6/419 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِماً ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِماً، فَمَنْ نَبَّأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ قَائِماً ثُمَّ يَجْلِسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ قَائِماً، فَمَنْ أَنْبَأَكَ أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ جَالِساً فَقَدْ كَذَبَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ الْقِيَامُ حَالَ الْخُطْبَتَيْنِ، وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْجُلُوسِ، وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ سُنَّةٌ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الْقِيَامَ وَاجِبٌ، فَإِنْ تَرَكَهُ أَسَاءَ وَصَحَّت الْخُطْبَةُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ الْخُطْبَةَ لا تَكُونُ إلاَّ مِنْ قِيَامٍ لِمَنْ أَطَاقَهُ، وَاحْتَجُّوا بِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ جَابِرٌ: فَمَنْ أَنْبَأَكَ.. إلَى آخِرِهِ.
وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ لَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِداً، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ وَتَلا عَلَيْهِ: {وَتَرَكُوكَ قَائِماً}.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ: " مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ إمَاماً يَؤُمُّ الْمُسْلِمِينَ يَخْطُبُ وَهُوَ جَالِسٌ" يَقُولُ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ طَاوُسٍ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِماً، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، وَأَوَّلُ مَنْ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ مُعَاوِيَةُ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَن الشَّعْبِيِّ،أَنَّ مُعَاوِيَةَ إنَّمَا خَطَبَ قَاعِداً لَمَّا كَثُرَ شَحْمُ بَطْنِهِ وَلَحْمِهِ. وَهَذَا إبَانَةٌ لِلْعُذْرِ؛ فَإِنَّهُ مَعَ الْعُذْرِ فِي حُكْمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَوَازِ الْقُعُودِ فِي الْخُطْبَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ. وَهَذِهِ الأَدِلَّةُ تَقْضِي بِشَرْعِيَّةِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْخُطْبَةِ.
وَأَمَّا الْوُجُوبُ وَكَوْنُهُ شَرْطاً فِي صِحَّتِهَا فَلا دَلالَةَ عَلَيْهِ فِي اللَّفْظِ، إلاَّ أَنَّهُ قَدْ يَنْضَمُّ إلَيْهِ دَلِيلُ وُجُوبِ التَّأَسِّي بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَالَ: ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).
وَفِعْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلاةِ مُبَيِّنٌ لآيَةِ الْجُمُعَةِ، فَمَا وَاظَبَ عَلَيْهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَا لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهِ كَانَ فِي التَّرْكِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ، فَإِنْ صَحَّ أَنَّ قُعُودَهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ كَانَ الأَقْوَى الْقَوْلَ الأَوَّلَ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ فَالْقَوْلُ الثَّانِي.
(فَائِدَةٌ)
تَسْلِيمُ الْخَطِيبِ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى النَّاسِ فِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الأَثْرَمُ بِسَنَدِهِ عَن الشَّعْبِيِّ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ فَقَالَ: ((السَّلامُ عَلَيْكُمْ)) الْحَدِيثَ، وَهُوَ مُرْسَلٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ عَدِيٍّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ صَعِدَ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ سَلَّمَ ثُمَّ قَعَدَ. إلاَّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ ابْنُ عَدِيٍّ بِعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، وَضَعَّفَهُ بِهِ ابْنُ حِبَّانَ.