دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الطهارة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 10:59 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي خطبة زاد المستقنع

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ

الحمدُ للهِ حَمْدًا لا يَنْفَدُ، أَفْضَلَ ما يَنبغِي أن يُحْمَدَ، وصلَّى اللهُ وسَلَّمَ على أَفْضَلِ الْمُصْطَفَيْنَ مُحَمَّدٍ، وعلى آلِهِ وأصحابِه ومَن تَعَبَّدَ.
أمَّا بعدُ ، فهذا مُخْتَصَرٌ في الفِقهِ من مُقْنِعِ الإمامِ الْمُوَفَّقِ أبي مُحَمَّدٍ، على قولٍ واحدٍ ، وهو الراجِحُ في مَذهَبِ أحمدَ، ورُبَّمَا حَذَفْتُ منه مَسائلَ نادرةَ الوُقوعِ وزِدْتُ ما على مِثْلِه يُعْتَمَدُ، إذ الْهِمَمُ قد قَصُرَتْ، والأسبابُ الْمُثَبِّطَةُ عن نَيْلِ الْمُرَادِ قد كَثُرَتْ، ومع صِغَرِ حَجْمِه حَوَى ما يُغْنِي عن التطويلِ، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا باللهِ، وهو حَسْبُنا ونِعْمَ الوَكيلُ.


  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 11:15 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

الحمد لله المحمود على كل حال الدائم الباقي بلا زوال الموجد خلقه على غير مثال العالم بعدد القطر وأمواج البحر وذرات الرمال لا يعزب عنه مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا تحت أطباق الجبال عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى آله خير آل صلاة دائمة بالغدو والآصال أما بعد فهذا كتاب في الفقه على مذهب الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني اجتهدت في جمعه وترتيبه وإيجازه وتقريبه وسطاً بين القصير والطويل وجامعاً لأكثر الأحكام عرية عن الدليل والتعليل ليكثر علمه ويقل حجمه ويسهل حفظه ( ويكون مقنعاً لحافظيه نافعاً للناظر فيه والله المسؤول أن يبلغنا أملنا، ويصلح قولنا وعملنا، ويجعل سعينا مقرباً إليه ونافعاً لديه وهو حسبنا ونعم الوكيل.

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 11:23 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

الحمدُ للَّهِ الذي شَرَحَ صَدْرَ مَن أَرَادَ هِدَايَتَهُ للإسلامِ، وفَقَّهَ في الدِّينِ مَن أرادَ به خَيْراً وفَهَّمَهُ فيمَا أَحْكَمَهُ مِن الأَحْكَامِ، أَحْمَدُهُ أنْ جَعَلَنَا مِن خَيْرِ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ، وخَلَعَ علينا خِلْعَةَ الإسْلامِ خَيْرَ لبَاسٍ، وشَرَعَ لنَا مِن الدِّينِ مَا وَصَّى به نُوحاً، وإِبْرَاهِيمَ ومُوسَى وعِيسَى، وأَوْحَاهُ إلى مُحَمَّدٍ عليهِ وعلَيْهِم أَفْضَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ.
وأَشْكُرُه وشُكْرُ النِّعَمِ وَاجِبٌ على الأنَامِ، وأَشْهَدُ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لهُ ذُو الجَلالِ والإِكْرَامِ، وأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ وحَبِيبُه وخَلِيلُه المَبْعُوثُ لبَيَانِ الحَلالِ والحَرَامِ، صَلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسَلَّمَ وعلى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وتَابِعِيهِم الكِرَامِ.

أمَّا بَعْدُ: فهذا شَرْحٌ لَطِيفٌ على (مُخْتَصَرِ المُقْنِعِ) للشَّيْخِ الإمامِ العَلاَّمَةِ والعُمْدَةِ القُدْوَةِ الفَهَّامَةِ، هو شَرَفُ الدِّينِ أَبُو النَّجَا مُوسَى بنُ أَحْمَدَ بنِ مُوسَى بنِ سَالِمِ بنِ عِيسَى بنِ سَالِمٍ المَقْدِسِيُّ الحَجَّايُّ ثُمَّ الصَّالِحِيُّ الدِّمِشْقِيُّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ برَحْمَتِه، وأَبَاحَهُ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِه ـ يُبَيِّنُ حَقَائِقَهُ، ويُوَضِّحُ مَعَانِيَهُ ودَقَائِقَهُ، معَ ضَمِّ قُيُودٍ يَتَعَيَّنُ التَّنْبِيهُ علَيْهَا، وفَوَائِدَ يُحْتَاجُ إليها معَ العَجْزِ وعَدَمِ الأَهْلِيَّةِ لسُلُوكِ تِلْكَ المَسَالِكِ، لَكِنَّ ضَرُورَةَ كَوْنِه لم يُشْرَحِ اقْتَضَت ذَلِكَ، واللَّهُ المَسْؤُولُ بفَضْلِه أنْ يَنْفَعَ بهِ كمَا نَفَعَ بأَصْلِه، وأنْ يَجْعَلَهُ خَالِصاً لوَجْهِه الكَرِيمِ، وزُلْفَى لَدَيْهِ في جَنَّاتِ النَّعِيمِ المُقِيمِ.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)؛ أي: بكُلِّ اسمٍ للذَّاتِ الأَقْدَسِ، المُسَمَّى بهذا الاسمِ الأَنْفَسِ، المَوْصُوفِ بكَمَالِ الإِنْعَامِ وما دُونَه، أو بإِرَادَةِ ذلك أُؤَلِّفُ مُسْتَعِيناً أو مُلابِساً على وَجْهِ التَّبَرُّكِ، وفي إِيثَارِ هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ المُفِيدَيْنِ للمُبَالَغَةِ في الرَّحْمَةِ إِشَارَةٌ لسَبْقِهَا مِن حَيْثُ مُلاصَقَتُها لاسمِ الذَّاتِ، وغَلَبَتُهَا مِن حيثُ تَكْرَارُها على أَضْدَادِهَا وعَدَمُ انقِطَاعِهَا.وقَدَّمَ الرَّحْمَنَ؛ لأنَّهُ عَلَمٌ في قَوْلٍ، أو كالعَلَمِ مِن حيثُ إِنَّهُ لا يُوصَفُ به غَيْرُه تَعَالَى؛ لأنَّ مَعْنَاهُ المُنْعِمُ الحَقِيقِيُّ البَالِغُ في الرَّحْمَةِ غَايَتَهَا، وذلك لا يَصْدُقُ على غَيْرِه. وابتَدَأَ بها تَأَسِّياً بالكِتَابِ العزِيزِ، وعَمَلاً بحديثِ ((كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ))؛ أي: نَاقِصُ البَرَكَةِ. وفي رِوَايَةٍ ((بِالحَمْدِ للَّهِ))؛ فلذلك جَمَعَ بَيْنَهُمَا فقَالَ:
(الحَمْدُ للَّهِ)؛ أي: جِنْسُ الوَصْفِ بِالجَمِيلِ، أو كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُ مَمْلُوكٌ أو مُسْتَحَقٌّ للمَعْبُودِ بالحَقِّ، المُتَّصِفِ بكُلِّ كَمَالٍ على الكَمَالِ.
والحَمْدُ: الثَّنَاءُ بالصِّفَاتِ الجَمِيلَةِ والأَفْعَالِ الحَسَنَةِ، سَوَاءٌ كَانَ في مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ أم لا.
وفي الاصطِلاحِ: فِعْلٌ يُنْبِئُ عَن تَعْظِيمِ المُنْعِمِ بسَبَبِ كَوْنِه مُنْعِماً على الحَامِدِ أو غَيْرِه.
والشُّكْرُ لُغَةً: هو الحَمْدُ.
واصطِلاحاً: صَرْفُ العَبْدِ جَمِيعَ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ به علَيْهِ لِمَا خُلِقَ لأَجْلِه .قالَ تعالَى: {وَقَلِيلٌ مِن عِبَادِيَ الشَّكُورُ}وآثرَ لَفْظَ الجَلالَةِ دُونَ بَاقِي الأَسْمَاءِ كالرَّحْمَنِ والخَالِقِ إِشَارَةً إلى أنَّهُ كمَا يُحْمَدُ لصِفَاتِه يُحْمَدُ لذَاتِه، ولئَّلا يُتَوَهَّمَ اختِصَاصُ استِحْقَاقِهِ الحَمْدَ بذلك الوَصْفِ دُونَ غَيْرِه.
(حَمْداً) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُبَيِّنٌ لنَوْعِ الحَمْدِ لوَصْفِه بقَوْلِه: (لاَ يَنْفَدُ) بالدَّالِ المُهْمَلَةِ وفَتْحِ الفَاءِ مَاضِي نَفِدَ بكَسْرِهَا؛ أي: لا يَفْرَغُ.
(أَفْضَلَ مَا يَنْبَغِي)؛ أي: يُطْلَبُ.
(أَنْ يُحْمَدَ)؛ أي: يُثْنَى عَلَيْهِ ويُوصَفُ، وأَفْضَلَ مَنْصُوبٌ على أنَّهُ بَدَلٌ مِن حَمْداً أو صِفَتُه أو حَالٌ مِنْهُ، وما: مَوصُولٌ اسمِيٌّ أو نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ؛ أي: أَفْضَلُ الحَمْدِ الذي يَنْبَغِي، أو أَفْضَلُ حَمْدٍ يَنْبَغِي حَمْدُه بهِ.
(وصَلَّى اللَّهُ) قالَ الأَزْهَرِيُّ: مَعْنَى الصَّلاةِ مِن اللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَةُ، ومِن المَلائِكَةِ الاستِغْفَارُ، ومِن الآدَمِيِّينَ التَّضَرُّعُ والدُّعَاءُ.
(وسَلَّمَ) مِن السَّلامِ بمَعْنَى التَّحِيَّةِ، أو السَّلامَةِ مِن النَّقَائِصِ والرَّذَائِلِ، أو الأمَانِ. والصَّلاةُ عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُسْتَحَبَّةٌ تَتَأَكَّدُ يَوْمَ الجُمُعَةِ ولَيْلَتِهَا، وكذا كُلَّمَا ذُكِرَ اسمُه، وقِيلَ بوُجُوبِهَا؛ إذْ قَالَ اللَّهُ تعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}ورُوِيَ: ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ فِي كِتَابٍ لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَا دَامَ اسْمِي فِي ذَلِكَ الكِتَابِ)).
وأتَى بالحَمْدِ بالجُمْلَةِ الاسمِيَّةِ الدَّالَّةِ على الثُّبُوتِ والدَّوَامِ لثُبُوتِ مَالِكِيَّةِ الحَمْدِ أو استِحْقَاقِه لهُ أَزَلاً وأَبَداً، وبالصَّلاةِ بِالفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ على التَّجَدُّدِ؛ أي: الحُدُوثِ لحُدُوثِ المَسْؤُولِ وهو الصَّلاةُ؛ أي: الرَّحْمَةُ مِنَ اللَّهِ.
(عَلَى أَفْضَلِ المُصْطَفَيْنَ مُحَمَّدٍ) بلا شَكٍّ؛ لقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ))، وخُصَّ ببَعْثِهِ إلى النَّاسِ كَافَّةً وبالشَّفَاعَةِ، والأنبِيَاءِ تَحْتَ لِوَائِهِ.
والمُصْطَفَوْنَ: جَمْعُ مُصْطَفَى وهو المُخْتَارُ مِن الصَّفْوَةِ، طَاؤُه مُنْقَلِبَةٌ عَن تَاءٍ، ومُحَمَّدٌ مِن أَسْمَائِهِ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ، سُمِّيَ به لكَثْرَةِ خِصَالِه الحَمِيدَةِ، سُمِّيَ بهِ قَبْلَهُ سَبْعَةَ عَشَرَ شَخْصاً على ما قالَهُ ابنُ الهَائِمِ عَن بَعْضِ الحُفَّاظِ بخِلافِ أَحْمَدَ؛ فإنَّهُ لم يُسَمَّ به قَبْلَهُ.
(وعَلَى آلِهِ)؛ أي: أَتْبَاعِه على دِينِه، نَصَّ عليهِ أَحْمَدُ وعلَيْهِ أَكْثَرُ الأَصْحَابِ، ذكرَهُ في (شَرْحِ التَّحْرِيرِ)، وقدَّمَهُم بالأمْرِ بالصَّلاةِ علَيْهِم، وإِضَافَتُه إلى الضَّمِيرِ جَائِزَةٌ عندَ الأكثَرِ،وعَمَلُ أَكْثَرِ المُصنِّفِينَ عليه، ومَنَعَهُ جَمْعٌ، مِنْهُم الكِسَائِيُّ والنَّحَّاسُ والزُّبَيْدِيُّ.
(وأَصْحَابِهِ) جَمْعُ صَحْبٍ جَمْعُ صَاحِبٍ بمَعْنَى الصَّحَابِيِّ
وهو: مَن اجتَمَعَ بالنَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ مُؤْمِناً ومَاتَ على ذلك، وعطَفَهُم على الآلِ مِن عَطْفِ الخَاصِّ على العَامِّ، وفي الجَمْعِ بينَ الصَّحْبِ والآلِ مُخَالَفَةٌ للمُبْتَدِعَةِ؛ لأنَّهُم يُوَالُونَ الآلَ دُونَ الصَّحْبِ.
(وَمَنْ تَعَبَّدَ)؛ أي: عَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى، والعِبَادَةُ ما أُمِرَ بهِ شَرْعاً مِن غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ ولا اقتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ.
(أَمَّا بَعْدُ)؛ أي: بَعْدَ ما ذُكِرَ مِن حَمْدِ اللَّهِ والصَّلاةِ والسَّلامِ على رَسُولِه، وهذه الكَلِمَةُ يُؤْتَى بها للانتِقَالِ مِن أُسْلُوبٍ إلى غَيْرِه، ويُسْتَحَبُّ الإتيانُ بها في الخُطَبِ والمُكَاتَبَاتِ اقتِدَاءً به صلَّى اللَّهُ علَيْهِ وسلَّمَ، فإنَّهُ كانَ يَأْتِي بها في خُطَبِه وشِبْهِهَا، حتَّى رَوَاهُ الحَافِظُ عَبْدُ القَاهِرِ الرَّهَاوِيُّ في (الأَرْبَعِينَ) التي لهُ عَن أَرْبَعِينَ صَحَابِيًّا، ذكرَهُ ابنُ قُنْدُس في حَوَاشِي المُحَرَّرِ، وقِيلَ: إنَّهَا فَصْلُ الخِطَابِ المُشَارُ إليه في الآيَةِ. والصَّحِيحُ أنَّهُ الفَصْلُ بينَ الحَقِّ والبَاطِلِ، والمَعْرُوفُ بِنَاءُ (بَعْدُ) علَى الضَّمِّ، وأجازَ بَعْضُهُم تَنْوِينَهَا مَرْفُوعَةً ومَنْصُوبَةً والفَتْحَ بلا تَنْوِينٍ على تَقْدِيرِ المُضَافِ إليهِ.
(فَهَذَا) إِشَارَةٌ إلى ما تَصَوَّرَهُ في الذِّهْنِ، وأقَامَهُ مَقَامَ المَكْتُوبِ المَقْرُوءِ المَوْجُودِ بالعِيَانِ.
(مُخْتَصَرٌ)، أي: مُوجَزٌ وهو ما قَلَّ لَفْظُه وكَثُرَ مَعْنَاهُ. قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (خَيْرُ الكَلامِ مَا قَلَّ ودَلَّ ولَمْ يَطُلْ فَيُمَلُّ)
(فِي الفِقْهِ) وهو لُغَةً: الفَهْمُ.
واصطِلاحاً: مَعْرِفَةُ الأحكامِ الشَّرْعِيَّةِ الفَرْعِيَّةِ بالاستِدْلالِ بالفِعْلِ أو بالقُوَّةِ القَرِيبَةِ. (مِن مُقْنِعِ)؛ أي: مِن الكِتَابِ المُسَمَّى بالمُقْنِعِ، تَأْلِيفُ (الإمامِ) المُقْتَدَى بهِ شَيْخِ المَذْهَبِ (المُوَفَّقِ أَبِي مُحَمَّدٍ) عَبْدِ اللَّهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ قُدَامَةَ المَقْدِسِيِّ، تَغَمَّدَه اللَّهُ برَحْمَتِه وأعادَ علينا مِن بَرَكَتِه.
(عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ) وكذلك صَنَعْتُ في شَرْحِه، فلم أَتَعَرَّضْ للخِلافِ طَلَباً للاختِصَارِ.
(وهُو)؛ أي: ذلك القَوْلُ الوَاحِدُ الذي يَذْكُرُه ويَحْذِفُ ما سِوَاهُ مِن الأقوَالِ إنْ كانَت، هو القَوْلُ (الرَّاجِحُ)؛ أي: المُعْتَمَدُ (في مَذْهَبِ) إِمَامِ الأَئِمَّةِ ونَاصِرِ السُّنَّةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (أَحْمَدَ) بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ، نِسْبَةً لجَدِّهِ شَيْبَانَ بنِ ذُهَلِ بنِ ثَعْلَبَةَ.
والمَذْهَبُ في الأَصْلِ؛ أي: في اللُغَّةِ: الذَّهَابُ أو زَمَانُهُ أو مَكَانُهُ، ثُمَّ أُطْلِقَ على ما قَالَهُ المُجْتَهِدُ بدَلِيلٍ وماتَ قَائِلاً بهِ، وكذا ما أُجْرِيَ مَجْرَى قَوْلِه مِن فِعْلٍ أو إِيماءٍ أو نَحْوِه.
(ورُبَّمَا حَذَفْتُ مِنْهُ مَسَائِلَ) جَمْعُ مَسْأَلَةٍ مِن السُّؤُالِ، وهي: مَا يُبَرْهَنُ عَنْهُ في العِلْمِ. (نَادِرَةَ)؛ أي: قَلِيلَةَ (الوُقُوعِ) لعَدَمِ شِدَّةِ الحَاجَةِ إليها.
(وزِدْتُ) على ما قالَ في (المُقْنِعِ) مِن الفَوَائِدِ (مَا علَى مِثْلِهِ يُعْتَمَدُ)؛ أي: يُعَوَّلُ عليه لمُوَافَقَتِهِ الصَّحِيحَ.
(إِذِ الهِمَمُ قَد قَصُرَت) تَعْلِيلٌ لاختِصَارِهِ(المُقْنِعَ)، والهِمَمُ جَمْعُ هِمَّةٍ بفَتْحِ الهَاءِ وكَسْرِهَا، يُقَالُ: هَمَمْتُ بالشَّيْءِ إذا أَرَدْتَه.
(والأَسْبَابُ) جَمْعُ سَبَبٍ وهو: ما يُتَوَصَّلُ به إلى المَقْصُودِ.
(المُثَبِّطَةُ)؛ أي: الشَّاغِلَةُ. (عَن نَيْلِ)؛ أي: إِدْرَاكِ (المُرَادِ)؛ أي: المَقْصُودِ.
(قَدْ كَثُرَتْ) لسَبْقِ القَضَاءِ بأنَّهُ ((لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلاَّ وَمَا بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ)).
(وَ) هذَا المُخْتَصَرُ (مَعَ صِغَرِ حَجْمِه حَوَى)؛ أي: جَمَعَ (مَا يُغْنِي عَن التَّطْوِيلِ) لاشتِمَالِهِ على جُلِّ المُهِمَّاتِ التي يَكْثُرُ وُقُوعُهَا ولو بمَفْهُومِه .
(وَلا حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ باللَّهِ)؛ أي: لا تَحَوُّلَ مِن حَالٍ إلى حالٍ ولا قُدْرَةَ على ذلك إلا باللَّهِ، وقيلَ: لا حَوْلَ عَن مَعْصِيَةِ اللَّهِ إلا بمَعُونَةِ اللَّهِ ولا قُوَّةَ على طَاعَةِ اللَّهِ إلاَّ بتَوْفِيقِ اللَّهِ.
والمَعْنَى الأوَّلُ أَجْمَعُ وأَشْمَلُ.
(وهو حَسْبُنَا)؛ أي: كَافِينَا.
(وَنِعْمَ الوَكِيلُ) جَلَّ جَلالُهُ؛ أي: المُفَوَّضُ إليه تَدْبِيرُ خَلْقِه، والقَائِمُ بمَصَالِحِهِم، أو الحَافِظُ، ونِعْمَ الوَكِيلُ إمَّا مَعْطُوفٌ علَى (وهو حَسْبُنَا) والمَخْصُوصُ مَحْذُوفٌ، أو على (حَسْبُنَا) والمَخْصُوصُ هو الضَّمِيرُ المُتَقَدِّمُ.


  #4  
قديم 25 ذو القعدة 1429هـ/23-11-2008م, 03:57 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

بسم الله الرحمن الرحيم[1]
الحمد لله الذي شرح صدر من أراد هدايته للإسلام[2] وفقَّه في الدين من أراد به خيرا [3]، وفهمه فيما أحكمه من الأحكام [4].أحمده أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس[5]وخلع علينا خلعة الإسلام خير لباس[6] وشرع لنا من الدين ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وأوحاه إلى محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام[7]، وأشكره وشكر المنعم واجب على الأنام[8] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجلال والإكرام[9] وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله[10]. وحبيبه وخليله المبعوث لبيان الحلال
والحرام
[11]صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعيهم الكرام[12] أما بعد فهذا شرح لطيف على مختصر
المقنع[13]، للشيخ الإمام العلامة[14]والعمدة القدوة الفهامة[15] وهو شرف الدين أبو النجا[16]موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى المقدسي الحجاوي ثم الصالحي الدمشقي[17]تغمده الله برحمته[18]وأباحه بحبوحة جنته[19]. يبين حقائقه[20] ويوضح معانيه ودقائقه[21]مع ضم قيود يتعين التنبيه عليها[22] وفوائد يحتاج إليها[23] مع العجز وعدم الأهلية لسلوك تلك المسالك[24]لكن ضرورة كونه لم يشرح اقتضت ذلك[25]. والله المسئول بفضله أن ينفع به كما نفع بأصله[26] وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم[27] وزلفى لديه في جنات النعيم المقيم[28].

«بسم الله الرحمن الرحيم»[29] أي بكل اسم للذات الأقدس[30]. المسمى بهذا الاسم الأنفس[31] الموصوف بكمال الإنعام وما دونه، أو بإرادة ذلك[32]أؤلف مستعينا أو ملابسا على وجه التبرك[33]. وفي إيثار هذين الوصفين المفيدين للمبالغة في الرحمة إشارة لسبقها وغلبتها، من حيث ملاصقتها لاسم الذات، وغلبتهامن حيث تكرارها على أضدادها، وعدم انقطاعها[34]، وقدم الرحمن لأنه علم في قول أو كالعلم، من حيث إنه لا يوصف به غيره تعالى،[35]لأن معناه المنعم الحقيقي[36]، البالغ في الرحمة غايتها، وذلك لا يصدق على غيره[37].
وابتدأ بها تأسيا بالكتاب العزيز
[38]،
وعملا بحديث «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر» أي: ناقص البركة[39]، وفي رواية «بالحمد لله»[40].
فلذلك جمع بينهما فقال الحمد لله[41] أي جنس الوصف بالجميل، أو كل فرد منه[42] مملوك أو مستحق للمعبود بالحق[43]، المتصف بكل كمال على الكمال[44].والحمد والثناء بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة، سواء كان في مقابلة نعمة أم لا[45]. وفي الاصطلاح فعل ينبنئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد أو غيره[46].
والشكر لغة: هو الحمد اصطلاحا
[47]، واصطلاحا: صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه لما خلق لأجله[48]،
قال الله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}[49]، وأثر لفظه الجلالة دون باقي الأسماء كالرحمن والخالق، إشارة إلى أنه كما يحمد لصفاته، يحمد لذاته[50] ولئلا يتوهم اختصاص استحقاقه الحمد بذلك الوصف دون غيره[51].
(حمدا) مفعول مطلق، مبين لنوع الحمد[52]لوصفه، بقوله (لا ينفد) بالدال المهملة وفتح الفاء ماضيه نفد بكسرها، أي لا يفرغ[53]
(أفضل ما ينبغي) أي يطلب (أن يحمد) أي يثنى عليه ويوصف[54] وأفضل منصوب على أنه بدل من حمدا، أو صفته أو حال منه[55] وما موصول اسمي، أو نكرة موصوفة، أي أفضل الحمد الذي ينبغي، أو أفضل حمد ينبغي حمده به[56].
و(صلى الله) قال الأزهري: معنى الصلاة من الله تعالى الرحمة[57] ومن الملائكة الاستغفار[58] ومن الآدميين التضرع والدعاء[59].
و(سلم): من السلام بمعنى التحية[60]، أو السلامة من النقائص والرذائل، أو الأمان[61]، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مستحبة[62]، تتأكد يوم الجمعة وليلتها[63]، وكذا كلما ذكر اسمه[64] وقيل بوجوبها إذًا[65]، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[66]، وروي ((من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب))[67]. وأتى بالحمد بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والدوام، لثبوت مالكية الحمد واستحقاقه له أزلا وأبدا[68]، وبالصلاة بالفعلية الدالة على التجدد أي الحدوث، لحدث المسئول وهو الصلاة أي الرحمة من الله[69] (على أفضل المصطفين محمد) بلا شك[70]؛ لقوله صلى الله عليه وسلم «أنا سيد ولد آدم ولا فخر»[71] ، وخص ببعثه إلى الناس كافة [72]، وبالشفاعة[73]، والأنبياء تحت لوائه[74]، والمصطفون جمع مصطفى وهو المختار، من الصفوة[75]، وطاؤه منقلبة عن تاء[76].
و"محمد" من أسمائه صلى الله عليه وسلم سمي به لكثرة خصاله الحميدة[77]، سمي به قبله سبعة عشر شخصا على ما قاله ابن الهائم عن بعض الحفاظ[78]. بخلاف أحمد فإنه لم يسم به قبله[79].
(وعلى آله) أي أتباعه على دينه. نص عليه أحمد
[80] وعليه أكثر الأصحاب[81]
. ذكره في شرح التحرير[82] وقدمهم للأمر بالصلاة عليهم[83]. وإضافته إلى الضمير جائزة عند الأكثر، وعمل أكثر المصنفين عليه، ومنعه جمع منهم الكسائي والنحاس والزبيدي[84].
و(أصحابه): جمع صاحب بمعنى الصحابي[85]، وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا ومات على ذلك[86].وعطفهم على الآل من عطف الخاص على العام[87]، وفي الجمع بين الصحب والآل مخالفة للمبتدعة لأنهم يوالون الآل دون الصحب[88]
(ومن تعبد )أي عبد الله تعالى[89] والعبادة ما أمر به شرعا[90] من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي[91].
(أما بعد) أي بعد ما ذكر من حمد الله والصلاة والسلام على رسوله[92]، وهذه الكلمة يؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى غيره[93]. ويستحب الإتيان بها في الخطب والمكاتبات، اقتداء به صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يأتي بها في خطبة وشبهها[94]، حتى رواه الحافظ عبد القاهر الرهاوي في الأربعين التي له عن أربعين صحابيا[95]. ذكره ابن قندس في حواشي المحرر[96]. وقيل إنها فصل الخطاب المشار إليه في الآية[97]، والصحيح أنه الفصل بين الحق والباطل[98] والمعروف بناء بعد على الضم[99]. وأجاز بعضهم تنوينها مرفوعة ومنصوبة[100]، والفتح بلا تنوين على تقدير المضاف إليه[101]فهذا إشارة إلى ما تصوره في الذهن[102].وأقامه مقام المكتوب المقروء الموجود بالعيان[103].
(مختصر) أي موجز وهو ما قل لفظه وكثر معناه[104]، قال علي رضي الله عنه: خير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيمل[105].
(في الفقه)، وهو لغة: الفهم[106]. واصطلاحا: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية[107] بالاستدلال بالفعل[108] أو بالقوة القريبة[109].
(من مقنع) أي من الكتاب المسمى بالمقنع [110]، تأليف (الإمام) المقتدى به شيخ المذهب (الموفق أبي محمد) عبد الله بن أحمد بن محمد ابن قدامة[111] المقدسي[112] تغمده الله برحمته[113] وأعاد علينا من بركته[114].
(على قول واحد) وكذلك صنعت في شرحه، فلم أتعرض للخلاف طلبا للاختصار[115]. (وهو) أي ذلك القول الواحد الذي يذكره ويحذف ما سواه من الأقوال إن كانت هو القول (الراجح) أي المعتمد ([116]) (في مذهب) إمام الأئمة وناصر السنة[117].أبي عبد الله (أحمد) بن محمد بن حنبل[118]الشيباني نسبة لجده شيبان بن ذهل بن ثعلبة[119] ، والمذهب في الأصل الذهاب أو زمانه أو مكانه[120] ثم أطلق على ما قاله المجتهد بدليل ومات قائلا به[121] وكذا ما أجري مجرى قوله من فعل أو إيماء ونحوه[122].
(وربما حذفت منه مسائل) جمع مسألة من السؤال وهي ما يبرهن عنه في العلم[123]، (نادرة) أي قليلة (الوقوع) لعدم شدة الحاجة إليها[124].
(وزدت) على ما في المقنع من الفوائد (ما على مثله يعتمد) أي يعول لموافقته الصحيح[125](إذ الهمم قد قصرت)[126] تعليل لاختصاره المقنع[127].والهمم جمع همة بفتح الهاء وكسرها، يقال هممت بالشيء إذا أردته[128] (والأسباب) جمع سبب وهو ما يتوصل به إلى المقصود[129]
(المثبطة) أي الشاغلة[130] (عن نيل) أي إدراك (المراد) أي المقصود (قد كثرت) لسبق القضاء بأنه : «لا يأتي عليكم زمان إلا وما بعده شر منه حتى تلقوا ربكم»[131] (و) هذا المختصر (مع صغر حجمه حوى) أي: جمع (ما يغني عن التطويل)[132]؛ لاشتماله على جل المهمات التي يكثر وقوعها ولو بمفهومه[133].

(ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول من حال إلى حال، ولا قوة على ذلك إلا بالله[134]، وقيل: لا حول عن معصية الله إلا بمعونة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله[135]، والمعنى الأول أجمع وأشمل[136].
(وهو حسبنا) أي كافينا[137] (ونعم الوكيل) جل جلاله أي المفوض إليه تدبير خلقه[138]، والقائم بمصالحهم أو الحافظ[139]ونعم الوكيل إما معطوف على: وهو حسبنا، والمخصوص محذوف، أو على: حسبنا: والمخصوص هو الضمير المتقدم[140].



[1] لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام، وكان صلى الله عليه وسلم يكتب «باسمك اللهم» حتى نزلت عليه {إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قال الحافظ: وقد استقر عمل الأئمة المصنفين على افتتاح كتب العلم بالتسمية، وكذا معظم كتب الرسائل، وقدمت هنا على التعوذ دون القرآن لأن التعوذ هناك للقراءة، والبسملة من القرآن فقدم التعوذ عليها وابتدئ بها هنا للتبرك.
[2] الحمد: هو الثناء بالقول على المحمود، قال شيخ الإسلام: الحمد ذكر محاسن المحمود مع حبه وإجلاله وتعظيمه، وشرح أي وسع قلب من أراد هدايته وتوفيقه وإرشاده لاتباع الرسل، وفي الحديث قالوا: يا رسول الله كيف يشرح صدره؟ قال: «نور يقذفه فيه فينشرح له وينفسح»، والإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله، وفيه اقتباس، وهو أن يضمن المتكلم كلامه بشيء من القرآن أو الحديث، لا على أنه منه، ولا يضر فيه التغيير، لا لفظا ولا معنى، وشرح فيه أيضا إشارة إلى أن هذا الكتاب شرح: ومثل هذا يسمى براعة الاستهلال وهو من المحسنات البديعة، وكذا قوله: فقه: و: من الأحكام، وبيان الحلال والحرام.
[3] أي علم وأرشد من أراد به خيرا، والخير كلمة جامعة لجميع ما يحبه الله ويرضاه من الطاعات، ضد الشر، يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيرا يفقه في الدين»، والدين الإسلام، والعبادة والطاعة، والذل، والتوحيد، واسم لجميع ما يتعبد به.
[4] أي علمه وعرفه، فيما أحكمه أبرمه وأتقنه، من الأحكام جمع حكم، وهو مدلول خطاب الشرع المتعلق بأفعال المكلفين، وينقسم إلى خمسة أقسام: واجب، وحرام ومستحب ومباح، ومكروه.
[5] أي أصفه بالجميل على أن جعلنا من أمة هي خير الأمم، وأنفع الناس للناس، وفيه إشارة إلى قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)وكرر الحمد إيذانا بتكرره، حيث أعاده بالجملة الفعلية واتباعا لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الحمد لله نحمده ونستعينه».
[6] أي جعل علينا خلعة الإسلام، وكذا الإيمان، لا ستلزام كل واحد منهما الآخر عند الانفراد خير لباس وأجمله، لمن أخذ به، وخلعة بكسر الخاء ما يخلع على الإنسان، وخير بالنصب صفة لخلعة ولم يؤنثه لأنه اسم تفضيل مضاف لنكرة.
[7] أي وسن لنا طريقا واضحا من الدين الذي تطابقت على صحته الأنبياء، وهو ما أوحاه تعالى وأمر به، وعهده إلى هؤلاء الخمسة، وخصهم لأنهم أفضل الأنبياء، وأصحاب الشرائع المعظمة والأتباع الكثيرة، وأولو العزم من الرسل عليه، وعليهم أسنى الثناء وأزكى التحية، والشرع لغة البيان والإظهار، يقال شرع الله كذا، أي جعله طريقا ومذهبا، واصطلاحا تجويز الشيء أو تحريمه، والشريعة ما شرعه الله لعباده على ألسن رسله والشرائع ثلاث منزلة ناسخة أو منسوخة، فالناسخة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم والمنسوخة جميع الشرائع والثانية المبدلة وهي التي لم تشرع أصلا، والثالثة المؤولة وهي المستنبطة من النصوص وربما يصيب التأويل وربما يخطئ، فالمنزلة يجب العمل بها، والمبدلة يحرم العمل بها والمؤولة سائغ العمل بها.
[8] ثنى بالشكر، وهو مثل الحمد، إلا أن الحمد أعم منه، واجب أي لازم، يقال وجب وجوبا إذا ثبت ولزم، والواجب ما يثاب فاعله ويعاقب تاركه، وهو مرادف للفرض، والأنام الجن والإنس وقيل ما على وجه الأرض من جميع الخلق.
[9] معطوف على الجملة الاسمية، أي أقطع وأجزم أن لا معبود بحق إلا الله، وحده: حال من الاسم الشريف، تأكيد للإثبات، لا شريك له، تأكيد للنفي، قال الحافظ: تأكيد بعد تأكيد اهتمام بمقام التوحيد، ذو الجلال والإكرام، العظمة والكبرياء، فهو سبحانه الجليل الكامل في صفاته، الكريم الذي لا ينفد عطاؤه، له الجلال المطلق، والكمال المطلق، من جميع الوجوه، ولأبي داود من حديث أبي هريرة (كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء) وجاءت كلمة لا إله إلا الله في سبعة وثلاثين موضعا من القرآن.
[10] أي وأقطع أن سيدنا، أي أفضلنا، ويطلق على الشريف والرئيس والكريم، ومتحمل أذى قومه، ونبيًا أي أشرفنا، مأخوذ من النبوة وهي الارتفاع، لرفعته وشرفه على سائر الخلق، وآثر لفظ النبي لما فيه من الشرف والرفعة، ومحمد علم منقول من التحميد، مشتق من الحميد، والحميد اسم من أسماء الله تعالى، وإليه أشار حسان بقوله:
فذو العرش محمود وهذا محمد = وشق له من اسمه ليجله

ومحمد أشرف أسمائه صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم: اسم مفعول، من حمد فهو محمد، إذا كان كثير الخصال التي يحمد عليها من المضاعف للمبالغة فهو الذي يحمد أكثر مما يحمد غيره من البشر وعبده أشرف اسم فإنه لا أشرف ولا أتم للمؤمن من وصفه بالعبودية لله تعالى، وقدمه لأنه أحب الأسماء إليه، وأشرفها لديه تعالى، ولذا وصفه به في أشرف المقامات، ورسوله أي مرسله وسفيره بأداء شريعته، قال ابن الأنباري الرسول في اللغة الذي يتابع أخبار الذي بعثه.
[11] حبيبه بمعنى محبوبه، والله سبحانه يحب ويحب، وخليله أي صفيه والخلة فوق المحبة، وفي الصحيح «إن الله قد اتخذني خليلا، كما اتخذ إبراهيم خليلا» والمبعوث المرسل، أرسله الله إلى الثقلين لبيان أي: لتوضيح الحلال والحرام وهما ضدان والحلال شرعا: ما خلا عن مدح وذم لذاته، ويسمى مباحا وطلقا، والحرام ما ذم فاعله شرعا ولو قول وعمل قلب، ويسمى محظورا وممنوعا وغير ذلك.
[12] آله أتباعه على دينه على المشهور، أو أهل بيته وعليه الأكثر واختاره الشيخ وتلميذه وفي اللغة يرجع إلى الجميع، وأصحابه جمع صاحب بمعنى الصحابي، وهو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولو لحظة ومات مؤمنا به، ويأتي وتابعيهم أي السائرين على منهاجهم إلى يوم القيامة، الكرام أي الجامعين لأنواع الخير والشرف والفضائل، وذكر ابن عبد البر عن بعضهم أنه قال: يجب أي من جهة الصناعة، على كل شارع في تصنيف أربعة أمور البسملة والحمدلة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والتشهد، ويسن له ثلاثة أمور تسمية نفسه، وتسمية كتابه، والإتيان بما يدل على المقصود، وهو المعروف ببراعة الاستهلال.
[13] أي بعدما تقدم ولما كانت أما متضمنة لمعنى الشرط أتى بعدها بالفاء الجزائية فقال: فهذا إشارة إلى المرتب الحاضر في الذهن، سواء تقدمت الديباجة أو تأخرت، إذ لا حضور للألفاظ المرتبة ولا لمعانيها في الخارج، وبعد ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره، هو زمان متراخ عن السابق، واسم الإشارة وإن كان وضعه للأمور المبصرة الحاضرة في مرئي المخاطب، فقد يستعمل في الأمور المعقول لنكتة وهي الإشارة إلى إتقانه لهذه المعاني، حتى صار لكمال علمه بها كأنها مبصرة عنده، والشرح الكشف، تقول شرحت الغامض إذا فسرته، والمراد هنا ما يوضح المعاني ويكشفها، من شرحه شرحا كشفه وفسره وبينه، ولطيف فعيل من اللطافة، والمراد بها هنا صغر الحجم، وبديع الصناعة، والاختصار ضم بعض الشيء إلى بعض للإيجاز ويأتي.
[14] إطلاق الشيخ على العالم باعتبار الكبر في العلم والفضيلة، والإمام من يؤتم به أي يقتدى به من رئيس وغيره، والعلامة العالم جدا، والهاء للمبالغة.
[15] العمدة ما يعتمد عليه، والقدوة مثلثة من يستن به والأسوة، يقال فلان قدوة أي يقتدى به، والفهامة صيغة مبالغة، من فهم أي علم وعرف.
[16] الشرف المجد والعلو، ويجب تأخير اللقب مع الاسم، ويخير مع الكنية.
[17] مفتي الحنابلة بدمشق والصالحي نسبة إلى بلدة الصالحية بظاهر دمشق وله كتاب الإقناع، وحاشية التنقيح، وغيرهما، واشتهر بالحجاوي نسبة إلى حجة، قرية من قرى نابلس، توفي سنة تسعمائة وثمان وستين.
[18] أي غمده فيها وغمره بها، من غمد السيف وهو غلافه، وفي الحديث «إلا أن يتغمدني الله برحمته» قال أبو عبيد: يتغمدني يلبسني ويتغشاني ويغمرني بها.
[19] أي أسكنه وسطها، وفي الحديث «من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فعليه بالجماعة».
[20] أي يكشف هذا الشرح مسائل زاد المستقنع ويبينها وحقيقة الشيء منتهاه، وأصله المشتمل عليه وكماله الخاص.
[21] أي يبين ما يتضمنه اللفظ ويدل عليه ويبين دقائقه يعني غوامضه جمع دقيقة، والدقائق هي المسائل الغامضة، وصدق رحمه الله فلقد أوضحها غاية الإيضاح، واعتني بحل عباراته، وبيان إشاراته وإبراز فوائده وتقييد شوارده.
[22] أي مع جمع وإضافة قيود إليه، جمع قيد وهو ما جيء به لجمع أو منع أو بيان واقع، وهو ما يقيد المعنى المطلق، ويحصل بصفة أو غيرها، ويتعين من تعين عليه الشيء لزمه بعينه، والتنبيه الإيقاظ مصدر نبه، والمراد بيان الشيء قصدا، بعد سبقه ضمنا، على وجه لو توجه إليه السامع الفطن لعرفه، ولكن لكونه ضمنيا ربما يغفل عنه ونبهته على الشيء أوقفته عليه.
[23] أي ومع ضم فوائد جمع فائدة يفتقر إلى طلبها، والفائدة ما استفيد به علم أو مال، مما يكون الشيء به أحسن حالا منه بدونه.
[24] أي ومع الضعف وعدم القدرة والاستعداد، والصلاحية لدخل تلك المداخل، متعلق بيوضح، وهذا تواضع منه رحمه الله، وإلا فهو أهل لذلك، كما هو مشهور عنه وظاهر باستقراء مصنفاته.
[25] أي لكن الضرورة الداعية إلى كشف مسائله استدعت واستوجبت له شرحه، ولقد شرحه رحمه الله شرحًا وافيًا، وبين ما أشكل منه بيانا شافيا، ولم يكن يوجد له شرح قبل هذا، ويذكر أن الشيخ سليمان بن علي شرحه، فالتقى بمنصور في الحج فلما اطلع على شرحه اكتفى به.
[26] فضل الله صفة من صفاته تعالى كرحمته توسل إلى الله تعالى بفضله أن ينفع بهذا الشرح كما نفع بأصله زاد المستقنع في مختصر المقنع فإنه اشتهر أي اشتهار وعكف على الاستفادة منه المبتدي والمنتهي، وصار يحفظ عن ظهر قلب، وكذا الشرح اشتهر وعم نفعه، وهذا الدعاء من هذا العبد الصالح يرغبك فيه، ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن ينفع بهذه الحاشية عليهما إنه لا يضيع أجر المصلحين.
[27] أي صافيا من شائبة الرياء، لله تعالى وحده الكريم الذي لا أكرم منه، جلت عظمته وتقدست أسماؤه.
[28] أي مقربا لديه، وسببا موصلا للسكنى في جنات النعيم المقيم الدائم وسميت بالنعيم لما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والسرور، وقرة العيون نسأل الله من فضله النعيم المقيم.
[29] حذفت الألف لكثرة الاستعمال، وطولت الباء عوضا عنها، وقيل لما أسقطوا الألف ردوا طولها على الباء، ليكون دالا على سقوط الألف، وكان عمر بن عبد العزيز يقول لكتابه: طولوا الباء، وأظهروا السين وفرجوا بينهما ودوروا الميم، تعظيما لكتاب الله، وكذا أسقطوا ألف الجلالة، وألف الرحمن، بقاء على قاعدة المصحف، ولا بد من إثباتها في اللفظ، وبعض العامة يقول: لا والله فيحذف الألف، واسم الله يجل أن ينطق به إلا على أجمل الوجوه وأكملها، والاسم مشتق من السمو وهو العلو، فكأنه علا على معناه وظهر عليه، فصار معناه تحته.
[30] أي بكل اسم من أسماء الله، سمي به نفسه، أو أنزله في كتابه، أو علمه أحدا من خلقه، أو استأثر به في علم الغيب عنده، والأقدس الأطهر، وقدس يقدس قدسا طهر وتبارك، والقدس بالضم وبفتحتين الطهر اسم ومصدر وتقدس تنزه.
[31] وهو الله تعالى، والله أعرف المعارف، الجامع لمعاني الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ولذا يضاف لجميع الأسماء، فيقال الرحمن من أسماء الله، وكذا الباقي، ولا يضاف هو إلى شيء، وخصت الإضافة إليه لأنه يدل على غيره، فيكون ذكره ذكرا لباقي الأسماء، ولأنه لا يطلق على غيره، فالإضافة إليه أولى وهو مشتق، أي دال على صفة له تعالى، وهي الإلهية وأصله (الإله) حذفت همزته وأدغمت اللام في اللام فقيل الله، ومعناه ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، وأكثر العلماء على أنه اسم الله الأعظم، وقد ذكر في ألفين وثلاثمائة وستين موضعا من القرآن.
[32] يعني الإنعام، وله سبحانه الكمال المطلق من جميع الوجوه، والإنعام مصدر أنعم ونعمة الله ما أعطاه للعبد، مما لا يتمنى غيره، أن يعطيه إياه، وقال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا) وتأويله الرحمة بالإنعام، أو بإرادة الإنعام جرى على طريقة الأشعرية، والذي عليه أهل السنة والجماعة إثبات صفة الرحمة، مع القطع بأنها ليست كرحمة المخلوق ومن ثمرتها الإنعام، وإرادة الشيء قصده والعزيمة عليه.
[33] إشارة إلى أن الباء إما للاستعانة، أو الملابسة، ليكون التقدير بسم الله أؤلف حال كوني مستعينا بذكره، متبركا به، والتبرك التيمن والفوز بالبركة، وكذا يضمر فعل ما جعلت التسمية مبدأ له، فيضمر المسافر أسافر، والآكل آكل، ليفيد تلبس الفعل جميعه بالتسمية، ولحذف العامل فوائد: منها أنه مواطن لا ينبغي أن يتقدم فيه سوى ذكر اسم الله تعالى، ولأنه إذا حذف الفاعل صح الابتداء بالتسمية في كل قول وعمل، ولأن الحذف أبلغ فلا حاجة إلى النطق بالفعل، لدلالة الحال أن كل فعل إنما هو باسم الله، وإضافته للجلالة من إضافة العام للخاص، ليفيد أن الاستعانة والتبرك بذكر اسمه تعالى.
[34] ويحقق أن في إيثار لفظ الرحمن الرحيم إشارة لسبق الرحمة وغلبتها ما في الحديث القدسي، [سبقت رحمتي غضبي]، وفي الترمذي وغيره «إن الله لما خلق الخلق كتب بيده على نفسه إن رحمتي تغلب غضبي».
[35] ولأن زيادة البناء تدل على زيادة المعنى، وتقديم الكلم في اللسان، على حسب المعاني في الجنان، والمعاني تتقدم بأحد خمسة أشياء، إما بالزمان، وإما بالطبع وإما بالرتبة، وإما بالفضل، والكمال، أو بأكثرها، وربما ترتب بحسب الخفة والثقل، وكونه علما لوروده غير تابع لاسم قبله، في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقوله:
{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ}وصوب هذا القول ابن هشام، والتحقيق ما ذكره ابن القيم وغيره أنه لا منافاة بين العلمية والوصفية في جميع الأسماء الحسنى، فإنها دالة على صفات كماله، ونعوت جلاله، والرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، والرحمن أشد مبالغة من الرحيم، فالرحمن رحمة عامة لجميع الخلق، والرحيم رحمة خاصة بالمؤمنين، والرحمن دال على الصفة القائمة به، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، والرحمن عام المعنى خاص اللفظ، والرحيم عام اللفظ خاص المعنى.
[36] يعني: لأن ما عداه طالب عوض بلطفه وإنعامه، يريد به جزيل ثواب أو جميل ثناء، وتأويله أيضًا الرحمة بالنعمة مذهب الأشاعرة، أخذه عن غيره، ولم يتفطن له، ويقع كثيرا في كلام غيره، يذكرون عبارات لم يتفطنوا لمعناها ومذهب أهل السنة إثبات الصفات لله، الواردة في الكتاب والسنة، على ما يليق بجلال الله وعظمته، ومعناه اتصافه بما دل عليه اسمه حقيقة، ولا تكيف صفاته، ولا تشبه بصفات خلقه.
[37] أي: البلوغ في الرحمة غايتها منتهاها، أو فائدتها المقصودة، لا يصدق إلا على الله عز وجل، لا على غيره، والغاية مدى الشيء.
[38] أي: ابتدأ بالبسملة تأسيا بالقرآن الكريم، فإن الله ذكر فيه الحمد بعد البسملة في الفاتحة وغيرها.
[39] أي: وإن تم حسا، والحديث رواه الخطيب بهذا اللفظ، والرهاوي وابن ماجه بلفظ «أقطع» وحسنه ابن الصلاح وغيره، و«ذي بال» أي شرف وشأن وحال يهتم به شرعا.
[40] «فهو أجذم» وهذا تشبيه بليغ، وفي رواية بالحمد، رواه أبو داود، ولأحمد بذكر الله فهو أبتر أو أقطع، قال النووي: وهو حديث حسن حجة عند الأئمة، رواه أبو داود وابن ماجه والنسائي، وأبو عوانة في صحيحه المخرج على صحيح مسلم، وروى ابن مردويه وغيره عن جابر لما نزلت بسم الله الرحمن الرحيم، هرب الغيم إلى المشرق، وسكنت الرياح. وهاج البحر، وأصغت البهائم بآذانها، ورجمت الشياطين من السماء، وحلف الله بعزته وجلاله لا يسمى باسمه على شيء إلا بارك فيه، فتكتب أوائل الكتب، كما كتبها سليمان، ونبينا عليهما الصلاة والسلام، بل تذكر في ابتداء جميع الأفعال، وعند دخول المنزل، والخروج منه، ونحو ذلك للبركة،وهي تطرد الشيطان، وإنما تستحب إذا ابتدأ فعلا تبعا لغيرها، لا مستقلة فلم تجعل كالهيللة والحمدلة، ونحوهما ويأتي أنها تجب وتسن وتكره في أمور دون أمور.
[41] بدأ الماتن وكذا الشارح بالحمدلة بعد البسملة اقتداء بالقرآن العظيم وبالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في ابتدائه بالحمد في جميع خطبه، وعملا بجميع روايات الحديث المشهور السابق، ويستحب البداءة بالحمدلله، لكل مصنف ودارس ومدرس وخطيبت وخاطب ومزوج ومتزوج، وبين يدي سائر الأمور المهمة، والابتداء إما حقيقي وإما إضافي، والحقيقي حصل بالبسملة والإضافي بالحمدلة، وقدمت البسملة عملا بالكتاب والسنة والإجماع، وثني بالحمدلة عملا بما تقدم قريبا، فإن قيل: لكل من البسملة والحمدلة أمر ذو بال، فيحتاج إلى سبق مثله وتسلسل قيل: المراد الأمر الذي يقصد لذاته بحيث لا يكون وسيلة لغيره، وإن كلا من البسملة والحمدلة كما يحصل به البركة لغيره، ويمنع نقصه، كذلك يحصل به مثل ذلك لنفسه كالشاة من أربعين تزكي نفسها وغيرها.
[42] أي من الوصف بالجميل الاختياري على قصد التعظيم، وفيه إشارة إلى أن أل للجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد، وهو حقيقة الحمد وماهيته.
[43] ضد الباطل، والحق من أسمائه تعالى فهو الحق، وقوله الحق، جلت عظمته وتقدست أسماؤه.
[44] تعالى وتقدس، فله الكمال المطلق من جميع الوجوه، وجميع أنواع الثناء له لا لغيره تبارك وتعالى.
[45] يعني سواء كان الثناء بالصفات الجميلة، والأفعال الحسنة، في مقابلة نعمة أسداها المحمود على الحامد، أو لم يكن، يقال حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسنه وشجاعته، والثناء بما ليس للمرء فيه اختيار، كالجمال ونحوه يسمى مدحا لا حمدا.
[46] ينبئ أي يدل على تعظيم المنعم من حيث إنه منعم، واصلة تلك النعمة أو غير واصلة، وفيه إشارة إلى أن الحمد متعلقه الإنعام، كما تقدم وليس كذلك عند أهل التحقيق، بل يتعلق بجميع صفات الكمال، ونعوت الجلال.
[47] اللغة اللسان، وحده أصوات وحروف دالة على المعاني أو الكلام المصطلح عليه بين كل قبيلة من لغي بالشيء لهج به، ولغوت بكذا لفظت به وتكلمت والاصطلاح هو العرف الخاص، وهو عبارة عن اتفاق القوم على وضع الشيء ويقال إخراج الشيء عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر، لبيان المراد منه، لمناسبة بينهما أو مشاركة في أمر، أو مشابهة في وصف، أو غير ذلك.
[48] أي الشكر في الاصطلاح هو صرف العبد ما أنعم الله به عليه من السمع والبصر وغيرهما فيما خلقه الله له من توحيده وطاعته، وقالوا أيضا الشكر الثناء عليه بإنعامه، ومن اعترف بالنعمة وقام بالخدمة وأكثر من ذلك سمي شكورا. وقال الشاعر:
يدي ولساني والضمير المحجبا = أفادتاكم النعماء منِّي ثلاثة
[49] الصواب الاستدلال بأول الآية {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا} أي اعملوا بطاعة الله شكرا على نعمه، ومورد الحمد اللغوي هو اللسان وحده، ومتعلقه يعم النعمة وغيرها. ومورد العرفي. أي الاصطلاحي، يعم اللسان وغيره، ومتعلقه يكون النعمة وحدها، فاللغوي أعم باعتبار المتعلق، وأخص باعتبار المورد، والعرفي بالعكس، فبين الحمدين عموم وخصوص وجهي، وبين الحمد والشكر اللغويين عموم وخصوص من وجهين، فعموم الحمد أنه لمبدئ النعم على الحامد وغيره، وخصوصه أنه لا يكون إلا باللسان، وعموم الشكر أنه يكون بغير اللسان، وخصوصه أنه لا يكون إلا لمبدئ النعمة، فهو أعم من الحمد متعلقا، وأخص سببا والحمد أعم سببا وأخص متعلقا، فما يحمد الله عليه أعم مما يشكر عليه، فإنه يحمد على أسمائه وصفاته وأفعاله ونعمه، ويشكر على نعمه، وفي الحديث «الحمد رأس الشكر»، فما شكر الله عبد لا يحمده، وقال ابن عباس: الحمد كلمة الشكر، فالحمد والشكر متقاربان، ورجح بعض أهل العلم اتحاد الحمد والشكر، بدليل إيقاع جميع أهل المعرفة بلسان العرب كلا منهما مكان الآخر، ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفر.
[50] بما هو أهله من الجلال والإكرام، ولا شيء في العقول والفطر أحسن من الثناء عليه ولا أنفع للعبد منه.
[51] لاشتماله على جميع صفات الجلال والكمال، وعلى الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ولأن لفظ الجلالة لا يطلق على غيره تعالى، ولجمعه معاني الأسماء والصفات وغير ذلك .
[52] والمفعول المطلق هو الذي ليس بمفعول فيه، ولا لأجله ولا معه، فحمدا مفعول لعامل محذوف، من حمد يحمد حمدا، ومحمدة شكره، ومدحه، والفرق بين الحمد والمدح، أن الحمد يتضمن الثناء مع العلم بما يثنى به، فإن تجرد عن العلم كان مدحا وكل حمد مدح دون العكس.
[53] ولا يفنى ولا ينقطع فله الحمد في الأولى والآخرة.
[54] لما يقتضيه جل وعلا من عموم قدرته وعلمه، وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وأسمائه وصفاته.
[55] وأفضل اسم تفضيل ينبئ بزيادة الفضل، والبدل العوض، وعند النحويين هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، وصفة الشيء نعته وتوضيحه، والحال الوقت، واصطلاحا ما بين هيئة الفاعل أو المفعول.
[56] فهو المستحق لذلك لما له من الأسماء الحسنى، والصفات العليا، وما اقتضت أفعاله من الحكم الباهرة، ولما له من النعم الباطنة والظاهرة، وقد شهد له جميع المخلوقات بالحمد، بل الحمد كله له، ملكا واستحقاقا، وله الثناء والمجد.
[57] وكذا عند كثير من المتأخرين، وقال ابن القيم وغيره: قد غاير تعالى بينهما فقال: {عليهم صلوات من ربهم ورحمة}، وسؤال الرحمة مشروع لكل مسلم والصلاة مختصة والرحمة عامة، وصوب هو وغيره ما حكاه البخاري في صحيحه عن أبي العالية، الصلاة من الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، وقالوا أيضا ثناؤه عليه وتشريفه وزيادة تكريمه، ورفع ذكره ومنزلته صلى الله عليه وسلم، والأزهري هو محمد بن أحمد أبو منصور، الهروي أحد الأئمة في اللغة والأدب، وغيرهما ولد بهراة بخراسان واشتهر بالفقه، ثم غلب عليه التبحر في العربية، فرحل في طلبها، وقصد القبائل وصنف كتبا منها التهذيب في اللغة وغريب الألفاظ عشر مجلدات وتوفي سنة ثلاثمائة وسبعين.
[58] وقال ابن القيم رحمه الله: صلاة الملائكة عليه هي ثناؤهم عليه، وكذا الآدميون، وسؤالهم من الله أن يثني عليه، ويزيده تشريفا وتكريما.
[59] أن يعلي الله ذكره، ويزيده تعظيما وتشريفا، وأخبر الله أنه يثني عليه في الملأ الأعلى وملائكته، وأمرنا بسؤال الله أن يفعل به ذلك ليجتمع الثناء عليه من العالم العلوي والسفلي، وقال ابن القيم أيضًا: الصلاة بمعنى الدعاء مشكل، من وجوه: أحدها أن الدعاء يكون بالخير والشر، والصلاة لا تكون إلا بالخير، (الثاني) أن دعوت يتعدى باللام، وصليت لا يتعدى إلا بعلى، ودعا المعداة بعلي ليست بمعنى صلى، وهذا يدل على أن الصلاة ليست بمعنى الدعاء (الثالث) أن الدعاء يقتضي مدعوا ومدعوا له، تقول دعوت الله لك بالخير، وفعل الصلاة لا يقتضي ذلك، لا تقول صليت الله لك، ولا عليك، فدل على أنه ليس بمعناه.
[60] واسم مصدر من: سلم ومصدره تسليم، مشتق من السلام اسم من أسماء الله تعالى.
[61] من النقائص أي التعري من الآفات الظاهرة والباطنة، ومن الرذائل والرذل من كل شيء الرديء منه، أو السلامة الأمان ضد الخوف، دعاء له وطلب السلامة له، أو اسم الله عليه، إذا كان اسم الله يذكر على الأعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه، وانتفاء عوارض الفساد عنه، والسلام اسم من أسماء الله تعالى لسلامته من كل عيب ونقص، ومنه الجنة دار السلام لسلامتها من الآفات.
[62] في كل حال، واجبة في الجملة وركن في التشهد الأخير، وخطبتي الجمعة كما يأتي، وتواتر الأمر بها، وفي كيفيتها وفضلها، وفي الصحيح «من صلَّى علىَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا»، اللهم صل وسلم على محمد.
[63] لقوله صلى الله عليه وسلم «أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة»، رواه ابن ماجه، ولأبي داود فيه «فأكثروا علي من الصلاة فيه»، ولقوله: «أكثروا الصلاة علي ليلة الجمعة ويوم الجمعة» رواه البيهقي بإسناد جيد.
[64] أي وكذا الصلاة عليه تتأكد كلما ذكر اسمه لقوله صلى الله عليه وسلم :«رغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي»، رواه الترمذي.
[65] أي وقت ذكر اسمه، قاله الطحاوي وجماعة من الحنفية، والحليمي وجماعة من الشافعية وحكي عن اللخمي من المالكية، وابن بطة، والبلباني، وذكر أنه أقوى لقوله تعالى: {صَلُّوا عَلَيْهِ} والأمر يقتضي الوجوب، قال الشيخ: ويحتمل وهو الأشبه أنه تجب الصلاة عليه في الدعاء، ولا تجب مفردة، لقول عمر وعلي: الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم، وتقدم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على الدعاء لوجوب تقديمه على النفس.
[66] «أي قولوا اللهم صلِّ وسلم على محمد» وأكد التسليم بالمصدر تنبيها على تأكده، قال بعض المفسرين أخبر سبحانه إنه وملائكته يثنون عليه فصلوا أنتم عليه، فأنتم أحق بأن تصلوا عليه، وتسلموا تسليما، لما نالكم ببركة رسالته.
[67] رواه الطبراني وغيره بسند ضعيف، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات وروي من كلام جعفر بن محمد موقوفا عليه، قال المنذري وهو أشبه، وروي تستعمل في الضعيف كما هو الصواب هنا، واستعمالها في الصحيح والحسن حيد عن الصواب، كاستعمال كثيرين: قال وفعل وأمر ونهى وروى عنه فلان وذكر وأخبر، وهو ضعيف فإنه لا ينبغي أن يطلق نحو هذا إلا فيما صح، وإلا كان في معنى الكاذب عليه صلى الله عليه وسلم، واستغفار الملائكة هو أن تقول «اللهم اغفر له» وفي لفظ تصلي عليه، يعني على من كتب اسمه صلى الله عليه وسلم فيه. مقرونا بالصلاة عليه، كما في بعض الطرق، وصرح به ابن وضاح، وقد استدل به على وضع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الخطب والمراسلات، وأول من فعله أبو بكر رضي الله عنه، وكتاب بمعنى مكتوب، وقد غلب الكتاب في العرف العام على جميع الكلمات المفردة بالتدوين، ولما كانت الكمالات الدينية والدنيوية، بل جميع ما فيه صلاح المعاش والمعاد فائض من الجناب الأقدس جل وعلا علينا بواسطة هذا النبي الكريم، الذي هو عين جميع هذه المخلوقات وأشرفها، أتبع المصنف الحمد بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم أداء لبعض ما يجب له صلوات الله وسلامه عليه، وعملا بقوله تعالى: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} قال مجاهد وغيره: لا أذكر إلا ذكرت معي، وامتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم : «كل كلام لا يذكر الله فيه فيبدأ به وبالصلاة علي فهو أقطع ممحوق من كل بركة»، أخرجه الديلمي وابن المديني والرهاوي وابن مندة بلفظ فهو أقطع أكتع، وضعفه البخاري ولما تقدم، وغير ذلك مما ورد من الأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إنما هي على الوجه الذي أمر به من التعظيم لحقه، والرغبة في الثواب عند ذكره، أو ذكر شيء من أمره، ويروى «لا يصلى على إلا في موضع احتساب أو رجاء ثواب»، فتكره في الأماكن القذرة، وأماكن النجاسة، وعند الذبح، وعند العطاس، وعند الجماع، والعثرة، والتعجب، وشهرة المبيع، ونحو ذلك.
[68] أي قديما وحالا ودائما في الدنيا والآخرة.
[69] على القول به، وتقدم أنه الثناء من الله عليه في الملأ الأعلى.
[70] فهو صلى الله عليه وسلم أفضل الخالصين الطيبين المختارين من جميع الخلق بإجماع المسلمين.
[71] رواه أحمد والترمذي وغيرهما في حديث طويل، أي لا أقوله تبجحا، ولكن شكرًا لله وتحدثا بنعمته، والفخر هو التعاظم على الغير.
[72] قال الله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} وقال {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} وقال صلى الله عليه وسلم «وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة»، ولمسلم «أرسلت إلى الناس كافه، وختم بي النبيون» وخص بالبناء للمفعول، أي خصه الله، وإنما حذفه للعلم به والخصائص جمع خصيصة، وهي الصفة الخاصة، سواء كانت في ذاته أو في صفاته، أو فيما يصدر عنه من معجزاته وكراماته.
[73] أي وخص بالشفاعة العظمى، وهو المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون وذلك شفاعته في أهل الموقف ليقضى بينهم بعد ما يستغيثون بآدم وأولي العزم، ويتراجعونها بينهم فيقول: أنا لها.
[74] اللواء الراية، وفي الحديث لواء الحمد بيدي يوم القيامة، وخص بالنصر بالرعب مسيرة شهر، وإحلال الغنائم له، وجعل الأرض مسجدا وطهورا وإعطاء جوامع الكلم، والختم والإسراء وغير ذلك مما يفوت الحصر.
[75] وهو الخلوص من الكدر، والصفوة من كل شيء خالصه فإن الإنسان لا يصطفى إلا إذا كان خالصا طيبا، وهو صلى الله عليه وسلم أخلص الخلق وأطيبهم وخيرهم بلا نزاع.,
[76] لوقوعها بعد حرف الإطباق وهو الصاد، وقلبت الواو ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها فصفو من فعل نقل إلى افتعل، فثقل النطق به، فقيل اصطفى.
[77] من حسن الخلق والكرم والجود والشجاعة، وغير ذلك ما خصه الله به من الخصال الرفيعة التي لا تحصر وهو الذي يحمده الله وملائكته وعباده المؤمنون.
[78] ابن الهائم هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري، ثم المقدسي، المشهور بابن الهائم المتوفى سنة ثمانمائة وخمس عشرة، وله مؤلفات فيالفرائض والحساب.
[79] ولا في زمنه، ولا في زمن أصحابه، حماية لهذا الاسم الذي بشر به الأنبياء، وهو علم مشتق من حمد بالبناء للمفعول، يعني حمدا أكمل من غيره، وصفة أيضا اجمتعا في حقه صلى الله عليه وسلم، وهو أعظم أسمائه وأشرفها وأشهرها.
[80] وصححه صاحب تصحيح الفروع وغيره لقوله: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} أي أتباعه، وقال الشيخ رحمه الله: آله أهل بيته، وإنه نص أحمد، وقاله الموفق وغيره، واختاره الشريف، ومنهم بنو هاشم، وأفضل أهل بيته من أدار عليهم الكساء، وخصهم بالثناء، وقال الشيخ وأصل آل أول تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، فقيل آل ومن قال أهل فقد غلط، فآل الشخص هم من يأوون له، ويئولون إليه، ويرجعون إليه، ويضافون إليه، ويؤوله أي يسوسه يكون مآله إليه، ونفسه هي أولى من يئول إليه، فطلبت تبعا له، وهو الأصل.
[81] أي أكثر أصحاب الإمام أحمد على أن آله أتباعه، ومنهم أبو حامد وأبو حفص، واختاره القاضي وغيره، وقدمه في المغني والشرح وجمع.
[82] في أصول الفقه، لعلاء الدين علي بن سليمان بن محمد بن أحمد بن محمد السعيديِّ المرداوي، ثم الصالحي الحنبلي، صاحب الإنصاف وغيره، المتوفى سنة ثمانمائة وخمس وثمانين، ثم اختصره ابن النجار.
[83] في قوله صلى الله عليه وسلم : «قولوا اللهم صلِّ على محمد وآل محمد» ونحو ذلك.
[84] أي منع جمع من اللغويين، إضافة الآل للضمير، لتوغله في الإبهام منهم الكسائي علي بن حمزة النحوي المشهور، المتوفى بالري سنة مائة وإحدى وثمانين، ومنهم النحاس أبو جعفر، أحمد بن محمد بن إسماعيل بن يونس النحوي التونسي له تصانيف في التفسير والنحو، مات سنة ثلاثمائة وثمان وثلاثين، ومنهم الزبيدي بالضم محمد بن الحسن النحوي، من أئمة اللغة العربية، مات سنة ثلاثمائة وتسع وسبعين.
[85] وجمع الأصحاب أيضا صحابة وصحابة وأصاحيب، والصحابة في الأصل مصدر صحبه يصحبه صحابة وصحبة، فهو صاحب، عاشره ورافقه، وهو لفظ يضاف إلى من له أدنى ملابسة بأي شيء، وجمع الصاحب صحب، والصاحب الملازم مشتق من الصحبة بلا خلاف، يقال: صحبه شهرا ويوما وساعة والصحابة علم لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ووجه الثناء على الآل والأصحاب وهو الوجه في الثناء عليه صلى الله عليه وسلم بعد الثناء على الرب تبارك وتعالى، لأنهم الواسطة في إبلاغ الشرائع إلى العباد، فاستحقوا سؤال الثناء عليهم من الله عز وجل، ولإتيانه عليه الصلاة والسلام بذكرهم في الصلاة عليه، فلا يتم الامتثال بالصلاة التي علمها أمته إلا بذكرهم.
[86] هذا مذهب أهل الحديث كما نقله البخاري، وهذا لشرفه صلى الله عليه وسلم أعطوا كل من رآه حكم أصحابه، سواء كان مؤمنا حكما، أو اختيارا.
[87] على القول المشهور أن آله أتباعه على دينه، وأما على القول الثاني الذي اختاره الشيخ وغيره، وصوبه ابن القيم وغيره، أنهم أهل بيته، فهو من عطف العام على الخاص، وسائغ ذكر العام ثم الخاص، تنويها بشأنه وتعظيما لأمره، وتفخيما لحاله كما في الكتاب والسنة، وجاء ذكر العام بعد الخاص.
[88] كالرافضة يتبرءون منهم ويسبونهم.
[89] وعبده يعبده عبودية وحده وأطاع له، وخضع وذلك وانقاد والتزم شرائع دينه، فالعبادة تتضمن غاية الذل لله والانقياد له، مع غاية المحبة له.
[90] أي ما أمر الله به في الشرع، بأن لم يعلم طريقه إلا من الشارع، ويحرم اعتقاد غير المشروع مشروعا وطاعة وقربة ودينا، والأصل في العبادات البطلان إلا ما شرعه الله ورسوله، وفي العادات الحل إلا ما حظره الله ورسوله، وفي الفروج التحريم إلا ما أباحه الله ورسوله، والعقود الأصل فيها الصحة إلا ما أبطله الله ورسوله والمطاعم الأصل فيها الإباحة إلا ما حرمه الله ورسوله، قاله الشيخ وغيره.
[91] قاله الفخر وأبو البقاء وغيرهما، أي ليست العبادة ما درج عليه عرف الناس وما اقتضته مقاييسهم وعقولهم، وفيه قصور، والتعريف الجامع المانع الشامل، قول شيخ الإسلام: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين، والذكر، والدعاء، والمحبة والخشية، والإنابة، وغير ذلك، وقال أيضا: هي طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسن رسله.
[92] صلى الله عليه وسلم امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم واتباعا لسبيل السلف من المصنفين وغيرهم.
[93] أي يأتي بها المتكلم إذا كان في كلام وأراد الانتقال إلى غيره، ولا يؤتى بها في أول الكلام، وأسلوب بالضم أي من الطريق أو فن جمعه أساليب.
[94] وهل أول من ابتدأ بها داود عليه السلام، أو قس بن ساعدة، أو كعب ابن لؤي، أو يعرب بن قحطان، أو سحبان فصيح العرب، أقوال، قالوا والأول أشبه.
[95] أورد فيها ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفصل بأما بعد، في الخطب والمراسلات على سبيل من صنف في الأربعينات، لما روى «من حفظ على أمتي أربعين حديثا» إلخ وعبد القاهر بالهاء وفي بعض النسخ بالدال بدل الهاء وهو الصواب كما في كشف الظنون وغيره نسبة إلى رها، بضم الراء بلدة بالجزيرة محدث حنبلي، مولى لبعض أهل الموصل فأعتقه، توفي سنة ستمائة واثنتي عشرة.
[96] أي ذكر أن عبد القادر روى ذلك، وابن قندس هو الشيخ تقي الدين أبو بكر إبراهيم بن قندس البعلي الحنبلي صاحب حواشي المحرر، والفروع المشهورين، وغيرهما المتوفى سنة ثمانمائة وإحدى وستين، والحواشي مجلد ضخم، له على كتاب المحرر المشهور في الفقه، للإمام مجد الدين بن عبد السلام بن تيمية رحمه الله.
[97] وهي قوله: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ }وبه قال أبو موسى والشعبي.
[98] أي أن فصل الخطاب المذكور في الآية هو الفصل بين الحق والباطل في الكلام والحكم، وهو المراد بالآية، وإنما يقال: (لأما بعد) فصل الخطاب لأنها تفصل بين الكلامين، أي تحجز بينهما.
[99] إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه نحو {للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} إذ الضم لا يدخلها إعرابا، لأنه لا يصلح وقوعا موقع الفاعل، ولا المبتدأ والخبر.
[100] إخراجا لها عن الظرفية، ولقطعها عن الإضافة، مع عدم نية المضاف إليه لفظا ومعنى، وتعرب إذا أضيفت كقوله: (من بعدهم) و(أما) فيها معنى الشرط أو حرف شرط، و(بعد) قائم مقام الشرط، والأصل: مهما يكن من شيء بعد.
[101] إذ لم تكن غاية وغاية الكلام ما بقي بعد الحذف.
[102] بالكسر الذكاء والفطنة والفهم والعقل، والقوة في العقل وحفظ القلب، والجمع أذهان ولما كانت أما متضمنة معنى الشرط أتى بالفاء الجزائية.
[103] بكسر العين، من عاين الشيء معاينة وعيانا، رآه بعينه، ومقام بضم الميم، لأن ماضيه رباعي، يعني أنه لما تأكد عزمه على تصنيفه عامله معاملة الموجود فأشار إليه وهذا المعروف في اللغة وقال الله تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} وقيل بل ترك موضع الخطبة مبيضا إلى أن فرغ من تصنيف الكتاب، ثم كتب الخطبة وتكون إشارة إلى موجود، والأول هو المعروف، ويقع الثاني.
[104] ويقال تجريد اللفظ اليسير، من اللفظ الكثير، مع بقاء المعنى، وفي الكليات، تقليل المباني، مع إيفاء المعاني، وبالغ رحمه الله في اختصاره، لئلا تنفر النفس منه.
[105] بضم الطاء المهملة، من طال المجرد ويمل بضم الياء المثناة مبني للمجهول أي يسأم منه، ويضجر من طوله، وعلي هو ابن أبي طالب، أمير المؤمنين، وصهر النبي صلى الله عليه وسلم وأول من آمن به من الصبيان، والخليفة الرابع، ولد قبل البعثة بعشر، وقتله ابن ملجم سنة أربعين، بمسجد الكوفة، وفضائله رضي الله عنه مشهورة، معروفة.
[106] وقال ابن القيم: الفقه فهم المعنى المراد، ويقال: العلم بالشيء والفهم له، ويقال: الفطنة وقد غلب على علم الدين لشرفه وفضله على سائر أنواع العلم، وقال: الفقه أخص من الفهم، وهو فهم مراد المتكلم من كلامه، وهذا قدر زائد على مجرد فهم وضع اللفظ في اللغة، وبحسب تفاوت الناس في هذا تفاوت مراتبهم في الفقه والعلم اهـ. وجعلته العرب خاصا بعلم الشريعة، وتخصيصا بعلم الفروع منها، ولغة نصب على نزع الخافض، أو على الحال، أو على التمييز، والأول أحسنها، ومثله عرفا، وشرعا واصطلاحا وتقدم تعريف اللغة. والفهم بفتح الفاء وسكون الهاء إدراك معنى الكلام، لا جودة الذهن، وفي الواضح: إدراك معنى الشيء بسرعة، وفي الفتح: فطنة يفهم بها صاحبها من الكلام ما يقترن به من قول أو فعل وفي الصحيح «من يرد الله به خيرا يفقهه» والتفقه أخذ الفقه شيئا فشيئا وفقه غاص علما لاستخراج معنى القول، فمعناه استخراج الغوامض، والاطلاع على أسرار الكلم، ويقال فقه بالكسر لمطلق الفهم، وبالضم إذا كان له سجية، وبالفتح إذا ظهر على غيره، والفقيه من عرف الأحكام الشرعية بأدلتها وعند عامة العقلاء والفقهاء أنه لايمكن الخوض في علم من العلوم إلا بعد تصور ذلك العلم، والتصور مستفاد من التعريفات.
[107] أخرج العقلية والأصولية، والأحكام جمع حكم، وهو ثبوت أمر لأمر أو نفيه عنه، والحكم الشرعي هو مدلول خطاب الشرع.
[108] الاستدلال استفعال، من دل يدل طلب الدليل بالفعل، أي طلب الحكم بالنظر في الأدلة واستخراجها حالا إذا أورد عليه السائل مسألة قال كذا وكذا، وقال بعضهم: الاستدلال إقامة الدليل من نص أو إجماع أو قياس أو غيرها.
[109] أي من الفعل: وهي الأهلية لاستخراج الأحكام بالاستدلال، ولو لم يكن حالا، لكنه معه قوة يستخرج بها الدليل من الكتاب والسنة بالبحث والمطالعة فخرج المقلد ويقال: التهيئ ومعرفة مكان المسألة إذا طلبها لمعرفتها، فإن إطلاقه على التهيئ شائع عرفا، وأفضل العلوم بعد أصل الدين الفقه، وهو الأحكام الفاصلة بين الحلال والحرام، وحده: علم شرعي عملي، مكتسب من دليل تفصيلي، وموضوعه: أفعال المكلفين، واستمداده: من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وسائر الأدلة المعروفة، كالاستصحاب، وفائدته امتثال: أوامر الله، واجتناب نواهيه، المحصلين للفوائد الدنيوية والأخروية، وحكمه: الوجوب العيني، أو الكفائي، وواضعه: الأئمة المجتهدون.
[110] المشتهر أي اشتهار، عند علماء المذهب، وعكف الناس عليه وخدموه بالشروح والحواشي، منها الشرح الكبير، والإنصاف والممتع والمبدع والمطلع وغيرها.
[111] ابن مقدام بن نصر بن عبد الله بن حذيفة بن محمد بن يعقوب بن القاسم ابن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[112] الأصل: ثم الدمشقي، الصالحي أحد الأعلام الزاهد الورع الفقيه المشهور ومن بعده عيال عليه ولد بجماعيل، سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وقدم دمشق، ورحل إلى بغداد، ثم رجع وصنف ودرس،كان إمام الحنابلة بجامع دمشق، قال شيخ الإسلام: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه منه، وقال ابن الصلاح: ما رأيت مثل الموفق، توفي رحمه الله سنة ستمائة وعشرين.
[113] أي غمره بها، وتقدم.
[114] أعاد وأرجع وكرر، والبركة النماء والزيادة قال شيخ الإسلام، قول القائل: أنا في بركة فلان، إن أراد بركة مستقلة بتحصيل المصالح، ودفع المضار، فكذب وشرك، وإن أراد أن فلانا دعا لي فانتفعت بدعائه، أو أنه علمني وأدبني فأنا في بركة ما انتفعت به وتأديبه فصحيح، وإن أراد بذلك أنه بعد موته يجلب المنافع، ويدفع المضار، أو مجرد صلاحه ودينه قربة من الله ينفعني، من غير أن أطيع الله فكذب وقال أيضا قول القائل ببركة الشيخ قد يعني بها دعاءه أو ما أمره به وعلمه من الخير، وبركة معاونته على الحق، وموالاته في الدين ونحو ذلك.وهذه كلها معان صحيحة، لا استقلاله بذلك التأثير، أو فعله لما هو عاجز عنه أو غير قادر عليه فمن البدع.
[115] تقدم معنى الاختصار وقد بلغا الغاية فيه، فلم يتعرضا للخلاف لا مطلقا ولا بين الأصحاب، إلا الشارح نادرا والاختلاف بين الأصحاب إنما يكون لقوة الدليل من الجانبين، وكل واحد ممن قال بتلك المقالة إمام يقتدى به فيجوز تقليده ما لم يظهر رجحان غيره بحجة، ويكون في الغالب مذهبا لإمامه، ومن كان خبيرا بأصول أحمد ونصوصه عرف الراجح في مذهبه في عامة المسائل، وإن كان له بصر بالأدلة الشرعية عرف الراجح في الشرع، وتقدم أن المرء مأمور أن يجتهد، ويتقي الله ما استطاع.
[116] في الغالب، وسيمر بك ما ليس بمعتمد، بل مخالف لنص أحمد، فضلا عن نص الشرع، وقوله إن كانت أي وجدت فكان هنا تامة.
[117] أي في طريق ومعتقد قدوة الأئمة، وناصر السنة، أي منجي الطريقة المحمدية، ومخلصها مما أحدثه المبتدعة، لقب بذلك لنصرته لها حيث ماجت البدع، بإبرازه الحجج وصبره على المحن.
[118] ابن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس ابن عوف بن قاسط بن مازن بن شيبان، البطن المتسع الشعوب في صدر الإسلام.
[119] ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، البطن المعروف، ولد الإمام أحمد رحمه الله ببغداد سنة 164 هـ ورحل إلى المدينة ومكة واليمن والشام والكوفة والبصرة والجزيرة، وأخذ عن بشر منهم: ابن علية وسفيان، وهشيم، وعبد الرزاق، ومعتمر، وغيرهم، وعنه البخاري، ومسلم، وابن مهدي، والشافعي، وخلق قال الشيخ: كان أعلم من غيره بالكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين، ولهذا لا يكاد يوجد له قول ضعيف في الغالب إلا وفي مذهبه قول يوافق القول الأقوى، وأكثر مفاريده يكون قوله فيها راجحا، ومن مصنفاته المسند ثلاثون ألف حديث، والتفسير مائة وخمسون ألف حديث، ولم يؤلف رحمه الله في الفقه، وإنما أخذ أصحابه مذهبه من أقوال وأفعاله وأجوبته ونحو ذلك، توفي رحمه الله سنة مائتين وإحدى وأربعين، وكان يوما مشهودا.
[120] مفعل من ذهب يذهب إذا مضى، والمقصود به هنا المصدر، أي ظاهر ذهابه و: في الأصل: يعني في اللغة.
[121] والمجتهد في الشيء الباذل الواسع والطاقة في طلب ما فيه كلفة ومشقة وكان المذهب عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية.
[122] كتصحيح خبر، أو تحسينه أو تدوينه، أو تعليل قول وكتنبيه ويطلق المذهب عند المتأخرين من أئمة المذاهب على ما به الفتوى، من باب إطلاق الشيء على جزئه الأهم، ومجرى بضم الميم، لأنه من أجرى الرباعي.
[123] أي ربما حذف الماتن مما في المقنع مسائل نادرة الوقوع، فلم يذكرها في هذا المتن، يعني زاد المستقنع طلبا للاختصار، ويأتي تعليله وهو قوله: إذ الهمم قد قصرت إلخ.
[124] ويكون الغرض من ذلك العلم معرفتها، أو استدعاء معرفتها، أو ما يؤدي إليها، وتطلق على القضية المطلوب بيانها في العلم، والنبذة من بعض الأبواب وبرهن الشيء وعليه وعنه أقام عليه البرهان، والبرهان الحجة الفاصلة البينة، والعلم ما يستدل به على الطريق وسمي العالم البارع بذلك لأنه يهتدى به.
[125] أي زاد رحمه الله في هذا المتن عما في المقنع، وأشار لمدحه من وجوه كثيرة، كونه في الفقه، وكونه مختصرا، وكون اختصاره من كتاب المقنع، وكون المقنع للموفق، وهما هما، وكونه على قول واحد، وكون ذلك القول هو الراجح من مذهب أحمد، وكونه حذف ما ندر وقوعه، وزاد ما على مثله يعتمد.
[126] قصر عن الأمر يقصر قصورا من باب قعد، انتهى وعنه عجز وبالتشديد كل عنه.
[127] العلة المرض الشاغل، جمعها علات وعلل، وجمع الجمع أعلال، وهذه علة هذا أي سببه، أو حكمة الشيء، وعلل بين علته، وشرعا عبارة عما يجب الحكم به معه.
[128] بفتح التاء، فإن فسر بأي فبالضم قال بعضهم.
فضم تاءك فيه ضم معترف = إذا كنيت بأي فعلاً تفسره
ففتحك التاء أمر غير مختلف = وإن تكون بإذا يومًا تفسره

[129] وقال في النهاية: وأصله من السبب: وهو الحبل الذي يتوصل به إلى الماء ثم استعير لكل ما يتوصل به إلى الشيء.
[130] وقيل المقعدة: وهو أولى قال بعض أهل العلم: ازدحام العلوم مضلة أفهام.
[131] رواه البخاري وغيره، والمراد القضاء الكوني القدري، لا الشرعي الديني فإنه سبحانه يريد الخير ويأمر به، ولم يأمر بالشر بل نهى عنه، ولم يرضه دينا، وشرعا، وإن كان مريدا له خلقا وقدرا، بل أرسل الرسل وأنزل الكتب، إعذارا وإنذارا، {لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} .
[132] حجم الشيء ضخامته وجيده، وملمسه الناتئ تحت يدك، وفي الحديث «لا يصف حجم عظامها» والتطويل مصدر طول الشيء جعله طويلا، أي ما يغني عن جعل اللفظ زائدا على أصل المراد، لا لفائدة، فهو كتاب صغر حجمه وكثر علمه، وجمع فأوعى، وفاق أضرابه جنسا ونوعا، لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله.
[133] أي لاشتمال هذا المختصر صغير الحجم على جل: بضم الجيم أي معظم الأمور العظيمة، ولو بمفهومه أي ولو كان اشتماله على ذلك بالمفهوم إذ المفهوم على جميع أنواعه حجة على الصحيح، والمفهوم هو ما دل عليه اللفظ لا في محل النطق، نحو {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} فإنه يدل على تحريم ما هو أعظم منه كالضرب.
[134] متبرئا من حول نفسه ومن قوته إلا بالله وحده.
[135] روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه، وفي النهاية الحول ههنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك المعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشيئة الله، وقيل: الحول الحيلة والأول أشبه اهـ. والحول معناه الحيلة والمحاولة والتحيل، يقال ما للرجل حول ولا احتيال، والقوة معناها القدرة وقال الخطابي: معناه إظهار الفقر، وطلب المعونة من الله على ما يزاوله من الأمور أي يعالجه، وفي بعض النسخ: ولا قدرة على ذلك إلا بالله.
[136] قاله شيخ الإسلام وغيره لدخول غيره في معناه.
[137] ومغنيا عن غيره، وكل ما في الوجود منه، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لا منع، لا إله غيره، ولا رب سواه، و(حسبنا) من أحسبه إذا كفاه.
[138] الموكول إليه أمورهم أو نعم الموكول إليه هو سبحانه قال النحاس وقول حسبي الله، أحسن من قوله: وحسبنا، لما في الثاني من التعظيم، ورجح شيخ الإسلام وغيره ضمير الجمع في الدعاء، لأنه يدعو لنفسه وللمؤمنين.
[139] أي أو الوكيل الحافظ، فلا يغيب عنه شيء ولاينساه.
[140] أي: نعم الوكيل الله، كنعم العبد أيوب، وعلى الثاني، وهو نعم الوكيل.


  #5  
قديم 1 ذو الحجة 1429هـ/29-11-2008م, 09:10 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( بسم الله الرحمن الرحيم )
قوله: «بسم الله» ، الجار والمجرور متعلِّق بمحذوف فعلٍ مؤخَّرٍ مناسبٍ للمقام، فعندما تريد أن تقرأ تقدِّر: بسم الله أقرأُ، وعندما تريد أن تتوضَّأ تقدِّر: بسم الله أتوضَّأُ، وعندما تريد أن تذبحَ تقدِّر: بسم الله أذبحُ، وإنما قَدَّرناه فعلاً، لأن الأصلَ في العمل للأفعال، وقدَّرناه مؤخَّراً لفائدتين:
الأولى: التبرُّكُ بالبَداءة باسم الله سبحانه وتعالى.
الثانية: إفادةُ الحصر؛ لأن تقديم المتعلِّق يُفيد الحصر.
وقدّرناه مناسباً؛ لأنه أدلُّ على المُراد، فلو قلت مثلاً ـ عندما تريد أن تقرأَ كتاباً ـ: بسم الله أبتدئُ ما يُدْرَى بماذا تبتدئُ؟ لكن: بسم الله أقرأ، يكون أدلَّ على المراد الذي ابتدئ به.
قوله: «الله»، هو عَلَمٌ على الباري جلَّ وعلا، وهو الاسم الذي تَتْبَعُه جميعُ الأسماء، حتى إِنه في قوله تعالى: { كِتابٌ أنزلناهُ إِليكَ لتُخرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلماتِ إِلى النُّور بإِذنِ رَبهم إِلى صِراطِ العزِيزِ الحميدِ * اللَّهِ الذي لهُ ما في السَّماواتِ وما في الأَرضِ }[إبراهيم: 1، 2] ، لا نقولُ: إِن لفظ الجلالة «الله» صفة، بل نقول: هو عطف بيان؛ لئلا يكون لفظُ الجلالة تابعاً.
قوله: «الرحمن» ، من أسماء الله المختصَّة به، لا يُطلقُ على غيره، و«الرَّحْمن» معناه: المتَّصف بالرَّحمةِ الواسعةِ.
قوله: «الرَّحيم» ، المُراد به ذو الرحمةِ الواصلةِ.
وإِذا جُمِعَا ـ الرَّحمن الرَّحيم ـ صار المُراد بالرَّحيم: الموصل رحمته إلى من يشاء من عباده، كما قال تعالى: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ *} [العنكبوت] ، فهو ملحوظٌ فيه الفعل.
وأما الرَّحمن: فهو الموصوف بالرَّحمة الواسعة؛ فهو ملحوظٌ فيه الصِّفةُ. وابتدأَ المؤلِّفُ كتابَه بالبسملة اقتداءً بكتاب الله عزّ وجل، فإِنه مبدوءٌ بالبسملة، واقتداءً بالنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فإنه كان يبدأ كُتُبَه بالبسملة.

(إِنَّ الحمدَ لله )
قوله: «الحمدُ لله» ، جملةٌ اسميَّةٌ مكوَّنةٌ من مبتدأ وخبر.
والحمدُ: وصفُ المحمود بالكمال؛ سواءٌ كان ذلك كمالاً بالعَظَمة؛ أو كمالاً بالإحسان والنِّعمة. واللَّهُ تعالى محمودٌ على أوصافه كلِّها وأفعاله كلِّها.
واللام في قوله: «لله»، قال أهل العلم: إنها للاختصاص والاستحقاق. فالمستحقُّ للحمد المطلق هو الله، والمختصُّ به هو الله، ولهذا كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذا أصابته السَّرَّاءُ قال: «الحمدُ لله الذي بنعَمِه تَتمُّ الصَّالحاتُ»، وإن أصابته الضَّرَّاءُ قال: «الحمدُ لله على كُلِّ حالٍ» .
أما غيرُ اللَّهِ فيُحمَدُ على أشياءَ خاصَّة؛ ليس على كُلِّ حالٍ.
وأيضاً: هي للاختصاص، فالذي يَختصُّ بالحمد المطلق الكامل هو الله، فهو المستحقُّ له المختصُّ به.

(حَمْداً لا يَنْفَدُ، أفضَلَ مَا يَنْبغِي أن يُحْمَدَ)
قوله: «حمداً لا ينفد» ، «حمداً» مصدر، والعامل فيه المصدر قبله، فهو مصدرٌ معمولٌ لمصدر. والمصدر المحلَّى بأل يعمل مطلقاً، و«حمداً» مصدرٌ مؤكِّدٌ لعامله؛ لأنه إذا جاء المصدر بلفظ الفعل أو معناه فهو مؤكِّدٌ؛ كقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] .
ومع كونه مؤكِّداً وُصِفَ بقوله: «لا يَنفَدُ». فيكون أيضاً بصفته مبيِّناً لنوع الحمد؛ وأنَّه حمدٌ لا ينفَدُ، بل هو دائم، والربُّ عزّ وجل مُستحِقٌّ للحمد الدي لا ينفَد، لأن كمالاته لا تنفد، فكذلك الحمد ـ الذي هو وصفه بالكمالات ـ لا ينفَد. وليس المعنى: لا ينفَدُ منِّي قولاً، لأنَّه ينفَد منه بموته، أو بتشاغله، بغيره، ولكن المعنى: أن اللَّه مُستحِقٌّ للحمد الذي لا ينفَدُ باعتبار ذلك منسوباً إِليه؛ فهو لا ينفَدُ.
قوله: «أَفْضَلَ ما يَنْبَغِي أنْ يُحمدَ» ، صفةٌ لحمد، فيكون المؤلِّفُ رحمه الله وصفَ الحمدَ بوصفين:
الأول: الاستمرارية بقوله: «لا ينفَدُ».
الثاني: كمالُ النَّوعيَّة بقوله: «أفضل ما ينبغي أن يُحمَد»، أي: أفضل حَمْدٍ يَستحقُّ أن يُحمدَهُ. وعلى هذا تكون «ما» نكرة موصوفة، يعني: أفضل حمدٍ ينبغي أن يُحمَده.

(وَصَلَّى الله وسَلَّمَ )
قوله: «وصلَّى الله وسلَّمَ» ، لما أثنى على الله عزّ وجل بما ينبغي أن يُثْنَى عليه، ثَنَّى بالصَّلاة والسَّلام على أفضل الخلق.
قال بعضُ العلماء: الصَّلاةُ من الله: الرَّحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدُّعاء.
والصَّواب ما قاله أبو العالية: «إنَّ الصَّلاة من الله ثناؤه على المُصَلَّى عليه في الملأ الأعلى»، أي: عند الملائكة المقرَّبين، وهذا أخصُّ من الرَّحمة المطلقة. وعلى هذا، فمعنى «صلَّى الله على محمَّدٍ»، أي: أثنى عليه في الملأ الأعلى. وهذه جملة خبرية لفظاً، إنشائية معنى؛ لأنه ليس المراد أنِّي أُخبرُ بأن الله صلَّى؛ ولكنَّني أدعو الله عزّ وجل أن يُصلِّيَ، فهي بمعنى الدُّعاء، والدُّعاءُ إِنشاءٌ.
وقوله: «وسلَّم» ، وهذه أيضاً جملةٌ خبريةٌ لفظاً، إِنشائيَّةٌ معنى، أي: أدعو الله تعالى بأن يُسَلِّمَ على محمَّدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
والسَّلامُ: هو السَّلامةُ من النقائص والآفات. فإِذا ضُمَّ السَّلامُ إلى الصَّلاةِ حَصَلَ به المطلوبُ، وزال به المرهوبُ، فَبالسَّلامِ يزولُ المرهوبُ وتنتفي النقائصُ، وبالصَّلاة يحصُلُ المطلوبُ وتَثْبُتُ الكمالاتُ.

(على أفضلِ المُصْطَفَيْنَ )
قوله: «المُصْطَفَيْن» ، بضمِّ الميم وفتح الفاء، أصله «المصتفين» بالتَّاء من الصفوة؛ وهي خُلاصة الشَّيء. والمصطفَوْنَ من الرُّسل: أولو العزم من الرُّسل. وهم مَذْكُورون في القرآن الكريم في موضعين: في سورة الأحزاب: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الآية: 7] ، وفي الشُّورى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى الآية: 13] . فهؤلاء الخمسة هم أولو العزم، ومحمَّدٌ صلّى الله عليه وسلّم أفضلهم. ويدلُّ على ذلك أنَّه خاتمهم، وإمامُهم ليلة المعراج؛ ولا يُقَدَّم إلا الأفضل، وصاحبُ الشَّفاعةِ العُظمى، وهناك أشياء أخرى تدلُّ على أنَّه أفضلُهم لكن هذه أمثلة.

(محمَّدٍ، وعلى آلِهِ )
قوله: «محمد» ، عطفُ بيان؛ لأن أفضل المُصطَفَيْن لا يُعرف من هو، فإِذا قيل: «محمَّد» صار عطف بيان بَيَّنَ مَنْ هذا الأفضل.
وهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطَّلب بن هاشم القُرشي؛ كما قال عن نفسه: «إن الله اصطفى من بني إسماعيل كِنانة، واصطفى من كِنانة قريشاً، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خِيارٌ من خِيارٍ».
قوله: «وعلى آله» ، إذا ذُكِر «الآل» وحده فالمرادُ جميعُ أتباعه على دينه، ويدخلُ بالأولويَّة مَنْ على دينه من قرابته؛ لأنهم آلٌ من وجهين: من جهة الاتِّباع، ومن جهة القَرابة، وأما إِذا ذُكِرَ معه غيرُه فإِنَّه يكون المرادُ بحسب السِّياق، وهنا ذُكِرَ الآلُ والأصحابُ ومن تعبَّد، فنفسِّرُها بأنهم المؤمنون من قرابته؛ مثل عليِّ بن أبي طالب، وفاطمة، وابن عبَّاس، وحمزة، والعبَّاس، وغيرهم.

(وأصْحَابِهِ، وَمَنْ تَعَبَّدَ )
قوله: «وأصحابِه» ، جمع صَحْب، وصَحْبٌ اسم جمعِ صاحبٍ، فأصحابه: كُلُّ من اجتمع به مؤمناً به، ومات على ذلك، ولو لم يَرَهُ ولو لم تَطُل الصُّحبةُ. وهذا من خصائصه صلّى الله عليه وسلّم، أما غيرُه من النَّاس فلا يكون صاحباً له إلا من لازمه مُدَّةً يَستحِقُّ بها أن ينطبق عليه وصفُ صاحب.
قوله: «ومن تعبَّد» ، مَنْ: اسم موصول، وهي للعموم.
وقوله: «تعبَّد»، أي: تعبَّد لله؛ وتذلَّل له بالعبادة والطَّاعة.
والعبادة مبنيَّة على أمرين:
1- الحُبّ.
2- والتَّعظيم.
فبالحبِّ يكون طلب الوصول إلى مرضاة المعبود، وبالتَّعظيم يكون الهرب من الوقوع في معصيته؛ لأنك تعظِّمه فتخافه، وتحبّه فتطلبه.
وأما شرطا قَبولها فهما: الإِخلاصُ لله، والمتابعةُ لرسوله.
وكلمة «من تعبّد» عامة في كل من تعبَّد لله من هذه الأمَّة، ومن غيرها؛ ولهذا قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم في قولنا: السَّلام علينا وعلى عباد الله الصَّالحين: «إنكم إذا قلتم ذلك فقد سلَّمتم على كُلِّ عبدٍ صالحٍ في السَّماء والأرض» حتى الملائكة، وصالحو الجنِّ وأتباع الأنبياء السابقين يدخلون في هذا. وهل يدخل فيها أصحابُ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وآله المؤمنون؟ هذا مبنيٌّ على الخلاف بين العلماء، هل إِذا عطفنا العامَّ على الخاصِّ يكون الخاصُّ داخلاً في العام، أو خارجاً بالتَّخصيص؟ في هذا قولان: فمنهم من يقول: إنه داخل فيه؛ لأن العموم يشمله. ومنهم من يقول: إِنَّ ذكره بخاصَّته يدلُّ على أنه غير مراد. وهذا الخلاف قد يترتَّبُ عليه بعضُ المسائل، لكن من قال: إنه يدخل في العموم قال: إن الخاصَّ يكون مذكوراً مرَّتين: مرَّة بالخصوص، ومرَّة بالعموم.

(أمَّا بَعْدُ: )
قوله: «أما بعد» ، هذه كلمة يُؤتى بها عند الدُّخول في الموضوع الذي يُقْصَدُ.
وأما قول بعضهم: إنها كلمة يُؤتى بها للانتقال من أسلوب إلى آخر، فهذا غيرُ صحيح، لأنه ينتقلُ العلماءُ دائماً من أسلوب إلى آخر، ولا يأتون بأمَّا بعدُ.
وأما إعرابها فنقول: «أما» نائبة عن شرط وفعلِ الشَّرط، والتَّقدير: مهما يكن من شيءٍ بعد ذلك فهذا مختصرٌ، فيكون «أما» بمعنى مهما يكن من شيء، و«بعدُ» ظرف متعلِّق بـ«يكن» المحذوفة مع شرطها؛ مبني على الضمِّ في محلِّ نصبٍ، لأنه حُذف المضافُ إليه، ونُوِيَ معناه، وهذه الظُّروف ـ بعدُ وأخواتها ـ إِذا حُذف المضاف إليه ونُويَ معناه بُنيت على الضمِّ؛ كما في قوله تعالى: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم: 4] .

(فهذا مخْتَصَرٌ فِي الفقهِ)
قوله: «مختصرٌ» ، مُفْتَعَلٌ فهو اسم مفعول.
والمختصر: قال العلماء: هو ما قلَّ لفظُه وكثُرَ معناه.
قوله: «في الفقه» ، الفقة لغةً: الفهم، ومنه قوله تعالى: {وَلَكِنْ لاَ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] . وقوله: {قَالُوا ياشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ} [هود: 91] . بمعنى لا نفهم.
وفي الشَّرع: معرفة أحكام الله العَقَديَّة والعَمَليَّة. فالفقه في الشَّرع ليس خاصاً بأفعال المكلَّفين، أو بالأحكام العمليَّة، بل يشمل حتى الأحكام العَقَديَّة، حتى إن بعضَ أهل العلم يقولون: إِن عِلمَ العقيدة هو الفقهُ الأكبرُ. وهذا حَقٌّ، لأنك لا تتعبَّد للمعبود إلا بعد معرفة توحيده بربوبيّته وألوهيّتِه وأسمائه وصفاته، وإلا فكيف تتعبَّد لمجهول؟! ولذلك كان الأساسُ الأولُ هو التَّوحيدَ، وحُقَّ أن يُسمَّى بالفقه الأكبر.لكنَّ مرادَ المؤلِّف هنا: الفقه الاصطلاحي وهو: معرفة الأحكام العمليَّة بأدلتها التفصيلِيَّة.
شرح التَّعريف:
قولنا: «معرفة» ولم نقل: علم؛ لأن الفقه إما علمٌ وإما ظنٌّ. وليس كلُّ مسائل الفقه علميَّة قطعاً، ففيه كثيرٌ من المسائل الظنِّيَّة، وهذا كثيرٌ في المسائل الاجتهادية التي لا يصلُ فيها الإِنسان إلى درجة اليقين، لكن لا يُكلِّفُ اللَّهُ نفساً إلا وسعها.
فقولنا: «معرفةُ» لأجل أن يتناول العلم والظنَّ.
وقولنا: «العمليَّة» احترازاً من الأحكام العَقَديَّة، فلا تدخل في اسم الفقه في الاصطلاح، وإن كانت تدخل في الشرع.
وقولنا: «بأدلتها التفصيليَّة» احترازاً من أصول الفقه، لأن البحث في أصول الفقه في أدلة الفقه الإجمالية، وربما تأتي بمسألة تفصيليَّة للتمثيل فقط.
وعُلِمَ من قولنا: «بأدلَّتها» أن المقلِّدَ ليس فقيهاً؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط. وقد نقل ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على ذلك. وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 65] ، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني، فإذاً لا بُدَّ أن نعرفَ ماذا قالت الرُّسل لنعمل به. ولكن التَّقليد عند الضَّرورة جائزٌ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] ، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدَّليلَ بنفسه فلا يحلُّ له التقليد.

(من مُقْنعِ الإِمامِ )
قوله: «من مُقْنِعِ» ، جار ومجرور، صفة لمختصر. و«مُقْنِع» اسم كتاب للموفّق رحمه الله، مؤلف «زاد المستقنع».
قوله: «الإمام» ، هذا من باب التَّساهل بعض الشيءِ، لأن الموفَّق ليس كالإِمام أحمد، أو الشَّافعي، أو مالك، أو أبي حنيفة، لكنه إِمام مقيَّد، له مَنْ يَنْصُرُ أقوالَه ويأخذُ بها، فيكون إِماماً بهذا الاعتبار، أما الإِمامةُ التي مثل إِمامة الإِمام أحمد ومَنْ أشْبَهَهُ فإِنَّه لم يصلْ إلى دَرجتها. وقد كَثُر في الوقت الأخير إطلاق الإمام عند النَّاس؛ حتى إِنه يكون الملقَّب بها من أدنى أهل العلم، وهذا أمرٌ لو كان لا يتعدَّى اللفظَ لكان هيِّناً، لكنه يتعدَّى إلى المعنى؛ لأنَّ الإِنسان إِذا رأى هذا يُوصفُ بالإِمام تكون أقوالُه عنده قدوة؛ مع أنَّه لا يستحِقُّ. وهذا كقولهم الآن لكل مَنْ قُتِلَ في معركة: إِنَّه شهيد. وهذا حرام، فلا يجوز أن يُشْهَدَ لكل شخصٍ بعينه بالشَّهادة، وقد بَوَّبَ البخاريُّ رحمه الله على هذه المسألة بقوله: (بابٌ: لا يقول: فلانٌ شهيدٌ، وقال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «واللَّهُ أعلمُ بمن يُجاهدُ في سبيله، والله أعلم بمن يُكْلَمُ في سبيله»).وعمر بن الخطاب رضي الله عنه نهى عن ذلك.نعم يقال: من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد، ومن قُتِل بهدمٍ، أو غرق فهو شهيد، لكن لا يُشْهَدُ لرَجُلٍ بعينه. ولو أنَّنَا سوَّغنا لأنفسنا هذا الأمر؛ لساغَ لنا أن نشهد للرَّجُلِ المعيَّن الذي مات على الإِيمان أنَّه في الجنَّة؛ لأنَّه مؤمنٌ، وهذا لا يجوز.

(المُوَفَّق أبي مُحَمَّد )
قوله: «الموفَّق أبي محمَّد» ، الموفَّق: اسم مفعول، وهو لقب لهذا الرَّجل العالم رحمه الله.
«والمقنع» : كتابٌ متوسِّطٌ يذكر فيه مؤلِّفُه القولين، والرِّوايتين، والوجهين، والاحتمالين في المذهب، ولكن بدون ذِكْرِ الأدلَّة أو التَّعليل إِلا نادراً. وله كتاب فوقه اسمه «الكافي» يذكر القولين، أو الرِّوايتين، أو الوجهين في المذهب، أو الاحتمالين، ولكنه يذكر الدَّليل والتَّعليل، إِلا أنَّه لا يخرج عن مذهب أحمد. وله كتاب فوق ذلك هو «المغني»، فقه مُقَارَنٌ يذكر القولين، والرِّوايتين عن الإِمام أحمد وغيره من علماء السَّلف والخلف.وله كتاب «العُمدة في الفقه» وهو مختصر على قول واحد، لكنه يذكر الأدلة مع الأحكام.ولذا قيل:
وفي عصرنا كان الموفَّقُ حُجَّةً على فقهه الثَّبت الأصول معوَّل
=
كفى الخلق بالكافي، وأقنع طالباً بمقنع فقه عن كتاب مطوَّل
=
وأغنى بمغني الفقه مَنْ كان باحثاً وعمدته من يعتمدها يحصِّل
=
وروضته ذات الأصول كروضة أماست بها الأزهار أنفاس شمأل
=
تدلُّ على المنطوق أقوى دلالة وتحمل في المفهوم أحسن محمل
وذلك مما قاله الأديب يحيى بن يوسف الصَّرصري من قصيدة طويلة يُثني بها على الله عزّ وجل ويمدح النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله عنهم، ويذكر جماعة من التَّابعين وتابعيهم، ويَذكر الإِمام أحمد وجماعةً من أصحابه رحمهم الله تعالى. وقد تُوفِّيَ الموفَّق؛ عبد الله بن أحمد بن قُدامة المقدسي سنة (620هـ).

(على قَوْلٍ وَاحِدٍ، وهو الرَّاجِحُ )
قوله: «على قولٍ واحد» ، بمعنى أنه لا يأتي بأكثرَ من قولٍ لأجل الاختصار؛ وعدم تشتيت ذهن الطَّالب.
قوله: «وهو الرَّاجح» ، يعني: الرَّاجح من القولين، وقد لا يكون في المسألة إلا قولٌ واحد.

(في مَذْهَب أحْمَد )
قوله: «في مذهب أحمد» ، المذهب في اللُّغَةِ: اسم لمكان الذَّهاب، أو زمانه، أو الذَّهاب نفسِه.
وفي الاصطلاح: مذهب الشَّخص: ما قاله المجتهدُ بدليلٍ، ومات قائلاً به، فلو تغيَّر قولُه فمذهبه الأخير.
وقولنا: ما قاله المجتهدُ. خرج به ما قاله المقلِّدُ؛ لأن المقلِّدَ لا مذهبَ له، وليس عنده علم، وقد تقدَّم حكايةُ ابنِ عبد البَرِّ الإِجماعَ على أنَّ المقلِّد ليس عالماً، ولهذا قال ابنُ القيم رحمه الله في النونيَّة:
العلم معرفةُ الهدى بدليله ما ذاك والتقليدُ يستويان.
وأحمد: هو ابن حَنْبَل الشيباني، إِمام أهل السُّنَّة والفقه والحديث. فهو إِمام أهل السُّنَّة في العقائد والتَّوحيد، وإمام أهل الفقه في المسائل الفقهية، وإِمام أهل الحديث في روايته ونقد رجاله. وقد جرى عليه من المِحَنِ في ذات الله عزّ وجل، ما نرجو له به رِفْعَةَ الدَّرجات، وتكفير السَّيئات، ولم يصمُدْ أمام المأمون وأعوانه من المُحَرِّفين لكلام الله إِلا هو ونفرٌ قليل؛ ولكنَّه رحمه الله أشدُّهم وأوثقهم عند العامَّة؛ ولهذا كان النَّاس ينتظرون ما يقول أحمد في خلق القرآن، إلا أنَّه جزم بأنَّ القرآنَ كلامُ الله غيرُ مخلوقٍ، حتى إِنهم كانوا يضربونه بالسِّياط فيُغشى عليه، ويجرُّونه في الأسواق، فأثابه الله بأن جعله إماماً {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ *} [السجدة] .
واعلمْ أن قول العلماء: مذهب فلان، يُراد به أمران:
الأول: المذهب الشَّخصي.
الثاني: المذهب الاصطلاحي.
والغالب عند المتأخِّرين إذا قالوا: هذا مذهب الشَّافعي، أو أحمد، أو ما أشبه ذلك، فالمراد المذهب الاصطلاحي، حتى إِنَّ الإِمام نفسَه قد يقول بخلاف ما يُسمَّى بمذهبه، ولكنهم يجعلون مذهبه ما اصطلحوا عليه. ومُراد المؤلِّف هنا بمذهب أحمد: المذهب الاصطلاحي.

(ورُبَّما حَذَفْتُ مِنْهُ مَسَائِلَ نَادِرَةَ الوقُوعِ، وزِدْتُ مَا على مِثْلِه يُعتَمد )
قوله: «وربما حَذفتُ منه مسائلَ» ، منه: الضَّميرُ عائدٌ على «المقنع».
والمسائل: جمع مسألة، والمسألة ما يُستدلُّ له في العلم؛ ولهذا قالوا: العلم دلائل ومسائل. والدلائل سمعية: إِن كانت نصاً من كتاب أو سُنَّة أو إجماع، أو عقليَّة: إن كانت قياساً.
قوله: «نادرةَ الوقوعِ» ، يعني: قليلة الوقوع؛ لأن المسائل النادرة لا ينبغي للإنسان أن يشغل بها نفسه.
قوله: «وزدتُ ما على مثله يُعتَمد» ، «ما» اسم موصول بمعنى الذي، صلتها قوله: «يعتمد»، و«على مثله» متعلِّق بـ «يعتمد»، والمعنى: زدت من المسائل أشياء مهمة يُعتمد عليها.
إذاً؛ هذا الكتاب اشتمل على ثلاثة أمور:
الأول: الاقتصار على قول واحد.
الثاني: حذف المسائل النادرة.
الثالث: زيادة ما يُعتمد عليه من المسائل.

(إِذ الهِمَمُ قَد قَصُرَتُ، والأسباب المثبِّطَة عن نيل المُرادِ قد كَثُرَتْ ).
قوله: «إِذ الهِمَمُ قد قَصُرَتْ» ، إذ: حرف تعليل، والهمم مبتدأ، وجملة «قد قصرت» خبره.
والهمم: جمع همَّة وهي الإِرادة الجازمة، وقد يُراد بالهمَّة ما دون الإرادة الجازمة، وهي شاملة لهذا وهذا.
والجملة تعليلٌ لقوله: «مختصر»، و«حَذفتُ».
قوله: «والأسباب المثبِّطةُ عن نيل المراد قد كَثُرت» ، مع قصور الهمم هناك صوارف، ولهذا قال: «والأسباب... إلخ».
الأسباب: جمع سبب، وهو في اللغة: ما يُتَوَصَّلُ به إلى المطلوبِ، وهو المراد هنا.
قوله: «المثبِّطة» بمعنى المفتِّرة للهمم.
قوله: «قد كثُرت»، ولكن مع الاستعانة بالله عزّ وجل وبذل المجهود يحصُل المقصود. وليُعلَمْ أنه كلَّما قَويَ الصَّارف، فإِن الطَّالب في جهاد، وأنه كلَّما قوِيَ الصَّارف ودافعه الإِنسان فإِنه ينال بذلك أجرين: أجر العمل، وأجر دفع المقاوم؛ ولهذا قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «إن أيام الصَّبر للعامل فيهن أجر خمسين من الصَّحابة». لأن هناك أسباباً مثبِّطة كثيرة، ولكن إِذا أَعْرَضْتَ فهذه المصيبة. والذُّنوب من أكبر العوائق. قال الله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ} [المائدة: 49] . وهذا دليل على أنَّ تولِّي الإِنسان عن الذِّكر سببه الذُّنوب، ولكن مع الاستغفار وصدق النيَّة يُيسِّر الله الأمر. واستنبط بعض العلماء من قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا *وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا *} [النساء] ، أنَّه ينبغي للإِنسان إذا نزلت به حادثةٌ، سواءٌ إِفتاء أو حكم قضائيٌّ، أن يُكْثِرَ من الاستغفار؛ لأنَّ الله قال: {لِتَحْكُمَ} ثم قال: {وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ} وهذا ليس ببعيد؛ لأنَّ الذُّنوب تمنع من رؤية الحقِّ، قال تعالى: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ *} [المطففين] .

(ومعَ صغَر حجمه حَوَى ما يُغْني عن التَّطوِيلِ، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِالله )
قوله: «ومع صغر حجمه حَوى ما يُغني عن التَّطويل» ، حوى: جَمَعَ، وهو أجمع من كتاب الشيخ مرعي رحمه الله «دليل الطَّالب»، و«دليل الطَّالب» أحسن من هذا ترتيباً؛ لأنه يذكر الشُّروط، والأركان، والواجبات، والمستحبَّات، على وجه مفصَّل.
قوله: «ولا حول ولا قُوَّة إلا بالله» ، لا: نافية للجنس، والحَوْلُ:التَّحوُّل وتَغيُّر الشيء عن وجهه.
والقوَّة: صفة يستطيع بها القويُّ أن يفعل بدون ضعف.
قوله: «إلا بالله»، الباء للاستعانة. فكأن المؤلِّف استعان بالله تعالى أن يُيَسِّرَ له الأمر.

(وهو حَسبُنَا، ونِعْمَ الْوَكِيلُ ) .
قوله: «وهو حسبنا» ، الضَّمير «هو» عائدٌ إلى الله، والحَسْبُ بمعنى الكافي، وكلُّ من توكَّلَ على الله فهو حَسْبُه، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] ، ومن لا يتوكَّل عليه فليس الله حَسْبَه، بل هو موكول إلى من توكَّل عليه.
قوله: «ونِعْمَ الوكيل» ، الوكيل: فاعل، وقال النَّحْويُّون: إن «نِعْم» يحتاج إلى فاعل ومخصوص. والمخصوص هنا محذوفٌ والتَّقدير: نِعْمَ الوكيل الله.
والوكيل: هو الذي فُوِّضَ إليه الأمر. فيكون تفويضنا الأمر إلى الله تفويضَ افتقار وحاجة؛ لأنه هو الذي منه الإعداد والإِمداد، كما أنَّه هو الذي منه الإِيجاد.
ونظيرُ هذا في القرآن قوله تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *} [آل عمران] .
قال ابن عباس رضي الله عنهما:«قالها إبراهيمُ عليه الصَّلاة والسَّلام حين أُلقيَ في النَّار» دفعاً للمكروه، وطلباً للمحبوب وهو النَّجاة.


  #6  
قديم 9 جمادى الأولى 1431هـ/22-04-2010م, 03:34 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح زاد المستقنع للشيخ حمد الحمد

* قوله: ((بسم الله الرحمن الرحيم)):
ومؤلف الكتاب هو شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد المقدسي ، المتوفى سنة 960هـ ، وهو حنبلي المذهب ، وله مؤلفات نافعة في المذهب الحنبلي منها هذا الكتاب ( زاد المستقنع ) ، ومنها كذلك كتاب: ( الإقناع ).وقام بشرحهما البهوتي ، المتوفى سنة 1046هـ شرح (زاد المستقنع) بكتاب أسماه: (الروضُ المُرْبِع) ، وشرح الإقناع بكتاب أسماه: (كشاف القناع عن متن الإقناع).وهما كتابان نافعان.والمؤلف مشهور من مشايخ المذهب الحنبلي ، وقد شرع المؤلف بالبسملة اقتداءً بالكتاب العزيز.واقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رسائله وكتبه فإنه كان يفتتحها بالبسملة ، كما ثبت ذلك في الصحيحين من كتاب رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى هرقل عظيم الروم ، فإنه كتب فيه:(( بسم الله الرحمن الرحيم: من مُحمَّد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ))[1] ، فشرع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالبسملة فيه. وقد قال تعالى عن ملكة سبأ: {قالت يا أيها الملأُ إني أُلقي إلى كتاب كريم ، إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم }([2]).فهي من سنن أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام.وأما ما رواه الخطيب، والحافظ الرهاوي في أربعينه: أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم. قال:((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع)) ([3]) فهذا الحديث فيه ابن الجندي ،وهو متهم، فالحديث ضعيف جداً ، لا يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم.
( بسم الله ) هنا الباء للاستعانة ، و (اسم) مجرور بحرف الجر و (الله) مضاف إليه، مضاف إلى اسم، وهما متعلقان بمحذوف فعلي متأخر مناسب، تقديره هنا: (بسم الله أُؤَلِّف) ، وعندما نتوضأ تقديره: (بسم الله أَتَوَضَّأ) ، وعندما نقرأ تقديره: (بسم الله أقرأ) ؛ فهو فعل متأخر عن الجار والمجرور يناسب المقام.
(بسم الله): أي أستعين بالله في قراءتي وأستعين به في وضوئي ، وأتبرك بالبداءة باسمه سبحانه وتعالى في تأليفي وفي وضوئي أو في قراءتي ونحو ذلك.
و (الله): هو العَلَم الأعظم لله عز وجل ؛ فهو اسم الله سبحانه وتعالى الذي هو عَلَم من أعلامِهِ.وأصله من الإله: وهو المعبود ، وهو يطلق على المعبود سواء كانت عبادته حقاً أو كانت باطلاً ،كما قال تعالى:{أنه لا إله إلا أنا} ([4]) وقوله {واتخذوا من دونه آلهة} ([5]): فهي آلهة لكنها باطلة. لذا يقال: لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى .
فإذاً (الله): مشتق من الإله: وهو المعبود ، والله هو الاسم الأعظم لله ، وهو علمٌ له.
(الرحمن): أيضا اسم من أسمائه وتعالى متضمن لصفته الرحمة التي هي صفة من صفاته تعالى.و (الرحيم) كذلك اسم من أسمائه متضمن لصفة الرحمة أيضا إلا أن الرحمة في الرحمن صفة متعلقة بذاته سبحانه، أي ذو الرحمة الواسعة الشاملة.وأما الرحيم فهي صفة متعلقة بفعله سبحانه: أي ذو الرحمة الواصلة أي إلى من يشاء من خلقه سبحانه.
والرحمن: نظراً إلى صفتة الذاتية.
والرحيم: نظراً إلى صفته سبحانه وتعالى الفعلية.

* قوله: (( الحمد لله حمداً لا ينفد )).هنا شرع المؤلف بالحمد لما ورد في سنن أبي داود وابن ماجه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ بالحمد لله فهو أقطع)) ([6]) أي ذاهب البركة ، فلا بركة فيه.وهذا الحديث رواه الحفاظ عن الزهري مرسلاً.ورواه قرة بن عبد الرحمن وهو ضعيف، رواه عنه موصولاً بذكر أبي هريرة، والصواب ترجيح رواية من أرسله ، فهم الحفاظ ولذلك قال الدارقطني: " فالحديث الصواب أنه مرسل" وعليه فالحديث ضعيف.وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفتتح كلامه بالحمد والثناء على الله.وكذلك اقتداء بالكتاب العزيز، فإن فيه {بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين}. فالحمد يشرع للمسلم أن يفتتح كلامه به. أما هذا الحديث الوارد فهو حديث ضعيف مرسل لا يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، وقد حسنه بعض العلماء كالنووي، وابن الصلاح وغيرهما. والصواب أنه ضعيف مرسل من مراسيل الزهري وهي من ضعاف المراسيل.
والحمد : هو ذكر محاسن المحمود محبة له وإجلالاً." ذكر محاسن المحمود " أي فضائله، خيراته، ما عنده من الصفات الحميدة والأفعال الطيبة، هذا كله يسمى حمداً.
" محبة وإجلالاً ": فليس مقابل النعمة فحسب، بخلاف الشكر، فإن الشكر أخص منه من هذه الحيثية، فإنه إنما يكون ـ أي الشكر ـ مقابل النعمة ، أما الحمد فإنه سواء كان من هذا المحمود نعمة قد أسديت إليك أو لم يكن منه ذلك، فإنك تحمد فلاناً على شجاعته وقوله الحق وصلاحه ونحو ذلك، وإن كان هذا كله لا يصل إليك منه شيء.وكذلك إن أسدى إليك معروفاً فكذلك يسمَّى حمداً.
أما الشكر فهو أخص منه، فالشكر: لا يكون إلا مقابل النعمة ، والله عز وجل يحمد على كل حال ، ولا يحمد على كل حال سواه سبحانه وتعالى.
وقد ثبت في سنن ابن ماجه بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: الحمد لله على كل حال)([7]) .
إذاً الحمد: هو ذكر محاسن المحمود سواء كان مقابل النعمة أو لم يكن مقابلها.
فالله يحمد على كل صفاته سواء التي يصل إلينا منها شيء من النعم، أو كانت الصفات اللازمة منه سبحانه كحياته سبحانه.
فالله يحمد على حياته، ويحمد على غيرها من صفاته سواء كانت الصفات اللازمة أو الصفات المتعدية.
إذن: الحمد هو ذكر محاسن المحمود تحية له وإجلالاً.

* (حمداً لا ينفد): أي نفس الحمد لا ينفد . أما قول الحامد فإنه سينفد بنفاده وموته ، فإنه ينقطع حمده لكن هذه المحاسن وهذه الفضائل ، هذه الصفات التي يتصف الله بها لا تنفد ، فهي صفات لا تنفد ، فالله عز وجل لا يزال متصفاً بصفات الكمال ولن يزال على ذلك.كما أنه سبحانه لا يزال محموداً من خلقه: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده}([8]) أما من حيث الأفراد فإن من مات منهم أو شغل بأمر من الأمور فإن حمده يقف وينقطع.لكن الله عز وجل لا يزال محموداً من خلقه من حيث العموم.كما أنه سبحانه لا يزال متصفاً بصفات الحمد.
(لا ينفد): أي لا ينقطع.

* قوله: ((أفضل ما ينبغي أن يحمد)).فهو أهل الثناء والمجد ـ سبحانه ـ ولا يحصى الثناء عليه ، فيثنى عليه سبحانه بما ينبغي له سبحانه.

* قوله: ((وصلى الله وسلم على أفضل المصطفين محمد)).(صلى الله): أي أثنى.فالصلاة من الله عز وجل هي الثناء؛ كما قال ذلك أبو العالية.وقيل: هي الرحمة ، وهو ضعيف.
والصواب: أن الصلاة من الله هي الثناء؛ لأن الله عز وجل قد عطف أحدهُما على الآخر.{عليهم صلوات من ربهم ورحمة}([9]) فدل على أنهما متغايران إذ الأصل في التعاطف هو التغاير ؛ كما أن الرحمة عامة ، وأما الصلاة فهي خاصة فناسب ألا تفسر الصلاة بها.إذن الصلاة من الله عز وجل هي الثناء فعندما تقول: "اللهم صل على محمد" أي بمعنى : اللهم اثن على محمد واثن عليه عند ملئك المقربين.وعندما يدعو الإنسان بالصلاة ؛ فالمراد من ذلك أنه يدعو له بأن يثني الله عز وجل عليه.إذن الصلاة من الله هي: الثناء .
(وسلم): السلام من السلامة؛ وهي البراءة من النقائص والعيوب والآفات: أي يدعو الله بأن يسلمه من كل نقص وعيب لا يليق به ـ أي الآدمي ، ومن كل آفة. فإذن النبي -صلى الله عليه وسلم- مجمع له بين الصلاة والسلام.
الصلاة: بأن يثني الله عليه وهذا جلب خير.
والسلام: أن يدعو الله بأن يسلم عليه: أي يلقي عليه السلامة من الآفات والعيوب فهذا دفع ضر، فيجتمع له بين جلب الخير ودفع الضر.

*(على أفضل المصطفين): المصطفين: جمع مصطفى وهو المختار من الصفوة: وهي خلاصة الشيء. فالمصطفون هم المختارون من الله سبحانه، الذين اختارهم الله على خلقه؛ لأنهم خلاصة خلقه.وهم الأنبياء والرسل، وهو عليه الصلاة والسلام أفضل هؤلاء، فهو أفضل رسل الله عليهم صلاة الله وسلامه جميعاً. ويدخل في ذلك أولو العزم ، كإبراهيم عليه السلام وموسى وعيسى عليهم السلام، وغيرهم من أنبياء الله فكلهم مفضولون بالنسبة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو سيدهم وأفضلهم ، فهو سيد البشر ولا فخر ؛ كما صح ذلك عنه في الحديث المتفق عليه([10]).

* قوله: ((وعلى آله وصحبه ومن تبعهم)).(آله): من آل يؤول إذا رجع.وقيل بمعنى أهل وهو ضعيف ، ضعّفه ابن القيم في كتابه في الصلاة [ على ] النبي صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه ، ليس هذا موضع ذكرها.فـ: (آله): أصلها من آل يؤول ، إذا رجع. فآل الرجل: هم الراجعون إليه المضافون إليه المنتسبون إليه. هم آل الرجل.وآل النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم إطلاقان :
إطلاق خاص ، إطلاق عام.
أما الإطلاق الخاص: فهم قرابته وزوجاته.فزوجاته وذريته وسائر قرابته هم آله ، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( أما علمت أن آل محمد لا تحل لهم الصدقة)([11]): فالمراد من (آل محمد): هم أقاربه من بني هاشم ، وذريته عليه الصلاة والسلام من فاطمة رضي الله عنها وزوجاته على قول قاله بعض أهل العلم تقدم البحث فيه.وقوله عليه الصلاة والسلام أيضاً: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)([12]): فهنا زوجاته وأهل بيته خاصة فهم آله هنا. وهذا أخص من الإطلاق السابق أيضا.
أما الإطلاق العام: فهم أتباعه عامة من قرابته المؤمنين، ومن ذريته ومن زوجاته ومن سائر أتباعه من الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وقد قال تعالى: {أدْخلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدّ العَذَاب}([13])، فهنا لا شك أن آل فرعون ليس أهله خاصة ، وإنما أهله ومن اتبعه على باطِلِهِ فَهُم آلُ فِرعَوْن.
كما أنه يدخل فيه -وهذا أخص إطلاقات آل، يدخل فيه- الشخص نفسه.فالشخص نفسه عندما يقال آل فلان ، يدخل فيه الشخص نفسه ، ما لم تكن هناك قرينة تمنع من دخوله ، ومنه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (اللهم صل على آل أبي أوفى) ، فإن هذا المتصدق المزكي ، وهو أبو أوفى أحق الناس بالدخول في هذه الجملة (اللهم صل على آل أبي أوفى)([14]): أي عليه وعلى آله ـ كما أن قوله تعالى {أدخلوا آل فرعون أشدّ العَذاب}([15])، يدخل فيهم فرعون ولا شك.إذن تبين من هذا أن (آل) يدخل فيها الشخص نفسه وتدخل فيها زوجاته وذريته ، ويدخل فيها سائر قرابته ، ويدخل فيها على وجه العموم أتباعه والسياق يحكم ، فالسياق هو [ الـ]ـحاكم . فمثلاً: قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)([16]) ، هنا: النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما يدعو بهذا الدعاء لأهله خاصة بأن لا يكون عندهم غنى زائد ، وإنما يكون عندهم ما يتقوتون به كفاية ، ومثل هذا الدعاء اللائق أن يكون للشخص نفسه وأهله خاصة دون أن يتعدى هذا إلى سائر قرابته ممن قد لا يكون متحملاً لمثل هذه المعيشة بأن يكون قوتاً ، وممن قد يكون محباً للغنى ، ونحو ذلك.لذا كان أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليهن رضوان الله ، كُنَّ قد أجيبت لهنّ هذه الدعوة ، فكُنَّ حتى بعد وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معيشتهنّ قوتاً وما فَضَلَ فإنهنّ يتصدقن به.وأما آله من قرابته من بني هاشم فإنه كان فيهم الأغنياء وكان فيهم الفقراء.
إذن لفظة (آل): من آل يؤول ، إذا رجع ، ومعناها الحاكم فيه السياق ، فإنه قد يراد بها العموم وقد يراد بها القرابة والذرية والزوجات ، وقد يدخل فيها الشخص نفسه ، وحكم ذلك كما تقدم إلى السياق.
(مُحمد): هو اسمه الذي هو أعظم أسمائه ـ عليه الصلاة والسلام ـ وهو اسم مفعول على وزن: مُفَعَّل ، نحو مُعَظَّم ، ومُقَدّس ، ومُبجَّل ، ونحو ذلك.
وهذا الوزن يراد منه تكرار حدوث الفعل الذي اشتق منه هذا الاسم ، فيكون المعنى: من لا يزال يحمد ، فهو لا يزال يُحمَد حَمْداً بعد حمد من الله عز وجل وملائكته: أي لا يزال يثنى عليه ويذكر بمحاسن أفعاله وفضائله عليه الصلاة والسلام من الله والملائكة ومن المؤمنين.بل يحمد من الناس عامة ؛ كما يكون هذا يوم يكون له المقام المحمود.حتى مَن كَذَّبَ بِهِ ، وأنكر نُبُوَّته ؛ فإنه يحمد على ما فيه عليه السلام من الصفات الحميدة ، فهو محمود ، قد تكرر فيه الحمد فلا يزال يحمد .وهذا الاسم "محمد": هذا اسمه في التوراة. ومن أسمائه (أحمد): وهو اسمه في الإنجيل ، كما قال تعالى: {ومبشراً برسُولٍ يأتي من بعدي اسمُهُ أحمد}([17]).
واسم " أحمد": فيه مزيد معنى على المعنى المتقدم ؛ وهو أنه أحمد لله عز وجل من غيره: أي أكثر حمداً لله سبحانه وتعالى.
ومنه([18]) معنى آخر ؛ أنه أفضل حمداً من غيره يعني : كما أن له الكمية في كونه محمداً: أي حمده كثير لا يزال متكرراً من الله: أي ليس لله إنما من الله فهو كذلك أحمد أي أحمد من غيره عند الله وعند ملائكته.فهو محمود حمداً أفضل وأكثر ، أكثر كمية ، وأفضل كيفية من غيره ، فهو محمد أي لا يزال يحمد وحمده عليه الصلاة والسلام فاضل عن حمد غيره ، فحمده أي ثناء الله عليه ، وثناء غيره عليه ، أعظم وأبجل من ثنائهم على غيره صلوات الله وسلامه عليه.كما أنه أحمد لله سبحانه من غيره ، محمد عليه الصلاة والسلام ، أفضل كيفية وأكثر كمية من حمد غيره ؛ فهو أكثر الناس حمداً وأعظم الحامدين لله عز وجل.
( وآله ): وآله هنا: هم قرابته وزوجاته وذريته ، للعطف ، فإنه عطف الصحابة عليهم.فيكون حينئذ: نقول بالمعنى الخاص لدخول أتباعه بالمعنى العام .
(وأصحابه): جمع صحب ، وصحب جمع صاحب وهو من لقي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مؤمنا به ، ومات على ذلك ، فعلى ذلك لو أن رجلاً لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً ونظر إليه، لكنه ارتد ثم رجع إلى الإسلام فهو صحابي ؛ لأن هذا الوصف ثابت فيه ، فقد لقي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو مؤمن به ، وإن طرأ على ذلك ردة.وعليه أيضا، من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- وجالسه لكنه لم يكن مؤمناً به ثم آمن بعد ذلك لكنه لم يسعد برؤيته ؛ فإنه لا يكون صحابياً وإنما يكون تابعياً.فإذن الصحابي هو من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- وكان في تلك الحال مؤمناً بالله عز وجل.
ومثل ذلك من منعت رؤيته مانع كأن يكون أعمى لا يبصر فهو صحابي لأن الذي منع من الرؤية إنما هو كونه أعمى وليس المقصود هو مجرد الرؤية فحسب بل اللُّقيا ثابتة له فيكون صحابياً أيضاً.
(ومن تعبد): أي تعبد لله وتذلل له وأطاعه ، والعبادة ـ كما قال شيخ الإسلام: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.

* قوله: ((أما بعد)).(أمّا): أي مهما يكن من شيء ، فأما هنا تنوب عن أداة الشرط وعن فعله ، و( أما ) بمعنى ( مهما يكن من شيء ).
(بعدُ): هنا ظرف زمان ، مبني على الضمة في محل نصب ، لكون المضاف إليه محذوف ، والأصل "بعد ذلك" ، والمعنى: (مهما يكن من شيء بعد ذلك).

* قوله: ((فهذا مختصر في الفقه)).
المختصر: اسم مفعول من الاختصار.
والاختصار في الكلام: هو أن تقل الألفاظ وتكثر المعاني.
وهذا ممدوح -حقيقة- ؛ لأنه أسهل للحفظ وأجمع للأحكام ولكن بشرط ألاّ يكون ذلك فيه غموض بحيث يحتاج إلى مشقة وتعب لتفهمه وتفهيمه ، يعني تعلمه وتعليمه يحتاج إلى مشقة ؛ لأن ألفاظه غامضة فهذا مذموم.
(الفقه): الفقه لغة: الفهم ومنه قوله تعالى: {واحْلُل عقدة من لساني يفقَهُوا قولي} ([19]): أي يفهموه.
اصطلاحاً: معرفة الأحكام الشرعية التكليفية العملية من أدلتها التفصيلية.
(معرفة): سواء كان هذا علماً يقينياً جازماً أو كان ظناً غالباً يغلب على الظن، لأن العلم لا يدرك باليقين كله، بل منه ما يكون ظناً غالباً ليس من الظن المذموم الظن المرجوح أو الظن السيئ، وإنما المراد به أن يغلب على ظنه، فيكون احتمال الصواب أكثر من احتمال الخطأ، فإنه ليست المسائل الشرعية كلها -بل ولا أكثرها- يدرك باليقين، بل الكثير أو الأكثر إنما يدرك بالظن الغالب، لذا يقال: " الراجح " أي من القولين المحتملين للصواب أي هذا هو القول الراجح الذي احتمال الصواب فيه أكثر من احتمال الخطأ.
(الأحكام الشرعية): ليست أحكاماً عقلية ولا عادية، وإنما هي أحكام شرعية أي منسوبة إلى الشرع.
(التكليفية): التي يكلف بها العباد.
(العملية): تخرج بذلك الاعتقادية ، فهي ليست داخله فيها ، فليس البحث هنا في باب التوحيد ولا الأسماء والصفات ولا اليوم الآخر.هذا محل بحثه كتب العقائد وكتب التوحيد ، إنما هنا في الأحكام العملية من صلاة وصوم وطلاق وبيوع ونحو ذلك.
(بأدلتها التفصيلية): لابد أن يكون ذلك مع الدليل وإلا لم يكن فقها ، فإن الرجل إذا عرف مسألة من المسائلِ الشرعيةِ لكنه لا يعرف دليلها فليس بفقيهٍ فيها.وكذلك لو كان عالماً بكتاب من كتب الفقهاء مطلعاً عليهِ عارفاً بمعانيه ، لكن ليس عنده أدلة شرعية تدل على هذه المسائل فهو ليس بفقيه.
فالفقيه من جمع بين فهم المسألة ومعرفة دليلها ، لابد من فهم المسألة مع معرفة دليلها.فليس بعالم من فهم المسائل وأحاط بمعانيها لكنه جاهل بأدلتها الشرعية بإجماع العلماء ، لذا أجمع العلماء - كما حكى ذلك ابن عبد البر - على أن المقلد ليس بعالم.
و(التفصيلية): ضد الإجمالية، فالإجمالية: هي الأصول العامة كالقياس والإجماع والسنة والكتاب هذه تسمى أدلة إجمالية لكنَّ الأدلة التفصيلية هي: ما تضمنه باب القياس من القياس في مسألة معينة، والأحاديث النبوية بأفرادها، يسمى أدلة تفصيلية، لكن السنة من حيث العموم تسمى أدلة إجمالية وقد تقدم البحث في هذا في شرح الأصول.

* قوله: ((من مقنع الإمام الموفق أبي محمد)).
المقنع: هو كتاب ألَّفَهُ الشيخ: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي ـ رحمه الله تعالى ـ المتوفى سنة 620هـ.
وهو شيخ المذهب وإمام الحنابلة ـ رحمهم الله تعالى ـ مع علمه بالسنة والعقيدة فهو من أهل العلم المشهورين.وله هذا المُؤلف وهو المقنع ، هذا المؤلف: جمع فيه المسائل الفقهية في المذهب الحنبلي لكنه لم يكتف بقول واحد في المسألة بل يذكر في المسألة روايتين أو وجهين أو احتمالين .
- والفرق بين الرواية والوجه والاحتمال:
(وهذه كلها داخله في المذهب يعني: المذهب الحنبلي فيه مسائل خلافية ، وكذلك المذهب الشافعي في([20]) مسائل خلافية في المذهب نفسه) .
فالرواية هي: ما قاله الإمام نفسه.
فإذا قيل: " وفي هذه المسألة عن الإمام أحمد روايتان " أي قولان منسوبان إليه نفسه.
بمعنى: أفتى بقول ثم أفتى بقول آخر لكنهم لا يعرفونه التاريخ حتى يرجحوا أو أنهم عرفوا التاريخ فرجحوا وبقيت تلك الرواية .ومعلوم أن الإمام مهما علا قدره وكثر علمه فإنه يتغير قوله فيـبدو له من الترجيحات ما لم يبدُ له سابقاً فيقول قولاً وبعد فترة من الزمن يقول قولاً آخراً؛ لأنه تبين له أن ذاك الدليل الذي استدل به مثلاً ضعيف أو لا وجه أو نحو ذلك أو أنه منسوخ أو غير ذلك فينـتقل إلى قول آخر أو يبلغه دليل لم يكن قد بلغه ، فحينئذ ينتقل إلى قول آخر.
أما ما أضيف إلى أصحابه ـ أي أصحاب الإمام أحمد ـ أي العلماء الذين تقعدوا بقواعده وتأصلوا بأصوله فخرّجوا على مذهبه وفرعوا المسائل؛ لأن ما نقل عن الإمام أحمد لا يحيط بالمسائل الفقهية كلها. لكن العلماء الذي اقتدوا به أو أخذوا هذه الأصول والقواعد فجعلوها أصولاً وفرعوا منها مسائل، فجمع لنا هذا الفقه.فليست كل مسألة من المسائل في الفقه الحنبلي أو المالكي أو الشافعي أو الحنبلي مضافة إلى الإمام نفسه الذي ينتسب إليه، ليس كذلك .
وإنما هي مضافة إما إليه نفسه وإما إلى أصحابه الذين تقعدوا بقواعده ، وهذا تخريج على نفس القواعد ، فليست خارجة عن قواعد الإمام لكنهم اختلفوا فبعضهم رأى هذا القول وبعضهم رأى القول الآخر فيقال في المسألة وجهان .
- أما الاحتمال: فهو ما يصح أن يكون وجهاً في المذهب.إذن ليس بوجه لكن يأتي عالم بعد ذلك فيقول : " هذا احتمال" يـنفي أن يكون وجهاً فينفى أن تخرج على قواعد الإمام رحمه الله.وحينئذٍ تبين لنا: أن العارف بقواعد أحمد وأصوله يمكنه أن يختار القول الراجح من هذين القولين .لذا المذهب فيه راجح ومرجوح ، فمثلاً: ألّف صاحب الإنصاف كتابه في الراجح من مسائل الخلاف أي في مذهب أحمد.وكذلك صاحب الفروع يرجح ، وكذلك الموفق وغيره.
وعندما يقال (ظاهر المذهب): أي الراجح منه.
(والمشهور في المذهب): أي الراجح في المذهب.
فالمتفقه في مذهب الحنابلة يمكنه أن يرجح الحق من مسائل الخلاف فيه.كما أن العارف بالأدلة الشرعية والمتمرس فيها يمكنه أن يرجح فيما يختلف فيه أهل العلم عامة من الحنابلة وغيرهم.إذن المقنع: ليس فيه قول واحد عن الإمام أحمد أو أصحابه ، وإنما يذكر احتمالات.فأتى هذا المؤلف واختار من الروايتين رواية واختار من كل وجهين وجها هو الظاهر والمذهب والمشهور فيه عنده ، وإلا فقد يقع خطأ منه فيختار ما ليس بمشهور في المذهب ويكون المشهور في المذهب بخلاف ما اختاره.
ـ والمقنع: لم يذكر فيه الأدلة أو التعليلات للاختصار، والموفق له أربع مؤلفات في الفقه جعلها مرتبة.
1. كتاب العمدة وهذا المؤلف لا يذكر فيه الخلافات في المذهب وإنما يكتفي بقول واحد وربما ذكر الدليل أحياناً ليتمرس الطالب على معرفة الأدلة الشرعية.
2. ثم يترقى معه إلى كتاب المقنع وقد تقدمت صفته.
3. ثم يترقى إلى كتاب الكافي : وهو على طريقة المقنع ، لكن فيه زيادة أدلة وتعليلات فيضيف الأدلة والتعليلات التي تركها في كتاب المقنع .
4. ثم يأتي بعد ذلك كتاب (المغني) في الفقه المقارن يذكر أقوال الحنابلة ويذكر أقوال الشافعية وغير ذلك من أقوال أهل العلم فهو في الفقه المقارن، ويذكر أدلة هؤلاء وهؤلاء ويستدل للحنابلة فهو كتاب واسع.
قال بعضهم جامعاً كتبه:
كفى الخلق بالكافي وأقنع طالبـاً = بمقنع فقه عن كتاب مطول
وأغني بمغني الفقه من كان باحثـاً = وعمدته من يعتمدها يحصل.
ولا شك أن كتبه واختياراته ومؤلفاته ـ رحمه الله ـ من أنفع المؤلفات في الفقه الحنبلي وأكثرها بركة ونفعاً فرحمه الله تعالى.

* قوله: ((وربما حذفت فيه مسائل نادرة الوقوع وزدت على ما مثله يعتمد، إذ الهمم قد قصرت )):
ففيه مسائل قد حذفها من المقنع لا لشيء إلا لندرة وقوعها، فهي مسائل يقل وقوعها فلم يحتج إلى ذكرها؛ لأن الحاجة إليها ضعيفة.
(وزدت على ما مثله يعتمد): فهو قد زاد على المقنع زيادات رأى أنها مهمة فزادها .
قال: (إذ الهمم قد قصرت والأسباب المثبطة عن نيل المراد قد كثرت): هذا تعليل للاختصار ولحذف المسائل النادرة الوقوع.
(والأسباب المثبطة عن نيل المراد): ومن أعظمها المعاصي.

* قوله: ((ومع صغر حجمه حوى -جمع- ما يغني عن التطويل)):
فهو كتاب مع صغر حجمه كما قال، قد حوى مسائل كثيرة تغني عن التطويل الموجود في غيره من الكتب.

* قوله: ((ولا حول ولا قوة إلا بالله)):
لا حول: أي لا تحول لنا من حال إلى حال لا يمكننا أن نتحول من شدة إلى خفة من فقر إلى غنى من جهل إلى علم من شرك إلى توحيد من معصية إلى طاعة لا حول لنا إلا بالله سبحانه وتعالى.أي لا تحول لأحد من حال إلى حال من حال سيئة إلى حسنة إلا بالله سبحانه وتعالى.
(ولا قوة): كذلك لا قوة يستعان بها إلا قوة الله عز وجل.

* قوله: ((وهو حسبنا)):
حسبنا: أي كافينا، فالحسب هو الكافي {يا أيها النبي حَسْبُكَ الله} ([21]) أي كافيك الله.

* قوله: ((ونعم الوكيل)):
أي نعم الوكيل الله سبحانه وتعالى.أي نعم المتوكل عليه الذي تفوض الأمور إليه فيدفع الضر ويجلب النفع الله سبحانه، فهو المتوكل عليه سبحانه وتعالى.والحمد لله رب العالمين.


([1]) أخرجه البخاري: في كتاب بدء الوحي، رقم 7، وأخرجه كذلك برقم 51، 2681، 2804، 2940، 2978، 3174، 4553، 5980، 6260، 7196. وأخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل (1773).
([2]) سورة النمل (30).
([3]) قال في الإرواء [1/29] رقم (1): "ضعيف جداً ، وقد رواه السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (1/ 6)" وقال: "وهذا سند ضعيف جداً آفته ابن عمران هذا، ويعرف بابن الجندي".
([4]) سورة النحل (2)، سورة الأنبياء (25) .
([5]) سورة الفرقان (3) .
([6]) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب الهدي في الكلام ( 4840) بلفظ: (كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو أجذم)، أخرجه ابن ماجه في كتاب النكاح باب خطبة النكاح ( 1894) " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن يحيى ومحمد بن خلف العسقلاني قالوا : حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأوزاعي عن قرة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد أقطع".
([7]) أخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب، باب فضل الحامدين ( 3803) قال: "حدثنا هشام بن خالد الأزرق أبو مروان حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يحب قال: ( الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكره قال: ( الحمد لله على كل حال ) .
([8]) سورة الإسراء (44).
([9]) البقرة (157).
([10]) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ... ) أخرجه مسلم في كتاب الفضائل، باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم ( 2278)، وفي لفظ: ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) برقم ( 194). وأخرجه البخاري (4712)، (3340) .
([11]) أخرجه البخاري بلفظ ( أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة ) في كتاب الزكاة ، باب أخذ صدقة التمر عند صرام النخل ، وأخرجه أيضاً في مواضع أخرى دون ذكر ( الآل ) ، وأخرجه مسلم كذلك ( 1069) .
([12]) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ، نهاية باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا (6260) بلفظ ( اللهم ارزق آل محمد قوتاً ) . وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب في الكفاف والقناعة (1055) وفي كتاب الزهد والرقاق باب ما بين بعد (2969) . وابن ماجه في كتاب الزهد ، باب معيشة آل محمد صلى الله عليه وسلم (4139)
([13]) سورة غافر (46) .
([14]) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (1497)، وأخرجه كذلك برقم (4166)، ( 6332)، (6359)، وأخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة (1077)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزكاة، باب ما يقال عند إخراج الزكاة (1796) .
([15]) سورة غافر (46).
([16]) سبق قريباً.
([17]) سورة الصف ( 6).
([18]) لعل الأقرب: وفيه.
([19]) سورة طه (28).
([20]) لعل الصواب: فيه.
([21]) سورة الأنفال (64) .


  #7  
قديم 6 محرم 1434هـ/19-11-2012م, 05:25 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي إجابات على أسئلة طلاب الدورات العلمية بالمعهد / الشيخ عبد العزيز الداخل

السؤال الأول : قال في الحاشية في النقطة 42: ''وفيه إشارة إلى أن أل للجنس ومعناه اﻹشارة إلى ما يعرفه كل أحد،وهو حقيقة الحمد وماهيته''، هل يستفاد من هذا أن الشيخ يرى أن أل في قولنا: الحمد لله. للجنس، وما هو الراجح في ذلك: هل هي للجنس أم للاستغراق؟
الجواب :
التعريف باللام إذا أريد به الجنس فإنه قد يفيد الاستغراق كما في هذا المثال ، وعلامته أن يصلح لغةً أن تسبق اللفظة بـ(كل) ، وقد لا يفيد الاستغراق، فيكون لتعريف الماهية كما في قوله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعاً}
على أحد القولين، وكما يقال: الرجل خير من المرأة.
لا يقتضي هذا الاستغراق لجميع الرجال على جميع النساء، وإنما تفضيلهم من حيث ماهية الرجولة على ماهية الأنوثة كما قال تعالى: {وللرجال عليهن درجة}
وكلا النوعين يراد به الجنس.



السؤال الثاني :
ما هو القول الراجح في كيفية الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في غير التشهد؟ وهل يصلى على الآل معها؟، مع ذكر الدليل إن أمكن؛ لأنه في الحقيقة أشغلتني هذه المسألة فبعضهم يذكر في ذلك حديثا لا أعلم صحته وهو: ((لا تصلوا علي الصلاة البتراء)) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
الجواب :
أصح ما ورد في هذا الباب حديث كعب بن عجرة في الصحيح، وهي الصلاة الإبراهيمية، وتسن في الصلاة في غير الصلاة، واختلف أهل العلم في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة على قولين:
القول الأول: أنها فرض كفاية.
والقول الثاني: أنها سنة، وتتأكد عند ذكره صلى الله عليه وسلم.
واستحب بعض أهل العلم كما ذكر ذلك النووي وغيره الجمع بين الصلاة والتسليم ليتم بذلك العمل بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما}
وأما حديث الصلاة البتراء فقد ذكر بعض أهل العلم أنه من وضع الشيعة، ولا يعرف في دواوين أهل السنة.
وذكر الآل سنة كما في حديث كعب بن عجرة وكذلك ذكر أزواجه وذريته كما في حديث أبي حميد الساعدي، ومن ترك ذلك فلا حرج عليه، وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على ذلك كما في جلاء الأفهام لابن القيم.


السؤال الثالث :
قال الحاشية في النقطة 89: ''وهذا لشرفه صلى الله عليه وسلم أعطوا كل من رآه حكم أصحابه،سواء كان مؤمنا حكما،أو اختيارا''، ماذا يقصد بقوله: ''أو اختيارا''؟
الجواب :
اختياراً: أي مختاراً للإسلام شاهداً به، وذلك يكون في حق المميز والعاقل.
وقوله: (حكماً) أي من يُحكم بإسلامه تبعاً لوليّه، كالطفل الذي لم يميز إذا كان وليّه مسلماً حكم بإسلامه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
خطبة, زاد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir