1210- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((يُدْعَى بِالْقَاضِي الْعَادِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْحِسَابِ مَا يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي عُمُرِهِ)). رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَأَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ، وَلَفْظُهُ: ((فِي تَمْرَةٍ)).
*درجةُ الحديثِ:
الحديثُ إسنادُه حَسَنٌ.
قالَ في (التلخيصِ الحَبِيرِ): رَوَاهُ أحمدُ، والعُقَيْلِيُّ، وابنُ حِبَّانَ، والبَيْهَقِيُّ.
قالَ العُقَيْلِيُّ: عِمرانُ بنُ حَطَّانَ الراوي عن عَائِشَةَ لا يُتَابَعُ عليه، ولا يَتَبَيَّنُ لي سماعُه منها.
قالَ ابنُ حَجَرٍ في (التهذيبِ): ليسَ كذلك؛ فإنَّ الحديثَ الذي في (الْبُخَارِيِّ) وقَعَ عندَه التصريحُ بسماعِه منها.
*ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثِ:
1- الحديثُ فيه بيانُ خَطَرِ القضاءِ، وعِظَمُ أَمْرِه؛ لأنَّ موضوعَه هو الفصلُ في حُقوقِ الناسِ، مِن الدماءِ، والأعراضِ، والأموالِ؛ فصاحِبُه مكلَّفٌ بالاحتياطِ الشديدِ، والتحرِّي الأكيدِ؛ لإصابةِ الحقِّ والصوابِ.
2- وفيه دليلٌ على شِدَّةِ حِسابِ القُضاةِ يومَ القيامةِ؛ وذلك لِمَا يَتَعَاطُونَه مِن الخطرِ، فيَجِبُ عليهم الحِيطةُوالتقصِّي، وبلوغُ الجُهْدِ، والاستعانةُ باللَّهِ تعالى، وأهلِ الحقِّ والإنصافِ، والابتعادُ عن قُرَنَاءِ السُّوءِ، والكُتَّابِ والأعوانِ أصحابِ الأنفُسِ الدنيئةِ، والقلوبِ المريضةِ بإيثارِ الدنيا على الآخرةِ.
3- إذا كانَ ما جاءَ في الحديثِ في القاضي العَدْلِ فكيفَ بقُضاةِ الظلمِ، والجَوْرِ، والجهلِ، اتَّخَذُوا المناصِبَ الدينيَّةَ، والسُّلْطَةَ القضائِيَّةَ أداةً لجمعِ الأموالِ من غيرِ حِلِّها؟!
4- مِن هذا الحديثِ وأمثالِه التي تَذْكُرُ خَطَرَ القضاءِ، وعَظيمَ أمرِه، هَرَبَ مِن تَوَلِّيه، والسلامةِ منه كثيرٌ مِن أصحابِ الوَرَعِ.
فقد دُعِيَ أبو قِلابةَ إلى القضاءِ؛ فهَرَبَ من العراقِ إلى الشامِ، ودُعِيَ إليه سفيانُ الثَّوْرِيُّ؛ فهَرَبَ إلى البَصْرَةِ، وتُوُفِّيَ وهو مُتَوَارٍ، وضُرِبَ على قَبُولِه أبو حنيفةَ؛ فلم يَقْبَلْه حتى ماتَ، وقالَ الشَّعْبِيُّ: القضاءُ مِحنةٌ وبَلِيَّةٌ، مَن دَخَلَ فيه، عَرَّضَ نفسَه للهلاكِ.
وهناكَ أحاديثُ وآثارٌ تَحُثُّ على قَبُولِ القضاءِ، واتِّباعِ سلوكِ العدلِ؛ فاتَّخَذَ العلماءُ المحقِّقُون طريقَ التوفيقِ بينَ الأمريْنِ:
وهو أنَّ التحذيرَ لمَن طَلَبَ القضاءَ، ولم يَفِ بحقِّهِ.
وأمَّا الترغيبُ: فهو لمَن وُلِّيَ بدونِ طَلَبٍ، وسَلَكَ مَسْلَكَ الخوفِ والرجاءِ.