دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > ألفية العراقي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ذو القعدة 1429هـ/14-11-2008م, 08:15 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الاقتصارُ على بعْضِ الحديثِ

الاقتصارُ على بعْضِ الحديثِ

(635) وحَذْفَ بعْضِ الْمَتْنِ فامْنَعْ أو أَجِزْ = أو إنْ أُتِمَّ أو لعالِمٍ وَمِزْ
ذا بالصحيحِ إنْ يَكُنْ ما اخْتَصَرَهْ = مُنْفَصِلاً عن الذي قد ذَكَرَهْ
وما لِذي تُهمةٍ انْ يَفعلَهْ = فإنْ أَبَى فجازَ أن لا يُكْمِلَهْ
أمَّا إذا قُطِّعَ في الأبوابِ = فَهْوَ إلى الْجَوَازِ ذو اقترابِ


  #2  
قديم 14 ذو الحجة 1429هـ/12-12-2008م, 06:41 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي شرح الناظم

الاقتصارُ على بعضِ الحديثِ
(635) وحَذْفُ بعْضِ الْمَتْنِ فامْنَعْ أو أَجِزْ أو إنْ أُتِمَّ أو لعالِمٍ وَمِزْ
(636)ذا بالصحيحِ إنْ يَكُنْ ما اخْتَصَرَهْ مُنْفَصِلاً عن الذي قد ذَكَرَهْ
(637)وما لِذي تُهمةٍ انْ يَفعلَهْ فإنْ أَبَى فجازَ أن لا يُكْمِلَهْ
(638)أمَّا إذا قُطِّعَ في الأبوابِ فهْو إلى الْجَوَازِ ذو اقترابِ
اخْتَلَفَ العلماءُ في جَوازِ الاقتصارِ على بعضِ الحديثِ وحَذْفِ بعْضِه على أقوالٍ:
(أحَدُها) الْمَنْعُ مُطْلَقاً (والثاني) الجوازُ مُطْلَقاً.
ويَنبغي تَقييدُ الإطلاقِ بما إذا لم يَكُن المحذوفُ مُتَعَلِّقًا بالْمَأْتِيِّ به تَعَلُّقاً يُخِلُّ بالمعنى حَذْفُه كالاستثناءِ والحالِ ونحوَ ذلك كما سيأتِي في القولِ الرابعِ، فإنْ كان كذلك لم يَجُزْ بلاَ خِلاَفٍ وبه جَزَمَ أبو بكرٍ الصَّيْرَفِيُّ وغيرُه وهو واضِحٌ.
(والثالثُ) أنه إنْ لم يَكُنْ رَواهُ على التَّمامِ مَرَّةً أُخْرَى هو أو غيرُه لم يَجُزْ، وإنْ كانَ رَواهُ على التمامِ مَرَّةً أُخرى هو أو غيرُه جازَ، وإليه الإشارةُ بقولِي (أو إنْ أَتَمّ) أيْ أو أَجِزْهُ إنْ أَتَمَّ مَرَّةً ما منه أو مِن غيرِه.
(والقولُ الرابعُ) وهو الصحيحُ كما قالَ ابنُ الصلاحِ أنه يَجوزُ ذلك مِن العالِمِ العارِفِ إذا كان ما تَرَكَه مُتَمَيِّزاً عما نَقَلَه غيرَ مُتَعَلِّقٍ به بحيث لا يَخْتَلُّ البيانُ ولا تَختلفُ الدَّلالةُ فيما نَقَلَه بتَرْكِ ما تَرَكَه، قالَ: فهذا يَنبغِي أنْ يَجوزَ وإنْ لم يَجُزِ النقْلُ بالمعنى؛ لأنَّ ذلك بِمَنزلةِ خَبَرَيْنِ مُنفَصِلَيْنِ، وإلى تصحيحِ هذا القولِ الإشارةُ بقولي: (ومِزْ ذا بالصحيحِ) وليس للمُتَّهَمِ أنْ يَحْذِفَ بعضَ الحديثِ كما ذكَرَ الخطيبُ أنَّ مَن روى حديثاً على التمامِ وخافَ إنْ رواه مَرَّةً أُخْرَى على النُّقصانِ أنْ يُتَّهَم بأنه زادَ في أوَّلِ مَرَّةٍ ما لم يَكُنْ سَمِعَه، أو أنه نَسِيَ في الثاني باقيَ الحديثِ لقِلَّةِ ضَبْطِه وكثرةِ غَلَطِه، فواجِبٌ عليه أنْ يَنْفِيَ هذه الظِّنَّةَ عن نفْسِه.
وقالَ سُليمٌ الرازيُّ: مَن روى بعضَ الخبَرِ ثم أَرادَ أنْ يَنْقُلَ تَمامَه وكانَ ممن يُتَّهَمُ بأنه زادَ في حديثِه كان ذلك عُذْراً له في تَرْكِ الزيادةِ وكِتمانِها، وإليه الإشارةُ بقولِي (فإنْ أَبَى) أيْ: فإنْ خالَفَ ورَواهُ ناقِصاً مَرَّةً فجازَ أنْ لا يُكْمِلَه بعد ذلك، قالَ ابنُ الصَّلاحِ: مَن كان هذا حالَه فليس له مِن الابتداءِ أنْ يَرْوِيَ الحديثَ غيرَ تامٍّ إذا كان قد تَعَيَّنَ عليه أداءُ تمامِه؛ لأنه إذا رواه أوَّلاً ناقِصاً أخْرَجَ باقِيَهُ عن حَيِّزِ الاحتجاجِ به، ودارَ بينَ أنْ لا يَرْوِيَهُ أصْلاً فيُضَيِّعَه رأساً، وبينَ أنْ يَرْوِيَهُ مُتَّهَماً فيه فتَضيعَ ثَمَرَتُه لسقوطِ الْحُجَّةِ فيه.
وأمَّا تقطيعُ المصنِّفِ للحديثِ الواحدِ وتفريقُه في الأبوابِ بِحَسْبِ الاحتجاجِ به على مَسألةٍ مسألةٍ فهو إلى الجوازِ أقْرَبُ، وقد فَعَلَه الأئمَّةُ مالِكٌ وأحمدُ والبخاريُّ وأبو داودَ والنَّسائيُّ وغيرُهم مِن الأَئِمَّةِ، وحَكَى الْخَلاَّلُ عن أحمدَ أنه يَنبغِي أنْ لا يَفعلَ، قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ولا يَخلُو مِن كَراهيةٍ.

  #3  
قديم 26 ذو الحجة 1429هـ/24-12-2008م, 12:15 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح الباقي لأبي زكريا الأنصاري

الاقتصارُ على بعضِ الحديثِ
وحَذْفُ بعْضِ الْمَتْنِ فامْنَعْ أو أَجِزْ أو إنْ أُتِمَّ أو لعالِمٍ وَمِزْ
ذا بالصحيحِ إنْ يَكُنْ ما اخْتَصَرَهْ مُنْفَصِلاً عن الذي قد ذَكَرَهْ
وما لِذي تُهْمةٍ أنْ يَفعلَهْ فإنْ أَبَى فجازَ ألا يُكْمِلَهْ
أمَّا إذا قُطِّعَ في الأبوابِ فهو إلى الْجَوَازِ ذو اقترابِ
(وحذْفُ بعضِ الْمَتْنِ) أي: الحديثِ وإنْ لم يَتَعَلَّقْ بالْمُثْبَتِ تَعَلُّقًا يُخِلُّ حذْفُه بالمعنَى (فامْنَعْ) مُطْلَقًا؛ لأنَّ رِوايةَ الحديثِ ناقِصًا تَقْطَعُه وتُغَيِّرُه عن وَجْهِه.
(أو أَجِزْ) هُ مُطْلَقًا إنِ انْتَفَى التعلُّقُ المذكورُ، وإلاَّ فلا يَجوزُ بلا خِلافٍ.
(أو) أَجِزْهُ (إنْ أُتِمَّ) بضَمِّ أوَّلِه - إيرادُ الحديثِ منه أو مِن غيرِه مَرَّةً أُخْرَى؛ ليُؤْمَنَ بذلك مِن تَفويتِ حكْمٍ أو نحوِه، وإلا فلا، وإنْ جوَّزَ قائلُه الروايةَ بالمعنى، كما قالَهُ ابنُ الصلاحِ وغيرُه.
(أو) أَجِزْهُ (لعالِمٍ) عارِفٍ - وإنْ لم يُجِزِ الروايةَ بالمعنَى - لا لغيرِه.
فهذه أربعةُ أقوالٍ.
(ومِزْ) أيْ: مَيِّزْ (ذا) القولَ الرابعَ - وهو ما عليه الجمهورُ - عن البقيَّةِ بوَصْفِه (بالصحيحِ إنْ يَكُنْ ما اخْتَصَرَهْ) بالحذْفِ مِن الْمَتْنِ (منفصِلاً عن) القَدْرِ (الذي قد ذَكَرَهْ) منه، أيْ: غيرَ مُتَعَلِّقٍ به تَعَلُّقًا يُخِلُّ حذْفُه بالمعنى؛ لأنَّ ذلك بِمَنْزِلَةِ خَبَرَيْنِ مُنْفَصِلَيْنِ.
أمَّا إذا تَعَلَّقَ به التعلُّقَ المذكورَ، كالاستثناءِ، والغايةِ، والحالِ، كقولِه صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((لاَ يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ)) فلا يَجوزُ حذْفُه بلا خِلافٍ كما مَرَّ.
وقولُه: (أو لِعالِمٍ) إلى آخِرِه قالَ شَيْخُنا: (يَنبغِي ألا يكونَ قولاً برأسِه، بل يُجْعَلُ شَرْطًا لِمَنْ أَجازَ، فإنَّ منْعَ غيرِ العالِمِ مِن ذلك لا يُخَالِفُ فيه أحَدٌ).
هذا كُلُّه في غيرِ الْمُتَّهَمِ. أمَّا الْمُتَّهَمُ فمُنِعَ منه كما قالَ:
(وما لذي) أيْ: لصاحِبِ خَوْفٍ مِن تَطَرُّقِ (تُهْمَةٍ) إليه بالحذْفِ (أنْ يَفعلَه) سواءٌ رواه ابتداءً ناقِصًا أمْ تامًّا؛ لأنه إنْ رَواه تامًّا بعدَ أنْ رواه ناقِصًا، اتُّهِمَ بزيادةِ ما لم يَسمَعْهُ، أو بالعكْسِ، اتُّهِمَ بنِسيانِه لقِلَّةِ حِفْظِه، فيَجِبُ عليه أنْ يَرْوِيَهُ تامًّا ليَنْفِيَ هذه الظِّنَّةَ عن نَفْسِه.
(فإنْ أبى) أيْ: خالَفَ ورَواهُ ناقِصًا فقط (فجازَ) لهذا العُذْرِ؛ أَعْنِي خوْفَ اتِّهامِ الزيادةِ (ألا يُكْمِلَهُ) بعدَ ذلك ويَكْتُمَ الزيادةَ.
قالَ ابنُ الصلاحِ: (مَن كانَ هذا حالَه فليس له أنْ يَرْوِيَ الحديثَ ناقِصًا، وإنْ كان قد تَعَيَّنَ عليه أداءُ تَمامِه؛ لأنه إذا رَوَاه أوَّلاً ناقِصًا، أَخْرَجَ باقِيَهُ عن حَيِّزِ احتجاجٍ به، ودارَ بينَ ألا يَرْوِيَهُ أصْلاً فيُضِيِّعَهُ رأسًا، وبَيْنَ أنْ يَرْوِيَهُ مُتَّهَمًا فيه بالزيادةِ فيُضَيِّعَ ثَمَرَتَه لسُقوطِ الْحُجَّةِ فيه).
هذا كلُّه إذا اقْتَصَرَ على بعضِ الحديثِ في الروايةِ، (أمَّا إذا قُطِّعَ) الحديثُ الواحدُ المشتَمِلُ على أحكامٍ (في الأبوابِ) بحسَبِ الاحتجاجِ به على مَسألةٍ مَسألةٍ (فهو إلى الْجَوازِ ذو اقتِرابِ) أيْ: أقْرَبُ، ومِن الْمَنْعِ أبْعَدُ.
وقد فَعَلَه مِن الأئمَّةِ مالِكٌ، وأحمدُ، والبخاريُّ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وغيرُهم، وحَكَى الْخَلاَّلُ عن أحمدَ أنه يَنبغِي ألا يَفعلَ، قالَ ابنُ الصلاحِ: (ولا يَخْلُو مِن كَراهيةٍ).

  #4  
قديم 27 ذو الحجة 1429هـ/25-12-2008م, 10:25 AM
مسلمة 12 مسلمة 12 غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 1,159
افتراضي فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي

الاقتِصَارُ على بَعضِ الحَدِيثِ

وحَذْفَ بعْضِ الْمَتْنِ فامْنَعْ أو أَجِزْ أو إنْ أُتِمَّ أو لعالِمٍ وَمِزْ
ذا بالصحيحِ إنْ يَكُنْ ما اخْتَصَرَهْ مُنْفَصِلاً عن الذي قد ذَكَرَهْ
وما لِذي تُهْمةٍ أنْ يَفعلَهْ فإنْ أَبَى فجازَ ألا يُكْمِلَهْ
أمَّا إذا قُطِّعَ في الأبوابِ فَهْوَ إلى الْجَوَازِ ذو اقترابِ

الفَصلُ الرَّابِعُ: الاقتِصَارُ في الرِّوَايَةِ على بَعضِ الحَدِيثِ، ورُبَّمَا عُبِّرَ عنه بالاختِصَارِ مَجَازاً، وتَفرِيقُ الحَدِيثِ الوَاحِدِ على الأبوَابِ.
(وحَذفَ) بالنَّصبِ مَفعُولٌ مُقَدَّمٌ (بَعضِ المَتنِ) أَي: الحَديثِ ممَّا لا تَعَلُّقَ له بِالمُثبَتِ (فامْنَعْ) إِن كانَ لِغَيرِ شَكٍّ مُطلقاً، سَوَاءٌ تَقَدَّمَت رِوَايَتُه له تَامّاً أم لا، كانَ عارِفاً بما يَحصُلُ به الخَلَلُ في ذلك أم لا، بِنَاءً –كما قالَ ابنُ الصَّلاحِ ومَن تَبِعَهُ وإن تَوَقَّفَ فيه البَدرُ بنُ جَمَاعَةَ – على مَنعِ الرِّوَايَةِ بِالمَعنَى مُطلَقاً؛ لأنَّ رِوَايَةَ الحَدِيثِ علَى النُّقصَانِ، والحَذفَ لِبَعضِ مَتنِهِ، تَقطَعُ الخَبَرَ وتُغَيِّرُه عَن وَجهِهِ، ورُبَّمَا حَصَلَ الخَلَلُ والمُخْتَصِرُ لا يَشعُرُ.
قالَ عَنبَسَةُ: قُلتُ لابنِ المُبَارَكِ: عَلِمتُ أنَّ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ كانَ يُرِيدُ أَن يَخْتَصِرَ الحَدِيثَ فَيَقْلِبَ مَعنَاهُ.
قالَ: فقالَ لي: أَوَ فَطِنْتَ لَهُ؟ وقالَ أبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ: إنَّهُم يُخطِئُونَ فَحُسِمَت المَادَّةُ لِذَلكَ. هذا الإمَامُ أبُو حَاتِمِ بنُ حِبَّانَ، ونَاهِيكَ بِهِ، وقد تَرجَمَ في (صَحِيحِهِ): "إِيجَابُ دُخولِ النَّارِ لِمَن أَسمَعَ أهلَ الكِتَابِ مَا يَكرَهُونَ"، وساقَ فيهِ حديثَ أبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ بِلَفظِ: ((مَن سَمِع يَهُودِيّاً أو نَصرَانِيّاً دَخَلَ النَّارَ)). وتَبِعَهُ غيرُه، فاستَدَلَّ به على تَحرِيمِ غِيبَةِ الذِّمِّيِّ، وكُلُّ هذا خَطَأٌ، فلَفظُ الحَدِيثِ: ((مَن سَمِعَ بِي مِن أُمَّتِي أو يَهُودِيٍّ أو نَصْرَانِيٍّ فلَم يُؤْمِنْ بِي دَخَلَ النَّارَ)).
وكذا تَرجَمَ المُحِبُّ الطَّبَرِيُّ في (أَحكَامِهِ) "الوَلِيمَةُ علَى الأُخُوَّةِ"، وساقَ حديثَ أَنَسٍ: قَدِمَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ عَوفٍ فآخَى النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بينَهُ وبينَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ، لِكَونِ البُخَارِيِّ أَورَدَهُ في بَعضِ الأمَاكِنِ مِن (صَحِيحِهِ) بِاختِصَارِ قِصَّةِ التَّزوِيجِ مُقتَصِراً على الإخَاءِ والأمْرِ بِالوَلِيمَةِ، ففَهِمَ منه أنَّ الوَلِيمَةَ للأُخُوَّةِ، ولَيسَ كَذِلكَ، والحَدِيثُ قَد أَورَدَهُ البُخَارِيُّ تَامّاً في أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ، ولَيسَت الوَلِيمَةُ فِيهِ إِلا لِلنِّكَاحِ جَزْماً.
وحُكِي عن الخَليلِ بنِ أَحمَدَ. واحتُجَّ له بقولِهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((فبَلَّغَهُ كمَا سَمِعَهُ)). وعن مَالِكٍ فيمَا رَوَاهُ عَنهُ يَعقُوبُ بنُ شَيبَةَ أنَّهُ كانَ لا يَرَى أن يُختَصَرَ الحدِيثُ إذا كانَ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. يعني دون غيرِه.
كما صرَّحَ به أَشهَبُ إذ قالَ: سأَلْتُ مَالِكاً عَن الأحَاديثِ يُقَدَّمُ فِيهَا ويُؤَخَّرُ والمَعنَى وَاحِدٌ، قالَ: أمَّا ما كانَ منها مِن قولِ رسولِ اللَّه صلى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فإنِّي أَكرَهُ ذَلك، وأكرَهُ أن يُزَادَ فِيهَا ويُنقَصَ مِنهَا، وما كانَ مِن قَولِ غَيرِ رَسُولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فلا أرَى بِذَلكَ بَأساً إذا كانَ المَعنَى وَاحِداً. بل كانَ عبدُ المَلِكِ ِبنُ عُمَيرٍ وغيرُهُ لا يستَجيزُونَ أَن يُحذَفَ مِنهُ حَرفٌ وَاحدٌ.
فإن كانَ لِشَكٍّ فهو – كما قالَ ابنُ كثيرٍ وتَبِعَهُ البُلْقِينِيُّ وغيرُه – سَائِغٌ، كانَ مَالِكٌ يَفعَلُهُ كَثِيراً تَوَرُّعاً، بل كانَ يَقطَعُ إِسنَادَ الحَدِيثِ إذا شَكَّ في وَصلِهِ، ونُقِلَ أيضاً عن ابنِ عُلَيَّةَ، نَعَم إِن تَعَلَّقَ المشكُوكُ فيهِ بِالمُثْبَتِ كقولِ دَاوُدَ بنِ حُصَينٍ في حَدِيثِ الرُّخصَةِ فِي العَرَايَا: (فِي خَمسَةِ أَوسُقٍ أو دُونَ خَمسَةِ أَوسُقٍ)، فلا.
(أو) هُو القوَلُ الثَّانِي (أَجِزْ) ذَلكَ مُطلَقاً احتَاجَ إِلى تَغييرٍ لا يُخِلُّ بِالمَعنَى أم لا، تَقَدَّمَت رِوَايَتُه له تَامّاً أم لا، لِمَا سَيَجِيءُ قَرِيباً، وبِهِ قالَ مُجَاهِدٌ حيثُ قالَ: انقُصْ مِن الحَدِيثِ ما شِئتَ، ولا تَزِدْ فِيهِ. ونحوُه قولُ ابنِ مَعِينٍ: إذا خِفْتَ أَن تُخْطِئَ فِي الحَدِيثِ فَانْقُصْ مِنه ولا تَزِدْ. ونَسَبَهُ عِيَاضٌ لِمُسْلِمٍ، والمَوجُودُ عنه ما سيَأْتِي.
(أو) وَهُوَ القولُ الثَّالِثُ: التَّفْصِيلُ، فأَجِزْهُ (إِن أُتِمَّ) بِضَمِّ أَوَّلِه مَبنِيّاً لِلمَفعُولِ، إِيرَادُهُ مِنهُ أو مِن غَيرِهِ مَرَّةً بحيثُ أُمِنَ بذلكَ مِن تَفوِيتِ حُكمٍ أو سُنَّةٍ أو نحوِ ذلك، وإلا فلا، وإِن جَازَت عِندَ قَائِلِه -كما قالَ ابنُ الصَّلاحِ ومَن تَبِعَهُ- الرِّوَايَةُ بِالمَعنَى.
(أو) وهُو القولُ الرَّابِعُ بتَفصِيلٍ آخَرَ: فَأَجِزْهُ، كما ذَهَبَ إليه الجُمهُورُ، إِن وَقَعَ (لِعَالِمٍ) عَارِفٍ، وإلا فلا، (ومِزْ). أي: مَيِّزْ (ذَا) القَولَ عَن سَائِرِهَا بِوَصفِهِ (بِالصَّحيحِ إن يَكُنْ ما اخَتَصَرَهُ) بِالحَذفِ مِن المَتْنِ (مُنفَصِلاً عَن) القَدْرِ (الذي قَد ذَكَرَهُ) مِنهُ غَيرَ مُتَعَلِّقٍ به، بحيثُ لا يَختَلُّ البَيَانُ ولا تَختَلِفُ الدَّلالَةُ فيمَا نقَلَهُ بِتَركِ مَا حَذَفَهُ كالاستِثْنَاءِ، مِثلَ قولِه: ((لا يُبَاعُ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ)). والغَايَةِ، مِثلَ قَولِهِ: ((لا يُبَاعُ النَّخْلُ حتَّى تُزْهِيَ)). والشَّرطِ ونَحوِهَا.
قالَ صَاحِبُ (المُستَصْفَى): ومَن جَوَّزَهُ شَرَطَ عَدَمَ تَعَلُّقِ المَذكُورِ بالمَترُوكِ تَعَلُّقاً يُغَيِّرُ معنَاهُ، فأمَّا إذا تَعَلَّقَ به، كَشرطِ العِبَادَةِ أَو رُكْنِهَا، فَنَقْلُ البَعضِ تَحْرِيفٌ وتَلْبِيسٌ.
قالَ الخَطِيبُ: ولا فَرقَ بينَ أن يَكُونَ ذلك تَركاً لنَقلِ العِبَادَةِ، كنَقلِ بعضِ أَفعالِ الصَّلاةِ، أو تَركاً لِنَقلِ فَرضٍ آخَرَ هُو شَرطٌ في صِحَّةِ العِبَادَةِ، كتَركِ نَقلِ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ ونحوِهَا. قالَ: (وعَلَى هذا الوَجهِ يُحمَلُ قَولُ مَن قالَ: لا يَحِلُّ الاخْتِصَارُ). انتَهَى.
ومِن الأمثِلَةِ لبَعضِ هذا ممَّا ذَكَرَهُ إمَامُ الحَرَمَينِ حَدِيثُ ابنِ مَسعُودٍ: أَتَيتُ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بِحَجَرَينِ وَرَوْثَةٍ يَستَنْجِي بِهِمَا فَأَلقَى الرَّوْثَةَ، وقالَ: ((إنَّهَا رِجْسٌ، ابغِ لِي ثَالِثاً)) فلا يَجُوزُ الاقتِصَارُ على ما عدَا قَولَه: ((ابْغِ لِي ثَالِثاً)).
وإن كانَ لا يُخِلُّ بِرَميِ الرَّوثَةِ وأنَّهَا رِجْسٌ، لإيهَامِهِ الاكتِفَاءَ بحَجَرَينِ، لَكِنْ فَرَّقَ الإمَامُ لِمثلِ هذَا بينَ أن يَقصِدَ الرَّاوِي الاحتِجَاجَ به لِمَنعِ استِعمَالِ الرَّوْثِ، فيَسُوغُ حِينَئِذٍ، أو لَم يَقْصِدْ غَرَضاً خَاصّاً فلا. وفيه تَوَقُّفٌ.
ثُمَّ إنَّ ما ذَهَبَ إليه الجُمهُورُ لا يُنَازِعُ فيه مَن لَم يُجِزِ النَّقْلَ بِالمَعنَى؛ لأنَّ الذي نَقَلَهُ، والذي حَذَفَهُ، والحَالَةُ هذه، بِمَنزِلَةِ خَبَرَينِ مُنفَصِلَينِ في أَمرَينِ لا تَعَلُّقَ لأحَدِهِمَا بِالآخَرِ، وإليه الإشَارَةُ بقولِ مُسْلِمٍ في مُقَدِّمَةِ (صَحِيحِهِ): إنَّهُ لا يُكَرَّرُ إلا أَن يَأتِيَ مَوضِعٌ لا يُستَغْنَى فيه عَن تِردَادِ حَدِيثٍ فيه زِيَادَةُ مَعنًى، أو إِسنَادٌ يقَعُ إلى جَنبِ إِسنَادٍ لِعِلَّةٍ تكونُ هناكَ؛ لأنَّ المَعنَى الزَّائِدَ في الحَدِيثِ المُحتَاجِ إليه يقُومُ مَقَامَ حَدِيثٍ تَامٍّ، فلا بُدَّ مِن إِعَادَةِ الحَدِيثِ الذي فيه ما وَصَفْنَا مِن الزِّيَادَةِ، أو يَفصِلُ ذلك المَعنَى مِن جُملَةِ الحَدِيثِ على اختِصَارِهِ إذا أَمكَنَ، ولكنَّ تَفصِيلَهُ رُبَّما عَسَّرَ مِن جُملَتِهِ، فإِعَادَتُهُ بِهَيئَتِهِ إذا ضَاقَ ذلك أَسلَمُ.
فأمَّا ما وَجَدْنَا بُدّاً مِن إِعَادَتِهِ بِجُملَتِهِ مِن غَيرِ حاجَةٍ مِنَّا إليه فلا نَتَوَلَّى فِعلَهُ. والقَصدُ أنَّ في قَولِهِ: "إذَا أَمكَنَ" وكذا في قَولِهِ: "ولَكِنَّ تَفصِيلَهُ" إلى آخِرِهِ. الإشَارَةََ إلى مَا ذَهَبَ إليهِ الجُمهُورُ، وأنَّهُ لا يَفصِلُ إلا مَا لا ارْتِبَاطَ لَهُ بالبَاقِي، حتَّى إنَّهُ لو شَكَّ في الارتِبَاطِ أو عَدِمِهِ تَعَيَّنَ ذِكرُهُ بِتَمَامِهِ وهَيئَتِهِ لِيَكُونَ أَسلَمَ، مَخَافَةً مِن الخَطَأِ والزَّلَلِ. قَالَهُ النَّوَوِيُّ.
وسَوَاءٌ في الجَوَازِ لِلعَارِفِ بِشَرْطِهِ، رَوَاهُ هُوَ أو غَيرُه، تَامّاً أم لا، قبلُ أو بعدُ، لَكنَّ مَحِلَّ تَسويغِ رِوَايَتِهِ أَيضاً نَاقِصاً إِذَا كانَ رَفِيعَ المَنزِلَةِ فِي الضَّبطِ والإتقَانِ والثِّقَةِ بِحَيثُ لا يُظَنُّ به زِيَادَةُ ما لَمْ يَسْمَعْهُ، أو نِسْيانُ مَا سَمِعَهُ لِقِلَّةِ ضَبطِهِ وَكثرَةِ غَلَطِهِ، (و) إلا فـ (ما لِذِي) بِكَسرِ اللاَّمِ وذَالٍ مُعجَمَةٍ، أي: صَاحِبِ خَوفٍ مِن تَطَرُّقِ (تُهمَةٍ) إليه بذلك (أَن يَفْعَلَهُ) سَوَاءٌ رَوَاهُ كذلك ابتِدَاءً حيثُ عَلِمَ مِن رِوَايَتِهِ له أيضاً بعدُ أو مِن غَيرِها أنَّهُ عِنده بأَزيَدَ، أو بعدَ رِوَايَتِهِ له تَامّاً، بل وَاجِبٌ عليه أن يَنفِيَ هَذِه الظِّنَّةَ عَن نَفسِهِ، كمَا صرَّحَ به الخَطِيبُ وغيرُهُ.
وكذا قالَ الغَزَّالِي في (المُستَصْفَى) بعدَ اشتِرَاطِهِ في الجَوَازِ رِوَايَتَهُ مَرَّةً بِتَمَامِهِ: إنَّ شَرْطَهُ أَلا يَتَطَرَّقَ إليه سُوءُ الظَّنِّ بِالتُّهمَةِ، فإن عَلِمَ أنَّهُ يُتَّهَمُ باضْطِرَابِ النَّقلِ وَجَبَ الاحتِرَازُ عنهُ.
ومِمَّن أشَارَ لِوُجوبِ التَّحَرُّزِ لِلخَوفِ مِن إِسَاءَةِ الظَّنِّ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ، وعِبَارَتُهُ: إنَّ التَّحَرُّزَ مُتَأَكَّدٌ في حَقِّ العُلَمَاءِ ومَن يُقتَدَى بِه، فلا يَجُوزُ لَهُم أن يَفعَلُوا فِعلاً يُوجِبُ الظَّنَّ السُّوءَ بِهِم وإن كانَ لَهُم فيه مَخْلَصٌ؛ لأنَّ ذلك سَبَبٌ إلى إِبطَالِ الانتِفَاعِ بِعِلمِهِم. ولكن في كَلامِ البَيْهَقِيِّ والخَرَائِِِِِِِِِِِِِِطِيِّ مَا يَشهَدُ للاسْتِحْبَابِ، وهُو ظَاهِرٌ كما بَيَّنْتُهُ فِي مَوضِعٍ آخَرَ.
(فإِن) خَالَفَ (وأَبَى) إلا أَن يَرْوِيَهُ نَاقِصاً لِعَدَمِ وُجُوبِ ذَلِكَ عِندَهُ، (فجازَ) لهذا العُذرِ، كما صرَّحَ به سُليمٌ الرَّازِيُّ: إذا لَم يَكُنْ رَوَاهُ قَبلُ تَامّاً (ألا يُكْمِلَهُ) بعدَ ذلكَ، ويَكتُمَ الزِّيَادَةَ، وتَوَقَّفَ فيهِ العِزُّ بنُ جَمَاعَةَ؛ لأنَّ المَفسَدَةَ المُرَتَّبَةَ علَى الكَتْمِ وتَضيِيعِ الحُكْمِ أَشَدُّ مِن الاتِّهَامِ وما يَتَعَلَّقُ بِه، وأَشَدُّ المَفسَدَتَينِ يُتْرَكُ بِارْتِكَابِ الأخَفِّ إذا تَعَيَّنَ طَرِيقاً خُصُوصاً.
والزِّيَادَةُ غيرُ قَادِحَةٍ، وأَخَصُّ مِنه إذَا قُلْنَا: إنَّهَا مَقبُولَةٌ. وكيف يكونُ ذلك عُذْراً في شَيءٍ تَحَمَّلَهُ عَن النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إلا أن يُحْمَلَ العُذْرُ على أنَّهُ عُذْرٌ في التَّأخِيرِ لا في الإهْمَالِ، ويَتَطَرَّقُ إلى هذا أيضاً الكلامُ في وقتِ الحَاجَةِ باعتِبَارِ التَّأخِيرِ عَنهَا.
نَعَمْ قَيَّدَ ابنُ الصَّلاحِ المَنعَ مِن الاختِصَارِ مِمَّن هَذا حَالُهُ بِمَن تَعَيَّنَ عليه أَدَاءُ تَمَامِهِ فَإِنَّهُ قالَ: إنَّ مَن اتَّصَفَ بِتَطَرُّقِ الاتِّهَامِ إليه وكانَ قد تَعَيَّنَ عليه أَدَاءُ تَمَامِهِ لا يجُوزُ له أن يَروِيَهُ ابتِدَاءً نَاقِصاً؛ لأنَّهُ بذلك يُعَرِّضُ الزَّائِدَ لإخرَاجِهِ عن حَيِّزِ الاستِشهَادِ بهِ أو المُتَابَعَةِ ونحوِها.
ومِن الأدِلَّةِ لهذا القَولِ ما احتَجَّ به عَبدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيدٍ الحَافِظُ لِمُطلَقِ الجَوَازِ، وهو أنَّهُ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قامَ لَيلَةً بآيَةٍ يُرَدِّدُها حتَّى أَصبَحَ، وصلَّى صَلاةً ابتَدَأَ فِيهَا بِسُورَةٍ حتَّى إذا بَلَغَ ذِكرَ مُوسَى أو عِيسَى أَخَذَتْهُ سُعْلَةٌ فَرَكَعَ.
وإذَا كانَ سَيِّدُ الخَلقِ قَد فَعلَ هذا في سَيِّدِ الحَدِيثِ وهُوَ القُرآنُ، ففَصَلَ بعضَهُ مِن بَعضٍ؛ كانَ غيرُه بذلك أَولَى. ولكنَّا نقولُ على تَقدِيرِ تَسلِيمِ الاستِدْلالِ بهِ: العِلَّةُ في جَوَازِهِ في القُرآنِ، وهي حِفظُهُ في الصُّدُورِ، مَوجُودَةٌ والحَالَةُ هَذِهِ، حيثُ أَمِنَّا الإلبَاسَ مِن حَذفِ البَّاقِي.
ونَحوُهُ أنَّهُ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالَ لبِلالٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه: ((قد سَمِعْتُكَ يا بِلالُ وأنتَ تَقرَأُ مِن هذه السُّورَةِ، ومِن هذه السُّورَةِ)) قال: كَلامٌ طَيِّبٌ يَجمَعُهُ اللَّهُ تعَالَى بَعضَهُ إلى بَعضٍ. فصَوَّبَهُ النَّبِيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. رَوَاهُ أبو دَاوُدَ وغيرُه.
وكذا مِن أَدِلَّةِ الجَوَازِ -فيما قِيلَ- قَولُهُ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((نَضَّرَ اللَّهُ مَن سَمِعَ مَقَالَتِي فلَم يَزِدْ فِيهَا)) إذ لو لَم يَجُزِ النَّقْصُ لَذَكَرَهُ كمَا ذَكَرَ الزِّيَادَةَ، وأيضاً فعُمدَةُ الرِّوَايَةِ في التَّجويزِ هو الصِّدقُ، وعُمدَتُها في التَّحرِيمِ هو الكَذِبُ، وفي مثلِ ما ذكَرْنَاهُ الصِّدقُ حَاصِلٌ، فلا وَجهَ لِلمَنعِ. قالَهُ ابنُ دَقِيقِ العِيدِ قالَ: فإِن احتَاجَ ذلك إلى تَغييرٍ لا يُخِلُّ بِالمَعنَى فهُوَ خَارِجٌ على جَوَازِ الرِّوَايَةِ بالمَعنَى، وكُلُّ ما تَقَدَّمَ في الاقتِصَارِ على بعضِ الحَدِيثِ في الرِّوَايَةِ.
(أمَّا إذا قُطِّعَ) المَتنُ الوَاحِدُ المُشتَمِلُ على عِدَّةِ أَحكَامٍ، كَحَديثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ في الحَجِّ وَنَحوِه، (في الأبوابِ) المُتَفَرِّقَةِ بأَن يُورِدَ كُلَّ قِطعَةٍ مِنهُ في البابِ المعقُودِ لها، (فهو) كمَا قالَ ابنُ الصَّلاحِ ومَن تَابَعَهُ، يعني: إذا تَجَرَّدَ عَن العَوَارِضِ المُتَقَدِّمَةِ بِأَسرِهَا، (إلى الجَوَازِ) مِن الخِلافِ (ذُو اقتِرَابٍ)، ومِن المَنعِ ذو ابتِعَادٍ.
وصَرَّحَ الرَّشِيدُ العَطَّارُ بالخِلافِ فيه، وأنَّ المَنعَ ظَاهِرُ صَنِيعِ مُسْلِمٍ، فإنه لِكَونِهِ لم يَقْصِدْ ما قَصَدَهُ البُخَارِيُّ مِن استِنبَاطِ الأحكَامِ يُورِدُ الحديثَ بِتَمَامِهِ مِن غيرِ تَقطِيعٍ له ولا اختِصَارٍ إذا لَم يَقُلْ فيه. مثلَ حدِيث فلانٍ أو نَحوَهُ.
ولَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ: إنَّهُ يَبْعُدُ طَردُ الخِلافِ فيهِ، وقد فَعَلَهُ مِن الأَئِمَّةِ أَحمَدُ والبُخَارِيُّ وأبُو دَاوُدَ والنِّسَائِيُّ وغيرُهم قَديماً وحَدِيثاً، بل ومُسلِمٌ أَيضاً كما قَدَّمْتُهُ، وإن اقتَضَى كَلامُ الرَّشِيدِ خِلافَهُ، ونُسِبَ أيضاً للإمَامِ مَالِكٍ معَ تَصرِيحِهِ كما تَقَدَّمَ بِالمَنعِ منهُ فِي حَدِيثِ الرَّسولِ، إلا أن يُفَرِّقَ بينَ الرِّوَايَةِ والتَّألِيفِ.
وكذا حكَى الخَلالُ عن أَحمَدَ أنَّهُ يَنبَغِي ألا يَفعَلَ. ونحوُه قولُ ابنِ الصَّلاحِ: إنَّهُ لا يَخْلُو مِن كَرَاهَةٍ. يعنِي: فإنَّهُ إِخرَاجٌ لِلحَدِيثِ المَروِيِّ عَن الكَيفِيَّةِ المَخصُوصَةِ التي أُورِدَ عَلَيهَا. لكنْ قد نَازَعَهُ النَّوَوِيُّ فقالَ: ما أَظُنُّ غيرَهُ يُوافِقُهُ على ذلك، بل بَالَغَ الحَافِظُ عَبدُ الغَنِيِّ بنُ سَعِيدٍ وكَادَ أن يَجعَلَهُ مُستَحَبّاً.
قُلتُ: لا سِيَّمَا إذْا كانَ المَعنَى المُستَنبَطُ مِن تِلكَ القِطعَةِ يَدِقُّ، فإنَّ إِيرَادَهُ والحالَةُ هذه بِتَمَامِهِ يَقتَضِي مَزِيدَ تَعَبٍ في استِخْلاصِهِ مِنه، بِخِلافِ الاقتِصَارِ علَى مَحِلِّ الاستِشْهَادِ، ففِيه تَخفِيفٌ كمَا أشارَ إليه أبُو دَاوُدَ.
والتَّحقِيقُ كما أشارَ إليه ابنُ دَقِيقِ العِيدِ في (شَرحِ الإلمَامِ) التَّفصِيلُ، فإن قَطَعَ بأنَّهُ لا يُخِلُّ المَحذُوفُ بالبَاقِي فلا كَرَاهَةَ، وإن نَزَلَ عَن هذه المَرتَبَةِ تَرَتَّبَت الكَرَاهَةُ بِحَسَبِ مَرَاتِبِه في ظُهُورِ ارتِبَاطِ بعضِه بِبَعضٍ وخَفَائِهِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الاقتصارُ, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir