القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , نبينا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين .
قال العلامة الصحاوي رحمه الله تعالى:
ونؤمن بالملائكة، والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين , ونسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين .
الشيخ: (بس) يكفي , يكفي . الحمد لله , وبعد.., هذه الجملة من كلام العلامة الطحاوي ـ رحمة الله تعالى ـ ذكر فيها أصول الدين، وأركان الإيمان فقال: "ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين" .
بعد أن ذكر تفصيل الكلام على الصفات , وعلى القدر , وعلى العرش والكرسي , وإحاطة الله جل وعلا بكل شيء , وعلو الرب سبحانه وتعالى، والخلة , وما في ذلك من المباحث التي هي متصلة بركنين من أركان الإيمان , وهما الإيمان بالله والإيمان بالقدر خيره وشره، من الله تعالى ـ ذكر بقية أركان الإيمان بالله، فقال: "ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين"؛وذلك أن أركان الإيمان التي جاءت في القرآن وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام ستة من الأركان، وهذه هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله , واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره من الله جل وعلا .
لهذا قال: "ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين" والإيمان بهذه المسائل في المتفق عليه بين المنتسبين إلى القبلة، فإنهم يؤمنون بأركان الإيمان الستة من الفرق (73) فإن الجميع يؤمن بذلك على اختلاف بينهم في تفسير بعض المسائل فيها، وذلك لكثرة النصوص الدالة على الإيمان بهذه الأركان الستة، فمن الأدلة التي دلت على أن هذه الأركان الستة من الإيمان , بل هي الإيمان قول الله جل وعلا {ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين} والبر من الإيمان .
والإيمان بهذه المسائل من المتفق عليه بين المنتسبين إلى القبلة؛ فإنهم يؤمنون بأركان الإيمان الستة من الفرق الثلاث وسبعين, فإن الجميع يؤمن بذلك على اختلاف بينهم في تفسير بعض المسائل فيها؛ وذلك لكثرة النصوص الدالة على الإيمان بهذه الأركان الستة, فمن الأدلة التي دلت على أن هذه الأركان الستة من الإيمان, بل هي الإيمان: قول الله جل وعلا: { وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَن آمَنَ باللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ والمَلاَئِكَةِ والْكِتَابِ والنَّبِيِّينَ }. والبر من الإيمان، أو هو اسم للإيمان؛ لأنه يطلق فيشمل الإيمان جميعاً, ويطلق البر ويشمل بعض خصال الإيمان، وكذلك قوله جل وعلا في آخر سورة البقرة: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ والمُؤْمِنُونَ كلٌّ آمَنَ باللهِ ومَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } الآية. كذلك قول الله جل وعلا في سورة النساء: { يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَمِنُوا باللهِ وَرَسُولِهِ والْكِتَابِ الَّذِي نُزِّلَ عَلَى رَسُولِهِ والكِتَابِ الَّذِي أُنْزِلَ مِن قَبْلُ وَمِن يَكْفُرْ باللهِ، ومَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا }.
والآيات في هذا المعنى كثيرة، والحديث الذي يدل عليها مش0هور عندكم, معروف، وهو حديث جبريل في سؤاله للنبي- صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان, فقال له عليه الصلاة والسلام: (( الإيمان أن تؤمن بالله, وملائكته, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره. فقال جبريل عليه السلام: صدقت. ثم في آخره قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)). فهذا القدر, ومجمع عليه بين الفرق الثلاث وسبعين جميعاً.
فكل فرقة من الفرق الثلاث وسبعين في هذه الأمة هي تؤمن بالملائكة, والنبيين، وتؤمن بالكتب، لكن هناك قدر يختلفون فيه في بعض تفصيلات الكلام على هذه المسائل، بعض العلماء يعبر عن هذه الأركان بأنها الأركان الخمسة، أركان الإيمان الخمسة بعضهم أو يجعلها أصول الدين الخمسة, وبعضهم يجعلها أصول الدين الخمسة، وبعضهم يجعلها أصول الدين الستة، أو الأركان الستة، بعضهم يجعلها سبعة، ونحو ذلك، وهي كلها متقاربة، إما بحذف القدر؛ لأجل الآيات أن الآيات ليس فيها ذكر القدر, فيجعلونها موافقة للآيات، وإما أن تجعل جميعاً مع القدر، كما دل عليه حديث جبريل المعروف, وأما من قال سبعة, ففيه توسع بذكر الجنة والنار، كما قاله بعض المتصوفة, فإنهم قالوا: أركان الإيمان سبعة؛ وذكروا اليوم الآخر, والجنة والنار, والجنة والنار هي من الإيمان باليوم الآخر.
هذا ما يتعلق بهذه الجملة إجمالا وتحتها مسائل
الأولى: أن الإيمان بهذه الأمور؛ الملائكة, والنبيين, والكتب المنزلة على المرسلين, معناه التصديق الجازم بأن ما أخبر الله جل وعلا به عن هذه الأشياء فهو حق، وأن الملائكة -كما سيأتي- حق, إجمالاً وتفصيلاً، وأن النبيين حق, إجمالاً وتفصيلاً، وأن الكتب من عند الله -جل وعلا- منزلة حق, إجمالاً وتفصيلاً، هذا معنى الإيمان بهذه الأشياء, يعني: يؤمن بالملائكة, بوجود الملائكة إجمالاً وتفصيلاً, يؤمن بالنبيين -كما سيأتي- إجمالاً وتفصيلاً، ويؤمن بالكتب أيضاً إجمالاً وتفصيلاً.
هذا الإيمان مرتبتان: منه قدر واجب لا يصح الإيمان إلا به، فمن لم يأت بالقدر الذي سيأتي بيانه؛ فإنه لم يؤمن بالملائكة، ولم يؤمن بالنبيين، ولم يؤمن بالكتب. ومنه قدر مستحب، وهو الذي يتنافس فيه أهل العلم في إدراكه, والعلم به, والعمل بما تحته عمل من ذلك.
المسألة الثانية: ندخل في تفصيل الكلام على هذه المسائل, وأولها: الإيمان بالملائكة، والإيمان بالملائكة يمكن أن نجعله أيضاً في فقرات, الأولى: في معنى الملائكة, الملائكة في اللغة جمع.. جَمْعٌ لملأك, وملأك قال العلماء: إنها مقلوبة من مألك، وأصل مألك هذا مصدر, فيه معنى الألوكة، وهي الرسالة، لهذا مادة الألوكة هي الرسالة, وألك فلاناً بكذا يعني أرسله بكذا, فمادة الملائكة, وألك, والألوكة, كلها في الرسالة, ومن ذلك قول الشارح فيما ذكرته لكم قبل في شروحنا السابقة حيث قال:
ألكني إليها وخير الرسول أعلمهم بنواحي الخبر
يعني: أرسلني إليها، والألوكة معروفة عند العرب, بمعنى الرسالة، فإذن الملائكة هم معناهم اللغوي: هم المرسلون، لكن رسالة خاصة, على وجه رسالة خاصة, على وجه التعظيم لها، فإذن الملائكة هم المرسلون؛ ولهذا الله جل وعلا سمى الملائكة مرسلين في قوله: { المرسلات عرفا }. كما هو أصح أقوال المفسرين في ذلك, وكذلك في قوله:{ الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس}. وسيأتي معنى الاصطفاء هنا. ولماذا صار بعض الملائكة رسلاً؟! إن شاء الله تعالى, يعني: اختصوا باسم الرسالة دون البقية, أما فيما دلت عليه الأدلة, فالملائكة عباد من عباد الله جل وعلا، خلقوا من نور, خلقهم الله - جل وعلا- من نور، وجعلهم متفرغين لعبادته, موكلين بشئون ملكوته، ليسوا ببنات لله, سبحانه وتعالى، وليسوا بأولاد له, جل وعلا، وإنما هم عباد مكرمون، يعملون بما يأمرهم به ربهم جل وعلا، عباد يعبدون, ولا يعبدون, مكرمون مطهرون، ليسوا بذوي نقص, لا في خلقتهم، ولا في خلقهم, ولا في عباداتهم لربهم جل وعلا.
الثانية: الملائكة درجات وطبقات، فأعظم الملائكة قدراً الثلاثة الذين خصهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دعائه في الليل, يعني: في صلاته في الليل، حيث كان يدعو عليه الصلاة والسلام بقوله: (( اللهم, رب جبريل, وميكائيل, وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اللهم..)) إلى آخر الحديث . فقوله: ((اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك, فإنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)). فنص على هؤلاء الثلاثة؛ لفضلهم, ولرفعتهم عند الله جل وعلا، وهؤلاء الثلاثة؛ جبريل أفضلهم, ثم ميكائيل, ثم إسرافيل, أما جبريل عليه السلام, وميكائيل, وإسرافيل, فهم موكلون بأنواع الحياة, فجبريل موكل بحياة القلوب؛ لأنه ينزل بالوحي من الله جل وعلا، كما قال سبحانه:{ قل نزله روح القدس من ربك بالحق }. وميكائيل موكل بأمر حياة الإنسان, يعني: وسائل حياة الإنسان والحيوان من المطر والنبات والرياح وما أشبه ذلك، مما فيه حياته واستقامة أمره, وأما إسرافيل فهو الموكل بالنفخ في الصور، إذ به إعادة الناس إلى حياة جديدة بعدها لا موت.
فإذن الجميع يشتركون في أنهم يحيون, أو أن معهم أسباب الحياة؛ ولذلك صاروا سادة الملائكة, وأكابر الملائكة عليهم السلام هم طبقات, يختلفون, يعني: في فضلهم, ويختلفون في قربهم من الله جل وعلا، وأيضاً يختلفون وظائفهم وما وكلوا به, ولفظ التوكيل إن الملك موكل, يعني: أن الله جل وعلا أوكل إليه أن يعمل هذا العمل, وذلك لقول الله جل وعلا: { قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم }. الله جل وعلا جعل ملك الموت موكلا بالإنسان, وكل سيد من الملائكة معه كثير من الملائكة, يأتمرون بأمره، وينتهون عن نهيه، ويفعلون ما يأمرهم به أميرهم أو قائدهم أو المطاع فيهم؛ لهذا صار ملك الموت معه رسل, كما قال جل وعلا:{ حتى إذا أتى أحدكم الموت}. {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون } في سورة الأنعام الرسل يعني: ( اللي ) هم أعوان ملك الموت كذلك قوله: { ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا يبصرون } يعني: ملائكة الموت.
كذلك الله جل وعلا سمى الملائكة الذين سخرهم للريح ووكلهم وهم جنود ميكائيل عليه السلام, سماهم بصفاتهم, فقال جل وعلا: { والمرسلات عرفا } وقال: { والناشرات نشرا، فالفارقات فرقا } و { والصفات صفا } ونحو ذلك, وهؤلاء جنود موكلون, المرسلات عرفا، الناشرات نشرا, الفارقات فرقا, قال طائفة من العلماء في التفسير: إنها الرياح, وقال طائفة: هي الملائكة من الصحابة ومن التابعين, والقولان متقاربان؛ لأن الرياح لا تفعل هذه الأشياء من ذات أنفسها, بل هي مسوقة مثل ما ترون اليوم, يقولون فيما تمليه الأرصاد, فيما يرون ويستنتجون: وجد منخفض جوي في المكان الفلاني، ومرتفع منخفض في الهند، ومرتفع ما أدري ( إيش )؟! وسبب وجود الرياح مشيها كذا, والسحاب مشى كذا، وهذه كلها فيما يعتقده المؤمن, أن الله - جل وعلا - هو الذي فعل هذه الأشياء، وأنه أمر الملائكة الموكلين بهذه الأمور أن تفعل هذه الأشياء, ثم الناس ينظرون إلى الأسباب, ينظرون إلى المسببات، ولا ينظرون إلى الفعل الحقيقي, فيرون النتيجة, يقولون: اتجه بسبب المنخفض, لكن لماذا حصل المنخفض؟! كيف حصل ونحو ذلك؟! لا يعرفون؛ لأنهم عن ربهم معزولون, فإذن الملائكة وكلهم الله جل وعلا بأمور ملكوته, ولم ( سقط في الشريط ) حاجة منه جلا وعلا لهم تعالى الله جل وعلا عن ذلك, بل هو الغني, والملائكة يشرفون بعمل ما يأمرهم به جل وعلا، لكن ليظهر فضلهم؛ ولينشغلوا بعبادة الله جل وعلا، وبامتثال أمره, وبخوفه, والانتهاء عن نهيه, ونحو ذلك من المعاني.
الثالثة: الملائكة خلقوا من نور, وملأوا السماء، وهم كما قال الله جل وعلا عن قولهم: { وما منا إلا له مقام معلوم }. يعني: في السماء, وما منا إلا له مقام معلوم, يعني, في السماء: { وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون }. فهم ملئوا السماء وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((أطت السماء وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك قائم، أو ملك ساجد، أو ملك راكع)). والملائكة لما كانوا مخلوقين من نور؛ فإنهم إذا ملأوا السماء ليس ملء أجسام تحول دون العبور في السماء, بل هذه أجسام نور، الله جل وعلا أعلم كيف تكوينها, وكيف صفاتها على وجه الكمال, ثم كتب كثيرة ألفت في ذكر الملائكة، ولا أدري هل يناسب أن نطيل الحديث حولها، أو أحيكلم على بعض الكتب التي فيها ذكر تفصيل للملائكة، فمنها: شرح الطحاوية الذي عندكم، وفيه بيان لا بأس به, وكذلك نقل عنه صاحب معارج القبول وزاد بعض الأدلة, ومن الكتب المعاصرة كتاب الدكتور الأشقر "عالم الملائكة". هو كتاب جيد في بابه, يمكن أن ترجع إليه. رابع.. لا, من الملائكة
المسألة الرابعة: من الملائكة أو من بحث الملائكة, أن الإيمان بالملائكة ركن الإيمان, ومعنى كونه ركناً, أن الإيمان لا يوجد إذا فقد ركنه؛ لأن الركن هو ما يقوم عليه الشيء, فإذا فقد؛ فإنه لا قيام للشيء بدونه، وهذا الكلام يصدق في تعريف الركن على الإيمان أركان الإيمان.
وأما أركان الإسلام ففيها بحث, في هل الركن فيها ما هو بهذا المعنى أم ثم معنى آخر؟! ربما يأتينا في موضع آخر إن شاء الله. لكن بإجماع أهل العلم أن من لم يؤمن بالملائكة فلم يؤمن بالله؛ فهو كافر؛ لأن الله جل وعلا ذكرهم في كتابه, فهو كافر بالله, كذلك من لم يؤمن بالنبيين, كذلك من لم يؤمن بكتب الله جل وعلا المنزلة, هذا الإيمان الذي هو فرض وركن وواجب له حالان:
الحال الأولى: الإيمان الإجمالي.
والثاني: الإيمان التفصيلي.
فمعنى الإيمان الإجمالي أن كل أحد عليه فرض أن يؤمن بوجود الملائكة. واحد,
والثاني: أن الملائكة عباد، وليسوا ببنات لله جل وعلا، ولا يعبدون, هذا القدر واجب على كل أحد أن يؤمن به إجمالاً, أن الملائكة خلق من خلق الله, عباد لا يعبدون، وأن يعني: ما بقي كالذي ذكرته لك الآن.
أما التفصيلي: فهو أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بكل ما أخبر الله جل وعلا به في كتابه، أو أخبر به نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سنته الثابتة من ذكر الملائكة, ففي القرآن لو قال لنا قائل: أنا أؤمن بالملائكة, لكن جبريل ما أدري ( إيش ) جبريل؟! لأنه ما قرأ القرآن؛ فإنه إذا قرأ القرآن, وسمع باسم جبريل, وأنه ملك, هنا وجب عليه الإيمان تفصيلاً بجبريل، فمن كفر بجبريل؛ فقد كفر ببقية الملائكة وبالإيمان الإجمالي أصلاً، وكذلك من كفر بميكال, وذكر لك من كفر بإسرافيل، وكذلك من كفر بملك الموت.. إلى آخره.
فإذن الإيمان الإجمالي هذا هو ركن الإيمان الواجب على كل أحد, ثم كل من سمع نصاً ودليلا فيه ذكر الإيمان بالملائكة من القرآن؛ فإنه يجب عليه أن يؤمن بهذا على وجه التفصيل، فلا يجب على كل أحد يعني: من المسلمين أن يعلم أن ميكال مثلاً هو الموكل بالقبر, أو أن إسرافيل هو الموكل بالنفخ في الصور, لو قال لك قائل مثلا واحد من العامة، أو من جملة الناس: أنا لا أدري, أنا ما أعرف هذا (غير مسموع) المهم أنا أؤمن بالملائكة وبس, هذا يكفي فيه الإيمان, ثم من علم كل حالة أو كل اسم ملك أو دليل في ذلك، وجب عليه الإيمان به.
المسألة الخامسة: الإيمان بالملائكة تبع للعلم, وكلما زاد العلم بالعقيدة وبالنصوص زاد الإيمان بالملائكة, لما وفقه الله جل وعلا، ولهذا نقول: الناس متفاوتون في إيمانهم بملائكة الله جل وعلا, وليسوا جميعاً سواء في ذلك, التفاوت سببه تفاوت العلم، فكلما كان العلم أكثر؛ كان الإيمان أكثر؛ لأن الإيمان هنا معناه: التصديق، إذا علم فصدق وآمن جزماً؛ فإن إيمانه يزيد على غيره، وهذا من أوجه معنى زيادة الإيمان ونقصانه في مجموع خصال الإيمان، لهذا نقول: الإيمان بالملائكة المستحب درجات كثيرة, الإيمان بالملائكة المستحب درجات كثيرة، السعي في البحث عن ذلك هذا من الإيمان المستحب, يعني: السعي, ثم إذا علم؛ وجب عليه أن يؤمن, صار واجباً طلب العلم في هذا ومعرفته, ومعرفة أحوال الملائكة, وكيف يعبدون الله جل وعلا ويخافونه، وخوفهم من الله جل وعلا، وامتثالهم لأوامره ونحو ذلك.
طلب ذلك والعي فيه هذا من العلم المستحب، فإذا علم شيئاً من ذلك؛ وجب عليه الإيمان به؛ لأن الحجة قامت عليه.
المسائل أيضاً المتصلة بزيادة الإيمان بالملائكة وتفاوت الناس فيه، أن الإيمان بالملائكة له أثر على العبد المؤمن، وهذا الأثر تارة يرجع إلى التوحيد والعلم، وتارة يرجع إلى السلوك والعمل، وتارة يرجع إلى خصال الإيمان, أو أركان الإيمان الأخرى، فأما التوحيد والعلم فأنه يعلم أن الملائكة كما وصفهم الله جل وعلا بأنهم عباد: { بل عباد مكرمون }. وأنهم مع كونهم لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون؛ لكنهم يخافون الله جل وعلا, ويعبدونه عبادة دائمة, وخوفهم من الجليل جل وعلا مع قربهم منه سبحانه وتعالى، وهذه فيها إبطال لدعوى من عبد الملائكة، أو قال: إنهم بنات الله, كما وصف الله جل وعلا قولهم بقوله: { وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون}. والجنة هنا(غير مسموع) الملائكة في أحد الأقوال, وهي أصح الأقوال، والنسب يعني: أن الملائكة بنات الله, وهذه جاء مصرحا بها في آيات كثيرة، كما في قوله: [وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً ستكتب شهادتهم يسألون][1] أو كذلك قوله: { وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهة مسوداً وهو كظيم }. إلى آخر الآيات, المقصود في الإيمان بالملائكة إبطال لدعوى كل من عبد غير الله جل وعلا؛ لأنهم يعبدون غير الله جل وعلا, إما في ظنهم أنهم عبدوا الملائكة, وهم يعبدون الجن, أو عبدوا الأشجار والأوثان, وهم يعبدون في الحقيقة أهواءهم، والجن سيطرت عليهم, فكل عبادة توجهت إلى غير الله جل وعلا؛ فإن الإيمان بالملائكة ومعرفة ما عليه الملائكة يدل على بطلان تلك العبادة، ولهذا ذكر الله جل وعلا في آخر سورة سبأ إشارة إلى هذا الأصل, الذي يحتاج بيانه إلى تفصيل بقوله جل وعلا: { ويوم نحشرهم جميعاً ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } {أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون} وهذا يعم جميع أنواع عبادة غير الله جل وعلا، كذلك في توحيد الله جل وعلا في خصال العبادة من الخوف والمحبة، واتباع الأمر والنهي, هذه كلها الإيمان بالملائكة, و معرفة أحوال الملائكة, تزيد العبد معرفة بخصال التوحيد؛ لأن أهل السماء الذين هم ملائكة الله جل وعلا كاملو توحيد الله جل وعلا, واتباعهم بأمره ونهيه سبحانه وتعالى.
أما الجهة الثانية: وهي جهة السلوك والعمل، فللإيمان بالملائكة أثر؛ وذلك أن الملائكة لمن آمن بهم على وجه التفصيل؛ فإنه يعلم أن ثم ملائكة يكتبون ما يصدر من الإنسان, كما قال سبحانه: { كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون } فكونهم يكتبون وكذلك: { ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عديد }. هذا يجعل إحسانه للعمل ومراقبته لربه في لفظه وفي عمله أعظم؛ لأنه يعلم أنه معه قرين يلازمه, لا ينفك عن كتابة شيء؛ فلذلك يحسن قوله, ويحسن عمله ما استطاع, وإذا أذنب؛ فإنه يستغفر، وطوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثيرا، لأن الملائكة تكتب هذا، وهذا وإن الحسنات يذهبن السيئات.
أما من الجهة الأخيرة وهي جهة ( إيش )؟
ـ......
(كلام غير مسموع)
وهي أن الإيمان بالملائكة له أثر في أركان الإيمان الأخرى، فإن الملائكة لمن آمن بهم علم أن منهم الموكل بالوحي، وجبريل عليه السلام هو الموكل بالوحي، وهذا الوحي ما هو؟! هو كتب الله جل وعلا, ووحيه على أنبيائه، فصار ثم صلة بين الإيمان بالملائكة والأنبياء, والإيمان بالملائكة والكتب, ولهذا المعنى جمع فيما يظهر لي, جمع الطحاوي بين هذه الثلاثة في هذا الموطن؛ لأن كل واحدة منها تدل على الأخرتين الباقيتين, الإيمان بالملائكة, والنبيين, والكتب المنزلة, فكل واحدة تدل على البقية، ومن ثمرات الإيمان بالملائكة الإيمان بالكتب، ومن ثمرات الإيمان بالكتب الإيمان بالأنبياء... وإلى آخره فهذه كلها متصلة جميعاً.
من الملائكة من هو موكل, ( اللي ) هو إسرافيل موكل بالبعث, يعني: بالنفخ في الصور, منهم الموكل بالموت إلى آخره، هذا يرجع إلى الإيمان ( بإيش )؟! اليوم الآخر. ميكائيل موكل بالقطر, هذا يرجع إلى الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى، منهم الموكل بالأجنة: { هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء } يأتي ملك فيقول: "يا رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد؟ أمريض أم سليم؟ فيقضي الله ما يشاء، ويكتب الملك". فإذن لها صلة بالقدر؛ فلهذا نقول: إن الإيمان بالملائكة صار في أركان الإيمان بكثرة الأدلة الدالة على ذلك، ولأن الإيمان بالملائكة يدل على الإيمان بجميع الأركان الأخرى؛ لهذا صار بعد الإيمان بالله, الإيمان بالكتب يدل على الجميع, والإيمان بالرسل يدل على البقية, والإيمان.. الإيمان بالله وملائكته مباشرة.
الإيمان بالله هذا يدل على الجميع، والإيمان بالملائكة يدل على الجميع, وكذلك الإيمان بالكتب يدل على الجميع, والإيمان بالرسل يدل على البقية باليوم الآخر يدل على الإيمان بالقدر, هذه كلمات مختصرة حول الإيمان بالملائكة, لكن الموضوع طويل ومهم، ولابد أن تطلعوا عليه بتوسع, في بعض الكتب التي ذكرت لكم خاصة كتاب الدكتور الأشقر؛ فإنه مفيد جداً في هذا الباب.
هناك مسألة تطرق إليها الشارح، وهي مسالة المفاضلة بين الملائكة والأنبياء, هو الشارح قال: كان الأولى ألا أدخل فيها شيخ الإسلام: قال كنت أظن أن البحث فيها من أن المسألة من المسائل فيها المبتدعة, يعني: التفصيل, حتى رأيت البحث فيها سنياًً أثرياً، ومع ذلك فإني لا أحب الخوض في هذه المسألة؛ لأنه لا يندرج تحتها حمل، ومن أراد الإطلاع فينظر إلى الفتاوى في بحث نحو أربعين صفحة أو أكثر في هذه المسألة.
لكن الذي يهم طالب العلم العقيدة السلفية ألا يقر من قال بتفضيل الملائكة مطلقا, هذا القدر مهم, ألا يقال, إما أن يسكت عنها، وإما أن يقال فيها بقول جمهور أهل السنة, وهو بتفضيل الملائكة، وبتفضيل الأنبياء، وصالح المؤمنين على الملائكة, وأما الخوض بزيادة والأدلة والتفصيل والردود فهذا من العلم الذي يترك لعدم الحاجة إليه الآن، نكتفي بهذا القدر، ونلتقي إن شاء الله في الأسبوع القادم. بارك الله فيكم، ووفقني وإياكم لما فيه رضاه, وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
قال الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فأسأل الله جل وعلا أن يجعلني وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه، وأن يبارك لنا في أعمالنا وأعمارنا، وأن يقينا شر أنفسنا, وسيئات أعمالنا, نأخذ بعض الأسئلة.
السؤال: يقول ما هو تعريف الشرك الأصغر؟ وما هي الضوابط التي منها يمكن الحكم على القول أو الفعل أنه شرك أصغر؟
الشرك بجميع أنواعه سواء الشرك الأكبر أم الأصغر أم الخفي يشترك في كونه تنديدا مع الله جل وعلا، وهذا التنديد يعني: أن يجعل لله نداً فيما هو له جلا وعلا, يختلف من جهة الدليل، فمنه ما هو شرك أكبر، ومنه ما جاء في الدليل أنه شرك, لكن لم يجعل شركا أكبر, وجاء في بعض الأحاديث, يعني: تسميته تسمية بعض أنواعه الشرك الخفي، وسماه العلماء الشرك الأصغر؛ تمييزاً بينه وبين الأكبر، واختلفوا في ضابطة، مع اتفاقهم على أن الشرك الأكبر هو دعوة غير الله معه, وعبادة غير الله جل وعلا، أو أن يجعل لله نداً سبحانه وتعالى فيما هو من خصائصه جل وعلا، أعظمها العبادة, يعني: استحقاق العبادة، اختلفوا في الشرك الأصغر, في تعريفه على أقوال عند أهل العلم، وفي ضبطه, ومنهم من قال: إن الشرك الأصغر هو كل شرك أو عمل.. وسيلة, يكون وسيلة للشرك الأكبر, فما كان وسيلة وطريقاً إلى الشرك الأكبر فيكون شركاً أصغر، وقد نحى إلى ذلك عدد من أهل العلم، منهم؛ الشيخ عبد الرحمن السعدي في حاشيته على كتاب التوحيد.
والقول الثاني: وهو اختيار, أو هو قول عامة أئمة الدعوة, وكذلك يفهم من صنيع ابن القيم, وابن تيمية, رحمهما الله, أنهم يذهبون إليه, هو أن الشرك الأصغر كل ذنب سماه الشارع شركاً، ولم يبلغ درجة عبادة غير الله جل وعلا, يعني: لم يبلغ درجة الشرك الأكبر، والفرق بين الأول والثاني يعني: بين التعريف الأول والثاني, أن هناك أعمال تكون وسيلة للشرك الأكبر، ولم يطلق عليها الشارع أنها شرك، ولم يتفق العلماء على أنها شرك, فوسائل الشرك الأكبر كثيرة, مثلا بناء على القبور, هذا وسيلة إلى الشرك، ووسيلة إلى تعظيم الأموات, وإلى أن يعتقد فيهم, وأن يتقرب إليهم, أو يتعبد عن قبورهم ونحو ذلك، يعني: أن يعبد عند قبورهم ونحو ذلك، فبناء القباب على القبور من هذه الجهة هو وسيلة إلى الشرك الأكبر، ولكن لم يسمه أحد من أهل العلم المتقدمين, لم يعدوه شركاً أصغر, مع كونه وسيلة، فالأضبط هو ما ذكرته لك, من أن الشرك الأصغر هو كل ذنب أو معصية سماها الشارع شركاً في الدليل, ولم تبلغ درجة الشرك الأكبر, يعني: درجة عبادة غير الله معه سبحانه وتعالى.
مثال آخر: الذنوب, الذنب يطلق عليه.. أو يطلق عليه بعض العلماء أنه لا يستر ذنب, يعني: كبيرة من الكبائر أوذنب من الذنوب إلا وثم نوع تشريك؛ لأنه جعل طاعة الهوى مع طاعة الله جل وعلا, فحصلت المعصية، وطاعة الهوى وسيلة للشرك للشرك الأكبر, والذنوب عدد كبير منها وسيلة إلى الشرك الأكبر، ومع ذلك لم تسم شركاً أصغر، وإن دخلت في مسمى مطلق التشريك لا التشريك المطلق, مطلق التشريك لا الشرك؛ فلهذا لا يصدق عليه هنا أنها شرك أصغر, مع كونها وسيلة في عدد من الذنوب والآثام إلى الشرك الأكبر, إذن لا يستقيم التعريف الأول في عدد من الصور, والأقرب .. والأولى هو الثاني , وهو أن يقال: الشرك الأصغر هو كل ذنب أو معصية سماها الشارع شركا, ولم تبلغ درجة عبادة غير الله معه .
السؤال: لماذا لا تجعلون كلمة بعد الصلاة في هذا المسجد كل شهور تقريبا , وتكون بدل الأسئلة قبل الدرس؟!
الجواب: هذا رأي مبارك وإن شاء الله نعمل به بإذن الله .
السؤال: هل هناك فرق بين الحلق بالموسى والحلق بالماكينة؛ لأن هنالك من يفرق ويقول إن حلق الرأس بالماكينة يعتبر تقصيرا, فلا بد من الموسى لحديث المحلقين والمقصرين؟
الجواب: التحليق المعروف الذي أمر به آداء النسك العمرة أو الحج وجعل أفضل من التقصير، وجاء في قول الله جل وعلا: { لتدخلن المسجد الحرام إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمنين محلقين رؤوسكم ومقصرين }. فقدم التحليق لفضله, جاء في الحديث: ((رحم الله المحلقين رحم الله المحلقين رحم الله المحلقين)) . حقيقته المعروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو الحلق بالحديدة, بالموسى المعروف, بحيث أنه يستأصل الشعر من أصله, أما الماكينة فهي تختلف درجاتها, منها يسمونها درجة خمسة, وستة, وثلاثة.. إلى آخره، فما كان منها أقصر كان أقرب إلى الحلق؛ لأن المعنى.. المعنى في التعبد بحلق الشعر و إزالته هو أن يزال الشعر الذي هو مظهر من مظاهر الجمال عند العرب, تتجمل بالشعر في الرجال, والنبي صلى الله عليه وسلم كان له شعر وفرة، وربما كانت له غدائر أربع, يجعل ثنتين عن يمينه, وثنتين عن يساره, من خلف ونحو ذلك, مما جاء في وصف العرب, والنبي صلى الله عليه وسلم أمر بإكرام الشعر: ((من كان له شعر فليكرمه)). والعناية به مظهر من مظاهر الجمال, وهذا له صلة أيضا بالديات فيما إذا جنى جناية على شعره .
جماعة ترك أنواع الترفه, والبعد عن الركون لملذات الأرض، والقرب من الله جل وعلا, هذا كلما كان أبلغ كان أفضل الحلق هو أفضلية؛ لأنه فيه المبالغة في ترك التزين بالشعر, فالحلق بالماكينة هو كل ما كان أقرب إلى.. إلى الحلق بالموسى, فهو أفضل, وكلما كان أقل فهو يداني التقصير حقيقة, التقصير عند العرب يعنى: في الزمن الأول هو أن يؤخذ من جميع الشعر, من جميع جهاته, يؤخذ ويقصر الشعر, و إذا كان له يعنى: غدائر أو كان شعره من الخلف يمكن جمعه فيؤخذ بما لا يقل عن ما يلف على اليد, يعني: مثل المرأة في أقله إذا كان يجمع, المقصود أن الماكينة تختلف, فكلما كان العبد أبعد عن إبقاء الشعر يعني: كان أخذه للشعر أكثر كلما كان أفضل.
سؤال: هل أراد ابن الزبير رَضِي اللهُ عَنْهُ أن يحرق آل البيت أو يضيق عليهم؟
الجواب: حاشى وكلا ابن الزبير رَضِي اللهُ عَنْهُ من جلة الصحابة, وهو ممن يعظم آل البيت كغيره، أما التأويل في بعض أفعاله وما حصل في في مكة خاصة مع ابن عباس وغيره, فهذا لا يدل على ما يقال .
السؤال: ألا يقال في تفسير: { يا معشر الجن والإنس } الآية وفى قوله تعالى: { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب }. أي: أن الفضاء الذي وصل له البشر إنما هو السماء الدنيا؟
الجواب: الآية { يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات و الأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان}. الآيات هذه الراجح من أقوال المفسرين أنها يوم القيامة، وليست في الدنيا, وأن هذا تعجيز للجن و الإنس, أن يستطيعوا النفاذ من أمر الله جل وعلا في الساعة يوم تنزل الملائكة وتصف صفوفاً, وتحيط بأهل الموقف، فلا أحد يستطيع أن يفلت من الحساب, كقوله جل وعلا: { يقول الإنسان يومئذ أين المفر }. و هذا أولى من جعلها في الدنيا، وبعض أهل العلم رأى أنه هذا يمكن أن تكون في الدنيا لقوله: { لا تنفذون إلا بسلطان }. و إذا وجد السلطان؛ فإنه يمكن أن ينفذ, لكن هذا ليس بجيد؛ لأننا نعلم أن الجن بنصوص الأحاديث و الآيات أنها تنفذ إلى السماء, وتبعد, وتسترق السمع, يركب بعضهم بعضا حتى يبلغون السماء, بحيث يسمعون الوحي, فتارة يسمعون, ويلقيها إلى من تحته قبل الشهاب, وتارة يأخذه الشهاب قبل ذلك, وفق حكمة الله جل وعلا, والشهب ما تأخذ الجن في السماء, يعنى: في الغلاف الجوي في الأرض, إنما تأخذهم في أعلى السماء, يعني: في السماء الدنيا عالي أو ما هو أعلى, الله أعلم بحقيقة ذلك، فإذن ظاهر قوله: { يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا }. لما كان الخطاب دخل فيه الجن، ونعلم من النصوص أن الجن يركب بعضهم بعضا, ويبعدون في السماء, حتى ملئت السماء حرسا شديداً وشهبا, لما نزل الوحى على النبي صلى الله عليه وسلم, فيكون الراجح فيها هو تفسير جمهور أهل العلم, في أن المراد يوم القيامة, وسياق الآيات يدل عليها, قال جل وعلا: { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم في شأن }. ثم قال: { يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم }. الآية ثم قال: { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران } ثم قال: { فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان }. إلى أن ذكر مصير أهل النار، ومصير أهل الجنة، وترجعون لتفسير الآية في تفسير ابن كثير أو غيره .
السؤال: ما هي الافعال الجبلية التي فعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وليس علينا اتباعها ويدخل فيها مشيته، و أكله بثلاث أصابع, صلى الله عليه وسلم؟
الجواب: هذا سؤال جيد، أفعال - النبي صلى الله عليه وسلم- عند العلماء من الأصوليين والفقهاء والمجتهدين منقسمة إلى أفعال يجب الاقتداء به فيها, و إلى أفعال يستحب الاقتداء به فيها, يعني: أن يستن به فيها عليه الصلاة والسلام، والقسم الثالث أفعال جبلية فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم- بمقتضى ما جبله الله جل وعلا عليه من الرغبات, وما يحب, وما يكره, بمقتضى جبلته واختياره عليه الصلاة والسلام, لا بمقتضى الوحي, فهذه الأفعال الجبلية التي يدخل فيها طريقة نومه, أو هيئته في المشي, كان إذا مشى كأنما ينحدر من صبب, ونحو ذلك من صفاته عليه الصلاة والسلام, التي هي بمقتضى الجبلة, ما يحبه من الأكل, يحب مثل الحلوى, يحب إن يخلط الرطب بالقثاء, وأشباه ذلك, هذه ضابطها, أنها لا تدخل في العبادة في نوع من العبادة، والثاني: أنه لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم, ولا حض عليها, فإذا فعلها فعلا مجرداً, وهي من الأفعال الجبلية, ولم يأمر بهما, وليست من أمور العبادة, فهذه هي ضابط الأفعال الحبلية, فهذه لا يتعبد بفعلها, لكن من فعلها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فيثاب على نيته, يثاب على نية التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم, يعني: لا على نفس الفعل, ولكن على نية التأسي, أما الأفعال العبادية أو ما أمر به, أو ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من الأفعال العبادية, فهذه يؤجر العبد على التأسي به, يؤجر على الفعل نفسه, وعلى نية التأسي جميعاً أما الأفعال الجبلية, فمن فعل كفعله عليه الصلاة والسلام مما لا دخل له في العبادة، ولم يأمر به عليه الصلاة والسلام, وإنما كان مقتضى ما يجب وما يكره, وكان يشرب الماء مصا عليه الصلاة والسلام, كان إذا مشى كأنما ينحدر من صبب عليه الصلاة والسلام, كان يحب من الأكل كذا، كان يحب الدباء, يتتبعها في الإناء, ونحو ذلك مما هو من مقتضى الطبيعة, فتركه عليه الصلاة والسلام للضب, ولم يحرمه عليه الصلاة والسلام, وقال:(( إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه)). ونحو ذلك من الأفعال الجبلية، فهذه لا يشرع التأسي به عليه الصلاة والسلام فيها, لكن من تأسى فيثاب على اقتدائه على نية اقتدائه, ومحبته للنبي صلى الله عليه وسلم, ومتابعته له في شأنه كله, لا على الفعل نفسه؛ لأن الفعل ليس محل التعبد .
سؤال: هل صحت قصة أسألة نافع بن الأزرق لابن عباس رَضِي اللهُ عَنْهُ؟
الجواب: أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس رَضِي اللهُ عَنْهُ لا توجد مجموعة في كتاب من كتب الحديث, وإنما هي متفرقة, روي هي أسئلة كثيرة في الاستدلال على صحة التفسير بشعر العرب، هذه روى منها الطبراني في الكبير جملة كبيرة, وروى منها أيضا ابن الأنباري في الوقف والابتداء في أوله جملة كبيرة، وروى منه عدد من أهل العلم؛ كابن جرير وغيره متفرق في كتابه جمل كثيرة, فجمعها السيوطي في الإتقان جمعا حسنا, وأفردت أيضا في مؤلف معروف, ومنها ما هو صحيح, ومنها ما هو دونه من حيث الإسناد, لكنها قصة مشهورة عند أهل العلم, وعند أهل التفسير, ولا يوجد سؤال من الأسئلة ولا جوابه والاستدلال عليه بالشعر, إلا وتجده في كتب التفسير عناية منهم بذلك .
السؤال: هل اتباع الطيب بثمن كثير من التبذير؟
الجواب: التبذير شرعا غير الإسراف, لو قال: من الإسراف هذا فيه بحث, لكنه من التبذير, ليس من التبذير؛ لأن التبذير هو إنفاق المال مع عدم توخي الوجه الشرعي فيه, مأخوذ من رمي البذر..رمي البذور وهو يرميها ( اللي ) يبذر يرمي البذور يمين ويسار, ويمشى يرمي يمين ويسار, وهو ماشي دون أن يتوخى مكاناً معيناً, مثل الغرس يأخذ البذرة ويحفر لها .(غير مسموع) إنما يرميها رمي؛ فلذلك سمي من ينفق ماله مع عدم توخي الوجه الشرعى في إنفاقه مبذرا, ولهذا ناسب أن يكون أخا للشيطان؛ لأن الشيطان ليس بمتحر للوجه الشرعي في أفعاله, قال جل وعلا: { ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين و كان الشيطان لربه كفوراً }. الذي يرعى نعمة الله جل وعلا يتحرى الحلال في إنفاقه, يتحرى ما أذن به الله جل وعلا في إنفاقه, فالطيب من الطيبات, ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام, وأمر به عليه الصلاة والسلام, والاهتمام به من السنة, واشتراؤه بثمن كثير أو قليل أو (غير مسموع)، هذا ليس من التبذير؛ لأنه مباح أو مسنون, لكن هل هو من الإسراف أم لا؟!
يختلف بحسب الأشخاص, وبحسب الحالات، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما كما رواه الإمام أحمد في المسند ورواه غيره, لما خطب علي رَضِي اللهُ عَنْهُ فاطمة بنت محمد عليه الصلاة والسلام، وأرسل مهرها, وكان نحو أربعمائة درهم, أو شيء من ذلك , قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( اجعلي ثلثيه طيبا والثلث فيما تشتهين)) يعني: من اللباس أو إلى آخره فالطيب يدخل في الإسراف إذا جاوز ما يستطيعه الإنسان؛ لأنه إذا أرهق نفسه، أو جاوز أو تجاوز به ما هو عليه من الواجبات؛ فإنه يدخل في الإسراف, فإذن لا يستوي الناس في مثل هذه المسائل في الإسراف أو عدم الإسراف, هذا بحسب الحال, يعني: مثلا .
واحد يشتري كيلو الطيب بـ ألفين ريال, يعتبر في حقه معتدلا, وآخر يشتريه بـ ألفين ريال الكيلو ويعتبر في حقه أرهق نفسه, وأسرف, وذاد؛ لأن عليه واجبات, وليس له أن يتمتع بهذا المستوى مثل أيضا الدهونات, و الأطياب المختلفة, يعني: شرى دهن ثلثه مثلاً بـ ثلاثمائة, أربع مائة ريال وهو ما عنده إلا ما يكفيه هو وأولاده, (كلام غير مسموع) يدخل في الإسراف, أما من وسع الله جل وعلا عليه ورزقه, فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يتطيب بأخلاط مختلفة من العود والألوة, يعنى: والعنبر والكافور, ويجعلها, وكان له سكة يخلط فيها المسك مع العنبر مع أدهان مختلفة, عليه الصلاة والسلام .
نكتفى بهذا (كلام غير مسموع) تحول الأسئلة . اقرأ .
قال القارئ:
بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
قال العلامة الطحاوي رحمه الله تعالى: [ونؤمن بالملائكة والنبيين, والكتب المنزلة على المرسلين, ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين ].
الشيخ: بس نقف إحنا أخذنا الكلام على الملائكة, نكمل بيان ما في هذه الجملة من المسائل, وقد ذكرنا في الدرس السابق أصول الإيمان, يعني: أركان الإيمان, وأدلة ذلك من الكتاب والسنة، وذكرنا بعض المسائل المتعلقة بالملائكة .
(كلام غير متعلق بموضوع الدرس)
وذكرنا لكم أن الكلام على الملائكة فيه تفصيل كثير, يطلب من كتب التفسير, من كتب الحديث والعقيدة, من الكتب المصنفة في هذه العقيدة عقيدة الإيمان بملائكة الرحمن جل جلاله, وتقدست أسماؤه .
قال: " نؤمن بالملائكة والنبيين " الإيمان بالنبيين يعني: الإيمان بالأنبياء والمرسلين؛ لأنه إذا أطلق النبي في الإيمان فيراد به الإيمان بالأنبياء و المرسلين, وذلك من جهتين؛ الجهة الأولى: أن قول كثير من أهل العلم أن كل نبي.. أن كل رسول نبي, فإذا قلنا: نؤمن بالأنبياء, فمعنى ذلك: نؤمن بالرسل؛ لأن كل رسول نبي.
والجهة الثانية: أن القرآن الكريم جاء فيه ذكر المرسلين بذكر الأنبياء, يعني سمى المرسلون أنبياء, وسورة الأنبياء من ورد فيها جلهم مرسلون, إبراهيم عليه السلام, أولها محمد عليه الصلاة والسلام, ثم إبراهيم الخليل, ثم لوط, ثم نوح, ثم داوود وسليمان, ثم أيوب إلى آخره, لهذا قوله: " ونؤمن بالملائكة والنبيين ". يعني: بالرسل والأنبياء جميعاً, وتعبير بالرسل أولى؛ لأنه هو الذي جاء في الأدلة في الكتاب والسنة: { آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله }. قال: أخبرني عن الإيمان قال: ((أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله )) وفرض الإيمان أن يؤمن بالأنبياء والرسل جميعا؛ لأن الله جل وعلاه أمرنا بذلك، وتحت هذا الأصل والركن وهو الإيمان بالنبيين مسائل .
المسألة الأولى في تعريف النبي: النبي في القرآن جاء فيه قرآتان؛ النبي والقراءة الأخرى النبيء بالهمز: { يا أيها النبي } والقراءة الثانية:{ يا أيها النبيء } كما هي قراءة نافع وغيره، وفرق ما بين النبي والنبيء, فالنبيء هو من نبئ, والنبي من صار في نبوة, يعني: في أرتفاع عن غيره، فإذن نقول: النبي والنبيء هو من اختصه الله جل وعلا بالأنبياء والوحي, فصار مرتفعاً عن غيره في المقام؛ لأجل ما أوحى الله جل وعلا إليه, هذا ليس تعريف, يعني: حد ليس حداً ولكن هذا تقريب .
أما الرسل الرسول فظاهر, من اللفظ أنه أرسل, فلفظ نبيء ونبي من جهة اللغة, واللفظ الذي جاء في القرآن هذا فيه الإنباء وفيه الرفعة، والرسول فيه الإرسال؛ ولهذا اختلف العلماء .
هل النبي والرسول واحد أو بينهما فرق بين النبي والرسول؟
على أقوال كثيرة, مر معنا تفصيل الكلام في عدد من الشروح, وأقربها شرح الواسطية وغيره، لكن نذكر لك ملخص الكلام, أن الأقوال في الفرق ما بين النبي والرسول متعددة, من أهل العلم من قال: النبي والرسول بمعنى واحد, فكل رسول نبي, وكل نبي رسول, وذهب إلى هذا جمع من أهل العلم من المفسرين, ومن الفقهاء وغيرهم .
والقول الثاني: هو أن النبي غير الرسول, ودل على الفرق بينهما قول الله جل وعلا في سورة الحج: { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته }، قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} فدل ظاهر الآية قوله {من رسول ولا نبي} أن النبي غير الرسول, وهذه ظاهر الدليل, وظاهر الدلالة, ظاهر الدلالة على أنه ثم فرق, على أنه ثم فرق بينهم، ولو كان النبي هو الرسول لما صح أن يقال: {من رسول ولا نبي}. لأن النبي هو الرسول, كيف يقول: {ولا نبي} قد يكون عطف بالواو من رسول ونبي, فتكون هنا مغايرة في الصفات, لكن لما أدخلت لا. دل على أن هذا غير هذا: {من رسول ولا نبي} والدليل الثاني على أن ثمة فرقا بينهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرسل والأنبياء الذين يأتون يوم القيامة فقال: (( يأتي النبي ومعه الرهط, ويأتي النبي ومعه كذا ويأتي النبي وليس معه أحد )) ووجه الدلالة من الحديث أن قوله: (( ويأتي النبي وليس معه أحد)) يحتمل أن يكون لم يرسل إلى أحد، ويحتمل أن يكون لم يستجب له، ويتجه الاحتمال أنه لم يرسل إلى أحد، بل هو نبي بقوله عليه الصلاة والسلام: (( ما بعث الله من نبي إلا وأعطاه من الآيات ما على مثله آمن البشر, وكان النبي أوتيته وحيا يتلى )) الحديث الذي رواه مسلم في الصحيح، حديث عياض بن حمار المجاشعي، فدل على أن كل نبي أعطى آية, وآمن من آمن بتلك الآية؛ لهذا نقول: قوله عليه الصلاة والسلام: (( ويأتي النبي وليس معه أحد)). هذا لأجل قصر الرسالة على هذا النبي وحده يعني: أنه ليس مرسلا إلى غيره .
والدليل الثالث: حديث أبي ذر، المشهور الذي رواه ابن حبان في الصحيح, ورواه غيره من أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عدة الأنبياء, هو حديث طويل, منه جمل ثابتة صحيحة لشواهدها, ومنه جمل مختلف فيها, فمنها أنه ذكر عدة الأنبياء, وذكر عدة المرسلين، فقال في عدد الأنبياء: إنهم مائة وأربع وعشرين ألف, وقال: في عدة المرسلين إنهم كعدة أهل بدر, يعني: نحو أربعة عشر وثلاثمائة رسول, فدل الحديث على الفرق بينهم، وكون هذا هو العدد أو أقل ليس هو ذا محل الشاهد, وإنما قوى صحة التفريق ما بين النبي والرسول أنه في الحديث الاختلاف في العدد, ودلالة الآية والحديث الذي قبله يقوي الاستدلال بحديث أبي ذر هذا, المقصود دلت هذه على ترجيح قول من قال: إن الرسول والنبي مختلفان, و هذا ظاهر في الاستدلال كما ترى .
ما الفرق بينهما في التعريف؟
اختلف العلماء في التعريف, في تعريف النبي والرسول, فقال يعني: ممن قال بالفرق بينهما, فقالت طائفة كثيرة من أهل العلم: إن النبي هو من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه, والرسول من أوحي إليه بشرع وأمر بالتبليغ, فجعلوا الفرق ما بين النبي والرسول هو الأمر بالتبليغ, والقول الثاني: وهو قول أيضا مشهور عند عدد من المحققين، وهو الذي اختاره بن تيمية رحمه الله في أول كتاب النبوات: أن الرسول والنبي يشتركان في وقوع الإرسال عليهما, الرسول مرسل, والنبي مرسل لظاهر قوله تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي } فالرسول مرسل, والنبي أيضا مرسل, لكن جهة الإرسال مختلفة, قال: الرسول يرسل إلى قوم يخالفونه في أصل الدين, فيأمرهم بالتوحيد, وينهاهم عن الشرك، وأما النبي فإنه يرسل إلى قوم موافقين, يجدد بإرساله شرعة الرسول الذي أمروا باتباعه، مثل أنبياء بني إسرائيل, كلما مات نبي خلفه نبي, وكلهم تبع لموسى عليه السلام، و هذا التعريف أو هذا التقريب لتعريف الرسول والنبي هذا أقرب للدليل, وأوضح في فهم الأدلة الشرعية؛ ولذلك نقول: هو المختار في أن النبي موحى إليه بشرع, وأمر بتبليغه إلى قوم موافقين, أو لم يؤمر بالتبليغ، قد يكون مقتصرا على نفسه, وقد يؤمر بالتبليغ إلى من يوافقه, يوافقه في أي شيء؟! في اتباع الرسول الذي يتبعه النبي, ويتبعه الناس, وأما الرسول فمن أوحي إليه بشرع أو بكتاب، وأمر بإبلاغه, أو تبليغه إلى قوم مخالفين له, يعني: في أصل الدين .
المسالة الثانية: الأنبياء درجات في الفضل، الأنبياء والرسل درجات في الفضل والمنزلة عند الله جل وعلا، و هذا التفضيل جاء في قوله تعالى في سورة البقرة: { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات } فنؤمن بأن الرسل بعضهم أفضل من بعض الرسل، و الأنبياء كذلك, بعضهم أفضل من بعض, وليسوا على مرتبة واحدة, أول الأنبياء آدم عليه السلام, وآخر الأنبياء محمد عليه الصلاة السلام، وأول الرسل نوح عليه السلام، وأخر المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام، فآدم نبي كما جاء في الحديث الصحيح, آدم نبي مكلم، وينطبق عليه حد النبي؛ لأن الله جل وعلا أوحى إليه, وكلمه سبحانه وتعالى, منهم من الأنبياء والمرسلين أولوا العزم من الرسل, وهم الذين جاء فيهم قول الله جل وعلا:{ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل }. واختلف العلماء في أولي العزم من الرسل من هم على أقوال كثيرة .
أولها: أن كل رسول هو من أولي العزم, ومعنى أولي العزم يعني: أولي الصبر والمصابرة, والجلد التجلد في دين الله جل وعلا, فهم أهل عزم قوي في مواجهة أعداء الله, وأهل صبر ومصابرة, فهذا القول أن كل رسول هو من أولي العزم، ما معنى قوله إذن: { فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل }. قالوا: ((من)) هنا ليست تبعيضه، بل بيانية مثل ما تقول: الرجل من القوم, الرجل من القوم يعني: فاصبر كما صبر أولوا العزم من الناس, لا من الرسل, والرسل كلهم على هذا, فتكون ((من)) هنا على هذا التفسير بيانية, لا تبعيضة .
التفسير الثاني أو القول الثاني: أن أولي العزم من الرسل هم ثمانية عشر رسولا, وهم المذكورون في سورة الأنعام .
والقول الثالث: أن أولي العزم من الرسل خمسة, وهم المذكرون في سورة الأحزاب، وسورة الشورى قال جل وعلا: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً و الذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب }. فجمع خمسة رسل؛ وهم المذكورون أيضا في سورة الأحزاب، و هذا القول في أنهم الخمسة هؤلاء, هذا القول هو الأظهر والأرجح، ويدل له ويقويه أن هؤلاء الخمسة هم الذين يستغيث الناس بهم يوم القيامة من شدة الحساب, أو يعني: من شدة هول الموقف وطول المقام في طلب تعجيل المحاسبة والقضاء بين الخلق, أعاننا الله جل وعلا على شدائد ذلك اليوم .
في الحديث المعروف حديث الشفاعة طويل: "فيأتون آدم ثم قال: يأتون نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم محمد عليه الصلاة والسلام " آدم خرج؛ لأنه ليس ( إيش )؟ ليس برسول, وبقي الخمسة؛ لأنهم مرسلون .
المسألة الثالثة:
الأنبياء يعطيهم الله جل وعلا, يعني نؤمن بالأنبياء، ونؤمن بآيات الأنبياء، فيعطى الله جل وعلا الأنبياء آيات, وهذه الآيات كما جاء في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: (( ما بعث الله من نبي إلا وأعطاه من الآيات ما على مثله آمن البشر )). فما يؤتيه الله جل وعلا المرسلين أو الأنبياء للدلالة على صدقهم في دعوى الرسالة، أو دعوى النبوة هذه تسمى آيات, وتسمى براهين في الكتاب والسنة, وأما تسميتها معجزات فهذا لفظ حادث بعد ظهور علم الكلام, وخاصة من جهة المعتزلة, ولا نمتنع من إطلاقه, لكن يقيد بتقيده الشرعي الصحيح؛ لأنها هي معجزات, لكنها آيات وبراهين, والفرق بينهما أولا: أن الآية والبرهان جاء الدليل بها, والمعجز لم يأت الدليل به .
الثاني: أن لفظ معجزة فيها إجمال, ووجه الإجمال يقال: معجزة لمن؟ هل هي معجزة للإنسان؟ معجزة للقوم الذين بعث فيهم النبي؟ أو معجزة للناس أجمعين؟ أو معجزة للجن أو الإنس؟ أو معجزة للجن والإنس والملائكة؟ فهذه فيها إجمال؛ ولذلك ما جاء بها الدليل, ومن أطلقها اختلفوا فيها, هذا الإعجاز هل هو إعجاز للناس أو إعجاز لأهل زمانهم دون غيرهم؟! والصحيح عند أهل السنة والجماعة أو الصحيح في قول أكثر أهل السنة والجماعة، أن المعجزة هي ما صار الإعجاز به للجن و الإنس جميعا,ً لا لطائفة منهم, فهي معجزة للجن و الإنس جميعا, لا يستطيعون أن يأتوا بمثل ذلك، ودل على هذا قول الله جل وعلا: { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً } وتسميتها آية وبرهان هي آية يعني: دليل واضح يلزم بنتيجة, وهو قبول دعوى من كانت معه هذه الآية, وبرهان وهو الدليل الواضح الجلي, الذي هو كبرهان الشمس, يعني: ضوء الشمس في وضوحه, ونصاعته, وجلائه, مما لا يجادل فيه, و هذا هو الذي جاء في القرآن بتسميتها آيات وبراهين: { في تسع آيات إلى فرعون وقومه } وقال جل وعلا أيضا: { فذانك برهانان من ربك } وقال جل وعلا:{ واضمم يدك إلى جناحك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى لنرينك من آياتنا الكبرى }. ونحو ذلك، فهي إذن في القرآن والسنة مسماة آيات وبراهين, وهذه التسمية شرعية, ولا يرد عليها ما يرد على لفظ المعجز مما ذكرناه لك .
الآيات والبراهين: هذه تختلف، وهي معجزات، وهي تختلف وثم بحث طويل فيها, ربما يأتي في موضع آخر .
المسألة الرابعة: ومعنى الإيمان بالأنبياء والمرسلين أننا نؤمن بأن الله جل وعلا بعث, وأرسل مرسلين وأيدهم، وكانوا أصلح أهل زمانهم, وأيدهم بالآيات والبراهين الدالة على صدقهم, وأنهم أتقى الخلق, أتقى الناس لربهم, وأعرف وأعلم الناس بربهم جل وعلا، فنؤمن بكل نبي علمناه, أو لم نعلمه؛ لأن الأنبياء منهم من قص علينا, والمرسلين ومنهم من لم يقص علينا, قال جل وعلا: { منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك }. فإذن الإيمان بالأنبياء والمرسلين على درجتين:
إيمان إجمالي: وهو الإيمان بكل رسول أرسله الله جل وعلا, وكل نبي علمنا, أو لم نعلم.
والثاني: إيمان تفصيلي بأن كل من علمنا رسالته ونبوته بالدليل والقرآن فهذا يجب علينا أن نؤمن به, وأن نتولاه، وأن نحبه؛ لأن الأنبياء أخوة لعلات، دينهم واحد, وكلهم أكمل الخلق توحيدا,ً و إيمانا بالله جل وعلا, وطاعة له, وخوفا منه جل وعلا, ثم .. ثم إيمان خاص بهذه الأمة, أمة الإجابة وأمة الدعوة، أنه يجب على الجميع الإيمان بمحمد بن عبد الله الهاشمي القرشي الذي أرسله الله جل وعلا للناس أجمعين, بل للجن والإنس أجمعين, فيجب الإيمان به عليه الصلاة والسلام؛ لأنه خاتم الأنبياء والمرسلين, وأنه بعث بالإسلام, وأن الإسلام نسخ ما عداه من الأديان, وأن كل دعوة للدين غير ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام, فهى باطلة, ورد: { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } فبه ختمت النبوة, وأعطاه الله جل وعلا الإسلام، وأنزل عليه القرآن حجة له ولأمته إلى قيام الساعة, و من الإيمان بالنبي عليه الصلاة والسلام؛ تحقيق شهادة أن محمد رسول الله, بطاعته فيما أمر, وتصديقه فيما أخبر, والانتهاء عما نهى عنه وزجر, وألا يعبد الله جل وعلا إلا بما شرعه رسوله عليه الصلاة والسلام .
المسألة الخامسة: من كذب برسول بعد العلم به؛ فإنه مكذب بجميع الأنبياء والمرسلين, فمن قال: أكذب بفلان من الرسل, وأومن بمحمد عليه الصلاة والسلام؛ فهو كافر؛ لأنه من كذب برسول فقد كذب بجميع المرسلين, إذا بلغه العلم وقامت عليه الحجة, قال جل وعلا: { كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون} {كذبت قوم نوح المرسلين} اتفقنا على أن نوحاً عليه السلام كان أول رسول، قال جل وعلا: { كذبت قوم نوح المرسلين } لأنهم لما كذبوا نوحاً فإنهم كذبوا بتكذيب نوح جميع المرسلين؛ لأن دينهم واحد, وهو توحيد الله جل وعلا, والبراءة والكفر بالطاغوت, كذلك قوله: { لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } كذلك قوله: { ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله } إلى آخره .
الشيخ: في شيء باق (ولا) يعني ما يظهر لي بقي مسائل لكن ننتقل إلى التي بعدها .
قال: "ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين " .
قوله: "الكتب المنزلة على المرسلين" خص إنزال الكتب بالمرسلين؛ لأنهم هم الذين يؤتيهم الله جل وعلا الكتاب، وأنزل الله جل وعلا كتباً كثيرة , منها ما نعلم، ومنها ما لا نعلم , قد أمر الله جل وعلا عباده أن يؤمنوا بكل بكتاب كما قال سبحانه: {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم} الآية، والإيمان بالكتب ركن الإيمان كما ذكرنا , وأصل من أصوله , فلا يصح إيمان أحد حتى يؤمن بالكتب التي أنزل الله جل وعلا .
وتحت هذه الجملة مسائل:
الأولى: الكتاب الذي أنزله الله جل وعلا هو وحيه سبحانه وتعالى لرسوله الذي أعطاه الله جل وعلا ذلك الكتاب، ووحيه قد يكون بواسطة الرسول الملكي إلى الرسول البشري، وقد يكون أن الله جل وعلا أوحى مباشرة، فوحي الله جل وعلا بكتبه ينقسم كما قال جل وعلا في آخر سورة الشورى (إيش؟): {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء} فجعلها ثلاثة أقسام؛فمنها ما كتبه الله جل وعلا بيده كما هي صحف موسى عليه السلام , والتوراة خطها الله جل وعلا بيده الكريمة العظيمة جل جلاله، ومنها ما نزل له جبريل عليه السلام إلى الرسول عليه الصلاة والسلام . "الكتب" كتب الله جل وعلا من جهة أنها كلامه متفقه، يعني كلها كلام الله جل وعلا، فالله سبحانه وتعالى تكلم بما تكلم به، فسمعه جبريل منه، فأنزله على رسوله، وتكلم بالقرآن , فنزل به جبريل على محمد عليه الصلاة والسلام , وتكلم بالإنجيل فنزل به على عيسى عليه السلام , وتكلم بالتوراة جل وعلا فنزل بها على موسى عليه السلام .
المسألة الثانية: كتب الله جل وعلا هي من آياته التي أعطاها الرسول، يعني أنها من الوحي، وموضوعات الكتب مختلفة، فمنها ما هو مواعظ ورقائق، ومنها ما هو شريعة، ومنها ما هو خبر وأمر ونهي، يعني أخبار وإنشاءات وأوامر ونواه , فهي مختلفة في موضوعاتها، فالأنبياء دينهم واحد وشرائعهم شتى , فمن جهة التوحيد الكتب متفقة والأنبياء دينهم واحد في توحيد الله جل وعلا , واتفاق الكتب والأنبياء في التوحيد يعني به شيئان:
الأول: أن أصل التوحيد وهو عبادة الله جل وعلا وحده, ورد عبادة غيره , والكفر بالطاغوت , والبراءة من الشرك وأهله , هذا قدر مشترك في رسالة جميع الأنبياء , قال جل وعلا: {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه} يعني من المرسلين {إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم} الآية {وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده} فهذا قدر مشترك بين جميع الأنبياء والمرسلين، والكتب دلت على هذا , وحضت عليه وأمرت به .
والشيء الثاني: هو أصول الإيمان الستة , أركان الإيمان ستة وهي الإيمان بالله في ربوبيته،وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر , والقدر خيره شره من الله تعالى، هذا متفق عليه بين الأنبياء , لا خلاف فيه؛ وذلك أن جهة الإيمان بهذه الأشياء الخبر، والخبر لا ينسخ ولا يكذب فيه، والله جل وعلا إذا أخبر نبيا بشيء من أمر الغيب فهو على ذلك , فالأنبياء في كتبهم وما أرسلوا به متفقون على هذين الأصلين العظيمين: توحيد الله عز وجل على نحو ما ذكرت لك , وأمور الغيب الستة هذه وأمور الإيمان الستة .
ولذلك معنى قوله: "الدين واحد" يعنى: هذين الأصلين، والكتب تختلف في الشرائع , تختلف في القصص , ما يقص به في كتاب يكون مفصلاً، وكتاب يكون مختصراً , تختلف في الشرائع والأمر والنهي يكون في التوراة شريعتها شديدة , وفيها قوة في الطهارة وفي الصلاة وفي الجهاد , وفي أشياء كثيرة , فهي شريعة فيها الشدة، ولا يصبر عليها إلا صابر , لذلك ما صبر عليها بنو إسرائيل، والإنجيل فيه الرقة والوعظ والتسامح ... وإلخ , وتحليل بعض ما حرم الله جل وعلا على بني إسرائيل , يعني أن موضوعات كتب الله جل وعلا مختلفة سبحانه وتعالى , والله يوحي بما يشاء وفق حكمته جل وعلا , ووفق ما يريد من عباده سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فشرائع الأنبياء شتى , والكتب مختلفة باختلاف الشرائع، وأيضا مختلفة فيما قص الله جل وعلا في تلك الكتب؛لأن القصص للعبرة , والناس يختلفون فيه، الأمم بما يصلحهم من أمور القصص وما يحدث عندهم العظة .
المسألة الثالثة: الإيمان بالكتب على نحو ما ذكرنا سالفا في الإيمان بالملائكة والنبيين , ينقسم إلى إيمان إجمالي وإيمان تفصيلي، فالإيمان الإجمالي يجب على كل أحد أن يؤمن بكل كتاب أنزله الله جل وعلا , كما قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وقل آمنت بما أنزل من كتاب} وقال جل وعلا: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله ...} .
فكل كتاب يجب على العباد أن يؤمنوا به , علموه، أو لم يعلموه، فنؤمن بالتوراة , ونؤمن بالإنجيل , ونؤمن بالزبور، ونؤمن بالقرآن , ونؤمن بكل كتاب أعطاه الله جل وعلا أنبياءه , يعني رسله، ونؤمن أيضا إيمانا تفصيليا , وهذه المرتبة الثانية وهو أن كل كتاب علمناه في الدليل , كل كتاب سمع المسلم بذكره في كتاب الله جل وعلا , أو في سنة النبي عليه الصلاة والسلام , فيجب أن يؤمن به على وجه التفصيل، توراة ذكرت , صحف موسى ذكرت , صحف إبراهيم عليه السلام ذكرت , زبور {وآتينا داود زبورا} فالزبور ذكر , الإنجيل ذكر , وهكذا فهذه نؤمن بها على وجه التفصيل , فكل كتاب ذكره الله جل وعلا في كتابه وجب علينا الإيمان به تفصيلاً .
ثم الإيمان بالكتب ثم مرتبة واجبة، وأكيدة وهي آكدها وأعظمها وهي الإيمان بهذا القرآن , الإيمان بكتاب الله جل وعلا الخاتم , الذي أنزله على رسوله محمد عليه الصلاة والسلام، والإيمان بالقرآن يشمل أشياء:
أولا: الإيمان بأن الْقُرْآن كلام الله جل وعلا , وليس بقول البشر؛ بل هو كلام الحق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى , أوحاه إلى عبده محمد عليه الصلاة والسلام .
والثاني: أن القرآن ما ناسخ لما قبله من الكتب , فليس لأحد أن يتبع غير القرآن؛ بل الواجب أن يصدق بكل خبر في القرآن، ويعتقد , وأن يعمل بكل أمر ونهي جاء في القرآن بامتثال الأمر واجتناب النهي .
والثالث: أن يعلم أن القرآن جعله الله جل وعلا مهيمنا على الكتب، وشاهدا عليها , كما وصفه بذلك في سورة المائدة، وهذا يدل على أن الناس واجب عليها ألا يلتفتوا عن هذا القرآن إلى غيره متى ما سمعوا هذا القرآن , لذلك الآن يكاد من جهة السماع سماع بالقرآن تكاد الحجة قامت من جهة السماع لهذا الوحي , وأنه كلام الله جل وعلا على أكثر الخلق .
المسألة الخامسة .. (مداخلة غير مسموعة) الرابعة (طيب): الكتب التي أنزلها الله جل وعلا على المرسلين , اختلف العلماء هل يدخل فيها الصحف أم أن الكتب غير الصحف؟ على قولين من أهل العلم: من قال: الصحف هي الكتب، ومنهم من قال: لا , الصحف غير الكتاب، ويتضح الفرق في صحف موسى عليه السلام والتوراة؛فإن الله جل وعلا أعطى موسى صحفاً عليه السلام , وأعطاه أيضا التوراة، فهل هما واحد أم هما مختلفان؟ خلاف:
والقول الأول: أنهما واحد؛لأن صحف موسى هي التوراة , وهي التي كتبها الله جل وعلا بيده .
والقول الثاني: لا , الصحف غير الكتب، وهذا القول هو الصحيح، وهي أن كتب الله جل وعلا غير الصحف، ويدل على هذا الفرق أن الله أعطى موسى صحفاً عليه السلام , وأيضا كتبه في الألواح , كتب له ذلك في الألواح كما قال: {وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل شيء} , وأوحى الله جل وعلا إليه بالتوراة أيضا , فقوله: {صحف إبراهيم وموسى} {صحف إبراهيم} ذكر الله جل وعلا ما فيها في سورة النجم , فقال: {وإبراهيم الذي وفى. ألا تزر وازرة وزر أخرى . وأن ليس للإنسان إلا ما سعى . وأن سعيه سوف يرى . ثم يجزاه الجزاء الأوفى ...} إلخ , فهذه كانت مما في صحف إبراهيم عليه السلام، وفي صحف موسى ما كتبه الله جل وعلا له .
وأما التوراة فهي وحي , وكتاب مستقل غير صحف موسى عليه السلام أوحاه الله جل وعلا إليه , صحف موسى بالذات , يعني بالخصوص وقع فيها الاشتباه من جهة أنه ظاهر القرآن , أن الله جل وعلا كتب الصحف لقوله: {وكتبنا له في الألواح} , وجاء في الحديث أن الله جل وعلا كتب التوراة لموسى بيده , من هذه الجهة وقع الاشتباه , هل هما واحد لأجل أن هذه كتبت وهذه كتبت؟ والأظهر كما ذكرت لك من سياق الآيات في سورة الأعراف أن الكتب غير الصحف .
المسألة الخامسة هنا: يدخل في الكلام على الكتب الكلام على القرآن , وعلى إعجاز القرآن , وعلى بحث هذه المسألة؛لأن القرآن آية محمد عليه الصلاة والسلام، وقد قدمنا لك تفصيل الكلام على إعجاز القرآن في درس مستقل , أظن عند قول الشيخ الطحاوي رَحمَهُ اللَّهُ في أول الكلام: "فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر" , إلى قوله: "علمنا وأيقنا أنه كلام خالق البشر , ولا يشبه قول البشر , ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر" .
ومسألة إعجاز القرآن , ومعرفة القرآن , ووجه كونه آية، وما فيه , فهذا من أعظم المسائل في هذا الباب .
إذا تبين ذلك فنقول: نرجع إلى أصل الموضوع , وهو أن الإيمان بأركان الإيمان الستة , إذا أخرجنا الإيمان بالقدر , فإن بعض أهل العلم يسميها الأصول، أصول الدين الخمسة؛ وذلك لمجيئها في أكثر الآيات دون ذكر القدر , والقدر جاء منفصلا في القرآن، وجاء مع بقية الأركان في السنة، هذه الأصول الخمسة تبعها أو تبع الإيمان بها أن أهل البدع أصلوا أصولا في مقابلة هذه الأصول الخمسة , فجاء المعتزلة مع إيمانهم بجمل هذه الأصول الخمسة، لكن جعلوا لهم أصولاً خمسة لتميزهم عن غيرهم، وهذه المعروفة بالأصول الخمسة عند المعتزلة , وكتب فيها عبد الجبار كتاب الأصول الخمسة , ويعتني بها المعتزلة والإباضية والزيدية والرافضة، الأصول الخمسة هذه هي:
أولا: التوحيد .
والثاني: العدل .
والثالث: الوعد والوعيد .
والرابع: (إيش): المنزلة بين المنزلتين .
والخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
والرافضة يعتقدون معتقد المعتزلة في الغالب , فجعلوا لهم أصولا أربعة في مقابلة ذلك، وهي التوحيد، والعدل، والنبوة , والإمامة، يدخلون في هذه الأصول عقائدهم في تدريس عقائدهم المخالفة لما دل عليه الكتاب والسنة، وهذه الجملة تحتاج إلى تفصيل طويل , يمكن أن ترجع لها في الشرح، أو في المطولات .
المقصود أن لفظ الأصول الخمسة، وأركان الإيمان الستة , أو الخمسة بخلاف الإيمان بالقدر هذه جعل في مقابلتها أشياء وضعها أهل البدع؛للتعليم وللتميز , ليعلموا على أساسها , وليتميزوا عن غيرهم . ولا شك أن الذي دل عليه الكتاب والسنة، وقول سلف الأمة إلى أن ابتدعت المعتزلة بدعتها , هو أن أركان الإيمان ستة , ولا دخل لتلك المسائل التي ذكروها من الوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , كل هذه لا أصل لها في الكتاب والسنة , يعني في كونها من أركان الإيمان، أو من أصول الدين .
فى هذا القدر كفاية إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ونقف عند قوله: "ونسمى أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين" نعم [مداخلة غير مسموعة]
هذه ذكرناها في الملائكة دون صحيح , وثمرات الإيمان بالكتب , والإيمان بالأنبياء , نسيتوني . في مسائل ذكرني في بعض الإخوان بها جزاهم الله خيراً، وتحتاج منا إلى أنكم تقتفون أثر ما ذكرناه في الملائكة، وما في كل مسألة، في الإيمان بالكتب والإيمان بالأنبياء , ثم مسألتان:
الأولى: تفاضل الإيمان , بتفاضل , تفاضل الإيمان بالأنبياء والمرسلين، هذه مسألة .
المسألة الثانية: أثر الإيمان بالمرسلين جميعا , أثر لإيمان بالمرسلين جميعا على الإيمان العام .
كذلك في الكتب تأتيك الفقرتان جميعا؛تفاضل الإيمان بالكتب، الثانية: أثر الإيمان بكتب الله جل وعلا على الإيمان، يمكن أنتم تستنتجونها وتجثونها إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . نكتفي بهذا القدر , نستودعكم الله (غير مسموع) ورحمة الله .
بِسْمِ اللهِ الرَّحَمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , اللهم نسألك علما نافعا، وعملاً صالحاً، وقلباً خاشعاً , ودعاء مسموعا , ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ومنّ علينا بما يقربنا منك يا ربنا، اللهم نسألك الفقه في دينك، والعلم بكتابك , واتباع سنة نبيك يا كريم، نسألك اللهم العزيمة على الرشد والهدى , ونعوذ بك من الضلال بعد الهدى , ونعوذ بك اللهم من كل سوء في الأقوال والأعمال والأخلاق , إنك جواد كريم .
نجيب على بعض الأسئلة:
سؤال: قال: هل نفهم من كلام المؤلف في قوله: "والكتب المنزلة على المرسلين" أن الانبياء لا يعطون كتباً منزلة؟ وهل كل رسول لا بد أن ينزل عليه كتاب؟ نرجوا الإفادة وجزاكم الله خيراً .
جواب: ذكرنا في شرح كلام الطحاوي رحمه الله , أن الكتب يعطيها الله جل وعلا الرسل حجة لهم , هذا هو الأصل، وقد يعطيها نبياً من الأنبياء , قال جل وعلا: {وآتينا داود زبورا} , وداود في أحد الأقوال أنه كان نبيا في بني إسرائيل , ولم يكن رسولا . المقصود أن الكتب الأصل العام فيها أنه يعطيها الله جل وعلا رسله؛ لأن الكتاب حجة، وفيه شريعة , هذا هو الأصل في ذلك، ونؤمن بكتب الله جل وعلا التي أعطاها أنبياءه ورسله , لكن النفي بأن النبي لا يعطى كتاب أصلا هذا يحتاج إلى دليل .
سؤال: ما حكم من أنكر الملائكة أو الجنة أو المهدي والدجال؟ وهل من أنكر واحدا من هذه الثلاث كافر؟ وما وجه التفريق بين تكفير من أنكر الملائكة وعدم تكفير من أنكر المهدي أوالجن , مع أن كلها من الغيب وثابتة بالنص؟
جواب: الإيمان ذكرنا أن من أركانه الإيمان بالملائكة , وضبطنا الإيمان بالملائكة الذي هو ركن الإيمان , ومن أنكره كفر , هو الإيمان بوجود الملائكة إجمالا , فإذا آمن بوجود ملائكة لله جل وعلا فهو مؤمن , فإذا كان سمع باسم جبريل , وأنه ينزل بالوحي وجب عليه الإيمان بذلك، فرجعت المسألة إلى أن من أنكر الملائكة فلم يدخل في عقد الإيمان أصلا؛ لأن من أركان الإيمان الإيمان بالملائكة .
ويدل أيضا على أن التكذيب بأي خبر جاء في القرآن فإنه تكذيب بالقرآن , وإذا كذب بجبريل كذب بميكائيل ونحو ذلك كذب بملك الموت، كذب بأي ملك جاء ذكره في القرآن , فيعرف بالآية , فإن أصر فهو مكذب بالقرآن , فيكون كافرا من هذه الجهة , أما .. وكذلك والجن جاء ذكرهم في القرآن , فالإيمان بالجن واجب , والتصديق بخبر الله جل وعلا بذلك واجب , ويدخل في الإيمان بالجن في الإيمان بالقرآن , الإيمان بالكتب؛ لأن معنى الإيمان بكتب الله عز وجل , أن يعتقد العبد أنها حق , وأن الله جل وعلا أنزل كتبه، وأن ما فيها حق , وخاصة الأخبار؛فإن الأنبياء لم يختلفوا فيما أخبروا به؛ لأن الخبر مجاله الصدق , أما الشرائع فتختلف، عقيدة واحدة , ذكرنا لكم أن الأنبياء اجتمعوا على ما أخبروا به من الاعتقاد بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله , واليوم الآخر , والقدر خيره وشره من الله تعالى، هذه اجتمعت عليها الأنبياء , دينهم واحد , لا فرق بين نبي ونبي، ورسول ورسول في أصول الدين في تحقيق التوحيد والقرآن فيه الإسلام , الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله , هذا أصل عام اجتمعت عليه الأنبياء , واجتمع عليه المرسلون , وكذلك أركان الإيمان الستة هذه اجتمعت عليها الأنبياء .
لكن الشرائع تختلف من الإيمان بالكتب , الإيمان بالقرآن , والقرآن فيه الخبر عن الغيب , ومنه الخبر عن الجن , فالجن أنزل الله جل وعلا فيهم آيات كثيرة {قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالو إنا سمعنا قُرْآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به} وقال جل وعلا في آية الأحقاف: {وإذ صرفنا إليك نفر من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين} , وقال جل وعلا: {بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم به مؤمنون} , وقال سبحانه: {وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون} , وغير ذلك من الآيات التي فيها ذكر الجن , {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} .
فالإيمان بالجن واجب , إيمان بوجودهم، وبما أخبر الله جل وعلا عنهم من صفتهم في كتابه، وبما صح في حديث النبي صلى الله عليه وسلم , فمن أنكر وجود الجن كفر؛ لأنه كذب القرآن , فيعرف , إذا كان مثله يجهل يعرف بما جاء في القرآن من الآيات , فإذا كذب بوجود الجن , مع ذكرهم في القرآن، فإن تكذيبه يعود إلى إنكار وجحد القرآن , فيكون كافراً بذلك .
أما المهدي (اللي) ذكر فليس الكلام فيه كالكلام في الملائكة والجن؛ لأن المهدي إنما جاء في السنة , ومجيئه في السنة هو من جنس الأخبار , الأخبار التي تكون مما أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام , يتأولها المتأولون، ولا تكفير مع احتمال التأويل , مثل من تأول الصفات، ومثل من تأول بعض الحقائق , بعض الأسماء والأحكام وأشباه ذلك , فإنه لا تكفير بذلك.
أحاديث المهدي كثيرة , أكثر من خمسين حديثاًَ متنوعة , قال طائفة من أهل العلم: تبلغ درجة التواتر المعنوي، لا التواتر اللفظي؛ لأنها مختلفة في ألفاظها، لكن وجود المهدي، وأنه سيخرج في آخر الزمان، وأن اسمه محمد بن عبد الله , وأنه من ذرية الحسن، وأن من صفاته كذا وكذا، وأنه يصلحه الله جل وعلا في ليلة , وما أشبه ذلك من الأخبار , هذا جاء في السنة , فجعلها طائفة من أهل العلم مما يبلغ درجة التواتر , درجة المتواتر المعنوي , لا المتواتر اللفظي، وأحاديث المهدي تأولها جماعة، ومنها ما لم يصحح، ومنها ما صحح .
فالمقصود أنه ليست مثل الكلام في الجن، والكلام في الغيبيات التي جاءت في القرآن , والتي تكون متواترة بدلالة قطعية , لذلك من أنكر المهدي، أو أنه سيخرج، أو قال: لا مهدي بعد محمد عليه الصلاة والسلام , ونحو ذلك فإنه يقال: أخطأ وخالف ما جاء في الأحاديث , ولا يحكم عليه بالكفر . وقد قال بهذا القول جماعة من المنتسبين إلى العلم , وأخطأوا في ذلك خطأ شنيعاً؛ لأن الأحاديث كثيرة متعددة المخارج في السنن والمسانيد وغيرها .
سؤال: هل يصح حديث (الدين المعاملة)؟
جواب: هذا ليس بحديث , (الدين المعاملة) ليس بحديث , إياك .. قال الإمام أحمد: "إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام" .
سؤال: هل المقصود بقوله:"إمام" أحد الأئمة الأربعة أم هو عام؟
جواب: الإمام أحمد رحمه الله تعالى من توقيه، وحذره، وخوفه من الله جل وعلا كان يكره أن يتفرد في مسألة بقول، يجتهد وليس له سابق في هذا القول , بل ينظر في أقوال الصحابة , فإن وجد أخذ بقول من أقوال الصحابة , ما وجد نظر في أقوال التابعين، ثم أخذ ما يظن أنه أقرب إلى السنة والدليل , لهذا ترى أن الإمام أحمد اختلفت الروايات عنه في مسائل؛ وذلك لشدة توقيه وورعه , واختلاف مظان الإجابة , وأسباب كثيرة .
فقول الإمام رحمه الله: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام، أو إياك أن تقول في مسألة ليس لك إمام , يعني لا تذهب إلى قول لا تعلم لك فيه سلف من الأئمة المتبوعين، ولا يعني بذلك الأئمة الأربعة؛ لأن في زمن الإمام أحمد لم يكن ثم تشخيص الأئمة بأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، بل كان الأئمة كثر , من أمثال سادات التابعين وتبع التابعين، ومنهم مثلاً الأوزاعي والثوري , وإبراهيم النخعي , وجماعات كثيرة , والليث بن سعد , وربيعة , وثم مدارس كثيرة في ذلك.
فإذن مقصد الإمام أحمد من هذا القول , أن طالب العلم يتورع , يخاف القول على الله بلا علم , قرين الشرك , قرنه الله جل وعلا بالشرك، بل الشرك لم يحدث الشرك إلا بالقول على الله بلا علم , قال جل وعلا: {وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا أو تقولوا على الله ما لا تعلمون} , وقال سبحانه: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} .
فطالب العلم يحذر من ألفاظه , يحذر أن يقول شيئا تزل به قدمه , وقد قال القائل: ذلة العالمِ ذلة العالَمُ, يعني إذا كان عالما مقتدى به ذل , فسيذل بذلته عالم من الناس , ذلة العالم ذلة العالم؛ لأن بيكون أمم من الناس سيأخذون بقوله , فلهذا الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يفرحون أن يكفوا الفتوى , يحيلها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا , والإمام مالك قال في ست وثلاثين مسألة قال: لا أدري . والإمام أحمد سئل عن مسائل , وقال: لا أدري، وتوقف في مسائل، ولا يزال العلماء لا يتكلمون في كل شيء، لهذا قال ابن المبارك أوغيره: من أجاب الناس عن كل ما سألوه، أو من أفتى الناس في كل ما سألوه فهو مجنون , يعني ما يقول: لا أدري أبدا ,كل مسألة يعلمها هذا ما يتوقف ما يراجع هذا لا شك أنه متعجل.
ولهذا طالب العلم يجب عليه أن يكون متحرياً سبيله أهل العلم في التؤدة , وعدم الاغترار بالنفس , والخشوع والطمأنينة والخوف من الجليل جل جلاله؛لأنه سيسأل عن علمه , وسيسأل عن أقواله , وهل أقال فيها بحجة أولا؟ إذا كانت مسألة ظهر لك أن الصواب كذا , لكن ليس لك فيها إمام , ما (حد) سبقك لهذا القول، قل: لا , لكن هذا مقتضى الدليل، هذا لا يجوز لك؛ لأنه لا يجوز أن تعتقد أن الحق حجب عمن كان قبلك , ما يجوز أن الواحد يظن أن الحق حجب عن الصحاب، وحجب عن التابعين، وحجب عن الأئمة , وآتاه الله جل وعلا واحد في القرن الرابع ولا الخامس , ولا السابع ولا الرابع عشر ... إلى آخره . لذلك المرء يتهم نفسه ... سقط ... ثم ثَم تفاصيل كثيرة في هذه المسألة .
احتفال بمرور عشر سنوات على زواجه إلى آخره , فبعد الدرس سؤال خاص بعد الدرس أتفاهم أنا (وياه) إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
سؤال: فيه سؤال كاتب عليه السائل: هام جدا وعاجل , يقتضي , أو السؤال عن هل يعتبر التوقف قولاً في المسألة؟
جواب: بعض العلماء يعد التوقف قولاً , وما جهة كونه قولاً؟ جهة كونه قولاً أن التوقف يعني أن الأمام لم يظهر له أي القولين أرجح , أي الدليلين يعمل به حجة المسألة , فلهذا عدوه قولاً , والقول الثاني: أن التوقف سكوت , والساكت لا ينسب له قول , فلذلك لا يعد قولا؛ لأن التوقف ما سكوت ما تكلم في المسألة بشيء .
سؤال: كيف نجمع بين قولكم في التفريق ما بين الكرامات والمعجزات , وبين ما ثبت من كرامات بعض الأولياء من إحياء الحمار الميت والمشي على الماء وغير ذلك؟ أليست هذه من الخارقة لجنس الإنس والجن؟ بينو لنا ذلك وجزاكم الله خيراً .
جواب: هذه المسألة يطول بيانها , وإِنْ شَاءَ اللَّهُ تأتي في موضعها في شرح الطحاوية , فنفصل الكلام عليها؛ لأنه لا بد من تعريف الكرامة , ما هو تعريف المعجزة؟وشرط الكرامة , وشرط المعجزة , وخارق العادة , صلته بالكرامات , وصلته يعني ثم كلام كثيرة , وهي متعلقة ببحث في الأولياء .
نعم اقرأ .
[1] الصواب في الآية :{وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ}