دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الفتوى الحموية

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 محرم 1432هـ/11-12-2010م, 02:25 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي 19: كلام أبي الحسن الأشعري

وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الأَشْعَرِيُّ الْمُتَكَلِّمُ، صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ فِي الْكَلامِ، فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي ( اخْتِلافِ الْمُصَلِّينَ، وَمَقَالاَتِ الإِسْلاَمِيِّينَ )، وذَكَرَ فِرَقَ الرَّوَافِضِ، وَالْخَوَارِجِ، وَالْمُرْجِئَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَغَيْرَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ: ( مَقَالَةُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ جُمْلَةً:
قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ: الإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَبِمَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ تعالى، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، لاَ يَرُدُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ أَحَدٌ، فَرْدٌ صَمَدٌ، لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى )، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلاَ كَيْفٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ }، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ }، وَأَنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ بِلاَ كَيْفٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ }.
وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يُقَالُ: إِنَّهَا غَيْرُ اللَّهِ كَمَا قَالَت الْمُعْتَزِلَةُ وَالْخَوَارِجُ وَأَقَرُّوا أَنَّ لِلَّهِ عِلْمًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ }، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ }، وَأَثْبَتُوا له السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَلَمْ يَنْفُوا ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ كَمَا نَفَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، وَأَثْبَتُوا لِلَّهِ الْقُوَّةَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } وَذَكَرَ مَذْهَبَهُمْ فِي الْقَدَرِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَيَقُولُونَ: الْقُرْآنُ كَلامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَالْكَلامُ فِي اللَّفْظِ وَالْوَقْفِ، مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ وَبِالْوَقْفِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ عِنْدَهُمْ، لاَ يُقَالُ اللَّفْظُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، وَلاَ يُقَالُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ.
وَيُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ يُرَى بِالأَبْصَارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا يُرَى الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، يَرَاهُ الْمُؤْمِنُونَ، وَلا يَرَاهُ الْكَافِرُونَ؛ لأنَّهُمْ عَنِ اللَّهِ مَحْجُوبُونَ، قَالَ عزَّ وجل: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ }.
وَذَكَرَ قَوْلَهُمْ فِي الإِسْلامِ وَالإِيمَانِ وَالْحَوْضِ وَالشَّفَاعَةِ وَأَشْيَاءَ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُقِرُّونَ بِأَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَلا يَقُولُونَ مَخْلُوقٌ، وَلا يَشْهَدُونَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ بِالنَّارِ. إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُنْكِرُونَ الْجَدَلَ وَالْمِرَاءَ فِي الدِّينِ وَالْخُصُومَةَ فِيهِ وَالْمُنَاظَرَةَ فِيمَا يَتَنَاظَرُ فِيهِ أَهْلُ الْجَدَلِ، وَيَتَنَازَعُونَ فِيهِ مِنْ دِينِهِمْ، وَيُسَلِّمُونَ لِلرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ، وَلِمَا جَاءَتْ بِهَا الآثَارُ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الثِّقَاتُ عَدْلاً عَنْ عَدْلٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم; لاَ يَقُولُونَ كَيْفَ وَلا لِمَ؟ لأنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَيُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }، وَأَنَّ اللَّهَ يَقْرَبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ، كَمَا قَالَ: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }.
إِلَى أَنْ قَالَ: وَيَرَوْنَ مُجَانَبَةَ كُلِّ دَاعٍ إِلَى بِدْعَةٍ، وَالتَّشَاغُلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَكِتَابَةَ الآثَارِ، والنظر في الآثار، وَالنَّظَرَ فِي الْفِقْهِ مَعَ الاسْتِِكَانَةِ وَالتَّوَاضُعِ، وَحُسْنَ الْخُلُقِ مَعَ بَذْلِ الْمَعْرُوفِ، وَكَفَّ الأَذَى، وَتَرْكَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ والشِّكايةِ، وَتَفَقُّدَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ(1).
قَالَ: فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ، وَيَسْتَسْلِمُونَ إِلَيْهِ، وَيَرَوْنَهُ وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلاَّ بِاللَّهِ وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ(2).

وَقَالَ الأَشْعَرِيُّ أيضًا ( فِي اخْتِلافِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ فِي الْعَرْشِ) فقال: ( قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ: إنَّ الله لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلا يُشْبِهُ الأَشْيَاءَ، وَأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }، وَلا نَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فِي الْقَوْلِ بَلْ نَقُولُ: اسْتَوَى بِلاَ كَيْفٍ، وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ }، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } وَأَنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ كَمَا قَالَ: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا }، وَأَنَّهُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ وَمَلائِكَتُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا }، وَأَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى سَّمَاءِ الدُّنْيَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا إِلاَّ مَا وَجَدُوهُ فِي الْكِتَابِ أو جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى: اسْتَوْلَى وَذَكَرَ مَقَالاَتٍ أُخْرَى(3).

وَقَالَ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ الأَشْعَرِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ ( الإِبَانَةَ فِي أُصُولِ الدِّيَانَةِ ) وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُهُ أَنَّهُ آخِرُ كِتَابٍ صَنَّفَهُ، وَعَلَيْهِ يَعْتَمِدُونَ فِي الذَّبِّ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يَطْعَنُ عَلَيْهِ. فَقَالَ: ( فَصَلٌ فِي إِبَانَةِ قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالسُّنَّةِ ) فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ أَنْكَرْتُمْ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ، وَالْقَدَرِيَّةِ، والْجَهْمِيَّةِ، وَالْحَرُورِيَّةِ، وَالرَّافِضَةِ، وَالْمُرْجِئَةِ فَعَرِّفُونَا قَوْلَكُم الَّذِي بِهِ تَقُولُونَ، وَدِيَانَتَكُم الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ.
قِيلَ لَهُ: قَوْلُنَا الَّذِي نَقُولُ بِهِ، وَدِيَانَتُنَا الَّتِي نَدِينُ بِهَا: التَّمَسُّكُ بِكَلاَمِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا، وَمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَنَحْنُ بِذَلِكَ مُعْتَصِمُونَ، وَبِمَا كَانَ يَقُولُ به أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُ - قَائِلُونَ، وَلِمَا خَالَفَ قَوْلَهُ مُخَالِفُونَ؛ لأنَّهُ الإِمَامُ الْفَاضِلُ، وَالرَّئِيسُ الْكَامِلُ الَّذِي أَبَانَ اللَّهُ بِهِ الْحَقَّ، وَدَفَعَ بِهِ الضَّلالَةَ، وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ، وَقَمَعَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ، وَزَيْغَ الزَّائِغَيْنِ، وَشَكَّ الشَّاكِّينَ، فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ إِمَامٍ مُقَدَّمٍ، وَجَلِيلٍ مُعَظَّمٍ، وَكَبِيرٍ مُفْهِمٍ.
وَجُمْلَةُ قَوْلِنَا: أَنَّا نُقِرُّ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَبِمَا جَاءُوا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَبِمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، لاَ نَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، فَرْدٌ صَمَدٌ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ليظهره على الدين كلِّه، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حُقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.
وَأَنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى }، وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ }، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلاَ كَيْفٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ }، وَأَنَّ لَهُ عَيْنَيْنِ بِلاَ كَيْفٍ كَمَا قَالَ {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}.
وَأَنَّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ غَيْرُهُ كَانَ ضَالاًّ - وَذَكَرَ نَحْوًا مِمَّا ذَكَرَ فِي الْفِرَقِ إِلَى أَنْ قَالَ -:
وَنَقُولُ: إِنَّ الإِسْلامَ أَوْسَعُ مِن الإِيمَانِ، وَلَيْسَ كُلُّ إِسْلامٍ إِيمَانًا، وَنَدِينُ بِأَنَّ اللَّهَ يُقَلِّبُ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عزَّ وجل، وَأَنَّهُ عزَّ وجل يَضَعُ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ، والأَرَضِينَ عَلَى أُصْبُعٍ، كَمَا جَاءَت الرِّوَايَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم(4).
إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنَّ الإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَنُسَلِّمُ بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الَّتِي رَوَاهَا الثِّقَاتُ عَدْلاً عَنْ عَدْلٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم(5).
إِلَى أَنْ قَالَ: وَنُصَدِّقُ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي يُثْبِتُهَا أَهْلُ النَّقْلِ مِنَ النُّزُولِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَأَنَّ الرَّبَّ عزَّ وجل يَقُولُ: ( هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ ) وَسَائِرُ مَا نَقَلُوهُ وَأَثْبَتُوهُ خِلاَفًا لِمَا قَالَ أَهْلُ الزَّيْغِ وَالتَّضْلِيلِ.
وَنُعَوِّلُ فِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ عَلَى كِتَابِ رَبِّنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا، وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ، وَلا نَبْتَدِعُ فِي دِينِ اللَّهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَنَا بِهِ، وَلا نَقُولُ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ نَعْلَمُ، وَنَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا).
وَأَنَّ اللَّهَ يَقْرَبُ مِنْ عِبَادِهِ كَيْفَ شَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ } وَكَمَا قَالَ: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} (6).
إِلَى أَنْ قَالَ: وَسَنَحْتَجُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِنَا وَمَا بَقِيَ مِمَّا لَمْ نَذْكُرْهُ بَابًا بَابًا. ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُرَى وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى مَنْ وَقَفَ فِي الْقُرْآنِ وَقَالَ: لاَ أَقُولُ: إِنَّهُ مَخْلُوقٌ، وَلا غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَرَدَّ عَلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: { بَابٌ فِي ذِكْرِ الاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ }.
فَقَالَ: إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُونَ فِي الاسْتِوَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: نقول إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } وَقَالَ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ } وَقَالَ: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ } وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَـلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَـهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا } كَذَّبَ مُوسَى فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ }، فَالسَّمَاوَاتُ فَوْقَهَا الْعَرْشُ فَلَمَّا كَانَ الْعَرْشُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } لأنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي هو فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَكُلُّ مَا عَلاَ فَهُوَ سَمَاءٌ، فَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، وَلَيْسَ إِذَا قَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ } يَعْنِي جَمِيعَ السَّمَاوات، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْعَرْشَ الَّذِي هُوَ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ عزَّ وجل ذَكَرَ السَّمَاوَاتِ فَقَالَ تعالى: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا } فَلَمْ يُرِدْ أَنَّ الْقَمَرَ يَمْلَؤُهُنَّ، وَأَنَّهُ فِيهِنَّ جَمِيعًا.
وَرَأَيْنَا الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ إِذَا دَعَوْا نَحْوَ السَّمَاءِ؛ لأنَّ اللَّهَ عَلَى عَرْشِه الَّذِي هو فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، فَلَوْلاَ أَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ لَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ نَحْوَ الْعَرْشِ، كَمَا لاَ يَحُطُّونَهَا إِذَا دَعَوْا إِلَى الأَرْضِ(7).
فالآية فُسرت بهذا وهذا، فإذا فُسرت ( في ) بمعنى ( على ) فالله عزَّ وجلَّ فوق السماوات، فوق العرش، وإذا فُسرت السماء بمعنى العلو فهي على أصلها ظرفية أي في العلو، فالله جلَّ وعلا فوق العرش، وهذا قول أهل السنَّة والجماعة.
وهكذا أخبر الله عن موسى أنَّه بلَّغ فرعون وغيره أنَّ الله في السماء، ولهذا قال فرعون { يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى }، أنَّ موسى بيَّن له أن الله في العلو، وأنَّه فوق؛ فلهذا قال الخبيث ما قال. فالرسل جاءوا بأنَّ الله في السماء وفي العلو، وهو يُدعى من أعلى وتُرفع الأيدي له سبحانه وتعالى طلباً للمغفرة والعفو وللحاجات التي يطلبها الإنسان، وهكذا قوله: { إليه يصعد الكلم الطيب }، { بل رفعه الله إليه }، { تعرج الملائكة والروح إليه }، كل هذا يدل على العلو.

وَقَدْ قَالَ القَائِلُونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، والْجَهْمِيَّةِ، وَالْحَرُورِيَّةِ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) أَنَّهُ اسْتَوْلَى وَقَهَرَ وَمَلَكَ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ، وَذَهَبُوا فِي الاسْتِوَاءِ إِلَى الْقُدْرَةِ، فَلَوْ كَانَ كَمَا ذَكَرُوهُ، كَانَ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ والأَرْضِ السَّابِعَةِ؛ لأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَالأَرْضُ فَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحُشُوشِ وَعَلَى كُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ مُسْتَويًا عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى الاسْتِيلاَءِ - وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَوْلٍ عَلَى الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، لَكَانَ مُسْتَويًا عَلَى الْعَرْشِ وَعَلَى الأَرْضِ وَعَلَى السَّمَاءِ وَعَلَى الْحُشُوشِ وَعلى الأَقْذَارِ؛ لأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الأَشْيَاءِ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ اللَّهَ مُسْتَوٍ عَلَى الْحُشُوشِ وَالأَخْلِيَةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى: الاسْتِيلاَءِ الَّذِي هُوَ عَامٌّ فِي الأَشْيَاءِ كُلِّهَا، وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الاسْتِوَاءِ يَخُتصُّ الْعَرْشَ دُونَ الأَشْيَاءِ كُلِّهَا(8).

وَذَكَرِ دَلاَلاَتٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالإِجْمَاعِ وَالْعَقْلِ ثُمَّ قَالَ: ( بَابُ الْكَلامِ فِي الْوَجْهِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْبَصَرِ وَالْيَدَيْنِ ).
وَذَكَر الآيَاتِ فِي ذَلِكَ، وَرَدَّ عَلَى الْمُتَأَوِّلِينَ بِكَلامٍ طَوِيلٍ لاَ يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِحِكَايَتِهِ: مِثْلَ قَوْلِهِ: فَإِنْ سُئِلْنَا أَتَقُولُونَ لِلَّهِ يَدَانِ؟ قِيلَ: نَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ )، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (لما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ بِيَدِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ وخلق جنَّة عدن بيده وكتب التوراة بيده ) وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ، وَخَلَقَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ، وَكَتَبَ التَّوْارَةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ شَجَرَةَ طُوبَى بِيَدِهِ ).
وَلَيْسَ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَلا فِي عَادَةِ أَهْلِ الْخِطَابِ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: عَمِلْتُ كَذَا بِيَدَيَّ، وَيُرِيدُ بِهِ النِّعْمَةَ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ إِنَّمَا خَاطَبَ الْعَرَبَ بِلُغَتِهَا، وَمَا يَجْرِي مَفْهُومًا مِنْ كَلامِهَا، وَمْعُقولاً فِي خِطَابِهَا، وَكَانَ لاَ يَجُوزُ فِي خِطَابِ أَهْلِ البيانِ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: فَعَلْتُ كذا بِيَدَيَّ، وَيَعْنِي بِهِ النِّعْمَةَ، بَطَلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ( بِيَدَيَّ ) النِّعْمَةَ. وَذَكَرَ كَلاَمًا طَوِيلاً فِي تَقْرِيرِ هَذَا وَنَحْوِهِ(9).


  #2  
قديم 5 محرم 1432هـ/11-12-2010م, 02:30 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي تعليق سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله

(1) (وتفقد المآكِل والمَشَارِب) يعني: عن الحرامِ، يعني: يَتَحَرَّزُونَ مِن الحَرَامِ، ويَجْتَهِدُونَ في طَلَبِ الحلالِ، هكذا قولُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ، يَتْرُكُونَ الجَدَلَ والمِرَاءَ إلا بحقٍّ، كما قالَ جلَّ وعلا: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.
(2) قدْ أَحْسَنَ في ذلك رَحِمَهُ اللَّهُ.
(3) ما تَقَدَّمَ مِن الكلامِ الذي نَقَلَه عن أهلِ السنَّةِ والحديثِ: أنه ليسَ بجِسْمٍ. مَحَلُّ نَظَرٍ، قد أَنْكَرَه أبو العبَّاسِ في كِتَاِبه (التَّدْمُرِيَّةِ) وفي مَوَاضِعَ أُخْرَى، وبَيَّنَ أنَّ أهلَ السنَّةِ والجماعةِ لا يَنْفُونَ الجِسْمَ ولا يُثْبِتُونَه؛ لعَدَمِ وُرُودِه، فلا يُقَالُ: هو جِسْمٌ وليسَ بجسمٍ؛ لأنَّ هذه الكلمةَ مُحْتَمِلَةٌ، فيها إجمالٌ، وإنَّما يقولونَ ما جاءَتْ به النصوصُ، فيقولونَ: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} وهكذا ما جاءَتْ به النصوصُ، أمَّا هو جسمٌ أو ليسَ بجسمٍ، هذا لم تَرِدْ به النصوصُ، فلا يَجُوزُ نفيُه ولا إثباتُه، فكما أنَّه له ذاتٌ ليسَتْ مِثْلَ الذواتِ، فله ذاتٌ حقيقةً وسَمْعٌ حقيقةً وبصرٌ حقيقةً، لا تُشْبِهُ المخلوقينَ.
وأمَّا نَفْيُ الجسمِ وإثباتُ الجسمِ فلم تَرِدْ به النصوصُ، ومَن أَثْبَتَه وقالَ: هو جسمٌ لا كالأجسامِ، له سمعٌ وبصرٌ ونحوُ ذلك. هو حقيقةٌ. ومَن نَفَاهُ أنَّه ليس له ذاتٌ, هذا كُفْرٌ وضلالٌ , إذا أرادَ به هذا المعنى.
فلهذا الصوابُ أنَّه لا يُنْفَى ولا يُثْبَتُ، لا يُقالُ: ليسَ بجسمٍ ولا هو جِسْمٌ؛ لعدمِ وُرُودِه في الأدلَّةِ؛ لأنَّ الأدلةَ لم تَرِدْ بهذا اللفظِ، ولم يَنْطِقْ به الصحابَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عليهم وأَرْضَاهُم. فيُنْطَقُ بما جاءَ به النصوصُ ويُكْتَفَى بذلك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، {لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، {فَلاَ تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}.
وجاءَ في الحديثِ الصحيحِ: ((وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ)) في حديثِ شِعْرِ خُبَيْبٍ، وجاءَ في حديثِ كَذِبَاتِ إبراهيمَ: ((كُلُّهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ)). فله ذاتٌ لا تُشْبِهُ الذواتِ سبحانه وتعالى، ذاتٌ وُصِفَتْ بالسمعِ والبصرِ والوجهِ واليَدِ وغيرِ ذلك، على الوجهِ اللائِقِ باللَّهِ سبحانه وتعالى.
(4) على إِصْبِعٍ. يعني: يومَ القيامةِ، والماءُ والثَّرَى على إِصْبِعٍ، والشجرُ والجبالُ على إِصْبِعٍ، وسائرُ خلقِه على إصبعٍ، ثم يَهُزُّهُنَّ فيقولُ: أنا المَلِكُ، أنا الجَبَّارُ، أينَ الجَبَّارُونَ؟ أينَ المُتَكَبِّرُونَ؟ كما ثَبَتَ في الصحيحيْنِ من حديثِ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
(5) وهذا هو مذهبُ أهلِ السنَّةِ والجماعةِ: الإيمانُ قولٌ وعملٌ، يَزِيدُ بالطاعةِ ويَنْقُصُ بالمعصيةِ، قولُ القلبِ واللسانِ وعملُ القلبِ والجوارحِ، يَزْدَادُ بالطاعاتِ والذِّكْرِ، ويَنْقُصُ بالمعصيةِ والغَفْلَةِ.
ويُرَدُّ بهذا على المُعْتَزِلَةِ والجَهْمِيَّةِ والخَوَارِجِ، الذين يقولون: لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ. ويقولُ بعضُهم كالجَهْمِيَّةِ: إنه مجردُ المَعْرِفَةِ. فأهلُ السنَّةِ والجماعةِ وَسَطٌ بينَ هذه الطوائفِ الضَّالَّةِ، فهم يقولون: إنَّ الإيمانَ قولٌ وعملٌ، يَزِيدُ بالطاعاتِ ويَنْقُصُ بالمعاصي.
وأمَّا قولُ الخوارجِ: إنَّه لا يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ، وإنَّ مَن عَصَى كَفَرَ. فهم ضالُّون في هذا القولِ، وهكذا المُعْتَزِلَةُ. نَسْأَلُ اللَّهَ العافِيَةَ.
(6) هذه الآيةُ آيةُ النَّجْمِ، الصوابُ فيها أنَّه جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ.
(7) وهذا يُبَيِّنُ رَحِمَهُ اللَّهُ لنا أنَّ قولَه: "فِي السَّمَاءِ" يعني: على السماءِ؛ فإنَّ "في" المؤلفُ يُشِيرُ إلى أنَّ المرادَ بالسماءِ: العُلُوُّ، جِنْسُ العُلُوِّ، ولهذا قالَ جلَّ وعلا: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}، والعرشُ فوقَ السماواتِ.
وقولُه {ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} يعني: في العُلُوِّ، ومِن العلوِّ العرشُ، فهو مِن العلوِّ. والمعنى الثاني أنَّ (في) بمعنى (على) إذا أُرِيدَ بالسماءِ السماءُ المبنيَّةُ القائمةُ، يعني: مَن على السماءِ، كما قالَ تعالى: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} يعني: على الأرضِ، {لأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} يعني: على جُذُوعِ النخْلِ.

(8) وهذا قولُ أهلِ الحقِّ؛ وأنَّ قولَ مَن قالَ: اسْتَوْلَى على العرشِ، أو قَهَرَ عليه، أو غَلَبَ عليه. قولٌ باطلٌ؛ لأنَّه مُسْتَوْلٍ على كلِّ شيءٍ، وهو بِيَدِه كلُّ شيءٍ سبحانه وتعالى، وإنما هذا صِفَةُ العلوِّ، صفةٌ خاصَّةٌ للعرشِ، وهو العلوُّ فوقَه والاستواءُ عليه، مِن اللَّهِ سبحانه وتعالى.
(9) هذا رَدٌّ على أهلِ التأويلِ مِن أهلِ الكلامِ، الذين يُؤَوِّلُونَ اليَدَ بالقدرةِ أو بالنعمةِ، وأنَّ هذا باطلٌ غيرُ معروفٍ عندَ العربِ، إذا قالَتِ العربُ: فَعَلْتُ بِيَدِي هذا. تُرِيدُ أنَّها باشَرَتِ الأشياءَ. واللَّهُ خاطَبَ العربَ بما يَعْقِلُونَ ويَفْهَمُون؛ فلهذا قالَ سبحانه: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} إلى غيرِ ذلكَ مِن النصوصِ الدالَّةِ على إثباتِ اليديْنِ له سبحانه، على الوجهِ اللائِقِ به، مِن غيرِ مُشَابَهَةٍ لخلقِه سبحانه وتعالى، وهكذا بَقِيَّةُ الصفاتِ؛ {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}، {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}، ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ)) إلى غيرِ هذا، كلُّ هذا على الطريقةِ المعروفةِ، وهي إمرارُها كما جاءَتْ، معَ الإيمانِ بأنَّها حقٌّ، وأنَّها أَوْصَافُ اللَّهِ تَلِيقُ به سبحانه وتعالى، لا يُشَابِهُ فيها خلقَه جلَّ وعلا.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
19, كمال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir