دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1429هـ/1-11-2008م, 12:28 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم

فَصْلٌ
وَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَسَلَّم خَاتِمُ النّبِيّينَ وَسَيِّدُ المُرْسَلِينَ، لاَ يَصِحُّ إِيْمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ، وَيَشْهَدَ بِنُبُوَّتِهِ، وَلاَ يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ في القِيامَةِ إلاَّ بِشَفَاعَتِهِ، وَلاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أُمَّةٌ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ أُمَّتِهِ.
صَاحِبُ لِواءِ الحَمْدِ وَالمَقَامِ المَحْمُودِ، وَالحَوْضِ المَوْرُودِ، وَهُوَ إِمَامُ النَّبِيينَ وَخَطِيبُهُمْ وَصَاحِبُ شَفَاعَتِهمْ، أُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ.

  #2  
قديم 30 ذو القعدة 1429هـ/28-11-2008م, 12:49 AM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن عثيمين

(1)
أَفْضَلُ الخَلْقِ عندَ اللهِ: الرُّسُلُ، ثُمَّ النَّبِيُّونَ، ثمَّ الصِّدِّيقُونَ، ثمَّ الشُّهَدَاءُ، ثمَّ الصَّالِحُونَ.

وقدْ ذَكَرَ اللهُ هذهِ الطبقَاتِ في كِتَابِهِ في قولِهِ:
{وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيِقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء: 69].

وأفْضَلُ الرُّسُلِ
أُولُو العَزْمِ مِنْهُم(1)، وهمْ خَمْسَةٌ: نُوحٌ، وإِبراهيمُ، ومُوسَى، وعِيسَى، ومُحَمَّدٌ، عليهم الصلواتُ مِن اللهِ والتسليمُ.
وقدْ ذَكَرَهم اللهُ في مَوْضِعَيْنِ مِنْ كتابِهِ: في
[الأحْزَابِ]: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ}[الأحزاب: 7].
وفي
[الشُّورَى]: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى}[الشُّورَى: 13].
وأفْضَلُهُمْ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمُ؛ لقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، مُتَّفَقٌ عليهِ، ولصَلاَتِهِم خَلْفَهُ لَيْلَةَ المِعْرَاجِ، وَلِغَيْرِ ذلكَ مِن الأدِلَّةِ.
ثم
إبرإهيمُ؛ لأنَّهُ أَبُو الأنْبِياءِ، وَمِلَّتَهُ أَصْلُ المِلَلِ.
ثُمَّ
مُوسى؛ لأنَّهُ أَفْضَلُ أنبياءِ بَنِي إسرائيلَ، وشَرِيعَتَهُ أَصْلُ شَرَائِعِهم.
ثُمَّ
نُوحٌ وعِيسَى، لا يُجْزَمُ بالمُفَاضَلَةِ بينَهما؛ لأنَّ لِكُلٍّ مِنهُما مَزِيَّةً.

خَصَائِصُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ
اخْتُصَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِخَصَائِصَ، نَتَكَلَّمُ على مَا ذَكَرَ المُؤلِّفُ منها: (2)1-خَاتَمُ النَّبِيِّينَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ، وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب: 40]. (3)2-سَيِّدُ المُرْسَلِينَ، وَسَبَقَ دَلِيلُهُ. (4)3-لا يَتِمُّ إيمانُ عَبْدٍ حَتى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيِمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}[النساء: 65] الآيَةَ، وغيرُهُ مِن الأنبياءِ يُبْعَثُونَ إلى أقوامٍ مُعَيَّنِينَ، كُلٌّ إلى قَوْمِهِ. (5)4-لا يُقْضَى بينَ الناسِ إلاَّ بشفاعَتِهِ، وسَبَقَ دليلُ ذلكَ في الشفَاعَةِ. (6)5-سَبْقُ أُمَّتِهِ الأُمَمَ في دُخُولِ الجنَّةِ؛ لِعُمُومِ قوْلِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: ((نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، وَسَبقَ. (7)6-صَاحِبُ لِواءِ الحَمْدِ، يَحْمِلُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ، ويَكُونُ الحَامِدُونَ تَحْتَهُ؛ لحَدِيثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ - آدَمَ فَمَنْ سِوَاهُ - إلاَّ تَحْتَ لِوَائِي، وَأَنَا أوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ وَلاَ فَخْرَ))، رواهُ التِّرْمِذِيُّ، وقدْ رَوَى الأُولَى والأَخِيرَةَ مُسْلِمٌ.
(8)
7-صَاحِبُ المَقَامِ المَحْمُودِ؛ أي: العَمَلِ الذى يَحْمَدُهُ عليهِ الخالِقُ والمَخْلُوقُ؛ لقولِهِ تعالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}[الإسراء: 79].
وهذا المقامُ هوَ ما يَحْصُلُ مِنْ مَنَاقِبِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يومَ القِيامَةِ مِن الشَّفَاعَةِ وغَيْرِها.

(9)
8-صَاحِبُ الحَوْضِ المَوْرُودِ، والمرادُ الحوضُ الكَبيرُ الكَثيرُ وارِدُوهُ، أمَّا مُجَرَّدُ الحِياضِ فَقَدْ مَرَّ أنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا. (10) 9 - 11 -إِمَامُ النَّبِيِّينَ وخَطِيبُهُم وصَاحِبُ شَفَاعَاتِهم؛ لحديثِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ كُنْتُ إِمَامَ النَّبِيِّينَ وَخَطِيبَهُمْ وَصَاحِبَ شَفَاعَتِهِمْ، غَيْرَ فَخْرٍ))، رواهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(11)
12 -أُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ؛ لقولِهِ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عِمْرَان: 110].
فأمَّا قولُهُ تَعَالَى:
{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة: 47].
فالمُرادُ: عَالَمِي زَمَانِهِم.

----------------------
حاشية الشيخ صالح العصيمي

(1) أولو العزم: هم المتصفون به من الرسل، كما قال تعالى: {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل}، ولم يصح في تعيينهم شيءٌ مأثور، لكن يستدل للقول المشهور فيهم بحديث الشفاعة الطويل مع قوله تعالى: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً}.

  #3  
قديم 4 ذو الحجة 1429هـ/2-12-2008م, 01:08 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن جبرين

(1) بَعْدَمَا ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، ذَكَرَ أيْضًا حقَّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فإنَّ لَهُ حَقًّا على أُمَّتِهِ، حَقًّا نَعْتَقِدُهُ فيهِ، وحَقًّا نُعَامِلُهُ بهِ، ولَكِنَّهُ حَقٌّ يُنَاسِبُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَقُّ اللهِ تعالى يَلِيقُ بِهِ، فَلِلَّهِ حقٌّ، وللنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ.
يقولُ
ابنُ القَيِّمِ:

لِلرَّبِّ حَقٌّ لَيْسَ يُشْبِهُ غَيْرَهُ وَلـِعـَبـْدِهِ
حـَقٌّ هـُما حَقَّانِ

لا تَجْعُلُوا الْحَقَّيْنِ حَقًّا وَاحِدَا.
أيْ: لا تَخْلِطُوا بينَ الحَقَّيْنِ.
فَحَقُّ اللهِ تعالى منهُ أنْ نَعْرِفَهُ ونَعْبُدَهُ ونَدْعُوَهُ ونُعَظِّمَهُ، ونَعْتَقِدَ صِفَاتِ كَمَالِهِ ونُعُوتَ جَلاَلِهِ.
أمَّا حَقُّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهوَ تَصْدِيقُهُ، فنَشْهَدُ بأنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ، ومَنْ كَذَّبَ برِسَالَتِهِ لمْ يَصِحَّ إيمانُهُ؛ وذلكَ لأنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ، ومَعْرِفَةَ حُقُوقِهِ، ومَعْرِفَةَ العِبَادَةِ، ومَعْرِفَةَ الإيمانِ باليومِ الآخِرِ، ومَعْرِفَةَ العِبَادَاتِ كُلِّها، إنَّما جاءَتْ بِوَاسِطَتِهِ، فهوَ الَّذي جاءَنَا بالقُرآنِ، وهوَ الَّذي شَرَحَ لنا القرآنَ، وهوَ الَّذي علَّمَنَا هذهِ السُّنَّةَ، وعلَّمَنَا كَيْفِيَّةَ الأعْمَالِ.
إذًا: فَلَهُ حَقٌّ على أُمَّتِهِ أنْ يَشْهَدُوا لَهُ بأنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ، ثمَّ يَشْهَدُوا أيضًا بفَضْلِهِ وبِمَزِيَّتِهِ، وبما أَعْطَاهُ اللهُ مِن الفَضْلِ، وفَضْلِهِ على الأنبياءِ قَبْلِهِ.
والنَّاسُ بالنِّسْبَةِ إلى حقِّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثةُ أقْسَامٍ: طَرَفَانِ وَوَسَطٌ:
الأوَّلُ:
الَّذين جَفَوْا في حَقِّهِ؛ لا يَأْخُذُونَ مِنْ سُنَّتِهِ إلاَّ ما يُوافِقُ أهواءَهُم، وَلاَ يَعْمَلُونَ مِنْ شَرِيعَتِهِ إلاَّ بما يُنَاسِبُهُم، إذا جَاءَتْهُم السُّنَّةُ الَّتي سنَّها نَظَرُوا، فإنْ نَاسَبَتْهُم أوْ وَافَقَتْ مَيْلَهُم صَدَّقُوها وقَبِلُوها وعَمِلُوا بها، وإلاَّ نَبَذُوها وطَرَحُوها، فهؤلاءِ مَا صَدَّقُوهُ حَقَّ التَّصديقِ؛ حيثُ إنَّهم قَبِلُوا بعضَ الشَّريعَةِ دُونَ بَعْضٍ، فأَخَذُوا مِنها مَا يُنَاسِبُ أَهواءَهُم.

وهذا حَالُ مَنْ يُسَمَّوْنَ في هذهِ الأَزْمِنَةِ بِالْعِلْمَانِيِّينَ؛
فإنَّهم ولَوْ تَسَمَّوْا بأنَّهم مُسْلِمُونَ، وأَتَوْا بالشَّهَادَتَيْنِ، ولَكِنَّهم لمَّا طَرَحوا كثيرًا مِن السُّنَّةِ وتَرَكوا العَمَلَ بها أَصْبَحوا غيرَ مُصَدِّقِينَ حقًّا. فعندَما نُجَادِلُ أحدَهم نَرَى أنَّهُ شِبْهُ مُكَذِّبٍ وإنْ كانَ مُصَدِّقًا بلِسَانِهِ، ونقولُ لهُ: إنَّكَ مَا اتَّبَعْتَهُ حَقَّ الاتِّبَاعِ.
فإذا رَأَيْنَاهُ مثلاً يَحْلِقُ لِحْيَتَهُ قُلْنَا لهُ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنْ ذلكَ؟ فيَقولُ ما مَعْنَاهُ: إِنَّا نُجَارِي النَّاسَ، ونَأْخُذُ بما عليهِ أَهْلُ زَمَانِنَا، أليسَ هَذا عِصْيانًا للهِ ورسولِهِ؟
إذا عَصَيْتَ الرَّسولَ فقدْ عَصَيْتَ اللهَ، واللهُ تعالى يَقولُ:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}[النِّساء: 80]، يَعْنِي: ومنْ يَعْصِ الرَّسولَ فقدْ عَصَى اللهَ.
كذلكَ الَّذينَ يُبِيحُونَ لِلنَّساءِ التَّبرُّجَ وخَلْعَ جِلْبَابِ الحَياءِ، ويُخَالِفُونَ السُّنَّةَ، وما أَمَرَ اللهُ بهِ المؤمناتِ بقولِهِ تعالى:
{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ}[الأحزاب: 59]، هؤلاءِ أيْضًا ما صَدَّقُوا الرَّسولَ حقًّا، فكأنَّهم لمْ يَعْمَلُوا بالشَّريعَةِ حَقَّ العَمَلِ، بلْ أَخَذوا منها ما يُنَاسِبُ أهواءَهم.
زيادةً على بَقِيَّةِ الأعمالِ الَّتي يَعْمَلُونَها كإِبَاحَةِ الرِّبا، وأَكْلِ المالِ بِغَيْرِ الحقِّ، والتَّخلُّفِ عنْ صَلَوَاتِ الجَمَاعَةِ ونحوِها، والتَّنَقُّصِ للأعمالِ الشَّرعِيَّةِ، كالجِهَادِ والحَجِّ والعُمْرَةِ والتَّعبُّدِ والصِّيامِ والصَّلاةِ وغيرِ ذلكَ.

فالحَاصِلُ
أنَّ هذا الطَّرَفَ يُعْتَبَرُ جَافِيًا في حقِّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

الثَّاني:
هُم الغُلاةُ؛ الَّذينَ غَلَوْا في حَقِّ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتَّى جَعَلُوهُ إِلَهًا، أوْ وَصَفُوهُ بما لاَ يَتَّصِفُ بهِ إلاَّ اللهُ تعالى، وما أكْثَرَ الكُتُبَ الَّتي أُلِّفَتْ في مثلِ هذا، ومعَ ذلكَ انْتَشَرَتْ وتَمَكَّنَتْ، وكَثُرَ الَّذينَ يَنْشُرُونَها ويُذِيعُونَها، وفيها خُرافَاتٌ وأكَاذِيبُ، ومعَ ذلكَ رَاجَتْ على ضُعَفَاءِ البَصَائِرِ، حتَّى وَقَعَ في ذلكَ كَثيرٌ مِن العُلَمَاءِ المَشاهِيرِ.
فمِنها:
(الخَصَائِصُ الكُبْرَى)للسُّيوطِيِّ؛ ذَكَرَ فيها حِكَايَاتٍ غَرِيبةً وقِصَصًا لا أصْلَ لها، كُلُّها في مَدْحِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكنَّها بَعيدَةٌ عن الثُّبُوتِ، لا يُصَدِّقُ بِمِثْلِهَا عَاقِلٌ.
وقد اشْتَهَرَ أنَّ
السُّيوطِيَّ يَنْقُلُ عنْ غَيْرِهِ مِنْ غيرِ تَمْحِيصٍ، فهوَ كحَاطِبِ اللَّيلِ يَأْخُذُ مَا وَجَدَهُ، وإنْ كانَ مِنْ مَشَاهِيرِ العُلَمَاءِ.
وهكذا
الشَّعْرَانِيُّ القَدِيمُ، لهُ كُتُبٌ في مَدْحِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفيها مُبَالَغَةٌ وغُلُوٌّ كَبيرٌ. وكذلكَ رِسَالَةٌ مُشْتَهِرَةٌ عندَ الخُرَافِيِّينَ، واسمُهَا: (رَوْضُ الرَّيَاحِينِ)، وفيها زِيَادَةٌ في الغُلُوِّ في مَدْحِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإطرائِهِ بما لاَ يَلِيقُ أنْ يُوصَفَ بهِ إلاَّ اللهُ سبحانَهُ وتَعَالَى.
وتَبِعَهم كثيرٌ مِن المُتَأَخِّرِينَ
كَالنَّبْهَانِيِّ، وَزَيْنِي دَحْلانَ، وجَمِيلِ صِدْقِي الزَّهاوِيِّ، وهكذا جَدَّدَ هذا ابنُ عُلْوِيٍّ في كتابِهِ الَّذي سَمَّاهُ: (الذَّخَائِرَ)؛ فإنَّهُ حَشَدَ فيهِ مِنْ هذهِ الحِكاياتِ، وإنْ كانَ قدْ عَزَاهَا إلى أُصُولِها الَّتي نَقَلَهَا عنها، ولكنْ لمْ يُمَيِّزْ بينَ الصَّحيحِ والضَّعيفِ، ولم يُبَيِّنْ ضَعْفَهَا، فَدَعا ذلكَ إلى تَقَبُّلِ الجَهَلَةِ والعَوَامِّ لها، ممَّا يَحْمِلُ العَامَّةَ على الغُلُوِّ والزِّيادَةِ في الإِطْراءِ الَّذي نَهَى عنهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لا شَكَّ في أنَّ هذا لا يَجُوزُ، وقدْ وَرَدَت الأدِلَّةُ في النَّهيِ عنْ مثلِ هذا، كقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ)).

والإِطْرَاءُ
مَعْناهُ المُبَالَغَةُ في المَدْحِ.
ولَمَّا قالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شاءَ اللهُ وشِئْتَ، قالَ:
((بَلْ مَا شَاءَ اللهُ وَحْدَهُ))، ولمَّا جاءَهُ وَفْدُ بَنِي عَامِرٍ وقالُوا لهُ: يا سيِّدَنا، قالَ لَهُم: ((السَّيِّدُ هُوَ اللهُ))، قالوا: وأفْضَلَنا فَضْلاً، وأَعْظَمَنا طَوْلاً، قالَ: ((أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ أَوْ بَعْضِ قَوْلِكُمْ، أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِيَ اللهُ)).
ولمَّا جاءَهُ بعضُ الأعْرَابِ وقالوا: هذا رسولُ اللهِ، ارْتَعَدَ الأعْرَابِيُّ فَزَعًا؛ يَعْتَقِدُ أنَّ لهُ شَأْنًا. فأَجْلَسَهُ إلى جَنْبِهِ وقالَ:
((هَوِّنْ عَلَيْكَ؛ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ))، يُرِيدُ بذلكَ تَوَاضُعَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
وجَلَسَ مَرَّةً على التُّرابِ وقالَ:
((إِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، أَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ، وَآكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ))، ونحوَ ذلكَ مِن الأَدِلَّةِ الَّتي يَحُثُّ فيها على التَّواضُعِ؛ لأنَّهُ لا يَجُوزُ أن يَصِفُوهُ بِمَا لمْ يَصِفْهُ بهِ ربُّهُ.

فهذانِ طَرَفانِ:
الَّذينَ جَفَوْا كالعِلْمَانِيِّينَ، والَّذينَ غَلَوْا كالمُشْرِكِينَ الَّذينَ رَفَعُوهُ فوقَ قَدْرِهِ، وأَوْرَدُوا في ذلكَ الأكاذِيبَ الَّتي يَمُجُّهَا السَّمْعُ.
مثلَ الحديثِ المَوْضُوعِ الَّذي يقولُ:
((لَوْلاَكَ مَا خَلَقْتُ الأَفْلاَكَ))، يَعْنِي: لولاكَ ما خَلَقْتُ الكَوْنَ، يُرَدِّدُونَ مثلَ هذهِ الأحاديثِ، وكالحديثِ الَّذي فيهِ: ((أَنَّ آدَمَ رَأَى عَلَى قَائِمَةِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، وَأَنَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ، أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: وَمَا مُحَمَّدٌ؟ قَالَ: رَأَيْتُ اسْمَهُ مَكْتُوبًا مَعَكَ عَلَى الْعَرْشِ، فَسَأَلْتُكَ بِهِ، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ لاَ يُكْتَبُ إِلاَّ مَنْ لَهُ قَدْرٌ، فَقَالَ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، لَوْلاَ مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ)).
حَشَدَ
ابنُ عُلْوِيٍّ وغيرُهُ في مُؤَلَّفاتِهم ما يَزْعُمُونَ بهِ أنَّهم يُقَدِّسُونَ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ ذلكَ دَليلٌ على مَحَبَّتِهِ.
فنَقولُ لهم: إنْ كُنْتُم تُحِبُّونَهُ فاتَّبِعُوهُ، فالمحبَّةُ إنَّما هيَ في اتِّباعِهِ لا في تَعْظِيمِهِ وإعطائِهِ شيئًا لا يَسْتَحِقُّهُ إلاَّ اللهُ.

القَسْمُ الثَّالثُ؛
الَّذي هوَ القولُ الوَسَطُ: هوَ قولُ أهلِ السُّنَّةِ؛ وهوَ أنْ تُعْطِيَهُ حقَّهُ الَّذي هوَ:

أوَّلاً:
الإيمانُ بهِ؛ قالَ تعالى: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا}[التغابُن: 8].
الإيمانُ بهِ يَعْنِي: تَصْديقَ رِسالَتِهِ، والجَزْمَ بِصِحَّةِ ما أُرْسِلَ بهِ.

ثانيًا:
محبَّتُهُ؛ يَقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ))، ومعلومٌ أنَّ محبَّتَهُ تَقْتَضِي السَّيرَ على نَهْجِهِ وطريقتِهِ.

ثالثًا:
الاتِّباعُ لهُ؛ يَقولُ اللهُ تعالى: {فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف: 158].
ويقولُ تعالى:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عِمْران: 31]، فاتِّباعُهُ هوَ السَّيرُ على هَدْيِهِ ونَهْجِهِ.

رابعًا:
طاعتُهُ مِنْ طاعةِ اللهِ؛ يقولُ تعالى: {مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ}[النِّساء: 80]، {وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا}[النِّساء: 14].

وطاعتُهُ تَتَمَثَّلُ في تَقَبُّلِ ما جاءَ بهِ والعَمَلِ بهِ، والابْتِعادِ عمَّا نَهَى عنهُ
.
وقدْ أَمَرَ اللهُ بمثلِ ذلكَ كَثِيرًا، قالَ تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: 21].
وقالَ تعالى:
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}[الحَشْر: 7].

وحَذَّرَ مِنْ مُخالَفتِهِ أَشَدَّ التَّحذيرِ
في قولِهِ تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النُّور: 63]، يُخالِفونَ عنْ أَمْرِهِ يَعْنِي: يَرَوْنَ أَمْرَهُ صَرِيحًا، فيُخالِفونَ عنهُ ويَتْرُكُونَهُ، فهؤلاءِ تَوَعَّدَهم اللهُ بالفتنةِ والعذابِ، فهذهِ حُقوقُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أمَّا فَضائلُهُ الَّتي لا شكَّ في صِحَّتِها؛
فمِنها: أنَّهُ أَشْرَفُ المرْسَلينَ، وأنَّهُ خاتَمُ النَّبيِّينَ، وأنَّهُ صاحِبُ لِواءِ الحمدِ؛ اللِّواءُ: هوَ الرَّايَةُ الَّتي تكونُ مُرْتَفِعةً ويَتْبَعُها مَنْ يَتْبَعُهُ، فيومَ القيامةِ يُعْطَى لِواءً ويَتْبَعُهُ الحامِدونَ، وأنَّهُ صاحبُ المَقامِ المَحْمودِ؛ وفُسِّرَ المقامُ المحمودُ بأنَّهُ قَبولُ شَفاعتِهِ عندَما يَشْفَعُ، فيَقْبَلُ اللهُ شَفاعتَهُ، فذلكَ هوَ الَّذي يَحْمَدُهُ فيهِ الأوَّلونَ والآخِرونَ.

وأنَّهُ سيِّدُ النَّاسِ يومَ القِيامةِ؛
ثَبَتَ عنهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ))، يَعْنِي: لا أَقولُ ذلكَ افْتِخارًا، ولكنْ مِنْ بابِ التَّحدُّثِ بِنعمةِ اللهِ، {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}[الضُّحَى: 11].
واللهُ تعالى قدْ ذَكَّرَهُ نِعَمَهُ فقالَ:
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}[الشَّرْح: 1]، {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضُّحَى: 6]، {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}[الضُّحَى: 5]، ونحوَ ذلكَ مِن الآياتِ الَّتي يُذَكِّرُهُ فيها نِعْمَتَهُ عليهِ.

فأهلُ السُّنَّةِ يَذْكُرونَ مَزاياهُ الصَّحيحةَ وفضائلَهُ،
ولكنْ يَعْلَمُونَ أنَّهُ لا يَصِحُّ لهُ بمُوجَبِها شيءٌ مِنْ حقِّ اللهِ، بل اللهُ تعالى لهُ حقٌّ، والنَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهُ حقٌّ؛ فحَقُّهُ علينا أنْ نُحِبَّهُ، ونَتَّبِعَهُ، ونَتَأَسَّى بهِ، ونُطِيعَهُ، ونُصَدِّقَ بِرِسالتِهِ، ونَثِقَ بما وَعَدَنا بهِ.

وقدْ فُسِّرَتْ شَهادةُ أنَّهُ رَسولُ اللهِ
بأنَّها طاعتُهُ بما أَمَرَ، وتَصْدِيقُهُ فيما أَخْبَرَ، واجْتِنابُ ما نَهَى عنهُ وزَجَرَ، وأنْ لا يُعْبَدَ اللهُ إلاَّ بما شَرَعَ.
فهذا هوَ حقُّ
محمَّدٍ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(2) تَقَدَّمَ معرفةُ حقِّ النَّبيِّ
محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفَضْلُهُ، وأنَّ مِنْ فضلِهِ أنَّهُ أوَّلُ مَنْ يَسْتَفْتِحُ بابَ الجنَّةِ، ثمَّ مِنْ فضلِهِ فضلُ أُمَّتِهِ، فَأُمَّتُهُ خيرُ الأُمَمِ.
ووَرَدَ في الحديثِ:
((إِنَّكُمْ تُوفُونَ - أَيْ: تُكْمِلُونَ - سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَفْضَلُهَا عِنْدَ اللهِ)).
وقدْ ذَكَرَ
ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ أحاديثَ فضلِ هذهِ الأمَّةِ في تَفْسِيرِهِ عندَ قولِهِ تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عِمْران: 110]، فإنَّ هذهِ الآيَةَ نَصٌّ على أنَّ هذهِ الأمَّةَ خيرُ الأممِ؛ لأنَّ نبيَّها خيرُ الأنبياءِ.

ومِنْ فَضْلِها
أنَّهم يَسْبِقُونَ إلى الخيراتِ وإلى الجَنَّةِ؛ فأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ هذهِ الأمَّةُ.
وفي الحديثِ الصَّحيحِ يقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، الآخِرُونَ وُجودًا والسَّابِقونَ حَقِيقةً إلى دارِ الكَرامةِ؛ وذلكَ لِشَرَفِ نبيِّهم، يكونُ مِنْ فَضْلِهم أنَّهم يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قبلَ الأممِ السَّابقةِ.
ووَرَدَت الأدِلَّةُ الكثيرةُ في ذلكَ؛ ومِنها ما وَرَدَ في الحديثِ مِنْ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
((عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا عَظِيمًا سَدَّ الأُفُقَ، فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي، فَقِيلَ: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، ثُمَّ قِيلَ لِيَ: انْظُرْ. فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا عَظِيمًا، فَقِيلَ لِي: انْظُرْ هَكَذَا وَهَكَذَا. فَرَأَيْتُ سَوَادًا عَظِيمًا، فَقِيلَ لِي: هَؤُلاءِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ)). وغيْرُهَا من الأحاديثِ الَّتي فيها فضلُ هذهِ الأمَّةِ وكَثْرتُها.
وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((مَا مِنْ نَبِيٍّ إلاَّ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُهُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ))، يَعْنِي: أنَّ آيتَهُ ومُعْجِزتَهُ هذا القرآنُ؛ ولذلكَ يَرْجُو أنْ يَكونَ أَكْثَرَهم أَتْباعًا؛ وذلكَ لأنَّ الأنبياءَ الَّذينَ قبلَهُ إنَّما كانَ أَتباعُهم الَّذينَ صَدَّقُوهم قِلَّةً قليلةً.
ولوْ كنَّا في هذهِ الأزمنةِ نَجِدُ أنَّ النَّصارَى أَكْثَرُ مِن المسلمينَ وُجُودًا، ولكنْ ليْسُوا حقيقةً مِنْ أَتْباعِ
المَسِيحِ عليهِ السَّلامُ، بلْ مِن الَّذين يَعْبُدُونَ المسيحَ ويَقُولونَ: هوَ اللهُ، أو ابنُ اللهِ، أوْ ثالثُ ثلاثةٍ.

فالحاصلُ أنَّ هذهِ الأمَّةَ خيرُ الأممِ وأفضلُها.
ثمَّ لا شَكَّ أيضًا أنَّ الأمَّةَ بعضُها أَفْضَلُ مِنْ بعضٍ.
ولا شَكَّ أنَّ أفضلَ هذهِ الأمَّةِ هُم صَحابةُ النَّبيِّ
محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

  #4  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:38 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
افتراضي شرح الشيخ :صالح آل الشيخ

لا يوجد شرح للشيخ على هذا الموضوع

  #5  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:39 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ:صالح الفوزان .حفظه الله (مفرغ)

المتن: ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين,وسيد المرسلين.
الشرح: محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين, لا نبي بعده عليه الصلاة والسلام إلى أن تقوم الساعة, فهو آخر الأنبياء, وهو خاتمهم صلى الله عليه وسلم,
قال الله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}, والخاتَم بالفتح أو الخاتِم بالكسر هو الآخِر, الذي ليس بعده شيء, ليس بعده رسول ولا نبي, ولكن شريعته صلى الله عليه وسلم باقية ومستمرة إلى أن تقوم الساعة, وكاملة, لا تحتاج إلى بعثة نبي جديد، كأن النبي صلى الله عليه وسلم مستمر بين أظهرنا، وذلك بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم,فلا حاجة إلى بعثة نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأنبياء كانت تبعث إذاً اندرست آثار الرسالات, وعم الجهل في الأمم السابقة,كلما مضى نبي خلفه نبي آخر يجدد للناس الدين.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الشريعة,الكاملة, المحفوظة من التغيير والتبديل, الوافية بحاجات العباد إلى أن تقوم الساعة, فكأنه صلى الله عليه وسلم حي,
لا يحتاج الناس إلى بعثة رسول جديد كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي؛ كتاب الله وسنتي)).
فلذلك ختمت الرسالة برسول الله صلى الله عليه وسلم, ورسالته مستمرة إلى أن تقوم الساعة, وشريعته باقية إلى أن تقوم الساعة، وإنما يأتي بعده المجددون من أهل العلم, الذين يوضحون الشريعة للناس, ويعلمون الناس، فليس بعده رسول؛ وإنما بعده العلماء والمجددون,كما قال صلى الله عليه وسلم:
((إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)). وقال عليه الصلاة والسلام: ((وإنما العلماء ورثة الأنبياء)).
فالعلماء من هذه الأمة يقومون مقام الرسول صلى الله عليه وسلم في البيان والإيضاح والهداية للناس، فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم.
وهذا في القرآن: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين},وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا خاتم النبيين)),
((إنه سيأتي بعدي كذابون ثلاثون,كلهم يدعي أنه نبي,وأنا خاتم النبيين,لا نبي بعدي)).
فمن اعتقد أنه يأتي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي, أو أنه يبعث نبي, فهو كافر؛ لأنه مكذب لله, ومكذب للرسول صلى الله عليه وسلم,
ومخالف لإجماع المسلمين.
فلذلك حكم أهل العلم بكفر كل من ادعى النبوة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم,كمسيلمة الكذاب, والأسود العنسي, ومن جاء بعدهم ممن يدعي النبوة حكموا بكفره كذلك القاديانية الذين يعتقدون نبوة غلام أحمد القادياني في الباكستان، فهؤلاء كفار، خارجون من الملة؛ لأنهم زعموا أن بعد النبي صلى الله عليه وسلم رسول يبعث، نبي يبعث, باعتقادهم أن هذا الرجل -وهو غلام أحمد القادياني- أنه نبي، ويسمون بالقاديانية نسبة إليه.
فهو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين, لا نبي بعده,هذه عقيدة يجب على المسلم أن يعتقدها, وأن يكذب كل من ادعى النبوة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان فإنه ينزل بشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم, ويكون تابعاً لمحمد صلى الله عليه وسلم, ويحكم بشريعته, ولا يأتي بشريعة جديدة، فهو يعتبر من المجددين، ومن أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم إذا نزل, هو من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم,فلا يشكل نزول المسيح عليه السلام في آخر الزمان مع قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا خاتم النبيين)),ومع قوله تعالى: {ولكن رسول الله وخاتم النبيين}؛ لأن المسيح عليه السلام في نزوله ومكثه في الأرض يحكم بالإسلام وبشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم.


المتن:ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم,خاتم النبيين,وسيد المرسلين.
الشرح: وهو سيد المرسلين,أفضلهم عليه الصلاة والسلام,هو أفضل المرسلين,كما قال صلى الله عليه وسلم:((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) فهو سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام، وهو أفضل الرسل عليه الصلاة والسلام, وذلك لما خصه الله به من عموم رسالته إلى جميع الناس, وكان النبي قبله يبعث إلى قومه خاصة, فهذا الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله إلى الناس عامة، ولما ظهر من فضله في ليلة الإسراء والمعراج على الأنبياء بكونه صلى بهم إماماً في المسجد الأقصى, ورفع صلى الله عليه وسلم فوق السماوات العلى، وهذا مقام لم يصل إليه غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام,فهو أفضلهم على الإطلاق.
والأنبياء يتفاضلون, لا شك في ذلك أن الأنبياء يتفاضلون كما قال تعالى: {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات}, فالأنبياء يتفاضلون, ولكن لا يجوز لنا أن نتنقص المفضول, وأن نثير هذا الأمر من أجل أن نتنقص المفضول, هذا أمر لا يجوز, نهى عنه صلى الله عليه وسلم؛ قال: ((لا تفاضلوا بين الأنبياء)). قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)).
فلا يجوز انتقاص المفضول من الأنبياء؛ لأن الأنبياء لهم فضل, ولهم مكان عند الله سبحانه وتعالى, وكون بعضهم أفضل من بعض لا يقتضي هذا تنقص المفضول،
بل كلهم عليهم الصلاة والسلام كلهم لهم مكانة عند الله, لا يصل إليها غيرهم.


المتن: لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته.
الشرح: لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته صلى الله عليه وسلم,ويقر بنبوته، وفي هذا رد على اليهود والنصارى, الذين يزعمون أنهم على الإيمان, وأنهم أتباع للأنبياء، ولكنهم ينكرون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم, أو ينكرون عموم رسالته, يقولون: هو نبي, لكنه إلى العرب خاصة,وينكرون عموم رسالته, هذا كفر بالله عز وجل: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً}.
فمن لم يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر, وإن ادعى أنه يؤمن بموسى أو بعيسى,كاليهود والنصارى.
وفي هذا رد على من يريد التقريب بين الأديان الثلاثة، وينادي الآن بالتقارب بين الأديان الثلاثة, ويقول: كلها حق,لا,
الشيخُ: وَأَمَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِاتِّبَاعِ هذا الرسولِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
فَلَيْسَ بعدَ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ اتِّبَاعُهُ، فَمَنْ خَالَفَهُ وَبَقِيَ يَظُنُّ أَنَّهُ على دِينٍ مِنْ دِينِ اليهودِ أَوْ دِينِ النَّصَارَى فإِنَّهُ كَافِرٌ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ،
حتَّى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ إِلى النَّاسِ كَافَّةً.


المَتْنُ: (حتَّى يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ وَيَشْهَدَ بِنُبُوَّتِهِ).
الشيخُ: يُؤْمِنَ بِرِسَالَتِهِ وَيَشْهَدَ بِنُبُوَّتِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ، وَلا يَكْفِي هذا، بلْ بِرِسَالَتِهِ إِلى النَّاسِ كافَّةً، خِلافاً لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رسولٌ إِلى العَرَبِ فقطْ.


المَتْنُ: (وَلا يُقْضَى بينَ الناسِ في القيامةِ إِلاَّ بِشَفَاعَتِهِ).
الشيخُ: هذا مِنْ فَضَائلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ لا يُؤْمِنُ أَحَدٌ بعدَ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ إِذا آمَنَ بهِ وَأَقَرَّ بِعُمُومِ رسالتِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ، وَمِنْ فَضَائلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لا يُقْضَى يومَ القيامةِ بينَ العبادِ إِلاَّ بشفاعتِهِ.
وَهذا كما مَرَّ بِنَا أنَّ النَّاسَ إِذا طَالَ عليهِم الوقوفُ في المَحْشَرِ يَتَقَدَّمُونَ لطلبِ الشفاعةِ لهم مِن الأنبياءِ، في أنْ يَقْضِيَ اللهُ بينَهُم، وَيُرِيحَهُمْ مِنْ طُولِ الوقوفِ، فَيَأْتُونَ إِلى آدمَ، ثمَّ إِلى نُوحٍ، ثمَّ إِلى إِبراهيمَ، ثمَّ إِلى موسَى، ثمَّ إِلى عيسَى، كُلُّهُم يَعْتَذِرُ، وَتَنْتَهِي إِلى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُومُ بها فَيَشْفَعُ عندَ ربِّهِ وَيَدْعُوهُ وَيَتَضَرَّعُ إِليهِ حتَّى يُعْطِيَهُ ما سَأَلَ، فَيَقْضِي بينَ العِبَادِ.
فهذهِ مِنْ فضائلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشفاعةُ العُظْمَى، وَالمَقَامُ المحمودُ الذي يَحْمَدُهُ عَلَيْهِ الأَوَّلُونَ وَالآخِرُونَ، هذهِ مِنْ فضائلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


المَتْنُ: (وَلا يَدْخُلُ الجنَّةَ أُمَّةٌ إِلاَّ بعدَ دخولِ أُمَّتِهِ).
الشيخُ:أُمَّتُهُ هُم الآخِرُونَ السابقونَ يومَ القيامةِ، فلا يَدْخُلُ الجنَّةَ أحدٌ قبلَ أُمَّتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلا يَدْخُلُ الناسُ الجنَّةَ إِلاَّ بشفاعتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهوَ الذي يَفْتَحُ بابَ الجنَّةِ، وَأوَّلُ مَنْ يَدْخُلُهَا مِن الأُمَمِ أُمَّتُهُ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ.


المَتْنُ: (صَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ).
الشيخُ: صَاحِبُ لِوَاءِ الحمدِ، اللواءُ هوَ العلامةُ التي يَتَّخِذُهَا قائدُ الجُنْدِ، أَوْ قائدُ العَسْكَرِ. العلامَةُ... أَوِ الرايَةُ، التي يَتَّخِذُهَا القادةُ؛ لأَجْلِ اجتماعِ أَتْبَاعِهِمْ عَلَيْهَا، اجتماعِ الجُنْدِ على الرايَةِ، وَالرايَةُ في يومِ القيامةِ تكونُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكلُّ الرُّسُلِ تَحْتَ لِوَائِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا إِظهارٌ لِفَضْلِهِ عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ.


المَتْنُ: (صَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ وَالمَقَامِ المَحْمُودِ).
الشيخُ: وَالمقامِ المحمودِ الذي سَبَقَ في الشفاعةِ العُظْمَى.


المَتْنُ: (وَالحَوْضِ المَوْرُودِ).
الشَّيْخُ: وَالحوضُ أيضاً سَبَقَ، الحوضُ سَبَقَ بَيَانُهُ وَالكلامُ عَلَيْهِ.


المَتْنُ: وَهو إِمامُ النَّبِيِّينَ.
الشَّيْخُ: وَهوَ إِمامُ النَّبِيِّينَ كما صَلَّى بهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلةَ الإِسراءِ، وَمُقَدَّمُهُم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذا وَفَدُوا على رَبِّهِم، وَهوَ خَطِيبُهُم عَلَيْهِ الصلاةُ وَالسلامُ إِذا وَفَدُوا إِلى رَبِّهِمْ.

المَتْنُ: وَهوَ إِمامُ النَّبِيِّينَ وَخَطِيبُهُمْ وَصاحبُ شَفَاعَتِهِمْ.
الشَّرْحُ: وَصاحبُ شَفَاعَتِهِم كما سَبَقَ المَقَامُ المحمودُ.

المَتْنُ: أُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ، وَأصحابُهُ خَيْرُ أَصْحَابِ الأنبياءِ عليهم السلامُ.
الشَّرْحُ: أُمَّتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيرُ الأُمَمِ، كما قَالَ تعالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً}، يعني:عُدُولاً خِيَاراً، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلِيكُمْ شَهِيداً}.
فهذهِ الأُمَّةُ تُسْتَشْهَدُ يومَ القيامةِ على الأُمَمِ، أنَّها قدْ بَلَّغَتْهَا أَنْبِيَاؤُهَا الرسالةَ، فَيَشْهَدُونَ أنَّ الرُّسُلَ قدْ بَلَّغُوا أُمَمَهُمْ، وَما الَّذِي أَدْرَاهُمْ بذلكَ؟
قَرَؤُوا هذا في كتابِ اللهِ وَعَلِمُوهُ مِن الوحيِ المُنَزَّلِ، ثمَّ يَشْهَدُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذهِ الأُمَّةِ وَيُزَكِّيهَا، {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}.
قالَ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.
وَهذا لِفَضْلِهِمْ.قَبُولُ شَهَادَتِهِم عندَ اللهِ على جميعِ الأُمَمِ,هذا يَدُلُّ على فَضْلِهِمْ وَفي هذه الكلمة نظر ولعلها: زكاهم بالزاي وَإِيمَانِهِمْ باللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وقالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}.
هذهِ شَهَادَةٌ مِن اللهِ على خَيْرِيَّةِ هذهِ الأُمَّةِ، ثمَّ ذَكَرَ صِفَاتِهِمْ: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ}. فَأُمَّتُهُ خَيْرُ الأُمَمِ.


  #6  
قديم 12 ذو الحجة 1429هـ/10-12-2008م, 10:41 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ :عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله ( مفرغ )

بعد أن تكلم الشيخ رحمه الله تعالى عن بعض القضايا المتعلقة بالشفاعة والحوض والميزان وغير ذلك, قال: (( فصل : ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين )) وهذا في بيان بعض حقوقه وما يجب لـه , وهو يتعلق بقضيتين اثنتين بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام :
إحداهما: ما هو الواجب على كل مسلم بالنسبة لهذا الرسول عليه الصلاة والسلام ؟
والثانية: ما هي خصائص الرسول التي تميز بها عن غيره من الأنبياء ؟
أما الأولى : فهي القضية الإيمانية المرتبطة بشهادة أن محمد رسول الله , وهذه الشهادة تقتضي عدة أمور هي- بإختصار شديد- :
أولها : الإيمان والتصديق بأن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي هو رسول الله عليه الصلاة والسلام .
ثانيها : تصديقه في كل ما أخبر به.
ثالثها : طاعته في كل ما أمر به.
رابعها: إجتناب ما نهى عنه وزجر.
خامسها: ألا يعبد الله إلا بما شرع.
سادسها : الإيمان بعموم رسالته إلى الإنس والجن جميعاً.
سابعها: الإيمان بأنه بلغ البلاغ المبين, فما انتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد بلغ جميع ما أنزل إليه من ربه.
ثامنها:الإيمان بأنه خاتم النبيين ولا نبي بعده, فمن اعتقد أن هناك نبياً بعده وأن نبوته صحيحة, فقد انتقضت عليه شهادة أن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرسول عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين وقد سبق بيان أن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام في آخر الزمان لا يتعارض مع هذا .
تاسعها: محبته , وهي محبة واجبة, يجب تقديمها على ممحبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين , كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده, ووالده , والناس أجمعين))
عاشرها: وجوب التحاكم إليه عند التنازع والرضا والتسليم لحكمه .
هذه أهم القضايا التي تجب على كل مسلم تجاه هذا النبي الكريم , وهي من مقتضيات شهادة أن محمد رسول الله .
وهناك خصائص كثيرة لنبينا تكلم العلماء عنها وأفردوا لها مؤلفات , وقد أشار المؤلف إلى بعضها .
فمن خصائصه أنه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين فلا نبي بعده كما سبق في ذكر مقتضيات الشهادة لـه بالرسالة.
ومن خصائصه أنه سيد المرسلين, وسيد الأولين والأخرين, ومن المعلوم أن أفضل الرسل هم أولو العزم, والقول الصحيح أنهم خمسة هم المذكورون في قول سبحانه وتعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ}
{وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} [الأحزاب: من الآية7] . وأفضل هؤلاء الخمسة محمد صلى الله عليه وسلم ؛لهذا فهو أفضل الأنبياء والرسل .
ولما كان الأنبياء والرسل هم أفضل الأمم , والرسول عليه الصلاة والسلام هو أفضل الرسل, فالرسول هو سيد ولد آم كما خبر بذلك وهذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام .
ثم قال الشيخ : ((لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته)) أي يؤمن بأنه رسول الله ويصدقه ويتبعه فيما جاء به - كما سبق - (( ويشهد بنبوته )) أي يشهد انه نبي يوحى إليه من الله سبحانه وتعالى .
ثم قال: (( ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته )) أي لا بد من الإيمان بهذه الخصيصة لـه, وهي أنه صاحب الشفاعة العظمى والمقام المحمود وقدسبق بيانها, ودليل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الاسراء:79] قال كثير من المفسرين : المقام المحمود هنا هو الشفاعة العظمى, حينما يطلب الخلائق جميعاً فصل القضاء بينهم في العرصات فيبحثون عن شفيع لهم عند الله سبحانه وتعالى , فيأتون آدم ثم نوحاً ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى إلى أن ينتهوا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فيأذن لله له بالشفاعة
كما ورد أن المقام المحمود هو استفتاح الجنة, وان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يستفتح باب الجنة فيفتح لـه , وأن خازن الجنة حينما يقرع عليه الرسول عليه الصلاةَ والسلام بابها يقول : من؟ فيقول: محمد . فيقول : لقد أمرت بألا أفتح لأحد قبلك.
فيفتح للنبي ويدخل وتدخل أمته, وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال(( نحن الآخرون السابقون يوم القيامة))(1) والمعنى اننا آخر الأمم وجوداً, ولكننا يوم القيامة نسبق الأمم جميعاً في دخول الجنة . نسأل الله الكريم من فضله , قال الشيخ رحمه الله في ذلك: (( ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته ))
ثم قال الشيخ : (( صاحب لواء الحمد)) لواء الحمد ورد بيان شيء من معناه في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (( أنا سيد ولد آم يوم القيامة ولا فخر, وبيدي لواء الحمد ولا فخر, وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي, وانا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ))(2) وهذا الحديث بتمامه رواه الترمذي وهو حديث صحيح, وقد ورد أوله: (( أنا سيد ولد آدم )) وآخره : (( أنا أول من تنشق عنه الأرض)) في صحيح مسلم (3).
لكن ما يتعلق بالموضوع هنا وهو قوله: (( وبيدي لواء الحمد ولا فخر, وما من نبي يومئذ - آدم فمن سواه - إلا تحت لوائي )) هو من رواية الترمذي . ومعنى اللواء للرسول عليه الصلاة والسلام أنه يكون هو قائد المرسلين وقائد الأمم, فهو عبارة عن الشهرة وانفراد ه بالحمد على رؤوس الخلائق, ومن علامات هذه القيادة الشفاعة العظمى, ومن علاماتها : استفتاحه عليه الصلاة والسلام الجنة ودخوله وأمته الجنة أول الداخلين ويحتمل أن يكون لحمده لواء حقيقي يوم
القيامة يسمى لواء الحمد , واللواء هو الراية(4) , (( والمقام المحمود)) هو الشفاعة العظمى واستفتاح الجنة .
ثم قال: (( والحوض المورود)) وقد سبق أن لكل نبي حوضاً إلا أن حوض نبينا هو أكبرها وأكثرها وارداً.ثم قال الشيخ: (( وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم)) وقد ورد هذا في حديث حسن رواه ابي بن كعب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر))(5) .
فهو الإمام وهو الخطيب وهو صاحب الشفاعة يوم القيامة حيث يقوم مقام يحمده عليه جميع الخلائق عليه الصلاة والسلام.
ثم قال الشيخ : (( أمته خير الأمم )) فأمة النبي صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم ونبيها خير النبيين وأفضلهم .
فهذه الأمة أكثر الأمم دخولاً الجنة , ومن ثم تميزت هذه الأمة بعدد من الفضائل والخير العميم , فكانت خير الأمم جميعاً, ولو لم يكن من خيريتها إلا أن عددها أكبر, وعدد الدخلين إلى الجنة من أهلها أكبر وهم الآخرون السابقون يوم القيامة , لكان كافياً لبيان خيريتها وأفضليتها .



(1) اخرجه البخاري كتاب الجمعة
(2) اخرجه الترمذي كتاب المناقب
(3) صحيح مسلم كتاب الفضائل
(4) انظر : تحفة الحوذي 8|585
(5)اخرجه الترمذ كتاب المناقب وانب ماجه كتاب الزه


  #7  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 04:05 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي شرح لمعة الاعتقاد,الشيخ الغفيص

الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من أركان الإسلام
قال الموفق رحمه الله: [ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد المرسلين، لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته، ويشهد بنبوته، ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته]. هنا مسألة تكلم عنها كثير من المتأخرين من أهل العلم، وهي: من شهد أن لا إله إلا الله ولم يشهد أن محمداً رسول الله، فهل يقال: إنه بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الإسلام ويعتبر مسلماً، أم يقال: إنه لا يدخل الإسلام إلا بالشهادتين معاً؟ الجواب: لا يثبت الإيمان والإسلام إلا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، لكن هل يلزم على هذا أن من قال: لا إله إلا الله وقصد بها الدخول في دين الإسلام، والبراءة من الكفر، وهو على إقدام في قلبه بذكر شهادة أن محمداً رسول الله، وبمن جاء به نبياً رسولاً، وهو محمد عليه الصلاة والسلام، من قال هذه الكلمة وقصد معنى شهادة أن محمداً رسول الله في ضمنها؛ فإن هذا دخل في الإسلام إجماعاً، وما حَكَمَ من المتأخرين بخلافه فليس بصحيح؛ لأن لا إله إلا الله تتضمن الدين كاملاً، ولهذا يقال: من كفر برسول الله فقد كفر بالله، إذاً: يحمل حسب المعاني القائمة في القلب. أما من قال: لا إله إلا الله ولم يقصد الإيمان برسوله، وإنما قال: أنا أؤمن بالتوحيد دون أن يلزم بشريعة محمد ويكون على شريعة غيره أو ما إلى ذلك، هذا لم يكن مسلماً، وكثير من المتأخرين يقول: لأنه لم يصرح بشهادة أن محمداً رسول الله..، والصواب أنه كفر؛ لأن قوله: لا إله إلا الله ليست صحيحة، فإن من يقول: لا إله إلا الله ولا يؤمن برسول الله شهادته بالتوحيد شهادة باطلة؛ لأن معنى لا إله إلا الله: أن الله هو المعبود وحده بما شرع، فمن يقول بالتوحيد دون شريعة محمد فحقيقة قوله: أن الله معبود عنده بما يهواه، وليس بما شرع الله، والتوحيد شريعة وإخلاص، ولهذا فإن من عبد الله بهواه لا يكون عابداً له، وكذا كل من انسلخ من الشريعة لم يكن محققاً للإخلاص والتوحيد، إلا أصحاب الشرائع النبوية، ولهذا فإن من فسدت شريعته في أصولها فسد توحيده كاليهود والنصارى، فإنه لما فسدت شريعتهم دخل عليهم الشرك، وهكذا. أيضاً: كلمة لا إله إلا الله تتضمن الرسالة النبوية، وكلمة الرسالة النبوية تتضمن التوحيد، وعليه فإذا قيل: هل يدخل الإسلام بلا إله إلا الله أو بالثانية معها؟ قيل: هذا بحسب المقامات والمعاني، ولهذا من يقول من المتأخرين: إنه لا بد من ذكر محمد رسول الله. نقول: نعم، لا شك أن من لم يؤمن برسول الله فهو كافر، وأن الشهادة له صلى الله عليه وسلم بالرسالة واجبة معنىً ولفظاً، وركن في الإسلام، فالإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فمن أركان الإسلام النطق بالشهادتين معاً، من لم ينطق بهما، أو امتنع عن النطق بشهادة أن محمداً رسول الله، وقال: هي قائمة في قلبه لكنه لا يريد أن ينطق بها فإنه يكون كافراً. لكن من قصد النطق بالإبتداء الأول (لا إله إلا الله) فهذا من جنس قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد لما أدرك الرجل في القتال، فقال الرجل: لا إله إلا الله عندما رفع عليه أسامة السيف وكان الرجل يقاتل المسلمين فقتله أسامة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله؟! فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟!)، ومثله حديث المقداد بن الأسود لما قال: (أرأيت يا رسول الله إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله؟! قال: لا، قلت: فإن قتلته؟ قال: إن قتلته فإنك بمنزلته قبل أن تقتله، وإنه بمنزلتك قبل أن يقول كلمته التي قال) مع أن الرجل قال: أسلمت لله. إذاً: مسائل الابتداء ليست هي مسائل الثبوت الثاني، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعمه كما في حديث سعيد بن المسيب الذي في الصحيحين: (يا عم! قل: لا إله إلا الله) هل أراد النبي صلى الله عليه وسلم أنها تكفيه ولو لم يؤمن بالرسالة؟! كلا، فإن هذه المسألة فيها تفصيل لفظي، وأما معانيها فإنها متفقة. ......
شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام في تعجيل القضاء بين العباد يوم القيامة

قال الموفق رحمه الله: [ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته]. يقصد المصنف بذلك الشفاعة العظمى، وهذه الكلمة لو لم يعبر بها المصنف لكان أشرف، فإن التعظيم للرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب أن يكون على حقوق الله. فقوله: (ولا يقضى بين الناس في القيامة إلا بشفاعته) الصواب: أنه يقضى بينهم ولو لم يشفع فيهم النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله سبحانه وتعالى ما جاء بهم للفصل يوم الحساب إلا ليقضي بينهم، لكن هذا من تعجيل القضاء، فإذا قيل: هل شفاعته هي التي استوجبت القضاء، أم استوجبت تعجيله؟ نقول: هذه أحكام الله وحقوقه سبحانه وتعالى، لا يجوز أن يُصرف منها شيء لنبي من الأنبياء أو لرسول من الرسل. فتعبير المصنف فيه إجمال لو لم يعبر به لكان أجود. إذاً.. يقضي الله بين الناس قضاءً، وهذا وعد الله وقدره السابق، لكن إنما كانت شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم سبباً للتعجيل.


أمة محمد صلى الله عليه وسلم أول الأمم دخولاً الجنة
قال الموفق رحمه الله: [ولا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته] . النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من يدخل الجنة كما في الصحيحين عن أنس :
(آتي يوم القيامة باب الجنة فيستفتح، فيقول خازنها: من أنت؟ فيقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك) وكذلك أمته هي أول الأمم دخولاً الجنة. وقوله: (لا يدخل الجنة أمة إلا بعد دخول أمته) هذا فيه قدر من الإجمال، ولا يلزم من هذا أن سائر طبقات هذه الأمة يدخلون قبل دخول بقية الأمم، فإن الأمم الأخرى فيهم الأنبياء، ولا شك أن الأنبياء مقامهم أشرف حتى من مقام الصحابة، وكذلك فيهم قوم صالحون وصديقون أفضل من كثير من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن في أتباع محمد السابق بالخيرات.. والمقتصد.. والظالم لنفسه.. وصاحب الكبائر.. إلى آخره. إذاً.. أمة النبي صلى الله عليه وسلم أول من يدخلون الجنة من جهة ابتداء الأمم لا من جهة كل الأفراد والأعيان، فهذا أمر ممتنع، ومثل هذه اللزومات في كلام بعض أهل العلم فيها تكلف، ككلام ابن حزم رحمه الله لما قال: إن نساء الرسول عليه الصلاة والسلام أفضل من العشرة المبشرين بالجنة؛ لأنهن نساؤه في الدنيا والآخرة، وإذا كن نساؤه في الجنة سيكن معه في درجته، ودرجته لا يبلغها العشرة المبشرون بالجنة! وهنا قيمة تكلف وظاهرية محضة من ابن حزم ؛ لأنه لو لزم هذا المعنى للزم أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الأنبياء والمرسلين، فمثل هذه الأمور قياسات لا وجه لها. ......


من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم
قال الموفق رحمه الله: [صاحب لواء الحمد، والمقام المحمود، والحوض المورود، وهو إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم] . هذه من خصائصه وفضائله صلى الله عليه وسلم ، وفضائله وخصائصه صلى الله عليه وسلم أكمل من فضائل غيره في الدنيا والآخرة، ولكن مع ذلك يكون بعض المرسلين لهم مقامات يختصون بها، كعيسى فإن الله رفعه إليه، فهذا اختصاص في شأن عيسى عليه الصلاة والسلام، ولا شك أنها منزلة لم يؤتها غيره من الأنبياء والمرسلين. يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة العرش -وفي وجه: بساق العرش- فلا أدري أفاق قبلي، أم جوزي بصعقة الطور) فهذا من مقامات التشريف لموسى، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) فهذه تشريفات مختصة بالأنبياء. إذاً: لا يظن أن مقام الأنبياء أو أولي العزم من الرسل مؤخر على كل تقديم، بل هناك مقامات، ولكن الاعتبار بالتفضيل العام الشامل، وهذا هو معنى قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253].
شرح لمعة الاعتقاد [16]
أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم السلام، وهم في الفضل والمنزلة متفاوتون، فأفضلهم الخلفاء الراشدون، وأفضل الخلفاء أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم يليهم في الفضل باقي العشرة المبشرين بالجنة.



فضائل أمة محمد صلى الله عليه وسلم

قال الموفق رحمه الله: [أمته خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام] . هذا الفصل فيه ذكر لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته، وقد سبق شيء من ذلك وهو في قوله في هذا المقام [أمته خير الأمم] وهذا مجمع عليه، وهو صريح في كتاب الله:
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران:110] ولكن هذا لا يستلزم أن يكون أعيان هذه الأمة خيراً من أعيان غيرهم، فإن هذا التفضيل إنما هو باعتبار الجنس ولا باعتبار الواحد من الأعيان، فإن في أعيان أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من هو خير من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. فأمته باعتبار جنسها ومجموعها هي خير الأمم وأشرفها وأزكاها على الله تعالى، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم من خصائصها وفضائلها: (أنهم يوافون نصف أهل الجنة)كما ثبت ذلك في الصحيحين في حديث أبي سعيد ، وجاء من حديث عبد الله بن مسعود (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قال: فحمدنا الله وكبرنا، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قال: فحمدنا الله وكبرنا. قال: والذي نفسي بيده: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة)
وفي رواية: (شطر أهل الجنة)، فلا شك أنهم أقرب الأمم إلى ربهم. ومن فضائلهم: أنهم أكثر الأمم دخولاً الجنة، وهم يوافون نصف أهل الجنة، وقد جاء في حديث في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، توافي هذه الأمة ثمانون منها) فهل هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم هنا ذكر أنهم ثلثا أهل الجنة أم أن هذا على معنى أنهم نصف أهل الجنة؟! من أهل العلم من قال: إن في هذا الحديث الذي رواه أهل السنن زيادة، فإن قوله: ( أهل الجنة مائة وعشرون)، وهذه الأمة (ثمانون) فدل على أنهم على قدر الثلثين، وحقيقةً هذا ليس بلازم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر الصفوف، وهذا الفرض (الثلثان) مبني على تساوي الصفوف في العدد، وهذا الله أعلم به.
إذاً: نقف حيث وقف النص، فيقال: إنهم نصف أهل الجنة، وأن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً ولهذه الأمة ثمانون منها، هل هذا زيادة أو ليس بزيادة؟ هذا أمره إلى الله. ......



  #8  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 04:05 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

العناصر
حق الله عز وجل وحق النبي صلى الله عليه وسلم

- ذكر بعض فضائل النبي صلى الله عليه وسلم

- أفضل الخلق عند الله تعالى

- أفضل الرسل أولو العزم

- أفضل الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ثم إبراهيم عليه الصلاة والسلام

- خصائص النبي صلى الله عليه وسلم

- معنى شهادة أن محمداً رسول الله

- ذكر بعض حقوق النبي صلى الله عليه وسلم

- أقسام الناس في حقوق النبي صلى الله عليه وسلم

- فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم


  #9  
قديم 6 محرم 1430هـ/2-01-2009م, 04:05 AM
تيمية تيمية غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 256
افتراضي

الأسئلة
س1: ذكر الله عز وجل أولي العزم من الرسل في موضعين من القران الكريم، أذكرهما.
س2: من أفضل الرسل بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟

س3: عدد خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
س4: ما معنى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
س5: عدد بعض فضائل أمة محمد صلى الله عليه وسلم.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيمان, بالنبي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:32 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir