دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > جمع الجوامع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 02:42 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي ألفاظ العموم

مَسْأَلَةٌ: كُلٌّ وَاَلَّذِي وَاَلَّتِي وَأَيُّ وَمَا وَمَتَى وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا وَنَحْوُهَا لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً، وَقِيلَ لِلْخُصُوصِ، وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ وَقِيلَ بِالْوَقْفِ وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ أَوْ الْإِضَافَةِ لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ، خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ مُطْلَقًا وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ إذَا احْتَمَلَ مَعْهُود، وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى مِثْلُهُ خلافًا لِلْإِمَامِ مُطْلَقًا وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ زَادَ الْغَزَالِيُّ أَوْ تَمَيَّزَ بِالْوَحْدَةِ، وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ وَضْعًا وَقِيلَ لُزُومًا وَعَلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ نَصًّا إنْ بُنَيْت عَلَى الْفَتْحِ وَظَاهِرًا إنْ لَمْ تَبْنِ، وَقَدْ يُعَمَّمُ اللَّفْظُ عُرْفًا كَالْفَحْوَى، {وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} أَوْ عَقْلًا كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ وكمفهوم المخالفة، وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُ لَفْظِيٌّ، وَفِي أَنَّ الْفَحْوَى بِالْعُرْفِ وَالْمُخَالَفَةَ بِالْعَقْلِ تَقَدَّمَ، وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ لَيْسَ بِعَامٍّ وَأَنَّ أَقَلَّ مُسَمَّى الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ لَا اثْنَانِ، وَأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا، وَتَعْمِيمُ الْعَامِّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ عَامٌّ آخَرُ، وَثَالِثُهَا يَعُمُّ مُطْلَقًا وَتَعْمِيمُ نَحْوَ لَا يَسْتَوُونَ، وَلَا أَكَلْت، قِيلَ وَإِنْ أَكَلْت، لَا الْمُقْتَضِي، وَالْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ، وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ، وَنَحْوُ كَانَ يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ وَلَا الْمُعَلَّقُ بِعِلَّةٍ لَفْظًا لَكِنْ قِيَاسًا، خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ، وَأَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ، وَأَنَّ نَحْوَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} لَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ وَأن نَحْوَ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) يَشْمَلُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَإِنْ اقْتَرَنَ بِقُلْ، وَثَالِثُهَا التَّفْصِيلُ، وَأَنَّهُ يَعُمُّ الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ، وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ، وَأَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ ظَاهِرًا، وَأَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ لَا يَتَعَدَّاهُ، وَقِيلَ يَعُمُّ عَادَةً، وَأَنَّ خِطَابَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِيَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَشْمَلُ الْأُمَّةَ، وقيل يشملهم فيما يتشاركون فيه، وَأَنَّ الْمُخَاطِبَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ إنْ كَانَ خَبَرًا لَا أَمْرًا، وَأَنَّ نَحْوَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} يَقْتَضِي الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ.

  #2  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:07 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي منع الموانع للقاضي: عبد الوهاب السبكي


الخامس عشر: ما معنى قولكم: (النكرة في سياق النفي للعموم) إلى قولكم: (إن لم تبن)؟
. . .
النكرة في سياق النفي تعم:
وأما قولنا: (والنكرة في سياق النفي إلى آخره) فهو مقرر في (شرح المختصر)، فلينظر هناك، غير أنا نفيدك هنا: أن اختياري في مسألة أن دلالة النكرة المنفية، هل هو باللزوم أو الوضع التفصيل؟
فأقول: إنه باللزوم في المبنية على الفتح، وبالوضع في غيرها، والقول باللزوم على الإطلاق، قول الحنفية والشيخ الإمام الوالد، وبالوضع مطلقاً قول الشافعية.

  #3  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح جمع الجوامع لجلال الدين المحلي


(مَسْأَلَةٌ) فِي صِيَغِ الْعُمُومِ (وَكُلٌّ) وَقَدْ تَقَدَّمَتْ (وَاَلَّذِي وَاَلَّتِي) نَحْوُ أَكْرِمْ الَّذِي يَأْتِيك وَاَلَّتِي تَأْتِيك أَيْ لِكُلَّ آتِ وَآتِيَةٍ لَك (وَأَيُّ وَمَا) الشَّرْطِيَّتَانِ والاستفهاميتان والموصولتان وَتَقَدَّمَتَا وَأَطْلَقَهُمَا لِلْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الْعُمُومِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ (وَمَتَى) لِلزَّمَانِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَوْ شَرْطِيَّةٌ نَحْوُ: مَتَى تَجِئْنِي مَتَى، جِئْتنِي أَكْرَمْتُك (وَأَيْنَ وَحَيْثُمَا) لِلْمَكَانِ شَرْطِيَّتَيْنِ، نَحْوُ أَيْنَ أَوْ حَيْثُمَا كُنْت آتِك وَتَزِيدُ أَيْنَ بِالِاسْتِفْهَامِ، نَحْوُ أَيْنَ كُنْت (وَنَحْوُهَا) كَجَمْعِ الَّذِي وَاَلَّتِي وَكَمَنْ الاستفهامية وَالشَّرْطِيَّةِ وَالْمَوْصُولَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَجَمِيعٍ، نَحْوُ جَمِيعِ الْقَوْمِ جَاءُوا وَنَظَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا بِأَنَّهَا إنَّمَا تُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ فَالْعُمُومُ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ شَطَبَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنْ كَتَبَهَا عَقِبَ كُلٍّ هُنَا. وَقَوْلُهُ كَالْإِسْنَوِيِّ أَنَّ أَيًّا وَمَنْ الْمَوْصُولَتَيْنِ لَا يَعُمَّانِ، مِثْلُ مَرَرْت بِأَيِّهِمْ قَامَ وَمَرَرْت بِمَنْ قَامَ أَيْ بِاَلَّذِي قَامَ صَحِيحٌ فِي هَذَا التَّمْثِيلِ وَنَحْوِهِ مِمَّا قَامَتْ فِيهِ قَرِينَةُ الْخُصُوصِ لَا مُطْلَقًا (لِلْعُمُومِ حَقِيقَةً) لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ (وَقِيلَ لِلْخُصُوصِ) حَقِيقَةً أَيْ لِلْوَاحِدِ فِي غَيْرِ الْجَمْعِ وَالثَّلَاثَةِ أَوْ الِاثْنَيْنِ فِي الْجَمْعِ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَالْعُمُومِ مَجَازًا (وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ) بَيْنَ الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ لِأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقَةُ (وَقِيلَ بِالْوَقْفِ) أَيْ لَا يُدْرَى أَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الْعُمُومِ أَمْ فِي الْخُصُوصِ أَمْ فِيهِمَا (وَالْجَمْعُ الْمُعَرَّفُ بِاللَّامِ)، نَحْوُ {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} (أَوْ الْإِضَافَةِ)، نَحْوُ {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ) لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ (خِلَافًا لِأَبِي هَاشِمٍ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (مُطْلَقًا) فَهُوَ عِنْدَهُ لِلْجِنْسِ الصَّادِق بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي: تَزَوَّجْت النِّسَاءَ، وَمَلَكْت الْعَبِيدَ ; لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي الْآيَتَيْنِ (وَ) خِلَافًا (لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (إذَا احْتَمَلَ مَعْهُودًا) فَهُوَ عِنْدَهُ بِاحْتِمَالِ الْعَهْدِ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُمُومِ حَتَّى تَقُومَ قَرِينَةٌ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَعَلَى الْعُمُومِ قِيلَ: أَفْرَادُهُ جُمُوعٌ وَالْأَكْثَرُ آحَادٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ أَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ نَحْوُ {: وَاَللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أَيْ يُثِيبُ كُلَّ مُحْسِنٍ {: إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} أَيْ كُلًّا مِنْهُمْ بِأَنْ يُعَاقِبَهُمْ {: فَلَا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ} أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ صِحَّةُ اسْتِثْنَاءِ الْوَاحِدِ مِنْهُ نَحْوُ جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ جَاءَ كُلُّ جَمْعٍ مِنْ جُمُوعِ الرِّجَالِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا نَعَمْ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجْمُوعِ نَحْوُ رِجَالُ الْبَلَدِ يَحْمِلُونَ الصَّخْرَةَ الْعَظِيمَةَ أَيْ مَجْمُوعُهُمْ وَالْأَوَّلُ يَقُولُ قَامَتْ قَرِينَةُ الْآحَادِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ وَنَحْوِهَا.
(وَالْمُفْرَدُ الْمُحَلَّى) بِاللَّامِ (مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ بِهَا فِي أَنَّهُ لِلْعُمُومِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ لِتَبَادُرِهِ إلَى الذِّهْنِ، نَحْوُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} أَيْ كُلَّ بَيْعٍ وَخُصَّ مِنْهُ الْفَاسِدُ كَالرِّبَا خِلَافًا (لِلْإِمَامِ الرَّازِيُّ) فِي نَفْيِهِ الْعُمُومَ عَنْهُ (مُطْلَقًا) فَهُوَ عِنْدَهُ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا فِي لَبِسْت الثَّوْبَ وَشَرِبْت الْمَاءَ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا فِي {إنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} (وَ) خِلَافًا (لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ) فِي نَفْيِهِمَا الْعُمُومَ عَنْهُ (إذَا لَمْ يَكُنْ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ) كَالْمَاءِ (زَادَ الْغَزَالِيُّ أَوْ تَمَيَّزَ) وَاحِدُهُ (بِالْوَحْدَةِ) كَالرَّجُلِ إذْ يُقَالُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَهُوَ فِي ذَلِكَ لِلْجِنْسِ الصَّادِقِ بِالْبَعْضِ، نَحْوُ شَرِبْت الْمَاءَ وَرَأَيْت الرَّجُلَ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْعُمُومِ، نَحْوُ الدِّينَارُ خَيْرٌ مِنْ الدِّرْهَمِ أَيْ كُلُّ دِينَارٍ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ دِرْهَمٍ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَتَمَيُّزٌ بِالْوَاوِ بَدَلٌ أَوْ لِيَكُونَ قَيْدًا فِيمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الْغَزَالِيَّ قَسَمَ مَا لَيْسَ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ إلَى مَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ فَلَا يَعُمُّ وَإِلَى مَا لَا يَتَمَيَّزُ بِهَا كَالذَّهَبِ فَيَعُمُّ كَالْمُتَمَيِّزِ وَاحِدُهُ بِالتَّاءِ كَالتَّمْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ} وَكَانَ مُرَادُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمَثِّلْ إلَّا بِمَا يَتَمَيَّزُ وَاحِدُهُ بِالْوَحْدَةِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ عَهْدٌ صُرِفَ إلَيْهِ جَزْمًا وَالْمُفْرَدُ الْمُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ لِلْعُمُومِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ يَعْنِي مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَهْدٌ نَحْوُ {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} أَيْ كُلِّ أَمْرٍ لِلَّهِ وَخُصَّ مِنْهُ أَمْرُ النَّدْبِ. (وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِلْعُمُومِ وَضْعًا) بِأَنْ تَدُلَّ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْعَامِّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مُطَابَقَةٌ (وَقِيلَ لُزُومًا وَعَلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ) وَالِدُ الْمُصَنِّفِ كَالْحَنَفِيَّةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ النَّفْيَ أَوَّلًا لِلْمَاهِيَّةِ وَيَلْزَمُهُ نَفْيُ كُلِّ فَرْدٍ فَيُؤَثِّرُ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. (نَصًّا إنْ بَنَيْت عَلَى الْفَتْحِ) نَحْوُ لَا رَجُلَ فِي الدَّارِ (وَظَاهِرًا إنْ لَمْ تَبْنِ) نَحْوُ مَا فِي الدَّارِ رَجُلٌ فَيَحْتَمِلُ نَفْيَ الْوَاحِدِ فَقَطْ وَلَوْ زِيدَ فِيهَا مِنْ كَانَتْ نَصًّا أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُرُوفِ أَنَّ مِنْ تَأْتِي لِتَنْصِيصِ الْعُمُومِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالنَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ لِلْعُمُومِ نَحْوُ مَنْ يَأْتِنِي بِمَالٍ أُجَازِهِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مُرَادُهُ الْعُمُومُ الْبَدَلِيُّ لَا الشُّمُولِيُّ أَيْ بِقَرِينَةِ الْمِثَالِ أَقُولُ وَقَدْ تَكُونُ لِلشُّمُولِ نَحْوُ {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ} أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
(وَقَدْ يُعَمَّمُ اللَّفْظُ عُرْفًا كَالْفَحْوَى) أَيْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ الْأَوْلَى وَالْمُسَاوِي عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ نَحْوُ {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى} الْآيَةُ قَبْلَ نَقْلِهِمَا الْعُرْفُ إلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ الْإِيذَاءَاتِ وَالْإِتْلَافَاتِ وَإِطْلَاقُ الْفَحْوَى عَلَى مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ بِقِسْمَيْهِ خِلَافَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لِلْأُولَى مِنْهُ صَحِيحٌ أَيْضًا كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ (وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) نَقَلَهُ الْعُرْفُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعَيْنِ إلَى تَحْرِيمِ جَمِيعِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ النِّسَاءِ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَسَيَأْتِي قَوْلٌ إنَّهُ مُجْمَلٌ (أَوْ عَقْلًا كَتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ) فَإِنَّهُ يُفِيدُ عَلَيْهِ الْوَصْفَ لِلْحُكْمِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْقِيَاسِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ بِالْعَقْلِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كُلَّمَا وُجِدَتْ الْعِلَّةُ وُجِدَ الْمَعْلُولُ مِثَالُهُ أُكْرِمَ الْعَالِمُ (إذَا لَمْ تُجْعَلْ اللَّامُ فِيهِ لِلْعُمُومِ وَلَا عَهْدَ) وَكَمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ عَلَى قَوْلٍ تَقَدَّمَ أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى أَنَّ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِالْمَعْنَى الْمُعَبَّرِ عَنْهُ هُنَا بِالْعَقْلِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِ الْمَذْكُورُ الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِهِ فَائِدَةٌ كَمَا فِي حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ {مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ} أَيْ بِخِلَافِ مَطْلِ غَيْرِهِ (وَالْخِلَافُ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْمَفْهُومَ مُطْلَقًا (لَا عُمُومَ لَهُ لَفْظِيٌّ) أَيْ عَائِدٌ إلَى اللَّفْظِ أَوْ التَّسْمِيَةِ أَيْ هَلْ يُسَمَّى عَامًّا أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي أَوْ الْأَلْفَاظِ فَقَطْ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَهُوَ شَامِلٌ لِجَمِيعِ صُوَرِ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ عُرْفٍ وَإِنْ صَارَ بِهِ مَنْطُوقًا أَوْ عَقْلٍ (وَ) الْخِلَافُ (فِي أَنَّ الْفَحْوَى بِالْعُرْفِ وَالْمُخَالَفَةَ بِالْعَقْلِ تَقَدَّمَ فِي مَبْحَثِ الْمَفْهُومِ) نَبَّهَ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمِثَالَيْنِ عَلَى قَوْلٍ وَلَوْ قَالَ بَدَلَ هَذَا فِيهِمَا عَلَى قَوْلٍ كَمَا قُلْتُ كَانَ أَخْصَرَ وَأَوْضَحَ (وَمِعْيَارُ الْعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءُ) فَكُلُّ مَا صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْهُ مِمَّا لَا حَصْرَ فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ لِلُزُومِ تَنَاوُلِهِ لِلْمُسْتَثْنَى وَقَدْ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجَمْعِ الْمُعَرَّفِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الصِّيَغِ نَحْوُ جَاءَ الرِّجَالُ إلَّا زَيْدًا وَمَنْ نَفَى الْعُمُومَ فِيهَا يَجْعَلُ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا قَرِينَةً عَلَى الْعُمُومِ وَلَمْ يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ إلَّا أَنْ تُخَصِّصَ فَيَعُمُّ فِيمَا يَتَخَصَّصُ بِهِ نَحْوُ قَامَ رِجَالٌ كَانُوا فِي دَارِك إلَّا زَيْدًا مِنْهُمْ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ النُّحَاةِ وَيَصِحُّ جَاءَ رِجَالٌ إلَّا زَيْدٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ إلَّا صِفَةٌ بِمَعْنَى غَيْرِ كَمَا فِي {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}
(وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْجَمْعَ الْمُنَكَّرَ) فِي الْإِثْبَاتِ نَحْوُ جَاءَ عَبِيدٌ لِزَيْدٍ (لَيْسَ بِعَامٍّ) فَيُحْمَلُ عَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً أَوْ اثْنَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ وَقِيلَ إنَّهُ عَامٌّ لِأَنَّهُ كَمَا يَصْدُقُ بِمَا ذُكِرَ يَصْدُقُ بِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَبِمَا بَيْنَهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْرَادِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ كَمَا فِي رَأَيْت رِجَالًا فَعَلَى أَقَلِّ الْجَمْعِ قَطْعًا. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ أَقَلَّ مُسَمَّى الْجَمْعِ) كَرِجَالٍ وَمُسْلِمِينَ (ثَلَاثَةٌ لَا اثْنَانِ) وَهُوَ الْقَوْلُ الْآخَرُ وَأَقْوَى أَدِلَّتِهِ {إنْ تَتُوبَا إلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أَيْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَلَيْسَ لَهُمَا إلَّا قَلْبَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ وَنَحْوَهُ مَجَازٌ لِتَبَادُرِ الزَّائِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ دُونَهُمَا إلَى الذِّهْنِ وَالدَّاعِي إلَى الْمَجَازِ فِي الْآيَةِ كَرَاهَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ تَثْنِيَتَيْنِ فِي الْمُضَافِ وَمُتَضَمِّنِهِ وَهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِخِلَافِ نَحْوِ جَاءَ عَبْدَاكُمَا وَيَنْبَنِي عَلَى الْخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِدَرَاهِمَ لِزَيْدٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةً لَكِنَّ مَا مَثَّلُوا بِهِ مِنْ جَمْعِ الْكَثْرَةِ مُخَالِفٌ لِإِطْبَاقِ النُّحَاةِ عَلَى أَنَّ أَقَلَّهُ أَحَدَ عَشَرَ فَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ الْخِلَافُ فِي جَمْعِ الْقِلَّةِ وَشَاعَ فِي الْعُرْفِ إطْلَاقُ دَرَاهِمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَمَا قَالَ الصَّفِيُّ الْهِنْدِيُّ الْخِلَافُ فِي عُمُومِ الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ الْجَمْعَ (يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ مَجَازًا) لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ، نَحْوُ قَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ تَبَرَّجَتْ لِرَجُلٍ أَتَتَبَرَّجِينَ لِلرِّجَالِ لِاسْتِوَاءِ الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ فِي كَرَاهَةِ التَّبَرُّجِ لَهُ وَقِيلَ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِيهِ وَالْجَمْعُ فِي هَذَا الْمِثَالِ عَلَى بَابِهِ لِأَنَّ مَنْ بَرَزَتْ لِرَجُلٍ تَبْرُزُ لِغَيْرِهِ عَادَةً. (وَ) الْأَصَحُّ (تَعْمِيمُ الْعَامِّ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ) بِأَنْ سِيقَ لِأَحَدِهِمَا (إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ عَامٌّ آخَرُ) لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ إذْ مَا سِيقَ لَهُ لَا يُنَافِي تَعْمِيمَهُ فَإِنْ عَارَضَهُ الْعَامُّ الْمَذْكُورُ لَمْ يَعُمَّ فِيمَا عُورِضَ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ لَا يَعُمُّ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ (وَثَالِثُهَا يَعُمُّ مُطْلَقًا) كَغَيْرِهِ وَيُنْظَرُ عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ إلَى الْمُرَجَّحِ، مِثَالُهُ وَلَا مُعَارِضَ {إنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} وَمَعَ الْمُعَارِضِ {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فَإِنَّهُ وَقَدْ سِيقَ لِلْمَدْحِ يَعُمُّ بِظَاهِرِهِ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمْعًا وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} فَإِنَّهُ وَلَمْ يُسَقْ لِلْمَدْحِ شَامِلٌ لِجَمْعِهِمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ لَمْ يُرَدْ تَنَاوُلُهُ لَهُ أَوْ أُرِيدَ وَرُجِّحَ الثَّانِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مُحَرِّمٌ. (وَ) الْأَصَحُّ (تَعْمِيمُ نَحْوَ لَا يَسْتَوُونَ) مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} فَهُوَ لِنَفْيِ جَمِيعِ وُجُوهِ الِاسْتِوَاءِ الْمُمْكِنِ نَفْيُهَا لِتَضَمُّنِ الْفِعْلِ الْمَنْفِيِّ لِمَصْدَرٍ مُنَكَّرٍ وَقِيلَ لَا يَعُمُّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِوَاءَ الْمَنْفِيَّ هُوَ الِاشْتِرَاكُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ وَعَلَى التَّعْمِيمِ يُسْتَفَادُ مِنْ الْآيَةِ الْأُولَى أَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَلِي عَقْدَ النِّكَاحِ وَمِنْ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَخَالَفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْحَنَفِيَّةُ.
(وَ) الْأَصَحُّ تَعْمِيمُ نَحْوَ (لَا أَكَلْت) مِنْ قَوْلِك وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت فَهُوَ لِنَفْيِ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ بِنَفْيِ جَمِيعِ أَفْرَادِ الْأَكْلِ الْمُتَضَمِّنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا (قِيلَ وَإِنْ أَكَلْت) فَزَوْجَتِي طَالِقٌ مَثَلًا فَهُوَ لِلْمَنْعِ مِنْ جَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ فَيَصِحُّ تَخْصِيصُ بَعْضِهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنِّيَّةِ وَيَصْدُقُ فِي إرَادَتِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَعْمِيمَ فِيهِمَا فَلَا يَصِحُّ التَّخْصِيصُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النَّفْيَ وَالْمَنْعَ لِحَقِيقَةِ الْأَكْلِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ النَّفْيُ وَالْمَنْعُ لِجَمِيعِ الْمَأْكُولَاتِ حَتَّى يَحْنَثَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِي الثَّانِيَةِ بِقِيلِ عَلَى خِلَافِ تَسْوِيَةِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ بَيْنَهُمَا لِمَا فَهِمَهُ مِنْ أَنَّ عُمُومَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ بَدَلِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا فُهِمَ دَائِمًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَجِيئِهَا لِلشُّمُولِ (لَا الْمُقْتَضِي) بِكَسْرِ الضَّادِ وَهُوَ مَا لَا يَسْتَقِيمُ مِنْ الْكَلَامِ إلَّا بِتَقْدِيرِ أَحَدِ أُمُورٍ يُسَمَّى مُقْتَضَى بِفَتْحِ الضَّادِ فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ جَمِيعًا لِانْدِفَاعِ الضَّرُورَةِ بِأَحَدِهَا وَيَكُونُ مُجْمَلًا بَيْنَهَا يَتَعَيَّنُ بِالْقَرِينَةِ وَقِيلَ يَعُمُّهَا حَذَرًا مِنْ الْإِجْمَالِ وَمِثَالُهُ حَدِيثُ مُسْنَدِ أَخِي عَاصِمٍ الْآتِي فِي مَبْحَثِ الْمُجْمَلِ {رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ} فَلِوُقُوعِهِمَا لَا يَسْتَقِيمُ الْكَلَامُ بِدُونِ تَقْدِيرِ الْمُؤَاخَذَةِ أَوْ الضَّمَانِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَقَدَّرْنَا الْمُؤَاخَذَةَ لِفَهْمِهَا عُرْفًا مِنْ مِثْلِهِ وَقِيلَ يُقَدَّرُ جَمِيعُهَا. (وَالْعَطْفُ عَلَى الْعَامِّ) فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي الْمَعْطُوفِ وَقِيلَ يَقْتَضِيهِ لِوُجُوبِ مُشَارَكَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ قُلْنَا فِي الصِّفَةِ مَمْنُوعٌ مِثَالُهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ {لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ} قِيلَ يَعْنِي بِكَافِرٍ وَخُصَّ مِنْهُ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ بِالْإِجْمَاعِ قُلْنَا لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ بَلْ يُقَدَّرُ بِحَرْبِيٍّ. (وَالْفِعْلُ الْمُثْبَتُ) بِدُونِ كَانَ (وَنَحْوُ كَانَ يَجْمَعُ فِي السَّفَرِ) مِمَّا اقْتَرَنَ بَكَانِ فَلَا يَعُمُّ أَقْسَامَهُ وَقِيلَ يَعُمُّهَا مِثَالُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ بِلَالٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى دَاخِلَ الْكَعْبَةِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالثَّانِي حَدِيثُ أَنَسٍ {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ} رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَلَا يَعُمُّ الْأَوَّلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ وَلَا الثَّانِي جَمْعَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إذْ لَا يَشْهَدُ اللَّفْظُ بِأَكْثَرَ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَجَمْعٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَرْضًا وَنَفْلًا وَالْجَمْعُ الْوَاحِدُ فِي الْوَقْتَيْنِ وَقِيلَ يَعُمَّانِ مَا ذُكِرَ حُكْمًا لِصِدْقِهِمَا بِكُلٍّ مِنْ قِسْمَيْ الصَّلَاةِ وَالْجَمْعِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ كَانَ مَعَ الْمُضَارِعِ لِلتَّكْرَارِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى فِي قِصَّةِ إسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} وَقَوْلُهُمْ كَانَ حَاتِمٌ يُكْرِمُ الضَّيْفَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْعُرْفُ (وَلَا الْمُعَلَّقُ بِعِلَّةٍ) فَإِنَّهُ لَا يَعُمُّ كُلَّ مَحَلٍّ وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ (لَفْظًا لَكِنْ) يَعُمُّهُ (قِيَاسًا) وَقِيلَ يَعُمُّهُ لَفْظًا مِثَالُهُ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ لِإِسْكَارِهَا فَلَا يَعُمُّ كُلَّ مُسْكِرٍ لَفْظًا وَقِيلَ يَعُمُّهُ لِذِكْرِ الْعِلَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ حَرَّمَتْ الْمُسْكِرَ (خِلَافًا لِزَاعِمِي ذَلِكَ) أَيْ الْعُمُومِ فِي الْمُقْتَضِي وَمَا بَعْدَهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ تَرْكَ الِاسْتِفْصَالِ) فِي حِكَايَةِ الْحَالِ (يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ) فِي الْمَقَالِ كَمَا فِي {قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ أَسْلَمَ عَلَى عَشْرِ نِسْوَةٍ أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ} رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ هَلْ تَزَوَّجَهُنَّ مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا فَلَوْلَا أَنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْحَالَيْنِ لَمَا أُطْلِقَ الْكَلَامُ لِامْتِنَاعِ الْإِطْلَاقِ فِي مَوْضِعِ التَّفْصِيلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَقِيلَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ بَلْ يَكُونُ الْكَلَامُ مُجْمَلًا وَسَيَأْتِي تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ أَمْسِكْ بِابْتَدِئْ نِكَاحَ أَرْبَعٍ مِنْهُنَّ فِي الْمَعِيَّةِ وَاسْتَمِرَّ عَلَى الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ فِي التَّرْتِيبِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} وَ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ} (لَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّةَ) مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِاخْتِصَاصِ الصِّيغَةِ بِهِ وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ لِأَنَّ أَمْرَ الْقُدْوَةِ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ مَعَهُ عُرْفًا كَمَا فِي أَمْرِ السُّلْطَانِ الْأَمِيرَ بِفَتْحِ بَلَدٍ أَوْ رَدِّ الْعَدُوِّ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا فِيمَا يَتَوَقَّفُ الْمَأْمُورُ بِهِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَ) الْأَصَحُّ أَنَّ (نَحْوَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ يَشْمَلُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِقُلْ) وَقِيلَ لَا يَشْمَلُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ لِلتَّبْلِيغِ لِغَيْرِهِ (وَثَالِثُهَا التَّفْصِيلُ) إنْ اقْتَرَنَ بِقُلْ فَلَا يَشْمَلُهُ لِظُهُورِهِ فِي التَّبْلِيغِ وَإِلَّا فَلَا يَشْمَلُهُ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ) أَيْ نَحْوَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ (يَعُمُّ الْعَبْدَ) وَقِيلَ لَا يَعُمُّهُ لِصَرْفِ مَنَافِعِهِ إلَى سَيِّدِهِ شَرْعًا قُلْنَا فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ ضِيقِ الْعِبَادَاتِ (وَالْكَافِرَ) وَقِيلَ لَا بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ (وَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودِينَ) وَقْتَ وُرُودِهِ (دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ) وَقِيلَ يَتَنَاوَلُهُمْ أَيْضًا لِمُسَاوَاتِهِمْ لِلْمَوْجُودِينَ فِي حُكْمِهِ إجْمَاعًا قُلْنَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ مُسْتَنَدُ الْإِجْمَاعِ لَا مِنْهُ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ مَنْ الشَّرْطِيَّةَ تَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ) وَقِيلَ تَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَعَلَى ذَلِكَ لَوْ نَظَرَتْ امْرَأَةٌ فِي بَيْتِ أَجْنَبِيٍّ جَازَ رَمْيُهَا عَلَى الْأَصَحِّ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ {مَنْ تَطَلَّعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ} وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يُسْتَتَرُ مِنْهَا (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ) كَالْمُسْلِمِينَ (لَا يَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ ظَاهِرًا) وَإِنَّمَا يَدْخُلْنَ بِقَرِينَةٍ تَغْلِيبًا لِلذُّكُورِ وَقِيلَ يَدْخُلْنَ فِيهِ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ لَمَّا كَثُرَ فِي الشَّرْعِ مُشَارَكَتُهُنَّ لِلذُّكُورِ فِي الْأَحْكَامِ لَا يَقْصِدُ الشَّارِعُ بِخِطَابِ الذُّكُورِ قَصْرَ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ.
(وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِطَابَ الْوَاحِدِ) بِحُكْمٍ فِي مَسْأَلَةٍ (لَا يَتَعَدَّاهُ) إلَى غَيْرِهِ (وَقِيلَ يَعُمُّ) غَيْرَهُ (عَادَةً) لِجَرَيَانِ عَادَةِ النَّاسِ بِخِطَابِ الْوَاحِدِ وَإِرَادَةِ الْجَمْعِ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ قُلْنَا مَجَازٌ يَحْتَاجُ إلَى الْقَرِينَةِ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ خِطَابَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ بِيَا أَهْلَ الْكِتَابِ)، نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} (لَا يَشْمَلُ الْأُمَّةَ) وَقِيلَ يَشْمَلُهُمْ فِيمَا يَتَشَارَكُونَ فِيهِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ الْمُخَاطِبَ) بِكَسْرِ الطَّاءِ (دَاخِلٌ فِي عُمُومِ خِطَابِهِ إنْ كَانَ خَبَرًا)، نَحْوُ {وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمٌ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ (لَا أَمْرًا) كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ وَقَدْ أَحْسَنَ إلَيْهِ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْك فَأَكْرِمْهُ لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْآمِرَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ الْمُخْبِرِ وَقِيلَ يَدْخُلُ مُطْلَقًا نَظَرًا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ مُطْلَقًا لِبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ الْمُخَاطِبُ نَفْسَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الرَّوْضَةِ إنَّهُ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الدُّخُولَ فِي الْأَمْرِ فِي مَبْحَثِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّ نَحْوَ {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} يَقْتَضِي الْأَخْذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ) وَقِيلَ لَا بَلْ يَمْتَثِلُ بِالْأَخْذِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ (وَتَوَقَّفَ الْآمِدِيُّ) عَنْ تَرْجِيحِ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْأَوَّلُ نَاظِرٌ إلَى أَنَّ الْمَعْنَى مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ وَالثَّانِي إلَى أَنَّهُ مِنْ مَجْمُوعِهَا.

  #4  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تشنيف المسامع لبدر الدين الزركشي


(ص) مسألة: كل والذي والتي وأي وما ومتي وأين وحيثما ونحوها للعموم حقيقة، وقيل: للخصوص، وقيل: مشتركة وقيل: بالوقف.
(ش) اختلف في أنه هل للعموم صيغة تخصه على مذاهب:
أحدها: وعزي للأشعري- إنكارها على معنى أن اللفظة الواحدة لا تشعر بمعني الجمع بمجردها ولم ينكروا أنه يدل على ذلك بأكثر من لفظة واحدة أو قيام قرينة، إذ لا مجال للعقل في إثبات اللغات ولم تجئ اللغة به، لأنه لو كان بالتواتر لاشترك العقلاء في علمه والآحاد تستحيل إثبات مسائل الأصول والاعتقاد بها.
والثاني: أنها موضوعة للخصوص وهو أقل الجمع، إما الجمع إما اثنان أو ثلاثة، لأنه المتيقن واستعمل في العموم مجازا.
والثالث: مشتركة بين العموم والخصوص وعليه أكثر الواقفية.
والرابع: الوقف.
ونقله القاضي في (مختصر التقريب) عن الأشعري ومعظم المحققين واختاره وقال: وحقيقة ذلك أنهم قالوا: سبرنا اللغة ووضعها فلم نجد صيغة دالة على العموم سواء وردت مطلقة أو مقيدة بضروب من التأكيد.
والخامس: قول الجمهور: إثبات الصيغ لأن العموم معنى من المعاني محتاج إلى التعبير عنه فوجب أن يضع الواضع له لفظا كما وضع لغيره من المعاني المحتاج إليها وهذا هو الصحيح وعليه التفريع وإنما عدد المصنف أمثلة الصيغ للتنبيه على تقسيمها إلى ما يشتمل على جميع المفهومات وهو الأربعة الأول، وإلى ما يختص عمومه ببعضها، وهو الباقي وإنما بدأ بـ (كل) لأنها أقوى صيغ العموم., والعجب من ابن الحاجب في إهمالها ولا فرق بين أن تقع مبتدأ بها، نحو{كل من عليها فان} أو تابعة نحو:{فسجد الملائكة كلهم أجمعون} وسبق الكلام عليها في الحروف، وأراد بالذي والتي وما يتفرع عنهما جمعا وتثنية وجميع لغاتهما، كقوله تعالى:{إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} {واللذان يأتيانها منكم} {واللاتي تخافون نشوزهن} {واللائي يئسن من المحيض} وأطلق ابن السمعاني وابن الحاجب وغيرهما: أن الأسماء الموصولة من صيغ العموم واحترزوا بالأسماء من الحروف كـ (إن وما) المصدريتين فليست منها ولم يذكر جمع من الأصوليين الموصولات في الصيغ وأما (أي) فعامة فيما تضاف إليه من الأشخاص والأزمان والأمكنة والأحوال، ومنه: ((أيما امرأة نكحت نفسها)). أي زمان سرت سرت معك، أي مكان جلست جلست معك، أي حال كنت كنت عليه، أي فعل فعلت فعلت، وحقه أن يقيدها بالاستفهام والشرطية والموصولة، نحو مررت بأيهم قام أي: بالذي قام لتخرج الصفة كمررت برجل أي رجل، والحال نحو مررت بزيد أي رجل، ومن صرح بتعميم الموصولة القرافي وهو داخل في إطلاق من أطلق تعميم الموصولات ومنهم من أخرج الموصولة، وفيه ما ذكرنا.
وأما القسم الثاني وهو ما يختص ببعض المفهومات فينقسم إلى ما يعم كل ما لا يعقل، وهو (ما ) الشرطية والاستفهامية، وإلى ما يختص ببعض من لا يعقل وهو الباقي فمتى يختص بالزمان نحو: متى تقم أقم، وأين وحيثما بالمكان نحو: أين تجلس أجلس... قال تعالى:{أينما تكونوا يدرككم الموت}. {وحيثما كنتم فولوا وجوهكم} قال الأصفهاني شارح (المحصول): وقيد ابن الحاجب الزمان بالمبهم فلا تقول: متى زالت الشمس فأتني، وتقول: متى جاء زيد جئتك.
تنبيهان:
الأول: ينبغي أن يجيء خلاف في أن العموم حجة في كلام الشارع دون كلام الناس، من الخلاف السابق في المفهوم وشاهده أنه لو وكله ببيع عبده ثم قال: وافعل ما شئت فهل له أن يوكل غيره في بيعه على وجهين: أصحهما لا لأنه لم ينص عليه، والثاني: يعم، لأنه أمره أمرا عاما، قال القاضي حسين في تعليقه: ومن قال بالأول قال: العموم إنما يستنبط من أمر صاحب الشرع لا من أمر العباد.
الثاني: أن (من) وغيرها من ألفاظ الشرط، تقتضي عموم الأشخاص لا عموم الأفعال، بدليل إنه لو قال: من دخل داري من نسائي فهي طالق فدخلت واحدة مرتين لم تطلق إلا واحدة، إلا أنه يقتضي وجود الجزاء عند أول وجود الشرط، أما التكرار فلا يقتضيه إلا أنه قد يتحقق التكرار في بعض المواضع بواسطة قياس إذ فهم أن الشرط علة، فإن الأصل: ترتب الحكم على علته فيلزم التكرار كقوله تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه} {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} وأما الألفاظ الموضوعة لعموم الأفعال فهي: كل، ومتي، وما، ومهما، فلو قال: كلما دخلت فأنت طالق، اقتضى التكرار.
(ص) والجمع المعرف باللام أو الإضافة للعموم ما لم يتحقق عهد خلافا لأبي هاشم مطلقا، وإمام الحرمين إذا احتمل معهود.
(ش) قد يستفاد من العموم لا من جهة وضعه بل بواسطة القرينة، وهو إما أن يكون في الإثبات وذلك في الجمع المعرف باللام من غير عهد كقوله تعالى:{إن الله بريء من المشركين} والإضافة نحو: عبيدي أحرار ونسائي طوالق، وسواء فيه جمع السلامة والتكسير والجمهور على أنه للعموم إذا لم يكن هناك عهد محقق ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر التشهد: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض)).
فدل على اقتضاء المضاف العموم، ولأنه يحسن الاستثناء تقول: أعط المسلمين إلا فلانا، والاستثناء معيار العموم، ولأنه لو قال: رأيت مسلمين علم أنه رأى من هذا الجنس ولا يفيد الاستغراق فلا بد أن يفيد دخول الألف واللام فائدة ولا فائدة إلا الاستغراق وذهب أبو هاشم إلى أنه يفيد الجنس لا العموم مطلقا.
أي سواء احتمل عهد أم لا وحكاه صاحب (الميزان) عن أبي علي الفارسي أيضا وعزاه المازري لأبي حامد الإسفرائيني.
وأشار المصنف بقوله: ما لم يتحقق عهد إلى أن محل الخلاف إذا لم يكن هناك عهد، فإن كان انصرف إلى المعهود ولا يعم بالاتفاق كما قاله في (المحصول) وغيره، وإن لم يكن هناك دليل على إرادة الجنس ولا العهد فتوقف إمام الحرمين فيه، وقال: إنه محتمل لهما، وإنما تفيد الاستغراق عنده، إذا تحقق أن تعريفه للجنس، والجمهور قالوا في هذه الصورة أيضا: إنه للاستغراق ولا ينصرف عنه إلا إذا كان ثم معهود ينصرف التعريف إليه.
تنبيهات:
الأول: اعترض على دعوى الأصوليين، العموم في العرف، بأن سيبويه وغيره من أئمة اللغة، نصوا على أن جمع السلامة للقلة، وهو من الثلاثة إلى العشرة، والعموم ينافي القلة، وجمع إمام الحرمين بين الكلامين فحمل كلام النحاة على ما إذا كانت نكرة وأجراه غيره على ظاهره، وقال: إنه لا مانع أن يكون أصل، وضعها للقلة لكن غلب استعمالها في الكثرة، إما بعرف الاستعمال أو بعرف الشرع، وهو قوي، فإن الموضوع للقلة كثيرا ما يستعمل في الكثرة، فنظر الأصوليون إلى غلبة الاستعمال ونظر النحاة إلى أصل الوضع، فلا خلاف.
وقيل: إن السؤال لا يرد من أصله، ولا تنافي بين القلة والعموم، فإنك إذا قلت: أكرم الزيدين، معناه: أكرك كل واحد يجتمع مع تسعة أو دونها، بخلاف أكرم الرجال فمعناه: أكرم كل واحد منهم يكون إلى عشرة فأكثر. وإنما ينافي العموم أن لو كان معناه الأمر بإكرام مسمى الجمع وليس كذلك.
الثاني: علم منه أن الأصل في الألف واللام العموم حتى دليل على خلافه ويقع في كلام بعضهم: الأصل فيها العهد حتى يقوم دليل على عدم إرادته ويظهر أثر هذا الخلاف فيما إذا لم تقم قرينة على إرادة عهد، وشككنا أن العهد مراد أولا، هل يحمل على العموم أو لا؟ الأقرب الأول وهنا سؤال وهو أنه كيف الجمع بين هذا وبين قولهم: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مع أن السبب قرينة في انصرافه إلى العهد، وأجيب بأن تقدم السبب الخاص قرينة في أنه مراد لا أن غيره ليس بمراد فنحن نعمل بهذه القرينة فنقول: دلالة هذا العام على محل السبب قطعية ودلالته على غيره ظنية، إذ ليس في السبب ما ينفيه.
الثالث: إن خلاف أبي هاشم والإمام إنما هو في الجمع المعرف دون المضاف وطرد المصنف فيه لعدم الفارق.
(ص) والمفرد المحلى مثله خلافا للإمام مطلقا، ولإمام الحرمين والغزالي إذا لم يكن واحده بالتاء، زاد الغزالي: أو تميز بالوحدة.
(ش) في مثل: {وأحل الله البيع}،{والسارق والسارقة} مذاهب: أصحها: أنه للعموم، إذا لم يكن هناك معهود، ويرجع إليه بدليل صحة الاستثناء في قوله تعالى:{إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا}.
ونص عليه الشافعي في الرسالة فقال: إن الزانية والزاني من العام الذي خص قال ابن التلمساني وغيره: وشرط دلالتها على الاستغراق أن يحسن موضعها كل نحو:{إن الإنسان لفي خسر} بخلاف نحو:{فعصى فرعون الرسول} فإن المراد به موسى – عليه السلام – فلا يحسن تقديرها بكل.
والثاني: قال الإمام في المحصول ليس بالعام إلا بقرينة. وقال:
إنه يراد به تعريف الماهية لا العموم، قال ابن الخباز النحوي: واحتج على ذلك بأمور لا يصبر على النظر حق الصبر، والذي يضعف مذهبه أنها لو كانت لتعريف الماهية لم يكن بين المعرفة والنكرة فرق؛ لأن النكرة تدل على الماهية دلالة وضعية كفرس وحجر، فإذا قلت: الفرس والحجر ولم تقصد العهد وأردت نفس الماهية، فقد عنيت ما عناه الواضع، وأضعت حق الألف واللام، فثبت أن المراد بها العموم كما قال المبرد.
والثالث: التفصيل بين ما يدخل واحده التاء وما لا يدخله فما ليس فيه التاء إن تجرد عن عهد، فللجنس نحو {الزانية والزاني} وإن لاح قصد المتكلم للجنس، فالاستغراق نحو: الدينار أشرف من الدرهم، وإن لم يعلم الحال فمجمل وأما ما تدخله التاء كالتمر فنقل في تعميمه قولين ولم يصرح باختيار شيء لكن رأى أن التمر أدل على استغراق الجنس من التمور، فإن التمر يسترسل على الجنس لا بصيغة اللفظ. والتمور يتخيل فيها الواحد.
تم الاستغراق بعده بصيغة الجمع، وفي صيغة الجمع خلاف وبما ذكرنا يعلم: أن المصنف لم يعرف بنقل مذهب إمام الحرمين على وجهه.
والرابع: التفصيل بين أن يتميز فيه لفظ الواحد عن الجنس بالتاء كالتمرة والتمر فإذا عري عن التاء اقتضى الاستغراق كقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تبيعوا البر بالبر ولا التمر بالتمر)) وإن لم تدخله تاء التوحيد، فإن لم يتشخص مدلوله ولم يتعدد كالذهب والماء، فهو لاستغراق الجنس إذ لا يعبر عن أبعاضه بالذهب الواحد، وإن تشخص وتعدد كالدينار والرجل، احتمل العموم وتعريف الماهية فلا يحمل على العموم إلا بدليل، قاله في المستصفى.
تنبيهات:
الأول: سكت المصنف هنا عن الإضافة في المفرد، وقال الهندي: لم ينصوا عليها لكن قضية التسوية بين الإضافة ولام التعريف في الأولى أن يكون كذلك ههنا، قلت: قد صرح بالتسوية جماعة، لكن الإمام في (المحصول) أنكر العموم في المفرد المعرف، وأما المضاف فصرح في أثناء الاستدلال على أن الأمر للوجوب بأنه يعم وكأن الفرق على طريقته: أن الإضافة أدل على العموم من الألف واللام.
الثاني: أشار بقوله: مثله إلى أن شرط تعميمه: أن لا يتحقق عهد، فإن كان هناك عهد انصرف إليه قطعا وإن احتمل فعام على الصحيح ويجيء هنا توقف إمام الحرمين أيضا بل هو هنا أولى، وقد صرح به فقال:
إن كان التعريف مبنيا على تنكير سابق كقولك: أقبل رجل ثم تقول: قرب الرجل فلا يعم، وإن لاح قصد الجنس عم، وإن لم يعرف لماذا أخرج الكلام، فالذي صار إليه المعظم أنه للجنس، والذي أراه: أنه مجمل وأنه حيث يعم لا يعم بصيغة اللفظ، وإنما ثبت عمومه وتناوله الجنس بحالة مقترنة معه مشعرة بالجنس.
الثالث: تعبيره بالمفرد خلاف تعبير ابن الحاجب باسم الجنس، والأول أعم فإن المفرد المحلى ينقسم إلى اسم جنس، واسم ليس بجنس، فاسم الجنس ما لا وأحد له من لفظه، كالناس والنساء والإبل والحيوان ومن هذه الجهات يفارق المجموع وأما الاسم المفرد فنحو: الدينار والدرهم ويفارق اسم الجنس فإن اسم الجنس لا ينكر عندما تنكير مدلوله بخلاف المفرد فإذا أشرت إلى شيء من الذهب ثم زدت عليه أمثاله لم يتغير الاسم، ولو أشرت إلى جماعة من الآدميين وقلت: هؤلاء ناس فلو زيد فيهم لم يتغير لفظ الإشارة وكانت الإشارة إليهم مع الزيادة، بقولك: هؤلاء ولو أشرت إلى درهم أو دينار تغير اللفظ تقول هذان درهمان ولا يصدق هذا درهم، كذا فرق بين التلمساني في بعض مصنفاته ولا أثر له بالنسبة له إلى العموم فإن عمومها استغراقي باعتبار الألف واللام.
(ص) والنكرة في سياق النفي للعموم وضعا، وقيل لزوما وعليه الشيخ الإمام، نصا إن بنيت على الفتح وظاهر إن لم تبن.
(ش) مراده بالنكرة ما هو أعم من المطلق والنكرة، لا النكرة المقابلة للمعرفة وقوله: في سياق النفي كان الأحسن أن يقول: في النفي ليعم ما كانت في سياقه وما انصب النفي عليها وسيف الدين الآمدي فرق بين النكرة في سياق النفي وبين ما كان النفي داخلا عليها فقال: إن النكرة في سياق (النفي ليست للعموم ذكره في الأبكار ومثل للنكرة في سياق النفي) في كتابه (الإحكام) بقوله: ليس في الدار رجل وفيه نظر وإطلاق النفي يشمل النفي بما ولن ولا، التي للنهي والدليل على أنها للعموم قوله تعالى:{ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله}. ومنهم من احتج بقوله تعالى:{فما منكم من أحد عنه حاجزين} وقد تدعى استفادته من (من أحد) ومنهم من احتج بأنه لو لم يكن كذلك، لم يكن لا إله إلا الله توحيد والإجماع على خلافه ثم أشار المصنف فيها إلى بحثين نفيسين:
أحدهما: اختلفوا في أنها عمت وضعا، أي أن اللفظ وضع لسلب كل فرد من أفراد الكلية بالمطابقة، وليس المراد به أنه يدل بالمنطوق، بل ما يفيد معنى الوضع المقابل للزوم وهو ظاهر كلام أصحابنا واختاره القرافي أو عمت لزوما، ومعناه أن عمومها ليس باعتبار دلالة اللفظ على جميع الأفراد بطريق المنطوق، بل باعتبار أن نفي فرد منهم يقتضي نفي جميع الأفراد ضرورة، ونسب للحنفية واختاره والد المصنف.
وحاصل الخلاف: أنها هل عمت لذاتها أو لنفي المشترك منها، فلم يحصل العموم عندهم إلا لأن حرف النفي اقتضى نفي الماهية الكلية، ونفي الأعم يلزم منه نفي الأخص، فحصلت السالبة الكلية بطريق اللزوم لأن اللفظ موضوع في اللغة للسالبة... الكلية، والأول أظهر، لأن المتكلم إنما يقصد بنفيه نفي كل رجل لا نفي المشترك ويؤيده دخول الاستثناء على هذه الصيغة اتفاقا وهو على الثاني لم يخرج الاستثناء شيئا من مدلول اللفظ، لأن مدلوله عندهم إنما هو الماهية الكلية فالاستثناء إنما توجه على لازم المدلول بالمطابقة وهي نفي الأفراد اللازمة لنفي المشترك فيكون منقطعا، وعلى رأي الجمهور يكون الاستثناء من مسمى اللفظ، فيكون متصلا.
وينبني على الخلاف: التخصيص بالنية، فإن قلنا بقول الحنفية، من أنه نفي للكلي فلا يؤثر حتى لو قال لا أكلت ونوى معينا فلا يسمع وإن قلنا: إنه نفي للكل فيؤثر بتخصيص بعض الأفراد بالنية واختار المصنف في غير هذا الكتاب، التفصيل بين النكرة المبنية على الفتح فباللزوم وبين غيرها فبالوضع.
البحث الثاني: أن قدماء الأصوليين أطلقوا تعميم النكرة المنفية من غير فرق واعترض عليهم القرافي بالنكرة المقترنة مع لا، فإن سيبويه نص على أنه يصح أن يقال: لا رجل في الدار بل رجلان، وقال ابن السيد: إذا قلت: لا رجل في الدار لا يعم لأنه جواب لمن قال: هل في الدار رجل واحد، فيقال له: لا رجل في الدار بل رجلان. بخلاف ما إذا بنيت مع لا، فإنه جواب لمن قال: هل من رجل في الدار، فكان سؤاله عن مطلق مفهوم الرجل فكان جوابه بعموم السلب وهذا الاعتراض مردود وكلام الأئمة على ظاهره، وهي عامة في كل مواردها، لكنه يتفاوت وبه يجمع بين كلام النحاة والأصوليين فإن بنيت على الفتح مثل لا إله إلا الله فالعموم فيها نص وإن لم تبن على الفتح فإن كانت في تقديره نحو: ما جاءني من رجل فكالأولى نحو:{وما من إله إلا الله}.
ولا خلاف في ذلك وإنما اختلفوا في أن العموم استفيد من دخول (من) أو كان موجودا قبلها، إن كانت عاملة عمل ليس نحو: لا رجل في الدار، فإنها مع الاسم تنصب الخبر فهذا موضع الخلاف الذي ظنه القرافي وليس كذلك، بل الصواب القطع بأنها للعموم، لكنه فيها بطريق الظهور لا النصوصية فيتطرق إليه التأويل وادعاء خلاف الظاهر ويساعد إطلاق الأصوليين على ذلك قول سيبويه الذي حكاه إمام الحرمين في معاني الحروف عنه.
وقال: ولهذا نص سيبويه على جواز مخالفته فتقول: ما فيها رجل بل رجلان كما يعدل عن الظاهر فتقول: جاء الرجال إلا زيدا فظهر الجمع بين كلام الفريقين وإنه لا خلاف بينهما ويحمل قول من قال إنها ليست للعموم في هذه الحالة كما نقل عن الجرجاني والزمخشري أنه أراد ليست نصا فيه ويشهد لذلك أيضا، ما نقله الشيخ أبو حيان في (الارتشاف) عن سيبويه أنها لتأكيد الاستغراق مع الإعراب في قولك: ما جاءني من رجل.
تنبيهات:
الأول: ظاهر قوله: وظاهرا إن لم تبن، يتناول صورتين: العاملة عمل ليس وهو واضح، والداخلة عليها من، ولا خلاف أنها نص كما سبق.
الثاني: لا وجه لتخصيصه النفي، بل هي في سياق الشرط والاستفهام ونحوهما، كذلك قال تعالى:{من عمل صالحا فلنفسه} {وإن أحد من المشركين استجارك} وقالوا: هل رأيت أحدا ونحوه.
(ص) وقد يعم اللفظ عرفا كالفحوى {وحرمت عليكم أمهاتكم}
(ش) يستفاد العموم إما من جهة اللغة، أو العرف، أو العقل، ووجه الحصر: أنه إما أن يكون لفظا أو غير لفظ، واللفظ لا بد أن تكون دلالته على معناه، إما باصطلاح عام وهو اللغة، أو خاص وهو العرف، وما ليس بلفظ هو العقل، أي: فهم العموم بطريق العقل فالذي يدل عليه بالعرف شيئان.
أحدهما: الفحوى والمراد به مفهوم الموافقة إذا قلنا دلالته لفظية، فإن الحكم فيه إنما ثبت من طريق الأولى لأجل (أن العلة فيه أولى، ولكونه مساويا لأجل أن العلة اقتضت ذلك، وقد سبق في المفهوم تقرير) استفادته من العرف، وأنه رأي لم يرتضه المصنف.
الثاني: إضافة الحكم إلى الأعيان، كقوله تعالى:{حرمت عليكم أمهاتكم} فإن أهل العرف نقلوا تحريم العين إلى تحريم جميع الاستمتاعات المقصودة من النساء فتفيد جميع الاستمتاعات من الوطء ومقدماته وقيل: إن التعميم فيه من باب الاقتضاء لأن تحريم الأعيان محال لقيام دليل العقل على أن الأحكام الشرعية إنما تتعلق بأفعال المكلفين دون أعيانهم فلا بد من إضمار يستقيم الكلام فيكون على الخلاف في عموم المقتضى، وقد يترجح بقولهم الإضمار، خير من النقل، كما في قوله تعالى:{وحرم الربا}.
(ص) وعقلا كترتيب الحكم على الوصف وكمفهوم المخالفة.
(ش) المفيد للعموم بطريق العقل شيئان:
أحدهما: ترتيب الحكم على الوصف، فإنه يشعر بكونه علة له، وذلك يفيد العموم بالعقل، على معنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول، وكلما انتفت انتفى فهذا دل العقل لا باللغة ولا بالعرف.
وثانيهما: مفهوم المخالفة عند القائلين به كقوله صلى الله عليه وسلم: ((في سائمة الغنم الزكاة)). فيدل على انتفاء الوجوب في كل ما ليس بسائمة غنم، وهذا تابع فيه (المحصول) وأسقطه من (المنهاج) فلم يذكر غير المقالة الأولى وهو حسن لأن دلالته مفهوم المخالفة لم يقل أحد إنها عقلية،بل الذي أختاره في (المعالم): أنه لا يدل على النفي بحسب اللغة، وإنما يدل عليه بحسب العرف العام، فيكون من القسم الأول، قال ابن السمعاني: هل دل عليه من حيث اللغة أو الشرع؟ على وجهين: أصحهما: الأول.
(ص) والخلاف في أنه لا عموم له لفظي.
(ش) قال الغزالي: المفهوم لا عموم له لأن العام لفظ والمفهوم ليس لفظ وأثبته الأكثرون لعموم موجبه كما سبق وإذا حرر محل النزاع لم يتحقق خلاف لأنه إن كان الخلاف في أن مفهومي الموافقة والمخالفة يثبت فيهما الحكم في جميع ما سوى المنطوق، من الصور أو لا، فالحق الإثبات وهو مراد الأكثرين والغزالي لا يخالفهم فيه لأنه من القائلين بأن المفهوم حجة، وإن فرض في أن ثبوت الحكم فيهما بالمنطوق أو لا، فالحق النفي وهو مراد الغزالي وهم لا يخالفون فيه ولا ثالث ههنا يمكن فرضه محلا للنزاع.
والحاصل أنه نزاع يعود إلى تفسير العام بأنه ما يستغرق في محل النطق أو ما يستغرق في الجملة وزعم بعضهم أن الغزالي يقول: إن المفهوم إن كان عن لفظ ثبوتي اقتضى المفهوم السلب فيكون للعموم وإن كان عكس ذلك فيكون غير عام والذي يشكل على الغزالي أنه جعل دلالة الالتزام لفظية، والمفهوم من جملة أقسامها، ومع ذلك لا يتجه فيه القول، بأنه لا يعم العلة التي ذكرها.
(ص) وفي أن الفحوى بالعرف والمخالفة بالعقل تقدم.
(ش) أي: فصل المفهوم وهو صحيح في الفحوى، وأما المخالفة فالمذكور هناك أنه هل دل باللغة أو بالشرع أو بالمعنى، ولم يذكر العقل، وفسرنا هناك المعنى بالعرف العام فيرجع للتقسيم السابق.
(ص) ومعيار العموم الاستثناء.
(ش) أي: فإن الاستثناء إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه فلزم أن تكون كل للأفراد واجبة الاندراج ولا معنى للعموم إلا ذلك وإنما قلنا بوجوب الاندراج، لأنه جائز بالاتفاق فلو لم يكن واجبا – أيضا – لكان يجوز الاستثناء من الجمع المنكر، لاشتراكهما في إمكان اندراج كل فرد من أفرادها تحته، فنقول: جاء رجال إلا زيد، وقد نص النحاة على منعه.
وقضية هذا التوجيه أن الاستثناء إذا دخل على لفظ عام نقل دلالته على أفراده من الظهور إلى التنصيص وبه صرح بعضهم قال: وإلا لم يكن لتخصيص المستثنى فائدة، وقد أورد على المصنف دخول الاستثناء في مقادير الأعداد ولا عموم فيها، وأجاب بأنا لم نقل: كل مستثنى منه عام، بل قلنا: كل عام يقبل الاستثناء فمن أين العكس وفيه نظر.
واعلم أن هذا الأصل ليس متفقا عليه، فقد ذهب ابن مالك إلى أنه لا يشترط في صحة الاستثناء كونه من عام، بل يجوز من النكرة في الإثبات بشرط الفائدة نحو جاءني قوم صالحون إلا زيدا وخرج عليه الاستثناء من العدد نحو {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما} وقال ابن الدهان الاستثناء، إخراج بعض ما يوجبه اللفظ من عموم ظاهر، أو عموم حكم، أو معنى يدل عليه اللفظ بعموم اللفظ، نحو: قام القوم إلا زيدا وعموم الحكم نحو: لا أكلمك إلا يوم الجمعة لأن لا أكلمك حكمه أن لا يكلمه أبدا، فيوم الجمعة داخل فيه، فأخرج بالاستثناء.
(ص) والأصح أن الجمع المنكر ليس بعام.
(ش) أي: بل يحمل على ثلاثة أو اثنين على الخلاف في أقل الجمع وقال الجبائي: يقتضيه كالمعرف وهو ضعيف، لأنه لو اقتضى الاستغراق لتعرف وهو محال قال الهندي: والذي أظنه أن الخلاف في غير جمع القلة، وإلا فالخلاف فيه بعيد جدا، إذ هو مخالف على أنه للعشرة فما دونها قلت: وقضية كلام القاضي وغيره في النقل عن الجبائي أنه لا فرق فإنهم قالوا: جعل الجمع المنكر بمنزلة المعرف.
(ص) وإن أقل مسمى الجمع ثلاثة لا اثنان
(ش) أي: ولا يطلق على دون الثلاثة إلا مجازا وهو مذهب الشافعي رضي الله عنه وأبي حنيفة – رضي الله عنه -.
وقال مالك: اثنان واختاره الأستاذ والغزالي محتجين بأن الجمع مشتق من اجتماع الشيء مع الشيء واحتج الأولون بأن لفظ الواحد يسلم في التثنية ولا يسلم في الجمع فلم يجز أن يتفق العدد فيهما مع اختلاف صيغة الجمع الموضوع لهما، وهذا إنما يتمشى في المكسر، أما الصحيح فلا، وأجابوا عما قاله الخصم من الاشتقاق بأنه مشتق من اجتماع الجماعة كما أن التثنية مشتقة من اجتماع الاثنين وفائدة قوله: مسمى، التنبيه على أن محل الخلاف في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة كمسلمين ونحوه لا في المفهوم من لفظ الجمع لغة، وهو ضم شيء إلى شيء فإن ذلك في الاثنين والثلاثة وما زاد بلا خلاف ثم الخلاف في جمع القلة لا جمع الكثرة فإن أقله أحد عشر بإجماع النحاة كذا قالوا لكن قال الرافعي في فروع الطلاق: لو قال: إن تزوجت النساء أو اشتريت العبيد، فهي طالق، لم يحنث إلا إذا تزوج ثلاث نسوة أو اشترى ثلاثة أعبد، وكان ينبغي أن لا يحنث إلا بأحد عشر وقال الإمام في (البرهان) ذكر بعض الأصوليين من فوائد الخلاف، أن لو أقر بدراهم هل يحمل على ثلاثة أو على اثنين وما أظن أن الفقهاء يسمحون بهذا وهو عجيب فإن الخلاف عندنا حكاه الهروي في (الإشراف) وجهين بناء على هذا الأصل وذكره الماوردي في (الحاوي) أيضا.
(ص) وأنه يصدق على الواحد مجازا.
(ش) ذهب إمام الحرمين إلى أنه يصح رد لفظ الجمع إلى الواحد بشرط قيام قرينة تدل على أن المراد به واحد، وطرد ذلك في الاثنين من باب أولى ولهذا اقتصر المصنف على الواحد ومثله بقول الزوج وهو يرى امرأته تتصدى لناظر لها: تتبرجين للرجال، ولم يرد إلا رجلا واحدا لأن مقصوده استواء الجمع والواحد من جهة أن الأنفة والحمية إنما منشؤها التبرج للجنس آحادا أو جمعا، والذي ينقسم منها في الواحد ينقسم منها في الجنس ولعل لفظ الجمع أوفق للغرض.
وقال: وإذا لم يكن في الكلام مثل هذه القرينة لم ينقدح حمل صيغة الجمع على الواحد، ثم إن تحقق عدمها فلا وجه للرد إليه، وإن تردد في اقترانها باللفظ توقف فيه قال المازري: يريد أنه لو لم يكن في طبيعة الكلام ما يحسن به القرينة ما جاز إطلاقه ولو اقترنت به القرينة ونازعه ابن عطاء الله في التمثيل فإن المتكلم لم يطلق الرجال على واحد بل على جمع لظنه أنها ما تبرجت لهذا الواحد إلا وقد تبرجت لغيره فتبرجها للواحد سبب لإطلاق اللفظ، لا أن المراد برجال واحد ومثل القاضي عزيزي في (البرهان) مجيء الجمع والمراد الواحد بقوله تعالى:{وإني مرسلة إليهم بهدية} فالهاء والميم للجمع، والمراد به سليمان وحده، وكذا قوله{بم يرجع المرسلون} والرسول واحد بدليل قوله:{ارجع إليهم} وقوله:{مبرؤون مما يقولون} والمراد به أم المؤمنين وحدها، وفيها ثلاث كلمات للعموم، وهي: أولئك ومبرؤون ولهم مغفرة.
(ص) وتعميم العام بمعنى المدح والذم إذا لم يعارضه عام آخر وثالثها يعم مطلقا.
(ش) العام إذا تضمن معنى المدح أو الذم كقوله تعالى:{والذين يكنزون الذهب والفضة} ونحوه، والمراد به مدح قوم وذم آخرين وتعلق به ذكر النقد، فهو عام نظرا للفظ، ولا تنافي بين قصد العموم والذم.
وقال الشيخ أبو حامد الإسفرائيني: إنه المذهب وقيل: ليس بعام نظرا لما قصد به ونسب للشافعي رضي الله عنه، ولهذا منع التمسك بآية الزكاة في وجوب زكاة الحلي لأن اللفظ لم يقع مقصودا له، وربما نقلوا عنه أنه قال: الكلام يفصل في مقصوده ويحمل في غير مقصوده وهذا الخلاف أطلقه المتأخرون.
والصواب أن محله إذا لم يعارضه عام آخر لم يقصد به المدح أو الذم. فإن عارضه يرجح الذي لم يسبق لذلك عليه بلا خلاف، قاله الشيخ أبو حامد، وابن السمعاني وغيرهما من أصحابنا وأطلق غيرهم الخلاف وطردوه في الحالتين، وحينئذ فيجتمع ثلاثة أقوال كما أشار إليه المصنف، ومثال المعارض قوله تعالى:{وأن تجمعوا بين الأختين} مع قوله تعالى {أو ما ملكت أيمانكم} فالأولى سيقت لبيان الحكم فقدمت على ما سياقها المنة بإباحة الوطء بملك اليمين، وبهذا رد الأصحاب على داود احتجاجه بالثانية على إباحة الأختين بملك اليمين.
وقال الشيخ عز الدين: ليس من هذا الباب العام المرتب على شرط تقدم ذكره بل يختص اتفاقا كقوله تعالى:{إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا} فالشرط المتقدم هو صلاح المخاطبين الحاضرين وصلاحهم لا يكون سببا للمغفرة لمن تقدم من الأمم قبلهم أو يأتي بعدهم، فإن قواعد الشرع تأبى ذلك، وأن صلاح كل أحد لا يتعداه لغفران غيره إلا أن يكون فيه سبب وههنا لا سبب فلا يتعدى فيتعين أن يكون المراد {فإنه كان للأوابين غفورا} فإن شرط الإجزاء لا يتعين جزاؤه على غيره، وهذه قاعدة لغوية شرعية، أما إذا لم يكن شرطا أمكن جريان الخلاف فيه.
تنبيه: هذه المسألة متكررة مع قوله أول الباب: وغير المقصودة فإن القاضي عبد الوهاب لما حكى الخلاف في تعميمها مثل بآية الزكاة ووافق عليه الشيخ تقي الدين في شرح (الإلمام) ولهذا حكى الأصفهاني في شرح (المحصول) الخلاف الذي نقله القاضي عبد الوهاب في غير المقصودة هنا، وبه يظهر العجب من المصنف في (منع الموانع) فإنه استغرب الخلاف في غير المقصودة حتى نقله عن (المسودة) الأصولية لابن تيمية.
(ص) وتعميم نحو: لا يستوون.
(ش) قوله تعالى:{أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} يقتضي نفي الاستواء من كل وجه حتى يستدل بها على أن الفاسق لا يلي عقد النكاح خلافا للحنفية وقد مثل الأصوليون هذه المسألة بقوله تعالى:{لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هو الفائزون} فإن أصحابنا تمسكوا بها على أن المسلم لا يقتل بالكافر، لأن نفي الاستواء يقتضي نفي الاستواء من جميع الوجوه فلو قتل المسلم بالكافر لاستويا في شرعية القصاص إذ التقاضي مبني على المساواة، قال المصنف: وإنما عدلت عن التمثيل بها إلى الآية الأولى، لأن قوله تعالى:{أصحاب الجنة هم الفائزون} قرينة أنه إنما أراد نفي المساواة في الفوز لا مطلقا بخلافه في الآية الأخرى، لكن يخدش فيه شيئان:
أحدهما: أن هذا يمكن أن يقال بمثله في لا يستوون لقوله تعالى بعدها: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآيتين لكن هو في (لا يستوون) أبعد منه في (لا يستوي) لأنه في اثنين، الثاني: احتمال أن يكون المراد بالفاسق الكافر، فلا يدل على نفي ولاية الفاسق للنكاح وهي المسألة الخلافية نعم، هذا لا أثر له لأنه إن لم يدل على نفي ولاية الفاسق دل على نفي ولاية الكافر على ابنته وينبغي التمثيل أيضا بقوله تعالى في سورة آل عمران{ليسوا سواء} وفي سورة الجاثية: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء} على قراءة النصب وقوله تعالى في سورة الحديد {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل} وفي سورة الزمر:{هل يستويان} فليتأمل موارد هذه الآيات، وقد اختار المصنف أمرا خالف فيه المذهبين، واعتقد أن لفظ المساواة معناه المعادلة، والسواء العدل، وفلان لا يساوي فلانا، معناه: لا يعادله ولا يكون وزانه، ومنه قوله: وليس سواء عالم وجهول. وقوله واعلم علما أن تسليما وتركا للامتشابهات، ولا سواء أي لا يتعادلان ولا قريبا من المعادلة.
وإذا كان معناه المعادلة والكفاءة فقولنا: فلانا لا يساوي فلانا، معناه: لا يكافئه أو يساويه فمعناه تكافئه نفيا وإثباتا وحينئذ يتوقف الاستدلال بالآية على عدم القصاص بين المسلم والكافر، وبالأخرى على عدم ولاية الفاسق على أنه ليس بكفء وإن الكفاءة معتبرة.
(ص) ولا أكلت.
(ش) الفعل المتعدي إذا وقع في سياق النفي مثل: لا آكل إذا اقتصر عليه، ولم يتعرض للمفعول فهو عام في معقولاته، فيعم المواكيل كلها، لأنها نكرة في سياق النفي وقال أبو حنيفة: لا يعم فلا يقبل التخصيص.
وتظهر فائدة الخلاف في أنه لو نوى به مأكولا معينا، قبل على الأول حتى لا يحنث بأكل غيره بناء على عموم اللفظ له،فيقبل التخصيص ببعض مدلولاته ولا يقبل على الثاني تخصيصه به لأن التخصيص فرع العموم، ولا عموم فيه، فلو خصه بمأكول لم يقبل ومأخذ النزاع أن المفعول به محذوف كسائر التعليقات أو مقدر أي: مذكور بالقوة وهو بعض فيقبل تفسير ذلك لأنه ضروري للفعل المتعدي دون غيره والاستعمال وارد بكل منهما إنما الكلام في الظهور، واختار في (المحصول) مذهب أبي حنيفة وقاس المفعول به على المفعول فيه،يعني أنه إذا قال: لا أكلت وأراد بعض الأزمنة أو بعض المواضع دون بعض، حنث، ولم يكن هذا اللفظ قابلا للتخصيص بالنية.
فوجب أن يكون المفعول به كذلك، وفرق الآمدي في (الإحكام)، وصاحب (التحصيل) بينهما، بأن تعلق الفعل بالمفعول به أقوى من تعلقه بالمفعول فيه، ولهذا قبل ذلك التخصيص ولم يقبله هذا وهذا الفرق مبني على أن الحكم في المفعول فيه كذلك وقد خولف فيه الإمام، وقيل بقبول الفعل التخصيص في الزمان والمكان بالنية أيضا.
تنبيهان:
الأول: هذه هي المسألة السابقة في أن حرف النفي إذا دخل على النكرة عم لذاته، أو هو سلب الكلي، وهو القدر المشترك في الأكل، فإن قلنا بالثاني لم يقبل التخصيص، لأنه نفي الحقيقة وهو شيء واحد ليس بعام والتخصيص فرع العموم وإن قلنا بالأول عم فهذه المسألة فرع لتلك فذكرهما المصنف جمعا بين الأصل والفرع.
الثاني: علم من تمثيله تصوير المسألة بأن يكون الفعل متعديا غير مقيد بشيء وهو الذي ذكره الإمام، والغزالي والآمدي وغيرهم وعلى هذا لا يتناول الأفعال القاصرة لكن القاضي عبد الوهاب في كتاب (الإفادة) قال: الفعل في سياق النفي، هل يقتضي العموم؟ كالنكرة في سياق النفي، لأن نفي الفعل نفي لمصدره فإذا قلنا: لا يقوم فكأنا قلنا: لا يقام، وعلى هذا التصوير تعم المسألة القاصرة.
(ص) قيل وإن أكلت.
(ش) هذا الذي ضعفه هو الذي أورده ابن الحاجب فيسوي بين ما وقع في سياق النفي أو في سياق الشرط، نحو: إن أكلت فأنت طالق، لأن الشرط في معنى النفي، لأن المشترط لم يجزم بوقوع الشرط حيث جعله شرطا ولهذا تجعله النحاة في مقابلة الثبوت فإن الفعل في الشرط والاستفهام عندهم كل كلام غير موجب، وهو مبني على أن النكرة في سياق الشرط تعم، كهي في سياق النفي، وهو ما صرح به القاضي وإمام الحرمين، ومثله بقولك من يأتني بمال أكرمه، قال: ولا يختص هذا بمال معين، قال المصنف في (شرح المنهاج): ومراده العموم البدلي لا الشمولي يعني فإنه لا يتوقف الجزاء على الإتيان بجميع الأموال بل يكفي واحد كما لو قال: إن رأيت رجلا فأنت طالق يقع برؤية واحد ولأجل هذا توقف المصنف ههنا في إلحاق الشرط بالنفي، وأن العموم في النفي بالشمول وفي الشرط بالبدل، وفهم الأبياري من كلام إمام الحرمين في الشرط أنه أراد عموم الشمول فقال: لو كان للعموم لما استحق الإكرام بمال واحد، بل كان مفتقرا للإتيان بجميع الأموال، كما لو قال: من يأتني بكل مال، وأما عموم الشرط فتوجه في حق كل آت بمال، لا بما تعلق به الشرط من المال.
(ص) لا المقتضى.
(ش) شرع في صور عدها بعضهم من العموم والصحيح فيها خلاف ذلك، فمنها: المقتضى سمي بذلك لأنه أمر اقتضاه النص وهو بكسر الضاد اللفظ الطالب للإضمار وبفتحها ذلك المضمر بعينه الذي اقتضاه الكلام تصحيحا له وهو المراد هنا فإذا كان الكلام لا يستقيم إلا بتقديرات متعددة، ليستقيم الكلام بكل واحد منها، فلا عموم له في مقتضاه فلا يقدر الجميع بل يقدر واحد بدليل فإن لم يقم دليل معين لأحدهما كان مجملا مثل ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)). هذا ما اختاره الشيخ أبو إسحاق والغزالي وابن السمعاني والرازي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم؛ لأن العموم من عوارض اللفظ والمقتضى معنى لا لفظ ولأن الضرورة تندفع بإثبات فرد ولا دلالة على إثبات ما وراءه فبقي على عدمه والأصلي بمنزلة المسكوت عنه ومقابله حكاه القاضي عبد الوهاب عن أكثر الشافعية والمالكية وصححه النووي في (الروضة) في كتاب الطلاق، نعم إذا تعين بدليل، فهو كالملفوظ وإن كان موضعه العموم، فعام، وإلا فلا.
تنبيه: جعل بعض الحنفية المسألة السابقة من فروع هذه أعني: لا آكل، أو إن أكلت، ومنعه بعضهم فإن قبوله للتخصيص بوجود المحلوف عليه في كل صورة لا لعموم المقتضى.
(ص) والعطف على العام.
(ش) أي: لا يقتضي عموم المعطوف عليه خلافا للحنفية حيث قالوا: إن قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقتل مسلم بكافر)) لو كان عاما للذمي لكان المقدر في قوله: (ولا ذو عهد في عهده) عاما ضرورة اشتراك المعطوفين وليس كذلك، إذ الكافر الذي لا يقتل به المعاهد إنما هو الحربي، وأجاب أصحابنا بأن اشتراك المتعاطفين في أصل الحكم لا في صفته، مع أن تعليل الإضمار هو الأصل، واعلم أن ترجمة المصنف، تقتضي أمورا:
أحدها: أن الحنفية يسلمون أن (بكافر) في قوله: ((لا يقتل مسلم بكافر))- عام، وأنهم يقدرون في الثاني كذلك، وهو فاسد، فإن الحنفية يمنعون عموم الأول، ضرورة وجوب تقديره ثانيا، وذلك لاشتراك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم وصفته.
والثاني: أنها تقتضي مطلق العطف سواء عطف العام على العام أو الخاص على العام وهو كذلك لكن تعميم المعطوف إذا كان عاما ليس من قبيل عطفه بل هو من جوهر لفظه.
الثالث: أنها عبارة تتجاوز المقصود لانطباقها على صورة لا خلاف فيها، كما لو قيل: ولا ذو عهد في عهد يجزي، وهذا لا يقول أحد فيه باقتضاء العطف على العام العموم وإن المقصود إنما هو بيان أن إحدى الجملتين إذا عطفت على الأخرى وكانت الثانية تقتضي إضمارا ليستقيم كقوله:(ولا ذو عهد في عهده) على قول الحنفية فإنه لا يستقيم عندهم بدون إضمار فهل يضمر ما تقدم ذكره أو ما يستقل به الكلام قالت الحنفية بالأول، فمن ثم عزي إليهم أن العطف على العام يقتضي عموم المعطوف.
وقال أصحابنا بالثاني ولما رأى ابن الحاجب ترجمة المتأخرين مختلة عدل عنها وقال مثل قوله صلى الله عليه وسلم إلخ، ويمكن أن يقال: إن هذا جار مجرى اللقب فلا يضر تجاوز لفظه عن المقصود فيه.
(ص) والفعل المثبت، ونحو: كان يجمع في السفر.
(ش) فيه مسألتان: إحداهما: الفعل المثبت لا عموم له بالنسبة إلى الأحوال التي يمكن أن يقع عليها العموم لاحتمال أن يقع عليها أو على وجه واحد مع الاحتمال والشك لا يثبت العموم خلافا لقوم ومثاله قول الراوي: صلى داخل الكعبة، فلا يعم الفرض والنفل ولا يتعين إلا بدليل وهذا مبني على أصلي نحوي، وهو أن الأفعال نكرات والنكرة في سياق الإثبات لا تعم، وقد حكى الزجاجي إجماع النحاة على أن الأفعال نكرات، واحتج بأنها لا تخلو من الفاعلين والفعل والفاعل جملة، والجمل نكرات كلها ومن ثم امتنع الإضافة إلى الأفعال، لانتفاء فائدة الإضافة إليها، واحترز المصنف بقوله: المثبت، عن المنفي فإنه يعم وقد سبق أن الشرط في معناه على خلاف فيه، نعم المثبت إن كان في سياق الامتنان عم.
الثانية: نحو قوله:
كان يجمع بين الصلاتين في السفر لا يعم جمع التقديم والفرق بين هذا وبين الذي قبله، أن لفظة (كان) تدل عند قوم على تكرار الفعل بخلاف مطلق الفعل المثبت فلا يلزم من إنكار تعميم الأول تعميم الثاني، فلهذا جمع المصنف بينهما، نعم، إن قلنا: إن كان لا يقتضي تكرار الفعل، فهو من القسم الذي قبله وفيه ثلاثة مذاهب: صحح ابن الحاجب أنها تقتضيه قال: وهذا استفدناه من قولهم: كان حاتم يقري الضيف وصحح في (المحصول) أنها لا تقتضيه لا عرفا ولا لغة وقال الهندي: إنه الحق وقال عبد الجبار يقتضيه في العرف لا اللغة فإنه لا يقال في العرف: فلان كان يتهجد، إذا تهجد مرة واحدة واعلم أن المصنف قد ذكر مسألة: قضى بالشفعة للجار في آخر التخصيص فلا تظنه أهلها.
(ص) ولا المعلق بعلة، لفظا، لكن قياسا خلافا لزاعمي ذلك.
(ش) إذا علق الشارع حكما على علة كما لو قال: حرمت الخمر لكونه مسكرا، هل يعم، حتى يؤخذ الحكم في جميع صور وجود العلة، فيعم كل مسكر على قول فإذا قلنا: يعم فعمومه بالشرع قياسا (أو باللغة يجتمع ثلاثة أقوال: أصحها أن عمومه بالشرع قياسا) بناء على الاشتراك في العلة، فإن ذكر الوصف عقب الحكم تفيد عليته والاشتراك في العلية، يوجب الاشتراك في الحكم فيكون الحكم عاما لعموم علته لا. لأن اللفظ يفيد تعميمه وقال القاضي أبو بكر: لا يعم وقيل: يعم بالصيغة ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: ((زملوهم بكلومهم ودمائهم، فإنهم يحشرون وأوداجهم تشخب دما)). فإنه يعم كل شهيد، وقوله: خلافا لزاعمي ذلك، راجع إلى المسائل الخمس من قوله: لا المقتضى إلى هذه المسألة.
(ص) وإن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم.
(ش) هذه العبارة للشافعي رضي الله عنه، وعليه اعتمد في صحة أنكحة الكفار في الإسلام على أكثر من أربع، فإن غيلان أسلم على عشرة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإمساك أربع ولم يسأله عن كيفية ورود العقد عليهن في الجمع والترتيب فكان إطلاق القول دالا على أنه لا فرق واستحسنه محمد بن الحسن، على خلاف ما يقوله أبو حنيفة، من أن العقد إذا ترتب، تعينت الأربع الأوائل ومقابل الأصح المقدر في كلام المصنف أنه مجمل فيبقى على الوقف، وصار إمام الحرمين إلى أنه يعم، إذا لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بتفاصيل الواقعة، فإن علم فلا يعم، وكان تقييدا للأول؛ ولهذا قال في (المحصول) بعد حكاية قول الشافعي رضي الله عنه، وفيه نظر، لاحتمال أنه أجاب بعد أن عرف الحال واعلم أنه قد جاء عن الشافعي رضي الله عنه، ما يعارض هذه العبارة وهي قوله: حكايات الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال، وسقط بها الاستدلال ولهذا أثبت بعضهم للشافعي رضي الله عنه، في المسألة قولين، وليس بشيء وجمع القرافي بين العبارتين بما لا يتحصل، والصواب حمل الثانية على الفعل المحتمل للوقوع على وجوه مختلفة فلا يعم، لأنه فعل والأولى على ما إذا أطلق اللفظ جوابا عن سؤاله فإنه يعم أحوال السائل لأنه قول، والعموم من عوارض الأقوال دون الأفعال.
(ص) وأن نحو: يا أيها النبي لا يتناول الأمة إلا بدليل.
(ش) الخطاب المختص بالنبي صلى الله عليه وسلم نحو:{يا أيها النبي} {يا أيها الرسول} لا تدخل تحته الأمة، ولا يدخل الرسول تحت الخطاب المختص بالأمة بالإجماع، لا إذا دل الدليل على دخولهم تحته من قياس أو غيره، وحينئذ فيشملهم الحكم لا باللفظ، وقيل: يدخل في اللفظ فهو عام إلا بدليل يخرجه، ونقل عن أبي حنيفة وأحمد واختاره إمام الحرمين.
(ص) ونحو يا أيها الناس يشمل الرسول عليه الصلاة والسلام وإن اقترن بقل وثالثها التفصيل.
(ش) الخطاب المتناول للرسول والأمة: كقوله:{يا أيها الناس}، {يا عبادي} يشملهما عند الأكثرين لصدق اللفظ عليه والثاني: لا يدخل تحته النبي صلى الله عليه وسلم لأجل الخصائص الثابتة له، والثالث: التفصيل بين أن يقترن بقل، فلا يشمله لأن الأمر بالتبليغ قرينة عدم وطوله وإلا تناوله ونقل عن الصيرفي وزيفه إمام الحرمين وغيره.
(ص) وأنه يعم العبد والكافر.
(ش) فيه مسألتان:
إحداهما: أن الخطاب يا أيها الناس ونحوه، يعم الأحرار والعبيد اتباعا لموجب الصيغة، ولا يخرج العبد إلا بدليل ولا يلتحق بالبهائم من جهة ماليته، وكونه مملوكا لتوجه التكاليف عليه بالإجماع في الصلوات وغيرها، ونقله ابن برهان عن معظم الأصحاب وقيل: لا يدخلون إلا بدليل.
الثانية: أن يعم الكافر فلا يخرج إلا بدليل لأنه من الناس وبني آدم حقيقة والأصل عدم المخصص وقيل: لا يدخل، ولعله بناء على أنهم غير مكلفين وقد سبقت قال الهندي: والقائلون بعدم دخول العبد والكافر إن زعموا أنه لا يتناولهما من حيث اللغة فهو مكابرة وإن زعموا التناول لكن الرق والكفر في الشرع يخصصهم فهو باطل للإجماع على أنهم مكلفان في الجملة.
(ص) ويتناول الموجودين دون من بعدهم.
(ش) الخطاب الوارد شفاها في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: ( يا أيها الذين آمنوا) (ويا أيها الناس) يختص بالموجودين حالة الخطاب، ولا يتناول من بعدهم أي لغة إلا بدليل منفصل من قياس أو غيره وقالت الحنابلة: بل هو عام بنفسه والخلاف لفظي للاتفاق على عمومه، لكن هل هو بالصيغة أو بالشرع، قياسا أو غيره.
(ص) وإن من الشرطية تتناول الإناث.
(ش) ويدل عليه قوله تعالى:{ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} فدل التعبير بالذكر والأنثى عليه، وقوله تعالى:{ومن يقنت منكن لله ورسوله}.
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه)). فقالت أم سلمة: (فكيف يصنع النساء بذيولهن؟) صححه الترمذي.
فهمت أم سلمة دخول النساء في صيغة (مَنْ) وأقرها النبي ولأنه لو قال: من دخل داري فهو حر فدخلها النساء عتقن بالإجماع كما قاله في (المحصول) وقيل: يختص بالذكور لقولهم في الاستفهام منه ومنتان حكاه ابن الحاجب وغيره وأغرب ابن الدهان النحوي، فعزاه للشافعي رضي الله عنه، وإنما عزي لبعض الحنفية وأنهم تمسكوا بذلك في مسألة المرتدة، فجعلوا قوله صلى الله عليه وسلم ((من بدل دينه فاقتلوه)) لا يتناول المؤنث وهنا أمور:
أحدها: تقييد المصنف الخلاف بالشرطية ذكره إمام الحرمين وهي تخرج الموصولة والاستفهامية وقال الصفي الهندي: الظاهر أنه لا فرق والخلاف جار في الجميع، واعتذر بعضهم عن الإمام بأنه إنما خص بالشرطية، لأنه لم يذكر الاستفهامية والموصولة في صيغ العموم.
الثاني: أن ابن الدهان النحوي، حكى الخلاف في أنها موضوعة للمذكر والمؤنث، أو أنها للمذكر أصل، يعني: ولا يمتنع استعمالها في المؤنث.
الثالث: أن هذا لا يختص بـ (من) بل (ما) ونحوها مما لا يفرق فيه بين المذكر المؤنث وإن كان العائد فيه مذكرا كذلك.
(ص) وأن جمع المذكر السالم لا يدخل فيه النساء ظاهرا.
(ش) اللفظ إن اختص بالمذكر كالرجال أو بالمؤنث كالنساء لا يدخل أحدهما تحت الخطاب باللفظ المختص بالآخر. فإن تناولهما، جميعا وليس لعلامة التذكير والتأنيث فيه مدخل، كلفظ الناس دخل فيه كل واحد منهما اتفاقا وإن استعمل اللفظ فيهما لكن بعلامة التأنيث في المؤنث وبحذفها في المذكر وجوبا، وهو كلفظ: مسلمين ومسلمات، فاختلفوا فيه.
فذهب الجمهور إلى أن المؤنث لا يدخل في المجرد من العلامة نحو المسلمين ظاهرا إلا بدليل منفصل كما لا يدخل الرجال في لفظ المؤنث إلا بدليل وقال الشيخ أبو حامد وغيره: إنه مذهب الشافعي وقالت الحنابلة بتناولهما ظاهرا، ولا يخرج عنه المؤنث إلا بدليل ورأى إمام الحرمين الدخول بالتغليب لا بأصل الوضع، فإن اللفظ لم يوضع له واقتضى كلامه تخصيص الخلاف في الخطابات الواردة في الشرع، لقرينة غلبة المشاركة في الأحكام الشرعية قال الصفي الهندي: واتفق الكل على أن المذكر لا يدخل تحته وإن ورد مقترنا بعلامة التأنيث وهذا يعلم من تخصيص المصنف الخلاف بالمذكور.
ووقع في بعض النسخ: وكذا المكسر وضميرها وهو استدراك على تصويرهم المسألة بالجمع السالم فإن المكسر كذلك، ولم أر لهم تصريحا بذلك بل رأيت في بعض المسودات أن جمع التكسير، لا خلاف في عدم الدخول فيه، ويشهد له ما لو وقف على بني زيد، فإنه لا يدخل فيه البنات نعم إن دلت قرينة على الدخول دخلن على الأصح، كما لو وقف على بني تميم أو هاشم فإن القصد الجهة.
(ص) وإن خطاب الواحد لا يتعداه وقيل: يعم عادة.
(ش) الخطاب الخاص لغة بواحد من الأمة، هل هو خطاب للباقين، الجمهور على المنع وأنه لا يتعداه إلا بدليل منفصل وقيل: يعم بنفسه عادة وأشار المصنف بهذا القيد إلى أن القائلين بالتعميم لم يريدوا لغة، وإلا كان مكابرة فإن صيغة الواحد غير صيغة الجمع، بل أرادوا أن العادة تقتضيه، وقال إمام الحرمين: الخلاف لفظي وقال غيره: بل معنوي، وهو أنا نقول: الأصل ما هو، هل هو مورد الشرع أو مقتضى العرف.
(ص) وإن خطاب القرآن والحديث بـ {يا أهل الكتاب} لا يشمل الأمة.
(ش) الخطاب الخاص بأهل الذمة نحو:{يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} {يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا} ونحوه لا يشمل الأمة إلا بدليل منفصل، لأن اللفظ قاصر عليهم كذا قاله المصنف ولكن جزم الشيخ مجد الدين في مسودته، بأنه يشملهم إن شركوهم في المعنى، وإلا لم يشملهم بمثابة خطابه لأهل أحد وعتابه لهم بقوله:{إذ همت طائفتان منكم} الآيات وخطابه لأهل بدر قوله: {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} وهو نظير خطابه لواحد من المكلفين: فإنه يثبت الحكم في حقه مثله قال: ثم الشمول ههنا، هل بطريق العادة العرفية أو الاعتبار العقلي فيه الخلاف، وعلى هذا يبنى استدلال الأئمة على حكمنا بمثل قوله: {أتأمرون الناس بالبر} الآية، فإن هذه الضمائر مرجعها لبني إسرائيل قال: وهذا كله في الخطاب على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أما خطابه لهم على لسان موسى أو غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فهي مسألة شرع من قبلنا والحكم ههنا لا يثبت بطريق العموم الخطابي قطعا، بل بالاعتبار العقلي عند الجمهور.
تنبيه: سكت المصنف عن عكسها، وهو أن الخطاب المختص بالمؤمنين، هل يختص بهم؟ وحكى ابن السمعاني في الاصطلام عن بعض الحنفية الاختصاص ثم اختار أنه ثابت في حق الكل، وقوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا} خطاب تشريف لا خطاب تخصيص، بدليل قوله تعالى:{يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله وذروا ما بقي من الربا} وقد ثبت تحريم الربا في حق أهل الذمة بالإجماع، قلت: وفيه نظر، لأن الكلام في التناول بالصيغة، لا بأمر خارج وهذه المسألة ترجع إلى أن الكفار هل هم مخاطبون بالفروع.
(ص) وأن المخاطب داخل في خطابه إن كان خبرا لا أمرا.
(ش) المخاطب بكسر الطاء، هل يدخل في خطابه، فيه مذاهب أحدها: يدخل مطلقا سواء كان خبرا أو أمرا أو نهيا لعموم الصيغة كقوله تعالى:{والله بكل شيء عليم} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة)). وقول القائل: من أحسن فأكرمه، أو فلا تهنه، كذا قاله في (المحصول) وعزاه للأكثرين.
والثاني: لا يدخل نظرا للقرينة.
والثالث: التفصيل بين الخبر فيدخل تحته، أو الأمر فلا، وهو اختيار أبي الخطاب من الحنابلة قال: والفرق بينهما، أن الأمر، استدعاء الفعل على جهة الاستعلاء فلو دخل المتكلم تحت ما يأمر به غيره، لكان مستدعيا من نفسه مستعليا وهو محال وأكثر من نقل الخلاف في المسألة صورها بالأمر، للتنبيه على أنه في الخبر بخلافه فلهذا فصل المصنف بين الخبر فيدخل وبين الأمر فلا يدخل لأن كونه أمرا قرينة مخصصة، وقد ذكره في (المحصول) احتمالا له، والحق أنه إن كان وضع المسألة في أن ما وضع للمخاطب يشمل المتكلم وضعا فليس كذلك، سواء كان أمرا أم خبرا، وإن كان المراد حكما فمسلم إذا دل عليه دليل أو كان الوضع شاملا له، كألفاظ العموم، وعند هذا نقول: إن كان بلفظ المخاطبة للمخاطبين كقوله: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بأبائكم))، ((ولا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول)). فلا يدخل عليه السلام في الخطاب، لأن الصيغة مختصة بالمخاطب، ومن حكى فيه خلافا فقد شذ، وهو قريب من قول بعض الحنابلة: إن الخطاب مع الموجودين يتناول من بعدهم بغير دليل منفصل، بل لمجرد الخطاب الأول، وأما إذا كان بغير لفظ الخطاب كقوله: ((من نام فليتوضأ)). ( من أحيا أرضا ميتة فهي له)). والصحيح الدخول، وقد سبق من المصنف في باب الأوامر ما يخالف ما اختاره هنا وذكرنا ما فيه.
(ص) وإن نحو:{خذ من أموالهم صدقة} تقتضي الأخذ من كل نوع وتوقف الآمدي.
(ش) ما صححه المصنف نص عليه الشافعي رضي الله عنه، في (الرسالة) والبويطي، ونقله ابن برهان وغيره عن الأكثرين، وكذلك ابن الحاجب ثم اختار خلافه، وأنه يكفي أخذ صدقة واحدة من جملة الأموال ونقل عن الكرخي وحجة الجمهور، إضافتها إلى جمع أموال الجميع والجمع المضاف للعموم، وقول الكرخي قوي، لأن (من) للتبعيض المطلق والواحد من الجميع يصدق عليها ذلك وتوقف الآمدي فإنه قال في آخر المسألة: وبالجملة فهي محتملة، ومأخذ الكرخي دقيق وقال ابن حبان في (صحيحه) في حديث: ((ليس فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة)). وهذا بين أن المراد من قوله {خذ من أموالهم} مراد به بعض المال، إذ اسم المال يقع على ما دون الخمس من ذلك، وقد نفى النبي صلى الله عليه وسلم إيجاب الصدقة عن ما دون الذي أخذ.

  #5  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 07:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الغيث الهامع لولي الدين العراقي


ص: مسألة: كل، والذي، والتي، وأي، وما، ومتى، وأين، وحيثما، ونحوها للعموم حقيقة، وقيل: للخصوص، وقيل: مشتركة، وقيل: بالوقف.
ش: اختلف في أن العموم هل له صيغة تخصه حقيقة أم لا؟ على مذاهب.
أحدها: -وبه قال الجمهور وهو الصحيح -: نعم.
الثاني: أن هذه الصيغ موضوعة للخصوص، وهو أقل الجمع، لأنه المتيقن، واستعملت في العموم مجازا.
الثالث: أنها مشتركة بين العموم والخصوص.
الرابع: الوقف، ونقله القاضي في (مختصر التقريب) عن الأشعري ومعظم المحققين واختاره، قال: وحقيقة ذلك أنهم قالوا: سبرنا اللغة فلم نجد صيغة دالة على العموم، سواء وردت مطلقة أو مقيدة بضروب من التأكيد.
وهذه الصيغ التي ذكرها المصنف قسمان:
أحدهما: يشتمل على جميع المفهومات وهو الأربعة المذكورة أولاً، فـ (كل) أقوى صيغ العموم، سواء أكانت مبتدأ بها نحو: {كل من عليها فان} أو تابعة نحو: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون} وجميع ما تفرع عن الذي والتي تثنية وجمعا مثلهما نحو: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى}، {واللذان يأتيانها منكم}، {واللاتي تخافون نشوزهن}، {واللائي يئسن}.
(وأي) عامة فيما تضاف إليه من الأشخاص والأزمان والأمكنة والأحوال ومنه ((أيما امرأة نكحت نفسها)) وينبغي تقيدها بالاستفهامية أو الشرطية أو الموصولة لتخرج الصفة كمررت برجل أي رجل، والحال نحو: مررت بزيد أي رجل.
القسم الثاني: يختص ببعض المفهومات فمنه (ما) وهي مختصة بما لا يعقل، و(متى) للزمان، نحو: متى تقم أقم، و (أين) و(حيثما) للمكان نحو: أين تجلس أجلس قال الله تعالى: {أينما تكونوا يدركم الموت} وحيثما.... وحكي عن ابن الحاجب تقيد الزمان بالمبهم فلا تقول: متى زالت الشمس فأتني.
ص: والجمع المعرف باللام أو الإضافة للعموم ما لم يتحقق عهد خلافا لأبي هاشم مطلقا، ولإمام الحرمين إذا احتمل معهودا.
ش: ومن صيغ العموم لا بأصل الوضع بل بقرينة: الجمع المعرف باللام في الإثبات نحو قوله تعالى: {أن الله بريء من المشركين ورسوله} أو الإضافة نحو: عبيدي أحرار، ونسائي طوالق، وسواء فيه جمع السلامة والتكسير هذا قول الأكثرين، ويدل له قوله عليه الصلاة والسلام في قولنا في التشهد: ((السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين))، (فإنكم إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض) ووراء ذلك مذهبان:
أحدهما – وبه قال أبو هاشم – أنه لا يفيد العموم بل الجنس مطلقا أي: سواء احتمل عهد أم لا، وعزاه الماوردي لأبي حامد الإسفرايني.
الثاني – وبه قال إمام الحرمين -: أنه إذا احتمل الجنس والعهد ولم يقم دليل على أحدهما، فهو مجمل محتمل لهما، وليس في عبارة المصنف إفصاح عن هذا، غاية ما دل عليه أنه لا يقول هنا بالعموم فهل يحمله على الجنس أو يتوقف؟ لم يتعرض له، والمنقول عنه ما قدمته، وأشار المصنف بقوله: ما لم (يتحقق عهد) إلى أن محل الخلاف إذا لم يكن هناك عهد، فإن كان انصرف إلى المعهود ولم يعم، وقد نقل في (المحصول) وغيره الاتفاق عليه.
تنبيهات:
الأول: كيف يجتمع العموم في المعرف باللام مع قول سيبويه وغيره: إن جمع السلامة للقلة، وهي من الثلاثة للعشرة؟ وقد حمل إمام الحرمين كلام النحاة على النكرة، وقال غيره: لا مانع أن يكون أصل وضعها القلة وغلب استعمالها في العموم لعرف استعمال أو شرع، فنظر النحاة إلى أصل الوضع، والأصوليون إلى غلبة الاستعمال.
ثانيها: كيف يجتمع قولهم: إن محل الخلاف حيث لا عهد، مع قولهم: إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، مع أن السبب قرينة في انصرافه إلى العهد؟
وأجيب بأن تقدم السبب الخاص قرينة على أنه مراد، لا أن غيره ليس بمراد، فمحل السبب قطعي، وغيره ظني، إذ ليس في السبب ما ينفيه.
ثالثها: قال الشارح: خلاف أبي هاشم والإمام: إنما هو في الجمع المعرف دون المضاف وطرده المصنف فيه لعدم الفارق.
ص: والمفرد المحلى مثله خلافا للإمام مطلقا، ولإمام الحرمين والغزالي إذا لم يكن واحده بالتاء، زاد الغزالي: أو تميز بالوحدة.
ش: ومن صيغ العموم بقرينة في الإثبات المفرد المحلى باللام نحو قوله تعالى: {وأحل الله البيع} {والسارق والسارقة} نص عليه الشافعي في (الرسالة) وحكاه الآمدي عن الأكثرين، ورجحه ابن الحاجب، ووراءه مذاهب.
أحدها: أنه لا يفيد العموم مطلقا، صححه الإمام ومن تبعه.
الثاني: أنه لا يفيد العموم إذا لم يتميز الواحد منه عن الجنس بالتاء نحو: {الزانية والزاني} فإن تميز واحده عن جنسه بالتاء نحو: ((لا تبيعوا التمر بالتمر إلا مثلا بمثل)) أفاد الاستغراق قاله إمام الحرمين كما حكاه عنه المصنف، ولم ينقله على وجهه فإنه قال في القسم الأول: إن لاح قصد المتكلم للجنس، دل على الاستغراق نحو: الدينار أشرف من الدرهم وإن لم يعلم الحال فهو مجمل، ونقل في القسم الثاني قولين.
الثالث – وبه قال الغزالي – أنه لا يفيد العموم في صورتين:
إحداهما: ألا يتميز واحده عن جنسه بالتاء كما تقدم عن شيخه.
الثانية: أن يتميز بالواحدة كالدينار والرجل يصح أن يقال: دينار واحد، ورجل واحد، فإن تميز واحده عن جنسه بالتاء، وخلا عنها نحو: ((لا تبيعوا التمر بالتمر إلا مثلا بمثل)) أو لم يتميز بوصفه بالوحدة نحو الذهب، لا يقال: ذهب واحد، فهو للاستغراق في الصورتين.
تنبيهات:
أحدها: ألحق المصنف الجمع المضاف بالمعرف، ولم يلحق المفرد المضاف بالمعرف، وقد ذكر في (المحصول) أن المفرد المضاف للعموم ذكره في الاستدلال بقوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} على أن الأمر للوجوب مع أنه ينكر إفادة المفرد المعرف للعموم، فالإضافة عنده أدل على العموم من اللام، ومن العجيب قول الصفي الهندي: لم ينصوا على الإضافة هنا، لكن مقتضى التسوية بين الإضافة ولام التعريف في الأولى أن يكون كذلك هنا، ورد عليه الشارح بأنه قد صرح بالتسوية جماعة.
ثانيها: فهم من قوله: (مثله) أن شرط تعميمه أن لا يتحقق عهد، فإن كان هناك عهد انصرف إليه قطعا.
ثالثها: تعبير المصنف بالمفرد أعم من تعبير ابن الحاجب باسم الجنس لشموله الاسم الذي ليس بجنس، وهو ما يتغير لفظه عند تكرر مدلوله نحو: دينار، تقول: هذان ديناران، وهذه دنانير، بخلاف النساء والإبل ونحوهما، كذا فرق بينهما ابن التلمساني ولا أثر لذلك بالنسبة إلى العموم فإنه باعتبار التحلية باللام.
رابعها: عموم المفرد الذي دخلت عليه (أل) غير عموم الجمع، فالأول يعم المفردات، والثاني يعم الجموع، لأن (أل) تعم أفراد ما دخلت عليه، وقد دخلت على جمع.
وفائدة هذا تعدد الاستدلال بالجمع على مفرد في حالة النفي أو النهي لأن العموم وارد على أفراد المجموع، والواحد ليس بجمع.
خامسها: مقتضى عموم المفرد المعرف باللام أن الحالف بالطلاق يقع عليه بالحنث جميع الطلقات والمنقول أنه لا يقع غير واحدة، وأجاب عنه ابن عبد السلام بأنها يمين فيراعى فيها العرف لا الوضع اللغوي، وجوز السبكي جوابا آخر، وهو أن الطلاق حقيقة واحدة، وهي قطع عصمة النكاح، وليس له أفراد حتى يقال: إنها تندرج في العموم ولكن مراتبه مختلفة فقد يكون رجعيا وقد يكون بائنا بينونة صغرى، وقد يكون بائنا بينونة كبرى، فإذا لم يذكر المراتب، ولا نواها لم يحمل إلا على أقل المراتب، لأن أل لا دلالة لها على قوة مرتبة ولا ضعفها، فلا يحمل إلا على الماهية، وليست آحاد المراتب بمنزلة آحاد العموم حتى يقال بالاستغراق. انتهى.
ص: والنكرة في سياق النفي للعموم وضعا، وقيل: لزوما، وعليه الشيخ الإمام، نصا إن بنيت على الفتح وظاهراً إن لم تبن.
ش: من صيغ العموم النكرة في سياق النفي، والمراد النكرة المعنوية ليدخل في ذلك المطلق، وليس المراد النكرة الصناعية المقابلة للمعرفة.
ودخل في هذه العبارة ما باشره النفي نحو: ما أحد قائما، وما باشر عامله نحو: ما قام أحد، و سواء أكان النافي، (ما) أو (لم) أو (لن) أو (ليس) أو غيرها، وظهر بذلك أن قول الشارح: كان الأحسن أن يقول: (في النفي) لتعم ما كانت في سياقه وما انصب النفي عليها – مردود، بل التعبير بقولنا: (في سياق النفي) شامل للنوعين، وفرق الآمدي بين ما دخل النفي عليها فجعلها للعموم، وما كانت في سياقه ولم يباشرها نحو ليس في الدار رجل فقال: إنها ليست للعموم وهو خلاف المشهور.
وهنا أمران:
أحدهما: اختلف في أن دلالتها على العموم هل هو وضعي بمعنى أن اللفظ وضع لسلب كل فرد من الأفراد بالمطابقة – أو بطريق اللزوم بمعنى أن نفي فرد مبهم يقتضي نفي جميع الأفراد ضرورة؟
والأول: ظاهر كلام أصحابنا واختاره القرافي.
والثاني: محكي عن الحنفية، واختاره والد المصنف ويؤيد الأول صحة الاستثناء من هذه الصيغة بالاتفاق فدل على تناولها لكل فرد، وينبني على هذا الخلاف التخصيص بالنية، فيصح على الأول ولا يصح على الثاني، فلو نوى معينا لم يسمع.
ثانيهما: دلالة النكرة في سياق النفي على العموم قسمان:
أحدهما: نص في ذلك، وهو ما إذا بنيت لتركبها مع (لا) نحو: لا إله إلا الله.
والثاني: ظاهرة في ذلك، وهو ما إذا لم تبن مع (لا) بل أعربت نحو: لا رجل في الدار، فإنه يصح أن يقال بعده: بل رجلان، فدل على أنها ليست نصا في العموم.
قال إمام الحرمين: ولهذا نص سيبويه على جواز مخالفته فتقول: ما فيها رجل، بل رجلان، كما تعدل عن الظاهر فتقول: جاء الرجال إلا زيدا. انتهى.
وهذا يدل على عمومه حيث لا قرينة، فمع القرينة يخرج عن ذلك فيكون ذلك كالاستثناء نحو: جاء الرجال إلا زيدا وبذلك يرد على القرافي في قوله: (إن المعربة لا تدل على (العموم) ويقال: بل هي دالة على العموم ظاهرا لا نصا فيعمل فيها بذلك حتى يقوم الدليل على خلافه، وعلى هذا يحمل قول الجرجاني والزمخشري إنها في هذه الحالة ليست للعموم – أي ليست نصا في ذلك، والله أعلم.
ويرد على إطلاق المصنف أن غير المبنية ظاهرة في العموم المجرورة بـ (من) نحو ما جاءني من رجل فإنها معربة، وهى نص في العموم أيضا، والله أعلم.
ص: وقد يعم اللفظ عرفا كالفحوى {حرمت عليكم أمهاتكم} أو عقلا، كترتيب الحكم على الوصف، وكمفهوم المخالفة، والخلاف في أنه لا عموم له لفظي، وفي أن الفحوى بالعرف وأن المخالفة بالعقل تقدم.
ش: قد يستفاد العموم من اللغة، وهو الأكثر وقد يستفاد من العرف أو العقل فالعرف في أمرين:
أحدهما: الفحوى، والمراد به مفهوم الموافقة إذا قلنا إن دلالته لفظية، فإن الحكم إنما ثبت فيه بطريق الأولى، وسبق في المفهوم أن استفادته من العرف رأي لم يرتضه المصنف.
ثانيهما: إضافة الحكم إلى الأعيان نحو: {حرمت عليكم أمهاتكم} فإن العرف دل على أن المراد تحريم الاستمتاعات المقصودة من النساء من الوطء ومقدماته، وقيل: إن العموم فيه من باب الاقتضاء لاستحالة تحريم الأعيان فيضمر ما يصح به الكلام، ويجري فيه الخلاف في عموم المقتضى، وقد يترجح هذا بقولهم: الإضمار خير من النقل مثل قوله تعالى: {وحرم الربا} وأما استفادته العموم من العقل ففي (أمرين):
أحدهما: ترتيب الحكم على الوصف فإنه يشعر بكونه علة له، وذلك يفيد العموم بالعقل، بمعنى أنه كلما وجدت العلة وجد المعلول وكلما انتفت انتفى.
ثانيهما: مفهوم المخالفة عند القائلين به، كقوله عليه الصلاة والسلام: ((في سائمة الغنم الزكاة)) فهو دال على انتفاء الوجوب في غير السائمة، كذا في (المحصول) لكن الذي اختاره في (المعالم) أن دليل العموم فيه العرف العام وهو أظهر ولا متابع للمحصول على أن دلالة المفهوم عقلية، ولذلك اقتصر البيضاوي على القسم الأول ثم ذكر المصنف أن المخالف في عموم المفهوم – وهو الغزالي – ليس خلافه مع الجمهور خلافا محققا بل هو لفظي، لأن الغزالي موافق للجمهور على حجية المفهوم.
ومنشأ الخلاف أن الغزالي قال: إن العام ما يستغرق في محل النطق، والجمهور قالوا: ما يستغرق في الجملة.
ثم ذكر المصنف أن الكلام في أن العرف هو الدال على عموم الفحوى، وأن العقل هو الدال على عموم مفهوم المخالفة تقدم، أي في الكلام على المفهوم، وهو صحيح في الفحوى، وأما مفهوم المخالفة فالمذكور هناك أنه هل دل باللغة والشرع أو المعنى وهو العرف كما تقدم ولم يذكر العقل.
ص: ومعيار العموم الاستثناء.
ش: يستدل على عموم اللفظ بقبوله للاستثناء، فإنه إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه، فلزم أن يكون كل الأفراد واجبة الاندراج، وهذا هو معنى العموم، وأورد على هذا صحة الاستثناء من العدد, ولا عموم فيه فأجاب عنه المصنف بأنا لم نقل: كل مستثنى منه عام، بل قلنا: كل عام يقبل الاستثناء فمن أين العكس
وفي جوابه نظر، فإن معيار الشيء ما يسعه وحده، فإذا وسع غيره معه خرج عن كونه معياره، فاللفظ يقتضي اختصاص الاستثناء بالعموم، ولذلك لم يشترط ابن مالك في الاستثناء كونه من عام، بل جوزه من النكرة في الإثبات بشرط الفائدة نحو: جاءني قوم صالحون، إلا زيدا وخرج عليه الاستثناء من العدد نحو: {فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما}.
ص: والأصح: أن الجمع المنكر ليس بعام، وأن أقل مسمى الجمع ثلاثة لا اثنان، وأنه يصدق على الواحد مجازا، وتعميم العام بمعنى المدح والذم إذا لم يعارضه عام آخر، وثالثها: يعم مطلقا، وتعميم نحو: {لا يستوون} ولا أكلت، قيل: وإن أكلت.
ش: فيه مسائل:
الأولى: الأصح – وبه قال الجمهور -: أن الجمع المنكر لا يقتضي العموم بل يحمل على أقل الجمع على الخلاف الآتي فيه وقال أبو علي الجبائي: (بل يقتضيه كالمعرف، قال الصفي الهندي: الذي أظنه) أن الخلاف في غير جمع القلة، وإلا فالخلاف فيه بعيد جدا، إذ هو مخالف لنصهم على أنه للعشرة فما دونها.
قلت: وكلام الجمهور في الحمل على أقل الجمع محمول على جموع القلة، لنصهم على أن جموع الكثرة إنما يتناول أحد عشر فما فوقها، ويخالفه قول الفقهاء: إنه يقبل تفسير الأفراد بدراهم بثلاثة، مع أن دراهم جمع كثرة، وكأنهم جروا في ذلك على العرف من غير نظر إلى الوضع اللغوي.
تنبيه: لا بد من تقيد الجمع المنكر بكونه غير مضاف إذ المضاف عام كما تقدم.
الثانية: اختلف في أقل الجمع على مذهبين:
أحدهما: أن أقله ثلاثة، وبه قال أبو حنيفة والشافعي، واختاره الإمام وأتباعه.
الثاني: أن أقله اثنان وبه قال مالك، واختاره الأستاذ أبو إسحاق والغزالي.
وفهم من قول المصنف: (مسمى الجمع) أن محل الخلاف في اللفظ المسمى بالجمع في اللغة لا في المفهوم من لفظ الجمع لغة، وهو ضم شيء إلى شيء، فإن ذلك ثابت للاثنين فما زاد بلا خلاف، ثم الخلاف في جمع القلة، فإن أقل جمع الكثرة أحد عشر بإجماع النحاة، لكن ذكر الرافعي في فروع الطلاق لو قال: إن تزوجت النساء أو اشتريت العبيد فامرأتي طالق لم يحنث إلا إذا تزوج ثلاث نسوة أو اشترى ثلاثة أعبد، ومقتضى ما تقدم أن لا يحنث إلا بأحد عشر.
الثالثة: يصدق مسمى الجمع على واحد مجازا، قاله إمام الحرمين.
ويفهم منه إطلاقه على اثنين بطريق الأولى، وفهم من كونه مجازا أنه لا بد له من قرينة، ومثل ذلك بقول الزوج، وهو يرى امرأته تتصدى لناظر لها: تتبرجين للرجال؟ ولم تر إلا واحدا، فإن الأنفة من ذلك يستوي فيها الجمع والواحد.
واعترض بأنه إنما أراد الجمع بظنه أنها لم تتبرج لهذا الواحد، إلا وقد تبرجت لغيره، ومثله بعضهم بقوله: {وإني مرسلة إليهم بهدية} فإن المراد واحد وهو سليمان عليه السلام وكذا قوله: {بم يرجع المرسلون} والرسول واحد بدليل {ارجع إليهم}.
الرابعة: اختلف في تعميم العام إذا تضمن مدحا أو ذما نحو قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة} الآية، على ثلاثة مذاهب:
أحدها: أنه يحمل الذهب والفضة على العموم إذ لا صارف عنه ولا تنافي بين العموم والذم، وقال به الشيخ أبو حامد: إنه المذهب.
الثاني: أنه ليس بعام لأنه إنما سيق لذم الكانزين وتعلق به ذكر النقد ونسب للشافعي ولهذا منع التمسك بآية الزكاة في وجوب زكاة الحلي، لأن اللفظ لم يقع مقصودا له، ونقل عنه أنه قال: الكلام يفصل في مقصوده، ويحمل في غير مقصوده.
الثالث: أنه للعموم إلا إن عارضه عام آخر، لم يقصد به المدح أو الذم، فيترجح الذي لم يسق كذلك عليه نحو قوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين} مع قوله {أو ما ملكت أيمانهم} فالأولى سيقت لبيان الحكم فقدمت على ما سياقها المنة بإباحة الوطء بملك اليمين، وقد رد أصحابنا بهذا على داود الظاهري احتجاجه بالثانية على إباحة الأختين بملك اليمين.
وقال الشارح: هذه مسألة متكررة مع قوله أول الباب: (وغير المقصود) فإن القاضي عبد الوهاب لما حكى الخلاف في تعميمها مثل بأنه الزكاة، ووافقه عليه الشيخ تقي الدين في (شرح الإلمام) ولهذا حكى الأصفهاني في (شرح المحصول) الخلاف الذي نقله القاضي عبد الوهاب في غير المقصود هنا، وبه يظهر العجب من المصنف في (منع الموانع) الكبير فإنه استغرب الخلاف في غير المقصودة حتى نقله عن (المسودة الأصولية) لابن تيمية. انتهى.
الخامس: نفي الاستواء كقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} فيه مذهبان:
أحدهما: أنه يقتضي نفي الاستواء من كل وجه فهو عام، وهذا مذهب الشافعي، وصححه ابن برهان والآمدي وابن الحاجب.
والثاني: لا وهو مذهب الحنفية، واختاره الإمام وأتباعه ومنهم البيضاوي.
ومن فوائد الخلاف الاستدلال بهذه الآية على أن الفاسق لا يلي عقد النكاح، وعدل المصنف عن التمثيل بقوله تعالى: {لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة} وهي الآية التي مثل بها الأصوليون، وتمسكوا بها على أن المسلم لا يقتل بالكافر، لأن قوله: {أصحاب الجنة هم الفائزون} قرينة على إرادة الاستواء في الفوز لا مطلقا، ويمكن دعوى مثل ذلك في الآية التي مثل بها المصنف لقوله عقبها: {أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات} الآيتين وأيضا فيحتمل أن يراد بالفاسق الكافر فلا يدل على نفي ولاية الفاسق للنكاح، وهي المسألة الخلافية، لكن هذا لا يمنع التمثيل لأنه إن لم يدل على نفي ولاية الفاسق دل على نفي ولاية الكافر على ابنته.
السادسة: الفعل المتعدي الذي ليس مقيدا بشيء إذا وقع بعد نفي نحو:
(والله لا أكلت) هل هو عام أم لا؟ فيه مذهبان:
أصحهما أنه عام، وممن رجحه البيضاوي.
والثاني: لا، وهو مذهب الحنفية، ورجحه الإمام كالمسألة قبلها.
وفائدة الخلاف قبول التخصيص ببعض المأكولات فيقبل على الأول فلا يحنث بغيره ولا يقبل على الثاني، لأن التخصيص فرع العموم، وهذا نفي للحقيقة وهي شيء واحد ليس بعام، وكلام القاضي عبد الوهاب يدل على جريان الخلاف في الفعل القاصر أيضا وهو مخالف لكلام الإمام والغزالي والآمدي وغيرهم فلو كان في سياق الشرط نحو: إن أكلت فأنت طالق فهو كالنفي، كما ذكره ابن الحاجب وأشار المصنف إلى تضعيفه، لأن إمام الحرمين مثل النكرة في سياق الشرط بقوله: من يأتني بمال أ كرمه وقال: لا يخص هذا بمال معين.
فقال المصنف: مراده العموم البدلي لا الشمولي، يعني فإنه لا يتوقف الجزاء على الإتيان بجميع الأموال بل يكفي واحد كما لو قال: إن رأيت رجلا فأنت طالق، يقع برؤية واحد. وإذا كان العموم في النفي بالشمول وفي الشرط للبدل لم يستو الشرط والنفي، فلذلك ضعف المصنف إلحاقه به، لكن الذي فهمه الإبياري من كلام إمام الحرمين في الشرط عموم الشمول، والله أعلم.
ص: لا المقتضى والعطف على العام، والفعل المثبت، ونحو: كان يجمع في السفر، ولا المعلق بعلة لفظا، لكن قياسا خلافا لزاعمي ذلك.
ش: فيه مسائل:
الأولى: الصحيح أن المقتضى لا عموم له، فإذا لم يستقم الكلام إلا بتقدير واحتمل ذلك أمورا فلا يقدر الجمع، إذ لا عموم له، وإنما يقدر واحد بدليل، فإن لا يقم دليل معين على أحدهما فهو مجمل، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان)) هذا ما اختاره الشيخ أبو إسحاق والغزالي وابن السمعاني والرازي والآمدي وابن الحاجب وغيرهم، وحكى القاضي عبد الوهاب عمومه عن أكثر الشافعية والمالكية، وصححه النووي في (الروضة) في الطلاق.
وسمي مقتضيا لأنه أمر اقتضاه النص لتوقف صحته عليه، وهو بكسر الضاد: اللفظ الطالب للإضمار، وبفتحها ذلك المضمر نفسه الذي اقتضاه الكلام تصحيحا، وهو المراد هنا.
الثانية: العطف على العام لا يقتضي عموم المعطوف خلافا للحنفية حيث قالوا: إن قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا يقتل مسلم بكافر)) لو كان عاما للذمي لكان المقدر في قوله: ((ولا ذو عهد في عهده)) وهو بكافر عاما، ضرورة اشتراك المعطوفين وليس كذلك، إذ الكافر الذي لا يقتل المعاهد به هو الحربي لا الذمي، هذا تقدير كلام المصنف، والذي في (المحصول) و(المنهاج) وغيرهما أن عطف الخاص على العام لا يقتضي تخصيصه خلافا للحنفية، كما في (المحصول) أو بعضهم كما في (المنهاج) ومثلوه بهذا المثال، وقالوا: إن الحنفية قالوا: تقديره: ولا ذو عهد في عهده بكافر، حذف من الثاني لدلالة الأول عليه، والكافر الذي يمنع قتل المعاهد به هو الحربي فقط، فإنه يقتل بالذمي فكذلك المعطوف عليه، فيكون الكافر الذي يمتنع قتل المسلم به هو الحربي دون الذمي تسوية بين المعطوف والمعطوف عليه.
وعلى كلا التقديرين ما أدري ما أوجب الحنفية تقدير (بكافر) في الجملة الثانية، فإن لفظ الحديث يفيد وحده ومعناه ولا ذو عهد، ما دامت مدة عهده قائمة غير منقضية فتقدير ما لا دليل عليه غير مقبول، وبتقدير قيام دليل على تقديره فدخول التخصيص في العموم لا يخرجه عن كونه عاما، فإن الصيغة للعموم وهو باق على تناوله لبقية الأفراد، وإن خرج بعضها بدليل، وبتقدير خروجه بذلك عن العموم هل يزيد ذلك على ما لو كان في أصل وضعه خاصا كقوله: (لا يقتل ذو عهد في عهده بحربي) أفيلزم من اختصاص ذلك بالحربي اختصاص الجملة الأولى بالحربي؟ على أن التخصيص الذي ذكروه فيما لا دليل على تقديره لم يدخل في المعطوف نفسه، وإنما دخل في بعض متعلقاته والله أعلم.
الثالثة: الفعل المثبت نحو قول الصحابي: صلى النبي عليه الصلاة والسلام في الكعبة – لا عموم له، فلا يعم الفرض والنفل، لأن الأفعال نكرات كما حكى الزجاجي إجماع النحاة عليه، والنكرة لا عموم لها في الإثبات، إلا أن تكون في معرض الامتنان نحو قوله تعالى: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} فإنها تدل على العموم كما ذكره القاضي أبو الطيب فإن كانت في سياق النفي أو الشرط دلت على العموم كما تقدم وخالف فيما ذكرناه من أن الفعل المثبت لا عموم له قوم.
الرابعة: نحو قول الصحابي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر، مثل الذي قبله في أنه فعل مثبت لكن فيه زيادة (كان) وقد اختلف في دلالتها على التكرار على ثلاثة مذاهب، صحح ابن الحاجب أنها تقتضيه، قال: ولهذا استفدناه من قولهم: كان حاتم يقري الضيف، وصحح في (المحصول) أنها لا تقتضيه عرفا ولا لغة.
وقال عبد الجبار: تقتضيه في العرف لا في اللغة، فإنه لا يقال في العرف: كان فلان يتهجد – إذا تهجد مرة.
وكلام الشيخ تقي الدين في (شرح العمدة) يميل إليه.
فإن قلنا: لا دلالة لها على التكرار استوت مع التي قبلها، وإن قلنا بدلالتها على التكرار كان هذا المثال أولى بالعموم من الذي قبله، وقد ظهر بذلك أنه ليس مثالا له كما توهم بعضهم.
الخامسة: الصحيح أن الحكم المعلق بعلة كما لو قيل: حرمت الخمر لكونها مسكرة لا يعم جميع صور المسكر من جهة اللفظ، وإنما يعمها من جهة الشرع قياسا وقيل: يعمها من جهة اللفظ فيكون ذلك لغة، وقيل: لا يعم أصلا، وهو المحكي عن القاضي أبي بكر.
وقول المصنف: خلافا لزاعمي ذلك يرجع إلى المسائل الخمس التي أولها المقتضى.
ص: وأن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم، وأن نحو: {يا أيها النبي} لا يتناول الأمة إلا بدليل ونحو: {يا أيها الناس} يشمل الرسول عليه الصلاة والسلام وإن اقترن بقل، وثالثها: التفصيل، وأنه يعم العبد والكافر ويتناول الموجودين دون من بعدهم.
ش: فيه مسائل.
الأولى: قال الشافعي رضي الله عنه: ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، مثاله قوله عليه الصلاة والسلام لغيلان لما أسلم على عشر نسوة: ((أمسك أربعا وفارق سائرهن)) ولم يسأله: هل ورد العقد عليهن معا أو مرتبا؟ فدل على عدم الفرق على خلاف قول الحنفية: إن العقد إذا ورد مرتبا تعينت الأربع الأوائل.
قال في (المحصول): وفيه نظر، لاحتمال أنه عليه الصلاة والسلام أجاب بعد معرفة الحال. وأصل هذا قول إمام الحرمين: إنه يعم، إذا لم يعلم عليه الصلاة والسلام تفاصيل الواقعة، فإن علم لم يعم، وهو كالتقييد لكلام الشافعي، ومقابل الأصح المقدر في كلام المصنف أنه مجمل فيبقى على الوقف.
وعن الشافعي عبارة أخرى قد تعارض هذه العبارة، وهي قول: (حكايات الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط بها الاستدلال) فأثبت بعضهم للشافعي في ذلك قولين، وجمع القرافي بينهما بحمل الأولى على ما إذا كان الاحتمال في محل الحكم، والثانية على ما إذا كان في دليله، ولا حاصل لهذا الجمع، والحق حمل الأولى على ما إذا كان هناك قول يحال عليه العموم، والثانية على ما إذا لم يكن قول، وإنما هو فعل فإن الفعل لا عموم له، وكان شيخنا الإمام البلقيني يعتمد ذلك في الجمع بين العبارتين، والله أعلم.
الثانية: الخطاب المختص بالنبي نحو: {يا أيها النبي} {يا أيها الرسول} لا تدخل الأمة تحته، كما لا يدخل الرسول في الخطاب المختص بالأمة إجماعا، إلا بدليل خارجي من قياس أو غيره. وقيل بدخولهم هنا، وحكي عن أبي حنيفة وأحمد واختاره إمام الحرمين.
الثالثة: الخطاب المتناول للرسول والأمة كقوله: {يا أيها الناس} فيه مذاهب:
الأصح وبه قال الأكثرون: أنه يتناوله.
والثاني: لا، لما له من الخصائص.
والثالث: التفصيل بين أن يقترن بـ (قل) فلا يشمله، لأن الأمر بالتبيلغ قرينة عدم شموله، وإلا تناوله ونقل عن الصيرفي وزيفه إمام الحرمين وغيره.
الرابعة: الخطاب بـ {يا أيها الناس} ونحوه، يتناول العبد كما حكاه ابن برهان عن معظم الأصحاب، وقيل: لا يتناوله إلا بدليل.
الخامسة: ويتناول الكافر أيضا على الصحيح، ولعل تقابله مبني على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع.
السادسة: الخطاب بـ {يا أيها الناس} و{يا أيها الذين آمنوا} يختص بالموجودين حالة الخطاب، ولا يتناول من بعدهم إلا بدليل منفصل، من قياس أو غيره، وقال الحنابلة: بل هو عام، والخلاف لفظي للاتفاق على عمومه، ولكن هل هو بالصيغة أو الشرع قياسا أو غيره.
ص: وأن (من) الشرطية تتناول الإناث، وأن جمع المذكر السالم، لا يدخل فيه النساء ظاهرا، وأن خطاب الواحد لا يتعداه، وقيل: يعم عادة، وأن خطاب القرآن والحديث بـ (يا أهل الكتاب) لا يشمل الأمة، وأن المخاطب داخل في عموم خطابه إن كان خبرا لا أمرا، وأن نحو: {خذ من أموالهم صدقة} يقتضي الأخذ من كل نوع وتوقف الآمدي.
ش: فيه مسائل:
الأولى: الصحيح أن (من) الشرطية تتناول الإناث بدليل قوله تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى} فالتفسير بالذكر والأنثى دال على تناول القسمين، وقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله} وقيل: يختص بالمذكر كقولهم في الاستفهام منة ومنتان حكاه ابن الحاجب وغيره، وحكاه ابن الدهان النحوي عن الشافعي وهو غريب وإنما حكي عن بعض الحنفية وأنهم تمسكوا به في مسألة المرتدة، فجعلوا قوله عليه الصلاة والسلام: ((من بدل دينه فاقتلوه)) لا يتناولها.
تنبيه:
التقييد بالشرطية ذكره إمام الحرمين وهي تخرج الموصولة والاستفهامية، وقال الصفي الهندي: الظاهر أنه لا فرق، والخلاف جار في الجميع، واعتذر بعضهم عن الإمام بأنه إنما خص الشرطية لأنه لم يذكر الاستفهامية والموصولة في صيغ العموم والحق أن الاستفهامية من صيغ العموم دون الموصولة نحو: مررت بمن قام، فلا عموم لها.
الثانية: جمع المذكر السالم نحو: مسلمين، هل يتناول الإناث؟ فيه مذاهب:
أحدها: وبه قال الجمهور: لا، إلا بدليل منفصل، وإلى ذلك أشار بقوله: ظاهرا.
الثاني: يتناول الإناث ظاهرا ولا يخرجن عنه إلا بدليل حكاه الشارح عن الحنفية.
والذي في كلام الآمدي وابن الحاجب وغيرهما حكايته عن الحنابلة وصححه من أصحابنا الماوردي والروياني.
الثالث: وبه قال إمام الحرمين دخولهن بالتغليب لا بأصل الوضع، وقيد المصنف جمع المذكر بالسالم فيخرج عنه جمع التكسير وفي بعض نسخه وكذا المكسر وضميرهما.
قال الشارح: وهو استدراك على تصويرهم المسألة بالجمع السالم فإن المكسر كذلك.
قال: ولم أر لهم تصريحا بذلك بل رأيت في بعض المسودات أن جمع التكسير لا خلاف في عدم الدخول فيه، ويشهد له أنه لو وقف على بني زيد فإنه لا يدخل فيه البنات. نعم، إن دلت قرينة على الدخول دخلن على الأصح كما لو وقف على بني تميم أو هاشم فإن القصد الجهة انتهى.
الثالثة: الخطاب الخاص لغة بواحد من الأمة لا يتعداه إلى غيره، إلا بدليل منفصل، قاله الجمهور، وقيل: يعم بنفسه من جهة العادة، لا من جهة اللغة.
وقال إمام الحرمين: الخلاف لفظي، وقال غيره: معنوي.
الرابعة: الخطاب الوارد في القرآن أو الحديث على أهل الكتاب كقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم} لا يشمل غيره من الأمة، لأن اللفظ قاصر عليهم، كذا جزم به المصنف لكن في (المسودة) الأصولية للشيخ مجد الدين ابن تيمية أنه يشملهم إن شركوهم في المعنى وإلا فلا.
قلت: نفي المصنف الشمول من حيث اللفظ وإثبات ابن تيمية له اعتبار القياس ولهذا قيده بأن يشركوهم في المعنى ثم قال ابن تيمية: والشمول هنا هل هو بطريق العادة العرفية أو للاعتبار العقلي؟ فيه خلاف.
قال: وعلى هذا ينبني استدلال الأئمة على حكمنا بمثل قوله: {أتأمرون الناس بالبر} الآية، فإن هذه الضمائر لبني إسرائيل قال: وهذا كله في الخطاب على لسان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أما خطابه لهم على ألسنة أنبيائهم فهي مسألة شرع من قبلنا.... انتهي.
أما عكسه وهو الخطاب للمؤمنين هل يشمل أهل الكتاب ففي (الاصطلام) لابن السمعاني عن بعض الحنفية نفيه، ثم اختار إثباته وقوله: {يا أيها الذين آمنوا} خطاب تشريف لا تخصيص وذلك راجع إلى أن الكفار هل هم مخاطبون بالفروع؟
الخامسة: في دخول المخاطب بكسر الطاء في خطابه؟ ثلاثة مذاهب:
الدخول مطلقا، عزاه في (المحصول) للأكثرين، وعليه مشى المصنف في الأوامر حيث قال: (وأن الآمر بلفظ يتناوله داخل فيه).
وعدمه مطلقا.
والتفصيل بين الخبر فيدخل فيه، والأمر فلا يدخل فيه، وعليه مشى المصنف هنا، وهو اختيار أبي الخطاب الحنبلي، وفرق بينهما بأن الأمر استدعاء الفعل على جهة الاستعلاء فلو دخل المتكلم تحت ما يأمر به غيره لكان مستدعيا من نفسه، ومستعليا، وهو محال، وهذا احتمال في المحصول.
قال الشارح: والحق إنه إن كان الكلام في شموله وضعا فليس كذلك سواء كان أمرا أو خبرا، وإن كان المراد حكما فمسلم إذا دل عليه دليل أو كان اللفظ (شاملا) كألفاظ العموم نحو: ((من أحيا أرضا ميتة فهي له)) بخلاف مثل قوله: ((إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم)) و((لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول)) فلا يدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومن حكى فيه خلافا فقد شذ. انتهى.
السادسة: إذا كان المأمور به اسم جنس مجموعا مجرورا بمن نحو قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} فقال الجمهور: إنه يقتضي الأخذ من كل نوع من الأموال، ونص عليه الشافعي في (الرسالة) والبويطي ووجهه أن الجمع المضاف للعموم، فقال الكرخي: يكفي أخذ صدقة واحدة من جملة الأموال لدلالة من على التبعيض، واختاره ابن الحاجب مع اعترافه بأن الأكثرين على خلافه، وتوقف الآمدي فقال: هي محتملة ومأخذ الكرخي دقيق.
قلت: وينبني على ذلك ما وقع في الفتاوى فيما لو شرط على المدرس أن يلقي كل يوم ما تيسر من علوم ثلاثة وهي التفسير والأصول والفقه هل يجب أن يلقي من كل واحد منها أم يكفي من واحد منها.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
ألفاظ, العموم

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:35 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir