القارئ: قال: الكتب الخمسة وغيرها
وهكذا قول الحافظ أبي طاهر السلفي في الأصول الخمسة, يعني: البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي والنسائي: إنه اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب تساهلا منه. وقد أنكره ابن الصلاح وغيره,
قال ابن الصلاح : وهي مع ذلك أعلى رتبة من كتب المسانيد, كمسند عبد بن حميد, والدارمي, وأحمد بن حنبل, وأبي يعلى, والبزار, وأبي داود الطيالسي, والحسن بن سفيان, وإسحاق بن راهويه, وعبيد الله بن موسى وغيرهم؛ فإنهم يذكرون عن كل صحابي ما يقع لهم من حديثه.
الشيخ :هذا الكلام المنقول عن أبي طاهر السلفي, رحمه الله, فيما يتعلق بالكتب الخمسة, قد تستغربونه فتقولون : لماذا استبعد كتاب ابن ماجه؟
الجواب: أن كتاب ابن ماجه في وقت أبي طاهر السلفي لم يلحق بعد بهذه الكتب الخمسة حتى يكون كتابا سادسا ، فهذة الكتب الخمسة هي التي كان الاتفاق عليها بين العلماء الذين من وقت أبي طاهر السلفي, فما قبل على أنها هي الأمهات.
أما كتاب ابن ماجه فإنما ألحقه ابن طاهر المقدسي, ثم تبعه بعد ذلك بقية العلماء, كابن عساكر, وابن نقطة, وعبد الغني المقدسي في كتاب الكمال, وبعد ذلك المزي وغيرهم من العلماء.
واشتهر بعد ذلك أن كتاب ابن ماجه هو سادس الكتب الستة, وكان هناك حقيقة خلاف بين العلماء في اعتبار الكتاب السادس؛ فهناك من ذهب إلى أن الكتاب السادس ينبغي أن يكون موطأ مالك، وهناك من ذهب إلى أن الكتاب السادس ينبغي أن يكون كتاب ابن ماجه، وهناك من ذهب إلى أن الكتاب السادس ينبغي أن يكون كتاب الدارمي.
فبالنسبة للمغاربة أخذوا على أنفسهم أن الكتاب السادس هو موطأ الإمام مالك, فألحقوه بهذه الأصول الخمسة؛ فأصبح سادس الكتب الستة, ولذلك تجدون ابن الأثير في جامع الأصول جعل هذا الكتاب هو سادس الكتب الستة ولم يذكر ابن ماجه.
وأما بالنسبة لابن ماجه والدارمي, فأصبح هناك بعض التفضيل لكل منهما عن الآخر, لكن ترجحت كفة سنن ابن ماجه؛ لأن الأحاديث التي فيه معظمها مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم, وقل أن تجد فيها شيئا من الموقوف عن الصحابة رضى الله تعالى عنهم.
أما كتاب الدارمي فهو شبيه بموطأ الإمام مالك, وهذا هو السبب الذي جعلهم يعدلون عن كتاب الإمام مالك؛ لأن فيه مراسيل وفيه مقاطيع وفيه موقوفات، لذلك عدلوا عن كتاب مالك وعن كتاب الدارمي لهذا السبب, وأخذوا كتاب ابن ماجه؛ لأن معظم الأحاديث التي فيه كلها بهذه الصورة التي ذكرتها.
وكما قلت: أول من اعتده ابن ظاهر المقدسي في أطراف الكتب الستة, ثم بعد ذلك جاء ابن عساكر وبعده عبد الغني المقدسي وهلم جرا، فاعتمد ابن ماجه على أنه هو سادس الكتب الستة, لكن هذا عند المشارقة.
لذلك تجدون أصحاب المعجم المفهرس جعلوا الكتب المعتمدة عندهم تسعة كتب, وهي الكتب الستة المعروفة, بالإضافة لموطأ مالك وسنن الدارمي ومسند أحمد، فالذي دعاهم لإدخال موطأ مالك وسنن الدارمي؛ لأنها مما حصل فيه الاختلاف على أنها سادس الكتب الستة فقالوا: نحن نجمع بين الأقوال الثلاثة: بين اعتبار ابن ماجه والدارمي وموطأ مالك, فجمعوها وأضافوا مسند الإمام أحمد؛ لأنه هو أكبر موسوعة حديثية وجدت, فكأنهم بهذا يقولون: نحن نريد أن نجمع الأحاديث التي لا يكاد يغادرها حديث من هذه الكتب التي جمعت تلك الأحاديث.
بالنسبة لكلام السلفي الذي نبه عليه ابن كثير رحمه الله حينما قال عن الأصول الخمسة: إنه اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب. قال ابن كثير: هذا تساهل منه إن كان مقصود السلفي الاتفاق على صحة الأحاديث التي تضمنتها هذه الأصول الخمسة, فهذا تساهل منه بالنسبة للسنن الثلاثة.
ولكن يبدو أن الصواب في هذا ما ذكر من أنه قصد رحمه الله صحة أصول هذه الكتب, ولم يقصد صحة أحاديثها, فلا يخفى على السلفي أن علماء المشرق والمغرب لم يتفقوا على صحة أحاديث سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي، لا يخفى هذا على مثل هذا الحافظ أبي طاهر السلفي، ولكنه قصد إن علماء المشرق والمغرب اتفقوا على صحة أصول هذه الكتب, أي: المعنى الذي كنت أشرت إليه بالأمس، من أن مسألة الشهرة والاستفاضة, بل التواتر لهذه الأمهات, يغنينا عن وجود أسانيدها، فأصولها صحيحة, أي: لا يمكن بحال من الأحوال أن يطعن فيها، فهذا يبدو أنه هو مقصد أبي طاهر السلفي.
وذكر أن ابن الصلاح وغيره أنكروا على أبي طاهر السلفي هذه المقالة، ومع ذلك ينبه ابن الصلاح على أن السنن الثلاث بالإضافة إلى الصحيحين أفضل وأجود من باقي المسانيد, وهذا حقيقة شيء ملموس, إلا أن يكون هناك شيء من التوقف بالنسبة للمفاضلة مثل بين جامع الترمذي وبين مسند الإمام أحمد, لكن المقصود ضميمة هذه الكتب الثلاثة: سنن أبي داود والترمذي والنسائي؛ فهي أفضل من هذه المسانيد.
وأما مسند الإمام أحمد, فالذي يظهر لي أنه أقل من حيث نقاوة الأحاديث من سنن أبي داود والنسائي.
وأما سنن الترمذي فهي محل نظر، أما باقي المسانيد التي ذكرت فنعم الكتب الثلاثة هي أجود من هذه المسانيد الأخرى.
أما الصحيحان فلا كلام لنا فيهما؛ فمجرد الكلام فيهما يعني النقص للإنسان الذي يتكلم عنهما، والسبب في هذا التفضيل قال: لأنهم يذكرون عن كل صحابي ما يقع لهم من حديثه, أي: أنهم قصدوا جمع أحاديث أولئك الصحابة الذين ذكروا مسانيدهم, ولم يقصدوا الاقتصار على الصحيح أو تجنب المنكرات. نعم.