كم نفوس هاجها الشوق! وأحرقتها لوعة الرغبة في القيام برحلة الحج المباركة، والتمتع بأداء مناسكه من طواف وسعي ووقوف على عرفات الله والمبيت بمنى ورمي الجمرات التماسا لرحمة الغفور الكريم..
كل هذه الصورتطوف بالعقل والعين والقلب فتحفرمكانها أشواقا وحنينا لا تهدأ نيرانه حتى تتمتع القلوب بأداء هذه الفريضة المباركة.
وقد حظي الحج باهتمام الشعراء في الجاهلية والإسلام ، فذكروه وعظموه وافتخروابمكانة قبائلهم من البيت العتيق في أشعارهم ، ومدى الحسرات التي تصيبهم إذا فقدوا هذه المكانة يبدو هذا في قول شاعر قبيلة جرهم "مضاض بن عمرو بن الحارث " حينما فقدت قبيلته مكانتها في خدمة الحجاج وسدانة البيت العتيق متحسرا:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
أنيس ولــم يسمر بمكّة سامر
بلى نحــن كنــا أهلها فأزالنا
صروف الليالي والجدود العواثر
وكنّا ولاة البيت من بعــد نابت
نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
فسحّت دموع العـين تبكي لبلدة
بها حـــرم آمن وفيها المشاعر
هذا ما قاله بعض الشعراء الجاهليين عن البيت والحج، فما بال الشعراء بعد أن أكرمهم الله بنعمة الإسلام؟
ولعل أول من نطالع من أقوال شعراء المسلمين عن الحج قول الصحابي "قيس بن الأسلت" رضي الله عنه:
ولكــــنا خُلقنا إذ خُلقنا
حنيفاً ديننا عن كـل جيل
نسوق الهَدْيَ ترسف مذعنات
مكشفة المناكب في الحلول
وها هي أبيات من قصيدة طويلة عن مناسك الحج والحزن عند وداع أماكن أداء المناسك لابن الأميرالصنعاني يقول فيها:
وبات حجيج الله بالـبـيـت محدقـاً
ورحـمة رب الـعـرش ثمت تغشاه
تـداعـت رفـاقا بالرحيل فما تــرى
سوى دمع عين بالدماء مـزجنــاه
لـفـرقـة بـيـت الله والحجـر الــذي
لأجـلـهـما صـعـب الأمور سلكنــاه
وودعـت الـحـجــاج بـيـــت إلههــا
وكـلـهم تـجـري من الحزن عينــاه
وهذا هوالزمخشري نسمعه يردد تائبا راجيا العفو وهو بين يدي الله يحج بيته الحرام ويطوف بكعبته المشرفة وهو مطمئن القلب أنه لن يرجع إلا بذنبه وقد غفره غفار الذنوب:
رباه كفارتي عن كل معصية
أني أتيت وملء النفس إيمان
أتيت أطرق باباً كل مجترم
أتاه يرجع وهو جذلان
فاغفر وسامح وتب واصفح
ففي كبدي..
الإثم يصرخ والإحساس يقظان
أما ابن القيم فننظر إلى قصيدته التي يتحدث فيها عن التلبية ومغفرة الله للحجيج:
أمــا والــذي حــج الـمـحـبـــون بـيـتــــه
ولـبُّـوا لـــه عـنـــد الـمـهـــلَّ وأحرمــوا
وقـد كـشـفـــوا تـلـك الــرؤوس تواضعـــاً
لِعِـــزَّةِ مـن تـعـنــوا الوجــوه وتُسـلـمُ
يُـهــلُّـــون بـالـبــيــداء لـبــيــــك ربَّــنــــا
لـك المـلـك والـحمـد الذي أنـت تعلـمُ
دعــــاهــــم فـلـبَّـــوه رضـــاً ومـحــبــــةً
فـلـمـــا دَعَــوه كـــان أقـــرب مـنــهــم
كما نرى الشاعر ابن نباته المصري يهنئ من ذهب لأداء الحج وعاد مقبول التوبة مغفور الذنب مؤكدا أن من حج مرة فلا يزال الشوق للأماكن المقدسة التي عانقتها روحا وجسدا يطارده حتى يعود إليها مرة ثانية ..
هنيئاُ لك الحجّ الشريف وحبذا
بك الربع مأهول المنازل والدهر
كذا فليعد من عاد مقبول حجة
له الذكر في كل المنازل والاجر
يحنّ اشتياقاً نحو رؤيته الصفا
ويملأ دمعاً بعد فرقته الحجر
وها هو الخليفة العباسي هارون الرشيد الذي كان كثير الحج ولنقرأ معا قول الشاعر"أبو المعالي الكلابي" الذي مدحه بذلك :
فمن يطلب لقاءَك أو يُرْدهُ
فبالحرمين، أو أقصى الثغور
ومن أبيات طويلة للشاعر "أحمد سالم باعطب " يصور فيها مشاهد فريضة الحج وما تهوى إليه النفوس وما تستشعره من عظيم المغفرة والتوبة إلى الله نراه يصف الوافدين إلى البيت بشوقهم الجارف :
وفدَتْ إلى البيتِ العتيقِ قلوبُ
هَيْمى الشَّغافِ لها صدىً ووجيبُ
وفدَتْ موحِّدة المشاعر خُشَّعاً
سالتْ بها عبْرَ الحياةِ دروبُ
جاءتْ لتَبْرأ من نقائصها التي
صَدِئَتْ بها جُنَحٌ لها وذُنوبُ
من كان ضيفَ اللهِ كان عتيقهُ
وجزاؤه طوبى تَرِفُّ وطِيبُ
وفي صور بليغة يصف الشاعرالسيد الدسوقي سعيد حال الحجاج وهم قادمون إلى الحج تسبقهم فيوض من الحب والشوق لرؤية البيت العتيق والوقوف على عرفات وهو يلتقطها لهم وهم يفدون إليه من كل مكان:
على الجوانح هبت نسمة الحرم
وهام كل فؤاد للضياء ظمي
والناس من كل فج أقبلت زمراً
كموج بحر يفيض النور ملتطم
وتأتي قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي لتعبر بشدة عن معاني الحج العظيمة وقدسية شعائره وتكريم الله لمن حظي بأدائه فيفوز بالرحمة والمغفرة وحسن الثواب فنراه يقول:
إلى عرفات الله يا خير زائر
عليك سلام الله في عرفات
ويوم تولى وجهة البيت ناضرا
وسيم مجالي البشر والقسمات
على كل أفق بالحجاز ملائك
تزف تحايا الله والبركات
وفي الكعبة الغراء ركن مرحب
بكعبة قصاد وركن عُفاة
والشاعر رفعت عبدالوهاب المرصفي بدوره يصف لنا مدى شوقه وتتيمه بزيارة البيت ورؤية الكعبة المشرفة تسوقه في ذلك رغبته الكبرى في أن يكون مع الحجاج يفعل مثلما يفعلون.
آتٍ إليك يسوقني مني اندفاع
ينساب قلبي ساعياً بين البقاع
وشذا الطواف يهزني حتى النخاع
ولعل من أجمل ما قيل في الحج والتلبية قصيدة أبي نواس التي تعبر عن توبتة وندم ممزوجين بالحسرة والندم على كل ما اقترف من آثام وما قال من شعر فاحش وممن نقل هذه القصيدة الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " بسنده عن ابن صفوان قال : لما حج أبو نواس لبى فقال :
إلهنـا مـا أعدلـك .. مليك كـل من ملـك
لبيك قـد لبيت لـك .. لبيك إن الحمـد لـك
والملك لا شريك لـك .. ما خاب عبد سـألك
لبيك إن الحمـد لـك ..أنت لـه حيث سلـك
لولاك يا رب هلـك .. لبيك أن الحمـد لـك
والملك لا شريك لـك
*~*~*~*~*~*~*~*~*~*~*
منقول- لها أون لاين
20 ذو الحجة 1430هـ/7-12-2009م, 07:03 PM
من لآلئ الحج في ديوان الشعر العربي
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
