دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السلوك والآداب الشرعية > متون الآداب الشرعية > منظومة الآداب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 ذو الحجة 1429هـ/13-12-2008م, 11:32 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي ما يباح من الشــِّعـْر


26- وَلاَ بَأْسَ بـ‍ (الشِّعْرِ) الْمُبَاحِ وَحِفْظِهِ = وَصَنْعَتِهِ، مَنْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْتَدِيْ
27- فَقَدْ سَمِعَ الْمُخْتَارُ شِعْرَ صِحَابِهِ = وَتَشْبِيْبَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِيْنِ خُرَّدِ
28- وَلَمْ يَكُ فِي عَصْرٍ لِذَلِكَ: مُنْكِرٌ = وَكَيْفَ وَفِيْهِ حِكْمَةٌ، فَارْوِ وَاسْنِدِ


  #2  
قديم 15 ذو الحجة 1429هـ/13-12-2008م, 11:34 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي

مطلب فِي بَيَانِ الشِّعْرِ المُبَاحِ
وَلَا بَأْسَ بِالشِّعْرِ المُبَاحِ وَحِفْظِهِ = وَصَنْعَتِهِ مَنْ رَدَّ ذَلِكَ يَعْتَدِي
(لَا بَأْسَ) أَيْ لَا حَرَجَ وَلَا كَرَاهَةَ (بِ) إنْشَادِ (الشِّعْرِ) وَهُوَ كَلَامٌ مُقَفَّى مَوْزُونٌ (المُبَاحِ) الَّذِي سَلِمَ مِنْ هِجَاءِ المُسْلِمِينَ , وَمِنْ وَصْفِ خَمْرَةٍ أَوْ أَمْرَدَ وَكَذَا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي كَلَامِهِ رحمه الله .
قَالَ فِي الفُرُوعِ: الشِّعْرُ كَالكَلَامِ سَأَلَهُ أَبُو مَنْصُورٍ , أَيْ سَأَلَ الإِمَامَ أَحْمَدَ رضي الله عنه مَا يُكْرَهُ مِنْهُ يَعْنِي الشِّعْرَ؟ قَالَ الهِجَاءُ وَالرَّقِيقُ الَّذِي يُشَبِّبُ بِالنِّسَاءِ , وَأَمَّا الكَلَامُ الجَاهِلِيُّ فَمَا أَنْفَعَهُ . وَسَأَلَهُ عَنْ الخَبَرِ " لِأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا " فَتَلَكَّأَ فَذَكَرَ لَهُ قَوْلَ النَّضْرِ: لَمْ تَمْتَلِئْ أَجْوَافُنَا لِأَنَّ فِيهَا القُرْآنَ وَغَيْرَهُ , وَهَذَا كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَأَمَّا اليَوْمَ فَلَا , فَاسْتُحْسِنَ ذَلِكَ . وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ قَوْلَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَظْهَرُ . قَالَ وَإِنْ أَفْرَطَ شَاعِرٌ بالمدحة بِإِعْطَائِهِ وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ , أَوْ شَبَّبَ بِمَدْحِ خَمْرٍ أَوْ بِمُرْدٍ وَفِيهِ احْتِمَالٌ , أَوْ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَسَقَ لَا إنْ شَبَّبَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ , ذَكَرَهُ القَاضِي . قَالَ فِي الإِقْنَاعِ: الشِّعْرُ كَالكَلَامِ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ , وَلَا بَأْسَ بِاسْتِمَاعِ الشِّعْرِ المُبَاحِ , وَلَا بَأْسَ بِ (حِفْظِهِ) أَيْ الشِّعْرِ المُبَاحِ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَ) لَا بَأْسَ بِ (صَنْعَتِهِ) أَيْ إنْشَائِهِ وَنَظْمِهِ وَاِتِّخَاذِهِ صَنْعَةً وَالِاشْتِغَالِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَلِهِ عَنْ وَاجِبٍ (مَنْ رَدَّ ذَلِكَ) أَيْ إبَاحَةَ الشِّعْرِ إنْشَادًا وَاسْتِمَاعًا وَحِفْظًا وَأَنْشَأَ (يَعْتَدِي) بِرَدِّهِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَدَّهُ لِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ لَا لِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بَلْ الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ لَا رَدِّهِ .
فَقَدْ سَمِعَ المُخْتَارُ شِعْرَ صِحَابِهِ = وَتَشْبِيبَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ خُرَّدِ
(فَقَدْ سَمِعَ المُخْتَارُ) . مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَالصَّفْوَةِ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ نَبِيُّنَا أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم (شِعْرَ صِحَابِهِ) رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ (وَ) سَمِعَ صلوات الله وسلامه عليه (تَشْبِيبَهُمْ) بِالنِّسَاءِ (مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ خُرَّدِ) جَمْعُ خَرِيدَةٍ وَهِيَ المَرْأَةُ الخُفُورُ , الطَّوِيلَةُ السُّكُوتِ , الخَافِضَةُ الصَّوْتِ , المُسْتَتِرَةُ وَقِيلَ البِكْرُ الَّتِي لَمْ تُمْسَسْ .
قَالَ الإِمَامُ ابْنُ هِشَامٍ فِي صَدْرِ شَرْحِ بَانَتْ سُعَادُ: التَّشْبِيبُ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الأَدَبِ جِنْسٌ يَجْمَعُ أَرْبَعَةَ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا ذِكْرُ مَا فِي المَحْبُوبِ مِنْ الصِّفَاتِ الحِسِّيَّةِ وَالمَعْنَوِيَّةِ كَحُمْرَةِ الخَدِّ وَرَشَاقَةِ القَدِّ وَكَالجَلَالَةِ وَالخَفَرِ .
وَالثَّانِي ذِكْرُ مَا فِي المُحِبِّ مِنْ الصِّفَاتِ أَيْضًا كَالنُّحُولِ وَالذُّبُولِ وَالحُزْنِ وَالشَّغَفِ
وَالثَّالِثُ ذِكْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ هَجْرٍ وَوَصْلٍ وَشَكْوَى وَاعْتِذَارٍ وَوَفَاءٍ وَإِخْلَافٍ .
وَالرَّابِعُ مَا يَتَعَلَّقُ أَمْرُهُمَا بِسَبَبِهَا كَالوُشَاةِ وَالرُّقَبَاءِ وَيُسَمَّى النَّوْعُ الأَوَّلُ مِنْ الأَنْوَاعِ الأَرْبَعَةِ تَشْبِيبًا أَيْضًا .
وَفِي قَوْلِ النَّاظِمِ رحمه الله تعالى: فَقَدْ سَمِعَ المُخْتَارُ شِعْرَ صِحَابِهِ وَتَشْبِيبَهُمْ , إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ حُرْمَةِ التَّشْبِيبِ . وَلَمَّا خَشِيَ تَوَهُّمَ إطْلَاقِ الإِبَاحَةِ دَفَعَ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ خُرَّدِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ يتشبب بِمُعَيَّنَةٍ مُحَرَّمَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَاسْتِمَاعِهِ .
مطلب فِي سَمَاعِهِ صلى الله عليه وسلم شِعْرَ أَصْحَابِهِ وَتَشْبِيبَهُمْ
فَمِمَّا سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ شِعْرِ أَصْحَابِهِ وَتَشْبِيبَهُمْ قَصِيدَةُ (كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ) رضي الله عنه الَّتِي مَدَحَ بِهَا سَيِّدَ الكَائِنَاتِ سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم , فَإِنَّهُ أَنْشَدَهَا بِحَضْرَتِهِ الشَّرِيفَةِ وَبِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ رضي الله عنهم أجمعين , وَهُوَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنُ أَبِي سُلْمَى بِضَمِّ السِّينِ المُهْمَلَةِ , وَاسْمُ أَبِي سُلْمَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي رِيَاحٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا يَاءٌ وَحَاءٌ مُهْمَلَةٌ آخِرَ الحُرُوفِ أَحَدُ بَنِي مُزَيْنَةَ , كَانَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ هُوَ وَأَبُوهُ , وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه لَا يُقَدِّمُ عَلَى أَبِيهِ أَحَدًا فِي الشِّعْرِ وَيَقُولُ أَشْعَرُ النَّاسِ الَّذِي يَقُولُ وَمَنْ , وَمَنْ , وَمَنْ , يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ فِي مُعَلَّقَتِهِ المَشْهُورَةِ:

وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ المَنَايَا يَنُلْنَهُ = لَوْ رَامَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمْ
وَمَنْ يَكُ ذَا مَالٍ فَيَبْخَلْ بِمَالِهِ = عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْنَ عَنْهُ وَيُذْمَمْ
مَنْ لَا يَزَلْ يَسْتَحْمِدُ النَّاسَ نَفْسَهُ = وَلَا يُغْنِهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ يَنْدَمْ
وَمَنْ يَغْتَرِبْ يَحْسَبُ عَدُوًّا صَدِيقَهُ = وَمَنْ لَا يُكْرِمْ نَفْسَهُ لَا يُكْرَمْ
وَمَنْ لَا يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلَاحِهِ = يُهْدَمْ وَمَنْ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ يُظْلَمْ
مَنْ لَا يُصَانِعُ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ = يُضَرَّسْ بِأَنْيَابٍ وَيُوطَأْ بِمَنْسِمْ المَنْسِمِ
بِفَتْحِ المِيمِ وَكَسْرِ السِّينِ المُهْمَلَةِ طَرَفُ خُفِّ البَعِيرِ .
وَالقَصِيدَةُ الَّتِي مَدَحَ كَعْبٌ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا وَأَنْشَدَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ بِحُضُورِ أَصْحَابِهِ هِيَ قَوْلُهُ:
بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي اليَوْمَ مَتْبُولُ = مُتَيَّمٌ إثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ
وَسَبَبُ إنْشَائِهِ لَهَا وَإِنْشَادِهِ إيَّاهَا بَيْنَ يَدَيْ سَيِّدِ العَالَمِ صلى الله عليه وسلم مَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ , وَعَبْدُ المَلِكِ بْنُ هِشَامٍ , وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ القَاسِمِ بْنِ بَشَّارِ بْنِ الأَنْبَارِيِّ , وَأَبُو البَرَكَاتِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الأَنْبَارِيُّ , دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ , أَنَّ كَعْبًا وَبُجَيْرًا بَنِي زَهْمٍ خَرَجَا إلَى (أَبْرَقِ العَزَّافِ) وَهُوَ رَمْلٌ لِبَنِي سَعْدٍ , وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ زَرُودَ كَمَا فِي الصِّحَاحِ , فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ: اُثْبُتْ فِي هَذَا الغَنَمِ حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَسْمَعَ كَلَامَهُ وَأَعْرِفَ مَا عِنْدَهُ , فَأَقَامَ كَعْبٌ وَمَضَى بُجَيْرٌ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَمِعَ كَلَامَهُ فَآمَنَ بِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ زُهَيْرًا فِيمَا زَعَمُوا كَانَ يُجَالِسُ أَهْلَ الكِتَابِ فَسَمِعَ مِنْهُمْ أَنَّهُ قَدْ آنَ مَبْعَثُهُ صلى الله عليه وسلم , وَرَأَى زُهَيْرٌ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ قَدْ مُدَّ سَبَبٌ مِنْ السَّمَاءِ وَأَنَّهُ مَدَّ يَدَهُ لِيَتَنَاوَلَهُ فَفَاتَهُ , فَأَوَّلَهُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي يُبْعَثُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَأَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ , فَأَخْبَرَ بَنِيهِ بِذَلِكَ وَأَوْصَاهُمْ إنْ أَدْرَكُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْلِمُوا .
وَلَمَّا اتَّصَلَ خَبَرُ إسْلَامِ بُجَيْرٍ بِأَخِيهِ كَعْبٍ أَغْضَبَهُ ذَلِكَ فَقَالَ:
أَلَا بَلِّغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً = فَهَلْ لَك فِيمَا قُلْت وَيْحُك هَلْ لَكَا
سَقَاك بِهَا المَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً = فانهلك المَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا
فَفَارَقْت أَسْبَابَ الهُدَى وَاتَّبَعْته = عَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَيْبُ عِزِّك دَلَّكَا
عَلَى مَذْهَبٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا = عَلَيْهِ وَلَمْ تَعْرِفْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا
فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَلَسْت بِآسِفٍ = وَلَا قَائِلٍ إمَّا عَثَرْت لَعًا لَكَا

وَأَرْسَلَ بِهَا إلَى بُجَيْرٍ . فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهَا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا سَمِعَ عليه الصلاة والسلام قَوْلَهُ سَقَاك بِهَا المَأْمُونُ قَالَ مَأْمُونٌ وَاَللَّهِ , وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَأْمُونَ وَلَمَّا سَمِعَ قَوْلَهُ عَلَى مَذْهَبٍ وَيُرْوَى عَلَى خُلُقٍ لَمْ تُلْفِ أُمًّا وَلَا أَبًا البَيْتَ , قَالَ أَجَلْ لَمْ يُلْفِ عَلَيْهِ أَبَاهُ وَلَا أُمَّهُ . ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَلْيَقْتُلْهُ , وَذَلِكَ عِنْدَ انْصِرَافِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الطَّائِفِ , فَكَتَبَ إلَيْهِ بُجَيْرٌ رضي الله عنه بِهَذِهِ الأَبْيَاتِ:
مَنْ مُبْلِغٌ كَعْبًا فَهَلْ لَك فِي الَّتِي = تَلُومُ عَلَيْهَا بَاطِلاً وَهْوَ أَحْزَمُ
لَدَى يَوْمٍ لَا يَنْجُو وَلَيْسَ بِمُفْلِتٍ = مِنْ النَّاسِ إلَّا طَاهِرُ القَلْبِ مُسْلِمُ
فَدِينُ زُهَيْرٍ وَهْوَ لَا شَيْءَ دِينُهُ = وَدِينُ أَبِي سُلْمَى عَلَيَّ مُحَرَّمُ

وَكَتَبَ بَعْدَ هَذِهِ الأَبْيَاتِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَهْدَرَ دَمَك , وَأَنَّهُ قَتَلَ رِجَالاً بِمَكَّةَ مِمَّنْ كَانُوا يَهْجُونَهُ وَيُؤْذُونَهُ , وَأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ شُعَرَاءِ قُرَيْشٍ كَابْنِ الزِّبَعْرَى وَهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ قَدْ هَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ , وَمَا أَحْسَبُك نَاجِيًا فَإِنْ كَانَ لَك فِي نَفْسِك حَاجَةٌ فَطِرْ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ مَنْ أَتَاهُ تَائِبًا وَلَا يُطَالِبُهُ بِمَا تَقَدَّمَ قَبْلَ الإِسْلَامِ فَلَمَّا بَلَغَ كَعْبًا الكِتَابُ أَتَى إلَى مُزَيْنَةَ لِتُجِيرَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ , فَحِينَئِذٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَأَشْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ , وَأَرْجَفَ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْ عَدُوِّهِ فَقَالُوا هُوَ مَقْتُولٌ , فَقَالَ القَصِيدَةَ يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَذْكُرُ خَوْفَهُ وَإِرْجَافَ الوُشَاةِ بِهِ مِنْ عَدُوِّهِ , ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ فَنَزَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ , فَأَتَى بِهِ إلَى المَسْجِدِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُمْ إلَيْهِ فَاسْتَأْمِنْهُ .
وَعَرَفَ كَعْبٌ رَسُولَ اللَّهِ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَ لَهُ النَّاسُ وَكَانَ مَجْلِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ , أَصْحَابِهِ مِثْلَ مَوْضِعِ المَائِدَةِ مِنْ القَوْمِ يَتَحَلَّقُونَ حَوْلَهُ حَلْقَةً ثُمَّ حَلْقَةً , فَيُقْبِلُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيُحَدِّثُهُمْ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيُحَدِّثُهُمْ , فَقَامَ كَعْبٌ إلَيْهِ حَتَّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ قَدْ جَاءَ لِيَسْتَأْمِنَ مِنْك تَائِبًا مُسْلِمًا فَهَلْ أَنْتَ قَابِلٌ مِنْهُ إنْ أَنَا جِئْتُك بِهِ؟ قَالَ نَعَمْ , قَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ , قَالَ الَّذِي يَقُولُ مَا يَقُولُ . ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْتَنْشِدُهُ الشِّعْرَ , فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: سَقَاك بِهَا المَأْمُونُ كَأْسًا رَوِيَّةً , فَقَالَ كَعْبٌ لَمْ أَقُلْ هَكَذَا إنَّمَا قُلْت: سَقَاك أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ , وانهلك المَأْمُونُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَأْمُونٌ وَاَللَّهِ . وَوَثَبَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي وَعَدُوَّ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ , فَقَالَ دَعْهُ عَنْك فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ تَائِبًا نَازِعًا . فَغَضِبَ كَعْبٌ عَلَى هَذَا الحَيِّ لِمَا صَنَعَ بِهِ صَاحِبُهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلِذَلِكَ يَقُولُ: إذَا عَرَدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ . يَعْرِضُ بِهِمْ , وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ الأَنْبَارِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَى قَوْلِهِ: إنَّ الرَّسُولَ لَسَفٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ مُهَنَّدٌ مِنْ سُيُوفِ الهِنْدِ مَسْلُولُ رَمَى عليه الصلاة والسلام إلَيْهِ بِبُرْدَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ , وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَذَلَ لَهُ فِيهَا عَشَرَةَ آلَافٍ , فَقَالَ مَا كُنْت لأوثر بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدًا . فَلَمَّا مَاتَ كَعْبٌ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ إلَى وَرَثَتِهِ بِعِشْرِينَ الفًا فَأَخَذَهَا مِنْهُمْ .
قَالَ وَهِيَ البُرْدَةُ الَّتِي عِنْدَ السَّلَاطِينِ إلَى اليَوْمِ . انْتَهَى .
قُلْت: قَدْ ذَهَبَتْ البُرْدَة المَذْكُورَةُ لَمَّا اسْتَوْلَى التَّتَارُ عَلَى بَغْدَادَ وَمُقَدِّمُهُمْ (هُولَاكُو) نَهَارَ الأَرْبِعَاءِ رَابِعَ عَشَرَ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فَقَدْ وَضَعَ هُولَاكُو البُرْدَةَ المَذْكُورَةَ فِي طَبَقٍ نُحَاسٍ وَكَذَا القَضِيبُ فَأَحْرَقَهُمَا وَذَرَّ رَمَادَهُمَا فِي دِجْلَةَ , وَقَتَلَ الخَلِيفَةَ وَوَلَدَهُ , وَقُتِلَ مِنْ العُلَمَاءِ وَالفُضَلَاءِ خَلْقٌ كَثِيرٌ , وَقُتِلَ بَقِيَّةُ أَوْلَادِ الخَلِيفَةِ , وَأُسِرَتْ بَنَاتُهُ وَمِنْ بَنَاتِ بَيْتِ الخِلَافَةِ وَالأَكَابِرِ مَا يُقَارِبُ الفَ بِكْرٍ , وَبَلَغَ القَتْلَى أَكْثَرَ مِنْ الفَيْ الفٍ وَثَلَثِمِائَةِ الفِ نَسَمَةً كَمَا هُوَ مَشْرُوحٌ فِي التَّوَارِيخِ , فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ .
وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ رحمه الله تعالى:
وَلَمْ يَكُ فِي عَصْرٍ لِذَلِكَ مُنْكِرٌ = وَكَيْفَ وَفِيهِ حِكْمَةٌ فَارْوِ واسند
(وَلَمْ يَكُ فِي عَصْرٍ) مِنْ الأَعْصَارِ مِنْ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى تَدَاوُلِ الأَعْصَارِ (لِذَلِكَ) أَيْ لِاسْتِمَاعِ الشِّعْرِ وَالتَّشْبِيبِ وَالمَدْحِ وَالنَّسِيبِ (مُنْكِرٌ) يُعْتَدُّ بِإِنْكَارِهِ , وَلَا رَادِعٌ يُقْتَدَى بِرَدْعِهِ وَازْوِرَارِهِ . وَمَنْ كَرِهَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ العُلَمَاءِ إنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ يُهَيِّجُ الطِّبَاعَ لِرِقَّتِهِ لَا لِحُرْمَةِ ذَاتِهِ (وَكَيْفَ) يَسُوغُ الإِنْكَارُ عَلَى إسْمَاعِ وَانِشَادِ الأَشْعَارِ (وَفِيهِ) أَيْ الشِّعْرِ (حِكْمَةٌ) وَهِيَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الجَهْلِ . وَقِيلَ الحِكْمَةُ الإِصَابَةُ . وَفِي القَامُوسِ الحِكْمَةُ بِالكَسْرِ العَدْلُ وَالعِلْمُ وَالحِلْمُ وَالنُّبُوَّةُ وَالقُرْآنُ وَالإِنْجِيلُ , وَأَحْكَمَهُ أَتْقَنَهُ .
مطلب فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً
وَأَشَارَ النَّاظِمُ بِهَذَا إلَى مَا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ" إنَّ مِنْ البَيَانِ سِحْرًا , وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حكما " . وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا " إنَّ مِنْ البَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنْ العِلْمِ جَهْلاً , وَإِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حكما , وَإِنَّ مِنْ القَوْلِ عِيَالاً " قَالَ الحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الغَوَّاصِ: مَعْنَاهُ إنَّ مِنْ الحَدِيثِ مَا يَسْتَثْقِلُ السَّامِعُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَيَسْتَشِقُّ الإِنْصَاتَ إلَيْهِ .
وَفِي صَحِيحِ البُخَارِيِّ" إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً " وَيُرْوَى لحكما كَمَا فِي المُسْنَدِ وَسُنَنِ , أَبِي دَاوُدَ . قَالَ فِي المَطَالِعِ: أَيْ مَا يَمْنَعُ الجَهْلَ وَقِيلَ الحِكْمَةُ الإِصَابَةُ فِي القَوْلِ مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ . وَقِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ وَقِيلَ الحِكْمَةُ الفِقْهُ فِي الدِّينِ وَالعِلْمُ بِهِ .
وَقِيلَ الخَشْيَةُ . وَقِيلَ الفَهْمُ عَنْ اللَّهِ وَهَذَا كُلُّهُ يَصِحُّ فِي تَفْسِيرِ" الحِكْمَةِ يَمَانِيَّةً " يَعْنِي قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " الحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ " وَفِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " عَلِّمْهُ الحِكْمَةَ " وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ (الفِقْهُ يَمَانٍ) . وَقَدْ قِيلَ الحِكْمَةُ النُّبُوَّةُ . وَقِيلَ هَذَا كُلُّهُ فِي قوله تعالى (يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ) قَالَ ابْنُ قُرْقُولٍ فِي المَطَالِعِ: وَقَدْ قِيلَ الحِكْمَةُ إشَارَةُ العَقْلِ , وَالحَكِيمُ مَنْ قِبَلِهَا وَقَالَ بِهَا وَعَمِلَ وَلَمْ يُخَالِفْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ فَهُوَ الحَكِيمُ وَهُوَ الحَاكِمُ وَهُوَ المُحَكَّمُ , وَأُمُورُهَا كُلُّهَا مُحْكَمَةٌ لِأَنَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ إشَارَةِ العَقْلِ وَتَدْبِيرِهِ , وَهُوَ الحَاكِمُ المُصِيبُ الَّذِي لَا يُخْطِئُ مَا دَامَ مَحْفُوظًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَخْلُفْهُ آفَةٌ وَلَا حَلَّ بِهِ نَقْصٌ . انْتَهَى كَلَامُ المَطَالِعِ .
وَقَالَ المَنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً " وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ حُكْمًا بِضَمِّ الحَاءِ المُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الكَافِ , وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِاللَّامِ لَحُكْمًا , وَجَوَّزَ فِي حُكْمًا كَسْرَ الحَاءِ المُهْمَلَةِ وَفَتْحَ الكَافِ جَمْعُ حِكْمَةٍ . انْتَهَى .
قَالَ فِي النِّهَايَةِ: الحِكْمَةُ مَعْرِفَةُ الأَشْيَاءِ بِأَفْضَلِ العُلُومِ .
قَالَ المَنَاوِيُّ: وَإِنَّمَا أَكَّدَ بِإِنَّ وَاللَّامِ رَدًّا عَلَى مَنْ أَطْلَقَ كَرَاهَةَ الشِّعْرِ , فَأَشَارَ إلَى أَنَّ حَسَنَهُ حَسَنٌ وَقَبِيحَهُ قَبِيحٌ , وَكُلُّ كَلَامٍ ذِي وَجْهَيْنِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ المَقَاصِدِ . وَأَمَّا خَبَرُ " الشِّعْرُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ " وَخَبَرُ " أَنَّهُ جُعِلَ لَهُ كَالقُرْآنِ " فَوَاهِيَانِ . انْتَهَى وَعَلَى فَرْضِ ثُبُوتِ ذَلِكَ فَالمُرَادُ بِهِ الشِّعْرُ المُحَرَّمُ فِي المُرْدِ أَوْ فِي مُحَرَّمَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ فِي هِجَاءِ المُسْلِمِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَقِيلَ مَعْنَى كَوْنِ الشِّعْرِ المُحَرَّمِ حُكْمًا فِي مِثْلِ هَذَا الحَدِيثِ هُوَ أَنَّ الشَّاعِرَ قَدْ يَنْطِقُ بِالأَمْرِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فَيَقَعُ كَمَا قَالَ , كَقَوْلِ حَسَّانَ رضي الله عنه يُخَاطِبُ قُرَيْشًا فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَبْلَ فُتُوحِ مَكَّةَ:

عُدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا = تُثِيرُ النَّقْعَ مَوْعِدُهَا كَدَاءٌ
تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ = يَلْطِمُهُنَّ بِالخُمُرِ النِّسَاءُ
فَكَانَ الأَمْرُ كَمَا قَالَ . وَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ يَلْطِمْنَ وُجُوهَ الخَيْلِ بِالخُمُرِ وَذَلِكَ يَوْمَ الفَتْحِ تَبَسَّمَ صلى الله عليه وسلم إلَى أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ؟ فَأَنْشَدَهُ مَا تَقَدَّمَ (فَارْوِ) الشِّعْرَ وَاحْفَظْهُ وَاسْتَمِعْهُ وَأَنْشِدْهُ (واسند) أَبَاحَةُ ذَلِكَ عَنْ , النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . أَوْ فَارْوِ حَدِيثَ " إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً " وَأَسْنِدْهُ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَا مُقَدِّحَ فِيهِ , فَقَدْ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ كُلِّ إمَامٍ وَفَقِيهٍ . وَلَا يُعَكِّرُ عَلَيْك مَا يُرَوِّجُهُ بَعْضُ الفُقَهَاءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ , أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الشِّعْرِ الَّذِي وَصَفْنَاهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَى مَدْحِ المُحَرَّمَاتِ وَالكَذِبِ وَالتَّهَافُتِ , فَإِذَا خَلَا الشِّعْرُ عَنْ التَّشْبِيبِ بالمردان أَوْ بِمُعَيَّنَةٍ مِنْ المُحَرَّمَاتِ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ بِنَحْوِ خَمْرَةٍ فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ , وَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ رَدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَمَعَك مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ؟ قُلْت نَعَمْ , فَأَنْشَدْته بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ . لَأَنْشَدْته بَيْتًا , فَقَالَ هِيهِ , حَتَّى أَنْشَدْته مِائَةَ قَافِيَةٍ . قَالَ فِي شَرْحِ المُقْنِعِ: لَيْسَ لَنَا فِي إبَاحَةِ الشِّعْرِ اخْتِلَافٌ قَدْ قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالعُلَمَاءُ وَالحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ اللُّغَةِ وَالعَرَبِيَّةِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ وَتَعَرُّفِ مَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم , وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّسَبِ وَالتَّارِيخِ وَأَيَّامِ العَرَبِ , وَيُقَالُ الشِّعْرُ دِيوَانُ العَرَبِ , فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ تَعَالَى (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الغَاوُونَ) . وَفِي الحَدِيثِ " لِأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا حَتَّى يُرِيَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَقَالَ مَعْنَى (يَرِيهِ) يَأْكُلُ جَوْفَهُ يُقَالُ وَرَاهَ يَرِيهِ قَالَ الشَّاعِرُ: وَرَاهُنَّ رَبِّي مِثْلَ مَا قَدْ وَرَيْنَنِي وَأَحْمَى عَلَى أَكْبَادِهِنَّ المكاويا فَأَجَابَ عَنْ الآيَةِ بِأَنَّ المُرَادَ بِهَا مَنْ أَسْرَفَ وَكَذَبَ بِدَلِيلِ وَصْفِهِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ (فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ . وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) ثُمَّ اسْتَثْنَى المُؤْمِنِينَ وَأَجَابَ عَنْ الحَدِيثِ بِنَحْوِ مَا قَدَّمْنَا . وَذَكَرَ الحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ البُخَارِيِّ قَالَ: أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الغَاوُونَ) جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَحَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَهُمْ يَبْكُونَ , فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ , " أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّا شُعَرَاءُ , فَقَالَ: اقْرَءُوا مَا بَعْدَهَا , إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنْتُمْ , وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا أَنْتُمْ " قَالَ السُّهَيْلِيُّ: نَزَلَتْ الآيَةُ فِي الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا وَرَدَتْ بِالإِبْهَامِ لِيَدْخُلَ مَعَهُمْ مَنْ اقْتَدَى بِهِمْ , وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ مَعَ الثَّلَاثَةِ كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ بِغَيْرِ إسْنَادٍ . انْتَهَى وَقِيلَ: أَوْفَدَ زِيَادٌ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ عَلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه فَقَالَ لَهُ: أَقْرَأْت القُرْآنَ؟ قَالَ نَعَمْ , قَالَ أَفَرَضْت الفَرَائِضَ؟ قَالَ نَعَمْ , قَالَ رَوَيْت الشِّعْرَ؟ قَالَ لَا , فَكَتَبَ إلَى زِيَادٍ بَارَكَ اللَّهُ لَك فِي ابْنِك فَأَرْوِهِ الشِّعْرَ فَقَدْ وَجَدْته كَامِلاً , وَإِنِّي سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: ارْوُوا الشِّعْرَ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى مَحَاسِنِ الأَخْلَاقِ وَيُنَقِّي مساويها , وَتَعَلَّمُوا الأَنْسَابَ فَرُبَّ رَحِمٍ مَجْهُولَةٍ قَدْ وُصِلَتْ بِعِرْفَانِ النَّسَبِ , وَتَعَلَّمُوا مِنْ النُّجُومِ مَا يَدُلُّكُمْ عَلَى سَبِيلِكُمْ . وَقَالَ أَبُو زِيَادٍ: مَا رَأَيْت أَرْوَى لِلشِّعْرِ مِنْ عُرْوَةَ , فَقُلْت لَهُ: مَا أَرْوَاك لِلشِّعْرِ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ , فَقَالَ وَمَا رِوَايَتِي مَعَ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها , مَا كَانَ يَنْزِلُ بِهَا شَيْءٌ إلَّا أَنْشَدَتْ شِعْرًا . وَقَالَ المِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ: مَا كَلَّمْت أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَ بِشِعْرٍ وَلَا فَرِيضَةٍ مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها , وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: رَحِمَ اللَّهُ لَبِيدًا إنِّي لَأَرْوِي لَهُ الفَ بَيْتٍ وَإِنَّهُ أَقَلُّ مَا أَرْوِي لِغَيْرِهِ . وَسَمِعَ كَعْبُ الأَحْبَارِ مِنْ قَوْلِ الحُطَيْئَةِ: مَنْ يَفْعَلْ الخَيْرَ لَا يَعْدَمُ جَوَازِيَهُ لَا يَذْهَبُ العُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ فَقَالَ إنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ حَرْفٌ بِحَرْفٍ , يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ يَفْعَلْ الخَيْرَ يَجِدْهُ عِنْدِي وَلَا يَذْهَبُ الخَيْرُ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي . وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَضَائِلِ الشِّعْرِ وَالشُّعَرَاءِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ جُنْدٍ يُجَنِّدُهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المُشْرِكِينَ لَكَفَى , يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ رضي الله عنه " وَاَللَّهِ لَشِعْرُك عَلَيْهِمْ أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السِّهَامِ فِي غَلَسِ الظَّلَامِ وَتَحْفَظُ بَيْتِي فِيهِمْ , فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالحَقِّ نَبِيًّا لأسلنك مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنْ العَجِينِ , ثُمَّ أَخْرَجَ لِسَانَهُ فَضَرَبَ بِهِ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ وَقَالَ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ لَيَتَخَيَّلُ لِي أَنَّهُ لَوْ وَضَعْته عَلَى حَجَرٍ لَفَلَقَهُ أَوْ عَلَى شَعْرٍ لَحَلَقَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَيَّدَ اللَّهُ تَعَالَى حَسَّانًا بِرُوحِ القُدُسِ " وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِحَسَّانَ: لَقَدْ شَكَرَ اللَّهُ قَوْلَك:
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ = رَبَّهَا فليغلبن مُغَالِبُ الغَلَّابِ
كَذَا زَعَمَ بَعْضُ المُؤَرِّخِينَ , قُلْت: هَذَا البَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَجَابَ بِهِ ابْنَ الزِّبَعْرَى عَبْدَ اللَّهِ رضي الله عنه فَإِنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ , وَقَصِيدَةُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي يَوْمِ الخَنْدَقِ قَوْلُهُ:

حَتَّى الدِّيَارُ مَحَا مَعَارِفَ رَسْمِهَا = طُولُ البِلَى وَتَرَاوُحُ الأَحْقَابِ
فَكَأَنَّمَا كَتَبَ اليهَوُدُ رَسْمَهَا = إلَّا الكَنِيفَ وَمَعْقِدَ الأَطْنَابِ
قَفْرًا كَأَنَّك لَمْ تَكُنْ تَلْهُو بِهَا = فِي نِعْمَةٍ بِأَوَانِسِ أَتْرَابِ
فَاتْرُكْ تَذَكُّرَ مَا مَضَى مِنْ عِيشَةٍ = وَمَحَلَّةٍ خَلَقِ المُقَامِ يَبَابِ
وَاذْكُرْ بَلَاءَ معاشر واشكرهمو = سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ مِنْ الأَنْصَابِ
أَنْصَابِ مَكَّةَ عَامِدِينَ لِيَثْرِبَ = فِي ذِي غياطل جَحْفَلٍ جبجاب
يَدَعُ الحُزُونَ مِنْهَاجًا مَعْلُومَةً = فِي كُلِّ نَشْرٍ ظَاهِرٍ وَشِعَابِ
فِيهَا الجِيَادُ شوازب مَجْنُوبَةٌ = قُبُّ البُطُونِ لَوَاحِقُ الأَقْرَابِ
مِنْ كُلِّ سلهبة وَأَجْرَدَ سلهب = كَالسِّيدِ بَادَرَ غَفْلَةَ الرقاب
جَيْشُ عُيَيْنَةُ قَاصِدٌ بِلِوَائِهِ = فِيهِ وَصَخْرٌ قَائِدُ الأَحْزَابِ
قرمان كَالبَدْرَيْنِ أَصْبَحَ فِيهِمَا = غَيْثُ الفَقِيرِ وَمَعْقِلُ الهراب
حَتَّى إذَا وَرَدُوا المَدِينَةَ وَارْتَدَوْا = لِلْمَوْتِ كُلَّ مُجَرَّبٍ قَضَّابِ
شَهْرًا وَعَشْرًا قَاهِرِينَ مُحَمَّدًا = وَصِحَابُهُ فِي الحَرْبِ خَيْرُ صِحَابِ
نَادَوْا بِرِحْلَتِهِمْ صَبِيحَةَ قُلْتُمُو = كِدْنَا نَكُونُ بِهَا مَعَ الخُيَّابِ
لَوْلَا الخَنَادِقُ غَادَرُوا مِنْ جَمْعِهِمْ = قَتْلَى لِطَيْرٍ سَاغِبٍ وَذِئَابِ
فَأَجَابَهُ أَوَّلاً حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه بِقَوْلِهِ:

هَلْ رَسْمُ دَارِسَةِ المُقَامِ يَبَابُ = مُتَكَلِّمٌ لِمُحَاوِرٍ بِجَوَابِ
قَفْرٌ عَفَا رَهَمَ السَّحَابُ رُسُومَهُ = وَهُبُوبُ كُلِّ مُطِلَّةٍ مِرْبَابِ
وَلَقَدْ رَأَيْت بِهَا الحُلُولَ يَزِينُهُمْ = بِيضُ الوُجُوهِ ثواقب الأَحْسَابِ
فَدَعِ الدِّيَارَ وَذِكْرَ كُلِّ خَرِيدَةٍ = بَيْضَاءَ آنِسَةِ الحَدِيثِ كَعَابِ
وَاشْكُ الهُمُومَ إلَى الإِلَهِ وَمَا تَرَى = مِنْ مَعْشَرٍ ظَلَمُوا الرَّسُولَ غِضَابِ
سَارُوا بِأَجْمَعِهِمْ إلَيْهِ وَأَلَّبُوا = أَهْلَ القُرَى وبوادي الأَعْرَابِ
جَيْشُ عُيَيْنَةَ وَابْنِ حَرْبٍ فيهمو = مُتَخَمِّطُونَ بِحَلْبَةِ الأَحْزَابِ
حَتَّى إذَا وَرَدُوا المَدِينَةَ وَارْتَجُوا = قَتْلَ الرَّسُولِ وَمَغْنَمَ الأَسْلَابِ
وَغَدَوْا عَلَيْنَا قَادِرِينَ بِأَيْدِهِمْ = رُدُّوا بغيظهم و عَلَى الأَعْقَابِ
بِهُبُوبِ مُعْصِفَةٍ تُفَرِّقُ جَمْعَهُمْ = وَجُنُودِ رَبِّك سَيِّدِ الأَرْبَابِ
فَكَفَى الإِلَهُ المُؤْمِنِينَ قِتَالَهُمْ = وَأَثَابَهُمْ فِي الأَجْرِ خَيْرَ ثَوَابِ
مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا فَفَرَّقَ جَمْعَهُمْ = تَنْزِيلُ نَصْرِ مَلِيكِنَا الوَهَّابِ
وَأَقَرَّ عَيْنَ مُحَمَّدٍ وَصِحَابِهِ = وَأَذَلَّ كُلَّ مُكَذِّبٍ مُرْتَابِ
عَاتِي الفُؤَادِ مُوَقَّعٍ ذِي رِيبَةٍ = فِي الكُفْرِ لَيْسَ بِطَاهِرِ الأَثْوَابِ
عَلِقَ الشَّقَاءُ بِقَلْبِهِ فَفُؤَادُهُ = فِي الكُفْرِ آخِرُ هَذِهِ الأَحْقَابِ

وَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه ثَانِيًا فَقَالَ:


أَبْقَى لَنَا حَدَثُ الحُرُوبِ بَقِيَّةً = مِنْ خَيْرِ نِحْلَةِ رَبِّنَا الوَهَّابِ

بَيْضَاءَ مُشْرِفَةَ الذُّرَى ومعاطنا = جُمِّ الجُذُوعِ غَزِيرَةِ الأحلاب
كَاللَّوْبِ يُبْذَلُ جَمُّهَا وَحَفِيلُهَا = لِلْجَارِ وَابْنِ العَمِّ وَالمُنْتَابِ
وترائغا مِثْلَ السَّرَاحِ نَمَا بِهَا = عَلَفُ الشَّعِيرِ وَجِزَّةُ المِقْضَابِ
عَرِيَ الشَّوَى مِنْهَا وَأَرْدَفَ نَحْضُهَا = جُرْدَ المُتُونِ وَسَائِرَ الآرَابِ
قَوْدًا تُرَاحُ إلَى الصِّيَاحِ إذَا غَدَتْ = فعل الضِّرَاءِ تُرَاحُ لِلْكَلَّابِ
وَتَحُوطُ سَائِمَةَ الدِّيَارِ وَتَارَةً = تُرْدِي العِدَا وتؤوب بِالأَسْلَابِ
حُوشُ الوُحُوشِ مَطَارَةٌ عِنْدَ الوَغَى = عبس اللِّقَاءِ مُبِينَةَ الأَنْجَابِ
عُلِفَتْ عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ بُدَّنًا = دخس البضيع خَفِيفَةَ الأَقْصَابِ
يَغْدُونَ بِالزَّعْفِ المُضَاعَفِ شَكُّهُ = وَبِمُتْرِصَاتٍ فِي الثِّقَافِ صباب
وصوارم نَزَعَ الصَّيَاقِلُ عَلْبَهَا = وَبِكُلِّ أَرْوَعَ مَاجِدِ الأَنْسَابِ
يَصِلُ اليَمِينَ بِمَارِنٍ مُتَقَارِبٍ = وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إلَى خَبَّابِ
وَأَغَرَّ أَزْرَقَ فِي القَنَاةِ كَأَنَّهُ = فِي طُخْيَةِ الظَّلْمَاءِ ضَوْءُ شِهَابٍ
وَكَتِيبَةٍ يَنْفِي القِرَانُ قَتِيرَهَا = وَتَرُدُّ حَدَّ قواحز النُّشَّابِ
جأوى مُلَمْلَمَةٍ كَأَنَّ رِمَاحَهَا = فِي كُلِّ مَجْمَعَةٍ صَرِيمَةُ غَابٍ
تأوي إلَى ظِلِّ اللِّوَاءِ كَأَنَّهُ = فِي صَعْدَةِ الخُطَى فَيْءُ عُقَابِ
أَعْيَتْ أَبَا كَرِبٍ وَأَعْيَتْ تُبَّعًا = وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الأَعْرَابِ
ومواعظ مِنْ رَبِّنَا نُهْدَى بِهَا = بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيِّبِ الأَثْوَابِ
عُرِضَتْ عَلَيْنَا فَاشْتَهَيْنَا ذِكْرَهَا = مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الأَحْزَابِ
حِكَمًا يَرَاهَا المُجْرِمُونَ بِزَعْمِهِمْ = حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الالبَابِ
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا = فليغلبن مُغَالِبُ الغَلَّابِ


قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ المَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا = فليغلبن مُغَالِبُ الغَلَّابِ
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَدْ شَكَرَك اللَّهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِك هَذَا قَالَ الشَّمْسُ الشَّامِيُّ فِي سِيرَتِهِ: سَخِينَةُ لَقَبٌ لِقُرَيْشٍ .
قَالَ فِي الرَّوْضِ: ذَكَرُوا أَنَّ قُصَيًّا كَانَ إذَا ذَبَحَتْ قُرَيْشٌ ذَبِيحَةً أَوْ نَحَرَتْ نَحِيرَةً بِمَكَّةَ أَتَى بِعَجُزِهَا فَصَنَعَ مِنْهُ خَزِيرَةً وَهِيَ بِفَتْحِ الخَاءِ المُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بِوَزْنِ جَزِيرَةٍ وَهِيَ لَحْمٌ يُطْبَخُ يَسِيرًا فَيُطْعِمُهُ النَّاسَ , فَسُمِّيَتْ قُرَيْشٌ بِهَا سَخِينَةَ .
وَقِيلَ إنَّ العَرَبَ كَانُوا إذَا أَسْنَتُوا أَكَلُوا العلهز وَهُوَ الوَبَرُ وَالدَّمُ , وَتَأْكُلُ قُرَيْشٌ الخَزِيرَةَ وَاللَّفِيفَةَ , فَنَفِسَتْ عَلَيْهِمْ العَرَبُ بِذَلِكَ فَلَقَّبُوهُمْ سَخِينَةَ .
قَالَ وَلَمْ تَكُنْ قُرَيْشٌ تَكْرَهُ هَذَا اللَّقَبَ وَلَوْ كَرِهَتْهُ لَمَا اسْتَجَازَ كَعْبٌ أَنْ يَذْكُرَهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ , وَلَتَرَكَهُ أَدَبًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ كَانَ قُرَشِيًّا . وَلَقَدْ اسْتَنْشَدَ عَبْدُ المَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ مَا قَالَهُ الهَوازِنِيُّ فِي قُرَيْشٍ:
يَا شِدَّةً مَا شَدَدْنَا غَيْرَ كَاذِبَةٍ = عَلَى سَخِينَةَ لَوْلَا اللَّيْلُ وَالحَرَمُ
فَقَالَ: مَا زَادَ هَذَا عَلَى أَنْ اسْتَثْنَى . وَلَمْ يَكْرَهْ سَمَاعَ التَّلْقِيبِ لِسَخِينَةٍ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا اللَّقَبَ لَمْ يَكُنْ مَكْرُوهًا عِنْدَهُمْ , وَلَا كَانَ فِيهِ تَعْيِيرٌ لَهُمْ بِشَيْءٍ يُكْرَهُ .
قَالَ فِي الزَّهْرِ: وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ فِي مَوْضِعَيْنِ , الأَوَّلُ كُلُّ مَنْ , تَعَرَّضَ لِنَسَبٍ أَوْ تَارِيخٍ وَشِبْهِهِمَا فِيمَا رَأَيْت يَزْعُمُونَ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تُعَابُ بِأَكْلِ السَّخِينَةِ .
هَذَا الكَلْبِيُّ وَالبِلَاذُرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالمَدَائِنِيُّ وَأَبُو الفَرَجِ وَابْنُ دُرَيْدٍ وَابْنُ الأَعْرَابِيِّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمَنْ لَا يُحْصَى قَالُوا ذَلِكَ .
الثَّانِي قَوْلُهُ وَلَوْ كَرِهَهُ إلخ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأُمُورٍ , الأَوَّلُ يُحْتَمَلُ أَنَّ سَيِّدَنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ أَوْ سَمِعَهُ وَأَنْكَرَهُ وَلَمْ يَبْلُغْنَا نَحْنُ ذَلِكَ قَالَ الشَّامِيُّ: وَهَذَانِ الأَمْرَانِ لَيْسَا بِشَيْءٍ , وَهُوَ كَمَا قَالَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِكَعْبٍ لَمَّا قَالَ جَاءَتْ سَخِينَةُ البَيْتَ شَكَرَك اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِك هَذَا يَا كَعْبُ رَوَاهُ ابْنُ هِشَامٍ أَوْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ نِكَايَتَهُمْ فَأَغْضَى عَنْ ذَلِكَ , لِأَنَّ الَّذِي بَيْنَهُمْ كَانَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ . وَقَوْلُ السُّهَيْلِيِّ وَلَقَدْ اسْتَنْشَدَ عَبْدُ المَلِكِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ , مِنْ حَيْثُ إنَّ المَرْزُبَانِيَّ ذَكَرَ هَذَا الشِّعْرَ لِخِرَاشِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَلَيْسَ مِنْ هَوَازِنَ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ , وَإِنَّ عَبْدَ المَلِكِ تَنَازَعَ إلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فِي العَرَافَةِ , فَنَظَرَ إلَى فَتًى فِيهِمْ شِعْشَاعٍ فَقَالَ يَا فَتَى قَدْ وَلَّيْتُك العَرَافَةَ , فَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ قَدْ أَفْلَحَ ابْنُ خِرَاشٍ , فَسَمِعَهَا عَبْدُ المَلِكِ فَقَالَ كَلَّا وَاَللَّهِ لَا يَهْجُونَا أَبُوك فِي الجَاهِلِيَّةِ بِقَوْلِهِ: يَا شِدَّةً مَا شَدَدْنَا غَيْرَ كَاذِبَةٍ , إلَخْ وَنُسَوِّدُك فِي الإِسْلَامِ , فَوَلَّاهَا غَيْرَهُ , فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ هَذَا اللَّقَبَ وَقَالَ فِي القَامُوسِ: وَسَخِينَةٌ كَسَفِينَةٍ طَعَامٌ رَقِيقٌ يُتَّخَذُ مِنْ دَقِيقٍ , وَلَقَبٌ لِقُرَيْشٍ لِاِتِّخَاذِهَا إيَّاهُ وَكَانَتْ تُعَيَّرُ بِهِ . انْتَهَى .


مطلب فِي وُفُودِ بَنِي تَمِيمٍ وَفِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ


عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ وَابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمْ فِي وُفُودِ بَنِي تَمِيمٍ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ , وَالزِّبْرِقَانُ , وَعَمْرُو بْنُ الأَهْتَمِ , وَقَيْسُ بْنُ الحَارِثِ , وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ . وَرَبَاحُ بْنُ الحَارِثِ , وَغَيْرُهُمْ فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ يُقَالُ كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ أَوْ تِسْعِينَ رَجُلاً , وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ . وَالأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ , وَكَانَا شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتْحَ مَكَّةَ وَحُنَيْنًا وَالطَّائِفَ . فَلَمَّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ قَدِمَا مَعَهُمْ , فَدَخَلُوا المَسْجِدَ وَقَدْ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالظُّهْرِ وَالنَّاسُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , فَعَجَّلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ واستبطئوه , فَنَادَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ بِصَوْتٍ جَافٍ: يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا , يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا , يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا , ثَلَاثَ مَرَّاتٍ , فَآذَى ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ صِيَاحِهِمْ , فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ , وَإِنَّ شَتْمَنَا شَيْنٌ , نَحْنُ أَكْرَمُ العَرَبِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَذَبْتُمْ بَلْ مدحة اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الزَّيْنُ وَشَتْمُهُ الشَّيْنُ , وَأَكْرَمُ مِنْكُمْ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ . وَرَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ وَابْنِ جَرِيرٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ المُنْذِرِ عَنْ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ البَرَاءُ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ الأَقْرَعُ إنَّهُ هُوَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا فَلَمْ يُجِبْهُ , فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إنَّ حَمْدِي لَزَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . انْتَهَى .
فَقَالُوا إنَّا أَتَيْنَاك لِنُفَاخِرَك فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا , قَالَ قَدْ أَذِنْت لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ , فَقَامَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ فَقَالَ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ الفَضْلُ وَهُوَ أَهْلُهُ , الَّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا , وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالاً عِظَامًا نَفْعَلُ فِيهَا المَعْرُوفَ , وَجَعَلَنَا أَعَزَّ أَهْلِ المَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُمْ عَدَدًا وَأَيْسَرَهُمْ عُدَّةً , فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النَّاسِ , أَلَسْنَا رُءُوسَ النَّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ , فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيَعْدُدْ مِثْلَ مَا أَعْدَدْنَا , وَإِنَّا لَوْ شِئْنَا أَكْثَرْنَا وَلَكِنَّا نَحْيَا مِنْ الإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا وَإِنَّا نَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلِنَا وَأَمْرٍ أَفْضَلَ مِنْ أَمْرِنَا , ثُمَّ جَلَسَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ أَخِي بَنِي الحَارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ: قُمْ فَأَجِبْ الرَّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ , فَقَامَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ خَلْقُهُ , قَضَى فِيهِنَّ أَمْرَهُ , وَسِعَ كُرْسِيَّهُ عِلْمُهُ , وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطُّ إلَّا مِنْ فَضْلِهِ , ثُمَّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولاً , أَكْرَمَهُ نَسَبًا , وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا , وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا , فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ , وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ , فَكَانَ خِيرَةَ اللَّهِ مِنْ العَالَمِينَ , ثُمَّ دَعَا النَّاسَ إلَى الإِيمَانِ بِهِ , فَآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ , أَكْرَمَ النَّاسِ أَحْسَابًا وَأَحْسَنَ النَّاسِ وُجُوهًا , وَخَيْرَ النَّاسِ فِعَالاً , ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ الخَلْقِ إجَابَةً وَاسْتَجَابَ لِلَّهِ تَعَالَى حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْنُ , فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ , فَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مُنِعَ مَالَهُ وَدَمَهُ , وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى أَبَدًا وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ وَالسَّلَامُ . فَقَامَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ فَقَالَ , وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: يَا فُلَانُ قُمْ فَقُلْ أَبْيَاتًا يُذْكَرُ فِيهَا فَضْلُك وَفَضْلُ قَوْمِك . فَقَالَ:



نَحْنُ الكِرَامُ فَلَا حَيٌّ يُعَادِلُنَا = نَحْنُ الرُّءُوسُ وَفِينَا يُقْسَمُ الرُّبْعُ
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الأَحْيَاءِ كلهمو = عِنْدَ النِّهَابِ وَفَضْلُ العِزِّ يُتَّبَعُ
وَنُطْعِمُ النَّاسَ عِنْدَ المَحَلِّ كلهمو = مِنْ السَّدِيفِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ القَزَعُ


وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ:



وَنَحْنُ يُطْعَمُ عِنْدَ القَحْطِ مَطْعَمُنَا = مِنْ الشِّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ القَزَعُ
بِمَا تَرَى النَّاسَ تَأْتِينَا سراتهمو = مِنْ كُلِّ أَرْضٍ هَوِيًّا ثُمَّ نَصْطَنِعُ
فَنَنْحَرُ الكَوْمَ عَبْطًا فِي أَرُومَتِنَا = لِلنَّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا
فَلَا تَرَانَا إلَى حَيٍّ نُفَاخِرُهُمْ = إلَّا اسْتَقَادُوا فَكَانُوا الرَّأْسَ يُقْتَطَعُ
فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ = فَيَرْجِعُ القَوْمُ وَالأَخْبَارُ تُسْتَمَعُ
إنَّا أَبَيْنَا وَلَمْ يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ = إنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الفَخْرِ نَرْتَفِعُ


وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ: مِنَّا المُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ البِيَعُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ غَائِبًا , فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حَسَّانُ: جَاءَنِي رَسُولُهُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إنَّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ , فَخَرَجْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَقُولُ:



مَنَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إذْ حَلَّ وَسْطَنَا = عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ معد وَرَاغِمِ
مَنَعْنَاهُ لَمَّا حَلَّ بَيْنَ بُيُوتِنَا = بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ
بِبَيْتِ حَرِيدٍ عِزُّهُ وَثَرَاؤُهُ = بِجَابِيَةِ الجَوْلَانِ وَسَطَ الأَعَاجِمِ
هَلْ المَجْدُ إلَّا السُّؤْدُدُ العُودُ وَالنَّدَى = وَجَاهُ المُلُوكِ وَاحْتِمَالُ العَظَائِمِ


قَالَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ شِعْرِهِ الزِّبْرِقَانُ .
وَفِي سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ قَالَ حَسَّانُ: فَلَمَّا انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَامَ شَاعِرُ القَوْمِ فَقَالَ مَا قَالَ , عَرَضْت فِي قَوْلِهِ , وَقُلْت عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ , فَلَمَّا فَرَغَ الزِّبْرِقَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: قُمْ يَا حَسَّانُ فَأَجِبْ الرَّجُلَ فَقَالَ حَسَّانُ رضي الله عنه:



إنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتَهُمْ = قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ = تَقْوَى الإِلَهِ وَكُلُّ الخَيْرِ يُصْطَنَعُ
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمْ = أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ فِيهِمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ = إنَّ الخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا البِدَعُ
إنْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمْ = فَكُلُّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
لَا يَرْفَعُ النَّاسُ مَا أَوْهَتْ أَكُفُّهُمْ = عِنْدَ الدِّفَاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا
إنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ = أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدَى مَنَعُوا
أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الوَحْيِ عِفَّتُهُمْ = لَا يَطْمَعُونَ وَلَا يرديهم طَمَعُ
لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بفضلهم = وَلَا يَمَسُّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبْعُ
إذَا نَصَبْنَا لِحَيٍّ لَمْ نَدِبَّ لَهُمْ = كَمَا يَدِبُّ إلَى الوَحْشِيَّةِ الذَّرَعُ
وَنَسْمُو إذَا الحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا = إذَا الزَّعَانِفُ مِنْ أَظْفَارِهَا خَشَعُوا
لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عدوهمو = وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خَوْرٌ وَلَا هَلَعُ
كَأَنَّهُمْ فِي الوَغَى وَالمَوْتُ مُكْتَنَعُ = أُسْدٌ بِحَلْبَةٍ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ
خُذْ منهمو مَا أَتَوْا عَفْوًا إذَا غَضِبُوا = وَلَا يَكُنْ هَمُّك الأَمْرَ الَّذِي مَنَعُوا
فَإِنَّ فِي حَرْبِهِمْ - فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ - = شَرًّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السُّمُّ وَالسَّلَعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهُمْ = إذَا تَفَاوَتَتْ الأَهْوَاءُ وَالشِّيَعُ
أَهْدَى لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُوَازِرُهُ = فِيمَا أُحِبُّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنِعُ
فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الأَحْيَاءِ كلهمو = إنْ جَدَّ بِالنَّاسِ جِدُّ القَوْلِ أَوْ سَمِعُوا


وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ: وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ بِالشِّعْرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَّ (الزِّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ) لَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ:



أَتَيْنَاك كَيْمَا يَعْلَمُ النَّاسُ فَضْلَنَا = إذَا اخْتَلَفُوا عِنْدَ احْتِضَارِ المَوَاسِمِ
بِأَنَّا فُرُوعُ النَّاسِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ = وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الحِجَازِ كَدَارِمِ
وَأَنَّا نَذُودُ المُعْلِمِينَ إذَا انْتَخُوا = وَنَضْرِبُ رَأْسَ الأَصِيدِ المُتَفَاقِمِ
فَإِنَّ لَنَا المِرْبَاعَ فِي كُلِّ غَارَةٍ = تُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الأَعَاجِمِ


فَقَامَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ:



هَلْ المَجْدُ إلَّا السُّؤْدُدُ العُودُ وَالنَّدَى = وَجَاهُ مُلُوكٍ وَاحْتِمَالُ العَظَائِمِ
نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النَّبِيَّ مُحَمَّدًا = عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعْدٍ وَرَاغِمِ
بِحَيٍّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ = بِجَابِيَةِ الجَوْلَانِ وَسَطِ الأَعَاجِمِ
نَصَرْنَاهُ لَمَّا حَلَّ وَسْطَ دِيَارِنَا = بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ
جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتِنَا = وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ المَغَانِمِ
وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النَّاسَ حَتَّى تَتَابَعُوا = عَلَى دِينِهِ بِالمُرْهَفَاتِ الصَّوَارِمِ
وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا = وَلَدنَا نَبِيَّ الخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ
بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنَّ فَخْرَكُمْ = يَعُودُ وَبَالاً عِنْدَ ذِكْرِ المَكَارِمِ
هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمْ لَنَا = خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ
فَإِنْ كنتموا جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ = وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تَقْسِمُوا فِي المَقَاسِمِ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ نِدًّا وَأَسْلِمُوا = وَلَا تَلْبَسُوا زِيًّا كَزِيِّ الأَعَاجِمِ


فَلَمَّا فَرَغَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: وَأَبِي إنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمُؤْتًى لَهُ , لَخَطِيبُهُ أَخَطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا , وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا , وَلَأَصْوَاتُهُمْ أَعْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا فَلَمَّا فَرَغَ القَوْمُ أَسْلَمُوا , وَجَوَّزَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ . فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَقَرَّ الشِّعْرَ وَأَمَرَ بِهِ .
فَهَلْ بَعْدَ هَذَا يَسُوغُ إنْكَارٌ؟ وَقَالَ الإِمَامُ الحَافِظُ ابْنُ الجَوْزِيِّ فِي (مُثِيرِ العَزْمِ السَّاكِنِ إلَى أَشْرَفِ الأَمَاكِنِ) بَابُ ذِكْرِ الشُّعَرَاءِ بِسُوقِ عُكَاظٍ وَتَنَاشُدُهُمْ الأَشْعَارَ .
قَالَ الأَصْمَعِيُّ: كَانَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِيُّ تُضْرَبُ لَهُ قُبَّةٌ مِنْ أَدْمٍ بِسُوقِ عُكَاظٍ فَتَأْتِيهِ الشُّعَرَاءُ فَتَعْرِضُ عَلَيْهِ أَشْعَارَهَا فَأَوَّلُ مَنْ أَنْشَدَهُ الأَعْشَى , ثُمَّ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ , ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الشُّعَرَاءُ , ثُمَّ أَنْشَدَتْهُ الخَنْسَاءُ أَبْيَاتَهَا الَّتِي تَقُولُ فِيهَا:
وَإِنَّ صَخْرًا لَتَأْتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ = كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
فَقَالَ وَاَللَّهِ لَوْلَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ أَنْشَدَنِي آنِفًا لَقُلْت إنَّك أَشْعَرُ أَهْلِ زَمَانِك مِنْ الجِنِّ وَالإِنْسِ , فَقَامَ حَسَّانُ فَقَالَ لَأَنَا وَاَللَّهِ أَشْعَرُ مِنْهَا وَمِنْك وَمِنْ أَبِيك , فَقَالَ لَهُ النَّابِغَةُ حَيْثُ تَقُولُ مَاذَا؟ فَقَالَ حَيْثُ أَقُولُ:



لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى = وَأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةِ دَمًا
وَلَدْنَا بَنِي العَنْقَاءِ وَابْنَيْ مُحَرِّقٍ = فَأَكْرِمْ بِنَا خَالاً وَأَكْرِمْ بِنَا ابْنَ مَا


فَقَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ إنَّك قُلْت لَنَا الجَفَنَاتُ فقللت عَدَدَك , وَقُلْت يَلْمَعْنَ بِالضُّحَى وَلَوْ قُلْت فِي الدُّجَى لَكَانَ أَفْخَرَ , لِأَنَّ الضِّيفَانَ يَكْثُرُونَ بِاللَّيْلِ , وَقَلَّلْت عَدَدَ أَسْيَافِك وَقُلْت يَقْطُرْنَ وَلَوْ قُلْت يَجْرِينَ لَكَانَ أَكْثَرَ لِلدَّمِ , وَفَخَرْت بِمَنْ وَلَدْته , وَلَمْ تَفْخَرْ بِمَنْ وَلَدَك , فَانْظُرْ مَزِيدَ اعْتِنَائِهِمْ بِالشِّعْرِ , وَشِدَّةَ التَّنْقِيبِ عَلَيْهِ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ سَالِمٍ فِي صَدْرِ شَرْحِ قَصِيدَةِ الإِمَامِ العَلَّامَةِ جَمَالِ الدِّينِ أَبِي عُمَرَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ المَالِكِيِّ المَعْرُوفِ بِابْنِ الحَاجِبِ فِي عِلْمَيْ العُرُوضِ وَالقَوَافِي: وَبَعْدُ , فَالشِّعْرُ دِيوَانُ العَرَبِ , وَتُرْجُمَانُ الأَدَبِ , مُدِحَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ وَأَثَابَ عَلَيْهِ , وَأَدْنَى مَادِحِيهِ , وَأَمَرَ بِمُنَاضَلَةِ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ وَمُعَارَضَتِهِمْ وَهَجْوِهِمْ مُقَابَلَةً لِمَا تَعَرَّضُوا إلَيْهِ مِنْ أَذَى المُسْلِمِينَ وَهَجْوِهِمْ , وَقَالَ فِي حَقِّ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: إنَّ حَسَّانَ مُؤَيَّدٌ فِي شِعْرِهِ بِرُوحِ القُدْسِ , وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الصِّدِّيقَ وَالفَارُوقَ رضي الله عنهما كَانَا يَنْظِمَانِ الشِّعْرَ .
وَكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَشْعَرَ الجَمَاعَةِ , وَرُوِيَ لَهُ شِعْرٌ كَثِيرٌ , وَكَذَلِكَ رَوَى الجَمَاعَةُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رضي الله عنهم أجمعين .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه: " إنَّ رُوحَ القُدْسِ مَعَك مَا دُمْت تُنَافِحُ عَنْ نَبِيِّهِ " وَقَالَ: " اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ القُدْسِ " وَقَدْ جَرَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِدَّةُ أَبْيَاتٍ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِنَظْمِ شَيْءٍ مِنْ الشِّعْرِ لِمَنْعِهِ مِنْهُ , كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ المطلب وَكَقَوْلِهِ: مَا أَنْت إلَّا أُصْبُعٌ دَمِيَتْ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيت وَكَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إلَّا عَيْشُ الآخرة فَارْحَمْ الأَنْصَارَ والمهاجرة وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُنْكِرُ فَضْلَ الشِّعْرِ إلَّا جَامِدُ القَرِيحَةِ بِلَا مُحَالٍ , وَاَللَّهُ وَلِيُّ الأَفْضَالِ .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ما, يباح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:43 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir