341 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
ــ
مُفْرَدَاتُ الْحَدِيثِ:
السَّكِينَةُ: بِفَتْحِ السينِ وَكَسْرِ الْكَافِ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فَنُونٍ فَتَاءِ التَّأْنِيثِ: هِيَ التَّأَنِّي وَالهدوءُ فِي الْحَرَكَاتِ، وَالطُّمَأْنِينَةُ، وَالاستقرارُ، وَ (السكينةُ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ، وَ (عَلَيْكُمْ) خَبَرُهُ.
الْوَقَارُ: بِفَتْحِ الْوَاوِ والقافِ ثُمَّ أَلِفٍ، وَآخِرُهُ رَاءٌ، وَهُوَ يَكُونُ فِي الهيئةِ منْ غَضِّ الْبَصَرِ، وَخَفْضِ الصَّوْتِ، وَالرَّزَانَةِ، وَمَعْنَى (السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ) مُتَقَارِبٌ، فالثاني مِنْهُمَا مُؤَكِّدٌ للأوَّلِ، فَكِلْتَاهُمَا تُفِيدُ حُسْنَ السَّمْتِ.
وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا: هكذا فِي رِوَايَةِ (الْبُخَارِيِّ)، وَقَالَ العَيْنِيُّ: وَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ.
وَلا تُسْرِعُوا: فِيهِ زِيَادَةٌ وتأكيدٌ لِقَوْلِهِ: ((فَامْشُوا)). وَلا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الْجُمُعَة: 9]. وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ يُشْعِرُ بالإسراعِ، إِلاَّ أَنَّ الْمُرَادَ بالسَّعْيِ: مُطْلَقُ الْمَشْيِ والذَّهَابِ، يُقَالُ: سَعَيْتُ إِلَى كَذَا؛ أي: ذَهَبْتُ إِلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللهِ).
أَدْرَكْتُمْ: أَدْرَكْتُ الشَّيْءَ؛ إِذَا طَلَبْتُهُ فَلَحِقْتُهُ، وَالْمُرَادُ: مَا لَحِقْتُمُوهُ، وَأَدْرَكْتُمُوهُ مَعَ الإمامِ.
فَاتَكُم: الفَوَاتُ: مَصْدَرُ فَاتَ يَفُوتُ فَوَاتاً، وَهُوَ سَبْقٌ لا يُدْرَكُ.
فَأَتِمُّوا: أَكْمِلُوا مَا فَاتَكُمْ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى مَا أَدْرَكْتُمْ مِنْهَا.
مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْحَدِيثِ:
1 - وُجُوبُ الصَّلاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَالأَحَادِيثُ المُقْتَضِيَةُ للوجوبِ كَثِيرَةٌ.
2 - استحبابُ الإتيانِ إِلَى الصَّلاةِ بحالةِ سكينةٍ ووقارٍ؛ لأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ هِيَ المناسبةُ للإتيانِ إِلَى هَذِهِ العبادةِ الجليلةِ، وَهِيَ الْحَالُ اللائقةُ بالإقبالِ لمناجاةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهِيَ المُقْتَضِيَةُ للدخولِ فِي بيتٍ منْ بيوتِ اللَّهِ تَعَالَى، كَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَفَعَهُ وَطَهَّرَهُ، وَجَعَلَهُ مَثَابَةً لِصَالِحِي عِبَادِهِ، وَلأنَّ المُقْبِلَ إِلَى الصَّلاةِ هُوَ فِي صَلاةٍ، فَلْتَكُنْ حَالُهُ قَبْلَ الدخولِ كَحَالِهِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيهَا، مِنَ الخشوعِ والخضوعِ والسكينةِ.
3 - المشهورُ منْ مَذْهَبِ الإمامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُدْرَكُ بِتَكْبِيرَةِ الإحرامِ قَبْلَ سَلامِ الإمامِ التسليمةَ الأُولَى، وَحَكَى الْمجدُ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
4 - إِنْ لَحِقَالمَسْبُوقُ الإمامَ فِي الركوعِ أَدْرَكَ الركعةَ، وَلا يَضُرُّهُ سَبْقُهُ بالقراءةِ؛ لِمَا جَاءَ فِي أَبِي دَاوُدَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ)). حَكَاهُ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ إِجْمَاعاً، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الأُمَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ والتَّابِعِينَ، وَلا يُعْرَفُ عَن السَّلَفِ خِلافُ ذَلِكَ، وَلِمَا فِي (الصَّحِيحِ) منْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بالإعادةِ.
5 - قَوْلُهُ:((إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ)) يَدُلُّ عَلَى أنَّ الإقامةَ مَشْرُوعَةٌ، وَهِيَ فَرْضُ كفايةٍ كالأذانِ، وَهِيَ حَقٌّ لِمَنْ أَذَّنَ، لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ (199)، قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ)).
6 - ((إِذَا سَمِعْتُمْ)) يُفْهَمُ مِنْهُ مَشْرُوعِيَّةُ إِسْمَاعِهَا الحَاضِرِينَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِيَقُومُوا إِلَى الصَّلاةِ، لا سِيَّمَا مَعَ سَعَةِ الْمَسْجِدِ، وَإِسْمَاعِهَا مَنْ فِي خَارِجِهِ؛ لِيَمْشُوا إِلَى الصَّلاةِ؛ لِقَوْلِهِ: ((فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ)).
7 - قَوْلُهُ: ((إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا)). يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ المقيمُ بالإقامةِ، فَلا يَشْتَغِلُ مُرِيدُ الصَّلاةِ بِغَيْرِ الصَّلاةِ المكتوبةِ الَّتِي أُقِيمَتْ لَهَا الصَّلاةُ، وَأَصْرَحُ مِنْهُ مَا فِي (صَحِيحِ مُسْلِمٍ)(710) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فَلا صَلاةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ)). وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ النَّاسَ بَعْدَ الإقامةِ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: والحكمةُ أَنْ يَتَفَرَّغَ للفريضةِ مِنْ أَوَّلِهَا، فَيَشْرَعُ فِيهَا عَقِبَ شُرُوعِ الإمامِ، وَالمحافظةُ عَلَى مُكَمِّلاتِ الفريضةِ أَوْلَى مِنَ التَّشَاغُلِ بِمَا دُونَهَا.
قَالَ فِي (الرَّوْضِ المُرْبِعِ): وَلا تَنْعَقِدُ نافلةٌ بَعْدَ إقامةِ الفريضةِ، الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهَا مَعَ ذَلِكَ الإمامِ الَّذِي أُقِيمَتْ لَهُ.
8 - دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ المَسْبُوقُ هُوَ أَوَّلُ صَلاتِهِ، وَمَا فَاتَهُ هُوَ آخِرُهَا، فَيُتِمُّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الصَّلاةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الروايةِ الأُخْرَى: ((وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا)). فَلا يُنَافِي: ((فَأَتِمُّوا)). فَالْقَضَاءُ يُرَادُ بِهِ الْفِعْلُ، لا الْقَضَاءُ الْمَعْرُوفُ فِي الاصطلاحِ؛ لأَنَّهُ اصطلاحُ مُتَأَخِّرِي الفُقَهَاءِ، وَإِلاَّ فَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْقَضَاءَ عَلَى الْفِعْلِ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ} [النِّسَاء: 103]؛ أَيْ: أَدَّيْتُمُوهَا وَفَرَغْتُمْ مِنْهَا.
قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ: إِذَا كَانَ مَخْرَجُ الْحَدِيثِ وَاحِداً، وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظِهِ مِنْهُ، وَأَمْكَنَ رَدُّ الاخْتِلافِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ؛ كَانَ أَوْلَى، وَيُحْمَلُ، ((فَاقْضُوا)) عَلَى مَعْنَى الأداءِ والفراغِ، فَلا حُجَّةَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِلَفْظِهِ ((فَاقْضُوا)).
وَلِلْبَيْهَقِيِّ (2/298) عَنْ عَلِيٍّ: ((مَا أَدْرَكْتَ مَعَ الإِمَامِ هُوَ أَوَّلُ صَلاتِكَ)). وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وروايةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ أَوَّلُهَا حُكْماً وَمُشَاهَدَةً.
وَقَالَ المُوَفَّقُ وَالمجدُ وَشَيْخُ الإِسْلامِ وَابْنُ القَيِّمِ: إِنَّ مَا يُدْرِكُهُ مَعَ الإمامِ أَوَّلُهَا، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرُهَا، وَهُوَ مُقْتَضَى الأَمْرِ بالإتمامِ، وَمُقْتَضَى الشَّرْعِ وَالْقِيَاسِ، وَهُوَ قَوْلُ طَوَائِفَ مِنَ الصَّحَابَةِ.
قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ: الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ المسبوقُ مِنَ الصَّلاةِ يُعْتَبَرُ أَوَّلَ صَلاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ هُوَ آخِرُهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلاةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا)). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (609) وَمُسْلِمٌ (603) .
أَمَّا المَشْهُورُ منْ مَذْهَبِ الأَئِمَّةِ الثلاثةِ: أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ـ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ المَسْبُوقُ مَعَ الإمامِ هُوَ آخِرُ صَلاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا، وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.