دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب المناسك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 صفر 1430هـ/15-02-2009م, 11:31 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي من ترك شيئا من الطواف

ومَن تَرَكَ شيئًا من الطوافِ أو لم يَنْوِهِ أو نَكَسَه أو طافَ على الشاذروانِ أو جِدارِ الْحَجَرِ أو عُريانًا أو نَجِسًا لم يَصِحَّ.


  #2  
قديم 20 صفر 1430هـ/15-02-2009م, 12:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

.........................

  #3  
قديم 21 صفر 1430هـ/16-02-2009م, 10:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

(ومَن تَرَكَ شيئاً مِن الطوافِ) ولو يسيراً مِن شوطٍ مِن السبعةِ لم يَصِحَّ؛ لأنَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ طَافَ كَاملاً وقالَ، ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)). (أو لم يَنْوِه)؛ أي: يَنْوِي الطوافَ لم يَصِحَّ؛ لأنَّه عبادةٌ أَشْبَهَ الصلاةَ، ولحديثِ ((إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)). (أو) لم يَنْوِ (نُسُكَهُ) بأن أَحْرَمَ مطلقاً وطَافَ قَبْلَ أن يَصْرِفَ إحرامَهُ لنُسُكٍ مُعَيَّنٍ لم يَصِحَّ طوافُه. (أو طَافَ على الشَّاذَرْوَانِ) بفتحِ الذالِ وهو ما فَضِلَ عَن جِدَارِ الكعبةِ لم يَصِحَّ طوافُه؛ لأنَّه مِن البيتِ فإذا لم يَطُفْ به لم يَطُفْ بالبيتِ جميعِه. (أو) طَافَ على (جِدَارِ الحِجْرِ) بكَسْرِ الحاءِ المُهْمَلَةِ لم يَصِحَّ طوافُه؛ لأنَّه صلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ طَافَ مِن وراءِ الحِجْرِ والشَّاذَرْوَانِ وقالَ: ((خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ)).
(أو) طَافَ وهو (عُرْيَانٌ أو نَجِسٌ) أو مُحْدِثٌ (لم يَصِحَّ) طوافُه لقولِه عليه السَّلامُ: ((الطَّوَافُ بِالبَيْتِ صَلاةٌ إِلاَّ أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ)). رواه التِّرْمِذِيُّ والأثْرَمُ عَن ابنِ عَبَّاسٍ. ويُسَنُّ فِعلُ باقِي المناسِكِ كُلِّها على طهارةٍ. وإن طَافَ المُحْرِمُ لابِسَ مَخِيطٍ صَحَّ وفَدَى.


  #4  
قديم 21 صفر 1430هـ/16-02-2009م, 10:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

(ومن ترك شيئًا من الطواف) ولو يسيرًا من شوط من السبعة لم يصح([1]) لأنه صلى الله عليه وسلم طاف كاملاً، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) ([2]) (أو لم ينوه) أي ينوي الطواف، لم يصح([3]) لأنه عبادة، أشبه الصلاة([4]).
ولحديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) ([5]) (أو) لم ينو (نسكه) أن أحرم مطلقا، وطاف قبل أن يصرف إحرامه لنسك معين، لم يصح طوافه([6]) (أو طاف على الشاذروان) بفتح الذال، وهو ما فضل عن جدار الكعبة([7]) لم يصح طوافه لأنه من البيت([8]) فإذا لم يطف به، لم يطف بالبيت جميعه([9]).
(أو) طاف على (جدار الحجر) بكسر الحاء المهملة([10]) لم يصح طوافه([11]) لأنه صلى الله عليه وسلم طاف من وراء الحجر والشاذروان وقال ((خذوا عني مناسككم)) ([12]) (أو) طاف وهو (عريان أو نجس) أو محدث ( لم يصح ) طوافه([13]). لقوله عليه السلام ((الطواف بالبيت صلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه)) رواه الترمذي والأثرم عن ابن عباس([14]) ويسن فعل باقي المناسك كلها على طهارة([15]) وإن طاف المحرم لابس مخيط صح وفدى([16])



([1]) لأنه لم يأت بالعدد المعتبر، المستفاد من فعله صلى الله عليه وسلم، وإن أحدث في بعض طوافه، أو قطعه بفصل طويل عرفًا، ابتدأه، وإن كان يسيرا بنى لأنه يتسامح بمثله، لما في الاتصال من المشقة فعفي عنه، فلو أقيمت الصلاة، أو حضرت جنازة، صلى في قول أكثر أهل العلم، وروي عن ابن عمر وغيره، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، وبنى على طوافه، قال ابن المنذر: لا نعلم أحدا خالف فيه، إلا الحسن فإنه قال: يستأنف والأول أصح لأنه فعل مشروع، فلم يقطعه كاليسير، قال غير واحد: والموالاة سنة، لأن الحسن غشي عليه، فلما أفاق أتم، وعن أحمد: ليس بشرط مع العذر.
([2]) أي أحكام حكم، وافعلوا كما أفعل، فيجب أن يطوف كاملا، اقتداء به صلى الله عليه وسلم وإن شك في عدد الطواف، بنى على اليقين، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، لأنها عبادة، فمتى شك فيها وهو فيها، بنى على اليقين كالصلاة، فإن أخبره ثقة عن عدد طوافه قبل قوله، وإن شك في عدده بعد الفراغ منه، لم يلتفت إليه.
([3]) أي لم ينو الطواف نية حقيقية ولا حكمية، كقصده ملازمة غريم، أو هضم طعام ونحوه، وإن نوى الطواف، ثم عرض ذلك له، لم يضره إلا أنه ينقص ثوابه.
([4]) قال الشيخ: لا ريب أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه، ولأنه لا عمل إلا بنية إجماعًا.
([5]) ((وإنما لكل امرئ ما نوى))، وفي لفظ ((لا عمل إلا بنية))، فالنية: هي الأساس في العبادة، ولأنه عبادة محضة تتعلق بالبيت، فاشترطت له النية كالصلاة وذهب أبو حنيفة وجمهور الشافعية إلى أنه لا يفتقر شيء من أفعال الحج مطلقا إلى نية، لأن نية الحج تشملها كلها، كما أن نية الصلاة تشمل جميع أفعالها، ولأنه لو وقف بعرفة ناسيًا أجزأه بالإجماع.
([6]) لعدم التعيين، وقال الموفق: أو منكسا، بكسر الكاف وتفتح أي جعل البيت على يمينه، لم يصح نسكه إجماعا.
([7]) وهو المرتفع عن وجه الأرض، قدر ثلثي ذراع، كان ظاهرا في جوانب البيت، كالذي عند الملتزم، وبالحجر، ثم صفح باجتهاد من المحب الطبري في تسنيمه.
([8]) أي الشاذروان، زعموا أنه ترك من نفس البيت، وإنما جعل حمى له وعمادًا، وقال الشيخ: ليس من البيت، بل جعل عمادًا للبيت، فيصح الطواف عليه.
([9]) أي إذا لم يطف بالشاذروان، بل دار عليه، لم يكن طاف بالبيت جميعه، بناء على أنه من البيت، وقال الشيخ: لو وضع يده على الشاذروان، الذي يربط فيه أستار الكعبة، لم يضره ذلك، في أصح قولي العلماء.
([10]) سمي بالحجر، لتحجيره بالجدار، ليطاف من ورائه، وإن كان بعضه ليس من البيت، ويسمى الحطيم، كما يأتي لأنه محطوم من البيت، والأشهر أن الحطيم ما بين الحجر الأسود والمقام.
([11]) لتركه جزءا من البيت، المجمع على الطواف على جميعه، فمتى ترك شيئا منه، لم يكن طاف به جميعه.
([12]) لا نزاع أنه طاف من وراء الحجر، وقال لعائشة لما أرادت دخول البيت «عليك بالحجر، فإنه من البيت» فيجب أن يطوف من وراء الحجر إجماعًا، لأنه من أصل البيت الذي بناه الخليل إبراهيم عليه السلام، ومن لم يطف به لم يعتد بطوافه عند الجمهور، لفعله صلى الله عليه وسلم وإطباق المسلمين عليه، وشذ أبو حنيفة وقال: إن خرج أراق دما وإلا أعاده.
([13]) قال الوزير: اتفقوا أن من شرائطه الطهارة، وستر العورة، إلا أبا حنيفة، فقال: سنة، إلا أنه يجب بتركهما دم، وعنه يجزئه، لأن الطواف عبادة، لا يشترط فيها الاستقبال، فلم يشترط فيها ذلك، كالسعي قاله في المبدع، ويجبره بدم، وظاهره صحته من حائض بدم، وهو ظاهر كلام جماعة، واختاره الشيخ وقال: ما يعجز عنه من واجبات الطواف، مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها كالمستحاضة، ومن به سلس البول، فإنه يطوف ولا شيء عليه، باتفاق الأئمة.
وقال: وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عريانا، وكذلك المرأة الحائض، إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضًا، بحيث لا يمكن التأخر بمكة، في أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا، فتطوف بالبيت والحالة، هذه، وتكون هذه ضرورة، مقتضية لدخول المسجد مع الحيض، والطواف معه، وليس في هذا ما يخالف قواعد الشريعة، بل يوافقها، إذ غايته سقوط الواجب، أو الشرط بالعجز عنه، ولا واجب في الشريعة مع العجز، ولا حرام مع ضرورة، وتتلجم، كما أبيح للمستحاضة دخول المسجد للطواف، إذا تلجمت اتفاقا لأجل الحاجة، وحاجة هذه أولى فلا يمتنع الإذن لها في دخول المسجد، لهذه الحاجة التي تلتحق بالضرورة هذا إذا قيل: إنها ممنوعة من المسجد، وأما أن عبادة الطواف لا تصح مع الحيض كالصلاة فغايته، أن تكون الطهارة شرطًا من شروط الطواف، فإذا عجزت عنه سقط، كما لو انقطع دمها، وتعذر عليها الاغتسال، والتيمم، فإنها تطوف على حسب حالها، كما تصلي بغير طهور لقوله: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} وهذه قد اتقت الله ما استطاعت فليس عليها غيره، بالنص وقواعد الشريعة، والأشبه: لا يجب عليها دم، لأن الطهارة واجب يؤمر به مع القدرة، لا مع العجز، وأحمد يقول: لا دم عليها، كما صرح به فيمن طاف جنبا وهو ناسٍ.
وقال ابن القيم: بل تفعل ما تقدر عليه من مناسك الحج، ويسقط عنها ما تعجز عنه من الشروط والواجبات، ومن المعلوم أن الشريعة لا تأتي بسوى هذا.
وذكر أنه لم يدل على اشتراط الطهارة للطواف نص ولا إجماع، وإذا لم يمكنها إلا على غير طهارة، فليس عليها غيره، بالنص، وقواعد الشريعة.
وقال: لم تفرط ولم تترك ما أمرت به، فإنها لم تؤمر بما لا تقدر عليه، وقد لا يمكنها السفر مرة ثانية، فإذا قيل: تبقى محرمة إلى أن تموت، فهذا لا يكون مثله في دين الإسلام، فتطوف وتكون هذه ضرورة مقتضية لدخول المسجد مع الحيض، والطواف معه.
([14]) قال النووي وغيره: رفعه ضعيف، والصحيح أنه موقوف، وقال الشيخ: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن هو ثابت عن ابن عباس، وقد روي مرفوعا، ولا ريب أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه، ليس المراد أنه نوع من الصلاة، التي يشترط لها الطهارة، وهذا كقوله: «إن العبد في الصلاة، ما دامت الصلاة تحبسه» «وما دام ينتظر الصلاة» «وإذا أتى المسجد، فلا يشبك بين أصابعه، فإنه في صلاة» ونحو ذلك.
وقال: والطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه الكلام، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير، ولهذا يؤمر الطائف أن يكون متطهرا الطهارة الصغرى والكبرى، مستور العورة، مجتنبا النجاسة التي يجتنبها المصلي، وفي وجوب الطهارة في الطواف نزاع بين العلماء، فإنه لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالطهارة للطواف، ولا نهى المحدث أن يطوف ويمتنع أن يكون واجبا ولا يبينه للأمة، وتأخير البيان عن وقته ممتنع، إلا أنه طاف طاهرا، وثبت عنه أنه نهى الحائض عن الطواف ويأتي.
([15]) لأنها أكمل وكذا سائر الأوقات، ينبغي أن يكون فيها على طهارة، وتقدم .
([16]) أي حال كونه لابس مخيط، وتقدم.


  #5  
قديم 12 ربيع الثاني 1432هـ/17-03-2011م, 03:40 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي الشرح الممتع على زاد المستقنع / للشيخ ابن عثيمين رحمه الله

وَمَنْ تَرَكَ شَيْئاً مِنْ الطَّوافِ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ أَوْ نُسُكَهُ أَوْ طَافَ عَلَى الشَّاذَرْوَان أَوْ جِدَارِ الحِجْرِ أَوْ عُرْيَان أَوْ نَجِسٌ لَمْ يَصِحَّ ..........
وقوله: «ومن ترك شيئاً من الطواف» ، أي: من تيقن الترك، أما من شك فإنه يُنظر، إما أن يشك بعد الفراغ من كل الطواف، وإما أن يشك في أثناء الطواف.
فإن شك في أثناء الطواف فهل يبني على اليقين، أو على غلبة الظن؟
الجواب: في ذلك خلاف، كالخلاف في من شك في عدد ركعات الصلاة، فمن العلماء من قال: يبني على غلبة الظن؛ ومنهم من قال: يبني على اليقين.
مثال ذلك: في أثناء الطواف شك هل طاف خمسة أشواط، أو ستة أشواط، فإن كان الشك متساوي الأطراف جعلها خمسة؛ لأنه المتيقن، وإن ترجح أنها خمسة جعلها خمسة، وإن ترجح أنها ستة، فمن العلماء من يقول: يعمل بذلك ويجعلها ستة، ومنهم من قال: يبني على اليقين ويجعلها خمسة.
والصحيح أنه يعمل بغلبة الظن كالصلاة، وعلى هذا فيجعلها ستة، ويأتي بالسابع.
أما بعد الفراغ من الطواف، والانصراف عن مكان الطواف، فإن الشك لا يؤثر، ولا يلتفت إليه، ما لم يتيقن الأمر.
مثال ذلك: رجل انصرف من الطواف على أنه تم طوافه، ثم شك هل طاف سبعاً أو ستاً، فنقول له: لا تلتفت لهذا الشك؛ لأن الشيطان ربما يأتي الإنسان بعد فراغه من العبادة ليلبس عليه دينه، فيشككه، ولو أن الإنسان التفت إلى مثل هذا الشك لفسدت عليه عباداته، وصار دائماً في قلق وانفتح عليه باب الوسواس، والشيطان يحرص على أن يكون الإنسان دائماً في قلق وفي حزن، قال تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا}، أي: ليدخل عليهم الحزن، قال تعالى: {وَلَيْسَ بِضَآرِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: 10] .
فإن تيقن أنه ترك شوطاً، فحينئذٍ يعمل باليقين، ويرجع ويأتي بالشوط، لكن في الغالب أن هذا لا يقع، والغالب أن الإنسان بعد أن يتم الطواف وينصرف ويصلي ركعتين أنه لا يتيقن أنه نقص، لكن إذا فرضنا ذلك وجب عليه أن يرجع ويأتي بالشوط السابع ما لم يطل الفصل عرفاً، فإن طال الفصل عرفاً امتنع البناء على ما سبق ولزمه استئناف الطواف من أوله.
قوله: «أو لم ينوه» ، هذا من شروط الطواف، فيشترط لصحته أن ينويه، فلو جعل يدور حول الكعبة، ليتابع مديناً له يطالبه بدين، أو لأي غرض من الأغراض، فإنه لا يصح طوافه، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) [(1)]، وهذا لم ينو الطواف، بل نوى متابعة غريم، أو متابعة إنسان يريد أن يتكلم معه، ويمشي معه حتى ينتهي من طوافه أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يصح طوافه، ولكن لو نوى الطواف مطلقاً، دون أن ينويه للعمرة مثلاً فهل يجزئ؟
الجواب: في ذلك خلاف بين العلماء.
فمنهم من قال: لا يجزئ، بل يجب أن ينوي الطواف للعمرة، أو الطواف للحج، أو الطواف للوداع، أو الطواف تطوعاً كطواف القدوم، وأما مجرد الطواف فلا يجزئ، وهذا هو المشهور من المذهب أنه لا بد أن يعين الطواف بنيته.
وقال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل تشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال: الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة، بل تكفي النية الأولى.
وعلى هذا فإذا نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة.
فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف، وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح أنه لا يشترط تعيين الطواف ما دام متلبساً بالنسك.
وهذا مع كونه الراجح نظراً، هو الأيسر بالناس؛ لأن الإنسان مع الزحام ربما يغيب عن ذهنه أنه نوى أن يطوف للعمرة أو للحج، فلو قلنا: لا بد من تعيين الطواف للنسك المعين لكان في هذا مشقة على الناس، أما إذا قلنا: بالقول الراجح أن نية العبادة تنسحب على جميع العبادة بجميع أجزائها فلا شك أن هذا أيسر للناس.
ونظير هذه مسألة في الصلاة، وهي: لو أنه دخل في صلاة الظهر بنية أنها فرض الوقت، وغاب عن ذهنه تعيين الظهر، فإن القول الراجح أنها تجزئ وتصح؛ لأنك لو سألت هذا الرجل ماذا أردت بهذه الصلاة؟ لكان الجواب: الظهر، والإنسان قد يذهل عن التعيين، وقد يأتي والإمام راكع مثلاً، فيدخل في الصلاة بسرعة، ولا يعين النية.
قوله: «أو نسكه» أي: أو لم ينو نسكه لم يصح، وهذا من شروط صحة طواف النسك، فالحج ينفرد عن العبادات الأخرى بأشياء كثيرة، منها: جواز تغيير النية، ومنها لزوم إتمامه ولو كان نفلاً، وغيرها.
فيجوز للإنسان أن يحرم إحراماً مطلقاً، فيقول: «لبيك اللهم لبيك» ولا يعين لا عمرة ولا حجاً، لكن لا يجوز أن يطوف حتى يعين؛ لأن الإحرام المطلق صالح للعمرة وحدها، وللحج وحده، ولهما جميعاً فلا بد أن يعين واحداً من ذلك ليتعين له الطواف.
