تابع (التلَقِّي عن الْمُبْتَدِعِ)
7- كن سَلَفِيًّا على الْجَادَّةِ ، واحْذَر الْمُبْتَدِعَةَ أن يَفتِنُوكَ فإنهم يُوَظِّفُون للاقتناصِ والْمُخاتَلَةِ سُبُلًا ، يَفْتَعِلُون تَعبيدَها بالكلامِ المعسولِ – وهو : (عَسَلٌ) مَقلوبٌ.
** الْمُخاتَلَةِ (في معجم الغني، ومعجم اللغة العربية المعاصر) معناها: المراوَغَة والمخادَعَة.
** العسل المقلوب: أي يصبح لسع.
8- أمَّا الأَخْذُ عن عُلماءِ السنَّةِ فالْعَق العَسَلَ ولا تَسَلْ.
9- وما ذَكَرْتُه لك هو في حالِ السَّعةِ والاختيارِ ، أمَّا إن كنتَ في دِراسةٍ نِظاميَّةٍ لا خِيارَ لك ، فاحْذَرْ منه ، مع الاستعاذةِ من شَرِّه ؛ باليَقَظَةِ من دَسائسِه على حَدِّ قولِهم: ( اجْنِ الثِّمَارَ وأَلْقِ الخشَبَةَ في النارِ )
* يعني أنه قد يلجأ إنسان إلى الأخذ عن مبتدع, وذلك في الدراسات النظامية, ولكن ماذا تعمل إذا كانت لا بد أن تدرس على هذا الشيخ ؟
نقول: خذ من خيره ودع شره, إن تكلم أمام الطلاب بما يخالف العقيدة فعليك بمناقشته إن كنت تقدر،
وإلا فارفعه لمن يقدر على مناقشته.
- واحذر أن تدخل معه في نقاش لا تستطيع التخلص منه, لأن هذا ضرر على القول الذي تدافع عنه؛ لأنك إذا فشلت أمام هذا الأستاذ مثلا صار في هذا كسر للحق ونصر للباطل, لكن إذا كان عندك قدرة في مجادلته فعليك بذلك .
وربما يكون في هذا مصلحة للجميع, مصلحة لك أنت يهديه الله على يديك , ومصلحة له هو يهديه الله من بدعته.
10- لا تَتخاذَلْ عن الطلَبِ ، فأَخْشَى أن يكونَ هذا من التَّوَلِّي يومَ الزَّحْفِ.
11- كان أبو عبدِ الرحمنِ الْمُقْرِئَ يُحَدِّث عن مُرْجِئٍ ، فقيلَ له: لِمَ تُحَدِّثُ عن مُرْجِئٍ ؟ فقالَ: ( أَبيعُكم اللحمَ بالعِظامِ ) .
فالْمُقْرِئُ رَحِمَه اللهُ تعالى حَدَّثَ بلا غَرَرٍ ولا جَهالةٍ إذ بَيَّن فقالَ: ( وكان مُرْجِئًا ) .
* أي أعلمكم أو أحدثكم بما حدثت به لكن أقول (وكان مرجئا) , فيكون العظم هنا في وسط اللحم.
* إذا دعت الحاجة إلى التحديث عن شخص صاحب بدعة لا شك أنه يُحَدَّث عنه لكن يبين حاله.
== ما لم تكن بدعته مكفرة فإنه لا يقبل منه الحديث.
12- وما سَطَّرْتُه لك هنا هو من قَواعدِ مُعْتَقَدِكَ؛ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ ؛ ومنه ما في ( العَقيدةِ السلَفِيَّةِ ) لشيخِ الإسلامِ أبي عثمانَ إسماعيلَ بنِ عبدِ الرحمنِ الصابونيِّ (م سنةَ 449هـ ) ؛ قالَ رَحِمَه اللهُ تعالى: ( ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه، ولا يُحِبُّونَهُم، ولا يَصْحَبُونَهم، ولا يَسْمَعُون كلامَهم، ولا يُجالسونَهم ولا يُجادلونَهم في الدِّينِ، ولا يُناظِرُونَهم، ويَرَوْنَ صَوْنَ آذانِهم عن سَماعِ أباطيلِهم التي إذا مَرَّتْ بالآذانِ، وقَرَّتْ في القلوبِ، ضَرَّتْ، وجَرَتْ إليها من الوَساوِسِ والْخَطَراتِ الفاسدةِ ما جَرَتْ، وفيه أَنْزَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ قولَه: { وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } ) اهـ.
** (ويَبْغَضُونَ أهْلَ البِدَعِ الذين أَحْدَثوا في الدِّينِ ما ليس منه): أمر واجب على كل مسلم أن يبغض من أحدث في دين الله ما ليس منه.
== لكن إذا كانت بدعته غير مكفرة فإنه يبغض من وجه ويحب من وجه آخر , لكن بدعته تبغض بكل حال .
** (ولا يَصْحَبُونَهم): إذا صحبته تأليفا له ودعوة له فلا بأس لكن بشرط أنك إذا أيست من صلاحه تركته وفارقته .
** (ولا يَسْمَعُون كلامَهم): إذا لم يكن في ذلك فائدة.
== أما إن كان في ذلك فائدة بحيث يسمع كلامه ليرى ما عنده من باطل حتى يرد عليه, فإن السماع والاستماع هنا واجب.
وأيضا لا تسمع عن أقوال أهل البدع من أعدائهم بل من كتبهم, لأنه ربما تشوه المقالة.
** (ولا يُجادلونَهم في الدِّينِ، ولا يُناظِرُونَهم): هذا يجب أن يقيد؛ لأن المجادلة والمناظرة إذا كان المقصود بها بيان الحق كانت واجبة ولا بد منها، لقول الله تعالى: {وجادِلهُم بالتي هِي أحْسَن}.
** (ويَرَوْنَ صَوْنَ آذانِهم عن سَماعِ أباطيلِهم التي إذا مَرَّتْ بالآذانِ ، وقَرَّتْ في القلوبِ ، ضَرَّتْ ، وجَرَتْ إليها من الوَساوِسِ والْخَطَراتِ الفاسدةِ ما جَرَتْ):
= الإنسان الذي يخشى على نفسه من سماع البدع أن يقع في قلبه شيء فالواجب عليه البعد وعدم السماع.
= وأما إذا كان عنده من اليقين والقوة والثبات ما لا يؤثر عليه سماعها فإنه إن كان في ذلك مصلحة سمعها.
= وإن لم يكن في ذلك مصلحة قلنا الأولى أن لا تسمعها لما في ذلك من إضاعة الوقت واللغو، لقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}.
13- وعن سليمانَ بنِ يَسَارٍ أنَّ رَجُلًا يقالُ له : صَبِيغٌ ، قَدِمَ المدينةَ ، فجَعَلَ يَسألُ عن مُتشابِهِ القرآنِ ؟ فأَرْسَلَ إليه عمرُ رَضِي اللهُ عَنْهُ وقد أَعَدَّ له عَراجينَ النخْلِ ، فقالَ : مَن أنت ؟ قال : أنا عبدُ اللهِ صَبِيغٌ ، فأَخَذَ عُرجونًا من تلك العَراجينِ فضَرَبَه حتى دَمِي رأسُه ، ثم تَرَكَه حتى برَأَ ، ثم عادَ، ثم تَرَكَه حتى بَرَأَ ، فدَعَى به ليَعودَ ، فقالَ : إن كنتَ تُريدُ قَتْلِي ، فاقْتُلْنِي قَتْلًا جَميلًا فأَذِنَ له إلى أرْضِه ، وكتَبَ إلى أبي موسى الأشعريِّ باليَمَنِ : لا يُجالِسْهُ أحَدٌ من المسلمينَ .رواه الدارِمِيُّ .
وقيلَ: كان مُتَّهَمًا برأيِ الخوارجِ .
* هذا الحديث إذا صح سنده واتصاله فهو يدل على شدة عمر رضي الله عنه, على أولئك الذين يريدون المتشابه من القرآن ويسعون في الأرض بالفساد وتشكيك الناس .
= لكن بعض الناس قد يورد المتشابهات لاشتباهها عليه حقيقة فهذا لا يلام.
** (عَراجينَ النخْلِ): العذق الذي فيه التمر, قال تعالى: {والقمَرَ قدَّرْناهُ مَنازِل حتَّى عادَ كالعُرْجُونِ القَدِيم}
14- التبرؤ من أهل البدع والمعاصي:
• النوويُّ رَحِمَه اللهُ تعالى قالَ في كتابِ (الأذكارِ): ( بابُ: التَّبَرِّي من أهلِ البِدَعِ والمعاصِي ).
وذَكَرَ حديثَ أبي موسى رَضِي اللهُ عَنْهُ : ( أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرِئَ من الصالِقَةِ ، والحالِقَةِ ، والشاقَّةِ ) . متَّفَقٌ عليه .
**الصالقة: هي التي ترفع صوتها بالنياحة.
** والحالقة: التي تحلق شعرها تسخطا , وسواء حلقته بالموسى أو نتفته باليد .
** والشاقة: التي تشق الجيب عند المصيبة.
* برئ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هؤلاء الثلاث لعدم رضاهن بالقدر.
• وعن ابنِ عمرَ بَراءَتُه من القَدَرِيَّةِ . رواه مسْلِمٌ .
* تبرَّأ منهم لأنهم أنكروا قضاء الله وقدره السابق.
** القَدَرِيَّةِ: هم الذين ينفون القدر، وهي نسبة عكسية لأن الذي يسمع القدرية يظن أن المعنى هم الذين يثبتون القدر.
>> وهؤلاء القدرية يسمون مجوس هذه الأمة، سموا مجوسا لأنهم كالمجوس الذين يقولون: إن للحوادث خالقين, النور يخلق الخير والظلمة تخلق الشر.
15- هَجْرِ المبتدِعِ:
الأمرُ في هذا يَنْبَنِي على مُراعاةِ المصالِحِ وتَكثيرِها ودَفْعِ الْمَفاسِدِ وتَقْلِيلِها ، وعلى هذا تَتَنَزَّلُ المشروعيَّةُ من عَدَمِها .
* فإذا رأينا أن من المصلحة أن لا نهجره ولكن نبين الحق , لا نداهنه ونبقيه على بدعته ونقول: أنت على بدعتك ونحن على سنتنا , إذا رأينا من المصلحة هذا فترك الهجر أولى .
== وإن رأينا من المصلحة الهجر بأن يكون أهل السنة أقوياء وأولئك ضعفاء مهزومين فالهجر أولى .
16- إذا اشْتَدَّ ساعِدُك في العِلْمِ ، فاقْمَعْ المبتدِعَ وبِدعتَه بلسانِ الْحُجَّةِ والبيانِ.
* أما إذا لم يكن عندك العلم الوافي في رد البدعة فإياك أن تجادل؛ لأنك إذا هزمت وأنت سني لعدم قدرتك على مدافعة هذا المبتدع, فهو هزيمة للسنة.
- وهكذا أيضا مجادلة غير المبتدعة -الكفار- لا نجادلهم وإلا ونحن نعلم أننا على يقين من أمرنا, وإلا كان الأمر عكسيا .
* ومن قوة الحجة أن يكون معك من يساعدك.