دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:09 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي خطبة ألفية ابن مالك

بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ
قالَ الشيخُ الإمامُ العالِمُ، العاملُ الفاضلُ الكاملُ، المتْقِنُ المحقِّقُ مَجْمَعُ الفضائلِ، فريدُ دَهْرِهِ ، ولسانُ عصْرِهِ ، بدْرُ الدِّينِ أبو عبدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ ابنُ الإمامِ حُجَّةِ العرَبِ مُحَمَّدِ بنِ مالكٍ الطَّائِيُّ الجَيَّانِيُّ، تَغَمَّدَهُ اللَّهُ برحمتِهِ .
أمَّا بعدَ حمدِ اللَّهِ سُبحانَهُ بِمَا لَهُ مِن الْمَحامِدِ على ما أَسْبَغَ مِنْ نِعمةِ البَوادِئِ والعوائدِ . والصلاةُ والسلامُ على سَيِّدِنا محمَّدٍ المُرْسَلِ رَحمةً للعالَمِينَ، وقُدوةً للعارِفينَ ، وعلى آلِهِ وأصحابِهِ الطاهرينَ، وعلى سائرِ عِبادِ اللَّهِ الصالحينَ ؛ فإني ذَاكِرٌ في هذا الكتابِ أُرْجُوزَةَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ في عِلْمِ النحوِ الْمُسَمَّاةَ بالْخُلاصةِ ... رَاجيًا مِن اللَّهِ تعالى حُسْنَ التأييدِ والتوفيقِ والتسديدِ بِمَنِّهِ وعَوْنِهِ.


قالَ مُحَمَّدٌ هوَ ابْنُ مالكِ = أَحْمَدُ رَبِّي اللَّهَ خيرَ مالِكِ
مُصَلِّيًا على النبيِّ الْمُصْطَفَى = وآلِهِ المُسْتَكْمِلِينَ الشُّرَفَا
وأَسْتَعِينُ اللَّهَ في أَلْفِيَّهْ = مقاصِدُ النحوِ بها مَحْوِيَّهْ
تُقَرِّبُ الأقْصَى بلَفْظٍ مُوجَزِ = وتَبْسُطُ البذْلَ بوَعْدٍ مُنْجَزِ
وتَقْتَضِي رِضًى بغيرِ سُخْطِ = فائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي
وهوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلَا = مستوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلَا
واللَّهُ يَقْضِي بِهِباتٍ وَافِرَةْ = لِيولَهُ في دَرجاتِ الآخِرَةْ


  #2  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


قالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكٍ = أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ (1)
مُصَلِّياً عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَفَى = وآلِهِ المُسْتَكْمِلِينَ الشَّرَفَا (2)
وَأَسْتَعِينُ اللهَ في أَلْفِيَّهْ = مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ (3)
تُقَرِّبُ الأَقْصَى بلفظٍ مُوجَزِ = وتَبْسُطُ البَذْلَ بوَعْدٍ مُنْجَزِ (4)
وتَقْتَضِي رِضاً بِغَيْرِ سُخْطِ = فَائِقَةً أَلْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِ (5)
وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاَ = مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الجَمِيلاَ (6)
واللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ = لِي وَلَهُ فِي دَرَجَاتِ الآخِرَهْ (7)


بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ وحدَه، وصلاتُه وسلامُه على مَن لا نَبِيَّ بعدَه.
([1]) (قالَ) فِعْلٌ ماضٍ، (مُحَمَّدٌ) فاعلٌ، (هُوَ) مبتدأٌ، (ابْنُ) خبرُ المبتدأِ، (مالِكِ) مضافٌ إليه، وكانَ حَقُّ (ابنُ) أنْ يكونَ نعتاً لمُحَمَّدٍ، ولكِنَّه قَطَعَه عنه، وجَعَلَه خبراً لضميرِه، والأصلُ أنَّ ذلكَ إنما يَجُوزُ إذا كانَ المنعوتُ معلوماً بدونِ النعتِ حقيقةً أو ادِّعاءً، كما أنَّ الأصلَ أنه إذا قُطِعَ النعتُ عن اتِّبَاعِهِ لمنعوته في إعرابِه يُنْظَرُ في الدَّاعِي إليه، فإنْ كانَ النعتُ لمَدْحٍ أو ذمٍّ وَجَبَ حَذْفُ العاملِ، وإنْ كانَ لغيرِ ذلكَ جازَ حذفُ العاملِ وذِكْرُه.
والجملةُ هنا ـ وهي قولُه: (هُوَ ابْنُ مَالِكِ) ـ لَيْسَتْ للمدحِ ولا للذمِّ، بل هي للبَيَانِ، فيَجُوزُ ذِكْرُ العاملِ وهو المبتدأُ، وإذاً فلا غُبَارَ على عبارةِ الناظمِ حيثُ ذَكَرَ العاملَ وهو المبتدأُ، والجملةُ مِن المبتدأِ والخبرِ لا محلَّ لها من الإعرابِ مُعْتَرِضَةٌ بينَ القولِ ومقولِه، (أَحْمَدُ) فِعْلٌ مضارِعٌ، وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وُجُوباً تقديرُه أنا.
(رَبِّي) رب مَنْصُوبٌ على التعظيمِ، وعلامةُ نصبِه فَتْحَةٌ مقدَّرَةٌ على ما قبلَ ياءِ المتكلِّمِ، مَنَعَ مِن ظُهُورِها اشتغالُ آخِرِ الكلمةِ بحركةِ المناسبةِ، ورب مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه مبنِيٌّ على السكونِ في محلِّ جرٍّ، (اللهَ) عَطْفُ بيانٍ لربٍّ، أو بدَلٌ مِنه، منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، (خَيْرَ) منصوبٌ بعاملٍ محذوفٍ وجوباً، تقديرُه: أَمْدَحُ، وقِيلَ: حالٌ لازمةٌ، و(خيرَ) مضافٌ و(مالكِ) مضافٌ إليه، والجملةُ مِن (أَحْمَدُ) وفاعِلِه وما تَعَلَّقَ به من المعمولاتِ في محلِّ نصبِ مفعولٍ به لقالَ، ويُقالُ لها: مقولُ القولِ.
([2]) (مُصَلِّياً) حالٌ مقدَّرةٌ، ومعنى كونِها مُقَدَّرَةً أنَّها تَحْدُثُ فيما بعدُ؛ وذلك لأنَّه لا يُصَلِّى على النبيِّ صَلَوَاتُ اللهِ عليه في وَقْتِ حَمْدِه للهِ، وإنما تَقَعُ منه الصلاةُ بعدَ الانتهاءِ مِن الحمدِ، وصاحَبَهَا الضميرُ المستَتِرُ وجوباً في أَحْمَدُ، (عَلَى النَّبِيِّ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بالحالِ.
(المُصْطَفَى) نعتٌ للنبيِّ، وهو مجرورٌ بكسرةٍ مُقَدَّرَةٍ على الألفِ، منَعَ مِن ظُهُورِها التعذُّرُ، (وَآلِهِ) الواوُ عاطِفَةٌ، آلِ: معطوفٌ على النبيِّ، وآلِ مضافٌ والهاءُ مضافٌ إليه مبنيٌّ على الكسرِ في محلِّ جرٍّ، (الْمُسْتَكْمِلِينَ) نَعْتٌ لآلِ، مجرورٌ بالياءِ المكسورِ ما قَبْلَهَا، المفتوحِ ما بعدَها؛ لأنَّه جمعُ مذكَّرٍ سالِمٍ، وفيه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ هو فاعِلُه.
(الشَّرَفَا) بفتحِ الشينِ، مفعولٌ به للمُسْتَكْمِلِينَ، منصوبٌ بالفتحةِ الظاهرةِ، والألِفُ للإطلاقِ، أو بضَمِّ الشينِ نعتٌ ثانٍ للآلِ مجرورٌ بكسرةٍ مقدَّرةٍ على الألفِ؛ إذ هو مقصورٌ من الممدودِ، وأَصْلُه: الشُّرَفَاءِ، جمعُ شَريفٍ، ككُرَمَاءَ وظُرَفَاءَ وعُلَمَاءَ وبُخَلاءَ ونُجَبَاءَ، في جمعِ كريمٍ وظَريفٍ وعَلِيمٍ وبَخِيلٍ ونَجِيبٍ ، وعلى هذا الوجهِ يكونُ مفعولُ قولِه: (المُسْتَكْمِلِينَ) محذوفاً، وكأنَّه قدْ قالَ: مُصَلِّياً على الرسولِ المصطفَى وعلى آلِهِ المُسْتَكْمِلِينَ أنواعَ الفضائلِ الشُّرَفاَءِ.
([3]) (وَأَسْتَعِينُ) الواوُ حرفُ عطفٍ، أَسْتَعِينُ: فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه وجوباً، تقديرُه: أنا، (اللهَ) منصوبٌ على التعظيمِ، وجُمْلَةُ الفعلِ وفاعلِه وما تَعَلَّقَ به مِن المعمولاتِ في محلِّ نصبٍ، معطوفةٌ على الجملةِ السابقةِ الواقعةِ مفعولاً به لقالَ، (فِي أَلْفِيَّهْ) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بأَسْتَعِينُ، (مَقَاصِدُ) مبتدأٌ، ومقاصِدُ مضافٌ و(النَّحْوِ) مضافٌ إليهِ، (بِهَا) جارٌّ ومجرورٌ متعلِّقٌ بمَحْوِيَّهْ، (مَحْوِيَّهْ) خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخَبَرِه في محلِّ جرِّ نعتٍ أَوَّلَ لأَلْفِيَّةٍ.
([4]) (تُقَرِّبُ) فعلٌ مضارعٌ. وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً، تقديرُه: هي، يعودُ إلى ألفيَّةٍ، (الأَقْصَى) مفعولٌ به لِتُقَرِّبُ، (بلَفْظٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتُقَرِّبُ، (مُوجَزِ) نعتٌ للفظٍ، (وَتَبْسُطُ) الواوُ حرفُ عطفٍ، تَبْسُطُ: فعلٌ مضارِعٌ، وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً، تقديرُه هي، يَعُودُ إلى أَلْفِيَّةٍ أيضاًً، (البَذْلَ) مفعولٌ به لتَبْسُطُ، (بوَعْدٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَبْسُطُ، (مُنْجَزِ) نعتٌ لوَعْدٍ، وجُمْلَتَا الفعليْنِ المضارعيْنِ اللذيْن هما (تُقَرِّبُ) و(تَبْسُطُ) معَ فاعِلَيْهِمَا الضميريْنِ المُسْتَتِرَيْنِ، وما يَتَعَلَّقُ بكلٍّ مِنهما في محلِّ جرٍّ عطفٌ على الجملةِ الواقعةِ نعتاً لألفيَّةٍ، والجملتانِ نعتانِ ثانٍ وثالثٌ لألفيَّةٍ.
([5]) (وَتَقْتَضِي) الواوُ حرفُ عطفٍ،، تَقْتَضِي: فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً، تقديرُه هي، يَعُودُ إلى ألفيَّةٍ، (رِضاً) مفعولٌ به لتَقْتَضِي (بِغَيْرِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٌ لرِضاً، و(غيرِ) مضافٌ و(سُخْطِ) مضافٌ إليه، (فاَئِقَةً) حالٌ مِن الضميرِ المُسْتَتِرِ في (تَقْتَضِي)، وفاعلُ فائقةٍ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هي، (أَلْفِيَّةَ) مفعولٌ به لاسمِ الفاعلِ الذي هو فائقةً، و(أَلْفِيَّةَ) مضافٌ، و(ابنِ) مضافٌ إليه، و(ابنِ) مضافٌ و(مُعْطِ) مضافٌ إليه، وجملةُ (تَقْتَضِي) معَ فاعلِه وما تَعَلَّقَ به مِن المعمولاتِ في مَحَلِّ جرٍّ عطفٌ على الجملةِ الواقعةِ نعتاً لألفيَّةٍ أيضاًً.
([6]) (وَهْوَ) الواوُ للاستئنافِ، وهو: ضميرٌ منفصِلٌ مبتدأٌ (بِسَبْقٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بحائزٍ الآتي بعدُ، والباءُ للسببيَّةِ، (حائِزٌ) خبرُ المبتدأِ، (تفضيلاً) مفعولٌ به لحائزٍ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، (مُسْتَوْجِبٌ) خبرٌ ثانٍ لهو، وفاعِلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه، (ثَنَائِيَ) ثناءٌ: مفعولٌ به لمُسْتَوْجِبٍ، وثناءٌ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، (الجَمِيلاَ) نعتٌ لثناءٍ، والألفُ للإطلاقِ.
([7]) (واللهُ) الواوُ للاستئنافِ، ولفظُ الجلالةِ مبتدأٌ، (يَقْضِي) فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بضمَّةٍ مقدَّرةٍ على الياءِ، وفاعلُه ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جوازاً تقديرُه هو يعودُ إلى اللهِ، والجملةُ من الفعلِ الذي هو يَقْضِي وفاعلِه في محلِّ رفعِ خبرِ المبتدأِ، (بِهِبَاتٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَقْضِي، (وَافِرَهْ) نعتٌ لهباتٍ (لي وله في دَرَجَاتِ) كلُّ واحدٍ مِنْهُنَّ جارٌّ ومجرورٌ، وكلُّهُنَّ مُتَعَلِّقَاتٌ بيَقْضِي، و(دَرَجَاتِ) مضافٌ و(الآخِرَةْ) مضافٌ إليه مجرورٌ وعلامةُ جرِّه الكسرةُ الظاهرةُ، وسَكَّنَه لأجلِ الوقفِ، وكانَ مِن حقِّ المسلمينَ عليه أنْ يَعُمَّهُم بالدعاءِ؛ ليكونَ ذلك أقربَ إلى الإجابةِ.
تنبيهٌ: ابنُ مُعْطٍ هو الشيخُ زَيْنُ الدِّينِ، أبو الحُسَيْنِ، يَحْيَى بنُ عبدِ المُعْطِي بنِ عبدِ النُّورِ الزَّوَاوِيُّ ـ نسبةً إلى زواوةَ، وهي قبيلةٌ كبيرةٌ كانَتْ تَسْكُنُ بظاهرِ بجايةَ مِن أعمالِ إِفْرِيقْيَا الشماليَّةِ ـ الفَقِيهُ الحَنَفِيُّ.
وُلِدَ في سنةِ 564 هـ وأَقْرَأَ العربيَّةَ مُدَّةً بمِصْرَ ودِمَشْقَ، ورَوَى عن القاسمِ بنِ عَساكِرَ وغيرِه، وهو أَجَلُّ تلامِذَةِ الجَزُولِيِّ، وكانَ مِن المُنْفَرِدِينَ بعلمِ العربيَّةِ، وهو صاحبُ الألفيَّةِ المشهورةِ وغيرِها مِن الكُتُبِ الممتعةِ، وقد طُبِعَتْ أَلْفِيَّتُه في أُورُبَّا، وللعلماءِ عليها عِدَّةُ شُرُوحٍ. وتُوُفِّيَ في شهرِ ذِي القَعْدَةِ مِن سنةِ 628 هـ بمِصْرَ، وقبرُه قريبٌ مِن تُرْبَةِ الإمامِ الشافعيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم جميعاً [انْظُرْ تَرْجَمَتَه في (شَذَرَاتِ الذَّهَبِ) لابنِ العِمادِ (5 / 129)، وفي (بُغْيَةِ الوُعَاةِ) للسُّيُوطِيِّ (ص 41)، وانْظُرِ: (النُّجُومَ الزاهرةَ) (6/278)].


  #3  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:35 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني

شرحُ مُقَدِّمَةِ الألفيَّةِ
(بِسمِ اللَّه الرحمنِ الرحيمِ)
1- قَـالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ: = أَحْمَدُ رَبِّي اللَّه خَيْرَ مَـالِكِ
هو الإمامُ، العلامةُ، أبو عبدِ اللَّهِ، جمالُ الدينِ بنُ عبدِ اللَّه (ابنِ مالكٍ) الطائيُّ نسبًا، الشافعيُّ مذهبًا، الجيانيُّ منشأً، الأندلسيُّ إقليمًا، الدمشقيُّ دارًا ، ووفاتُه لاثنتي عشرةَ ليلةً خلَتْ من شعبانَ عامَ اثنينِ وسبعينِ وستِّمَائِةٍ، وهو ابنُ خمسٍ وسبعينَ سنةٍ (أحمدُ ربِّي اللَّه خَيْرَ مَالِكٍ) أَيْ: أُثْْْنِي عليهِ الثناءَ الجميلَ، اللائَّقَ، بجلالِ عظمتِهِ، وجزيلِ نعمتِهِ التي هذا النظمُ مِنْ آثارِهَا، واختارَ صيغةَ المضارعِ المُثْبَتِ لما فيها من الإشعارِ بالاستمرارِ التجدُّدِيِّ ، وقصدَ بذلك الموافقةَ بينَ الحمدِ والمحمودِ عليه، أي: كما أنَّ آلاءَه تعالى لا تزالُ تتجدَّدُ في حقِّنَا دائمًا كذلك نحمُده بمحامدٍ لا تزالُ تتجدَّدُ، وأيضا فهو رجوعٌ إلى الأصلِ؛ إذ أصلُ "الحمدِ لِلَّهِ": أحمدُ أو حمَدْتُ حمدً اللَّهَ: فحذَفَ الفِعْلَ اكتفاءً بدلالةِ مصدرِه عليه، ثُمَّ عدلَ إلى الرفعِ لقصدِ الدلالةِ على الدوامِ والثبوتِ، ثم أُدْخِلَتْ عليه "أل" لقصدِ الاستغراقِ.و "الربُّ" المالكُّ. و "اللَّهُ" عَلَمٌ على الذاتِ الواجبِ الوجودِ- أي: لذاتِه- المُسْتَحِقُّ لجميعِ المحامدِ، ولم يُسَّمَ بِهِ سِوَاه،ُ قال تعالى: { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أيْ: هلْ تعلمُ أحدًا تَسَمَّى اللَّهُ غيرَ اللَّهِ، وهو عربيٌّ عندَ الأكثرِ، وعندَ المحقِّقينَ أنَّهَا اسمُ اللَّهِ الأعظمُ، وقد ذُكِرَ في القرآنِ العظيمِ في ألفينِ وثلثِمِائِةٍ وستِّينَ موضعًا، واختارَ الإمامُ النوويُّ تبعًا لجماعةٍ أنَّهَا الحيُّ القيومُ، قال: ولهذا لم يُذْكَرْ في القرآنِ إلا في ثلاثةِ مواضعَ: في البقرةِ، وآلِ عمرانَ، وطَهَ. واللَّهُ أعلمُ.
تنبيهٌ : أوقَعَ الماضي موقِعَ المستقبلَ تنزيلًا لمقولِه منزلةَ ما حصلَ: إما اكتفاءً بالحصولِ الذهنيِّ، أو نظرًا إلى ما قَوِيَ عندَه مِنْ تحقُّقِ الحصولِ وقُرْبِهِ، نحوُ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ}.
وجملةُ "هُوَ ابْنُ مَالِكٍ" مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ "قَالَ" ومقولِه، لا مَحِلَّ لها مِنَ الإعرابِ، ولفظُ "رَبِّ" نُصِبَ تقديراً على المفعوليَّةِ، والياءُ في موضِعِ الجرِّ بالإضافةِ، و"اللَّهُ" نُصِبَ بدلٌ مِنْ "ربِّ" أو بيانِ و"خيرَ" نُصِبَ أيضًا بدلٌ أو حالٌ على حدِّ: "دعَوْتُ اللَّهَ سميعًا" وموضِعُ الجملةِ نصبُ مفعولٍ لِقالَ، ولفظُها خبرٌ، ومعناها الإنشاءُ، أي: أُنْشِيءُ الحمدَ.
***
2- مُصَلِّيًـا عَلَى النَّبِيِّ المُصْطَـفَى = وآلِـه المُسْتَكْمِلِينَ الشَّرَفَـا
(مُصَلِّيًا) أي: طَالِبًا مِنَ اللَّهِ صلاتَه، أي: رحمتَه(على النبيِّ)-بتشديدِ الياءِ- مِنَ النبوَّةِ- لأنَّهُ مُخْبِرٌ عن اللَّهِ تعالى، فَعَلَى الأَوَّلِ هو فعيلٌ بمعنَى مفعولٍ، وعلى الثانِي بمعنَى فاعلِ. و"مصليًّا" حالٌ من فاعلِ "أَحْمَدُ"مَنْوِيَّةٌ لاشتغالِ موردِ الصلاةِ بالحمدِ، أي: نَاوِيًا الصلاةَ على النبيِّ (المصطَفَى) مُفْتَعَلٌ مِنَ الصفوةِ، وهو: الخلوصُ من الكَدَرِ، قُلِبَتْ تاؤُه طاءً لمجاورةِ الصادِ، ولامُه ألفًا لانفتاحِ ما قبلَها؛ ومعناه المختارُ (وآلِه) أي: أقاربِه من بني هاشمٍ والمطلبِ(المُسْتَكْمِلِينَ) باتِّبَاعِهِ (الشَّرَفَا) أي: العُلُوَّ.
لفظةُ آلِ:
تنبيهٌ : أصلُ "آلُ": أهلُ: قُلِبَتِ الهاءُ همزةً، كما قُلِبَتِ الهمزةُ هاءً في "هَرَاقَ" الأصلُ "أَرَاقَ" ثم قُلِبَتِ الهمزةُ ألفًا لسكونِها وانفتاحِ ما قبلَها، كما في "آدَمَ" و"آمَنَ" هذا مذهبُ سيبويهِ. وقال الكِسَائِيُّّ : أصلُه "أَوَل" كجَمَل، مِنْ آلَ يَؤُولُ: تحرَّكَتِ الواوُ وانفتحَ ما قبلَها قُلِبَتِ ألفًا. وقد صَغَّرُوه على "أُهَيْلِ" وهو يشهَدُ للأَوَّلِ، وعلى "أُوَيْل" وهو يشهَدُ للثاني: ولا يُضَافُ إلا إلى ذي شرفٍ، بخلافِ "أه"ل، فلا يقالُ "آل الإسكافِ" ولا ينتقضُ بـ آل فرعونَ فإن له شرفًا باعتبارِ الدنيا، واختُلفَ في جوازِ إضافتِه إلى المضمرِ: فمنعُه الكِسَائِيّ والنحاس، وزعم أبو بكر الزبيدي، أنَّهُ مِنْ لَحْنِ العَوَامِ، والصحيحُ جوازُه. قالَ عبدُ المطَّلِبِ [من مجزوء الكامل]:
1- وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيـ = ـبِ وَعَابِدِيهِ اليَوْمَ آلَكَ
وفي الحديث: "اللُّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ".
***

3- وَأَسْتَعِـينُ اللَّهَ فِي أَلْـفِيَّهْ = مَـقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَـا مَحْـوِيَّــهْ
(وَأَسْتَعِينُ اللَّهَ في) نظمِ قصيدةٍ (أَلْفِيَّةٍ) أي: عِدَّةُ أبياتِها ألفٌ أو ألفانِ، بناءً على أنَّهَا مِنْ كاملِ الرجزِ أو مشطورِهِ، ومَحَلُّ هذه الجملةِ أيضا نصبٌ عطفًا على جملةِ "أحمدُ". والظاهرُ أن "في" بمعنى على، لأن الاستعانةَ وما تصرَّفَ منها إنما جاءَتْ متعدِّيَةً بـ "على"، قال تعالى:{وَأَعَأنَهُ عليه قومٌ آخروُنَ} { واللَّهُ المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} أو أنَّهُ ضمَّنَ أستعينُ معنى "أسْتَخِيرُ" ونحوُه مما يتعدَّى بـ "في"، أي: وأستخيرُ اللَّهَ في ألفيَّةٍ (مقاصِدُ النحوِ) أي: أغراضُه وجلُّ مُهِمَّاتُهُ (بها) أي: فيها(مَحْوِيَّةً) أي: مَحُوزَةٌ.
تعريفُ علمِ النحوِ:
تنبيهٌ : النحوُ في الاصطلاحِ هو: العِلْمُ المُسْتَخْرَجُ بِالمقاييسِ المُسْتَنْبَطَةِ مِنِ اسْتِقْرَاءِ كَلامِ العربِ الموصلةِ إلى معرفةِ أحكامِ أجزائِه التي ائْتَلَفَ منها، قالَه صاحبُ المُقَرَّبِ. فعُلِمَ أنَّ المرادَ هنا بالنحوِ ما يُرَادِفُ قولَنا: "عِلْم العربيةِ" لا قسيمَ الصرفِ. وهو مصدرٌ أُريدَ به اسمُ المفعولِ أي: المنحوِّ، كالخَلْقِ بمعنى المَخْلُوقِ.
وخصَّتْهُ غلبةُ الاستعمالِ بهذا العِلْمِ، وإنْ كانَ كلُّ عِلْمٍ مَنْحُوًّا، أي: مقصودًا، كما خُصَّتِ الفقهُ بعلمِ الأحكامِ الشرعيَّةِ الفرعيَّةِ ، وإنْ كانَ كلّ عِلْمٍ فقهًا، أي: مفقُوهًا، أي: مفهومًا. وجاءَ في اللغةِ لمعانٍ خمسةٍ: القصدُ، يقال:نحَوْتُ نحوَكَ، أي: قصَدْتُ قصْدَكَ، والمِثْلُ، نحو: مَرَرْتُ برَجُلٍ نَحْوِكَ، أي: مثلِكَ، والجهةُ، نحو: تَوَجَّهْتُ نحوَ البيتِ، أي: جهةَ البيتِ، والمقدارُ، نحوَ: له عندي نحوُ ألفٍ، مقدارُ ألفٍ، والقِسْمُ، نحوُ: هذا على أربعةِ أنحاءَ، أي: أقسامٍ، وسببُ تسميةِ هذا العِلْمِ بذلك ما روُيِ أنَّ عليًا رضي اللَّه تعالى عنه لما أشارَ على أبي الأسودِ الدُّؤَلِيِّ أنْ يضعَه وعلَّمَهُ الاسمَ والفعلَ والحرفَ وشيئًا مِنَ الإعرابِ قال: "انْحُ هذا النحوَ يا أبا الأسودِ".
***
4- تُقَرِّبُ الأَقْصَى بِلَفْظٍ مُوجَزِ = وَتَبْسُطُ البَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
(تُقَرِّبُ) هذه الألفيةُ للأفهامِ (الأَقْصَى) أي: الأبعدَ من المعاني (بِلَفْظٍ مُوجَزِ) الباءُ بمعنى مع، أي: تفعَلُ ذلك مع وجازةِ اللفظِ ، أي: اختصارُه (وَتَبْسُطُ) أي: تُوَسِّعُ(البَذْلَ)- بالمعجمةِ- أي: العطاءِ، وهو إشارةٌ إلى ما تمنحُه لقارئِها من كثرةِ الفوائدِ (بِوَعْدٍ مُنْجَزِ) أي: مُوفًّى سريعًا.
تنبيهٌ : قال الجوهريُّ : أَوْعَدَ- عند الإطلاقِ- يكونُ للشرِّ، ووَعَدَ للخيرِ، وأنشدَ [من الطويل]:
2- وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ = لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي

5- وَتَقْتَضِي رِضًا بِغَيْرِ سُخْطِ = فَائِقَةً أَلْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِ
(وتَقْتَضِي) أي: تَطْلُبُ، لما اشتمَلَتْ عليه من المحاسنِ (رضى) محضًا (بغيرِ سُخْطٍ) يشوبُه (فائقةَ ألفيَّةِ) الإمامِ العلامةِ أبي الحسنِ يحيى (بن مُعْطِ) بنِ عبدِ النورِ الزَّوَاوِيِّ الحنفيِّ، الملَقَّبِّ زينُ الدينِ، سكَنَ دمشقَ طويلاً ، واشتغلَ عليه خلْقٌ كثيرٌ، ثم سافرَ إلى مِصْرَ وتصدَّرَ بالجامعِ العتيقِ لإقراءِ الأدبِ ، إلى أن تُوُفِّيَ بالقاهرةِ في سلْخِ ذي القعدةِ سنةَ ثمانٍ وعشرينَ وستِّمِائَةٍ، ودُفِنَ من الغدِ على شفيرِ الخندقِ، بقربِ تربةِ الإمامِ الشافعيِّ رضي اللَّهُ تعالى عنه، ومولِدُه سنةَ أربعٍ وستينَ وخمسِمِائَةٍ.
تنبيهٌ : يجُوزُ في"فائقةً" النصبَ على الحالِ من فاعلِ"تَقْتَضِي"، والرفعُ خبرًا لمبتدأٍ محذوفٍ، والجرُّ نعتًا لألفيَّةِ، على حدِّ{ وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ } في النعتِ بالمفردِ بعد النعتِ بالجملةِ، والغالبُ العكسُ ، وأوجبَهُ بعضُهم.
6- وَهُوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلاٍ = مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الجَمِيلاَ
7- وَاللَّهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ = لِي وَلَهُ فِي درجاتِ الآخِرَهْ
***
(وهو) أي: ابنُ معطٍ (بسبقٍ) الباءُ للسببيةِ، أي: بسببِ سَبْقِهِ إِيَّايَ (حائزٌ تفضيلاَ) علي(مُسْتَوِجب) علي (ثَنَائِيَ الجميلاَ) عليه؛ لما يستحِقُّه السلَفُ من ثناءِ الخلفِ. و"ثَنَائِي" مصدرٌ مضافٌ إلى فاعلِه، وهو الياءُ، والجميلُ: إما صفَةٌ للمصدرِ، أو معمولٌ له (واللَّهُ يَقْضِي) أي: يحكُمُ (بِهِبَاتٍ) جمعُ هبِةٍ وهي: العطيَّةُ، أي: عطيَّاتٍ = وَافِرَهْ) أي: تامَّةً (لِي وَلَهُ في درجاتِ الآخرةِ) الدرجاتُ قال في الصحاحِ :هي الطبقاتُ من المراتبِ،وقال أبو عبيدةَ : الدَّرَجُ إلى أَعْلَى، والدَّرَكُ، إلى أسفلَ، والمرادُ مراتِبُ السعادةِ في الدارِ الآخرةِ ، ولفظ الجملةِ خبرٌ ومعناها الطلبُ.
تنبيهٌ :وصفُ "هباتٍ" وهو جمعٌ بـ "وَافِرَةٍ" وهو مفردٌ لتأَوُّلِهِ بجماعةٍ، وإنْ كانَ الأفصحُ وَافِرَاتٍ؛ لأنَّ هباتٍ جمعُ قِلَّةٍ، والأفصحُ في جمع القِلَّةِ مما لا يُعْقَلُ وفي جمعِ العاقلِ مطلقًا المطابقةُ، نحوُ: "الأَجْذَاعُ انْكَسَرْنَ، ومُنْكَسِرَاتٌ، والهنداتُ والهنودُ انْطَلَقْنَ، ومُنْطَلِقَاتٍ"والأفصحُ في جمع الكثرةِ مما لا يُعْقَلُ الإفراُدُ ، نحوُ: "الجُذُوعُ انْكَسَرَتْ، ومُنْكَسِرَةٌ".
خاتمةٌ: بدأَ بنفسِهِ لحديثِ : "كانَ رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم إِذَا دَعَا بَدَأَ بِنَفِْسِه"، رَوَاه أبو دَاوُدَ، وقالَ تعالَى حكايةً عن نوحٍ علية السلامُ:{ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ} وعَنْ مُوسَى عليه السلامُ: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وِلأَخِي } وكانَ الأحسنُ أنْ يقولَ رحمَه اللَّهُ تعالى:
واللَّهُ يَقْضِي بِالرِّضَى وَالرَّحْمَهْ = لِي وَلَه وَلِجَمِيعِ الأُمَّـــهَ
لِمَا عَرَفْتَ ؛ ولأنَّ التعميمَ مطلوبٌ.


  #4  
قديم 8 ذو الحجة 1429هـ/6-12-2008م, 10:36 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان

بِسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ
مُقَدِّمَةُ الناظِمِ

1- قالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابنُ مالِكِ = أَحْمَدُ رَبِّيَ اللَّهَ خيرَ مالِكِ
2- مُصَلِّياً على النبيِّ الْمُصْطَفَى = وآلِهِ المُسْتَكْمِلِينَ الشَّرَفَا
3- وأَسْتَعِينُ اللَّهَ في أَلْفِيَّهْ = مَقَاصِدُ النحوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
4- تُقَرِّبُ الأقْصَى بلفظٍ مُوجَزِ = وتَبْسُطُ البَذْلَ بوَعْدٍ مُنْجَزِ
5- وتَقْتَضِي رِضًى بغيرِ سُخْطِ = فائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِي
6- وَهْوَ بِسَبْقٍ حائزٌ تَفْضِيلاَ = مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَمِيلاَ
7- واللَّهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ = لِي وَلَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
هذه مُقَدِّمَةُ الناظِمِ، ضَمَّنَها الْحَمْدَلَةَ والصلاةَ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وعلى آلِه، والاستعانةَ باللَّهِ تعالى على هذه الأَلْفِيَّةِ التي ذَكَرَ بعضَ صِفَاتِها، ثم أَشَارَ إلى تَقَدُّمِ العَلاَّمَةِ ابنِ مُعْطِي في هذا الْمَجالِ.
قولُه: (قالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابنُ مالِكِ) نَسَبَ نفْسَه إلى جَدِّهِ، لشُهرتِه به، وإلاَّ فأَبوهُ (عبدُ اللَّهِ) فهو محمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ مالِكٍ الطَّائِيُّ الْجَيَّانِيُّ، أبو عبدِ اللَّهِ، أحَدُ الأئمَّةِ في علومِ العربيَّةِ، وُلِدَ في حدودِ سنةِ 598هـ في (جَيَّانَ) بالأَنْدَلُسِ، وانْتَقَلَ إلى دِمَشْقَ فتُوُفِّيَ بها سنةَ 672هـ، له مؤلَّفاتٌ عَديدةٌ؛ منها (الأَلْفِيَّةُ)، و(الكافيةُ الشافيةُ) وشَرْحُها، و(إكمالُ الإعلامِ بِمُثَلَّثِ الكلامِ)، وغيرُها كثيرٌ.
قولُه: (أَحْمَدُ رَبِّيَ اللَّهَ خيرَ مالِكِ) الحمْدُ هو الاعترافُ للمحمودِ بصِفاتِ الكمالِ معَ مَحَبَّتِه وتَعظيمِه، و(خيرَ) منصوبٌ: إمَّا بعامِلٍ محذوفٍ وُجوباً تقديرُه: أمْدَحُ، أو على أنه حالٌ لازِمَةٌ.
قولُه: (مُصَلِّياً على النبيِّ الْمُصْطَفَى): (مُصَلِّياً) حالٌ مُقَدَّرَةٌ، والحالُ الْمُقَدَّرَةُ هي التي تَحْدُثُ فيما بعدُ؛ كقولِه تعالى: {فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} والصلاةُ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لا تَقَعُ وقتَ حَمْدِه للهِ، وإنما تَقَعُ بعدَ الانتهاءِ منه.
قولُه: (وآلِهِ المُسْتَكْمِلِينَ الشَّرَفَا) إنْ كانَ بفَتْحِ الشينِ فهو مفعولٌ به منصوبٌ بالفَتحةِ الظاهرةِ، والألِفُ للإطلاقِ، وإنْ كانَ بضَمِّ الشينِ فهو نَعْتٌ ثانٍ لـ (لآلِ) مجرورٌ بكسْرَةٍ مُقَدَّرَةٍ على الأَلِفِ؛ لأنه مَقصورٌ مِن الممدودِ، وأصْلُه: (الشُّرَفَاءُ) جَمْعُ شَريفٍ: كظريفٍ وظُرَفَاءَ، والشريفُ مَن جَمَعَ عُلُوَّ النسَبِ معَ حَميدِ الصفاتِ وعُلُوِّ القَدْرِ، وعلى هذا يكونُ مفعولُ (الْمُسْتَكْمِلِينَ) محذوفاً تقديرُه: أنواعَ الفضائِلِ.
قولُه: (وأَسْتَعِينُ اللَّهَ في أَلْفِيَّهْ) أي: أَطْلُبُ العَوْنَ مِن اللَّهِ تعالى، وفي الحديثِ: ((اللَّهُمَّ لاَ سَهْلَ إِلاَّ مَا جَعَلْتَهُ سَهْلاً، وَأَنْتَ تَجْعَلُ الْحَزْنَ إِذَا شِئْتَ سَهْلاً))، أخْرَجَه ابنُ السُّنِّيِّ عن أنَسٍ في (عمَلُ اليومِ والليلةِ)، وصَحَّحَه ابنُ حِبَّانَ، وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ: هذا حديثٌ صحيحٌ.
وقولُه: (في أَلْفِيَّهْ)، (في) بمعنى (على)؛ لأنَّ الاستعانةَ وما تَصَرَّفَ مِنها تَتَعَدَّى بـ (على)؛ قالَ تعالى: {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
و(أَلْفِيَّةْ) أيْ: عَدَدُ أبياتِها أَلْفُ بيتٍ، مِن كامِلِ بَحْرِ الرَّجَزِ، وقد قيلَ: إنها تَنْقُصُ سِتَّةَ أبياتٍ، وقيلَ: أكثَرَ، وقد وُجِدَ مِن شُرَّاحِها مَن يَزيدُ أو يُنْقِصُ بعضَ الأبياتِ.
وقد جاءَتْ مُقَدِّمَةُ الأَلْفِيَّةِ في سبعةِ أبياتٍ، والْخِتَامُ في أربعةٍ.
والباقِي يَخْتَصُّ بالمادَّةِ العِلْمِيَّةِ وعَدَدُها 991 بيتاً حَسَبَ عَدِّي لها، وهي الطبعةُ التي عليها (شَرْحُ ابنِ عَقيلٍ) وغيرُه.
وقولُه: (مَقَاصِدُ النَّحْوِ بها مَحْوِيَّهْ) وصَفَها بذلك ليَعْتَنِيَ بها الطالِبُ حِفْظاً وفَهْماً، ومقاصِدُ النحْوِ: مُهِمَّاتُه، ومعنى (مَحْوِيَّهْ) أيْ: مَجموعةٌ.
قولُه: (تُقَرِّبُ الأقْصَى بلفظٍ مُوجَزِ) أيْ: تُقَرِّبُ المعنى البعيدَ وغوامِضَ المسائِلِ، تُقَرِّبُها للأفهامِ (بلفْظٍ مُوجَزِ) أيْ: قليلِ الحروفِ كثيرِ المعنى.
قولُه: (وتَبْسُطُ البَذْلَ بوَعْدٍ مُنْجَزِ) البَذْلُ؛ أي: العطاءُ، وتَبْسُطُ؛ أيْ: تُوَسِّعُ، والوَعْدُ الْمُنْجَزُ: الْمُوَفَّى به بسُرعةٍ.
قولُه: (وتَقْتَضِي رِضًى بغيرِ سُخْطِ) أيْ: تَطْلُبُ الرضا مِن قارِئِها غيرَ مَشوبٍ بالسُّخْطِ، فلا يَعْتَرِضُ على مُؤَلِّفَها كَثيراً.
قولُه: (فائِقَةً ألْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطٍ) وهو الشيخُ أبو الْحَسَنِ يحيى بنُ عبدِ الْمُعْطِي بنِ عبدِ النُّورِ الزَّوَاوِيُّ، نِسبةً إلى زَوَاوَةَ - اسمِ قَبيلةٍ مَوْطِنُها شَمالُ إِفْرِيقِيَّةَ - وُلِدَ سنةَ 564هـ في (بِجَايَةَ) على ساحِلِ البحْرِ الأبيضِ، وهو صاحِبُ الأَلْفِيَّةِ المشهورةِ وغيرِها مِن الكتُبِ، وقد شَرَحَ ألْفِيَّتَه كثيرون؛ منهم عبدُ العزيزِ الْمَوْصِلِيُّ مِن عُلماءِ القرْنِ السابعِ، وشَرْحُه مطبوعٌ في مُجَلَّدَيْنِ، ماتَ ابنُ مُعْطٍ سنةَ 628هـ بِمِصْرَ، رَحِمَهُم اللَّهُ جَميعاً.
وأَلْفِيَّةُ ابنِ مالِكٍ تَفُوقُ ألْفِيَّةَ ابنِ مُعْطٍ لَفْظاً ومعنًى.
أمَّا اللفْظُ: فلأنها مِن بَحْرٍ واحدٍ، وهو بَحْرُ الرَّجَزِ، وألفيَّةُ ابنِ مُعْطٍ مِن الرَّجَزِ والسريعِ، كما نَصَّ هو على ذلك.
ومعنًى: لأنها أكْثَرُ منها أَحكاماً، كذا قيلَ في توضيحِ عِبارةِ ابنِ مالِكٍ, وهذا لا يَعْنِي الأَفْضَلِيَّةَ الْمُطْلَقَةَ:
فأوَّلاً: أنَّ ابنَ مُعْطٍ هو صاحِبُ الفِكرةِ، وهو الْمُبْدِعُ في هذا المجالِ، فقد كَتَبَ ألْفِيَّتَه على نَسَقٍ ونَمَطٍ لم يُسْبَقْ إليه، وكفاه بذلك فَخْراً، وابنُ مالِكٍ سارَ على مِنوالِه.
وثانياً: أنَّ لأَلْفِيَّةِ ابنِ مُعْطٍ مَزايَا ليسَتْ لأَلْفِيَّةِ ابنِ مالِكٍ يَتَبَيَّنُها الدارِسُ لهما:
منها أنَّ ألْفِيَّةَ ابنِ مُعْطٍ مَملوءةٌ بالآياتِ القرآنيَّةِ والشواهِدِ الشِّعْرِيَّةِ، وهذا قليلٌ في أَلْفِيَّةِ ابنِ مالِكٍ.
ومنها أنه يَبدَأُ بالتعريفِ ثم يَذكُرُ الأحكامَ، وهذا مَفقودٌ في مواضِعَ مُهِمَّةٍ مِن الأَلْفِيَّةِ.
ومنها سَلاسَةُ الأسلوبِ، وسُهولةُ التعبيرِ، وإشراقُ المعنى.
وفي أَلْفِيَّةِ ابنِ مالِكٍ يَظهَرُ حُسْنُ الترتيبِ والتبويبِ والتنظيمِ والتنسيقِ، مما يَجعَلُها سَهْلَةَ الاستيعابِ، في حينِ أنَّ أَلْفِيَّةَ ابنِ مُعْطٍ خَلَتْ مِن التبويبِ؛ فإنه قد نَظَمَها نَظْماً مُتَّصِلاً وكأنها تَبْحَثُ في موضوعٍ واحدٍ.
جَزَى اللَّهُ هذينِ العالِمَيْنِ خَيْراً على ما بَذَلاَ مِن جُهْدٍ ووَقْتٍ.
قولُه: (وَهْوَ بسَبْقٍ حائزٌ تَفضيلاَ) أيْ: هو أفْضَلُ مِنِّي؛ لسَبْقِه إيَّايَ, فإنَّ ابنَ مالِكٍ وُلِدَ سنةَ 598 هـ أو 600 هـ، وماتَ سنةَ 672 هـ، وابنُ مُعْطٍ وُلِدَ سنةَ 564 هـ وماتَ سنةَ 628 هـ.
قولُه: (مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الْجَميلاَ) أيْ: لانْتِفَاعِي بما أَلَّفَه واقتدائِي به، وهو يُشيرُ بذلك إلى فَضْلِ المتَقَدِّمِ على الْمُتَأَخِّرِ، وما يَسْتَحِقُّه السلَفُ مِن ثناءِ الْخَلَفِ ودُعائِهم, فإنَّ ابنَ مالِكٍ تابِعٌ لابنِ مُعْطٍ في هذا النوعِ مِن التأليفِ ومُستفيدٌ منه؛ لأنَّ ابنَ مُعْطٍ كَتَبَ ألفيَّتَه على نَسَقٍ لم يُسْبَقْ إليه كما تَقَدَّمَ.
وقولُه:

واللَّهُ يَقْضِي بِهِباتٍ وَافِرَهْ = لِي ولَهُ في دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
هذا دُعاءٌ مِن ابنِ مالِكٍ, ولو عَمَّ المسلمينَ بالدعاءِ لكانَ أَوْلَى، وقَدَّمَ نفْسَه لحديثِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ كانَ إذا ذَكَرَ أحداً فدَعَا له بَدَأَ بنفْسِه. روَاه التِّرْمِذِيُّ، وهو حديثٌ صحيحٌ.
والْهِبَاتُ: أي: العَطايا، (وَافِرَهْ) أيْ: تَامَّةٍ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ألفية, خطبة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir