1111 - وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيةُ فِينَا مَعْشَرَ الأنصارِ. يَعنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. قَالَهُ رَدًّا عَلَى مَن أَنْكَرَ عَلَى مَنْ حَمَلَ عَلَى صَفِّ الرومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ. رَوَاهُ الثلاثةُ، وصَحَّحَهُ التِّرمذيُّ وابنُ حِبَّانَ والحاكِمُ.
دَرَجَةُ الْحَدِيثِ:
الْحَدِيثُ صَحِيحٌ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي (تَفْسِيرِهِ): رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائِيُّ، وعبدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ، وَأَبُو يَعْلَى، وَابْنُ حِبَّانَ فِي (صَحِيحِهِ) والحاكمُ فِي (مُسْتَدْرَكِهِ).
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ الحاكمُ: (عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ). وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ.
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
- مَعْشَرَ الأَنْصَارِ: مَنْصُوبٌ عَلَى الاختصاصِ، والمَعْشَرُ: الجماعةُ، والجَمْعُ: مَعَاشِرُ.
- لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ: كِنَايَةٌ عَن الأَنْفُسِ.
- التَّهْلُكَةِ: مَصْدَرُ هَلَكَ يَهْلِكُ هُلْكاً وَهَلاكاً وَتَهْلُكَةً، وَهُوَ الْمَوْتُ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ سَبَباً إِلَيْهِ.
- الرومُ: جِيلٌ مِنَ النَّاسِ صَارَ لَهُمْ دَوْلَةٌ وَحَضَارَةٌ وَقُوَّةٌ قَبْلَ الإِسْلامِ.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1- رَوَى أَبُو دَاوُدَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائِيُّ، وغيرُهُم مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ عَلَى القُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى عَسْكَرِ الْعَدُوِّ، فَقَالَ قَوْمٌ: أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ: لا، إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الأَنْصَارِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَتْرُكُوا الْجِهَادَ، وَيُعَمِّرُوا أَمْوَالَهُمْ.
وَأَمَّا هَذَا فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}. [البقرة: 207].
2- الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جوازِ المبارزةِ لِمَنْ عَرَفَ فِي نَفْسِهِ البلاءَ فِي الحروبِ، والشِّدَّةَ، والشجاعةَ؛ فَإِنَّ انْتِصَارَهُ عَلَى خَصْمِهِ يُقَوِّي عَزَائِمَ الْمُسْلِمِينَ، وَيَشْحَذُ هِمَمَهُم، بَيْنَمَا يَفُتُّ فِي عَضُدِ عَدُوِّهِمْ.
3- تَقَدَّمَ أَنَّ المبارزةَ لا تَكُونُ إِلاَّ بإذنِ الأميرِ، وَلا يَأْذَنُ إِلاَّ حِينَمَا تَنْتَفِي المفاسدُ والأخطارُ، وَهُوَ صَاحِبُ تَدْبِيرِ الحربِ، فَطَاعَتُهُ بالمعروفِ واجبةٌ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ}. [النُّور: 62].
وَقَدْ جَاءَ فِي الصحيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي)).
4- قَالَ الْحَافِظُ: ذَهَبَ جمهورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الشجاعِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى الْكَثِيرِ مِن الْعَدُوِّ، إِذَا كَانَ لَهُ قَصْدٌ حَسَنٌ، كأنْ يُرْهِبَ الْعَدُوَّ، أَوْ يُجَرِّئَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الإقدامِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِن المقاصدِ الصحيحةِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ حَمْلَتُهُ مُجَرَّدَ تَهَوُّرٍ فَلا يَجُوزُ، لا سِيَّمَا إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ وَهَنُ الْمُسْلِمِينَ، وَكَسْرُ قُلُوبِهِم.