ومن الإحرام المطلق، وإن كان فيه شيء من التقييد أن يقول: أحرمت بما أحرم به فلان، أو لبيك بما أحرم به فلان، ويتصور هذا في الرجل عنده شيء من الجهل، ويعرف أن فلاناً من أهل العلم والمعرفة قد حج، فيقول: لبيك بما أحرم به فلان، وفلان هذا قد يكون أحرم بعمرة، أو بحج، أو بحج وعمرة، فنقول: إحرامك هذا صحيح، لكن لا بد أن تعلم بماذا أحرم فلان قبل أن تطوف، ليقع طوافك بعد تعيين النسك الذي أردت.
ويدل لهذه المسألة الأخيرة أعني أن ينوي الإحرام بما أحرم به فلان: «أن علي بن أبي طالب وأبا موسى بعثهما النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقدما مكة والرسول صلّى الله عليه وسلّم قد قدم قبلهما للحج، وكلاهما قال: أحرمت بما أحرم به رسولك، فلبوا بما أحرم به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أما علي فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ((بم أهللت؟ قال: بما أهل به رسول الله، فقال: فإن معي الهدي فلا تحل)) [(2)]، فأشركه في هديه؛ لأن معه الهدي؛ ومن ساق الهدي فلا يمكن أن يحل.
وأما أبو موسى فقال له: اجعلها عمرة، مع أن إحرامه حين أهل بما أهل به رسول الله ينعقد قراناً، لكن أبا موسى لم يكن معه هدي[(3)].
فنأخذ من هذا أن الإنسان يجوز له أن يحرم بما أحرم به غيره، ولكن لا بد أن يعين قبل الطواف؛ ليقع طوافه في نسك معلوم، ولهذا قال المؤلف هنا: «أو نسكه» .
قال في الروض: «بأن أحرم مطلقاً»، فلو أحرم مطلقاً، ودخل وطاف على أنه طواف مطلق، كما أنه إحرام مطلق فلا يصح؛ لأنه لم ينو هذا النسك بعينه؛ فعلى أي شيء يبني؟!
قوله: «أو طاف على الشاذروان» ، الشاذروان هو السوار المحيط بالكعبة من رخام في أسفلها كالعتبة، وكان من قبل مسطحاً يمكن أن يطوف عليه الناس، فإذا طاف عليه إنسان فإنه لا يصح طوافه؛ لأن الشاذروان من الكعبة، وقد قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] ولم يقل في البيت، ولو قال: في البيت صح الطواف من دون الحجر وعلى الشاذروان، لكن قال: بالبيت والباء للاستيعاب، فالطواف بجميع الكعبة واجب.
لكن بعض الخلفاء ـ جزاه الله خيراً ـ جعله مُسَنَّماً كما يشاهد الآن، فلا يمكن الطواف عليه فمن صعد عليه ليطوف زلق؛ لأنه مزلة.
لكن لو فرض أن رجلاً أحمق، قال لصاحبه سأعتمد على كتفك، وأطوف على الشاذروان، فلا يصح؛ لأنه من البيت، وهذا ربما يقع في أيام الزحام، فيطوف الإنسان على الشاذروان ويتكئ على أكتاف الناس، لكن ـ الحمد لله ـ لم يحصل ذلك فيما نعلم.
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: يصح الطواف على الشاذروان؛ لأن الشاذروان ليس من الكعبة، بل هو كالعتبة تكون تحت سور البيت، وقد جعل عماداً للبيت، فيجوز الطواف عليه.
قوله: «أو جدار الحجر» بكسر الحاء وسكون الجيم، الحجر معروف وهو البناء المقوس من شمالي الكعبة، ويسمى عند العامة حجر إسماعيل، ـ وسبحان الله ـ كيف يكون حجر إسماعيل وإسماعيل لم يعلم به؟! وقد بُنِيَ بعده بأزمان كثيرة؛ لأن سبب بنائه كما ثبت في الصحيح أن قريشاً لما بنت الكعبة قصرت بهم النفقة، وقد أجمعوا على أن يكون البناء من كسب طيب، فقالوا: لا بد أن نبني البعض، وندع البعض، وأنسب شيء يدعونه أن يكون الناحية الشمالية، وجعلوا هذا الجدار وسمي الحجر؛ لأنه محجر.
وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة: «لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين باباً يخرج منه الناس وباباً يدخلون منه»[(4)]، لكن ترك ذلك خوفاً من الفتنة، إلا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ حقق ما أراده الرسول صلّى الله عليه وسلّم بدون مضرة، فلو أنها بنيت على قواعد إبراهيم، وجعل لها باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه، لهلك الناس، ولا سيما في الأزمنة الأخيرة، حيث يتقاتلون على ما هو دون الكعبة بكثير؛ فما ظنكم لو دخل الناس من هذا الباب، والكعبة مسقوفة وضيقة؟ لأهلك الناس بعضهم بعضاً، لكن حصل مراد الرسول صلّى الله عليه وسلّم بهذا الحجر، فجعل للحجر ـ وهو من الكعبة ـ بابان، باب يدخل منه الناس، وباب يخرجون منه، مع كونه مكشوف الفضاء فانتفى الضرر مع حصول المقصود، وهذا من حكمة الله -عزّ وجل- ورحمته.
ولما تولى خلافة الحجاز عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- هدم الكعبة، وبناها على قواعد إبراهيم؛ لأن السبب الذي منع الرسول صلّى الله عليه وسلّم من بنائها على قواعد إبراهيم قد زال، وتوطد الإيمان في القلوب فهدمها وجعل يأتي بالناس، ويشهدهم على الأساسات الأولى التي هي قواعد إبراهيم، وبناها على قواعد إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، وجعل لها بابين باباً يدخل الناس منه وباباً يخرجون منه.
ثم إنها هدمت في عهد عبد الملك بن مروان وأعيدت على ما كانت عليه في الجاهلية، بعد أن استشهد عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-[(5)] ولما تولى الرشيد أراد أن يعيدها على قواعد إبراهيم فاستشار بذلك العلماء، فقالوا: لا تجعل بيت الله ملعبة للملوك، كلما مَلَكَ مَلِكٌ قال أغير إلى كذا، فتركه وبقي على ما هو عليه إلى الآن، والحمد لله.
فإذا طاف على جدار الحجر لم يصح الطواف لعدم استيعاب الكعبة، وإن طاف من دون جدار الحجر من الداخل، لم يصح من باب أولى.
وظاهر كلام المؤلف -رحمه الله- أنه لو طاف على جدار الحجر الذي ليس من الكعبة لم يصح؛ لأنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً، ولأن التمييز بين الجانب الداخل في الكعبة والخارج منها فيه شيء من الصعوبة؛ لأن الحجر ليس كله من الكعبة، فليس من الكعبة إلا مقدار ستة أذرع وشيء، وقربه بعضهم فقال: إذا ابتدأ الانحناء من الحجر يكون خارج الكعبة، ومن المستوي يكون داخل الكعبة.
وعليه فنقول: إنه لا يصح الطواف على جدار الحجر ولو على الجانب الخارج من الكعبة؛ فيكون هذا الزائد تابعاً للأصل.
قوله: «أو عريان» ، إشارة إلى شرط من شروط الطواف وهو ستر العورة، فلو طاف وهو عريان، فإنه لا يصح طوافه؛ لأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((أن ينادي في الناس أن لا يحج بعد العام مشرك ـ يعني العام التاسع ـ ولا يطوف بالبيت عريان)) [(6)]، اللهم إلا أن يكون لضرورة، فإن طاف وهو عريان لم يصح؛ لأنه طواف منهي عنه، وإذا كان منهياً عنه، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) [(7)].
وكان الناس في الجاهلية إن حصلوا على ثياب من قريش أخذوها عاريَّة، أو شراء، أو هدية، فطافوا بها، وإلا فلا، على أن بعض العرب، وإن كانوا من قريش يقولون لا نطوف بثيابنا؛ لأنها ثياب عصينا الله فيها فلا نطوف بها، نقول: إذا طفتم عراة فهي ثياب عصيتم الله بها، أي: بخلعها.
وكانت المرأة تأتي فتطوف عارية، وتضع يدها على فرجها، وترتجز في الطواف وتقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله
وما بـــدا منه فلا أحــلــه
أي: ما بدا منه فلا أحل لأحد أن ينظر إليه، وهذا من الجهل.
أما في الإسلام ـ ولله الحمد ـ فلا يطوف بالبيت عريان، ومن المعلوم أنه لا أحد يطوف خالعاً ثيابه.
لكن قد يطوف وهو لم يستر الستر الواجب بأن تكون عليه ثياب رقيقة، وعليه سراويل لا تصل إلى الركبة، فيطوف فلا يصح طوافه؛ لأنه لم يستر عورته؛ إذ لا بد من ستر ما بين السرة والركبة بالنسبة للرجال، أما النساء فحكم سترها في الطواف كحكم سترها في الصلاة.
قوله: «أو نجس لم يصح» يعني متنجساً، وإلا فالإنسان لا يمكن أن يكون نجساً بل متنجساً، والمتنجس أي: الذي أصابته نجاسة، وهذا إشارة إلى شرط من شروط صحة الطواف وهو أن يكون طاهر الثوب والبدن، فلو طاف وعلى ثوبه أو بدنه نجاسة فإن الطواف لا يصح، والدليل على ذلك ما يلي:
أولاً: أن الطواف بالبيت صلاة عند الجمهور، فكما لا تصح الصلاة مع النجاسة فكذلك الطواف.
ثانياً: ولأن الله تعالى أمر بتطهير بيته للطائفين، والقائمين، أو العاكفين، والركع السجود، فإذا أمر بتطهير مكان الطائف الذي هو منفصل عنه، فتطهير ملابسه المتعلقة به من باب أولى، وعلى هذا فلا يحل أن يطوف بثوب نجس، أو يطوف وهو متنجس البدن، بل لا بد أن يغسل النجاسة، من ثوبه وبدنه.
مسألة: لم يذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ ما إذا طاف محدثاً اكتفاءً بما سبق في نواقض الوضوء، حيث قال: «ويحرم على المحدث مس المصحف، والصلاة، والطواف» ، وعلى هذا فيشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، وهذا مذهب الجمهور، واستدلوا بالآتي:
أولاً: قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] .
ثانياً: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام» [(8)].
ثالثاً: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لعائشة رضي الله عنها: «افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري» [(9)].
رابعاً: قوله صلّى الله عليه وسلّم ـ حين أراد أن ينفر فقيل له: إن صفية قد حاضت ـ: ((أحابستنا هي؟))، قالوا: إنها قد أفاضت، قال:(( فانفروا)) [(10)].
وذهب شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ إلى أنه لا يشترط الوضوء للطواف، وأجاب عن هذه الأدلة بأن قوله: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام» لا يصح مرفوعاً إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؛ لأن عمومه لا يستقيم، لأن لفظه: «الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام» والاستثناء عند الأصوليين معيار العموم، أي: أنه إذا جاء شيء واستثني منه شيء دل ذلك على أن بقية الصور غير المستثناة داخلة في المستثنى منه، فيكون عاماً إلا في الصورة المستثناة، وهنا لا يصح أن يقال: إن الطواف بالبيت صلاة في كل شيء إلا الكلام؛ وذلك لأنه يخالف الصلاة في أشياء كثيرة سوى الكلام.
فمن ذلك: أنه لا يشترط فيه القيام، والصلاة يشترط فيها القيام، أي: لو طاف يزحف فإن طوافه صحيح.
ومن ذلك: أنه لا يشترط له تكبير، والصلاة يشترط لها تكبيرة الإحرام.
ومن ذلك: أنه لا يشترط له استقبال القبلة، بل لا بد أن يكون البيت عن يساره.
ومنها: أنه لا تشترط فيه القراءة لا الفاتحة، ولا غيرها، بل لا يسن فيه أن يقرأ الفاتحة بعينها وسورة معها.
ومنها: أنه ليس فيه ركوع ولا سجود، ولا يجب فيه تسبيح.
ومنها: أنه يجوز فيه الأكل والشرب، والصلاة لا يجوز فيها الأكل والشرب.
ومنها: أنه لا يبطله الضحك، والصلاة يبطلها الضحك.
ومنها: أنه لا تشترط فيه الموالاة على رأي كثير من العلماء، والصلاة تشترط فيها.
ولو أنك تأملته لوجدت أنه يخالف الصلاة في أكثر الأحكام، وكلام الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا بد أن يكون منضبطاً، ولا ينتقض بصورة من الصور، فلا يصح مرفوعاً؛ بل هو موقوف على ابن عباس من قوله.
فالصواب أن الطواف بالبيت ليس صلاة، بل هو عبادة مستقلة كالاعتكاف تماماً.
فإن قال قائل: إن النبي صلّى الله عليه وسلّم طاف طاهراً بدليل أنه صلى ركعتين بعد الطواف مباشرة ولم ينقل أنه توضأ؟ قلنا: نعم، نحن لا ننكر أن يكون الإنسان في الطواف على طهارة خيراً من أن يكون على غير طهارة، لأنه ذكر وعبادة فينبغي أن يتطهر لها؛ ولهذا قال النبي صلّى الله عليه وسلّم للرجل الذي سلم عليه ولم يرد عليه حتى تيمم قال: كرهت أن أذكر الله إلا على طهر [(11)]، فلا شك أن الوضوء في الطواف أفضل وأحوط.
فإن قيل: وقول ابن عباس ألا يكون حجة؟
فالجواب: أن قول الصحابي يكون له حكم الرفع إذا لم يكن للرأي فيه مجال، فإن كان للرأي فيه مجال فهو موقوف وللعلماء خلاف مشهور في قول الصحابي هل يكون حجة أو لا.
وأما الاستدلال بقوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125] ، فهذا أمر بتطهير البيت من الشرك وأهله، ومن النجاسة أيضاً، كما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم بصب الماء على مكان نجاسة الأعرابي في مسجد المدينة، فلا يلزم من وجوب تطهيره من الخبث، أن يجب على الطائف بالبيت أن يكون طاهراً من الحدث؛ لأنه لو لزم من ذلك لقلنا يجب على الإنسان أن يتطهر لدخول المسجد الحرام، وإن لم يرد الطواف، ولو كان كذلك أيضاً لكان مناقضاً لقول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: ((المؤمن لا ينجس)) [(12)]، ولو كان كذلك لوجب على المعتكف أن يكون طاهراً من الحدث.
وأما حديث عائشة، وحديث صفية -رضي الله عنهما- فليست العلة عدم الطهارة، وإنما العلة عدم جواز مكث الحائض في المسجد، وهذا لا يستلزم وجوب الطهارة في الطواف، ولهذا كان القول الراجح أن المرأة إذا اضطرت إلى طواف الإفاضة في حال حيضها كان ذلك جائزاً، لكن تتوقى ما يخشى منه تنجيس المسجد بأن تستثفر، أي: تجعل ما يحفظ فرجها؛ لئلا يسيل الدم فيلوث المسجد.
وهذا الذي تطمئن إليه النفس أنه لا يشترط في الطواف الطهارة من الحدث الأصغر، لكنها بلا شك أفضل وأكمل وأتبع للنبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا ينبغي أن يخل بها الإنسان لمخالفة جمهور العلماء في ذلك، لكن أحياناً يضطر الإنسان إلى القول بما ذهب إليه شيخ الإسلام، مثل لو أحدث أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد لا سيما إذا لم يبق عليه إلا بعض شوط ففيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة ولم يظهر فيها النص ظهوراً بيناً، فإنه لا ينبغي أن نلزم الناس به، بل نتبع ما هو الأسهل والأيسر؛ لأن إلزام الناس بما فيه مشقة بغير دليل واضح منافٍ لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .
مسألة: الدعاء الجماعي في الطواف فيه إشكال لأنه لم ينقل عن السلف فيما نعلم؛ لأنه يؤذي الناس ويشغل عن الدعاء الخاص لا سيما إذا كان الطائف بهم جهوري الصوت، أما إن كان بصوت خافت لتعليم من معه، فأرجو ألا يكون به بأس، وأما أخذ الأجرة عليه فيجوز؛ لأنه من جنس أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ولكن بعضهم يتخذ هذا مهنة ووسيلة لأخذ أموال الناس.
مسألة: الذين يطوفون على السطح فإذا بلغوا المسعى ضاق المطاف فبعضهم ينزل إلى المسعى، فهل نقول: إن هؤلاء طافوا جزءاً من الشوط خارج المسجد لأن المسعى ليس من المسجد؟
الجواب: نعم نقول إنهم طافوا خارج المسجد، ولكن إن كان الذي أوجب لهم ذلك هو الضيق والضنك، والناس متلاصقون فنرجو أن يكون ذلك مجزئاً على ما في ذلك من الثقل، ولكن للضرورة.


[1] سبق تخريجه ص(70).
[2] أخرجه البخاري في الحج/ باب من أهل زمن النبي صلّى الله عليه وسلّم كإهلال النبي (1558)؛ ومسلم في الحج/ باب جواز التمتع في الحج والقران (1216).
[3] أخرجه البخاري في الحج/ باب الذبح قبل الحلق (1559)؛ ومسلم في الحج/ باب في فسخ التحلل من الإحرام (1221) عن أبي موسى ـ رضي الله عنه&#146>;ـ.
[4] أخرجه البخاري في العلم/ باب من ترك بعض الاختيار... (126)؛ ومسلم في الحج/ باب نقض الكعبة (1333) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
[5] أخرجه مسلم في الحج/ باب نقض الكعبة وبنائها (1333) (402) عن عطاء ـ رحمه الله ـ.
[6] سبق تخريجه ص(15).
[7] سبق تخريجه ص(158).
[8] أخرجه الترمذي في الحج/ باب ما جاء في الكلام في الطواف (960)؛ والنسائي في المناسك/ باب إباحة الكلام في الطواف (5/222)؛ وابن خزيمة (2739) وابن حبان (3836)؛ والحاكم (1/459)؛ والبيهقي (5/85) واختلف في رفعه ووقفه، انظر: نصب الراية (3/57) والتلخيص (174) والإرواء (121).
[9] سبق تخريجه ص(83).
[10] سيأتي تخريجه ص(363).
[11] أخرجه أبو داود في الطهارة/ باب في الرجل يرد السلام وهو يبول (17) وابن ماجه في الطهارة/ باب الرجل يُسلم عليه وهو يبول (350) وصححه ابن خزيمة (206) وابن حبان (803) والحاكم (1/167) على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي عن المهاجر بن قنفذ ـ رضي الله عنه ـ.
[12] أخرجه البخاري في الغسل/ باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس (283) ومسلم في الطهارة/ باب الدليل على أن المسلم لا ينجس (371) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
من, ترك

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:54 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir