دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 12:27 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
فجاء قوم من متكلمة الصفاتية الذين نصروا أن الله له علم وقدرة وسمع وبصر وحياة وكلام بالمقاييس العقلية المطابقة للنصوص النبوية وفرَّقوا بين الصفات القائمة بالجواهر فجعلوها أعراضًا وبين الصفات القائمة بالرب فلم يسمُّوها أعراضًا لأن العَرَض ما لا يدوم ولا يبقى أو ما يقوم بمتحيز أو جسم وصفات الرب لازمة دائمة ليست من جنس الأعراض القائمة بالأجسام.
وهؤلاء أهل الكلام القياسي من الصفاتية فارقوا أولئك المبتدعة المعطلة الصابئة في كثير من أمورهم وأثبتوا الصفات التي قد يستدل بالقياس العقلي عليها كالصفات السبع وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام.
ولهم نزاع في السمع والبصر والكلام هل هو من الصفات القياسية العقلية أو الصفات النبوية الخبرية السمعية ولهم اختلاف في البقاء والقدم
[تفسير آيات أشكلت: 2/754]
وفي الإدراك الذي هو إدراك المشمومات والمذوقات والملموسات ولهم أيضًا اختلاف في الصفات السمعية القرآنية الخبرية كالوجه واليد فأكثر متقدميهم أو كلهم يثبتها وكثير من متأخريهم لا يثبتها.
وأما ما لم يرد إلا في الحديث فأكثرهم لا يثبتها ثم منهم من يصرف النصوص عن دلالتها لأجل ما عارضها من القياس العقلي عنده ومنهم من يفوض معناها.
وليس الغرض هنا تفصيل مقالات الناس فيما يتعلق بسائر الصفات وإنما المقصود القول في رسالة الله وكلامه الذي بَلَّغته رسله فكان هؤلاء بينهم وبين أهل الوراثة النبوية قدرًا مشتركًا بما أثبتوه مما جاءت به الرسل وبينهم وبين أهل الوراثة الصابئة المحدثة قدرًا مشتركًا بما سلكوه من الطرق الصابئة في أمر الخالق وأسمائه وصفاته وآياته.
فصار في مذهبهم في الرسالة تركيب من الوراثتين لبسوا حق ورثة الأنبياء بباطل ورثه أتباع الصابئة كما كان في مذهب أهل الكلام المحض المبتدع
[تفسير آيات أشكلت: 2/755]
كالمعتزلة تركيب ولبس بين الأثارة النبوية وبين الأثارة الصابئة لكن أولئك أشد اتباعًا للأثارة النبوية وأقرب إلى مذهب أهل السنة والجماعة وأهل القرآن والحديث والفقه في ذلك من المعتزلة ونحوهم من وجوه كثيرة ولهذا وافقهم في بعض ما ابتدعوه كثير من أهل الفقه والحديث والتصوف لوجوه:
أحدها كثرة الحق الذي يقولونه وظهور الأثارة النبوية عندهم.
الثاني لبسهم ذلك بمقاييس عقلية بعضها موروث عن الصابئة وبعضها مما ابتدع في الإسلام ابتدعه إما هم وإما غيرهم واستيلاء ما في ذلك من الشبهات عليهم وظنهم أنه لم يكن التمسك بالأثارة النبوية من أهل العقل والعلم إلا على هذا الوجه.
الثالث ضعف الأثارة النبوية الدافعة لهذه الشبهات والموضحة لسبيل الهدى عندهم.
الرابع العجز والتفريط الواقع في المنتسبين إلى السنة والحديث تارة يروون ما لا يعلمون صحته وتارة يكونون كالأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ويعرضون عن بيان دلالة الكتاب والسنة على حقائق الأمور.
[تفسير آيات أشكلت: 2/756]
فلما كان هذا منهاجهم قالوا إن القرآن غير مخلوق لما دل على ذلك من النصوص وإجماع السلف ولما رأوا أنه مستقيم على الأصل الذي قرَّروه في الصفات.
ورأوا أن التوفيق بين النصوص النبوية السمعية وبين القياس العقلي لا يستقيم إلا بأن يجعلوا القرآن معنى قائمًا بنفس الله تعالى كسائر الصفات كما جعله الأولون من باب المصنوعات المخلوقات لا قديمًا كسائر الصفات.
ورأوا أنه ليس إلا مخلوق أو قديم فإن إثبات قسم ثالث قائم بالله يقتضي حلول الحوادث بذاته وهو دليل على حدوث الموصوف ومبطل لدلالة حدوث العالم ثم رأوا أنه لا يجوز أن يكون معاني كثيرة بل إما معنى واحد عند طائفة أو معان أربعة عند طائفة.
والتزموا على هذا أن حقيقة الكلام هي المعنى القائم بالنفس وأن الحروف والأصوات ليست من حقيقة الكلام بل هي دالة عليه فتسمى باسمه إما مجازًا عند طائفة أو حقيقة بطريق الاشتراك عند طائفة وإما مجازًا في كلام الله وحقيقة في كلام الآدميين عند طائفة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/757]
وخالفهم الأولون وبعض من يتسنن أيضًا فقالوا لا حقيقة للكلام إلا الحروف والأصوات وأنه ليس وراء الحروف والأصوات معنى إلا العلم ونوعه أو الإرادة ونوعها فصار النزاع بين الطائفتين في موضعين أن معنى الكلام هل حقيقة في المعنى فقط أو في اللفظ فقط وادعى هؤلاء أن الأمر والنهي والخبر صفات للكلام إضافية ليست أنواعًا له وأقسامًا وأن كلام الله معنى واحد وزعموا أنه إذا عبر عنه بالعربية فهو قرآن وبالعبرانية فهو توراة وبالسريانية فهو إنجيل.
وقال لهم أكثر الناس هذا معلوم الفساد بالضرورة كما قال الأولون إنه خلق الكلام في الهواء فصار متكلمًا به وأن المتكلم من أحدث الكلام ولو في ذات غير ذاته وقال لهم أكثر الناس إن هذا معلوم الفساد بالضرورة.
وقال جمهور الناس من جميع الطوائف إن الكلام اسم للفظ والمعنى جميعًا كما أن الإنسان المتكلم اسم للجسم والروح جميعًا وأنه إذا
[تفسير آيات أشكلت: 2/758]
أطلق على أحدهما فبقرينة وأن معاني الكلام متنوعة ليست منحصرة في العلم والإرادة كتنوع ألفاظه وإن كانت المعاني أقرب إلى الاتحاد والاجتماع والألفاظ أقرب إلى التعدد والتفرق.
والتزم هؤلاء أن حروف القرآن مخلوقة وإن لم يكن عندهم المعنى الذي هو كلام الله مخلوقًا وفرقوا بين كتاب الله وكلامه فقالوا كتاب الله هو الحروف وهو مخلوق وكلام الله وهو معناها غير مخلوق والقرآن وإن عني به الحروف فهو مخلوق وقال من قال منهم القرآن في العرف العام هو الحروف وهو مخلوق ولا ينعقد اليمين به ورأوا أن إطلاق القول بانعقاد اليمين مخالفًا للأصول.
وهؤلاء والأولون متفقون على خلق القرآن الذي قال الأولون إنه مخلوق لكن هؤلاء يثبتون معنى آخر هو القرآن الذي ليس بمخلوق عندهم والأولون ينكرون وجوده فهم في الحقيقة قد قالوا بخلق إحدى شطري القرآن لا بخلقه كله.
والطائفتان جميعًا تنكران أن يكون الله تكلم بحروف القرآن أو أنها كلامه على المعنى المعروف الذي يعلم الناس أنه بكلام المتكلم ولكن قد يطلقون هذا اللفظ لإطلاق الأمة له لمعنى ليس هو المعنى المفهوم عند الأمة ولا عند أهل
[تفسير آيات أشكلت: 2/759]
الفطرة الباقية التي لم تغير وحجتهم جميعًا امتناع حرف قديم أو حرف ليس بقديم قائم بنفس الله فتعين القسم الثالث وهو حرف ليس بقديم ولا قائم بنفس الله تعالى.
واختلف هؤلاء أين خلقت هذه الحروف هل خلقت في الهواء أو في نفس جبريل أو أن جبريل هو الذي أحدثها أو محمد على أقوال مضطربة.
وأما جمهور الأمة وأهل الحديث والفقه والتصوف فعلى ما جاءت به الرسل وما جاء عنهم من الكتب والأثارة من العلم وهم المتبعون للرسالة اتباعًا محضًا لم يشوبوه بما يخالفه من مقالة الصابئين وهو أن القرآن كله كلام الله لا يجعلون بعضه كلام الله وبعضه ليس كلام الله.
والقرآن هو القرآن الذي يعلم المسلمون أنه القرآن حروفه معانيه والأمر والنهي هو اللفظ والمعنى جميعًا.
ولهذا كان الفقهاء المصنفون في أصول الفقه من جميع الطوائف الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية إذا لم يخرجوا عن مذاهب الأئمة والفقهاء إذا تكلموا في الأمر والنهي ذكروا ذلك وخالفوا من قال إن الأمر هو المعنى المجرد.
[تفسير آيات أشكلت: 2/760]
ويعلم أهل الأثارة النبوية أهل السنة والحديث وعامة المسلمين الذين هم جماهير أهل القبلة أن قوله تعالى {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} ونحو ذلك هو كلام الله لا كلام غيره وكلام الله هو ما تكلم به لا ما خلقه في غيره ولم يتكلم به.
والله أعلم
[تفسير آيات أشكلت: 2/761]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir