دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ذو الحجة 1429هـ/3-12-2008م, 10:53 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

وَأَوْقَاتُ النَّهْي خَمْسَةٌ مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ........
قوله: «وأوقات النهي خمسة» . «أوقات النَّهي» : هي الأوقات التي نهى الشَّارعُ عن الصَّلاة فيها، والمراد: صلاة التطوُّع، وهي خمسة؛ وذلك أنَّ الأصل: أنَّ صلاة التطوُّعِ مشروعةٌ دائماً؛ لعموم قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ *} [الحج] وعمومِ قولِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم للرَّجُل الذي قضى له حاجةً، فقال له النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «سَلْ» قال: أسألُك مرافقتك في الجنَّة، فقال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «أَو غَيْرَ ذَلك؟» قال: هو ذاك ـ يعني: لا أَسألُكَ غيرَه ـ قال: «فأعنِّي على نَفسِكَ بكَثْرَةِ السُّجود» وعلى هذا؛ فالأصلُ في صلاةِ التطوُّعِ أنَّها مشروعةٌ كُلَّ وقتٍ للحاضر والمسافر، لكن هناك أوقاتاً نهى الشَّارعُ عن الصلاة فيها، وهذه الأوقات خمسةٌ بالبسطِ، وثلاثةٌ بالاختصارِ.
قوله: «مِن طلوع الفجر الثاني» هذا هو الوقت الأوَّل. والفجرُ الثاني: هو الفجرُ المعترضُ في الأُفقِ، والفجرُ الأولُ مقدِّمةُ للفجرِ الثاني، لكنه لا يكون معترضاً في الأُفقِ بل يكون مستطيلاً في الأُفق، والفجرُ الثاني مستطيرٌ أي: كالطير يمدُّ جناحَيه فيكون النُّورُ عرضاً في الأُفق مِن الشمال إلى الجنوب، والفجرُ الأوَّل يمتدُّ طولاً مِن الشَّرقِ إلى الغربِ.
والفجرُ الأوَّلُ يبدو قبلَ الفجرِ الثَّاني بنحو نصفِ ساعة، ثم يضمحلُّ، ويرجع الجوُّ مظلماً، ثم يخرجُ الفجرُ الثاني، قال أهلُ العِلْمِ: الفروق بينهما ثلاثة:
الأول : أنَّ الفجرَ الثاني مستطيرٌ؛ أي: معترض، والأولُ مستطيلٌ؛ أي: ممتدٌّ نحو وسَطَ السَّماء.
الثاني : أنَّ الفجرَ الثاني لا ظُلمةَ بعدَه، والأولُ يزولُ ويظلِمُ الجوُّ بعدَه.
الثالث : أنَّ الفجرَ الثاني متَّصِلٌ بالأُفقِ، والفجرُ الأولُ غيرُ متَّصلٍ، بمعنى: أنَّ الفجرَ الثاني تجدُه على وجه الأرض، والفجرُ الأولُ بينه وبين أسفل السَّماء سواد.
وقوله: «مِن الفجرِ الثاني» يعني: لا مِن صلاةِ الفجرِ.
واستُدِلَّ لذلك بحديث ضعيف: «إذا طلعَ الفجرُ؛ فلا صلاةَ إلا ركعتا الفجرِ» لا نافية، والأصلُ في النَّفي نَفْيُ الوجودِ، ثم نَفْيُ الصِّحَّةِ، ثم نَفْيُ الكمالِ، يعني: إذا جاءتِ النصوصُ:
لا صلاةَ... لا وُضُوءَ... لا صومَ، فالأصلُ نَفْيُ الوجودِ، فإنْ كان الشيءُ موجوداً بحيث لا يمكن نفيُه، صُرفَ إلى نَفْيِ الصِّحةِ؛ فصار هذا النَّفيُ نفياً للصِّحَّةِ، لأنَّ ما لا يصحُّ شرعاً يكون معدوماً شرعاً، فلو صَلَّى الإنسانُ صلاةً بغيرِ وُضُوء، وأتى فيها بكلِّ شيء فهي غير موجودة شرعاً، وإنْ وُجِدتْ في الواقع.
فإنْ لم يمكن ذلك بأن تكون العبادة صحيحة مع وجود هذا الشيء صار النَّفْيُ للكمال.
فمثلاً: إذا قلنا: لا خالقَ إلا اللهُ، فهذا نَفْيٌ للوجود، فلا يوجد خالقٌ إلا اللهُ عزّ وجل.
وإذا قلت: لا صلاةَ بغير طُهور،فهذا نَفْيٌ للصِّحَّة؛ لأن الإنسانَ رُبَّما يُصلِّي بغير طُهُور.
وإنْ دَلَّ الدَّليلُ على أنَّها تصحُّ صار النفيُ للكمال، مثل: لا إيمانَ لمن لا أمانة له، أي: لا إيمانَ كاملٌ، ومثل: لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه، أي: لا إيمانَ كاملٌ، وعلى هذا فَقِسْ.
فقوله: «لا صلاةَ بعدَ طُلوعِ الفجرِ إلا ركعتا الفجرِ» يعني: لا تصحُّ.
ولكن القول الصحيح : أنَّ النَّهيَ يتعلَّقُ بصلاةِ الفجرِ نفسِهَا، وأما ما بين الأذان والإقامة، فليس وقت، لكن لا يُشرع فيه سوى ركعتي الفجر.
لأنه ثبت في «صحيح مسلم» وغيره تعليق الحُكم بنفس الصلاة: «لا صلاةَ بعدَ صلاةِ الفجرِ حتى تطلعَ الشمسُ» .
ولأن النَّهيَ في العصرِ يتعلَّق بالصَّلاة لا بالوقت، فكان الفجر مثله يتعلَّق فيه النَّهي بنفس الصَّلاة، فإذا كان هذا هو القول الصَّحيح؛ فما الجواب عن الحديث الذي استدلَّ به المؤلِّف؟
الجواب عن ذلك من وجهين:
أحدهما : أنَّ الحديث ضعيف.
الثاني : على تقدير أنَّ الحديث صحيحٌ؛ يُحمل قولُه: «لا صلاةَ بعدَ طُلوع الفجرِ» على نفي المشروعية، أي: لا يُشرع للإنسانِ أنْ يتطوَّعَ بنافلةٍ بعد طُلوع الفجر إلا ركعتي الفجر، وهذا حقٌّ؛ فإنه لا ينبغي للإنسان بعد طُلوعِ الفجر أنْ يتطوَّع بغير ركعتي الفجر، فلو دخلت المسجدَ وصلَّيتَ ركعتي الفجر، ولم يَحِنْ وقتُ الصَّلاة وقلتَ: سأتطوَّعُ؟ قلنا لك: لا تفعل؛ لأنَّ هذا غيرُ مشروع، لكن لو فعلتَ لم تأثم، وإنما قلنا: غيرُ مشروع؛ لأنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم إنما كان يُصلِّي ركعتين خفيفتين بعد طُلوعِ الفجرِ. وهي سُنَّةُ الفجرِ فقط، يعني: بل حتى تطويل الرَّكعتين ليس بمشروع.

وِمِنْ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ ............
قوله: «ومن طلوعها حتى ترتفع قيد رمح» .
أي: من طلوع قرص الشمس.
«قيد رمح» : يعني: قَدْرَ رُمح برأي العين. هذا هو الوقت الثَّاني.
فإذا طلعت الشَّمس؛ فانظر إليها، فإذا ارتفعت قَدْرَ رُمح، يعني: قَدْرَ متر تقريباً في رأي العين فحينئذٍ خرج وقت النَّهي.
ويُقدَّرُ بالنسبة للساعات باثنتي عشرة دقيقةً إلى عشرِ دقائقَ، أي: ليس بطويل، ولكن الاحتياطُ أن يزيدَ إلى رُبعِ ساعة، فنقول بعد طُلوع الشَّمس برُبعِ ساعة ينتهي وقتُ النَّهي.

وَعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ، وَمِنْ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِهَا،.........
قوله: «وعند قيامها حتى تزول» . «عند قيامها» : أي: الشَّمس حتى تزول. أي: تميل عن وَسَطِ السَّماء نحو المغرب وهذا هو الوقت الثالث.
«وقيامها» : أي: منتهى ارتفاعها في السَّماء؛ لأن الشَّمسَ ترتفع في الأُفق فإذا انتهت بدأت بالانخفاض.
ودليل ذلك : حديث عُقبة بنِ عامرٍ رضي الله عنه قال: «ثلاثُ ساعاتٍ نهانا رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم أنْ نُصلِّيَ فيهنَّ، وأنْ نقبُرَ فيهنَّ موتانا، حين تطلعَ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحين يقوم قائمُ الظَّهيرة، وحين تضَيفُ الشَّمسُ للغروب حتى تغربَ» .
الشاهد : قوله صلّى الله عليه وسلّم: «أن نصلِّيَ فيهنَّ» . وأما ما بين الفجر إلى طُلوع الشَّمس، ومِن صلاةِ العصرِ إلى الغُروب؛ فقد ثبتَ عن عدد مِن الصَّحابة أنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم نهى عن الصَّلاة بعد الفجر ـ أي: بعد الصَّلاة على القولِ الرَّاجحِ ـ حتى تطلعَ الشَّمسُ، وبعد العصرِ حتى تغربَ.
قوله: «ومن صلاة العصر إلى غروبها» هذا هو الوقت الرابع لما ثبت في الصَّحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «نهى عن الصَّلاةِ بعد الفجرِ حتى تطلعَ الشَّمسُ، وبعدَ العصرِ حتى تغربَ الشَّمسُ»، والمراد بقوله: «إلى غروبها» أي: شروعها في الغروب.

وَإِذَا شَرَعَتْ فِيهِ حَتَّى يَتِمَّ ..........
قوله: «وإذا شرعت فيه حتى يتم» أي: في الغُروب حتى يتمَّ. هذا هو الوقت الخامس، أي: أنَّ قُرْصَ الشَّمس إذا دَنَا من الغُروب، يبدو ظاهراً بَيِّناً كبيراً واسعاً، فإذا بدأ أوَّلُه يغيب فهذا هو وقتُ النَّهي إلى تمام الغُروب؛ لقوله في حديث عُقبة: «وحين تَضَيَّفُ الشَّمسُ للغُروبِ حتى تغربَ» .
ولكن الظَّاهر : أن معنى «تَضَيَّف» أي: تميل للغروب، وينبغي أن يُجعل هذا الميل بمقدارها عند طُلوعها، يعني: قَدْرَ رُمْحٍ، فإذا بقي على غروبها قَدْرَ رُمْحٍ دخل وقتُ النَّهي الذي في حديث عُقبة، لكن ثبت في الصَّحيح عن ابنِ عُمر أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا غابَ حاجبُ الشَّمسِ فأخِّرُوا الصَّلاةَ حتى تغيبَ» .
فهذه خمسة أوقات بالبسط.
وأمَّا بالاختصار فثلاثة:
مِن الفجرِ إلى أنْ ترتفعَ الشمسُ قيد رُمْـحٍ، وحين يقومُ قائمُ الظَّهيرة، ومِن صـلاة العـصـر حتى يتمَّ غروبُ الشَّمس.
مسألة : ما الحكمةُ مِن النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات؟
الجواب مِن وجهين: أولاً : يجب أن نعلمَ أنَّ ما أمرَ اللهُ به ورسولُه، أو نهى اللهُ عنه ورسولُه فهو الحكمة، فعلينا أن نسَلِّمَ ونقول إذا سَأَلَنَا أَحدٌ عن الحكمة في أمْرٍ مِن الأمور: إن الحكمة أمرُ اللهِ ورسولِهِ في المأمورات، ونهيُ اللهِ ورسولِهِ في المنهيَّات.
ودليل ذلك : مِن القرآن قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] ، وسُئلت عائشةُ رضي الله عنها: ما بَالُ الحائضِ تقضي الصَّومَ ولا تقضي الصَّلاةَ؟ فقالت: «كان يصيبنا ذلك فنؤمرُ بقضاء الصَّوم ولا نؤمر بقضاء الصَّلاةَ» ، فاستدلَّت بالسُّنَّةِ ولم تذكرْ العِلَّةَ، وهذا هو حقيقة التسليم والعبادة؛ أن تكونَ مسلِّماً لأمرِ اللهِ ورسولِهِ عرفتَ حكمته أم لم تعرف، ولو كان الإنسان لا يؤمن بالشيء حتى يعرف حكمته؛ لقلنا: إنك ممن اتَّبعَ هواه، فلا تمتثل إلا حيث ظهرَ لك أنَّ الامتثال خير.
ثانياً : أنَّ هذه الأوقات يعبدُ المشركون فيها الشَّمسَ، فلو قمت تُصلِّي لكان في ذلك مشابهةً للمشركين، لأنهم يسجدون للشَّمسِ عند طلوعها، وعند غروبها. كما جاء في الحديث.
لكنه يَرِدُ علينا أنَّ هذا ينطبقُ على ما كان مِن طُلوع الشَّمس إلى أن ترتفعَ قَيْدَ رُمْحٍ، وعلى ما كان حين تضيَّفُ الشَّمسُ للغُروب حتى تغربَ، لكن كيف ينطبق على ما كان مِن بعدِ صلاة الفجر إلى طلوع الشَّمسِ، ومِن بعد صلاة العصر إلى أنْ تتضيَّفَ الشَّمسُ للغروب، وكيف ينطبق على النَّهي في نصف النهار حين يقوم قائمُ الظَّهيرة؟
فنقول: لما كان الشِّركُ أمرُه خطيرٌ، وشرُّه مستطيرٌ، سَدَّ الشَّارعُ كلَّ طريق يُوصِلُ إليه، ولو مِن بعيد، فلو أُذِنَ للإنسان أنْ يصلِّيَ بعد صلاة الصُّبح لاستمرَّت به الحالُ إلى أن تطلعَ الشمسُ، ولا سيما مَنْ عندهم رغبةٌ في الخير، وكذلك لو أُذِنَ له في أن يصلِّيَ بعد صلاة العصر لاستمرَّت به الحالُ إلى أن تغيبَ الشمسُ.
أما عند قيامها فقد عَلَّلَهُ النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم بأن جهنَّمَ تُسْجَر، أي: هذا الوقت يُزاد في وقودها؛ فناسب أن يبتعد النَّاسُ عن الصَّلاة في هذا الوقت؛ لأنه وقت تُسجر فيه النَّار، فهذه حكمتُه.
فالواجبُ على المسلمِ أن يكون مبايناً للمشركين في كُلِّ شيء؛ لأنه مسلمٌ. حتى إنَّ عُمرَ رضي الله عنه لما كان الناسُ في عِزَّة الإسلامِ كان لا يُمَكِّن أهلَ الذِّمَّة أنْ يركبوا الخيلَ؛ لأنَّ به عِزَّ الإسلامِ، وهي آلةُ الحرب، فلو رَكِبَ الذِّميُّ الخيلَ لحصَلَ في نفسِه عِزَّةٌ وَأَنفَةٌ. والمطلوب مِن المسلم أن يُذِلَّ الكافرَ، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ *} [التحريم] ، وكان يمنعهم مِن أن يركبوا كما يركب المسلمون، بل يركبون عرضاً، أي: على جانب واحد، فتكون أرجلُهم مِن الجانب الأيمن كلُّها، أو مِن الجانب الأيسر؛ لئلا يتشبَّهوا بالمسلمين، فكذلك إذا صَلَّى الإنسانُ عند طُلوع الشَّمس أو غروبها تَشبَّه بالمشركين بالعبادة، وهذا أعظمُ مِن التشبُّه باللباس، أو الرُّكوب، أو ما أشبه ذلك.

وَيَجُوْزُ قَضَاءُ الفَرَائِضِ فِيْهَا، وَفِي الأَوْقَاتِ الثَّلاَثَةِ فِعْلُ رَكْعَتَي طَوَافٍ ........
قوله: «ويجوز قضاء الفرائض فيها» .
«فيها» أي: في أوقات النَّهي مثاله: أن ينسى الإنسانُ صلاةَ الظُّهر، ويصلِّي العصرَ على أنه قد صَلَّى الظُّهر، وبعد أن صَلّى العصرَ ذكر أنه لم يُصلِّ الظّهرَ، ففي هذه الحال يقضيها ولو بعد صلاة العصر، والدَّليل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «مَن نَامَ عن صلاة أو نسيَهَا فليصلِّها إذا ذكَرَهَا» وهذا عامٌّ يشمل جميع الأوقات، ولأن الفرائض دَيْنٌ واجب فوجب أداؤه على الفَورِ مِن حين أن يعلمَ به.
مثال آخر : رَجُلٌ لما صَلَّى العصرَ ذكر أنه صَلَّى الظُّهرَ بغير وُضُوءٍ، ففي هذه الحال يلزمه قضاءُ صلاةِ الظُّهرِ، ولو بعدَ صلاة العصر.
قوله: «وفي الأوقات الثلاثة فعل ركعتي طواف» .
أي: ويجوز في الأوقات الثلاثة فِعْلُ ركعتي طواف، ويعني: بالأوقات الثلاثة الأوقات: القصيرة التي ذُكرت في حديث عُقبة بن عامر: وهي «مِن طُلوعِ الشَّمسِ حتى ترتفعَ قَيْدَ رُ محٍ، وعند قيامها حتى تزولَ، وحين تضيَّفَ للغروب حتى تغربَ» فيجوز فيها فِعْلُ ركعتي الطَّواف، فإذا طافَ الإنسانُ بعد طُلوع الشَّمس وقبل ارتفاعها قيد رُمْحٍ فإنه يُصلِّي ركعتي الطَّواف، وإذا طاف حين تتضيَّفُ الشَّمسُ للغروب، فإنه يُصلِّي ركعتي الطَّواف.
والدَّليلُ : قولُ النبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام: «يا بَنِي عَبدِ مَنَافٍ، لا تمنعوا أحداً طَافَ بهذا البيتِ وصَلَّى فيه أيَّةَ ساعةٍ شاءَ مِن ليلٍ أو نهارٍ» فقال: «أيَّةَ ساعةٍ شاءَ مِن ليلٍ أو نهارٍ» وهذا صريحٌ بأنه لا يجوز لهم أن يمنعوا أحداً طافَ بهذا البيت في أيِّ ساعة كانت لا بعدَ العصر ولا بعد الصُّبح ولا في أيِّ وقتٍ، ولكن قد يُنازع في الاستدلال بهذا الحديث، فيقال: إنَّ هذا الحديث موجَّه إلى مَن تولَّى البيت فإنه لا يجوز له أن يمنعَ أحداً مِن الطَّواف ومِن الصَّلاة فيه، ويبقى الحكمُ الشَّرعيُّ مانعاً مِن الصَّلاة في أوقات النَّهي.
وأيضاً: لو أخذنا بعموم الحديث لكان دالاًّ على أنَّه لا نَهيَ عن الصَّلاة في المسجد الحرام، سواءٌ كانت ركعتي الطَّواف أم لم تكن، لأنه قال: «طافَ بهذا البيتِ وصَلَّى فيه» .
فظاهره : أنه لا نهي عن الصَّلاة في المسجد الحرام، ولو في أوقات النَّهي.
وعلى هذا؛ فيُنازع في الاستدلال بهذا الحديثِ مِن وجهين:
الوجه الأول : أنَّ ظاهرَه أنه لا بأسَ بالصَّلاة ولا بأسَ بالطَّوافِ في كُلِّ وقت، وأنتم تخصُّون الصَّلاة بركعتي الطَّواف.
الوجه الثاني : أنَّ الحديثَ موجَّه إلى ولاةِ الأمْرِ في المسجد الحرام؛ أنه لا يَحِلُّ لهم أن يمنعوا أحداً من الصلاة فيه.
وعلى كُلٍّ؛ سيأتينا إنْ شاءَ اللهُ أنَّ ركعتي الطوافِ جائزةٌ لا لهذا الحديث، ولكن لأن لها سبباً، وذوات الأسباب يجوز فِعْلُها في وقت النَّهي.
وقوله: «في الأوقات الثلاثة» مفهومُه: أنَّ الوقتين الآخرين لا يجوز فيهما فِعْلُ ركعتي الطَّواف، ولكن هذا ليس مراداً، فالمفهوم هنا مفهوم أولوية لا مفهوم مخالفة، لأنه إذا جازت صلاةُ ركعتي الطَّواف في الأوقات الثلاثة القصيرة؛ وهي أغلظ تحريماً مِن الأوقات الطويلة؛ ففي الأوقات الطويلة مِن بابِ أولى، ونَصَّ المؤلِّفُ على الأوقات الثلاثة، لأن بعضَ العُلماءِ قال: إنَّ الأوقاتَ الثلاثةَ القصيرةَ لا يجوز فيها فِعْلُ ركعتي الطَّواف، وإنما تجوز في الوقتين الطويلين فقط، وهذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
والوقتان الطويلان هما مِن صلاةِ العصرِ إلى أن تتضيَّفَ الشَّمسُ للغروب، ومِن صلاة الفجر أو مِن طُلوعِ الفجر إلى أن تطلعَ الشَّمسُ.

وَإِعَادَة جَمَاعَةٍ.........
قوله: «وإعادة جماعة» .
أي: أنه يجوز في هذه الأوقات الثلاثة، وغيرها مِن باب أَولى أنْ يعيدَ الإنسانُ الجماعةَ. فإذا أتى مسجدَ جماعةٍ، ووجدهم يُصلُّون وقد صَلَّى، فإنَّه يُصلِّي معهم، ولو كان وقتَ نهي.
مثال ذلك : رَجُلٌ صَلَّى العصرَ في مسجدِه، ثم أتى إلى مسجدٍ آخر ليحضُرَ الدَّرسَ مثلاً؛ فوجدَهم يُصلُّون؛ فإنَّه يُصلِّي معهم. والدَّليلُ أنَّه صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى ذاتَ يوم صلاةَ الفجر في مِنَى، فلما انصرف إذا برجلين قد اعتزلا؛ لم يصلِّيا مع الناس، فدعا بهما فجِيء بهما تُرعَدُ فرائصهُما، فقال: ما منعكما أن تُصلِّيَا معنا؟ قالا: يا رسول الله صَلَّينا في رِحالنا، فقال لهما: إذا صَلَّيتُما في رحالِكما، ثم أتيتما مسجدَ جماعةٍ فصلِّيا معهم، فإنها لكما نافلة» أي: الصلاةُ الثانية لكما نافلةٌ، وهذا صريحٌ في جواز إعادة الجماعة في وقت النَّهي، وفي هذا الحديثِ دليلٌ على أنه يُنكر على مَن جَلَسَ والناسُ يصلُّون؛ لأنه شذوذ وخروج عن الجماعة.
حتى إن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا أُقيمَتِ الصَّلاةُ، فلا صلاةَ إلا المَكتوبةُ» ، وفي لفظ: «إلا التي أُقيمَتْ» ، يعني: حتى لو كان عليك فريضةٌ تريد أنْ تقضيها والإمام يُصلِّي، وصلَّيتَ وحدَك لتؤدِّي الفريضةَ السابقةَ؛ فأنت منهيٌّ عن ذلك لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا صلاةَ إلا التي أُقيمَتْ» .
واحتَجَّ بعضُ الناسِ بحديث الرَّجُلين على جواز إقامةِ الجماعةِ في الرَّحْلِ دون المسجد، أي: أنه لا يجبُ على الإنسانِ أنْ يُصلِّيَ مع الجماعةِ في المسجدِ، بل يجوزُ أن يُصلِّيَ جماعة في رَحْلِهِ، وعلى هذا؛ فإذا كُنَّا جماعةً في بيت، وأذَّنَ المؤذِّنُ، فإنه يجوز لنا أن نصلِّيَ في بيتنا، ولا نذهب إلى المسجد؛ لقول الرَّجُلين للنَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: صَلَّينا في رِحَالِنا فقال: «إذا صَلَّيتُما في رحالِكما، ثم أتيتما مسجدَ جماعة» ولم يقل: لا تصلِّيا في رحالِكُما، بل صَلِّيا في المسجد، وهذا لا شَكَّ أنَّ فيه شيئاً مِن الشُّبهةِ، ففيه فِعْلُ الصحابيين، وفيه إقرارُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لفعِلِهِمَا، أما مجرَّدُ فِعْلِهِمَا فليس فيه دليلٌ بلا شَكٍّ، لأنه يَحتملُ أنهما لم يعلما بوجوب الصلاة في المسجد، ويحتمل أنهما ظَنَّا أنَّ الجماعةَ قد أُقيمت، وأنهما لا يدركان جماعةَ المسجدِ فصلَّيا في رحالِهِمَا. لكن الذي فيه الإشكالُ إقرارُ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم لهما، حيث لم يقلْ: لا تصلِّيا في رحالِكُمَا، ولا شك أنَّ هذا فيه شُبهة، وفيه شيءٌ مِن المستند لِمَنْ قال بأنه لا تجب الصلاةُ في المسجدِ، ولكن هناك أدلَّةٌ أخرى أصرحُ مِن هذا، تدلُّ على وجوب صلاة الجماعةِ في المسجدِ. والقاعدة الشرعية عندنا: أنه إذا وُجِدَ دليلٌ مشتبهٌ ودليلٌ مُحكمٌ لا اشتباه فيه، فالواجبُ حَمْلُ المشتبه على المحكم.
فالنصوص: تدل على أنه لا بُدَّ مِن الحضور في المسجد، مثل حديث أبي هريرة أنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «... ثم أنْطَلِقَ إلى قومٍ لا يشهدون الصَّلاةَ؛ فأحرِّقَ عليهم بيوتَهُم بالنَّار» مع أنَّ القومَ يمكن أن يصلوا جماعة في مكانهم، فجعل تخلُّفهم سبباً لإحراقهم بالنار، الذي هَمَّ به عليه الصلاة والسلام.
ومنها أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم: لما استأذنه الرَّجُلُ الأعمى أنْ يُصلِّيَ في بيتِهِ؛ أَذِنَ له؛ ثم دعاه، فقال: «هل تسمعُ النداءَ؟» قال: نعم، قال: «فأجِبْ» ولم يقل: انظر مَن يصلّي معك وصَلِّ في بيتك.
فالصحيح في هذه المسألة: أنه لا بُدَّ مِن حضور المسجد لصلاة الجماعة. لكن لو صَلّى في بيته ظاناً أنَّ الناسَ قد صلّوا بناءً على العادة، ثم تبيَّن أنهم لم يصلوا لم يلزمه الحضور إلى المسجد؛ لأنَّه أدَّى الفريضة.
فاسْتَثنى المؤلِّفُ ـ مما لا يَجوزُ في وَقْتِ النَّهي ـ ثلاثَ مسائلٍ:
1 ـ قضاءَ الفرائضِ فيها.
2 ـ فِعْلَ ركعتي الطَّواف.
3 ـ إعادةَ الجَماعةِ.
ويُستثنى أيضاً على المذهبِ مسألةٌ رابعةٌ وهي: سُنَّةُ الظُّهرِ التي بعدَها إذا جُمِعت مع العصر.
مثاله: رَجُلٌ جَمَعَ العصرَ مع الظُّهرِ جَمْعَ تقديم، فقد دَخَلَ وقتُ النَّهي في حَقِّهِ، لأنَّ النَّهيَ مُعلَّقٌ بالصَّلاةِ في هذه الحال، ولم يُصَلِّ راتبةَ الظُّهرِ البعديَّةَ؛ فلا بأسَ أن يصلِّيها بعدَ العصرِ.
وخامسةٌ: وهي مَن دَخَلَ يومَ الجُمُعةِ والإمامُ يخطُبُ؛ فإنَّه يُصلِّي ركعتين خفيفتين، ولو كان عند قيام الشمس.
ودليل ذلك: «أنَّ رَجُلاً دَخَلَ والنَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يخطُبُ يومَ الجُمُعَةِ، فجَلَسَ، فقال له: «أصَلَّيتَ؟» قال: لا، قال: «قُمْ فَصَلِّ ركعتين وتجوَّزْ فيهما»فلو أَنَّ الإمامَ جاءَ قبل أنْ تزولَ الشَّمسُ ـ والجُمُعةُ يجوز أنْ يحضُرَ الإمامُ فيها قبلَ الزَّوالِ ويَشْرَعَ في الخطبةِ عند قيامِ الشَّمسِ وقبلَ أنْ تزولَ، أي: في وقْتِ النَّهي ـ فإذا دَخَلَ رَجُلٌ، ففي هذه الحال نقول: صَلِّ تحيةَ المسجدِ ولو في وَقْتِ النَّهي.
وسادسة وهي ـ: سُنَّة الفجر قبل صلاة الفجر.
وسابعة وهي: صلاة الجَنازة تُفعل في أوقات النَّهي الطويلة، أي: لو صَلَّينا العصرَ، وحضرت جنازةٌ، فإنَّنا نُصلِّي عليها؛ لعمُومِ الأدلَّة في وجوبِ الصَّلاةِ على الميِّتِ، ولأنه ينبغي الإسراعُ في دَفْنِهِ.

وَيَحْرُمُ تَطَوُّعٌ بِغَيْرِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الأَوْقَاتِ الخَمْسَةِ حَتَّى مَا لَهُ سَبَبٌ.
قوله: «ويحرم تطوع بغيرها» أي: بغير المتقدِّمات مِن إعادة الجَماعةِ، وركعتي الطَّواف، وكذلك تحيَّة المسجدِ لمَن دَخَلَ والإمامُ يخطبُ، وسُنَّة الظُّهر البعديَّة لمَن جمعَها مع العصرِ وسُنَّة الفجر قبلها.
قوله: «حتى ما له سبب» أي: لا يجوزُ التطوُّع في هذه الأوقات حتى الذي له سببٌ.
وذلك لعموم الأدلَّةِ؛ في أنَّه لا صلاةَ في هذه الأوقات، فعمُوم النَّهي مقدَّمٌ على عموم الأمر؛ لأنَّ الذي له سببٌ تعارَضَ مع أحاديثِ النَّهي حيث كان كلٌّ منهما عاماً مِن وجهٍ، خاصاً مِن وجهٍ. مثال ذلك: تحية المسجد، فيها قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا دخلَ أحدُكُمُ المسجدَ فلا يجلسْ حتى يركعَ ركعتين» ] ففيه عمومٌ في الوقت مستفادٌ مِن قوله: «إذا دَخَلَ» ؛ لأنَّ «إذا» شرطيَّةٌ ظرفيةٌ، أي: في أيِّ وَقْتٍ دَخَلَ المسجدَ فلا يجلسْ حتى يصلِّيَ ركعتين، وفيه خُصوصٌ في الصَّلاةِ، وهو أنَّ هذه الصلاةَ المأمورَ بها على سبيل العُمومِ صلاةٌ مخصوصةٌ، وهي تحيَّةُ المسجدِ، ففيه عمومٌ وفيه خصوصٌ.
وقوله: «لا صَلاةَ بعد العصر حتى تغيبَ الشَّمسُ» فيه عمومٌ، وفيه خصوصٌ.
فيه عمومٌ في الصَّلاةِ في قوله: «لا صَلاَةَ» لا تحيَّةَ مسجدٍ ولا غيرَها، وفيه خُصوصٌ في الوقت «بعدَ العصرِ» فصار عمومُ الوقت في قوله: «إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ» . وخصوصُ الوقت في قوله: «بعدَ العصرِ» وصار عمومُ الصَّلاةِ في قوله: «لا صلاة بعدَ العصرِ» وخصوصُ تحيَّةِ المسجدِ، فلهذا صار بينهما عمومٌ وخصوصٌ، فإذا دَخَلَ إنسانٌ المسجدَ بعدَ العصرِ فإنْ قلتَ له: «صَلِّ» خالفتَ النَّهيَ ووافقتَ الأمرَ، وإن قلت: «لا تصلِّ» وافقتَ النَّهيَ وخالفتَ الأمْر، فالمؤلِّفُ يقول: وافق النَّهي فلا تُصَلِّ.
والحجةُ في ذلك: أنه اجتمعَ مُبيحٌ وحاظرٌ، أو اجتمعَ أمْرٌ ونهيٌ، فالاحتياطُ التجنُّبُ خوفاً مِن الوقوع في النَّهي، كما قالوا: إذا اجتمعَ مبيحٌ وحاظرٌ قُدِّمَ الحاظرُ، فلذلك نمتنعُ ونقتصرُ على ما وَرَدَ به النَّصُّ مِن إعادةِ الجَمَاعةِ وركعتي الطَّواف وما أشبههما.
وذهبَ بعضُ أهلِ العِلْم: إلى ترجيحِ الأمرِ الخاصِّ.
وعلّلوا ذلك: بأنَّه تعارضَ عامَّان وخاصَّان، والعامُّ في النَّهي مخصوصٌ بمسائلٍ متفقٍ عليها.
فالعامُّ في النَّهي: «لا صلاةَ بعدَ العصرِ حتى تغربَ الشَّمسُ» مخصوصٌ بمسائلٍ متَّفقٍ عليها، وهي قضاءُ الفرائضِ، وإعادةُ الجماعةِ، وفِعْلُ ركعتي الطَّوافِ، وركعتي تحيَّةِ المسجدِ لمَن دَخَلَ والإمامُ يخطبُ يومَ الجُمُعةِ، فلمَّا كان هذا العمومُ مخصوصاً بمسائلَ؛ صارت دلالتُه على العمومِ ضعيفةً؛ لأنَّه لما اسْتُثنيَ منه أشياءٌ، ضعف عمومُه. حتى إنَّ بعضَ العلماءِ مِن الأصوليين قال: إنَّ العامَّ إذا خُصَّ بطلت دلالتُه على العموم نهائيًّا؛ لأنَّ تخصيصَه يدلُّ على عدمِ إرادةِ العموم. وإذا بطلَ عمومُه لم يكن معارضاً للأحاديثِ الدَّالةِ على فِعْلِ الصَّلواتِ التي لها سببٌ.
والقولُ الصحيحُ في هذه المسألةِ: أنَّ ما له سببٌ يجوز فِعْلُه في أوقاتِ النَّهي كلِّها، الطويلةِ والقصيرةِ لِما يأتي:
أولاً : أنَّ عمومَه محفوظٌ، أي: لم يُخصَّصْ، والعمومُ المحفوظُ أقوى مِن العمومِ المخصوصِ.
ثانياً : أنْ يُقال: ما الفرقُ بين العمومِ في قوله: «مَنْ نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها فَلْيُصلِّها إذا ذَكَرَها» . وقوله: «إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلِّيَ ركعتين» ؟.
فإذا قلتم: إنَّ قولَه: «مَن نامَ عن صلاةٍ أو نسيَها» عامُّ في الوقت فليَكُن قولُه: «إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ» عامًّا في الوقتِ أيضاً ولا فَرْقَ. فإنَّ قولَه: «مَن نامَ عن صَلاةٍ أو نسيَها فَلْيُصَلِّها إذا ذكرَها» خاصٌّ في الصلاةِ عامٌّ في الوقتِ.
وكذلك «إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلسْ حتى يُصلِّيَ ركعتين» خاصٌّ في الصَّلاة عامٌّ في الوقتِ، فكيف تأخذون بعموم: «مَن نامَ عن صَلاةٍ أو نسيَها» وتقولون: إنَّه مخصِّصٌ لعموم: «لا صَلاةَ بعدَ الصُّبح» أو «بعدَ العصرِ» ولا تأخذون بعمومِ: «إذا دَخَلَ أحدُكم المسجدَ فلا يجلَسْ حتى يصلِّي ركعتين» .
ثالثاً : أنَّها مقرونة بسبب، فيبعد أنْ يقعَ فيها الاشتباهُ في مشابهة المشركين؛ لأنَّ النَّهيَ عن الصَّلاةِ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ وقبلَ غروبِها، لئلا يَتَشَبَّهَ المُصلِّي المسلمُ بالمشركين الذين يسجدونَ للشَّمسِ إذا طلعتْ وإذا غربتْ، فإذا أُحيلت الصَّلاةُ على سببٍ معلومٍ كانت المشابهةُ بعيدةً أو معدومةً.
رابعاً : أنَّه في بعضِ ألفاظِ أحاديثِ النَّهي: «لا تَحرَّوا بصلاتِكُم طُلوعَ الشَّمسِ ولا غُروبَها» والذي يُصلِّي لسببٍ لا يُقال: إنَّه متحرٍّ. بل يُقال: صَلَّى للسَّببِ.
والمتحرِّي: هو الذي يَرْقبُ الشمسَ، فإذا قاربتِ الطُّلوعَ مثلاً قامَ وصَلَّى، أو الذي يرقبُ وَقْتَ النَّهي، فإذا جاءَ وَقْتُ النَّهي قامَ وصَلَّى. وهذا مذهبُ الشافعي وإحدى الرِّوايتين عن الإمام أحمدَ رحمه الله، واختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيمية، وشيخِنا عبدِ الرَّحمن بنِ سعدي، وشيخِنا عبدِ العزيزِ بنِ باز.
وعلى هذا؛ إذا دخلتَ المسجدَ لصلاةِ المغربِ قبلَ الغُروبِ بربع ساعة مثلاً؛ تُصلِّي ولا حَرَج، بل لو جلستَ لكنت واقعاً في نَهْيِ الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم عن الجلوسِ لمَن دَخَلَ المسجدَ حتى يُصلِّيَ ركعتين.
وقوله: «حتى ما له سبب» إشارة إلى الخِلافِ في هذه المسألةِ، مع أنَّ الخِلافَ قويٌّ، وقد ذَكَرَ بعضُ المتأخِّرين أنهم إذا قالوا: «ولو كذا» فالخِلافُ قويٌّ، وإذا قالوا: «وإنْ كان كذا» فالخِلافُ أقلُّ، وإذا قالوا: «حتى» فالخِلافُ ضَعيفٌ.
ولكن؛ الخِلافُ في هذه المسألةِ قويٌّ جدًّا، لا مِن حيث الدليلُ ولا مِن حيث كثرةُ المخالفين.
مسألة : لو أنَّ رجُلاً توضَّأ بعدَ صلاةِ العصرِ هل يُصلِّي سُنَّة الوضُوءِ، أم لا يُصلِّي؟
الجواب : إنْ توضَّأ ليصلِّي؛ فلا يجوز؛ لأنَّه تعمَّدَ الصلاةَ في أوقات النَّهي.
وإن توضَّأ للطَّهارة؛ صَلَّى على القول الصَّحيحِ، أما على قَوْلِ مَن يقول: إنَّه لا يُصلِّي مِن النوافل إلا ما خصَّصوها، فلا يجوز.
مسألة : لو أنَّ رجُلاً تقدَّم إلى صلاةِ المَغربِ يومَ الجُمُعةِ في آخر النَّهارِ مِن أجلِ أن يُصلِّي تحيَّةَ المسجدِ حتى يشمله الحديث: «إنَّ في الجُمُعَةِ لساعةً، لا يوافِقُها عبدٌ مسلمٌ ـ وهو قائمٌ يُصلِّي ـ يسألُ اللهَ شيئاً إلا أعطَاهُ إيَّاهُ» ، فهل نقول: إنَّ هذا حرامٌ، أو نقول: إنَّ هذا جائزٌ؟
الجواب : إنْ قَصَدَ المسجدَ ليصلِّيَ؛ فهذا حرامٌ، كما قلنا: إنْ توضَّأ ليصلِّيَ، وإنْ قَصَدَ المسجدَ مِن أجل التقدُّم لصلاةِ المَغربِ، ثم لمَّا دَخَلَ صَلَّى ركعتين مِن أجْلِ أنَّه دَخَلَ المسجدَ، حتى وإنْ كان لا يتقدَّم إلا يومَ الجمعة فإنَّه لا بأس به.
فهناك فَرْقٌ بين مَن يتوضَّأ ليصلِّي في وَقْت النَّهي فلا يجوز أنْ يصلِّي، وبين مَن يتوضَّأ لا للصَّلاة فنقول له: إذا توضَّأتَ فصلِّ، وكذلك تحيةُ المسجدِ، هناك فَرْقٌ بين مَن دَخَلَ المسجدَ لصلاة التحيَّة في وَقْتِ النَّهي وبين مَن دَخَلَه لغرضٍ آخر، ثم أمرناه بالتحيَّة لقولِ النَّبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّما الأعمالُ بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرىءٍ ما نوى».
(فائدة): الأمورُ التي تفارقُ فيها النوافلُ الفرائضَ:
1 ـ أنَّ الفرائضَ فُرضتْ على النَّبي صلّى الله عليه وسلّم وهو في السَّماءِ ليلة المعراجِ، بخلافِ النوافلِ، فإنَّها كسائرِ شرائعِ الإسلامِ.
2 ـ تحريمُ الخروجِ مِن الفرائضِ بلا عُذْرٍ، بخلافِ النوافلِ.
3 ـ الفريضةُ يأثمُ تارِكُها، بخلافِ النافلةِ.
4 ـ الفرائضُ محصورةُ العددِ، بخلافِ النوافلِ فلا حصرَ لها.
5 ـ صلاةُ الفريضةِ تكون في المسجدِ، بخلافِ النافلةِ فهي في البيتِ أفضلُ إلا ما استُثني.
6 ـ جوازُ صلاةِ النافلةِ على الراحلة بلا ضرورة، بخلاف الفريضةِ.
7 ـ الفريضةُ مؤقَّتةٌ بوقتٍ معيَّن، بخلافِ النافلةِ، فمنها المؤقَّتُ وغيرُ المؤقَّتُ.
8 ـ النافلةُ في السفر لا يُشترط لها استقبالُ القِبلة، بخلافِ الفريضةِ.
9 ـ جوازُ الانتقالِ مِن الفريضةِ إلى النَّافلةِ غيرِ المعيَّنةِ، والعكس لا يصحُّ.
10 ـ النَّافلةُ لا يكفُرُ بتركِها بالإجماعِ، وأما الفريضةُ فيَكْفرُ على القولِ الصَّحيحِ.
11 ـ النَّوافلُ تكمِّلُ الفرائضَ، والعكسُ لا يصحُّ.
12 ـ القيامُ ركنٌ في الفريضةِ، بخِلافِ النَّافلةِ.
13 ـ لا يصحُّ نَفْلُ الآبق، ويصحُّ فَرْضُه.
14 ـ جوازُ الاجتزاء (الاكتفاء) بتسليمة في النَّفْلِ على أحدِ القولين، دون الفرض.
15 ـ لا يُشرع الأذانُ والإقامةُ في النَّفلِ مطلقاً، بخلافِ الفَرْضِ.
16 ـ الفريضةُ تُقصرُ في السَّفرِ، أما النَّافلةُ التي في السَّفر فلا تُقصر.
17 ـ النَّافلةُ تسقطُ عند العجز عنها، ويُكتب أجرُها لِمَن اعتادَها، والفريضةُ لا تسقطُ بحالٍ، ويُكتبُ أجرُ إكمالِها لمن عجز عنه؛ إذا كان من عادته فِعْلُه.
18ـ جميعُ الفرائضِ يُشرعُ لها ذِكْرٌ بعدَها، أما النَّوافلُ فقد وَرَدَ في بعضِها، وفي بعضهِا لم يردْ.
19 ـ النَّافلةُ تجوزُ في جَوْفِ الكعبةِ، وأما الفريضةُ فلا. والصَّحيحُ جوازُها فلا فَرْقَ.
20 ـ وجوبُ صلاةِ الجماعة في الفرائض، دون النوافلِ.
21 ـ الفرائضُ يجوزُ فيها الجمعُ، بخلافِ النوافلِ.
22 ـ الفرائضُ أعظمُ أجراً مِن النوافلِ.
23 ـ جوازُ الشُّربِ اليسيرِ في النفلِ، دون الفرض.
24 ـ أنَّ النوافلَ منها ما يُصلَّى ركعةً واحدةً، بخلافِ الفرائضِ.
25 ـ يُشرعُ في صلاةِ النافلةِ السؤالُ والتعوُّذ عند تِلاوة آيةِ رحمةٍ، أو آيةِ عذابٍ، وأما الفريضةُ فإنه جائزٌ غيرُ مشروعٍ.
26 ـ جوازُ ائتمام البالغِ بالصَّبي في النافلةِ، دون الفريضةِ، والصَّوابُ جوازه فلا فَرْقٍ.
27 ـ جوازُ ائتمامِ المتنفِّلِ بالمفترضِ، دون العكس، والصَّحيحُ جوازُه فلا فَرْقَ.
28 ـ النَّوافلُ منها ما يُقضى على صِفته، ومنها ما يُقضى على غير صِفته كالوِتر، أما الفرائضُ فتُقضَى على صِفتها، لكن يُستثنى مِن ذلك الجُمعةُ، فإنها إذا فاتتْ تُقضى ظُهراً.
29 ـ صلاةُ الفَريضةِ الليلية يُجهر فيها بالقِراءة، أما النَّفلُ الذي في الليلِ فهو مخيَّرٌ بين الجهرِ وعدمِه.
30 ـ وجوبُ ستر العاتق في الفريضة على أحد القولين، دون النافلة.
31 ـ مِن النوافلِ ما تسقطُ بالسَّفَرِ، وأما الفرائضُ فلا يسقطُ منها شيءٌ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أوقات, النهي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir