دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > قواعد الأصول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1431هـ/2-04-2010م, 04:54 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي - ألفاظ الرواية

وأما ألفاظ الرواية ، فمن الصحابي خمسة :
أقواها (سمعت) أو (أخبرني) أو (شافهني) ثم (قال كذا) لاحتمال سماعه من غيره ، ثم (أمر) أو (نهى) ، ثم (أُمرنا) أو (نُهينا) لعدم تَعَيُّن الآمر ، ومثله (من السنة) ، ثم (كنا نفعل) أو (كانوا يفعلون) ، فإن أضيف إلى زمنه فحجة ، لظهور إقراره عليه ، وقال أبو الخطاب (كانوا يفعلون) نقل للإجماع خلافاً لبعض الشافعية ، ويقبل قوله (هذا الخبر منسوخ) عند أبي الخطاب ، ويرجع إليه في تفسيره .
ولغيره مراتب :
أعلاه قراءة الشيخ عليه في معرض الإخبار فيقول (حدثني) أو (أخبرني) و (قال) و (سمعته) .
ثم قراءته على الشيخ ، فيقول الشيخ : نعم أو يسكت خلافاً لبعض الظاهرية ، فيقول (أخبرنا) أو (حدثنا) قراءة عليه لا بدونه في رواية . وليس له إبدال إحدى لفظتي الشيخ (حدثنا) أو (أخبرنا) بالأخرى في رواية .
ثم (الإجازة) فيقول : أجزت لك رواية الكتاب الفلاني أو مسموعاتي . و(المناولة) فيناوله كتاباً ويقول : اروه عني ، فيقول : (أنبأنا) وإن قال : (أخبرنا) فلابد من إجازة أو مناولة. وحكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف منع الرواية بهما . ولا يجيز الرواية (هذا الكتاب سماعي) بدون إذنه فيها ، ولا وجوده بخطه ، بل يقول : وجدت كذا .
ومتى وجد سماعه بخط يوثق به وغلب على ظنه أنه سمعه جاز له روايته وإن لم يذكره ، خلافاً لأبي حنيفة ، وإن شك فلا . فإن أنكر الشيخ الحديث وقال : لا أذكره ، لم يقدح ، ومنع الكرخي منه ، ولو زاد ثقة فيه لفظاً أو معنى قبلت ، فإن اتحد المجلس فالأكثر عند أبي الخطاب، والمثبت مع التساوي في العدد والحفظ والضبط ، وقال القاضي روايتان .
ولا يتعين لفظه ، بل يجوز بالمعنى لعالم بمقتضيات الألفاظ عند الجمهور ، فيبدل اللفظ بمرادفه ، لا بغيره ، ومنع بعض المحدثين مطلقاً .

  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1431هـ/4-04-2010م, 10:29 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تيسير الوصول إلى قواعد الأصول للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان

و[أما] ألفاظ الرواية، فمن الصحابي خمسة:
قوله: (وأمَّا ألفاظ الرواية فمن الصحابي خمسة) شرع المصنف رحمه الله في بيان ألفاظ الرواية، وبيانها من مباحث السنة لاختلاف الأحكام باختلاف مراتب الرواية وألفاظ الرواة، وقوله: (الرواية) أي: نقل الحديث، والراوي: إمَّا أن يكون صحابياً أو غيره، فذكر هنا ألفاظ الرواية من الصحابي ومراتبها.
أقواها: سمعته، أو أخبرني، أو شافهني، ثم قال: كذا؛ لاحتمال سماعه من غيره، ثم أمر، أو نهى، ثم أُمرنا، أو نُهينا؛ لعدم تَعَيُّن الآمر، ومثله: من السنّة، ثم كنا نفعل، أو كانوا يفعلون، فإن أضيف إلى زمنه فحجة، لظهور إقراره عليه.
قوله: (أقواها) أي: أعلاها في الاحتجاج.
قوله: (سمعته أو أخبرني أو شافهني) هذه المرتبة الأولى ، وإنما كان هذا أقوى الألفاظ؛ لأنه يدل على عدم الواسطة بينهما قطعاً.
قال الجوهري: المشافهة: المخاطبة من فيك إلى فيه [(298)].
قوله: (ثم قال: كذا) هذه المرتبة الثانية ، ومثلها: فعل كذا، وهذه أقل من الأولى؛ لأنه يحتمل سماعه منه مباشرة، ويحتمل سماعه من غيره.
والراجح حمله على عدم الواسطة؛ لأن الظاهر أنه سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيكون حكماً شرعياً يجب العمل به.
قوله: (ثم أمر، أو نهى) هذه المرتبة الثالثة ، وإنَّما كانت دون الثانية لاشتراكهما في احتمال الواسطة، واختصاصها باحتمال اعتقاد ما ليس بأمر أمراً، وأيضاً فليس فيه لفظ يدل على أنه أَمَرَ الكل أو البعض دائماً أو غير دائم.
والصحيح أنهما في حكم المرفوع؛ لأن الظاهر من حال الصحابي أنه لم يصرح بنقل ذلك إلا بعد جزمه بوجود حقيقته، ومعرفة الأمر مستفادةٌ من اللغة، وهم أهلها فلا يخفى عليهم ذلك، وعدالة الصحابي تمنعه من أن ينقل عن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم الأمر فيما ليس بأمر.
قوله: (ثم أُمرنا أو نُهينا) هذه المرتبة الرابعة ، وهي بضم أوله مبنياً للمجهول، وهذه في الدلالة دون ما قبلها، لاحتمال الواسطة، ولاحتمال اعتقاد ما ليس بأمر ولا نهي أمراً أو نهياً.
قوله: (لعدم تعين الآمر) أي: ومع الاحتمالين السابقين يحتمل أمر ثالث. وهو أن الآمر غير النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، كأن يكون الخليفة، ولكنه احتمال ضعيف؛ لأن قول الصحابي: (أُمرِنا أو نُهِينا) محمول على صدوره ممن له الأمر والنهي، وهو الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لكون الصحابي يذكر ذلك في مقام الاستدلال والاحتجاج[(299)].
قوله: (ومثله: من السنّة) أي: بأن يقول الصحابي عن شيء: إنه من السنة، كقول عمر رضي الله عنه: (من السنّة الأخذ بالرُّكَبِ)[(300)] أي: في الركوع، فهذا من المرفوع حكماً؛ لأن الظاهر انصراف ذلك إلى سنة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، لا سيما إذا قاله مثل عمر رضي الله عنه فإن المقصود من ذلك بيان الشرع، فيحمل على من يصدر منه الشرع، دون الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
وهذه الدرجة دون ما قبلها؛ لكثرة استعمال السنة في الطريقة؛ ولأن السنة لفظ متردد بين سنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسنة الخلفاء الراشدين، لكن الأظهر حمله على سنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن سنة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أصل وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته؛ ولأن ذلك هو المتبادر من إطلاق لفظ السنة، فكان الحمل عليه أولى[(301)].
ومما يؤيد ذلك: ما رواه البخاري في صحيحه، من حديث ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه في قصته مع الحجاج حين قال له: (إن كنت تريد السنة فهجّر بالصلاة يوم عرفة).
قال ابن شهاب: فقلت لسالم: أفَعَله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: وهل يتَّبعون بذلك إلا سنته صلّى الله عليه وسلّم[(302)]؟!
قوله: (ثم كنا نفعل، أو كانوا يفعلون) هذه المرتبة الخامسة ، وهي أن يقول الصحابي: كنا نفعل كذا، أو كانوا يفعلون كذا، ولا يضيفه إلى زمن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، فهذا يكون موقوفاً، على أحد الأقوال، ومثاله: قول أبي سعيد رضي الله عنه: (كنا نطعم الصدقة ـ أي صدقة الفطر ـ صاعاً من شعير)[(303)] وقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كانوا يعطون ـ أي زكاة الفطر ـ قبل الفطر بيوم أو يومين)[(304)].
قوله: (فإن أضيف إلى زمنه فحجة؛ لظهور إقراره عليه) أي: إن قول الصحابي: كنا نفعل ـ إذا أضيف إلى زمن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم ـ فهو حجة؛ لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اطلع على ذلك وقررهم عليه، والتقرير أحد أنواع السنة، كما تقدم[(305)].
وما ذكره المصنف رحمه الله من هذا التفصيل هو قول الجمهور من المحدثين وأصحاب الفقه والأصول، كما ذكر ذلك النووي في «شرحه لمقدمة صحيح مسلم»[(306)].
ويدل عليه: احتجاج جابر رضي الله عنه على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي، فقال: (كنا نعزل والقرآن ينزل) قال سفيان: لو كان شيء يُنهى عنه لنهى عنه القرآن، وهذا الاستدلال واضح؛ لأن الزمان هو زمان التشريع[(307)].
وقال أبو الخطاب: (كانوا يفعلون) نقل للإجماع، خلافاً لبعض الشافعية، ويقبل قوله: هذا الخبر منسوخ، عند أبي الخطاب، ويرجع إليه في تفسيره.
قوله: (وقال أبو الخطاب: «كانوا يفعلون» نقل للإجماع) أي: إن الراوي إذا قال عن الصحابة: كانوا يفعلون كذا، فهو نقل للإجماع؛ لأن الراوي لا يقول ذلك إلا ويقصد به إقامة الحجة، فيجب أن يحمل على مَنْ قولهم حجة، وهو الإجماع[(308)].
ومثلوا لذلك بقول عائشة رضي الله عنها: (كانوا لا يقطعون في الشيء التافه)[(309)].
قوله: (خلافاً لبعض الشافعية) أي: فإنهم قالوا: إن هذه الصيغة لا تفيد إضافة الفعل المحكي إلى جميع أهل الإجماع من ذلك العصر، ما لم يصرح بنقل الإجماع عن أهله.
والظاهر أن هذا ليس نقلاً للإجماع، بل هو من المرفوع حكماً؛ إذ لا إجماع في زمن الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن الدليل حصل بسنته من قول أو فعل أو تقرير[(310)].
قوله: (ويقبل قوله: هذا الخبر منسوخ، عند أبي الخطاب) أي: إن أبا الخطاب يذهب إلى أنه يقبل قول الصحابي: هذا الخبر منسوخ، إذا كان الخبر يتضمن حكماً، وذلك لأن الصحابي عدل لا يقول ذلك إلا عن يقين، وهو أعلم بقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومقاصده منا، فإذا نصَّ على الإخبار بالنسخ نصاً جازماً حمل على علمه به[(311)].
قوله: (ويرجع إليه في تفسيره) أي: يرجع إلى الصحابي في تفسير الخبر الذي رواه إذا كان الخبر مجملاً؛ لأنه أولى من غيره؛ فإن الصحابة رضي الله عنهم حضروا التنزيل، وعرفوا التأويل، وهم أعرف بمراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ لكونهم معه.
ومثاله: ما روي عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الذهب بالذهب رباً إلا هاءَ وهاءَ» [(312)]، وفسر عمر رضي الله عنه قوله: «هاء وهاء» بالتقابض في المجلس، حيث قال لأحد المتصارفين: «والله لا تفارقه حتى تأخذ منه» كما في سياق الحديث.
ولغيره مراتب: أعلاها: قراءة الشيخ عليه في مَعْرِضِ الإخبار فيقول: «حدثني» أو «أخبرني» و«قال» و«سمعته»، ثم قراءته على الشيخ. فيقول الشيخ: نعم، أو يسكت، خلافاً لبعض الظاهرية، فيقول: «أخبرنا» أو «حدثنا» قراءةً عليه، لا بدونه، في رواية، وليس له إبدال إحدى لفظتي الشيخ: حدثنا، أو أخبرنا بالأخرى، في رواية.
قوله: (ولغيره مراتب: أعلاها قراءة الشيخ عليه في مَعْرِضِ الإخبار) .
لما ذكر ألفاظ الرواية التي يستعملها الصحابي في نقل الحديث، ذكر ألفاظ الرواية لغير الصحابي، كالتابعي ومن بعده، فأعلاها: قراءة الشيخ على التلميذ ـ وهو الراوي عنه ـ، وإنَّما كانت القراءة على التلميذ أعلاها؛ لأنه يسمع لفظ الشيخ، وأعلى السماع ما كان يسمعه التلميذ إملاءً من شيخه؛ لما فيه من التثبت والتحفظ[(313)]، وقوله: (في معرض الإخبار) أي: إن الشيخ قصد من القراءة إخبار تلميذه بمروياته ليروي عنه، ليخرج بذلك من سمع الشيخ يقرأ محفوظه، كما يخرج منه حال المذاكرة فقد نصوا على التسامح فيها.
قوله: (فيقول: «حدثني» أو «أخبرني» و«قال» و«سمعته») هذه صيغ الأداء التي يؤدي بها الحديث في مرتبة قراءة الشيخ على التلميذ، وهذا إذا سمع وحده، فإن كان معه غيره قال: حدثنا... وسمعنا... وهذا التفريق عزاه الحاكم إلى أكثر مشايخه، وأئمة عصره، ونقله الترمذي بسنده عن ابن وهب، قال الخطيب في «الكفاية»: (هذا هو المستحب، وليس بواجب عند كافة أهل العلم)[(314)].
قوله: (ثم قراءته على الشيخ، فيقول الشيخ: نعم) هذه المرتبة الثانية من مراتب تحمل الحديث، وهي أن يقرأ على الشيخ، فإذا قرأ عليه مروياته، وقال: «نعم» فله الرواية عنه؛ لأن هذا ظاهر في أن رواية الشيخ للحديث صحيحة.
قوله: (أو يسكت) أي: إن سكوت الشيخ عند القراءة عليه إقرار، بشرط ألا يكون سكوته لغفلة أو نوم ونحوهما.
قوله: (خلافاً لبعض الظاهرية) حيث قالوا: لا بد أن ينطق الشيخ بصحة ما قرئ عليه، والصحيح ما ذكر المصنف من أن السكوت كافٍ في الصحة؛ لأن العرف قاضٍ بأن السكوت تقرير في مثل هذا.
وتسمى هذه المرتبة: العرض؛ لأن القارئ يعرض على الشيخ ما يقرؤه.
قوله: (فيقول: «أخبرنا» أو «حدثنا» قراءة عليه لا بدونه، في رواية) هذه رواية في المذهب، وهو أنه لا بد أن يقيد ولا يطلق؛ لأنه يوهم السماع من لفظ الشيخ، وهو كذب في الرواية، فلا يجوز، وظاهر عبارة المصنف أن التقييد راجع للصيغتين، وهذا قول أحمد والنسائي وابن المبارك وغيرهم.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد أنه يقول: أخبرنا أو حدثنا، بدون لفظة (قراءةً عليه) لأن سكوت الشيخ مع عدم المانع عند قراءة الراوي عليه، هو في معنى سماع الراوي من لفظ الشيخ، وهو قول مالك، والزهري، وهو مذهب البخاري، وابن معين، وأهل الحجاز وأهل الكوفة، وفي المسألة قول ثالث وهو: جواز إطلاق لفظ (أخبرنا) والمنع من إطلاق (حدثنا) وهو رأي مسلم والشافعي وجمهور أهل المشرق[(315)]، وكلام المصنف يحتمل ذلك بأن يعود القيد إلى اللفظة الثانية دون الأولى، لكن يشكل عليه قوله: (في رواية) .
قوله: (وليس له إبدال إحدى لفظتي الشيخ: حدثنا أو أخبرنا بالأخرى، في رواية) أي: لا يجوز للراوي إبدال قول الشيخ: حدثنا، بقول الراوي: أخبرنا، وعكسه، لاحتمال أن يكون الشيخ لا يرى التسوية يبن اللفظين، فيكون كذباً عليه[(316)]، وقوله: (في رواية) أي: عن الإمام أحمد، والرواية الثانية: الجواز، وذلك أن حدثني وأخبرني يُؤدى بهما ما سُمع من الشيخ، وهذا رأي البخاري، فإنه قال: (باب قول المحدث: حدثنا أو أخبرنا أو أنبأنا، وقال لنا الحميدي: كان عند ابن عيينة: حدثنا وأخبرنا وأنبأنا وسمعت، واحداً..)، قال الحافظ ابن حجر: (وإيراده قول ابن عيينة دون غيره دال على أنه مختاره)[(317)].
ثم الإجازة، فيقول: أجزت لك رواية الكتاب الفلاني، أو مسموعاتي. والمناولة، فيناوله كتاباً، ويقول: اروه عني، فيقول: أنبأنا، وإن قال: أخبرنا؛ فلا بدّ من إجازةٍ أو مناولةٍ، وحكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف منع الرواية بهما. ولا تجوز الرواية بقوله: «هذا الكتاب سماعي» بدون إذنه فيها ، ولا وجوده بخطه، بل يقول: وجدت كذا.
قوله: (ثم الإجازة) هذه المرتبة الثالثة من مراتب تحمل الحديث، وهي الإجازة، ومعناها: أن يأذن الشيخ بالرواية عنه، سواء أذن له لفظاً أو كتابة.
قوله: (فيقول: أجزت لك رواية الكتاب الفلاني أو مسموعاتي) هذه صفة الإجازة؛ لأن المجاز به لا بد أن يكون معلوماً، إما بالتعيين مثل: أجزت لك أن تروي عني صحيح البخاري، وإمَّا بالتعميم مثل: أجزت لك أن تروي عني جميع مسموعاتي، أي: مروياتي، فكل ما ثبت عنده أنه من مروياته صح أن يحدث به عنه، بناءً على هذه الإجازة العامة، ومفهومه: أنه إن كان المجاز به مبهماً لم تصح الرواية بها، مثل: أجزت لك أن تروي عني بعض صحيح البخاري، أو بعض مروياتي؛ لأنه لا يعلم المجاز به[(318)].
قوله: (والمناولة...) المناولة: نوع من الإجازة، والإجازة لا يشترط فيها أن يناوله الكتاب، لكن الإجازة شرط في المناولة، فإذا اجتمعت الإجازة والمناولة صار ذلك أعلى درجات الإجازة؛ لما فيها من التعيين والتشخيص.
قوله: (فيناوله كتاباً ويقول: اروه عني، فيقول: أنبأنا) هذه صفة المناولة مع شرطها، وهو اقترانها بالإذن في الرواية، وصورة ذلك: أن يدفع الشيخ أصله، أو ما قام مقامه للطالب، ويقول الشيخ له: هذه روايتي عن فلان فاروه عني، فيقول التلميذ عند الأداء: أنبأنا فلان، وهذا في اصطلاح المتأخرين، حيث خصوا الإجازة بهذا، وإلا فإن لفظ (أنبأنا) كلفظ (حدثنا وأخبرنا) كما تقدم في كلام ابن عيينة وغيره[(319)].
قوله: (وإن قال: أخبرنا؛ فلا بد من إجازة أو مناولة) أي: لا بد أن يقول: أخبرني إجازةً أو مناولةً؛ لأنه لو اقتصر على قوله: (أخبرني) لأشعر بالسماع منه، وهو كذب، فلا بد أن يبين صورة الإذن.
قوله: (وحكي عن أبي حنيفة وأبي يوسف منع الرواية بهما) أي: بالإجازة والمناولة، وهذا محمول على غير العالم بما في الكتاب، كما نص عليه الأصوليون من الحنفية، أمَّا العالم فتجوز له الرواية بالإجازة والمناولة… [(320)].
قوله: (ولا تجوز الرواية بقوله: «هذا الكتاب سماعي» بدون إذنه فيها) أي: لأن جواز الرواية إنَّما يستفاد من الإذن فيها، وهو مفقود هنا، ولجواز معرفة الشيخ بخلل في الكتاب يمنع من الرواية.
قوله: (ولا وجوده بخطه) أي: لو وجد شيئاً بخط شيخه فإنه لا يرويه عنه، لكن يجوز أن يقول: وجدت بخط فلان كذا وكذا، وهذه تسمى عند المحدثين: الوجادة، بكسر الواو.
ومتى وجد سماعه بخط يوثق به، وغلب على ظنه رواه وإن لم يذكره، خلافاً لأبي حنيفة، وإن شك فلا، فإن أنكر الشيخ الحديث، وقال: لا أذكره، لم يقدح، ومنع الكَرْخِيُّ منه، ولو زاد ثقة فيه لفظاً أو معنى قبلت.
قوله: (ومتى وجد سماعه بخط يوثق به وغلب على ظنه رواه وإن لم يذكره) أي: ومن وجد سماعه من شيخه بخط يوثق به، وغلب على ظنه أنه سمع منه هذا الحديث، جاز له أن يرويه اعتماداً على الخط، وإن كان ناسياً للسماع؛ لأن مبنى الرواية على حسن الظن وغلبته، وقد وجد ذلك هنا، فيجوز الاعتماد عليه.
قوله: (خلافاً لأبي حنيفة) حيث قال: لا يجوز ذلك، قياساً على الشهادة، فإنه لو وَجَدَ شهادة بخط فَشَكَّ وتردد فيها، لا يجوز له أن يشهدها؛ لأنه لا بد من الجزم والعلم، وهذا ضعيف من وجهين:
الأول: أن الشهادة تصح اعتماداً على الخط الموثوق به، وإن لم يتذكرها على إحدى الروايتين.
الثاني: أن الشهادة أضيق من الرواية؛ لأنها آكد منها، وبينهما فروق كثيرة[(321)] فيمتنع القياس.
قوله: (وإن شك فلا) أي: إذا شك في سماع حديث من شيخه لم يجز أن يرويه عنه، لأن روايته عنه شهادة عليه، فلا يشهد بما لم يغلب على ظنه.
قوله: (فإن أنكر الشيخ الحديث وقال: لا أذكره، لم يقدح) أي: فإن أنكر الشيخ الحديث بدون جزم بأن قال: لا أذكره، أو لا أعرفه، قُبل الحديث، ولم يقدح ذلك فيه؛ لأن الراوي عدل جازم بالرواية، والنسيان غالب على الإنسان.
قال ابن الصلاح: (ومن روى حديثاً ثم نسيه لم يكن ذلك مسقطاً للحديث، وجاز العمل به عند جمهور أهل الحديث، وجمهور الفقهاء والمتكلمين...؛ لأن المروي عنه بصدد السهو والنسيان، والراوي عنه ثقة جازم، فلا يُرد بالاحتمال روايته)[(322)].
ومن أمثلة ذلك: ما ورد من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم قضى باليمين مع الشاهد.
قال عبد العزيز: فلقيت سهيلاً فسألته عنه، فلم يعرفه، فقلت: إن ربيعة حدثني عنك بكذا، فكان سهيل بعد ذلك يقول: حدثني ربيعة عني أني حدثته عن أبي به[(323)].
فإن كان الشيخ جازماً بأن قال: كَذَبَ عليَّ، أو ما رويت هذا، ونحو ذلك رُدَّ الحديث. لكذب واحد منهما لا بعينه، ولا يكون ذلك قادحاً في واحد منهما، للتعارض.
قوله: (ومنع الكرخي[(324)] منه) أي: إن الكرخي ـ من الحنفية ـ منع من قبول الحديث إذا نسيه الشيخ؛ لأن الفرع تبع للأصل في إثبات الحديث بحيث إذا ثبت أصل الحديث، ثبتت رواية الفرع، وإذا نفاه الأصل، تنتفي رواية الفرع له.
وهذا مردود بأن عدالة الفرع تقتضي صدقه، وكون الأصل متردد لا ينفي جزم الفرع؛ لأن الجزم مقدم على الترديد[(325)].
قوله: (ولو زاد ثقة فيه لفظاً أو معنى قبلت) الزيادة في الحديث أن يضيف أحد الرواة إلى الحديث ما ليس منه، ومعنى ذلك: أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد ومتنٍ واحد، فيزيد بعض الرواة فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة[(326)]، وقوله: (ثقة) هذا شرط في قبول الزيادة. فإن كان غير ثقة لم تقبل، لأنه لا يقبل ما انفرد به فما زاد على غيره أولى بالرد.
وظاهر كلام المصنف ـ كغيره من الأصوليين ـ أن زيادة الثقة تقبل مطلقاً. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر لا خلاف في قبولها إذا صح السند إليه[(327)]. وأما الزيادة التي يبحث فيها أهل الحديث فهي زيادة بعض الرواة من التابعين فمن بعدهم، والقول الوسط فيها: أنها تقبل ممن يكون حافظاً متقناً حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عدداً منه، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أو كان غير حافظ ولو كان في الأصل صدوقاً فإن زيادته لا تقبل[(328)]. وأما القول بأن الزيادة تقبل مطلقاً فإن ذلك لا يتأتى على طريقة المحدِّثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذاً، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه[(329)].
وقوله: (لفظاً أو معنى) أي: إن الزيادة تارة تكون لفظية، وتارة تكون معنوية، وقد مثَّل بعض الأصوليين[(330)] للزيادة اللفظية بحديث: (ربنا ولك الحمد)[(331)]، قال: فإن الواو زائدة في اللفظ لا في المعنى، ومثَّل للزيادة المعنوية بحديث: (فرض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على كل حرٍّ أو عبدٍ ذكرٍ أو أنثى من المسلمين)[(332)]. فقوله: (من المسلمين) زيادة معنوية، تفيد معنى زائداً[(333)].
وعندي أن في المثالين نظراً، لأن الزيادة في اللفظ زيادة في المعنى، والواو في المثال الأول لها فائدة، فهي عاطفة، والتقدير: ربنا استجب ولك الحمد، فاشتمل على الدعاء، وعلى الخبر. كما ذكره ابن دقيق العيد[(334)]، ولفظة (من المسلمين) في المثال الثاني أفادت أن زكاة الفطر لا تجب على الكافر[(335)].
والظاهر أن الزيادة المعنوية اشتمال لفظ أحدهما على معنى زائد، وربما كان هذا اللفظ دون الأول في القدر، كأن يروي الثقة لفظة عموم فيها حكم زائد، ويروي الآخرون لفظة فيها إسقاط ذلك الحكم[(336)]. كما روى بعض العدول عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم النهي عن آنية الفضة[(337)]. وروى آخرون النهي عن الشرب في آنية الفضة[(338)]. فلفظة الشرب ناقصة عن معنى الحديث الأول الذي فيه تعميم النهي، وهو وإن كان ناقص اللفظ فهو زائد الحكم والمعنى؛ لأنه يفيد النهي عن استعمال آنية الفضة مطلقاً في الشرب وغيره.
ومن الأمثلة على الزيادة: حديث عمر رضي الله عنه أنه سمع النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو يسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء» . فقد رواه مسلم من طريقين، وفي إحدهما زيادة: «وحده لا شريك له» بعد قوله: «إلا الله» [(339)].
فإن اتحد المجلس، فالأكثر: عند أبي الخطاب، والمُثْبِتُ: مع التساوي في العدد والحفظ والضبط، وقال القاضي: روايتان، ولا يتعين لفظه، بل يجوز بالمعنى لعالم بمقتضيات الألفاظ عند الجمهور، فيبدل اللفظ بمرادفه، لا بغيره. ومنع منه بعض المحدثين مطلقاً.
قوله: (فإن اتحد المجلس فالأكثر عند أبي الخطاب) أي: فإن اتحد مجلس الحديث بأن كان مجلساً واحداً ووقعت الزيادة فيه من بعض الرواة، قدّم قول الأكثر، سواء كانوا رواة الزيادة أم غيرهم، تغليباً لجانب الكثرة[(340)]، ومفهومه أنه إن تعدد المجلس قبلت الزيادة مطلقاً، قال الشوكاني: «بالاتفاق»[(341)].
قوله: (والمثبت مع التساوي في العدد والحفظ والضبط) أي: إذا تساوى رواة الزائد والناقص، في العدد (أي: الكثرة) والحفظ والضبط، فإنه يقدم من أثبت الزيادة، لا من نفاها.
قوله: (وقال القاضي: روايتان) أي: إن القاضي أبا يعلى ذكر أن الرواة إذا تساووا في الكثرة والحفظ والضبط، واختلفوا في الزيادة، ففيها روايتان عن الإمام أحمد:
الأولى: يقدم قول المثبت؛ لإخباره بزيادة علم، قال أحمد بن القاسم: سألت أبا عبد الله عن مسألة في فوت الحج فقال: فيها روايتان: إحداهما: فيها زيادة دم، قال أبو عبد الله: والزائد أولى أن يؤخذ به...[(342)].
والرواية الثانية: يقدم قول النافي، لأن الأصل عدم الزيادة، قال في رواية أبي طالب: كان الحجاج بن أرطاة من الحفاظ، قيل له: فَلِمَ هو عند الناس ليس بذاك؟ قال: (لأن في حديثه زيادةً على حديث الناس، ما يكاد له حديث إلا فيه زيادة)[(343)].
ووجه الدلالة: أن الإمام اعتبر الانفراد بالزيادة جرحاً[(344)].
والظاهر أن هذا التفصيل لا طائل تحته؛ لعدم إمكان تطبيقه في المرويات، وتحقيق هذه المسألة هو ما تقدم، والله أعلم.
قوله: (ولا يتعين لفظه، بل يجوز بالمعنى) أي: لا يتعين لفظ الحديث، بل يجوز للراوي أن يرويه بالمعنى، وهذا في غير المتعبد بلفظه، كالأذان، والإقامة والتشهد، وتكبير الصلاة، ونحوها، فهذه لا يجوز نقلها بالمعنى، ولا ريب أن أفضل أحوال الرواية وأكملها أن يرويه باللفظ الذي سمع، لكن هل تجوز الرواية بالمعنى؟ قولان:
قوله: (لعالم بمقتضيات الألفاظ عند الجمهور...) هذا القول الأول ، وهو الجواز، وشرطه: أن يكون الراوي عالماً بمقتضيات الألفاظ، يعرف الفرق بينها من جهة الإطلاق والتقييد، والعموم والخصوص، ويعرف الألفاظ المترادفة، فيبدل قوله: (سَجْلاً من ماء) بقوله: (ذَنُوباً من ماء) أو (دلواً مَلاْئَ) ونحو ذلك.
وحجة الجمهور: أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسمعون الأحاديث ولا يكتبونها، ثم يروونها بعد السنين الكثيرة، وهذا قد لا تنضبط فيه العبارة نفسها، ولأن أحاديث كثيرة وقعت بعبارات مختلفة، وذلك مع اتحاد القصة، وهو دليل على جواز النقل بالمعنى؛ ولأنه غير متعبد بلفظه، والمقصود منه المعنى[(345)].
قوله: (ومنع منه بعض المحدثين مطلقاً) هذا القول الثاني ، وهو: المنع من الرواية بالمعنى مطلقاً أي: سواء كان عالماً بمقتضيات الألفاظ أم لا، وهو قول ابن سيرين، وعلي بن المديني، والقاسم بن محمد، والقاضي عياض، وجزم القاضي أبو بكر بن العربي بأنه إنَّما يجوز ذلك للصحابة دون غيرهم، لما هم عليه من الفصاحة والبلاغة، إذ جبلَّتُهم عربية، ولغتهم سليقة؛ ولأنهم شاهدوا قول النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم وفعله، فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة، واستيفاء المقصد كله...[(346)].
وحجتهم: قوله صلّى الله عليه وسلّم: «نضّر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلّغه كما سمعه، فَرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع» [(347)].
وأجيب عنه: بأن المراد تبليغ الحكم، بدلالة السياق، أو يقال: إن هذا الحديث لا يعارض جواز نقل الحديث بالمعنى، لأن من أتى بالمعنى بتمامه، فقد أداه كما سمعه، والله أعلم.
يقول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله: (إن هذا الخلاف لا طائل تحته الآن، فقد استقر القول في العصور الأخيرة على منع الرواية بالمعنى عملاً، وإنْ أخذ بعض العلماء بالجواز نظراً، قال القاضي عياض: (ينبغي سد باب الرواية بالمعنى، لئلا يتسلط من لا يحسن ممن يظن أنه يحسن، كما وقع للرواة قديماً وحديثاً).
والمتتبع للأحاديث يجد أن الصحابة أو أكثرهم كانوا يروون بالمعنى، ويعبرون عنه في كثير من الأحاديث بعباراتهم، وأن كثيراً منهم حرص على اللفظ النبوي خصوصاً فيما يتعبد بلفظه كالتشهد.
وكذلك نجد التابعين حرصوا على اللفظ وإن اختلفت ألفاظهم، فإنَّما مرجع ذلك إلى قوة الحفظ وضعفه، ولكنهم أهل فصاحة وبلاغة.. وأمَّا من بعدهم فإن التساهل عندهم في الحرص على الألفاظ قليل، بل أكثرهم يحدث بما سمع... وأمَّا الآن فلن ترى عالماً يجيز لأحد أن يروي الحديث بالمعنى، إلا على وجه التحدث في المجالس، وأمَّا الاحتجاج وإيراد الأحاديث رواية فلا...)[(348)].

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ألفاظ, الرواية

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir