؤْمِن) عندَ ذِكْرِ القَدَرِ للاهْتِمَامِ بشَأْنِه.
وبِهَذا الحَدِيثِ احْتَجَّ عبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ، وقَالَ في القَدَرِيَّةِ: (والذي يَحْلِفُ به ابنُ عُمَرَ، لو أنَّ لأَِحَدِهِم مثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَه في سبيلِ اللَّهِ، مَا قَبِلَهُ اللَّهُ منه، حتَّى يُؤْمِنَ بالقَدَرِ)، وفي رِوَايَةٍ: ((وَتُؤْمِنَ بِالجَنَّةِ وَالنَّارِ)) فإذا فَعَلْتُ ذلك، فأنَا مُؤْمِنٌ؟ قَالَ: ((نعم)).
وهذا دَلِيلُ المَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ، وفَسَّرَه بالأَعْمَالِ البَاطِنَةِ.
ودَلَّ الحَدِيثُ: عَلَى أَنَّ الإِسْلاَمَ والإيمانَ، إِذَا اقْتَرَنا، فُسِّرَ الإسْلاَمُ بالأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ، والإيمانُ بالأَعْمَالِ البَاطِنَةِ.

(22) هذا القَدْرُ مِن الحَدِيثِ: أَصْلٌ مِن أُصُولِ الدِّينِ، وقَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ مِن قَواعِدِ العِلْمِ، وهو مِن جَوَامِعِ الكَلِمِ، التي أُوتِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنَّ إِحْسَانَ العِبَادَةِ، هو الإِخْلاَصُ فيهَا، والخُشُوعُ، وفَرَاغُ البَالِ، حَالَ التَّلبُّسِ بِهَا، ومُرَاقَبَةُ المَعْبُودِ.
وأَشَارَ في الجَوَابِ إلى حَالَتَيْنِ:
أَرْفَعُهُما: أنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الحَقِّ بِقَلْبِه، حتَّى كأنَّه يَرَاهُ.
والثَّانِيَةُ: أنْ يَسْتَحْضِرَ الحَقَّ تَعَالَى، مُطَّلِعًا عَلَيْهِ، يَرَى كلَّ مَا يَعْمَلُ، وهَاتَانِ الحَالَتَانِ، تُثْمِرُهُمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ وخَشْيَتُه.
وفي رِوَايَةٍ: ((أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا هو الإِحْسَانَ، وهو دَلِيلُ المَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ، ففي هذا الحَدِيثِ: دَلِيلُ هذه المَرَاتِبِ الثَّلاَثِ، وأَنَّ أَرْكَانَها، هي مَا عَدَّها المُصَنِّفُ رَحِمَه اللَّهُ.
وفي رِوَايَةٍ: (فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُه ويُصَدِّقُهُ)، كَمَا ذَكَرَ ذلك بعدَ الإِسْلاَمِ والإِيمَانِ.
وفي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ: (فَلَمَّا سَمِعْنَا قَوْلَ الرَّجُلِ: صَدَقْتَ، أَنْكَرْنَاهُ).
وفي رِوَايَةِ مَطَرٍ: (انْظُرُوا إليه كيفَ يَسْأَلُه، وانْظُرُوا إِلَيْهِ كيفَ يُصَدِّقُه، كَأَنَّه أَعْلَمُ مِنْهُ).
وفي حديثِ أَنَسٍ: (انْظُرُوا هو يَسْأَلُه، وهو يُصَدِّقُه، كأَنَّه أَعْلَمُ منه).
وفي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ القَوْمُ: (مَا رَأَيْنَا رَجُلاً مِثْلَ هذا، كأنَّه يُعلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ له: صَدَقْتَ، صَدَقْتَ).
قَالَ القُرْطُبِيُّ: (إنَّما عَجِبُوا مِن ذلك؛ لأَِنَّ ما جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُعْرَفُ، إلاَّ مِن جِهَتِه، وليس هذا السَّائِلُ مِمَّن عُرِفَ بِلِقَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولاَ بالسَّمَاعِ منه، ثُمَّ هو يَسْأَلُ سُؤَالَ عَارِفٍ بِمَا يَسْأَلُ عنه؛ لأَِنَّه يُخْبِرُه بِأَنَّه صَادِقٌ، فتَعَجَّبُوا مِن ذلك، تَعَجُّبَ المُسْتَبْعِدِ لذلك).

(23) ولَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ: (مَتَى السَّاعَةُ؟) أيْ: مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ والمُرَادُ: يومُ القِيَامَةِ.

(24) وفي رِوَايَةِ أبي فَرْوَةَ: (فَنَكَّسَ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثمَّ أَعَادَ، فَلَمْ يُجِبْهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: ((مَا المَسْؤُولُ بِأَعْلَمَ مِن السَّائِلِ)) ) أيْ: أنا وأنت سَوَاءٌ في العِلْمِ بِهَا، فإِنَّها مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بعِلْمِهِ، كَمَا في الآيةِ الكَرِيمَةِ: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} وفي الحديثِ: ((مَفَاتِيحُ الغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إلاَّ اللَّهُ، قَالَ: وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إلاَّ اللَّهُ)).
وفي حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ هنا فَقَالَ: ((سُبْحَانَ اللَّهِ، خَمْسٌ مِنَ الغَيْبِ لاَ يَعلَمُهُنَّ إلاَّ اللَّهُ)) ثُمَّ تَلاَ الآيةَ، وفيه التَّعْمِيمُ تَعْرِيضًا للسَّامِعِينَ: أنَّ كلَّ مَسْؤُولٍ، وسَائِلٍ عنها، فهو كذلك، وكَفُّ السَّامِعِينَ عَنِ السُّؤَالِ عن وَقْتِها، فإنَّهم قد أَكْثَرُوا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك.

(25) وفي حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا)) وفي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ: ((وَلَكِنْ لَهَا عَلاَمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا)) وفي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: ((وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ نَبَّأْتُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا)) قَالَ: ((أَجَلْ)).
فالأَشْرَاطُ والعَلاَمَاتُ: الأَمَارَاتُ، جَمْعُ أَمَارَةٍ بالفَتْحِ، الدَّلاَلَةُ والبُرْهَانُ عَلَى اقْتِرَابِ قِيَامِهَا، والمُرَادُ: العَلاَمَاتُ السَّابِقَةُ، وأَمَّا مَا يُقَارِنُها، فكَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِهَا.

(26) أيْ: سَيِّدَتَها؛ والمَعْنَى: أَنَّ السَّرَارِيَّ تَكْثُرُ في العَرَبِ، حَتَّى يُوجَدَ أنَّ الأَمَةَ تَلِدُ سَيِّدَتَها، وفُسِّرَ بغيرِ ذلك، وحَاصِلُهُ: الإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ السَّاعَةَ يَقْرُبُ قِيامُها عندَ انْعِكَاسِ الأُمُورِ، بِحَيْثُ يَصِيرُ المُرَبَّى مُرَبِّيًا، والسَّافِلُ عَالِيًا.

(27) أيْ: ومِنْ أَمَارَاتِها (أنْ تَرَى الحُفَاةَ) جَمْعُ حَافٍ، وهو: الذي لاَ نِعَالَ عَلَيْهِ، (العُرَاةَ) جَمْعُ عَارٍ، وهو: الذي لاَ ثِيَابَ عَلَيْهِ، (العَالَةَ) جَمْعُ عَائِلٍ، والعَائِلُ هو الفَقِيرُ، (رِعَاءَ الشَّاءِ) يَعْنِي: الغَنَمَ، (يَتَطَاولُونَ في البُنْيانِ).
والعَرَبُ كانُوا قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُفَاةً عُرَاةً، كَمَا في هذا الحديثِ، وكَانُوا في أَشَدِّ حَالَةٍ وأدْنَاهَا، فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم بالإِسْلاَمِ، وقَوَّاهُم، حَتَّى اسْتَنْفَقُوا خَزَائِنَ كِسْرَى وقَيْصَرَ، ثُمَّ وصَلُوا إِلَى أنْ وَقَعُوا فيما أَخْبَرَ به النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّه مِن عَلاَمَاتِ قِيامِ السَّاعَةِ، ولَفْظُ (الصَّحِيحَيْنِ) مِن حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الحُفَاةَ العُرَاةَ رُؤُوسَ النَّاسِ)) أيْ: مُلُوكَهُم ((فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ البَهْمِ فِي البُنْيَانِ، فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا)) فَعَدَّها ثَلاَثًا.
والمُرَادُ: أَنَّ أَسَافِلَ النَّاسِ، يَصِيرُونَ رُؤَسَاءَ، وتَكْثُرُ أَمْوَالُهُم، حَتَّى يَتَبَاهَوْا بطُولِ البُنْيانِ وزخْرفَتِه؛ وفي الحديثِ: ((إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِر السَّاعَةَ))؛ لأَِنَّه يَفْسُدُ نِظَامُ الدِّينِ والدُّنيا، وهذا كلُّه: مِن انْقِلاَبِ الحَقَائِقِ، في آخِرِ الزَّمَانِ، وانْعِكَاسِ الأُمُورِ.

(28) أيْ: زمنًا بَعْدَ انْصِرَافِهِ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهم بعدَ مُضِيِّ وَقْتٍ، لكنَّه في ذلك المَجْلِسِ، إلاَّ أنَّ في رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وغيرِه: (فَلَبِثَ ثَلاَثًا)، ولَفْظُ الصَّحِيحَيْنِ: ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ: ((رُدُّوهُ)) فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوه، فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا؛ وفي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ: فَوَلَّى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيَّ بِالرَّجُلِ)) فَطَلَبْنَاهُ كُلَّ مَطْلَبٍ، فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: ((هَلْ تَدْرُونَ)) إلخ.
وفي رِوَايَاتٍ أُخَرَ تَدُلُّ عَلَى أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبَرَ الصَّحَابَةَ بشَأْنِه في المَجْلِسِ، بعدَ أَنِ التَمَسُوه. وأمَّا خَبَرُ عُمَرَ: فَلَعَلَّه خِطَابٌ له وحدَه، أو مِن تَصَرُّفِ بَعْضِ الرُّوَاةِ.

(29) هذا فيه: أنَّ مَن سُئِلَ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ، أنْ يَكِلَ العِلْمَ إِلَى عَالِمِه، ولاَ يَتَكَلَّفَ مَا لَيْسَ له به عِلْمٌ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما حَكَى اللَّهُ عنه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ} فإنَّ مِن أَعْظَمِ التَّكَلُّفِ: أنْ تَسْأَلَ الإنسانَ عن شيءٍ، فَيَتَكَلَّفَ العِلْمَ بِهِ، ولِهَذَا قيلَ في (اللَّهُ أَعْلَمُ): نِصْفُ العِلْمِ، يَعْنِي: أنَّ العِلْمَ يَنْقَسِمُ إلى قِسْمَيْنِ: فَوَظِيفَةُ مَا تَعْلَمُ، أنْ تُجِيبَ عنه بِمَا تَعْلَمُه، ومَا لاَ تَعْلَمُه، تَقُولُ فيه: اللَّهُ أَعْلَمُ.

(30) وفي رِوَايَةٍ: ((يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ)) فأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنَّ مَا ذُكِرَ في هذا الحَدِيثِ، هو أَمْرُ الدِّينِ، بل هو الدِّينُ، فإنَّه قَد اشْتَمَلَ عَلَى أُصُولِ الدِّينِ والعَقَائِدِ، بل انْحَصَرَت العُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ التي يَتَكَلَّمُ عَلَيها فِرَقُ المُسْلِمِينَ في هذا الحَدِيثِ، ورَجَعَتْ كلُّها إليه، وعَقِيدَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ عَلَيْهِ، وشَرَفُه وجَلاَلَتُه: أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:20 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(6) قولُهُ: (والدَّليلُ مِن السُّنَّةِ: حديثُ جِبريلَ المشهورُ) هذا دليلٌ علَى ما تَقَدَّمَ مِن الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ، وهذا الحديثُ هوَ حديثٌ يَرويهِ عمرُ بنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وهوَ مشهورٌ علَى أَلْسِنَةِ بعضِ الْعُلَمَاءِ والوُعَّاظِ بحديثِ جَبرائيلَ عليهِ السلامُ؛ لأنَّهُ يَقومُ علَى أَسْئِلَةٍ وَجَّهَها جَبرائيلُ عليهِ السلامُ إلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عندَما جاءَهُ علَى صُورةِ رَجُلٍ، وهوَ حديثٌ عظيمٌ جَليلُ القَدْرِ، وَرَدَ برواياتٍ متَعَدِّدَةٍ وألفاظٍ مُختلِفةٍ، معَ أنَّ القِصَّةَ واحدةٌ.

- يقولُ ابنُ دقيقِ العيدِ رَحِمَهُ اللهُ في شرحِهِ علَى (الأربعينَ النوويَّةِ):
(هذا حديثٌ عظيمٌ قد اشْتَمَلَ علَى جميعِ وَظائفِ الأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ، وعلومُ الشريعةِ كلُّها راجعةٌ إليهِ، ومُتَشَعِّبَةٌ مِنه، لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنْ جَمْعِهِ علمَ السنَّةِ، فهوَ كالأُمِّ للسُّنَّةِ كما سُمِّيَتِ الفاتحةُ أمَّ القُرآنِ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ جَمْعِها معانِيَ القرآنِ).

(7) قولُهُ: (وعنْ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: (بَيْنَما نحنُ جُلوسٌ عندَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ) )
قولُهُ: (بينَما): (بينَ): ظرفُ زمانٍ مُتَضَمِّنٌ معنَى الشرْطِ، لهُ ثلاثُ استعمالاتٍ.
- فيُستعْمَلُ بدونِ أَلِفٍ فيُقالُ: (بينَ) بباءٍ وياءٍ ونونٍ، تقولُ: جَلَسْتُ بينَ زيدٍ وعمرٍو.
-ويُستعْمَلُ بالألِفِ بعدَ النونِ (بَيْنَا).
-والاستعمالُ الثالثُ بالأَلِفِ بعدَ النونِ بزيادةِ ما (بينَما)، و(ما) هذه زائدةٌ كافَّةٌ عن الْجَرِّ؛ لأنَّ (بينَ) تَجُرُّ ما بعدَها؛ لأنَّها تُضافُ إليهِ، فإذا دَخَلَتْ عليها (ما) كَفَّتْها عن العملِ، ولهذا وَقَعَ بعدَها الضميرُ (نحن) وهوَ لا يكونُ في مَحَلِّ جَرٍّ.

(8) قولُهُ: (إذْ طَلَعَ علينا رَجُلٌ شَديدُ بياضِ الثيابِ)
قالَ الْعُلَمَاءُ: (يُستفادُ مِنْ هذا استحبابُ تَحسينِ الهيئةِ والنظافةِ عندَ الدخولِ علَى الْعُلَمَاءِ والفُضلاءِ والملوكِ).

(9) قولُهُ: (شَديدُ سَوَادِ الشعْرِ) عندَ ابنِ حِبَّانَ: (شديدُ سَوادِ اللِّحْيَةِ).

(10) قولُهُ: (لا يُرَى عليهِ أَثَرُ السفَرِ، ولا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ) هذا مُتَضَمِّنٌ معنَى التَّعَجُّبِ، فهوَ غَريبٌ عليهم، لكن لا يُرَى عليهِ أَثَرُ السَّفَر.وقدْ نَفَى عُمرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ أن يَعْرِفَهُ أحَدُ الحاضرينَ، وهذا قدْ يُشْكِلُ في ظاهرِهِ، لكن وَرَدَتْ روايَةُ: (فَنَظَرَ القومُ بعضُهم إلَى بعضٍ فقالُوا: ما نَعْرِفُ هذا...) فأَفادَتْ أنَّ عُمرَ حَكَمَ بذلكَ استنادًا لِمَا قالَهُ الحاضرونَ.

(11) قولُهُ: (حتَّى جَلَسَ إلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فأَسْنَدَ رُكبتَيْهِ إلَى رُكبتَيْهِ) الضميرُ المجرورُ في قولِهِ: (فأَسْنَدَ رُكبتَيْهِ) يَعودُ إلَى الرَّجُلِ، والضميرُ في قولِهِ: (إلَى رُكبتَيْهِ) يعودُ إلَى الرسولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
والمعنَى: أنَّهُ جَلَسَ بينَ يَدَيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ كما يَجْلِسُ الإنسانُ في الصلاةِ في التشَهُّدِ، أوْ في الجلوسِ بينَ السَّجدتينِ، فجَلَسَ قَريبًا مِن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.


(12) قولُهُ: (ووَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيْهِ) في قولِهِ: (علَى فَخِذَيْهِ) احتمالٌ:
- فإمَّا أنَّ الْمُرَادَ: فَخِذَا نفسِهِ، والمعنَى: وَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيْ نفسِهِ.
- وإمَّا أنَّ الْمُرَادُ: وَضَعَ كَفَّيْهِ علَى فَخِذَيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وكأنَّهُ أرادَ بهذا أنْ يكونَ مُنْتَبِهًا ومُصْغِيًا إلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وقالَ بعضُ الْعُلَمَاءِ: بلْ يُحْتَمَلُ أنَّهُ أرادَ زيادةَ التعميَةِ في أَمْرِهِ، وأنَّهُ أعرابيٌّ وَصَلَ إلَى هذا الحدِّ مِن الْجَفاءِ، فوَضَعَ يَدَيْهِ علَى رُكْبَتِيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.
وكثيرٌ مِن الشُّرَّاحِ يُرَجِّحُونَ أنَّ الضميرَ يَعودُ إلَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، لِمَا وَرَدَ في بعضِ الرواياتِ كما عندَ النَّسائيِّ قالَ: (ثمَّ وَضَعَ يَدَهُ علَى رُكْبَتَيِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ).
وهذه تُزِيلُ الإشكالَ، ولوْ كانتْ هيَ الروايَةَ الوحيدةَ لَمَا صارَ هناكَ إشكالٌ، فلا مانِعَ مِنْ أنْ يُرَدَّ اللفظُ الْمُشْكِلُ إلَى لفظٍ يُزيلُ الإشكالَ، هذا هوَ الظاهِرُ إنْ شاءَ اللهُ تعالَى.

(13) قولُهُ: (وقالَ: يَا مُحَمَّدُ) ناداهُ باسمِهِ، معَ أنَّ نِداءَهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ باسمِهِ مُخالِفٌ لقولِ اللهِ تعالَى: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} أيْ: لا تُنادُوهُ كما يُنَادِي بعضُكم بعضًا باسْمِهِ، إنَّمَا قولوا لهُ: يا رسولَ اللهِ، أوْ: يا نَبِيَّ اللهِ.
ولهذا كانَ الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهُم يَمْتَثِلونَ هذا الأمرَ وهذا التعليمَ مِن اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فما كانَ الواحدُ مِنهم يقولُ: يا مُحَمَّدُ، إلاَّ إنْ كانَ أعرابيًّا قَدِمَ مِن الباديَةِ، فلَعَلَّهُ قالَ ذلكَ مبالَغَةً في التعميَةِ، أوْ أنَّ الملائكةَ غيرُ داخلينَ في هذا النهيِ، كما قالَ ابنُ عَلاَّنَ في شَرْحِهِ علَى (رياضِ الصالحينَ)، (وقدْ وَرَدَ في حديثِ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ أنَّهُ قالَ: (يا رسولَ اللهِ)).
ثم إنَّ الروايَةَ التي معَنا لم يُذْكَرْ فيها أنَّهُ سَلَّمَ، وقدْ وَرَدَ في بعضِ الرواياتِ - كما عندَ النَّسائيِّ - (أنَّهُ سَلَّمَ):

- فإمَّا أنْ يكونَ بعضُ الرُّواةِ لم يَنْقُلْهُ، قالَ الحافِظُ: (وهذا هوَ الْمُعْتَمَدُ).
-أوْ أنَّهُ لم يُسَلِّمْ وقَصَدَ بذلكَ التَّعميَةَ، وصَنَعَ صَنيعَ الأعرابِ، لكن مَنْ ذَكَرَ السلامَ مُقَدَّمٌ علَى مَنْ سَكَتَ عنْ ذِكْرِ السلامِ؛ لأنَّ هذه زيادةٌ فتُقْبَلُ.


(14) قولُهُ: (قالَ: أَخْبِرْنِي عن الإسلامِ)، في لفظِ التِّرْمِذِيِّ: (قالَ: أَخْبِرْنِي عن الإيمانِ) ، ووَرَدَ أيضًا في الصحيحينِ مِنْ حديثِ أبي هُريرةَ أنَّهُ بَدَأَ بالإيمانِ، وفي بعضِ الرواياتِ أنَّهُ سَأَلَهُ عن الإحسانِ بينَ الإسلامِ والإيمانِ، معَ أنَّ الحديثَ الذي معَنا، وهوَ لَفْظُ مسلِمٍ وَرَدَ فيهِ الإحسانُ آخِرَ شيءٍ.
وقدْ أَجابَ الحافِظُ رَحِمَهُ اللهُ عنْ هذا فقالَ: (إنَّ القِصَّةَ واحدةٌ، والرُّواةَ اخْتَلَفُوا في تَأْدِيَتِها، فبعضُهم يُقَدِّمُ وبعضُهم يُؤَخِّرُ، وليسَ في السياقِ تَرتيبٌ).

(15) قولُهُ: (قالَ: أَخْبِرْنِي عن الإسلامِ، قالَ: ((أنْ تَشهدَ أنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤْتِيَ الزكاةَ، وتَصومَ رَمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إليهِ سَبيلاً))) تَقَدَّمَ الكلامُ علَى هذه الأركانِ.

(16) قولُهُ: (فقالَ: صَدَقْتَ، فعَجِبْنَا لهُ) معنَى (عَجِبْنَا لهُ) أيْ: عَجِبْنَا مِنه، أوْ عَجِبْنَا لأَجْلِهِ.

(17) قولُهُ: (يَسألُهُ ويُصَدِّقُهُ) أيْ: تَعَجَّبَ الصحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهُم مِنْ حالِهِ؛ لأنَّ السؤالَ يَدُلُّ علَى عَدَمِ عِلْمِ السائلِ، والتصديقَ يَدُلُّ علَى عِلْمِهِ.

(18) قولُهُ: (قالَ: فأَخْبِرْني عن الإيمانِ، قالَ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ)) قالَ: صَدَقْتَ) ولم يَقُلْ عمرُ رَضِيَ اللهُ عنهُ: (فعَجِبْنَا لهُ، يَسألُهُ ويُصَدِّقُهُ) اكتفاءً بما تَقَدَّمَ.
وقدْ أجابَهُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عن الإيمانِ بأنَّهُ: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ))، معَ أنَّهُ وَرَدَ في الصحيحينِ مِنْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ في قِصَّةِ وَفْدِ عبدِ القَيْسِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((أَتَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ وَحْدَهُ؟)) قالوا: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ، قالَ: ((شَهادةُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ)). ووجهُ الإشكالِ
أنَّهُ في حديثِ جِبريلَ فَسَّرَ الإيمانَ بالاعتقاداتِ الباطنةِ، وفَسَّرَ الإسلامَ بالأعمالِ الظاهرةِ، وفي هذا الحديثِ فَسَّرَ الإيمانَ بما فَسَّرَ بهِ الإسلامَ.
والجوابُ: أن نَقولَ: إنَّ حديثَ عُمرَ الذي معنا دَليلٌ واضحٌ علَى التفريقِ بينَ الإسلامِ والإيمانِ.
-فالإسلامُ يُفَسَّرُ بالأعمالِ الظاهرةِ مِنْ أقوالِ اللسانِ وأعمالِ الجوارحِ.
-وأمَّا الإيمانُ فإنَّهُ يُفَسَّرُ بالأعمالِ الباطنةِ، مِن اعتقاداتِ القلوبِ وأعمالِها، قالَ تعالَى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}.

وفي قِصَّةِ قومِ لوطٍ قالَ تعالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}، فإنَّهُ فَرَّقَ بينَ المؤمِنينَ والمسلمينَ؛ لأنَّ البيتَ الذي كانَ في هذه القريَةِ بيتٌ إسلاميٌّ في ظاهِرِهِ؛ لأنَّهُ يَشْمَلُ امرأةَ لوطٍ التي خَانَتْهُ في دِينِها؛ لأنَّها كافرةٌ، والإخراجُ لم يكنْ لهذا البيتِ بأَكْمَلِهِ، وإنَّمَا قالَ تعالَى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}أيْ: ما نَجَا مِنْ هذا البيتِ المسلِمِ إلاَّ أهلُ الإيمانِ.

فهذا يَدُلُّ علَى أنَّ هناكَ فَرْقًا بينَ الإيمانِ وبينَ الإسلامِ، وإلاَّ فإنَّ البيتَ الْمُتَحَدَّثَ عنه بيتٌ واحدٌ، لكن وُصِفَ بأنَّهُ بيتٌ إسلاميٌّ باعتبارٍ، وبأنَّهُ بيتُ مؤمِنينَ باعتبارٍ آخَرَ.
أمَّا في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ فإنَّهُ لم يَذْكُرْ إلاَّ قِسمًا واحدًا وهوَ الإسلامُ، ولا ريبَ أنَّ الإسلامَ عندَ الإطلاقِ يَشملُ الدِّينَ كلَّهُ، قالَ اللهُ تعالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ}، فيَدْخُلُ فيهِ الإيمانُ.
وكذا إذا ذُكِرَ الإيمانُ مُجَرَّدًا دَخَلَ فيهِ الإسلامُ والأعمالُ الصالحةُ، كقولِهِ في حديثِ الشُّعَبِ: ((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أَعْلاَهَا قَوْلُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَدْنَاهَا: إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ)).



(19) قولُهُ: (قالَ: فأَخْبِرْنِي عن الساعةِ، قالَ: ((مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)) ) الساعةُ بمعنَى: الوقتِ أو الزمَنِ الحاضِرِ، والْمُرَادُ بالساعةِ هنا: القِيامةُ، والمعنَى: فأَخْبِرْنِي عنْ زمَنِ قِيامِ الساعةِ.
فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ)) أيْ: ليسَ المسؤولُ عنْ وَقْتِها بأَعْلَمَ مِن السائلِ، والمعنَى: أنتَ لا تَعْلَمُها وأنا لا أَعْلَمُها، ويكونُ الْمُرَادُ بقولِهِ: ((مَا المسؤولُ عنها بأَعْلَمَ مِن السائلِ)) نَفْيَ التساوِي في نَفْيِ الْعِلْمِ بوَقْتِها، أيْ: أنَّ الْعِلْمَ بها مُنْتَفٍ عَنِّي وعنكَ علَى حَدٍّ سواءٍ، وليسَ الْمُرَادُ التساويَ في الْعِلْمِ بوَقْتِها.

والباءُ في قولِهِ: ((بِأَعْلَمَ)) زائدةٌ لإفادةِ التوكيدِ؛ لأنَّ عِلْمَ الساعةِ مِن الْخَمْسِ التي اسْتَأْثَرَ بعِلْمِها كما في قولِهِ تعالَى: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

وقدْ وَرَدَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - كما في الحديثِ الصحيحِ - أنَّهُ قالَ: ((خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ اللهُ)) فذَكَرَ مِنها قِيامَ الساعةِ، وفي بعضِ الرواياتِ أنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تَلاَ هذه الآيَةَ في أثناءِ جوابِهِ للسائلِ.

(20) قولُهُ: (قالَ: فأَخْبِرْنِي عنْ أَمارَاتِها) هذا تَدَرُّجٌ في السؤالِ، يعني: إذا كنتَ لا تَعْلَمُ مَتَى وقتُ قِيامِها، فأَخْبِرْنِي عنْ أَمارَاتِها.

والأماراتُ: جَمْعُ (أَمارةٍ) وهيَ: العَلاَمَةُ.
وقدْ وَرَدَ في بعضِ الرواياتِ: ((وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا) فأماراتُها وأَشراطُها بمعنًى واحدٍ.
والْمُرَادُ بالأماراتِ التي سيَذْكُرُ لهُ: الأَماراتُ التي تَتَقَدَّمُ الساعةَ بأزمانٍ مُتطاوِلَةٍ، وهيَ الأشراطُ الصغرَى، وليسَ العَلاماتِ التي تَظْهَرُ قُرْبَ قِيامِ الساعةِ، وهيَ الأشراطُ الكُبْرَى: كطُلوعِ الشمسِ مِنْ مَغْرِبِها، وظهورِ الدَّجَّالِ، ونُزولِ عيسَى عليهِ السلامُ، وغيرِ ذلكَ.

(21) قولُهُ: (أَنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَهَا) هذه علامةٌ مِنْ عَلاماتِ الساعةِ، وقدْ وَرَدَ في بعضِ الرواياتِ: ((بَعْلَهَا))، ومعنَى: (رَبَّتَهَا أَوْ بَعْلَهَا) سَيِّدُها.
وقد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في تَفسيرِ هذه الْجُملةِ علَى أقوالٍ مِنها:

- أنَّ هذا إخبارٌ بأنَّ السَّرَارِيَّ تَكْثُرُ في آخِرِ الزمانِ ، فيكونُ وَلَدُها مِنْ سَيِّدِها بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِها، لا سيَّما إذا كَثُرَت الأموالُ، وبَدَأَ الولَدُ يَتَصَرَّفُ في المالِ فيكونُ هوَ السَّيِّدَ الْمُطاعَ، وتَكونُ هذه الأَمَةُ قدْ وَلَدَتْ سَيِّدَها.
-وقيلَ: إنَّ الحديثَ دَليلٌ علَى أنَّ الإماءَ يَلِدْنَ الْمُلوكَ في آخِرِ الزمانِ، فتَكونُ أمُّ الْمَلِكِ أَمَةً، وإذا كانت أُمُّهُ أَمَةً وتَوَلَّى الْمُلْكَ فإنَّهُ سيكونُ سَيِّدًا لأُمِّهِ ولغيرِ أُمِّهِ مِنْ أفرادِ الرَّعِيَّةِ، واللهُ أَعْلَمُ.

(22) قولُهُ: ((وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ)):

هذه عَلامةٌ أُخرَى مِنْ عَلاماتِ الساعةِ.
والْحُفَاةُ: جَمْعُ حافٍ، وهوَ الذي لا نِعالَ عليهِ.
والعُراةُ: جَمْعُ عارٍ، وهوَ الذي لا ثِيابَ عليهِ.
والعَالَةُ: جَمْعُ: عائلٍ، والعائلُ هوَ: الفقيرُ، كما في قولِ الشاعرِ:



وما يَدْرِي الفقيرُ متَى غِناهُ = وما يَدْرِي الغنيُّ مَتَى يَعِيلُ
أيْ: يَفتقِرُ.
وقولُهُ: (رِعَاءَ الشَّاءِ) بكَسْرِ الراءِ، جَمْعُ: راعٍ، ويُجْمَعُ أيضًا علَى رُعاةٍ بضَمِّها.
والشاءُ : جَمْعُ: شاةٍ، وهوَ مِن الْجُموعِ التي يُفَرَّقُ بينَها وبينَ واحدِها بالهاءِ، كشَجَرٍ وشَجَرَةٍ.
وخَصَّهُم بالذكْرِ لأنَّهُم أَضعَفُ الرُّعاةِ، لكن قدْ وَرَدَ في حديثِ أبي هُريرةَ في (الصحيحينِ): ((رُعَاةَ الإِبِلِ)).
والْمُرَادُ:أنَّ أصحابَ هذه الأوصافِ الأربعةِ: الْحُفَاةَ والعُراةَ والعالَةَ ورِعاءَ الشاءِ: ((يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ)).
والتطاوُلُ في البُنيانِ معناهُ:

تَكثيرُ طَبَقَاتِ البُنيانِ، ويَصْدُقُ أيضًا علَى تَوسيعِ الْمَنَازِلِ، وتكثيرِ مَجَالِسِها ومَرَافِقِها، وهذه ذَكَرَها الرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لِمَنْ كانتْ حالُهم أنَّهُم حُفاةٌ وعُراةٌ.. إلخ.
و المعنَى :أنَّ هؤلاءِ في آخِرِ الزمانِ يَقْوَى أَمْرُهم وتكونُ الأموالُ بأَيْدِيهم، ويَدُلُّ أنَّهُم حُفاةٌ عُراةٌ لا يَمْلِكون غيرَ الشاةِ يَصِلُون إلَى حالِ التطاوُّلِ والتفاخُرِ في البُنيانِ، فكلُّ مَنْ بَنَى مِنهم بِناءً بَدَأَ يَتَفَاخَرُ علَى مَنْ بَنَى قَبْلَهُ؛ لأنَّهُ أَطولُ مِنه بِناءً أوْ أَكبرُ أوْ أَوسَعُ فهذا يُعْتَبَرُ مِنْ أشراطِ الساعةِ، واللهُ الْمُستعانُ.
وقدْ وَرَدَ في حديثِ أبي هُريرةَ في (الصحيحينِ) قالَ: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ رُءُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا)).

ومعنَى ((رُءُوسَ الناسِ)) مُلوكُ الناسِ، وفي روايَةٍ لِمُسْلِمٍ: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الأَرْضِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا)).
قالَ النوويُّ: (الْمُرَادُ بِهِمُ الْجَهَلَةُ السِّفْلَةُ الرَّعاعُ كما قالَ تعالَى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ} أيْ: لمَّا لم يَنْتَفِعوا بجَوارِحِهم هذه، فكأنَّهم عَدِمُوها، هذا هوَ الصحيحُ في معنَى الحديثِ، واللهُ أَعْلَمُ).


(23) قولُهُ: (قالَ: فمَضَى فلَبِثْنَا مَلِيًّا) بتشديدِ الياءِ التحتيَّةِ، والْمَلِيُّ: هوَ الزمانُ، وقدْ وَرَدَ عندَ التِّرمذيِّ والنَّسائيِّ وغيرِهما: (فَلَبِثْتُ ثَلاَثًا).

(24) قولُهُ: (فقالَ: ((يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟)) ) ظاهِرُهُ أنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لم يُخْبِرْ عمرَ إلاَّ بعدَ مُدَّةٍ، لكن وَرَدَ في حديثِ أبي هُريرةَ في الصحيحينِ قالَ: (ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ: ((رُدُّوهُ)) فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فقالَ: ((هَذَا جِبْرِيلُ أَتَى يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ))).
فهذه الروايَةُ تَدُلُّ علَى أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ أَخْبَرَهُم في الحالِ.

والظاهِرُ مِن الروايَةِ التي معَنا أنَّ الإخبارَ خاصٌّ بعُمَرَ حيث قالَ: فقالَ: ((يَا عُمَرُ)) والظاهرُ أنَّ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ قامَ في الحالِ؛ أيْ: بعدَ أنْ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، ولم يَحْضُرْ كلامَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وإنَّمَا أَخْبَرَهُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بعدَ مُدَّةٍ.

وهذا هوَ الْجَمْعُ بينَ الروايَةِ التي معنا وهيَ التي تَدُلُّ علَى أنَّ إخبارَهم كانَ مُتَرَاخِيًا، وروايَةِ (الصحيحينِ) مِنْ حديثِ أبي هُريرةَ التي تَدُلُّ علَى أنَّ إخبارَهم كانَ في الحالِ، قالَهُ النوويُّ، قالَ الحافِظُ: (وهوَ جَمْعٌ حَسَنٌ).





(25) قولُهُ: (قلتُ: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ) أيْ: مِنْ غيرِهما، ولم يَقُلْ: أَعْلَمَا؛ لأنَّ أَفْعَلَ التفضيلِ الْمُجَرَّدَ لا يُثَنَّى ولا يُجْمَعُ، بلْ يَلزَمُ الإفرادَ.

وهذا فيهِ أَدَبٌ مِنْ آدابِ العالِمِ، وهوَ أنَّ مَنْ سَأَلَ عنْ شيءٍ لا يَعْلَمُهُ أن يَكِلَ الْعِلْمَ إلَى عالِمِهِ ولا يَتَكَلَّفَ في الجوابِ، بلْ يقولُ: اللهُ أَعْلَمُ.
أمَّا في حياتِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فإنَّ الْعِلْمَ يُمْكِنُ أن يُؤْخَذَ مِنه فيقولَ المسؤولُ: اللهُ ورسولُهُ أَعْلَمُ، لكنْ بعدَ وَفاتِهِ يقولُ: اللهُ أَعْلَمُ.

(26) قولُهُ: (قالَ:((هذا جِبريلُ أَتاكُم يُعَلِّمُكم أَمْرَ دِينِكم)) ) هذا فيهِ دَليلٌ علَى أنَّ ما ذُكِرَ في هذا الحديثِ هوَ الدِّينُ؛ لأنَّهُ اشْتَمَلَ علَى أُصولِ الدِّينِ وعقائدِهِ مِن الإسلامِ والإيمانِ والإحسانِ، واللهُ أَعْلَمُ.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:21 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)


[شرح قوله: (والدليل من السنة)]
ثم ذكر رحمه الله الدليل من السنة، وهو حديث
جبريل المشهور عن عمر رضي الله عنه وهو الذي شرحناه في (الأربعين النووية) إذ هو ثاني الأحاديث النووية الأربعين.
[شرح مجمل للأصل الثاني وهو: معرفة دين الإسلام بالأدلة]
وبهذا يتم ذكر الأصل الثاني من أصول دين الإسلام ألا وهو معرفة دين الإسلام بالأدلة.

نلخص ذلك: ذكر الشيخ: أن الأصل الثاني: معرفة دين الإسلام بالأدلة، عرّف الإسلام، وذكر أركانه، وذكر معنى الشهادتين: معنى شهادة أن لا إله إلا الله، فسر التوحيد وأدلة ذلك، بين معنى الشهادة بأن محمداً رسول الله، ثم بين أدلة أركان الإسلام الباقية، ثم ذكر المرتبة الثانية وهي الإيمان، كما ذكرنا لكم، ثم ذكر المرتبة الثالثة وهي الإحسان، ودلائل ذلك كله على نسق ووضوح، يسهل معه الفهم، ويسهل معه الإفهام.

ولهذا ينبغي لنا أن نحرص على هذه الرسالة، تعليماً لها للعوام، وللنساء في البيوت، وللأولاد ونحو ذلك، على حسب مستوى من يخاطَب بذلك.
فقد كان علماؤنا رحمهم الله تعالى يعتنون بـ(ثلاثة الأصول) هذه تعليماً وتعلماً بل قد كانوا يُلزمون عدداً من الناس بعد كل صلاة فجر أن يتعلموها - أن يحفظوا هذه الأصول ويتعلموها -، وذلك هو الغاية في رغبة الخير، ومحبة الخير لعباد الله المؤمنين، إذ أعظم ما تُسدي للمؤمنين من الخير، أن تُسدي لهم الخير الذي ينجيهم حين سؤال الملكين للعبد في قبره؛ لأنه إذا أجاب جواباً حسناً، جواباً صحيحاً، عاش بعد ذلك سعيداً، وإن لم يكن جوابه مستقيماً، ولا صحيحاً، عاش بعد ذلك - والعياذ بالله - على التوعد بالشقاء والعذاب.

أسأل الله جل وعلا أن ينور بصائرنا، وأن يقينا الزلل والخطل، وأن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا شر أنفسنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:22 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

بيان الدليل من السنة على مراتب الدين
شرح حديث جبريل الطويل
- سبب اختيار المؤلف رواية مسلم لحديث عمر دون سائر الروايات
- أهمية حديث جبريل
- ما تفيده هيئة السائل
- الاحتمالات في قوله :(على فخذيه )
- بيان أركان الإسلام
- سبب تعجب الصحابة من تصديق السائل للنبي صلى الله عليه وسلم
- الجواب عن ما وقع من إشكال بين حديث جبريل وحديث ابن عباس
- بيان أركان الإيمان
- بيان معنى الإحسان
- معنى قوله: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"
- لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله
- معنى الأمارات
- المراد بالأمارات
- شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "أن تلد الأمة ربتها"
- شرح قوله صلى الله عليه وسلم: "وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطالون في البنيان"
- شرح قوله: "فلبثنا ملياً"
- ما ينبغي أن يقوله من سئل عما لا يعلم
- ما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: "هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم"


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:22 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: عرف الإحسان لغةً وشرعاً.
س2: اذكر أقسام الإحسان.
س3: اذكر مراتب الإحسان، مع التوضيح.
س4: ما معنى الإحسان إلى الخلق؟
س5: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) ؟
س6: ما معنى قوله: ((أن تلد الأمة ربتها)) ؟
س7: ما معنى الأمارات؟
س8: ما الذي ينبغي أن يقوله مَن سُئل عما لا يعلم؟
س9: أيهما أفضل: إظهار العبادة أو إسرارها؟
س10: تحدث باختصار عن أهمية حديث جبريل عليه السلام.
س11: ما سبب اختيار المؤلف لرواية مسلم لحديث عمر دون سائر الروايات؟
س12: فسر الآيات التالية باختصار:
أ) قوله تعالى: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
ب) قوله تعالى: {وتوكل على العزيز الرحيم...} الآيات.
ج) قوله تعالى: {وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن...} الآية.
س13: بين ما يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)).


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مراتب, دليل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:21 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir