تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
تفسير قوله تعالى: (إِنَّاأَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)
قالَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال الإمام أحمد: حدّثنا محمد بن فضيلٍ، عن المختار بن فلفلٍ، عن أنسبن مالكٍ قال: أغفى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إغفاءةً، فرفع رأسه متبسّماً؛إمّا قال لهم، وإمّا قالوا له: لم ضحكت؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّه أنزلت عليّ آنفاً سورةٌ))؛ فقرأ: ((بسم اللّه الرّحمن الرّحيم {إنّا أعطيناكالكوثر})). حتّى ختمها؛ فقال: ((هل تدرون ما الكوثر؟)).
قالوا: اللّهورسوله أعلم. قال: (( المراد بالكوثر هو نهرٌ أعطانيه ربّي عزّ وجلّ في الجنّة، عليه خيرٌ كثيرٌ،ترد عليه أمّتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منهم فأقول: يا ربّ،إنّه من أمّتي. فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
هكذا رواهالإمام أحمد بهذا الإسناد الثّلاثيّ وهذا السّياق، وقد ورد في صفة الحوض يومالقيامة أنّه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر، وأنّ آنيته عدد نجومالسماء.
وقد روى هذاالحديث مسلمٌ وأبو داود والنّسائيّ من طريق محمد بن فضيلٍ وعليّ بن مسهرٍ، كلاهماعن المختار بن فلفلٍ، عن أنسٍ، ولفظ مسلمٍ: قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليهوسلّم بين أظهرنا في المسجد؛ إذ أغفى إغفاءةً، ثمّ رفع رأسه متبسّماً، قلنا: ماأضحكك يا رسول اللّه؟ قال: ((لقد أنزلت عليّ آنفاً سورةٌ)) فقرأ: ((بسم اللّهالرّحمن الرّحيم {إنّا أعطيناك الكوثر فصلّ لربّك وانحر إنّ شانئك هو الأبتر})). ثمّ قال: ((أتدرون ما الكوثر؟)). قلنا: اللّه ورسوله أعلم. قال: ((فإنّه نهرٌوعدنيه ربّي عزّ وجلّ، عليه خيرٌ كثيرٌ، وهو حوضٌ ترد عليه أمّتي يوم القيامة،آنيته عدد النّجوم، فيختلج العبد منهم، فأقول: ربّ، إنّه من أمّتي. فيقول: إنّك ماتدري ما أحدث بعدك)).
وقد استدلّ بهكثيرٌ من القرّاء على أنّ هذه السّورة مدنيّةٌ وجه الدلالة على أن سورة الكوثر مدنية، وكثيرٌ من الفقهاء على أنّ البسملةمن السّورة، وجه الدلالة على أن البسملة من السورة وأنّها منزّلةٌ معها، فأمّا قوله تعالى: {إنّا أعطيناك الكوثر}. فقدتقدّم في هذا الحديث أنّه نهرٌ في الجنّة.
وقد رواهالإمام أحمد من طريقٍ أخرى عن أنسٍ، فقال: حدّثنا عفّان، حدّثنا حمّادٌ، أخبرناثابتٌ، عن أنسٍ أنّه قرأ هذه الآية: {إنّا أعطيناك الكوثر}. قال: قال رسول اللّهصلّى اللّه عليه وسلّم: ((أعطيت الكوثر، فإذا هو نهرٌ يجري، ولم يشقّ شقًّا، وإذاحافتاه قباب اللّؤلؤ، فضربت بيدي في تربته، فإذا مسكه ذفرةٌ، وإذا حصاه اللّؤلؤ)).
وقال الإمامأحمد: حدّثنا محمّد بن أبي عديٍّ، عن حميدٍ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّىاللّه عليه وسلّم: ((دخلت الجنّة فإذا أنا بنهرٍ حافتاه خيام اللّؤلؤ، فضربت بيديإلى ما يجري فيه الماء، فإذا مسكٌ أذفر، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثرالّذي أعطاكه اللّه عزّ وجلّ)).
ورواهالبخاريّ في صحيحه ومسلمٌ من حديث شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍقال: لمّا عرج بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السماء قال: ((أتيت على نهرٍحافتاه قباب اللّؤلؤ المجوّفة. فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر)). وهذا لفظالبخاريّ رحمه اللّه.
وقال ابنجريرٍ: حدّثنا الرّبيع، أخبرنا ابن وهبٍ، عن سليمان بن بلالٍ، عن شريك بن أبي نمرٍ،قال: سمعت أنس بن مالكٍ يحدّثنا، قال: لمّا أسري برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّممضى به جبريل في السماء الدّنيا، فإذا هو بنهرٍ عليه قصرٌ من لؤلؤٍ وزبرجدٍ، فذهب يشمّ ترابه، فإذا هو مسكٌ. قال: ((يا جبريل ما هذا النّهر؟)). قال: هو الكوثر الّذيخبّأ لك ربّك.
وقد تقدّم فيحديث الإسراء في سورة (سبحان) من طريق شريكٍ، عن أنسٍ، وهو مخرّجٌ فيالصحيحين.
وقال سعيدٌ: عن قتادة، عن أنسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((بينما أنا أسير فيالجنّة إذ عرض لي نهرٌ، حافتاه قباب اللّؤلؤ مجوّفٍ)). فقال الملك الّذي معه: أتدريما هذا؟ هذا الكوثر الّذي أعطاك اللّه، وضرب بيده إلى أرضه؛ فأخرج من طينه المسك. وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمرٌ وهمّامٌ وغيرهم، عن قتادةبه.
وقال ابنجريرٍ: حدّثنا ابن أبي سريجٍ، حدّثنا أبو أيّوب العبّاس، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ،حدّثني محمد بن عبد اللّه ابن أخي بن شهابٍ، عن أبيه، عن أنسٍ قال: سئل رسول اللّهصلّى اللّه عليه وسلّم عن الكوثر؟ فقال: ((هو نهرٌ أعطانيه اللّه في الجنّة، ترابهمسكٌ أبيض من اللّبن، وأحلى من العسل، ترده طيرٌ أعناقها مثل أعناق الجزر)). فقالأبو بكرٍ: يا رسول اللّه، إنّها لناعمةٌ. قال: ((آكلها أنعممنها)).
وقال أحمد: حدّثنا أبو سلمة الخزاعيّ، حدّثنا اللّيث، عن يزيد بن الهاد، عن عبد الوهّاب، عنعبد اللّه بن مسلم بن شهابٍ، عن أنسٍ، أنّ رجلاً قال: يا رسول اللّه، ما الكوثر؟قال: ((نهرٌ في الجنّة أعطانيه ربّي لهو أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل، فيهطيورٌ أعناقها كأعناق الجزر)). قال عمر: يا رسول اللّه، إنّها لناعمةٌ. قال: ((آكلها أنعم منها يا عمر)).
ورواه ابنجريرٍ من حديث الزّهريّ، عن أخيه عبد اللّه، عن أنسٍ، أنّه سأل رسول اللّه صلّىاللّه عليه وسلّم عن الكوثر، فذكر مثله سواءً.
وقالالبخاريّ: حدّثنا خالد بن يزيد الكاهليّ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبيعبيدة، عن عائشة قال: سألتها عن قوله تعالى: {إنّا أعطيناك الكوثر}. قالت: نهرٌأعطيه نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم، شاطئاه عليه درٌّ مجوّفٌ، آنيته كعددالنّجوم.
ثم قالالبخاريّ: رواه زكريّا وأبو الأحوص ومطرّفٌ، عن أبي إسحاق، ورواه أحمد والنّسائيّمن طريق مطرّفٍ به.
وقال ابنجريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبيعبيدة، عن عائشة قالت: الكوثر نهرٌ في الجنّة، شاطئاه درٌّ مجوّفٌ. وقال إسرائيل: نهرٌ في الجنّة عليه من الآنية عدد نجوم السماء.
وحدّثنا ابنحميدٍ، حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة، عن شقيقٍ أومسروقٍ قال: قلت لعائشة: يا أمّ المؤمنين، حدّثيني عن الكوثر. قالت: نهرٌ في بطنانالجنّة. قلت: وما بطنان الجنّة؟ قالت: وسطها، حافتاه قصور اللّؤلؤ والياقوت، ترابهالمسك، وحصباؤه اللّؤلؤ والياقوت.
وحدّثنا أبوكريبٍ، حدّثنا وكيعٌ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عائشة قالت: منأحبّ أن يسمع خرير الكوثر فليجعل أصبعيه في أذنيه.كيفية سماع صوت خرير الكوثر
وهذا منقطعٌبين أبي نجيحٍ وعائشة، وفي بعض الرّوايات: عن رجلٍ، عنها، ومعنى هذا: أنّه يسمعنظير ذلك؛ لا أنّه يسمعه نفسه، واللّه أعلم.
قالالسّهيليّ: ورواه الدّارقطنيّ مرفوعاً من طريق مالك بن مغولٍ، عن الشّعبيّ، عنمسروقٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثم قالالبخاريّ: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيمٌ، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بنجبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه اللّه إيّاه. قالأبو بشرٍ: قلت لسعيد بن جبيرٍ: فإنّ ناساً يزعمون أنّه نهرٌ في الجنّة. فقال سعيدٌ: النّهر الذي في الجنّة من الخير الذي أعطاه اللّه إيّاه.الرابط بين أن الكوثر هو الخير الكثير وأنه نهر فى الجنة
ورواه أيضاًمن حديث هشيمٍ، عن أبي بشرٍ وعطاء بن السّائب، عن سعيدبن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍقال: الكوثر: الخير الكثير. وقال الثّوريّ: عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ،عن ابن عبّاسٍ قال: الكوثر: الخير الكثير. وهذا التفسير يعمّ النّهر وغيره؛ لأنّ معنى الكوثر الكوثر من الكثرة، وهو الخير الكثير، ومن ذلك النّهر.
كما قال ابنعبّاسٍ وعكرمة وسعيد بن جبيرٍ ومجاهدٌ ومحارب بن دثارٍ والحسن بن أبي الحسنالبصريّ، حتى قال مجاهدٌ: هو الخير الكثير في الدّنيا والآخرة.
وقال عكرمة: هو النّبوّة والقرآن وثواب الآخرة. وقد صحّ عن ابن عبّاسٍ أنّه فسّره بالنّهرأيضاً، فقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا عمر بن عبيدٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدبن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الكوثر: نهرٌ في الجنّة، حافتاه ذهبٌ وفضّةٌ، يجريعلى الياقوت والدّرّ، ماؤه أبيض من الثّلج وأحلى من العسل.
وروى العوفيّعن ابن عبّاسٍ نحو ذلك.
وقال ابنجريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا هشيمٌ، أخبرنا عطاء بن السّائب، عن محارب بن دثارٍ، عنابن عمر، أنّه قال: الكوثر: نهرٌ في الجنّة، حافتاه ذهبٌ وفضّةٌ، يجري على الدّرّوالياقوت، ماؤه أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى من العسل.
وكذا رواه ابنجريرٍ عن ابن حميدٍ، عن جريرٍ، عن عطاء بن السّائب به مثله موقوفاً، وقد رويمرفوعاً.
فقال الإمامأحمد: حدّثنا عليّ بن حفصٍ، حدّثنا ورقاء قال: وقال عطاءٌ، عن محارب بن دثارٍ، عنابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الكوثر نهرٌ في الجنّة،حافتاه من ذهبٍ، والماء يجري على اللّؤلؤ، وماؤه أشدّ بياضاً من اللّبن وأحلى منالعسل)).
هكذا رواهالتّرمذيّ وابن ماجه وابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ من طريق محمد بن فضيلٍ، عن عطاء بنالسّائب به مرفوعاً، وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وقال ابنجريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، أخبرنا عطاء بن السّائب قال: قال لي محارببن دثارٍ: ما قال سعيد بن جبيرٍ في الكوثر؟ قلت: حدّثنا عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: هوالخير الكثير. فقال: صدق واللّه، إنّه للخير الكثير، ولكن حدّثنا ابن عمر قال: لمّانزلت: {إنّا أعطيناك الكوثر}؛ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الكوثر نهرٌفي الجنّة حافتاه من ذهبٍ، يجري على الدّرّ والياقوت)).
وقال ابنجريرٍ: حدّثني ابن البرقيّ، حدّثنا ابن أبي مريم، حدّثنا محمد بن جعفر بن أبيكثيرٍ، أخبرني حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أسامة بن زيدٍ، أنّ رسولاللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتى حمزة بن عبد المطّلب يوماً، فلم يجده، فسأل امرأتهعنه، وكانت من بني النّجّار، فقالت: خرج يا نبيّ اللّه آنفاً عامداً نحوك، فأظنّهأخطأك في بعض أزقّة بني النّجّار، أولا تدخل يا رسول اللّه؟ فدخل فقدّمت إليهحيساً، فأكل منه. فقالت: يا رسول اللّه، هنيئاً لك ومريئاً، لقد جئت وأنا أريد أنآتيك فأهنيك وأمريك المخاطب فى الآية، أخبرني أبو عمارة أنّك أعطيت نهراً في الجنّة يدعى الكوثر. فقال: ((أجل، وعرضه -يعني أرضه- ياقوتٌ ومرجانٌ وزبرجدٌولؤلؤٌ)).
حرام بن عثمانضعيفٌ، ولكنّ هذا سياقٌ حسنٌ، وقد صحّ أصل ذلك، بل قد تواتر من طرقٍ تفيد القطع عندكثيرٍ من أئمّة الحديث، وكذلك أحاديث الحوض.
وهكذا روي عنأنسٍ وأبي العالية ومجاهدٍ وغير واحدٍ من السلف أنّ الكوثر نهرٌ في الجنّة، وقالعطاءٌ: هو حوضٌ في الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/498-502]
قالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (يقولُ اللهُ تعالى لنبيهِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ممتنّاًعليهِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَالْكَوْثَرَ}أي: الخيرَ الكثيرَ، والفضلَالغزيرَ، الذي من جملتهِ، ما يعطيهِ اللهُ لنبيهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يومَالقيامةِ، منَ النهرِ الذي يقالُ لهُ(الكوثرُ) ومنَالحوضِ.
طولهُشهرٌ، وعرضهُ شهرٌ، ماؤهُ أشدُّ بياضاً منَ اللبنِ، وأحلى منَ العسلِ، آنيتهُكنجومِ السماءِ في كثرتها واستنارتهَا، منْ شربَ منهُ شربةً لمْ يظمأ بعدهَاأبداً). [تيسير الكريمالرحمن: 935-936]
قالَ مُحَمَّدُسُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (1-{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَالْكَوْثَرَ}الكَوْثَرُ: نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ جَعَلَهُاللَّهُ كَرَامَةً لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَولأُمَّتِهِ.
أَخْرَجَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ منْ حَدِيثِ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ قَالَ: ((هَلْ تَدْرُونَ مَا الكَوْثَرُ؟)) قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ((هُوَ نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ رَبِّي فِي الْجَنَّةِ،عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، آنِيَتُهُكَعَدَدِ الْكَوَاكِبِ، يَخْتَلِجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ: يَا رَبِّ،إِنَّهُ مِنْ أُمَّتِي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَبَعْدَكَ)).
والكوثرُ فِياللُّغَةِ: الْخَيْرُ الْكَثِيرُ البالغُ فِي الْكَثْرَةِ إِلَىالْغَايَةِ.معنى الكوثر
وَقِيلَ: الكوثرُ: الْقُرْآنُ.
وَقِيلَ: هُوَكَثْرَةُ الأصحابِ والأُمَّةِ). [زبدة التفسير: 602]
تفسير قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) )
قالَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فصلّ لربّك وانحر}. أي: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنياوالآخرة، ومن ذلك النّهر الذي تقدّم صفته، تفسير الآية فأخلص لربّك صلاتك المكتوبة والنّافلةونحرك؛ فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للّه ربّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأناأوّل المسلمين}.إستحقاق الرب تبارك وتعالى إخلاص العبادة له وحده
قال ابنعبّاسٍ وعطاءٌ ومجاهدٌ وعكرمة والحسن: المراد ب وأنحر يعني بذلك نحر البدن ونحوها، وكذا قال قتادةومحمد بن كعبٍ القرظيّ والضّحّاك والرّبيع وعطاءٌ الخراسانيّ والحكم وإسماعيل بنأبي خالدٍ وغير واحدٍ من السّلف، وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السّجود لغيراللّه والذّبح على غير اسمه، كما قال تعالى: {ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّهعليه وإنّه لفسقٌ} الآية.
وقيل: المرادبقوله: {وانحر}: وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النّحر. يروى هذا عن عليٍّ،ولا يصحّ، وعن الشّعبيّ مثله، وعن أبي جعفرٍ الباقر: {وانحر}. يعني: ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة.
وقيل: {وانحر}. أي: استقبل بنحرك القبلة، ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جريرٍ، وقد روى ابنأبي حاتمٍ ههنا حديثاً منكراً جدًّا فقال:
حدّثنا وهب بنإبراهيم الفاميّ سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، حدّثنا إسرائيل بن حاتمٍ المروزيّ،حدّثنا مقاتل بن حيّان، عن الأصبغ بن نباتة، عن عليّ بن أبي طالبٍ قال: لمّا نزلتهذه السورة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم {إنّا أعطيناك الكوثر فصلّ لربّكوانحر}.
قال رسولاللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ياجبريل ما هذه النّحيرة التي أمرني بها ربّي؟)).
فقال: ليستبنحيرةٍ، ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة ارفع يديك إذا كبّرت، وإذا ركعت، وإذارفعت رأسك من الرّكوع، وإذا سجدت؛ فإنّها صلاتنا وصلاة الملائكة الّذين فيالسّماوات السّبع، وإنّ لكلّ شيءٍ زينةً، وزينة الصّلاة رفع اليدين عند كلّتكبيرةٍ)).
وهكذا رواهالحاكم في المستدرك من حديث إسرائيل بن حاتمٍ به.
وعن عطاءٍالخراسانيّ: {وانحر}. أي: ارفع صلبك بعد الرّكوع، واعتدل وأبرز نحرك، يعني بعدالاعتدال، رواه ابن أبي حاتمٍ.
وكلّ هذهالأقوال غريبةٌ جدًّا، والصّحيح القول الأوّل، أنّ المراد بالنّحر: ذبح المناسك؛ولهذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: ((منصلّى صلاتنا ونسك نسكنا؛ فقد أصاب النّسك، ومن نسك قبل الصّلاة فلا نسك له)). فقامأبو بردة بن نيارٍ فقال: يا رسول اللّه، إنّي نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أنّاليوم يومٌ يشتهى فيه اللّحم. قال: ((شاتك شاة لحمٍ)). قال: فإنّ عندي عناقاً، هيأحبّ إليّ من شاتين، أفتجزئ عنّي؟ قال: ((تجزئك، ولا تجزئ أحداً بعدك)).
قال أبو جعفربن جريرٍ: والصواب قول من قال: إنّ معنى ذلك:تفسير الآية فاجعل صلاتك كلّها لربّك خالصةً دونما سواه من الأنداد والآلهة، وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان؛ شكراً له على ماأعطاك من الكرامة والخير، الذي لا كفاء له وخصّك به.
وهذا الذيقاله في غاية الحسن، وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعبٍ القرظيّ وعطاءٌ). [تفسير القرآن العظيم: 8/502-504]
قالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : (ولماَ ذكرَ منتهُ عليهِ، أمرهُ بشكرهَا مقصد السورة فقالَ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}خصَّهاتينِ العبادتينِ بالذكرِ، سبب تخصيص الصلاة والنحر بالذكر لأنهمَا منْ أفضلِ العباداتِ وأجلِّالقرباتِ.
ولأنَّالصلاةَ تتضمنُ الخضوعَ القلبِ والجوارحِ للهِ، وتنقلهَا في أنواعِ العبوديةِ، وفيالنحرِ تقربٌ إلى اللهِ بأفضلِ مَا عندَ العبدِ منَ النحائرِ، وإخراجٌ للمالِ الذيجبلتِ النفوسُ على محبتهِ والشحِّ بهِ). [تيسير الكريم الرحمن: 936]
قالَ مُحَمَّدُسُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (2-{فَصَلِّ لِرَبِّكَ}:المأمورُ بِهِ إقامةُ الصلواتِ المفروضةِ.
{وَانْحَرْ}:كَانَ ناسٌ يُصَلُّونَلغيرِ اللَّهِ وَيَنْحَرُونَ لغيرِ اللَّهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ صَلاتُهُ وَنَحْرُهُلَهُ.مناسبة نزول الآية
وَقَالَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: الْمُرَادُ صَلاةُ العيدِ وَنَحْرُالأُضْحِيَّةِ). [زبدة التفسير: 602]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) )
قالَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إنّ شانئك هو الأبتر}. أي: إنّ معنى شانئك مبغضك يا محمّد، ومبغض ما جئتبه من الهدى والحقّ والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر معنى الأبتر الأقلّ الأذلّ المنقطعذكره.
قال ابنعبّاسٍ ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ وقتادة: نزلت في العاص بنوائلٍ.فيمن نزلت الآية
وقال محمد بنإسحاق: عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائلٍ إذا ذكر رسول اللّه صلّى اللّهعليه وسلّم يقول: دعوه، فإنّه رجلٌ أبتر، لا عقب له، فإذا هلك انقطع ذكره؛ فأنزلاللّه هذه السورة، سبب نزول السورة وقال شمر بن عطيّة: نزلت في عقبة بن أبيمعيطٍ.
وقال ابنعبّاسٍ أيضاً وعكرمة: نزلت في كعب بن الأشرف وجماعةٍ من كفّارقريشٍ.
وقال البزّار: حدّثنا زياد بن يحيى الحسّانيّ، حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابنعبّاسٍ قال: قدم كعب بن الأشرف مكّة، فقالت له قريشٌ: أنت سيّدهم، ألا ترى إلى هذاالمصنبر المنبتر من قومه؟ يزعم أنّه خيرٌ منّا، ونحن أهل الحجيج وأهل السّدانة وأهلالسّقاية، فقال: أنتم خيرٌ منه. قال: فنزلت: {إنّ شانئك هوالأبتر}.
هكذا رواهالبزّار، وهو إسنادٌ صحيحٌ.
وعن عطاءٍقال: نزلت في أبي لهبٍ، وذلك حين مات ابنٌ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذهبأبو لهبٍ إلى المشركين، فقال: بتر محمدٌ اللّيلة؛ فأنزل اللّه في ذلك: {إنّ شانئكهو الأبتر}.
وعن ابنعبّاسٍ: نزلت في أبي جهلٍ، وعنه: {إنّ شانئك}. يعني: معنى شانئك عدوّك، وهذا يعمّ جميع مناتّصف بذلك ممّن ذكر وغيرهم.
وقال عكرمة: الأبتر: معنى الأبتر الفرد. وقال السّدّيّ: كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا: بتر. فلمّا ماتأبناء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: بتر محمدٌ؛ فأنزل اللّه: {إنّ شانئكهو الأبتر}. سبب إدعاء الكفار لرسول الله بالأبتر
وهذا يرجع إلىما قلناه، من أنّ الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره، فتوهّموا لجهلهم أنّه إذا ماتبنوه ينقطع ذكره، وحاشا وكلاّ، بل قد أبقى اللّه ذكره على رؤوس الأشهاد، وأوجب شرعهعلى رقاب العباد مستمرًّا على دوام الآباد إلى يوم الحشر والمعاد، صلوات اللّهوسلامه عليه دائماً إلى يوم التّناد رد بن كثير على إدعاء الكافرين أن رسول الله أبتر). [تفسير القرآنالعظيم: 8/504-505]
قالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ نَاصِرٍ السّعْدِيُّ (ت: 1376هـ) : ({إِنَّ شَانِئَكَ}أي: معنى شانئك مبغضكَ وذامّكَومنتقصكَ{هُوَ الأَبْتَرُ}أي: معنى الأبتر المقطوعُ منْ كلِّ خيرٍ، مقطوعُ العملِ، مقطوعُالذكرِ.
وأمَّامحمدٌ، فهوَ الكاملُ حقّاً، الذي لهُ الكمالُ الممكنُ في حقِّ المخلوقِ، منْ رفعِالذكرِ، وكثرةِ الأنصارِ والأتباعِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ دلالة الآية على بقاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ودوامشرعه). [ تيسير الكريم الرحمن: 936]رد السعدى على إدعاء الكافرين أن الرسول أبتر
قالَ مُحَمَّدُسُلَيْمَان الأَشْقَرُ (1430هـ) : (3-{إِنَّ شَانِئَكَ هُوَالأَبْتَرُ}؛ أَيْ: إِنَّ مُبْغِضَكَ هُوَ المُنْقَطِعُعَنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَو الَّذِي لا يَبْقَى ذِكْرُهُ بَعْدَمَوْتِهِ، تفسير الآية والأبترُ من الرِّجَالِ: معنى أبتر الَّذِي لا وَلَدَ لَهُ). [زبدة التفسير: 602]