دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > ثلاثة الأصول وأدلتها

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 شوال 1429هـ/28-10-2008م, 11:49 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كمال دين الإسلام

فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالمَدِينَةِ أُمِرَ فِيهَا بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ؛ مِثْلِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ والأَذَانِ وَالجِهَادِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ.
أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ، وَبَعْدَهَا تُوُفِّيَ- صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ - وَدِينُهُ بَاقٍ.
وَهَذَا دِينُهُ، لاخَيْرَ إِلاَّ دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ، وَلا شَرَّ إِلاَّ حَذَّرَهَا عَنْهُ.
وَالخَيْرُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ:
التَّوْحِيـدُ وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ، وَالشَّرُّ الَّذِي حَذَّرَ عَنْهُ: الشِّرْكُ وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ وَيَابَاهُ.

بَعَثَهُ اللهُ إِلى النَّاسِ كَافَّةً، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الجِنِّ وَالإِنْسِ.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}.
وَأَكْمَلَ اللهُ لَهُ الدِّينَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً}.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ قوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}.


  #2  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:53 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز

(1) فلمَّا استقرَّ فِي المدينةِ بعدَ الهجرةِ أمرَهُ اللَّهُ ببقيةِ شرائعِ الإسلامِ منَ الزكاةِ وصيامِ رمضانَ وحجِّ البيتِ والجهادِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ؛ لأنَّ المدينةَ صارتْ دارَ إسلامٍ، وهيَ العاصمةُ الأولى للمسلمينَ، فلهذا أُمِرُوا بهذهِ الأمورِ؛ لأنَّهُم يَتَمَكَّنُونَ حينئذٍ منَ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عنِ المنكرِ، وهذا منْ رحمةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ أنْ أَجَّلَ هذهِ الواجباتِ إلى أنْ هاجرَ إلى المدينةِ.
وكانَ أصلُ الزكاةِ مشروعًا في مكةَ، كما قالَ تعالى فِي سورةِ الأنعامِ، وهيَ مَكِّيَّةٌ: {وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ولكنَّ أنْصِباءَها ومصارفَها وتفاصيلَ أحكامِها، كلُّ هذا صارَ فِي المدينةِ.
وهكذا صيامُ رمضانَ شُرِعَ فِي السنةِ الثانيةِ منَ الهجْرَةِ، وهكذا الحَجُّ شُرِعَ فِي السنةِ التاسعةِ أو العاشرةِ منَ الهِجْرَةِ وأَنْزَلَ اللَّهُ فيهِ: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِليْهِ سَبِيلاً} فِي سورةِ آلِ عِمْرانَ، وهيَ مَدَنِيَّةٌ.
وهكذا الجِهَادُ أُمِرَ بِهِ فِي المدينةِ، وكانَ فِي أولِ الأمرِ يُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَه، وَيَكُفُّ عَمَّنْ كَفَّ عنهُ، ثمَّ أُمِرَ بأنْ يَبْدَأَهُم بالقِتَالِ، وأنْ يُجَاهِدَ الكُفَّارَ وإنْ لم يَبْدَؤُوا، فيَدْعُوَهُم إلى اللَّهِ ويُرْشِدَهُم إليهِ، فإنْ أجابُوا وإلاَّ قاتَلَهُم؛ حتىَّ يَسْتَجِيبُوا للحقِّ، إلاَّ أهلَ الكتابِ فإنَّه يَقْبَلُ منهُم الجِزْيَةَ.
وَسَنَّ اللَّهُ فِي المَجُوسِ سُنَّةَ أهلِ الكتابِ، إمَّا إسلامٌ وإمَّا جزيةٌ، وأمَّا بقيةُ الكفرةِ إمَّا الإسلامُ وإمَّا السيفُ معَ القدرةِ.

(2) وبعدَما أكملَ اللَّهُ بِهِ الدِّينَ توفَّاهُ اللَّهُ إليهِ بعدَ عشرِ سنينَ منَ الهجرةِ، قالَ اللَّهُ تعالى: {اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ ديِنًا}.
وقالَ جلَّ وعلا: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}.


  #3  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 07:55 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح ثلاثة الأصول للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

(6) يقولُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: (لَمَّا اسْتَقَرَّ - أي: النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المدينةِ النبويَّةِ أُمِرَ بِبَقِيَّةِ شرائعِ الإسلامِ) وذلكَ أنَّهُ في مَكَّةَ دَعَا إلى التوحيدِ نحوَ عَشْرِ سِنِينَ، ثُمَّ بعدَ ذلكَ فُرِضَتْ عليهِ الصلواتُ الخمسُ في مَكَّةَ، ثُمَّ هَاجَرَ إلى المدينةِ ولمْ تُفْرَضْ عليهِ الزكاةُ، ولا الصيامُ، ولا الحجُّ، ولا غيرُهَا منْ شعائرِ الإسلامِ.
وظاهرُ كلامِ المُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ الزكاةَ فُرِضَتْ أَصْلاً وَتَفْصِيلاً في المدينةِ.
وَذَهَبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى أنَّ الزكاةَ فُرِضَتْ أَوَّلاً في مَكَّةَ، لَكِنَّهَالم تُقَدَّرْ أَنْصَابُهَا، ولم يُقَدَّر الواجبُ فيها، وفي المدينةِ قُدِّرَت الأنْصِباءُ، وَقُدِّرَ الواجبُ.
واسْتَدَلَّ هؤلاءِ بأنَّهُ جاءَتْ آياتٌ تُوجِبُ الزكاةَ في سورةٍ مَكِّيَّةٍ، مثلُ قولِهِ تَعَالَى في سورةِ الأَنْعَامِ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، ومثلُ قولِهِ تَعَالَى: {والَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
وعلى كلِّ حالٍ؛ فَاسْتِقْرَارُ الزكاةِ، وَتَقْدِيرُ أنصابِهَا وما يَجِبُ فيها، وبيانُ مُسْتَحِقِّيهَا كانَ في المدينةِ، وكذلكَ الأَذَانُ والجُمُعَةُ، والظاهرُ أنَّ الجماعةَ كذلكَ لمْ تُفْرَضْ إلاَّ في المدينةِ؛ لأنَّ الأذانَ الذي فيهِ الدعوةُ للجماعةِ فُرِضَ في السنةِ الثانيَةِ.
فَأَمَّا الزكاةُ والصيامُ فقدْ فُرِضَا في السنةِ الثانيَةِ من الهجرةِ، وأمَّا الحجُّ فَلَمْ يُفْرَضْ إلاَّ في السنةِ التاسعةِ - على القولِ الراجحِ منْ أقوالِ أهلِ العلمِ - وذلكَ حينَ كانتْ مَكَّةُ بلدَ إسلامٍ بعدَ فَتْحِهَا في السنةِ الثامنةِ من الهجرةِ.
وكذلكَ الأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكرِ وغيرُهَا من الشعائرِ الظاهرةِ، كُلُّهَا فُرِضَتْ في المدينةِ بعدَ استقرارِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها وإقامةِ الدولةِ الإسلاميَّةِ فيها.

(7) أَخَذَ - أي: النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ سِنِينَ بعدَ هجرتِهِ.
فَلَمَّا أَكْمَلَ اللَّهُ بهِ الدينَ، وَأَتَمَّ بهِ النعمةَ على المؤمنينَ، اخْتَارَهُ اللَّهُ لجِوارِهِ، واللَّحاقِ بالرفيقِ الأَعْلَى من النَّبِيِّينَ والصدِّيقِينَ والشهداءِ والصالحين.
فَابْتَدَأَ بهِ المَرَضُ صلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ عليهِ في آخرِ شهرِ صَفَرٍ وأَوَّلِ شهرِ ربيعٍ الأَوَّلِ، فَخَرَجَ إلى الناسِ عَاصِبًا رأسَهُ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَتَشَهَّدَ، وكانَ أَوَّلُ ما تَكَلَّمَ بهِ بعدَ ذلكَ أَن اسْتَغْفَرَ للشُّهَداءِ الَّذِينَ قُتِلُوا في أُحُدٍ، ثُمَّ قالَ: ((إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ)).
فَفَهِمَهَا أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَكَى وقالَ: بأَبِي وأُمِّي، نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَبْنَائِنَا وأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا.
فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ))، ثُمَّ قالَ: ((إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ)).
وَأَمَرَ أبا بكرٍ أنْ يُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ولمَّا كانَ يومُ الاثنَيْنِ الثانيَ عَشَرَ - أو الثالثَ عَشَرَ - منْ شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ من السنةِ الحاديَةَ عَشْرَةَ من الهجرةِ، اخْتَارَهُ اللَّهُ لجِوارِهِ.
فَلَمَّا نَزَلَ بهِ جَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ في ماءٍ عِنْدَهُ، وَيَمْسَحُ وجهَهُ ويقولُ: ((لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ)).
ثُمَّ شَخَصَ بَصَرَهُ نحوَ السماءِ وقالَ: ((اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى)).
فَتُوُفِّيَ ذلكَ اليومَ، فاضْطَرَبَ الناسُ لذلكَ، وَحُقَّ لهم أنْ يَضْطَرِبُوا، حتَّى جاءَ أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَعِدَ المِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليهِ، ثُمَّ قالَ: (أمَّا بَعْدُ، فإنَّ مَنْ كانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فإنَّ مُحَمَّدًا قدْ ماتَ، ومَنْ كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فإنَّ اللَّهَ حيٌّ لا يموتُ، ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}).
فَاشْتَدَّ بُكَاءُ الناسِ، وَعَرَفُوا أنَّهُ قدْ ماتَ.
فَغُسِّلَ صلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ عليهِ في ثيابِهِ تَكْرِيمًا لهُ، ثُمَّ كُفِّنَ بثلاثةِ أثوابٍ - أيْ: لَفَائِفَ - بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ، ليسَ فيها قميصٌ ولا عِمَامَةٌ، وَصَلَّى الناسُ عليهِ أَرْسَالاً بدُونِ إمامٍ.
ثُمَّ دُفِنَ ليلةَ الأربِعاءِ بعدَ أنْ تَمَّتْ مُبَايَعَةُ الخليفةِ مِنْ بَعْدِهِ، فعليهِ مِنْ رَبِّهِ أفضلُ الصلاةِ وأَتَمُّ التسليمِ.

(8) (بَعَثَهُ اللَّهُ) أيْ: أَرْسَلَهُ (إلى الناسِ كافَّةً) أيْ: جميعًا.

(9) في هذهِ الآيَةِ دليلٌ على أنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى الناسِ جَمِيعًا، وأنَّ الذي أَرْسَلَهُ لهُمْ مَلِكُ السماواتِ والأرضِ، ومَنْ بِيَدِهِ الإحياءُ والإماتةُ، وأنَّهُ سبحانَهُ هوَ المُتَوَحِّدُ بالأُلُوهِيَّةِ كما هوَ مُتَوَحِّدٌ في الربوبيَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ سبحانَهُ وتَعَالَى في آخِرِ الآيَةِ أنْ نُؤْمِنَ بهذا الرسولِ النبيِّ الأُمِّيِّ وأنْ نَتَّبِعَهُ، وأنَّ ذلكَ سَبَبٌ لِلْهِدَايَةِ العِلْميَّةِ والعَمَليَّةِ؛ هدايَةِ الإرشادِ وهدايَةِ التوفيقِ، فهو عليهِ الصلاةُ والسلامُ رسولٌ إلى جميعِ الثَّقَلَيْنِ، وهم الإنسُ والجنُّ، وَسُمُّوا بذلكَ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِم.

(10) أيْ: أنَّ دِينَهُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ باقٍ إلى يومِ القيامة، فما تُوُفِّيَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ وقدْ بَيَّنَ لِلأُمَّةِ جميعَ ما تَحْتَاجُهُ في جميعِ شُئُونِهَا، حتَّى قالَ أبو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (مَا تَرَكَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِرًا يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ في السماءِ إلاَّ ذَكَرَ لنا منهُ عِلْمًا).
وقالَ رَجُلٌ من المشركينَ
لِسَلْمَانَ الفارسيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَّمَكُم نَبِيُّكُم حتَّى الْخَرَاةَ؟ - آدابَ قَضَاءِ الحاجةِ - قَالَ: ( نَعَمْ، لَقَدْ نَهَانَا أنْ نَسْتَقْبِلَ القبلةَ بغائطٍ أَو بَوْلٍ، أوْ نَسْتَنْجِيَ بأقلَّ منْ ثلاثةِ أحجارٍ، أوْ أنْ نَسْتَنْجِيَ باليمينِ، أوْ أنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أوْ عَظْمٍ).

فالنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ كلَّ الدينِ؛
إمَّا بقولِهِ، وَإِمَّا بِفِعْلِهِ، وَإِمَّا بِإِقْرَارِهِ ابْتِدَاءً، أوْ جَوَابًا عنْ سؤالٍ، وَأَعْظَمُ ما بَيَّنَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ التوحيدُ.

وكلُّ ما أَمَرَ بهِ فهوَ خيرٌ للأمَّةِ في مَعادِهَا ومعاشِهَا، وكلُّ ما نَهَى عنهُ فهوَ شرٌّ للأمَّةِ في معاشِهَا ومعادِهَا.
وما يَجْهَلُهُ بعضُ الناسِ ويَدَّعِيهِ مِنْ ضِيقٍ في الأمْرِ والنَّهْيِ، فإنَّمَا ذلكَ لِخَلَلِ البصيرةِ وقِلَّةِ الصبرِ وضعفِ الدينِ، وإلاَّ فإنَّ القاعدةَ العامَّةَ أنَّ اللَّهَ لم يَجْعَلْ علينا في الدينِ منْ حَرَجٍ، وأنَّ الدينَ كُلَّهُ يُسْرٌ وسُهُولَةٌ:
- قالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
-وقالَ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.

-وقالَ تَعَالَى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ}.

فالحمدُ للَّهِ على تَمَامِ نِعْمَتِهِ وإكمالِ دينِهِ.


(11) فَفِي هذه الآيَةِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومَنْ أُرْسِلَ إليهم مَيِّتُونَ، وأنَّهم سَيَخْتَصِمُونَ عندَ اللَّهِ يومَ القيامةِ، فَيَحْكُمُ بينَهُم بالحقِّ، ولنْ يَجْعَلَ اللَّهُ للكافرينَ على المؤمنينَ سَبِيلاً.


  #4  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:00 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية ثلاثة الأصول للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

المتن :

فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالمَدِينَةِ أُمِرَ فِيهَا بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ

(21)؛ مِثْلِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ والأَذَانِ وَالجِهَادِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ(22)، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ(23).
أَخَذَ عَلَى هَذَا عَشْرَ سِنِينَ(24)، وَبَعْدَهَا تُوُفِّيَ- صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ(25) - وَدِينُهُ بَاقٍ(26).
وَهَذَا دِينُهُ(27)، لا خَيْرَ إِلاَّ دَلَّ الأُمَّةَ عَلَيْهِ(28)، وَلا شَرَّ إِلاَّ حَذَّرَهَا عَنْهُ(29).

وَالخَيْرُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ: التَّوْحِيـدُ(30) وَجَمِيعُ مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَيَرْضَاهُ(31)، وَالشَّرُّ الَّذِي حَذَّرَ عَنْهُ: الشِّرْكُ(32) وَجَمِيعُ مَا يَكْرَهُهُ اللهُ وَيَأْبَاهُ(33).
بَعَثَهُ اللهُ إِلى النَّاسِ كَافَّةً(34)، وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الجِنِّ وَالإِنْسِ(35).
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}(36).
وَأَكْمَلَ اللهُ لَهُ الدِّينَ(37)، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ(38) وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي(39) وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً(40)}.
وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ(41) صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ قوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ(42) وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (43)(30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ(44)}.


الحاشية :
(21) أيْ: لَمَّا هَاجَرَ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ، واسْتَقَرَّ بِهَا، وفَشَا التَّوْحِيدُ، ودَانَ بِهِ أولئك، وأَقَامُوا الصَّلاَةَ: أَمَرَ بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ، التي تَعَبَّدَ اللَّهُ خَلْقَهُ بِهَا؛ إِذْ عَامَّةُ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ، لَمْ تُشْرَعْ إلاَّ في المَدِينَةِ.
(22) قَالَ تَعَالَى: {يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنكَرِ} وهذه صِفَتُه في الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ.
والأَمْرُ بالمَعْرُوفِ، والنَّهْيُ عن المُنْكَرِ عَامٌّ، وفَرْضٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ:
-قَالَ تَعَالَى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ}.
-وقَالَ: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ} وأَعْلاَهُ باليَدِ، فمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبِلِسَانِهِ، فمَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَبقَلْبِهِ، وذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.
والأَمْرُ بالمَعْرُوفِ مِن أَعْظَمِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ، وأَعْظَمُه: الجِهَادُ الذي هو ذُرْوَةُ الإِسْلاَمِ، وأُمِرَ به هو والزَّكَاةِ والصَّوْمِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِن الهِجْرَةِ، وأَمَّا الحَجُّ فسَنَةَ تِسْعٍ عندَ الجُمْهُورِ.
(23) كَبِرِّ الوَالِدَيْنِ، وصِلَةِ الأَرْحَامِ، وأَدَاءِ الأَمَانَاتِ، وسَائِرِ مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ ومَحَاسِنِ الأَعْمَالِ، كَمَا هو مَعْرُوفٌ مِن شَرِيعَتِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(24) كلُّها تُوحَى إليه فيها الشَّرَائِعُ، أَرْكانُها وواجِبَاتُها ومُسْتَحَبَّاتُها، وما يُنَافِي ذلك.
(25) بَعْدَ مَا أَكْمَلَ اللَّهُ به الدِّينَ، وبلَّغَ البَلاَغَ المُبِينَ.
قالَ أبو ذَرٍّ: (ما تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ ومَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ إلاَّ ذَكَرَ لَنَا مِنْهُ عِلْمًا).
(26) مَوْجُودٌ وهو ما تَضَمَّنَه الكِتَابُ والسُّنَّةُ، مُؤَيَّدٌ مَحْفُوظٌ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ، كَافٍ لِمَن تَمَسَّكَ بِهِ، وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا؛ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي)).
(27) الذي تَرَكَ أُمَّتَه عَلَيْهِ، وتَكَفَّلَ اللَّهُ بِحِفْظِهِ، فتَوَارَثَه أَهْلُ العِلْمِ والدِّينِ خَلَفًا عَن سَلَفٍ.
قَالَ السَّلَفُ: (هذا عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، ونَحْنُ عَهِدْنَاه إِلَيْكُم، وهذه وَصِيَّةُ رَبِّنَا وفَرْضُه عَلَيْنَا، وهي وصِيَّتُه وفَرْضُه عَلَيْكُم) فَجَرَى الخَلَفُ عَلَى مِنْهَاجِ السَّلَفِ، واقْتَفَوْا آثَارَهُم، ولاَ يَزَالُونَ إلى يومِ القِيَامَةِ.
(28) كَمَا تَقَدَّمَ في قولِهِ تَعَالَى: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فَصَلَواتُ اللَّهِ وسَلاَمُه عَلَيْهِ، كَمَا بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وأَدَّى الأَمَانَةَ ونَصَحَ الأُمَّةَ.
(29) خَوْفًا عَلَى أُمَّتِهِ مِن الوُقُوعِ في المَهَالِكِ، وقَدْ بَلَّغَ الدِّينَ كُلَّه، وبَيَّنَه جَمِيعَه، كَمَا أَمَرَه اللَّهُ عزَّ وجَلَّ، وفي الحَدِيثِ الشَّرِيفِ: ((مَا بُعِثَ مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ مِنْ شَرِّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ)).
(30) فهو أَصْلُ كُلِّ خَيْرٍ وأَعْظَمُه، وأَوْجَبُ الوَاجِبَاتِ ولأَِجْلِه أُرْسِلَت الرُّسُلُ وأُنْزِلَت الكُتُبُ.
(31) مِن الأَقْوالِ والأَعْمَالِ الظَّاهِرَةِ والبَاطِنَةِ.
(32) فهو أَصْلُ كُلِّ شرٍّ وأَعْظَمُه وأَوَّلُ مَا أُمِرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإِنْذَارُ عنه، قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ} أيْ: عَن الشِّرْكِ.
وكذا كُلُّ رَسُولٍ يُحَذِّرُ أُمَّتَه عَن الشِّرْكِ ويَدْعُوهُم إلى التَّوْحِيدِ.
(33) أيْ: يَمْنَعُه مِن الأَقْوَالِ والأَعْمَالِ.
(34) يَعْنِي: بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كَافَّةِ النَّاسِ، عَرَبِهِم وعَجَمِهِم، ذَكَرِهِم وأُنْثَاهُم، حُرِّهِم وعَبْدِهِم، أَحْمَرِهِم وأَسْوَدِهِم، ولاَ نِزَاعَ في ذلك بَيْنَ المُسْلِمِينَ.
(35) بإِجْمَاعِ المُسْلِمِينَ، وقَرَنَ طَاعَتَه بِطَاعَتِهِ في غيرِ مَوْضِعٍ مِن كِتَابِهِ.
(36) وهَذَا: عُمُومٌ ظَاهِرٌ في عُمُومِ بَعْثِه إلى النَّاسِ جَمِيعًا، عَرَبِهِم وعَجَمِهِم، و{جَمِيعًا} تَأْكِيدُ بَعْثِه إلى النَّاسِ كَافَّةً.
-وقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.
-{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}.
-{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ}.
وسُورَةُ الرَّحْمَنِ، وسُورَةُ الجِنِّ، وغيرُهُمَا: دَالَّةٌ أَوْضَحَ دَلاَلَةٍ، عَلَى شُمُولِ رِسَالَتِه إلى الجِنِّ والإِنْسِ.
وقَالَ: ((إِنَّ الرُّسُلَ قَبْلِي يُبْعَثُونَ إِلى قَوْمِهِمْ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلى النَّاسِ كَافَّةً)) وهذا مِن شَرَفِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّه خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وأَنَّه مَبْعُوثٌ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وهو مَعْلُومٌ مِن دِينِ الإِسْلاَمِ بالضَّرُورَةِ أَنَّه صَلَوَاتُ اللَّهِ وسَلاَمُه عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ إلى الثَّقَلَيْنِ كُلِّهِم، وأَنَّ طَاعَتَه فَرْضٌ عَلَيْهِم كُلِّهم، وهو مُقْتَضَى رِسَالَتِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لاَ يَمْتَرِي في ذلك إلاَّ مُكَابِرٌ مُعَانِدٌ.
(37) أيْ: لَمْ يُتَوَفَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى أَكْمَلَ اللَّهُ به الدِّينَ، وبَلَّغَ البَلاَغَ المُبِينَ، حتَّى قَالَ: ((تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحَجَّةِ البَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إلاَّ هَالِكٌ)).
(38) هذه الآيةُ، لَمْ تَنْزِلْ إلاَّ قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثَمَانِينَ يَوْمًا، نَزَلَتْ عليه وهو وَاقِفٌ بعَرَفَةَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وهذا أَكْبَرُ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى هذه الأُمَّةِ، حَيْثُ أَكْمَلَ لَهَا دِينَهَا، فَلاَ يَحْتَاجُونَ إلى دِينٍ سِوَاه، ولاَ إِلَى نَبِيٍّ غَيْرِ نَبِيِّهِم صَلَواتُ اللَّهِ وسَلاَمُه عَلَيْهِ.
وقَالَ تَعَالىَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} أيْ: صِدْقًا في الأَخْبَارِ، وعَدْلاً في الأَوَامِرِ والنَّواهِي.
وفيها:بَيانُ أنَّ اللَّهَ أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وأَنَّه كَمُلَ مِن جَمِيعِ وُجُوهِهِ، والكاَمِلُ لاَ يُزَادُ فيه، ولاَ يُنْقَصُ منه، ولاَ يُبَدَّلُ، قالَ تَعَالَى: {لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ}.
فَمَن ادَّعَى أَنَّه يَحْتَاجُ إِلَى زِيَادَةٍ، فَقَدْ كَذَبَ وافْتَرَى، ورَدَّ مَدْلُولَ هذه الآيةِ، ومَدْلُولَ قولِه: ((إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ)).
(39) لَمَّا أَخْبَرَ تَعَالَى: أَنَّه أَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ، وهو أَكْبَرُ نِعَمِه عَلَيْنَا، قَالَ: {وَأَتْمَمْتُ} أيْ: أَكْمَلْتُ {عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} ومَن تَمَّتْ عَلَيْهِ النِّعْمَةُ، فَقَدْ أَفْلَحَ كُلَّ الفَلاَحِ.
(40) أيْ: فَارْضَوْهُ أَنْتُم لأَِنْفُسِكُم، فَإِنَّه الدِّينُ الذي أَحَبَّه وَرَضِيَهُ، وبَعَثَ بِهِ أَفْضَلَ رُسُلِه، وأَنْزَلَ بِهِ أَشْرَفَ كُتُبِهِ؛ قَالَ كَعْبٌ: (لو نَزَلَتْ هذه الآيةُ عَلَى غيرِ هذه الأُمَّةِ، لاَتَّخَذُوا اليَوْمَ الذي نَزَلَتْ عَلَيْهِم فيه عِيدًا)، قالَ عُمَرُ: (نَزَلَتْ يَوْمَ جُمُعَةٍ، يومَ عَرَفَةَ، وكِلاَهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ لَنَا عِيدٌ)، وكَذا قَالَ حَبْرُ الأُمَّةِ.
(41) أيْ: مِن النَّقْلِ مِمَّا يُطَابِقُ الحِسَّ.
(42) أيْ: إنَّك يَا مُحَمَّدُ سَتَمُوتُ، وقَامَ أبو بكرٍ لَمَّا تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْكِي، وقَالَ: (بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي، أَمَّا المَوْتَةُ التي كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مِتَّهَا).
وقَالَ تَعَالَى: {أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} نعم: هو حَيٌّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَبْرِه، حَيَاةً بَرْزَخِيَّةً، أَعْلَى وأَكْمَلَ مِن حَيَاةِ الشُّهَدَاءِ، المَذْكُورَةِ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
وأَمَّا الحَيَاةُ الجُثْمَانِيَّةُ، فَلاَ رَيْبَ أنَّه مَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وغُسِّلَ وكُفِّنَ وصُلِّيَ عَلَيْهِ، ودُفِنَ في ضَرِيحِهِ بالمَدِينَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وسَلاَمُه عَلَيْهِ، ولَمْ يَقُلْ: إنَّه لَمْ يَمُتْ، إلاَّ المُبْتَدِعَةُ الخَارِجَةُ عن مَنْهَجِ الكِتَابِ والسُّنَّةِ، مَخَافَةَ أنْ يُنْتَقَضَ عَلَيْهِم أَصْلُهُم الباطِلُ، في تَوَجُّهِهِم إِلَيْهِ، وسُؤَالِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وإلاَّ فَمَوْتُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومٌ بالسَّمْعِ، والمُشَاهَدَةِ، مَشْهُورٌ يَعْلَمُه العَامُّ والخَاصُّ، لاَ يَمْتَرِي فيه إلاَّ مُكَابِرٌ.
(43) أيْ: سَيَمُوتُونَ: وقَالَ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ}.
(44) فِيمَا أَنْتُم فيه في الدُّنْيا، مِن التَّوْحِيدِ، والشِّرْكِ، بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا في سُورَةِ القِيَامَةِ، وآخِرِ يس، وغيرِهِمَا مِن السُّوَر.
فالإيمانُ بالبَعْثِ والنُّشُورِ مِن القُبُورِ، مِن جُمْلَةِ الإيمانِ باليَوْمِ الآخِر.
فإِنَّ الإِيمانَ باليومِ الآخِرِ:يَشْمَلُ الإيمانَ بالبَعْثِ، بَل الإيمانُ بالبَعْثِ، هو مُعْظَمُ الإيمانِ باليومِ الآخِرِ، وهو الذي كَانَ يُنْكِرُه أَهْلُ الجَاهِلِيَّةِ، أَنْكَرُوا أنْ تَعُودَ هذه الأَجْسَادُ كَمَا كَانَتْ، عِظَامُها ولَحْمُهَا وعَصَبُهَا، وذلك مِن جَهْلِهِم بكَمَالِ عِلْمِه تَعَالَى، وقُدْرَتِه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، ولهذا يُقَرِّرُ تَعَالَى بَعْثَ الأَجْسَادِ، ورَدَّهَا كَمَا كَانَتْ، في مَوَاضِعَ مِن كِتَابِهِ، بكَمَالِ عِلْمِه وقُدْرَتِهِ.


  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:02 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حصول المأمول لفضيلة الشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

(7) قولُ المُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ: (فلَمَّا اسْتَقَرَّ بالمدينةِ أُمِرَ ببَقِيَّةِ شَرائعِ الإسلامِ) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ ما تَمَّ مِن الشرائعِ بعدَ استقرارِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بالمدينةِ، وقدْ ذُكِرَ فيما تَقَدَّمَ الهجرةُ إلَى المدينةِ، وإنَّمَا بَدَأَ بأحكامِ الهجرةِ وأَدِلَّتِها؛ لأنَّها مِنْ أَبْرَزِ تكاليفِ الولاءِ والبَرَاءِ.
والأمْرُ بالشرائعِ جاءَ بعدَ بِناءِ العَقيدةِ؛ لأنَّ التوحيدَ أساسُ الأعمالِ؛ ولهذا اسْتَمَرَّت الدعوةُ في مَكَّةَ في موضوعِ بِناءِ العَقيدةِ، ولم تَأْتِ الشرائعُ بالتكاليفِ إلاَّ بعدَ الهجرةِ إلَى المدينةِ إلاَّ الصلاةَ فإنَّها لعِظَمِها شُرِعَتْ في مَكَّةَ - كما ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ - فصَلَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قَبْلَ أنْ يُهاجِرَ ثلاثَ سنينَ.

(8) قولُهُ: (أُمِرَ ببَقِيَّةِ شَرائعِ الإسلامِ مِثْلِ: الزكاةِ، والصوْمِ، والْحَجِّ، والأذانِ، والجهادِ، والأمْرِ بالمعروفِ، والنهيِ عن الْمُنْكَرِ، وغيرِ ذلكَ مِنْ شرائعِ الإسلامِ) ظاهِرُ كلامِ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ: أنَّ الزكاةَ لم تُفْرَضْ إلاَّ في المدينةِ؛ لأنَّه ذكَرَ الزكاةَ معَ الصومِ والْحَجِّ والجهادِ والأذانِ، وهيَ لم تُشْرَعْ إلاَّ في المدينةِ.
وقدْ وَرَدَ آياتٌ مَكِّيَّةٌ ذُكِرَتْ فيها الزكاةُ، وفي بعضِها الأمْرُ بالزكاةِ:
- كما في قولِهِ تعالَى في سورةِ الأنعامِ وهيَ مَكِّيَّةٌ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}.
-وفي سورةِ الْمَعارِجِ: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}.

-وفي سورةِ (المؤمِنونَ): {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}.

فهذه الآياتُ وغيرُها مِن الآياتِ الْمَكِّيَّةِ وَرَدَ فيها ذِكْرُ الزكاةِ، ثمَّ جاءتْ آياتٌ مَدَنِيَّةٌ ذُكِرَ فيها أيضًا الزكاةُ.
قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ في تفسيرِ آيَةِ سورةِ (المؤمِنونَ) وهيَ قولُهُ تعالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}: (الأكثرونَ علَى أنَّ الْمُرَادَ بالزكاةِ هنا زَكاةُ الأموالِ) اهـ.
قالَ بعضُ أهلِ الْعِلْمِ: (إنَّ الزكاةَ في قولِهِ تعالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}الْمُرَادُ بها: تَزكيَةُ النفوسِ وتَطهيرُها مِن الرذائلِ، وعلَى رَأْسِها الشرْكُ).
ولا مُنافاةَ بينَ الآياتِ الْمَكِّيَّةِ والْمَدنيَّةِ في موضوعِ الزكاةِ، فإنَّها فُرِضَتْ في مَكَّةَ، وبُيِّنَتْ أَنْصِبَتُها في المدينةِ.
فالزكاةُ التي كانتْ في مَكَّةَ لم تكنْ مُقَدَّرَةً بأَنْصِبَةٍ مُعَيَّنَةٍ، إنَّمَا كانَ مَرْجِعُها إلَى ذَاتِيَّةِ الشخصِ، فقدْ يَجودُ بالكثيرِ، وقدْ يَجودُ بالقليلِ، وهذا - واللهُ أَعْلَمُ - لأنَّ الإسلامَ لم يَقُمْ لهُ في مكَّةَ دَوْلَةٌ، فلم يكنْ هناكَ معنًى لأنْ تُفْرَضَ مَقادِيرُ مُعَيَّنَةٌ للزكاةِ.
لكنْ في المدينةِ

- لَمَّا قامَتِ الدولةُ وشُرِّعَتِ الشرائعُ - جاءتْ أَنْصِبَةُ الزكاةِ علَى لسانِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

ولهذا فالرسولُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وهوَ في مكةَ لم يَتَحَدَّثْ عنْ أَنْصِبَةِ الزكاةِ، ولا بَيَّنَ مَقادِيرَها.
وعلَى هذا فكلامُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللهُ هنا في قولِهِ: (الزكاةِ) يُريدُ ذاتَ الأَنْصِبَةِ والْمَقاديرِ، واللهُ أَعْلَمُ.

قولُهُ: (والصومِ، والْحَجِّ) فُرِضَ الصومُ في السنةِ الثانيَةِ مِن الهجرةِ.
والحَجُّ فُرِضَ - علَى أَرْجَحِ الأقوالِ - في السنةِ التاسعةِ مِن الهجرةِ.

قولُهُ: (والجهادِ) هوَ مَصْدَرُ: جاهَدَ يُجاهِدُ جِهادًا؛ إذا بالَغَ في قَتْلِ العدُوِّ وغيرِهِ.
وَمَادَّةُ (جَهِدَ) حيث وُجِدَتْ فيها معنَى المبالَغَةِ، قالَ تعالَى: {وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ}والْمُرَادُ هنا: قِتالُ الكُفَّارِ خَاصَّةً.
والجهادُ فَرْضٌ بعدَ الهجرةِ

كما ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وقَبْلَها لم يَأْذَنِ اللهُ للمسلمينَ بالجهادِ في مكةَ ولا فَرَضَهُ عليهم؛ لأنَّهُم عاجِزونَ ضُعفاءُ ليسَ لهم شَوكةٌ يَتَمَكَّنُونَ بها مِن القِتالِ، فلَمَّا هاجَرُوا إلَى المدينةِ وقامَت الدولةُ الإسلاميَّةُ أُمِرُوا بالجهاد.

قالَ تعالَى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}.


قولُهُ: (والأذانِ) أيْ: أنَّ الأذانَ شُرِعَ في المدينةِ في السنةِ الأُولَى مِن الهجرةِ، علَى القولِ الراجِحِ.
وقدْ وَرَدَ أدِلَّةٌ تَدُلُّ علَى أنَّ الأذانَ شُرِعَ في مَكَّةَ قبلَ الْهِجرةِ، لكنها أحاديثُ معلولةٌ، كما قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ.
وقدْ جَزَمَ ابنُ الْمُنْذِرِ رَحِمَهُ اللهُ بأنَّهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ كانَ يُصَلِّي في مكةَ بغيرِ أَذانٍ مُنذُ فُرِضَت الصلاةُ إلَى أن هاجَرَ إلَى المدينةِ.

قولُهُ: (والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن الْمُنْكَرِ) المعروفُ: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما عُرِفَ مِنْ طاعةِ اللهِ والتقَرُّبِ إليهِ والإحسانِ إلَى خَلْقِهِ.
والْمُنْكَرُ: ضِدُّ ذلكَ.
قالَ الراغبُ: (المعروفُ: اسمٌ لكلِّ فِعلٍ يُعرَفُ بالعقلِ أو الشرْعِ حُسْنُهُ، والْمُنْكَرُ ما يُنْكَرُ بهما)، قالَ الشوكانيُّ: (والدليلُ علَى كونِ ذلكَ الشيءِ مَعروفًا أوْ مُنْكَرًا هوَ الكتابُ والسُّنَّةُ).
وإنَّمَا خَصَّهُ الشيخُ - واللهُ أَعْلَمُ - دونَ غيرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الشرائعِ؛ لأنَّهُ بابٌ عظيمٌ بهِ قِوامُ الأَمْرِ ومِلاكُهُ، وهوَ وَظيفةُ الأنبياءِ والْمُرسَلِينَ عليهم الصلاةُ والسلامُ، وسِمَةٌ مِنْ سِمَاتِ الإيمانِ، وحَقٌّ مِنْ حُقوقِ المسلِمِ علَى أَخيهِ، والأَدِلَّةُ علَى ذلكَ مَعلومةٌ مِنْ كِتابِ اللهِ تعالَى، وسُنَّةِ رَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ.

(9) قولُهُ: (أَخَذَ علَى هذا عَشرَ سِنينَ) يعني: أَخَذَ علَى تَبليغِ الشريعةِ وبيانِها في المدينةِ وغيرِها عَشْرَ سِنينَ.

(10) قولُهُ: (وبعدَها تُوُفِّيَ صَلواتُ اللهِ وسَلامُهُ عليهِ) قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: (لا خِلافَ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ تُوُفِّيَ يومَ الاثنينِ، والمشهورُ أنَّهُ في الثانِيَ عَشَرَ مِنْ ربيعٍ الأَوَّلِ) ا. هـ.

(11) قولُهُ: (وَدِينُهُ باقٍ) أيْ: لأنَّهُ دِينٌ عامٌّ إلَى يومِ القِيامةِ للبَشرِيَّةِ كلِّها، بينَما الأديانُ السابقةُ كانت مُؤَقَّتَةً بأوقاتٍ مُعَيَّنَةٍ انتهتْ بنِهايَتِها.
ولَمَّا كانَ الإسلامُ دِينًا عامًّا لجميعِ البَشرِيَّةِ وَجَبَ الإيمانُ بالرسولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ علَى جميعِ الثَّقَلَيْنِ: الْجِنِّوالإنْسِ مِن اليهودِوالنَّصَارَى، وغيرِهم كما سَيأتِي؛ ولهذا تَكَفَّلَ اللهُ سُبحانَهُ وتعالَى بحِفْظِهِ وحِفْظِ القرآنِ الكريمِ.
وقدْ دَخَلَ التحريفُ التوراةَ والإنجيلَ، والكُتُبُ الأُخْرَى لا وُجودَ لها.

أمَّا القرآنُ فإنَّهُ مُنْذُ أُنْزِلَ إلَى يَوْمِنا هذا - وإلَى أن تَقومَ الساعةُ - وهوَ باقٍ لن تَمْتَدَّ إليهِ يَدٌ بتحريفٍ ولا عَبَثٍ؛ لأنَّ اللهَ تعالَى تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ، قالَ تعالَى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.

(12) قولُهُ رَحِمَهُ اللهُ: (وهذا دِينُهُ لا خَيْرَ إلاَّ دَلَّ الأُمَّةَ عليهِ، ولا شَرَّ إلاَّ حَذَّرَها مِنه، والخيرُ الذي دَلَّ عليهِ (التوحيدُ) وجميعُ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويَرضاهُ، والشرُّ الذي حَذَّرَ مِنه (الشرْكُ) وجميعُ ما يَكْرَهُهُ اللهُ ويَأْباهُ) هذا كلامٌ رَصينٌ ودَقيقٌ، قَلَّ أن تَجِدَهُ في مَكانٍ آخَرَ.

وقدْ وَرَدَ عنْ أبي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: (تَرَكَنَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وما طائِرٌ يُقَلِّبُ جَناحَيْهِ في الهواءِ إلاَّ وهوَ يَذْكُرُ لنا مِنه عِلْمًا، قالَ: فقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ إِلاَّ وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ)) ).

وعن الْمُطَّلِبِ بنِ حنطبٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ:((مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ إِلاَّ وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ إِلاَّ وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ..)).


(13) قولُهُ: (بَعَثَهُ اللهُ إلَى الناسِ كافَّةً، وافْتَرَضَ اللهُ طَاعتَهُ علَى جميعِ الثَّقَلَيْنِ: الجنِّ والإنْسِ، والدليلُ قولُهُ تعالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}) هذه الآيَةُ دَليلٌ ظاهرٌ علَى عُمومِ رسالةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ؛ لأنَّ الْخِطابَ فيها للناسِ، وهوَ لفظٌ شاملٌ للعرَبِ والعَجَمِ.
وقدْ وَرَدَ عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلاَ نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)).

فهذا دَليلٌ أيضًا علَى عُمومِ رِسالتِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وعلَى وُجوبِ الإيمانِ بهِ.

(14) قولُهُ: (وأَكْمَلَ اللهُ بهِ الدِّينَ، والدليلُ قولُهُ تعالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}) إكمالُ الدِّينِ حَصَلَ بتَمامِ النصْرِ وتكميلِ الشرائعِ الظاهرةِ والباطنةِ الْعِلْميَّةِ والعَمليَّةِ.

فليسَ في هذا الدِّينِ - وللَّهِ الحمدُ - زِيادةٌ لِمُستزيدٍ، فلا نَقْصٌ يَستدعِي الإكمالَ، ولا قُصورٌ يَستدعِي الإضافةَ.
وقدْ وَرَدَ عنْ عمرَ بنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ: أنَّ رَجُلاً مِن اليهودِ قالَ: (يا أميرَ المؤمِنينَ، آيَةٌ في كِتابِكُم تَقْرَأُونَها، لوْ علينا مَعْشَرَ اليهودِ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا، قالَ: (أيُّ آيَةٍ؟) قالَ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} قالَ عمرُ: ( قدْ عَرَفْنَا ذلكَ اليومَ والْمَكانَ الذي نَزَلَتْ فيهِ علَى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وهوَ قائِمٌ بعَرَفَةَ يومَ الْجُمُعَةِ).
وهذا الرجُلُ الذي سَأَلَ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُ هوَ كَعبُ الأحبارِ، كما جاءَ في روايَةِ الطبرانيِّ، وفيها أيضًا: (نَزَلَتْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وكِلاهما بِحَمْدِ اللهِ لنا عِيدٌ).
وقولُهُ تعالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}أيْ: بهذا الدِّينِ، وبهذا الْمَنْهَجِ الشاملِ الكاملِ تَمَّتْ نِعمةُ اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى علَى هذه الأُمَّةِ.
{وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}هذا حَثٌّ مِن اللهِ سُبحانَهُ وتعالَى لهذه الأُمَّةِ لتُدْرِكَ قِيمةَ هذا الدِّينِ، ثمَّ تَحْرِصَ علَى الاستقامةِ عليهِ.
فمَنْ لا يَرْتَضِي هذا الدِّينَ مَنْهَجًا يَسيرُ عليهِ في كلِّ صغيرةٍ وكبيرةٍ، فإنَّهُ يَرْفُضُ ما اختارَهُ اللهُ تعالَى، وكَفَى بهذا قُبْحًا وشَناعةً أن يَرْفُضَ هذا العبْدُ الضعيفُ ما اختارَهُ اللهُ تعالَى ورَضِيَهُ.
وهذه الآيَةُ دَليلٌ واضِحٌ علَى رِعايَةِ اللهِ وعِنايتِهِ بهذه الأُمَّةِ،حيثُ اختارَ لها دِينَها وارْتَضَاهُ وأَحَبَّهُ سُبحانَهُ وتعالَى.

ومِن الأدِلَّةِ علَى إكمالِ الدِّينِ حديثُ العِرباضِ بنِ سَاريَةَ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: ((لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لاَ يَزِيغُ بَعْدِي عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ)).

(15) قولُهُ: (والدليلُ علَى موتِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قولُهُ تعالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}) أيْ: والدليلُ مِن النقْلِ المطابِقِ للحِسِّ علَى موتِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قولُهُ تعالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ}أيْ: إنكَ يا مُحَمَّدُ ستَموتُ وتُنْقَلُ مِنْ هذه الدارِ لا مَحالةَ، قالَ تعالَى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}.

وقولِهِ تعالَى:{وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}أيْ: سيَموتونَ، ويُنْقَلونَ مِنْ هذه الدارِ لا مَحالةَ، كما قالَ تعالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.

وقولُهُ تعالَى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} أيْ: يومَ القِيامةِ في ساحةِ فَصْلِ القضاءِ تَختصمون إلَى اللهِ تعالَى، وتَحتكمونَ إليهِ فيما تَنازَعْتُمْ فيهِ؛ فيَفْصِلُ بينَكم بحُكْمِهِ العادِلِ.
والآيَةُ شاملةٌ لكلِّ مُتنازِعَيْنِ في الدنيا مِن المؤمِنينَ والكافرينَ، فإنَّها تُعادُ عليهم الْخُصومةُ في الدارِ الآخِرَةِ، دَلَّ علَى ذلكَ حديثُ الزُّبيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: (لَمَّا نَزَلَتْ: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قالَ الزُّبيرُ: يا رسولَ اللهِ، أَتُكَرَّرُ علينا الْخُصومةُ بعدَ الذي كانَ بينَنا في الدنيا؟ قالَ: ((نعمْ)) فقالَ: إنَّ الأمْرَ إذًا لَشَديدٌ).
وهذه الآيَةُ التي ساقَها الشيخُ رَحِمَهُ اللهُ هيَ إحدَى الآياتِ التي اسْتَشْهَدَ بها الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنهُ عندَ موتِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، حتَّى تَحَقَّقَ الناسُ مَوتَهُ معَ قولِهِ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ}.


  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:08 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح معالي الشيخ :صالح بن عبدالعزيزبن محمد آل الشيخ (مفرغ)


[شرح قوله: (فلما استقر بالمدينة...) ]

قال: (فلما استقر في المدينة أُمر ببقية شرائع الإسلام، مثل الزكاة) الزكاة فُرضت في السنة الثانية من الهجرة، والصوم فُرض في المدينة.
أريدُ بالزكاة التي فرضت في السنة الثانية من الهجرة: الزكاة على هذا النحو المقدر، الزكاة بشروطها، وبأنصبائها، وقدر المخرج، وأوعية الزكاة ونحو ذلك، هذا فرض في السنة الثانية من الهجرة.
أما جنس الزكاة فقد فرض في مكة، يعني: غير مقدر، مثل الصلاة التي كانت في مكة، وهذا جاء في آخر سورة المزمل، قال - جل وعلا - في آخرها وهي مكية: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فأمر بإيتاء الزكاة، قال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
والصواب من أقوال أهل العلم ، أن الزكاة أوجبت في مكة، ومنها بذل الماعون الذي جاء النهي عنه في قوله: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ومنها الصدقة، منها إعطاء الفقير، ونحو ذلك، وهذه الزكاة غير محدودة، لا بقدر، ولا بصفة، وإنما يصدق عليها اسم الزكاة، أما الزكاة على هذا النحو المقدر الذي استقر فهذا فرض في السنة الثانية من الهجرة.
قال: (والصوم) والصوم كذلك، هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فقال لهم: ((لم تصومون هذا اليوم)) قالوا: يوم نجى الله فيه موسى فصامه موسى شكراً فنحن نصومه كما صامه موسى، فقال عليه الصلاة والسلام: ((نحن أحق بموسى منكم)) فصامه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وأمر بصيامه، يعني كان صوم يوم عاشوراء فرضاً، ثم لما فرض صوم رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وهي السنة التي كانت فيها وقعة بدر صار صيام يوم عاشوراء - على الصحيح - مستحباً، والفرض هو صيام شهر رمضان، كما قال - جل وعلا - في سورة البقرة: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وبها كان صيام رمضان واجباً.
قال: (والحج) الحج من أهل العلم من يقول: إنه فُرِضَ في السنة السادسة، وهي السنة التي نزل فيها قول الله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}
ومنهم من قال: إنه لم يفرض إلا في السنة التاسعة، وهذا هو الصحيح، فإن الحج فرض متأخراً، وذلك بعد فتح مكة، فَأُمِرَ النبي صلى الله عليه وسلم بالحج في سورة آل عمران، وهي إنما نزلت في سنة الوفود، أو في عام الوفود، وهي السنة التاسعة، والنبي - عليه الصلاة والسلام - ترك الحج تلك السنة، وأمر أبا بكر أن يحج بالناس، وبعث معه علياً رضي الله عنهم أجمعين، ثم حج - عليه الصلاة والسلام - بعد ذلك في السنة العاشرة حجة يتيمة لم يحج بعدها.
قال: (والأذان) كذلك فرض الأذان في أول العهد المدني.
(والجهاد) الجهاد كان هناك تدرج في فرضه.
(والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام) يعني: أن شرائع الإسلام الظاهرة إنما فرضت في المدينة، وأما في مكة فمكث - عليه الصلاة والسلام - يدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك في عشر سنين.

ثم فرضت الصلاة في السنة العاشرة، وأما بقية الشعائر - شعائر الإسلام الظاهرة - فإنما كانت في المدينة، حتى تحريم المحرمات، من الزنا، والخمر، والربا، ونحو ذلك إنما كان في المدينة، وهذا يدلك على عظم شأن التوحيد في هذا الدين، وأن هذه الرسالة رسالة النبي - عليه الصلاة والسلام - حيث بلغها للناس، مكث يدعو إلى التوحيد في عشر سنين، والتوحيد من حيث هو أمر واحد، الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك أمرٌ واحد.

وتلك الأوامر التي فرضت فيما بعد، والمناهي التي نُهي عنها فيما بعد كثيرة جداً، عددها كثير، مئات من الأشياء، من أمور الإسلام الظاهرة، وأمور المعاملات، والصلات الاجتماعية، والنكاح، وتلك الأحوال، تلك بالمئات، فكان العهد المدني - وهو عشر سنين - متسعاً لتلك الأمور جميعاً.

وأما التوحيد فمع أنه أمر واحد، وهو الدعوة إلى توحيد الله والنهي والنذارة عن الشرك، فقد مكث فيه - عليه الصلاة والسلام - عشر سنين، وهذا من أعظم الأدلة على أن شأن التوحيد في هذا الدين هو أعظم شيء، وأن غيره من أمور الإسلام الظاهرة أنه يليه بكثير في الاهتمام به في هذا الشرع، فالدعوة إنما تكون لتوحيد الله؛ لأن القلب إذا وحد الله - جل وعلا - أحب الله، أحب رسوله، أطاع الله بعد ذلك، وأطاع رسوله رغبة.
ترك الشرك، أبغض الشرك: سيبغض كل ما لا يحبه الله - جل وعلا - ولا يرضاه، وهذا من مقتضيات التوحيد
[شرح قوله: (أخذ على هذا عشر سنين...) ]
قال: (أخذ على هذا عشر سنين وتوفي صلاة الله وسلامه عليه) صلاة الله: الصلاة من الله - جل وعلا - على نبيه أو على المؤمنين هي ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى، هذا هو الصحيح، أن الصلاة من الله - جل وعلا - هي الثناء؛ لأن حقيقة الصلاة في اللغة: هي الدعاء، والثناء.
وأما من قال: إن الصلاة بمعنى الرحمة هذا ليس بصحيح، قال - جل وعلا -: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الملائكة لا يمكنهم أن يرحموه، لكن يمكن أن يثنوا عليه، أو أن يدعوا له، والله - جل وعلا - في حقه الثناء، فمعنى صلاة الله جل وعلا على نبيه هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، لهذا جاء في الحديث الصحيح: ((من صلى عليَّ صلاةً واحدة صلى الله عليه بها عشرا)) يعني: من أثنى عليَّ، من قال: "اللهم صل على محمد" ، سأل الله - جل وعلا - أن يثني على نبيه في الملأ الأعلى فإن الله - جل وعلا - يجزيه من جنس دعائه، وهو أنه يثني عليه في ذلك عشر مرات في ملأه الأعلى، نسأل الله الكريم من فضله، صلى الله على نبينا محمد، اللهم صل وسلم على نبينا محمد.
قال: (ودينه باقٍ) هو - عليه الصلاة والسلام - توفي ودفن في حجرة عائشة، ودينة باقٍ إلى قيام الساعة، لا يقبل الله - جل وعلا - من أحدٍ ديناً إلا هذا الدين.
[شرح وقوله: (وهذا دينه) ]
قال: (وهذا دينه) الضمير يرجع إلى أي شيء ؟
إلى ما سبق إيضاحه في هذه الرسالة، هذا الذي وصف لك في ما قبل هو دينه، معرفة العبد ربه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، ومعرفة العبد نبيه صلى الله عليه وسلم، هذا دينه - عليه الصلاة والسلام -.
[شرح قوله: (لا خير إلا دل الأمة عليه) ]
(لا خير) - هذا من صفاته عليه الصلاة والسلام أنه - (لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دلها عليها التوحيد، وجميع ما يحبه الله ويرضاه، والشر الذي حذرها منه الشرك، وجميع ما يكرهه الله ويأباه) هو - عليه الصلاة والسلام - بالمؤمنين رؤوف رحيم، ومن رأفته بالمؤمنين ورحمته بهم أنه اجتهد أن يؤدي الأمانة كاملة.
لا خير يُقرب إلى الله ويكون محبوباً إلى الله إلا بينه عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة، وأعلى ذلك التوحيد، ويتبع ذلك جميع الأمور من الفرائض والواجبات والمستحبات، ومن المناهي التي اجتنابها فرض ونحو ذلك، المسنونات، حتى قال رجلٌ لسلمان: (لقد علمكم رسولكم كل شيء حتى الخراءة؟) قال: (نعم).يعني: حتى هيئة الجلوس أثناء قضاء الحاجة، فإنه علمنا - عليه الصلاة والسلام - كيف يكون ذلك ؟ استقبال، واستدبار، وما ينبغي أن يكون، إذا ذهب المرء أين يذهب، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره: كان - عليه الصلاة والسلام - إذا ذهب المذهب أبعد، يعني لقضاء حاجته ونحو ذلك، علمنا - عليه الصلاة والسلام - كل شيء من أعلى أمرٍ وهو التوحيد بينه بياناً شافياً مفصلاً إلى أقل الأمور، كلها بينها - عليه الصلاة والسلام - فالحجة قائمة على أمته وأنه - عليه الصلاة والسلام - سيكون شهيداً على هذه الأمة، وأنه بلغهم الرسالة، ودلهم على كل خير يحبه الله ويرضاه.
[شرح قوله: (ولا شر إلا حذرها منه) ]
كذلك لا شر إلا حذرها منه، لا شر كان، أو لا شر سيكون في هذه الأمة إلا وحذرها منه، فحذر - عليه الصلاة والسلام - أمته من الشرور التي كانت في وقته، من الشرك بالله بأنواعه، ومن أنواع المعاصي، وأنواع الأثام، وأنواع المعاملات الباطلة، وكذلك ما سيحدث في المستقبل فإن الله - جل وعلا - أطلع نبيه على ما سيكون، فحذر النبي - عليه الصلاة والسلام - أمته من ذلك، مثلاً كما جاء في الحديث: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)) قالوا يا رسول الله، فارس والروم؟ قال: ((فمن الناس إلا أولئك)) أو كما جاء في غير هذه الرواية، لها ألفاظ كثيرة.
فحذرها من تقليد فارس والروم، حذر النبي - عليه الصلاة والسلام - أمته من الفتن التي ستظهر بأنواعها، ومنها فتنة الخوارج الذين خرجوا على الصحابة وخرجوا على ولاة أمر المسلمين، حذر من البدع بأنواعها، كما جاء في تفسير قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}، وكما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((وإن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)) ونحو ذلك من أنواع ما أخبر به - عليه الصلاة والسلام - أمته محذراً، فهو - عليه الصلاة والسلام - بهذه الأمة رحيم رؤوف، لا خير إلا دلها عليه وأرشد، ولا شر إلا حذر منه ونهى، سواءٌ في ذلك ما حدث في وقته أو ما سيحدث بعد موته - عليه الصلاة والسلام - بقليل أو ما سيكون إلى قيام الساعة، حتى إنه حذر أمته وشدد التحذير في أمر المسيح الدجال،حتى إنه قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن خرج فيكم وأنا حي فأنا حجيجه دونكم، وإن خرج عليكم بعدُ - يعني: بعد وفاته عليه الصلاة والسلام - فامرؤٌ حجيج نفسه)).

وهذا يدل على عظم ما دل النبي - عليه الصلاة والسلام -هذه الأمة عليه.

[شرح قوله: (وافترض طاعته... ) ]
قال - رحمه الله - بعد ذلك: (وافترض طاعته على جميع الثقلين الجن والإنس، والدليل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}) طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض على الجن، والإنس لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - بُعث إلى الناس جميعاً، قال - جل وعلا -: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}، وقال - جل وعلا -: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}؛ لأنهم اتبعوا هذا الرسول بعد أن سمعوا القرآن.
(وكمل الله به الدين) الدين كمل، و(الدين) هو ما يدين به المرء، يعني: ما يكون عادة له في عبادته، يألفه، ويعتاده؛ لأن أصل الدين هو العادة، كما قال الشاعر:

تقول وقد دَرَأتُ لها وضيني = أهـذا دينــه أبـداً وديـنـي
هذا عادته وهذه عادتي، وسمي الدين ديناً؛ لأنه يلتزمه الإنسان، وما كان من الاعتقادات، وما كان من العبادات: يفعله بتكرر حتى يصبح له عادة، نعم، الدين ليس عادة، لكن أصل تسمية الدين سمي به؛ لأنه له شَبَه بالعادة من حيث لزومها وكثرة فعلها وترداد صاحبها لها.
كمل الله به الدين، إذاً فليس في الدين نقصان، ليس فيه مجال للزيادة، فمن أراد التقرب إلى الله - جل وعلا - فإنما يكون ذلك بالتقرب عن طريق رسوله صلى الله عليه وسلم، يعني: أن يكون متبعاً لسنته - عليه الصلاة والسلام - لأن الدين كمل فلا سبيل إلا هذا السبيل، كما قال ابن القيم:
فلواحدٍ كن واحداً في واحــد = أعني سبيــــل الحق والإيمان
من الهجرة:
الهجرة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعته، واتباع سنته، وامتثال أمره، والانتهاء عن نهيه، والاهتداء بهديه، وألا يعبد الله إلا بما شرع، ينسلخ القلب، ويترك كل ما سوى الله - جل وعلا - وسوى رسوله من الذين يطاعون ويتجه بطاعته إلى الله - جل وعلا - ورسوله.
قال: (والدليل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}).
[شرح قوله: (والدليل على موته صلى الله عليه وسلم...) ]
(والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}) مات عليه الصلاة والسلام، فالذين يدعون أنه - عليه الصلاة والسلام - حي لم يمت، وأنه يَحضُر، روحه تحضر وهو يحضر وينتقل ونحو ذلك هؤلاء مكذبون للقرآن، كفرةٌ بالله جل وعلا؛ لأن الله جل وعلا قال لنبيه: {إِنَّكَ مَيِّتٌ} يعني: ستموت {وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} وإنهم سيموتون {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} إنكم جميعاً - أنت وهم - {عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}.

وقال - جل وعلا - في الآية الأخرى:{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ومن المعلوم ما حصل من قيام أبي بكر في الناس بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم خطيباً قائلاً فيما يروى: (من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} ) قال عمر: (فكأني لم أسمع الآية إلا حين تلاها أبو بكر ـ رضي الله عنه) لكن هو بعد موته في حياة برزخية هي أكمل أنواع الحياة البرزخية، فهو حي، حياته أكمل من حياة الشهداء، وهو قد مات، توفاه الله جل وعلا، مات انقطع عن هذه الدنيا، وحياته البرزخية أكمل من حياة الشهداء، فهو - عليه الصلاة والسلام - قد توفي، وانقضى أجله، وهو في الرفيق الأعلى في الجنة وعند الله - جل وعلا - في أعلى المقامات عليه الصلاة والسلام.


  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:10 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي العناصر

- فرضت الزكاة بمكة وبينت أنصبتها في المدينة
- متى فرض الصوم والحج ؟
- معنى الجهاد
- متى فرض الجهاد ؟
- متى فرض الأذان ؟
- تعريف المعروف والمنكر
- سبب تخصيص الشيخ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون غيره من بقية الشرائع
مكث النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة عشر سنين
ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
بيان أن دينه عليه السلام باقٍ إلى يوم القيامة
لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه
بيان الخير الذي دلها عليه
بيان الشر الذي حذرها منه
بعثته صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة
وجوب طاعته صلى الله عليه وسلم على جميع الثقلين
تفسير قوله تعالى: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إإليكم جميعاً)
بيان كمال الرسالة المحمدية
- الرسول صلى الله عليه وسلم بين الدين كله
- يسر الدين وسهولته
- تكفل الله تعالى بحفظ الدين
- تفسير قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم...) الآية
تفسير قوله تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون...) والآية بعدها


  #8  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:11 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الأسئله

الأسئلة
س1: ما معنى الهجرة لغةً وشرعاً ؟
س2: ما حكم الهجرة؟ مع الدليل.
س3: متى تنقطع الهجرة؟ مع ذكر الدليل.
س4: متى أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببقية شرائع الإسلام ؟
س5: ما حكم السفر إلى بلاد الكفار ؟
س6: ما حكم الإقامة في بلاد الكفار ؟
س7: اذكر دوافع الناس إلى الإقامة في بلاد الكفر إجمالاً، مع بيان حكم كل دافع.
س8: متى توفي النبي صلى الله عليه وسلم ؟
س9: اذكر باختصار قصة وفاته صلى الله عليه وسلم.
س10: فيم كُفِّن النبي صلى الله عليه وسلم ؟
س11: متى دفن النبي صلى الله عليه وسلم؟ وكيف صلى الناس عليه ؟
س12: ما هو الخير الذي دل الأمة عليه؟ وما هو الشر الذي حذرها منه صلى الله عليه وسلم ؟
س13:فسر باختصار الآيات التالية، مع بيان ما تدل عليه:
‌أ. {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} .
ب. {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}.
‌ج. {إنك ميت وإنهم ميتون}.
‌د. {ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}.
هـ. {زَعَمَ الذين كَفَرُوا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن}.
س14: اذكر دليلاً على البعث والجزاء.
س15: ما حكم من كذَّب بالبعث؟ مع الدليل.
س16: كيف ترد على من أنكر البعث ؟
س17: كيف تجمع بين حديث: ((لا تنقطِع الهِجْرة حتى تنقطع التوبةُ)) وحديث: ((لا هجرةَ بعد الفتحِ ولكن جهادٌ ونية)) ؟


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
دين, كمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir