15/428 - وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَالَ: ((مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ)). رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلاَّ التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ.
(وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ) فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ (ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ)؛ أَيْ: فِي صَلاتِهَا، (ثُمَّ قَالَ: مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ)؛ أَيْ: الْجُمُعَةَ، (فَلْيُصَلِّ). هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ رَخَّصَ، وَإِعْلامٌ بِأَنَّهُ كَانَ التَّرْخِيصُ بِهَذَا اللَّفْظِ. (رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلاَّ التِّرْمِذِيَّ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ).
وَأَخْرَجَ أَيْضاً أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((قَدِ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ عَنِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّا مُجْمِعُونَ)). وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، وَفِي إسْنَادِهِ بَقِيَّةٌ، وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ إرْسَالَهُ.
وَفِي الْبَابِ: عَن ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ، أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ.
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلاةَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ تَصِيرُ رُخْصَةً يَجُوزُ فِعْلُهَا وَتَرْكُهَا، وَهُوَ خَاصٌّ بِمَنْ صَلَّى الْعِيدَ دُونَ مَنْ لَمْ يُصَلِّهَا، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْهَادِي وَجَمَاعَةٌ إلاَّ فِي حَقِّ الإِمَامِ وَثَلاثَةٍ مَعَهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهَا لا تَصِيرُ رُخْصَةً مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّ دَلِيلَ وُجُوبِهَا عَامٌّ لِجَمِيعِ الأَيَّامِ، وَمَا ذُكِرَ مِن الأَحَادِيثِ وَالآثَارِ لا يَقْوَى عَلَى تَخْصِيصِهَا؛ لِمَا فِي أَسَانِيدِهَا مِن الْمَقَالِ.
قُلْتُ: حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَدْ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَلَمْ يَطْعَنْ غَيْرُهُ فِيهِ، فَهُوَ يَصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ؛ فَإِنَّهُ يُخَصُّ الْعَامُّ بِالآحَادِ. وَذَهَبَ عَطَاءٌ إلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُهَا عَن الْجَمِيعِ؛ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ: ((مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ))، وَلِفِعْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ فِي يَوْمِ عِيدٍ صَلاةَ الْعِيدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جِئْنَا إلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا، فَصَلَّيْنَا وُحْدَاناً. قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الطَّائِفِ، فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَصَابَ السُّنَّةَ.
وَعِنْدَهُ أَيْضاً، أَنَّهُ يَسْقُطُ فَرْضُ الظُّهْرِ وَلا يُصَلِّي إلاَّ الْعَصْرُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَن ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمَا فَصَلاَّهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ الأَصْلُ فِي يَوْمِهَا، وَالظُّهْرَ بَدَلٌ، فَهُوَ يَقْتَضِي صِحَّةَ هَذَا الْقَوْلِ؛ لأَنَّهُ إذَا سَقَطَ وُجُوبُ الأَصْلِ مَعَ إمْكَانِ أَدَائِهِ سَقَطَ الْبَدَلُ.
وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضاً؛ حَيْثُ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِصَلاةِ الظُّهْرِ مَعَ تَقْدِيرِ إسْقَاطِ الْجُمُعَةِ لِلظُّهْرِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ، وَأَيَّدَ الشَّارِحُ مَذْهَبَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
قُلْتُ: وَلا يَخْفَى أَنَّ عَطَاءً أَخْبَرَ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُج ابْنُ الزُّبَيْرِ لِصَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَصٍّ قَاطِعٍ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ.
فَالْجَزْمُ بِأَنَّ مَذْهَبَ ابْنِ الزُّبَيْرِ سُقُوطُ صَلاةِ الظُّهْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ يَكُونُ عِيداً عَلَى مَنْ صَلَّى صَلاةَ الْعِيدِ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ، بَلْ فِي قَوْلِ عَطَاءٍ: إنَّهُمْ صَلَّوْا وُحْدَاناً؛ أَي: الظُّهْرَ، مَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لا قَائِلَ بِسُقُوطِهِ، وَلا يُقَالُ: إنَّ مُرَادَهُ صَلَّوْا الْجُمُعَةَ وُحْدَاناً؛ فَإِنَّهَا لا تَصِحُّ إلاَّ جَمَاعَةً إجْمَاعاً.
ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الأَصْلَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ صَلاةُ الْجُمُعَةِ، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا، قَوْلٌ مَرْجُوحٌ، بَل الظُّهْرُ هُوَ الْفَرْضُ الأَصْلِيُّ الْمَفْرُوضُ لَيْلَةَ الإِسْرَاءِ، وَالْجُمُعَةُ مُتَأَخِّرٌ فَرْضُهَا، ثُمَّ إذَا فَاتَتْ وَجَبَ صلاةُ الظُّهْرِ إجْمَاعاً، فَهِيَ الْبَدَلُ عَنْهُ. وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي رِسَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ.