س1: إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان. بيّن ذلك.
أما على مستوى الفرد، فمن المعلوم أن العبد لا يمكنه معرفة هدى الله جل جلاله إلا بالعلم، ولا يتبع هذا الهدى إلا بالإيمان، وبذلك تحصل له العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، ومن قام بهذين الأمرين فقد أقام دينه، وكان له وعد من الله تعالى بالهداية والنصر، وإن خذله من خذله، وإن خالفه من خالفه. كما قال الله تعالى:{وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}
وبقدر ما يضعف العلم والإيمان؛ ينحط الفرد، وبقدر ما يزيد العلم والإيمان؛ يرتفع الفرد، كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}
وكذلك على مستوى الأمة، فقد جعل الله تعالى رفعة هذه الأمة، وعزتها، ونجاتها لا تحقق إلا بالعلم والإيمان، كما قال تعالى: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لاَ يَزَالُ مِنْ أمتي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)) [رواه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما وهذا لفظ البخاري]. فضَمِن الله تعالى لمن يقوم بأمره؛ أن لا يضره من يخذله ولا من يخالفه.
وكلما كانت الأمة أكثر حظًا ونصيبًا من العلم والإيمان؛ كانت رفعتها وعزتها أظهر وأشهر، وكلما ضعف حظها منهما؛ كانت أكثر تخلفًا وانحطاطًا وذلًا، والتاريخ والواقع شاهدان على ذلك.
س2: ما يعتري طالب العلم من الفتور على نوعين؛ بيّنهما.
· النوع الأول: فتور تقتضيه طبيعة جسد الإنسان، وما جُبل عليه من الضعف والنقص؛ وهذا من طبائع النفوس، ولا يُلام عليه الإنسان، وهذا فتور عارض.
والدليل عليه ما رواه ابن أبي شيبة بإسنادٍ صحيح، عن عبد الله بن عمر بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَتِي فَقَدْ اهْتَدَى ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ)) [وأخرجه أيضًا الإمام أحمد، والطحاوي، وابن حبان].
فهذا الحديث يبيّن لنا أن كل عمل يعمله الإنسان فله فترة، فمن كانت كانت فترته إلى قصد واعتدال بما لا يخل بالفرائض؛ فهو هو غير ملوم، وأنه بمثابة إجمام النفس، ومن كانت فترته إلى انقطاع، وإلى سلوك غير سبيل السنة؛ فهو مذموم.
وهذا الفتور لا ينبغي علاجه بمغالبته بالجد والاجتهاد والقضاء عليه، فهذا خلاف فطرة الإنسان، وإنما يكون علاجه بإعطاء النفس حقها، من الراحة والاستجمام والقصد والاعتدال، وأن يحرص - في فترته - أن يضبط الحد الأدنى من العلم، حتى لا ينقطع عن العلم انقطاعًا كليًا. وبين ابن القيم رحمه الله أن هذا الفتور العارض له حِكمٌ من الله عز وجل، وأن به يتبين الصادق من الكاذب.
· النوع الآخر من الفتور- وهوالفتور الذي يُلام عليه العبد -: هو الفتور الذي يكون سببه ضعف اليقين وضعف الصبر.
وإذا ضعف اليقين والصبر؛ سُلّطت على الإنسان آفات من كيد الشيطان، وعلل النفس، وعواقب الذنوب، ولا سبيل له إلى الخلاص منها إلا بالاعتصام بالله تعالى، وبالإلحاح عليه في الدعاء أن يرزقه العلم والإيمان، وأن يصرف عنه كيد الشيطان، وأن يعيذه من شره نفسه، ومن سيئات أعماله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبه: ((وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَاوَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا)).
س3: وجّه رسالة في سبعة أسطر لطالب علم افتتن بأمور تثبّطه عن طلب العلم وتصرفه إلى الدنيا وملذاتها.
يا من كان يوما يسلك خير طريق، ويروم أسمى الفضائل، ويسعى لحمل راية الدعوة إلى دين الله تعالى، ويرجو الظفر بميراث النبي صلى الله عليه وسلم.
أي شيء هذا الذي حاد بك عن الطريق؟!
وأي شيء فاق فضله فضل طلب العلم فقدمته عليه؟!
وما قدر هذا الذي صرفك عن عظيم مبتغاك وأنساك شرف مطلوبك؟!
أهي الدنيا وملذاتها الفانية؟!!
كيف ومثلك لا يخفى عليه حقيقة قدر هذه الدنيا، وأنها بمتاعها وزينتها لا تساوي عند الله جناح بعوضة؟!، بل هي ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالم أو متعلم، واعلم - وفقك الله - أن السعيد فيها ليس المستكثر منها، وإنما هم أهل العلم والإيمان وإن كانوا في شظف من العيش، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ))، فخذ من الدنيا ما يكون بلاغًا لك إلى طاعة الله عز وجل، والتقرب إليه، واترك فضولها.
ثق أن الشيطان يكيد لك كيدًا عظيمًا ليحرمك من فضائل طلب العلم؛ فكن على حذر منه، واعتصم بالله تعالى، وألح عليه في الدعاء أن يصرف عنك كيد الشيطان، وأن يعيذك من شر نفسك، ومن سيئات أعمالك، فإنها من أعظم الصوارف عما ينفعك في دينك ودنياك، واطلب الهدى منه جل وعلا، وأكثر من ذكره ففيه صلاح لقلبك، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}
واعلم أن الفضائل والمعالي لا تنال براحة الجسد، وأن ما تلاقيه من تعب ومشقة في طلب العلم لا يضيع أجره عند الله تعالى، وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حُفت النار بالشهوات وحُفت الجنة بالمكاره).
س4: اذكر سبعة أسباب للفتور مع التوضيح الموجز لكل سبب.
1: ضعف اليقين، وضعف الصبر. وهذا هو السبب الجامع للفتور.
إذا ضعف اليقين؛ ضعفت العزيمة، ودنت الهمة، وسهلت، واحتجب عن العبد هدى الله عز وجل، واتبع المرء هواه، فافتتن بالدنيا، وغرّه طول الأمل، وغفل وقسى قلبه، والتفت إلى وساوس الشياطين. قال الله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
وضعف الصبر كذلك له آثار خطيرة، تؤدي بالإنسان إلى أسباب عديدة تؤدي به إلى الفتور؛ فمنها: وهن النفس، وضعف العزيمة، وسرعة التأثر بالأعراض، وطلب الأمور العاجلة التي لا يحتاج المرء فيها إلى الصبر.
2: علل النفس الخفية.
بعضها ناتج عن ضعف اليقين؛ مثل العجب، والرياء، والحرص على المال والشرف؛ وبعضها ناتج عن ضعف الصبر؛ مثل وهن العزيمة، وسرعة التأثر بالأعراض، والعوائق، والعوائد. وإذا ضعف صبر الإنسان كان أسرع شيئًا إلى اتباع هواه، وإذا اتبع المرء هواه، وقسى قلبه، وطال أمله؛ دبت إليه آفات كثيرة تؤدي به إلى الفتور.
3: عواقب الذنوب.
الإنسان قد يقترف بعض الذنوب الخطيرة، التي قد يعُاقب عليها؛ بالحرمان من فضل طلب العلم، والحرمان من بركة العلم؛ كالوقيعة في الأعراض،- وخصوصًا أعراض العلماء-، وكذلك التفاخر على الأقران.
4: تحميل النفس ما لا تطيق.
قد يدفع المرء للانقطاع عن طلب العلم.
5: العوائد الخاطئة في طرق طلب العلم.
إذا سلك طريقة عسرة شاقة، غير محتملة، قد يؤدي به ذلك إلى ترك طلب العلم أو الفتور في طلبه؛
فينبغي أن يسلك طريقة ميسرة غير شاقة، نافعةٍ، وصحيحه في طلب العلم.
6: الموازنات الجائرة.
إذا وازن نفسه بكبار العلماء، ورأى أنه لم يتمكن من محاكاتهم ومجاراتهم، وأنه لم يطق ما أطاقوه؛ عاد على نفسه باللوم والتعنيف، وربما قاده ذلك إلى الفتور والانقطاع.
7: الرفقة السيئة.
الرفقة السيئة لها أثر خصوصًا إذا كان في قلب المرء نوازع إلى الاستمتاع ببعض شهوات الدنيا، حيث يرغبونه في فضول المباحات، ثم في بعض المكروهات، ثم ربما جرّوه إلى المحرمات، وأقل ما يصيبه منهم أنهم يلهونه عن طلب العلم.
8: التذبذب في مناهج طلب العلم.
كالذي يقرأ في كتاب، ثم ينتقل إلى آخر قبل أن يتمه، أو يقرأ عند شيخ، ثم عند شيخٍ آخر في نفس العلم؛ ولا يكمل عند هذا، ولا عند هذا، فتمر عليه الأيام والشهور والسنين، وهو لم يحصّل شيئًا، فيفتر عن طلب العلم، وينقطع.
س5: اذكر سبعة وصايا لعلاج الفتور، مع التوضيح الموجز لكل وصية.
1: تحصيل اليقين وتحصيل الصبر.
فاليقين يُثمر في قلب الموقن قوة العلم، حتى يكاد يستوي عنده الغيب والشهادة من قوة التصديق؛ التصديق بالثواب، والتصديق بالعقاب، فيكون في قلبه من الرغبة، والرهبة، والخشية، والإنابة ما يجعل ذلك القلب صالحًا بإذن الله تعالى
مما يعين على اكتساب اليقين: إقبال القلب على الله تعالى؛ وطلب الهدى منه جل وعلا، وكثرة الذكر والتذكر، ومعاودة التفكر والتدبر، حتى يكون العلم يقيني يقر في قلب صاحبه، فيحيى به، ويبصر به، ويمشي به، ويتكلم به، ويقوم به {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} فالعلم المراد هنا هو علم اليقين؛ وهو مستمد من التصديق الذي هو حقيقة الإيمان.
وأما الصبر فينال بالتصبر، وفي الحديث: ((وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ))، وقال الله عز وجل لنبيه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} وهذا مما يعين على الصبر؛ اليقين بأن الله عز وجل لا يضيع أجر من أحسن عملًا، ولايضيع أجر كل حسنة، وإن كانت مثقال ذرة، قال الله عز وجل: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}
2: الفرح بفضل الله، وشكر نعمة الله.
هاتان الخصلتان إذا كانتا عند طالب العلم، ورسختا في قلبه، وانتهجهما في عمله؛ فليبشر بخير عظيم، وبركات كثيرة؛ فإن الله عز وجل يحب من يفرح بفضله -الفرح المحمود- {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، وإذا أحبه الله عز وجل منه؛ توالت عليه زيادات هذا العمل، وكذلك إذا كان العبد يشكر الله عز وجل؛ - الشكر بالثناء، الشكر بالعمل، الشكر بطلب المزيد -؛ فإن الله عز وجل يعطيه، ويزيده.
3: تذكير النفس بفضل العلم وشرفه.
هذا مما يزيده يقينًا، ويزيل عنه حجاب الغفلة وطول الأمد، وما يحصل له من نسيان بعض فضائل طلب العلم.
4: الإعراض عن اللغو.
الإعراض عن اللغو من أعظم أسباب الفلاح، جعله الله عز وجل بعد الصلاة مباشرة في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُون}.
ولا يستقيم لطالب العلم حصول طلب العلم على الوجه الصحيح المرضي، وهو لا يعرض عن اللغو فالإعراض عن اللغو حماية من كثير من الآفات التي تتسلط على الإنسان بسببه.
5: معرفة قدر النفس، وعدم تحميلها ما لا تطيق.
ينبغي لطالب العلم أن يعرف قدر نفسه، قدر ما تطيقه، فيأخذ من الأمور بما يطيق، وفيما ييسره الله عز وجل{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا}، فإنه بعد ذلك تنفتح له أبواب العلم بإذن الله عز وجل.
6: الحذر من علل النفس الخفية.
التي قد يحرم بسببها من بركة العلم، ومن مواصلة طلب العلم؛ كالعجب، والغرور، والمراءاة، والتسميع، وحب الرياسة، والعلو في الأرض، والمراء، والتعالي، والتفاخر، ونحو ذلك.
7: تنظيم الوقت؛ وتقسيم الأعمال إلى أقسام.
هذا يعينه على إتمام أعمال كثيرة بإذن الله عز وجل؛ وشعور المرء بالإنجاز؛ يدفعه إلى المواصلة في طلب العلم، وإلى أيضًا علاج الفتور، لأنه يجد أن لعمله ثمره، وأنه قد حصّل شيئًا من ثمرة العمل، فيدفعه ذلك إلى الاستكثار من العمل.
8: سلوك المنهج الصحيح في طلب العلم.
يسلك طالب العلم في طلبه للعلم منهجًا صحيحًا موصلًا إلى غايته بإذن الله؛ ويحذر من التذبذب بين المناهج، والكتب، والشيوخ، ويسير على خطة منتظمة.
9: اختيار صحبةٌ صالحة.
هذا مهم جدًا، ومعين على طلب العلم.
10: الحرص على بذل العلم.
فإن العلم يزكو بتبلغيه، وتعليمه، وتبليغ العلم وتعليمه يدفع طالب العلم إلى الاستكثار من العلم، بالبحث، والسؤال، والتنقيب؛ و سيجد طالب العلم أنه بعض مٌضي فترة من الوقت، قد أجاب على عدد كبير من الأسئلة؛ فيجد أن لديه علم كثير بسبب هذا.