دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب النكاح

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 محرم 1430هـ/17-01-2009م, 10:05 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الحث على الزواج والنهي عن التبتل


عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ لنا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُلَهُ وِجَاءٌ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
وعنْ أَنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليهِ وقالَ: ((لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ. فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
وعنهُ قالَ: كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، ويَنْهَى عن التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَديدًا، ويَقولُ: ((تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). رواهُ أحمدُ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ.
ولهُ شاهِدٌ عندَ أبي داودَ والنَّسائيِّ وابنِ حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ حديثِ مَعْقِلِ بنِ يَسارٍ.

  #2  
قديم 21 محرم 1430هـ/17-01-2009م, 03:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


1/912 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(عَن ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ): بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزَةِ وَالْمَدِّ، (فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ): بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْجِيمِ وَالْمَدِّ، (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَقَعَ الْخِطَابُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلشَّبَابِ؛ لأَنَّهُمْ مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ لِلنِّسَاءِ. وقدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ، وَالأَصَحُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجِمَاعُ، فَتَقْدِيرُهُ: مَنْ أَرَادَ مِنْكُم الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤْنَةِ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِع الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤْنَتِهِ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ، وَيَقْطَعَ شَرَّ مَائِهِ كَمَا يَقْطَعُهُ الْوِجَاءُ.
وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ مُدْرَجاً تَفْسِيرُ الْوِجَاءِ بِأَنَّهُ الإِخْصَاءُ، وَقِيلَ: الْوِجَاءُ: رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالإِخْصَاءُ: سَلُّهُمَا، وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّوْمَ كَالْوِجَاءِ.
وَالأَمْرُ بِالتَّزَوُّجِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَحْصِيلِ مُؤَنِهِ، وَإِلَى الْوُجُوبِ ذَهَبَ دَاوُدُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إِنْ وَجَدَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِن الصَّوْمِ، وَقَالَ: إنَّهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِن السَّلَفِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ الأَمْرَ لِلنَّدْبِ؛ مُسْتَدِلِّينَ بِأَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَ بَيْنَ التَّزَوُّجِ وَالتَّسَرِّي بِقَوْلِهِ: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
وَالتَّسَرِّي لا يَجِبُ إجْمَاعاً، فَكَذَلِكَ النِّكَاحُ؛ لأَنَّهُ لا يُخَيَّيرُ بَيْنَ الوَاجِبِ وَغَيْرِ الوَاجِبِ، إِلاَّ أَنَّ دَعْوَى الإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لِخِلافِ دَاوُدَ وَابْنِ حَزْمٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ مِن الْفُقَهَاءِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ عَلَى مَنْ خَافَ الْعَنَتَ، وَقَدَرَ عَلَى النِّكَاحِ، وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي. وَكَذَا حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ لا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا إلاَّ بِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيُكْرَهُ، وَيُنْدَبُ لَهُ، وَيُبَاحُ.
فَيَحْرُمُ على مَنْ يُخِلُّ بِالزَّوْجَةِ فِي الْوَطْءِ وَالإِنْفَاقِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ، وَتَوَقَانِهِ إلَيْهِ، وَيُكْرَهُ فِي حَقِّ مِثْلِ هَذَا؛ حَيْثُ لا إضْرَارَ بِالزَّوْجَةِ، وَالإِبَاحَةُ فِيمَا إذَا انْتَفَت الدَّوَاعِي وَالْمَوَانِعُ، وَيُنْدَبُ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ يُرْجَى مِنْهُ النَّسْلُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْوَطْءِ شَهْوَةٌ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ))؛ وَلِظَوَاهِرِ الْحَثِّ عَلَى النِّكَاحِ وَالأَمْرِ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: ((فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ)) إغْرَاءٌ بِلُزُومِ الصَّوْمِ، وَضَمِيرُ " عَلَيْهِ " يَعُودُ إلَى "مَنْ"، فهُوَ مُخَاطَبٌ فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا جُعِلَ الصَّوْمُ وِجَاءً؛ لأَنَّهُ بِتَقْلِيلِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ انْكِسَارٌ عَن الشَّهْوَةِ، وَلِسِرٍّ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّوْمِ، فَلا يَنْفَعُ تَقْلِيلُ الطَّعَامِ وَحْدَهُ مِنْ دُونِ صَوْمٍ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ التَّدَاوِي لِقَطْعِ الشَّهْوَةِ بِالأَدْوِيَةِ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. وَلَكِنْ يُحْمَلُ عَلَى دَوَاءٍ يُسَكِّنُ الشَّهْوَةَ وَلا يَقْطَعُهَا بِالأَصَالَةِ؛ لأَنَّهُ قَدْ يَقْوَى عَلَى وِجْدَانِ مُؤَنِ النِّكَاحِ، بَلْ قَدْ وَعَدَ اللَّهُ مَنْ يَسْتَعِفُّ أَنْ يُغْنِيَهُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ؛ لأَنَّهُ جَعَلَ الإِغْنَاءَ غَايَةَ الاسْتِعْفَافِ، وَلأَنَّهُم اتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِ الْجَبِّ وَالإِخْصَاءِ، فَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ. وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى تَحْصِيلِ مَا يُغَضُّ بِهِ الْبَصَرُ، وَيُحْصَنُ الْفَرْجُ. وَفِيهِ أَنَّهُ لا يَتَكَلَّفُ لِلنِّكَاحِ بِغَيْرِ الْمُمْكِنِ؛ كَالاسْتِدَانَةِ.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقَرَاقِيُّ عَلَى أَنَّ التَّشْرِيكَ فِي الْعِبَادَةِ لا يَضُرُّ بِخِلافِ الرِّيَاءِ، لَكِنَّهُ يُقَالُ: إنْ كَانَ الْمُشَرَّكُ عِبَادَةً كَالْمُشَرَّكِ فِيهِ فَلا يَضُرُّ؛ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالصَّوْمِ تَحْصِينُ الْفَرْجِ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَأَمَّا تَشْرِيكُ الْمُبَاحِ كَمَا لَوْ دَخَلَ إلَى الصَّلاةِ لِتَرْكِ خِطَابِ مَنْ يَحِلُّ خِطَابُهُ فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ، يَحْتَمِلُ الْقِيَاسَ عَلَى مَا ذُكِرَ، وَيَحْتَمِلُ عَدَمَ صِحَّةِ الْقِيَاسِ. نَعَمْ، إِنْ دَخَلَ فِي الصَّلاةِ لِتَرْكِ الْخَوْضِ فِي الْبَاطِلِ أَو الْغِيبَةِ وَسَمَاعِهَا كَانَ مَقْصِداً صَحِيحاً.
وَاسْتَدَلَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الاسْتِمْنَاءِ؛ لأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُبَاحاً لأَرْشَدَ إلَيْهِ؛ لأَنَّهُ أَسْهَلُ، وَقَدْ أَبَاحَ الاسْتِمْنَاءَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ.
2/913 - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: ((لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
وَلِلْحَدِيثِ سَبَبٌ، وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ أَنَسٌ: جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا، كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ. فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَداً، وَقَالَ آخَرُ: وَأَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: وَأَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ.
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: ((أَنْتُمْ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي...)) الْحَدِيثَ.
وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ هُوَ الاقْتِصَادُ فِي الْعِبَادَاتِ دُونَ الانْهِمَاكِ وَالإِضْرَارِ بِالنَّفْسِ وَهَجْرِ الْمَأْلُوفَاتِ كُلِّهَا، وَأَنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ شَرِيعَتُهَا عَلَى الاقْتِصَادِ وَالتَّسْهِيلِ وَالتَّيْسِيرِ وَعَدَمِ التَّعْسِيرِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: فِي الْحَدِيثِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ مَنَعَ اسْتِعْمَالَ الْحَلالِ مِن الطَّيِّبَاتِ مَأْكَلاً وَمَلْبَساً.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إلَى مَا قَالَهُ الطَّبَرِيُّ، وَمِنْهُمْ مِنْ عَكَسَ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}، قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ الآيَةَ فِي الْكُفَّارِ.
وَقَدْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالأَمْرَيْنِ، وَالأَوْلَى التَّوَسُّطُ فِي الأُمُورِ، وَعَدَمُ الإِفْرَاطِ فِي مُلازَمَةِ الطَّيِّبَاتِ؛ فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى التَّرَفُّهِ وَالْبَطَرِ، وَلا يَأْمَنُ مِن الْوُقُوعِ فِي الشُّبُهَاتِ؛ فَإِنَّ مَن اعْتَادَ ذَلِكَ قَدْ لا يَجِدُهُ أَحْيَاناً، فَلا يَسْتَطِيعُ الصَّبْرَ عَنْهُ، فَيَقَعُ فِي الْمَحْظُورِ، كَمَا أَنَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ تَنَاوُلِ ذَلِكَ أَحْيَاناً قَدْ يُفْضِي بِهِ إلَى التَّنَطُّعِ، وَهُوَ التَّكَلُّفُ الْمُؤَدِّي إلَى الْخُرُوجِ عَن السُّنَّةِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِ صَرِيحُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}.
كَمَا أَنَّ الأَخْذَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْعِبَادَةِ يُؤَدِّي إلَى الْمَلَلِ الْقَاطِعِ لأَصْلِهَا، وَمُلازَمَةِ الاقْتِصَارِ عَلَى الْفَرَائِضِ مَثَلاً، وَتَرْكُ النَّفْلِ يُفْضِي إلَى الْبَطَالَةِ وَعَدَمِ النَّشَاطِ إلَى الْعِبَادَةِ، وَخِيَارُ الأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: ((فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي)) عَنْ طَرِيقَتِي ((فَلَيْسَ مِنِّي))؛ أيْ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَنيفِيَّةِ السَّهْلَةِ، بَل الَّذِي يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِيَقْوَى عَلَى الصَّوْمِ، وَيَنَامَ لِيَقْوَى عَلَى الْقِيَامِ، وَيَنْكِحَ النِّسَاءَ؛ لِيُعِفَّ نَظَرَهُ وَفَرْجَهُ.
وَقِيلَ: إنْ أَرَادَ مَنْ خَالَفَ هَدْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَطَرِيقَتَهُ أَنَّ الَّذِي أَتَى بِهِ مِن الْعِبَادَةِ أَرْجَحُ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعْنَى: ((لَيْسَ مِنِّي))؛ أيْ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِي؛ لأَنَّ اعْتِقَادَ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ.


3/914 - وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَن التَّبَتُّلِ نَهْياً شَدِيداً، وَيَقُولُ: ((تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ.
(وَعَنْهُ)؛ أيْ: عَنْ أَنَسٍ، (قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَن التَّبَتُّلِ نَهْياً شَدِيداً، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنِ حِبَّانَ أَيْضاً مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ).
التَّبَتُّلُ: الانْقِطَاعُ عَن النِّسَاءِ وَتَرْكُ النِّكَاحِ انْقِطَاعاً إلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَأَصْلُ الْتبتُّلِ: الْقَطْعُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِمَرْيَمَ عليها السلامُ: الْبَتُولُ، وَلِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ: الْبَتُولُ؛ لانْقِطَاعِهِمَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانَيْهِمَا دِيناً وَفَضْلاً وَرَغْبَةً فِي الآخِرَةِ.
وَالْمَرْأَةُ الْوَلُودُ: كَثِيرَةُ الْوِلادَةِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي الْبِكْرِ بِحَالِ قَرَابَتِهَا، وَالْوَدُودُ: الْمَحْبُوبَةُ بِكَثْرَةِ مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَالتَّحَبُّبِ إلَى زَوْجِهَا.
وَالْمُكَاثَرَةُ: الْمُفَاخَرَةُ، وَفِيهِ جَوَازُهَا فِي الدَّارِ الآخِرَةِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أُمَّتُهُ أَكْثَرُ فَثَوَابُهُ أَكْثَرُ؛ لأَنَّ لَهُ مِثْلَ أَجْرِ مَنْ تَبِعَهُ.

  #3  
قديم 21 محرم 1430هـ/17-01-2009م, 03:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


836- عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعودٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحَدِيثِ:
- مَعْشَرَ: المَعْشَرُ: هم الجَماعَةُ الذينَ أَمْرُهُم وَاحِدٌ، مُخْتَلِطِينَ كانوا أو غَيْرَ مُخْتَلِطِينَ؛ كالشبابِ، والشُّيُوخِ، وهو جَمْعٌ لا وَاحِدَ له من لَفْظِه، ويُجْمَعُ على مَعَاشِرَ.
- الشَّبَابِ: جَمْعُ شَابٍّ, ويُجْمَعُ علَى شُبَّانٍ بضَمِّ أَوَّلِه وتَشْدِيدِ الباءِ.
قالَ الأزْهَرِيُّ: إنه لم يُجْمَعْ فَاعِلٌ على فُعْلانٍ غَيْرُه، وأصلُ المَادَّةِ: الحَرَكَةُ والنَّشَاطُ, وهو مِن البُلوغِ إلى بُلوغِ الأَرْبَعِينَ، هذا أَحْسَنُ تَحْديدٍ له، وإنَّما خَصَّ الشبابَ بالخطابِ؛ لأنَّ الغَالِبَ وُجُودُ قُوَّةِ الدَّاعِي فيهم إلى الجِماعِ، بخِلافِ الشُّيُوخِ.
- مَنِ اسْتَطَاعَ: قالَ القُرْطُبِيُّ: الاسْتِطَاعَةُ هنا عِبَارَةٌ عن وُجودِ ما به يَتَزَوَّجُ، ولم يُرِدِ القُدْرَةَ علَى الوَطْءِ.
- البَاءَةَ: فيهِ أَرْبَعُ لُغاتٍ، والمَشْهورُ منها هو المَدُّ وتاءُ التأنيثِ، والمعنى اللُّغويُّ للبَاءَةِ: هو الجِماعُ، ولكنَّ المُرادَ هنا مُؤَنُ النِّكَاحِ مِن المَهْرِ والنَّفَقَةِ.
- والمعنى: مَن اسْتطَاعَ منكم أسبابَ الجِماعِ ومُؤَنَهُ فَلْيَتَزَوَّجْ.
- فَإِنَّهُ: أي: التَّزَوُّجُ, ويَدُلُّ عليه ((فَلْيَتَزَوَّجْ)).
- أَغَضُّ: بالغَيْنِ والضادِ المُعْجَمَتَيْنِ, يُقالُ: غَضَّ طَرْفَه يَغُضُّ غَضًّا: خَفَضَهُ وكَفَّهُ ومَنَعَه مِمَّا لا يَحِلُّ له رُؤيَتُه، والمعنى: أَنَّه أَدْعَى إلى خَفْضِ البَصَرِ، وأدْفَعُ لعَيْنِ المُتَزَوِّجِ عن النَّظَرِ المُحَرَّمِ.
- أَحْصَنُ: يُقالُ: حَصُنَ المَكانُ حَصَانَةً: مَنُعَ، فهو حَصِينٌ، وأَحْصَنَ الزَّواجُ الرجُلَ: عَصَمَه، وأحْصَنَ البَعْلُ زَوْجَتَه، عَصَمَها، والمعنى: أنَّه أَدْعَى إلى إِحْصانِ الفَرْجِ.
- فعليه بالصَّوْمِ: قيلَ إنه إغراءٌ لغَائِبٍ، وسَهَّلَ ذلك فيه أنَّ المُغْرَى به تَقَدَّمَ ذِكْرُه، وقيلَ: إنَّ البَاءَةَ(1) زَائِدَةٌ، فيكونُ بمعنى الخَبَرِ.
- الوِجَاءُ: يُقالُ: وَجَأَهُ يَجَؤُهُ وَجْئاً، ضَرَبَه بالسِّكِّينِ في أيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، والاسمُ الوِجَاءُ، بكَسْرِ الوَاوِ والمَدِّ، وهو رَضُّ الخِصْيَتَيْنِ، وقيلَ: رَضُّ العِرْقِ والخِصْيَتانِ بَاقِيَتانِ بحَالِهِما؛ لتَذْهَبَ بذلك شَهْوَةُ الجِماعِ، وكذلك الصَّوْمُ؛ فإنَّه مُضَعِّفٌ للشَّهْوَةِ، أي:إنَّ الصَّوْمَ حِمايَةٌ ووِقَايَةٌ مِن شُرورِ الشَّهْوَةِ.
* مَا يُؤْخَذُ مِن الحَدِيثِ:
1- العِفَّةُ وَاجِبَةٌ، وضِدَّها مُحَرَّمٌ، وهي تأتي من شِدَّةِ الشَّهْوَةِ مَعَ ضَعْفِ الإيمانِ، والشَّبَابُ أشَدُّ شَهْوَةً مِن الشُّيوخِ؛ ولذا أَرْشَدَهم صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إلى طَريقِ العِفَّةِ، وذلك أنَّ مَن يَجِدْ مُؤَنَةَ النِّكاحِ مِن المَهْرِ والنَّفَقَةِ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فعليهِ بالصَّوْمِ، فإنَّ لَهُ أَجْراً، ويَقِيهِ عن الوُقوعِ في المَعْصِيَةِ، حَيْثُ يَقْمَعُ شَهْوَةَ الجِمَاعِ ويُضْعِفُها، وذلك بتَرْكِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ، فكانَ الصومُ وِجاءً له عن شِدَّةِ الشَّهْوةِ.
2- قالَ شَيْخُ الإسلامِ: اسْتِطَاعَةُ النِّكاحِ هي القُدْرَةُ على المُؤْنَةِ، وليسَ هو القُدْرَةَ على الوَطْءِ، فإنَّ الخِطَابَ إِنَّما جَاءَ للقَادِرِ على الوَطْءِ؛ ولذا قالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)).
3- مِن المعنى الذي خُوطِبَ لأجْلِه الشبابُ يَكُونُ الأَمْرُ بالنِّكَاحِ لكُلِّ مُسْتَطِيعٍ لمُؤْنَتِه، وقدْ غَلَبَتْهُ الشَّهْوَةُ مِن الكُهولِ والشُّيوخِ، ولكنْ خَصَّ الشبابَ لِمَا لَدَيْهِم مِن الدَّافِعِ في هذهِ الناحيةِ.
4- التعليلُ بأنه أغَضُّ للبَصَرِ وأحْصَنُ للفَرْجِ، دَلِيلٌ علَى وُجوبِ غَضِّ البَصَرِ وإِحْصانِ الفَرْجِ، وتَحْرِيمِ النَّظَرِ وعَدَمِ إحصانِالفَرْجِ، وهو أَمْرٌ مُجْمَعٌ عليهِ، قالَ تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] وقالَ تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون: 5].
5- قالَ شَيْخُ الإِسْلامِ: مَن لاَ مَالَ لَهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْتَرِضَ؟
فيه نِزَاعٌ في مَذْهَبِ أحمدَ وغيرِه، وقدْ قَالَ تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33].
6- قالَ الشيخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ السِّعْدِيُّ: النِّكَاحُ مِن نِعَمِ اللهِ العَظِيمَةِ، حَيْثُ شَرَعَه لعبادِه، وجَعَلَه وَسِيلَةً وطَرِيقاً إلى مصالِحَ ومَنَافِعَ لا تُحْصَرُ, ورَتَّبَ عليهِ مِن الأحكامِ الشَّرْعِيَّةِ والحُقوقِ الداخِلِيَّةِ والخارِجِيَّةِ أشياءَ كَثِيرَةً، وجَعَلَه مِن سُنَنِ المُرْسَلِينَ.
7- وقالَ الأُستاذُ طبارةُ: الزَّواجُ فِي الإسلامِ يَخْتَلِفُ عن القوانينِ الوَضْعِيَّةِ التي تُجَرِّدُه مِن الصِّفَةِ الدِّينيَّةِ، بينَما الشَّريعَةُ الإسلامِيَّةُ تَعْتَبِرُ الزواجَ مِن المسائِلِ الدِّينِيَّةِ، على معنى أنه اسْتَمَدَّ قَوَاعِدَه من الدِّينِ لا على أنه لا بُدَّ من حُضورِ رِجالِ الدِّينِ وإِقَامَةِ المَرَاسِمِ الدِّينِيَّةِ، وإنما هو عَقْدٌ وعَهْدٌ بينَ الرجُلِ والمَرْأَةِ، يَعْتَمِدُ على الإيجابِ والقَبُولِ، وتَوْثِيقِهِ بالشاهِدَيْنِ وشُهْرَتِه وإعلانِه؛ لِيُخَالِفَ السِّفَاحَ.
8- أنه يَنْبَغِي للوَاعِظِ والمُرْشِدِ والخَطِيبِ وكُلِّ دَاعِيَةٍ أنْ يُوَجِّهَ المُخاطَبِينَ إلى الحالِ التي تَنْفَعُهم، وتُناسِبُ حَالَ وَضْعِهم الذي هم فيه.
9- وفيهِ رَحْمَةُ اللهِ تعالى بخَلْقِه وعنايتُه بهم بإبعادِهم عن كلِّ شَرٍّ ومَحْظُورٍ، وأنَّه إذا حَرَّمَ عليهم شَيْئاً فَتَحَ لهم باباً مُباحاً يُغْنِيهم ويَكْفِيهِم عنه.
10- وفيهِ دَرْءُ المَفاسِدِ بقَدْرِ المُسْتَطاعِ، وبما يُمْكِنُ وَقْفُها به، فإنَّه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حَضَّهم على الزواجِ، ومن لم يَجِدْ دَلَّه على طريقٍ أُخْرَى.
11- يُفْهَمُ من الحديثِ وُجوبُ المَهْرِ ونَفَقَةِ الزَّوْجَةِ على الزوجِ، فإنَّه المُخاطَبُ بذلك.
12- في الحديثِ وُجوبُ دَرْءِ الأخطارِ، ومُحاوَلَةُ دَفْعِها من الطريقِ التي يُخافُ أَنْ تَأْتِيَ منها، فإنَّ الفَسادَ يُخْشَى أنْ يَأْتِيَ مِن الشَّبَابِ الذينَ لَدَيْهِم دَوافِعُه، فالنبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عُنِيَ بهم في هذه الناحِيَةِ.
فكلُّ مُصْلِحٍ يَنْبَغِي له أَنْ يَتَفَقَّدَ أَمْكِنَةَ الخَطَرِ والثُّغُورَ التي يُخْشَى أنْ يَأْتِيَ منها.
13- الأَمْرُ بالنِّكَاحِ لمَن اسْتَطاعَهُ، وتَاقَتْ إِليهِ نَفْسُه، ولم يَخَفِ الفِتْنَةَ، هو علَى سبيلِ النَّدْبِ عندَ جُمهورِ العُلماءِ؛ لقولِهِ تعالى:َانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ..} إلى قولِه تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] فَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ وَاجِباً لَمَا خَيَّرَهُ بينَ النِّكَاحِ والتَّسَرِّي، ومِمَّن أَوْجَبَه دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ، وروايةٌ عن الإمامِ أَحْمَدَ؛ للأمْرِ به هنا.

837- وعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حَمِدَ اللَّهَ، وأثْنَى عليهِ، وقالَ: ((لَكِنِّي أَنَا أُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفرداتُ الحَديثِ:
- لَكِنِّي: اسْتِدْرَاكٌ عَمَّا قَبْلَه، حَذَفَه المُؤَلِّفُ للاختصارِ.
- فَمَنْ رَغِبَ: الرَّغْبَةُ عن الشيءِ الإعراضُ عنه إلى غَيْرِه، والمرادُ: مَن تَرَكَ طَرِيقَتِي وأخَذَ طريقَةَ غيري، فليسَ منِّي، ولمحَ بذلك إلى طريقِ الرَّهْبَانِيَّةِ الذينَ ابْتَدَعُوا التشديدَ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحديثِ:
1- تَمامُ الحديثِ وفيه بيانُ سَبَبِه كما ذَكَرَه البُخارِيُّ في صَحِيحِه، أنه جَاءَ ثلاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيوتِ أَزْواجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَسْأَلُونَ عن عِبادَةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فلَمَّا أُخْبِرُوا، كأنهم تَقالُّوْها، فقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؟ قدْ غَفَرَ اللهُ له ما تَقَدَّمَ من ذَنْبِه وما تَأَخَّرَ. قالَ أحَدُهم: أمَّا أنا فأُصَلِّي الليلَ أَبَداً. وقالَ آخَرُ: أنا أَصُومُ الدَّهْرَ ولا أُفْطِرُ. وقالَ آخَرُ: أنا أَعْتَزِلُ النِّساءَ فلا أَتَزَوَّجُ أبداً، فجاءَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: ((أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي أَخْشَاكُمْ للَّهِ، وأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ.. إلخ)).
2- بُنِيَتْ هذهِ الشريعةُ الساميةُ على السماحِ واليُسْرِ، وإرضاءِ النُّفوسِ والغرائِزِ بطَيِّباتِ الحَياةِ المُباحَةِ، وكَرِهَتِ العَنَتَ والشِّدَّةَ، وحِرْمانَ النَّفْسِ مِمَّا أبَاحَ اللهُ تعالى.
3- أنَّ الخَيْرَ والبَرَكَةَ في الاقتداءِ، واتِّباعِ أحوالِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فهو الخَيْرُ والبَرَكَةُ، وهي العَدْلُ والوَسَطُ في الأُمورِ.
4- أنَّ أَخْذَ النَّفْسِ بالعَنَتِ والمَشَقَّةِ والحرمانِ ليسَ مِن الدِّينِ في شَيْءٍ، بل هو مِن سُنَنِ المُبْتَدِعِينَ المخالِفِينَ لسُنَّةِ سَيِّدِ المُرْسَلينَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
5- أنَّ تَرْكَ لذائِذِ الحياةِ المُباحَةِ زَهَادَةً وعِبَادَةً خُروجٌ عن السُّنَّةِ المُطَهَّرَةِ، واتِّباعٌ لغَيْرِ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ.
6- في مِثْلِ هذا الحديثِ الشريفِ بيانُ أنَّ الإسلامَ لَيْسَ دِينَ رَهْبَانِيَّةٍ وحِرْمانٍ، وإنما هو الدِّينُ الذي جاءَ لإصلاحِ الدِّينِ والدنيا، وأنه أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّه، فلِلَّهِ تعالى حَقَّه من العِبادَةِ، وللبَدَنِ حَقَّه من طَيِّباتِ الحَيَاةِ، وللنَّفْسِ حَقَّها من الراحَةِ.
7- اللهُ جَلَّتْ حِكْمَتُه هو الذي رَكَّبَ في الإنسانِ الغَرَائِزَ والمَطَالِبَ، فأَشْبَعَ تلك الغَرَائِزَ بمَطالِبِها المُباحَةِ، ولم يَكْبَحْها ويَحْرِمْها مِمَّا طُبِعَتْ عليه؛ لأنَّ في هذه المُتَنَفَّساتِ المُباحةِ عِمَارَةَ الكونِ، وبقاءَ النوعِ، وصلاحَ الأُمورِ.
8- السُّنَّةُ هي الطريقةُ، ولا يَلْزَمُ من الرغبةِ عن السُّنَّةِ بهذا المعنى الخُروجُ مِن المِلَّةِ، لمَن كانَتْ رَغْبَتُه عنها لنَوْعٍ من التأويلِ، يُعْذَرُ فيه صاحِبُه.
9- الرَّغْبَةُ عن الشَّيْءِ معناهُ الإعراضُ عنه، والممنوعُ أنْ يَكُونَ تَرْكُ ذلك إِمْعاناً في العِبَادَةِ واعتقاداً لتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللهُ تعالى.
10- قالَ شَيْخُ الإسلامِ: الإعراضُ عن الأهْلِ والأولادِ ليسَمما يُحِبُّه اللهُ ورسولُه، وليسَ هو مِن دِينِ الأنبياءِ والرسُلِ، فقدْ قَالَ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رَسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].
11- قالَ الوَزِيرُ: اتَّفَقُوا على أنَّ مَن تَاقَتْ نَفْسُه إلى النِّكاحِ، وخَافَ العَنَتَ، فإنَّه يَتَأَكَّدُ في حَقِّه، ويَكُونُ أَفْضَلَ مِن حَجٍّ وصَلاةٍ وصَوْمٍ وتَطَوُّعٍ.
وقالَ الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَجِبُ النِّكاحُ علَى مَن خَافَ عَلَى نَفْسِه العَنَتَ مِن قَوْلِ عَامَّةِ الفُقَهاءِ، إذا قَدَرَ على المَهْرِ.


838- وعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُ ـ قالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَأْمُرُنَا بالبَاءَةِ، ويَنْهَى عن التَّبَتُّلِ نَهْياً شَدِيداً، ويَقولُ: ((تَزَوَّجُوا الوَلُودَ الوَدُودَ؛ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)). رواهُ أَحْمَدُ، وصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وله شَاهِدٌ عندَ أبي دَاوُدَ، والنَّسائِيِّ، وابنِ حِبَّانَ أيضاً، من حديثِ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرَجَةُ الحَدِيثِ:
الحَدِيثُ صَحِيحٌ:
أخْرَجَه ابنُ حِبَّانَ، وأحمدُ، والطَّبَرانِيُّ وسَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ، والبَيْهَقِيُّ، من طَريقِ خَلَفِ بنِ خَلِيفَةَ، عن حَفْصٍ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَأْمُرُ بالباءَةِ ويَنْهَى عن التَّبَتُّلِ نَهْياً شَدِيداً). وللحديثِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ هو بها صَحِيحٌ، كما قالَ الألبانِيُّ.
وقالَ الهَيْثَمِيُّ: إسنادُه حَسَنٌ.
ومن شَوَاهِدِه حَدِيثُ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ، صَحَّحَه الحاكِمُ، ووافَقَه الذَّهَبِيُّ، ومنها حديثُ ابنِ عُمَرَ عندَ الخطيبِ في تاريخِه، وسَنَدُه جَيِّدٌ، وصَحَّحَهُ السُّيُوطِيُّ في (الجامِعِ الكَبِيرِ).
* مُفْرَدَاتُ الحَدِيثِ:
- التَّبَتُّلُ: بَتَلَ بَتْلاً من بَابِ قَتَلَ، قَطَعَه وأبانَه.
فالبَتْلُ أَصْلُه الانقطاعُ، والمرادُ به الانقطاعُ عن الزواجِ، وعَمَّا أبَاحَ اللهُ تعالى من الطَّيِّبَاتِ تَعَبُّداً وإقبالاً على الطَّاعَةِ، وامْرَأَةٌ بَتُولٌ: مُنْقَطِعَةٌ عَن الرجالِ فَلاَ شَهْوَةَ لَهَا فِيهِم.
- الوَلُودُ: كَثِيرَةُ الوِلادَةِ، فإذا لم يَتَقَدَّمْ لها زَواجٌ، فيُعْرَفُ ذلك منها بقَرِيباتِها من أُمٍّ وجَدَّاتٍ، وخالاتٍ وأَخَواتٍ، ونحوِ ذلك.
- مُكَاثِرٌ: التَّكَاثُرُ هو التباهِي والتفاخُرُ بكَثْرَةِ الأَتْبَاعِ.
* ما يُؤْخَذُ مِن الحَدِيثِ:
1- الشَّارِعُ الحَكِيمُ يَأْمُرُ بالزَّوَاجِ؛ لِمَا فيهِ مِن المصالِحِ الكَبِيرَةِ، والمَنَافِعِ الكثيرةِ، والأمرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ، وإنما العلماءُ قالوا: إنْ كَانَ يَخْشَى على نَفْسِه الوُقُوعَ في الفاحِشَةِ فيَجِبُ عليهِ النِّكَاحُ، حِفْظاً لفَرْجِه، وغَضًّا لبَصَرِه، وإنْ كَانَ لا يَخْشَى فيُسْتَحَبُّ في حَقِّه، بل هو أَفْضَلُ من نَوافِلِ العِبَادَاتِ؛ لِمَا يُحَقِّقُ من المَصالِحِ الكَبِيرَةِ الكَثِيرَةِ.
2- التَّبَتُّلُ والانْقِطَاعُ عن النساءِ، وتَرْكُ النِّكاحِ انقطاعاً إلى العبادةِ مَنْهِيٌّ عنه، والنهْيُ يَقْتَضِي التحريمَ، لا سِيَّما والنهْيُ في هذا شَدِيدٌ؛ لأنَّه مُخالِفٌ لسُنَنِ المُرْسَلِينَ، قالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] وفيهِ تَعْطيلٌ لإرادةِ اللهِ تعالى الكَوْنِيَّةِ من عِمارةِ هذا الكونِ.
3- الدِّينُ الإسلاميُّ دينُ السَّماحِ واليُسْرِ، فهو يَكْرَهُ التَّنَطُّعَ والتَّشَدُّدَ في الأُمورِ، ويَأْمُرُ بالتوسُّطِ والاعتدالِ فيها؛ ليُؤَدِّيَ الإنسانُ جَمِيعَ الأَعْمالِ المَطْلُوبَةِ منه، والتي أُعِدَّ للقيامِ بها.
وكانَ التَّبَتُّلُ من شَرِيعَةِ النَّصارَى، فنَهَى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُمَّتَه عنه؛ ليَكْثُرَ النَّسْلُ، ويَعْظُمَ سَوادُ المُسْلِمِينَ، ويَقُومَ الجِهادُ ويَدُومَ.
4- قالَ تعالى عَاتِباً على النَّصارَى غُلُوَّهم في العبادَةِ، وتَنَطُّعَهم في دينِهم: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد: 27] أي:إنَّها مُبْتَدَعَةٌ من قِبَلِ أَنْفُسِهم لمْ يَشْرَعْها اللهُ لهم، ولمْ يَأْمُرْهُم بها، بلْ سَارُوا عليها غُلُوًّا في العِبادَةِ، وحَمَّلُوا أنْفُسَهم المَشَقَّاتِ في الامتناعِ من المَطْعَمِ، والمَشْرَبِ، والمَنْكَحِ.
5- وفي الحديثِ الترغيبُ في نِكاحِ المَرْأَةِ الوَلودِ؛ ليَكْثُرَ نَسْلُ المُسْلِمِينَ، ويَعْظُمَ سَوادُهم، ويَكُونُوا قُوَّةً في وَجْهِ أعداءِ اللهِوعَدُوِّهم، ولِيُعَمِّرُوا الأرضَ، ويُخْرِجُوا خَيْرَاتِها، ويَبْحَثُوا عن كُنوزِها، فيُحَقِّقُوا مُرادَ اللهِ تعالى مِن عُمرانِها.
6- من فَوائِدِ كَثْرَةِ النَّسْلِ تَحْقِيقُ مُباهَاةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ومُكاثَرتِه بأُمَّتِه الأنبياءَ يَوْمَ القيامةِ فهي مَفْخَرَةٌ كَبِيرَةٌ، ومُباهَاةٌ عَظِيمَةٌ، فإنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى أنْجَحَ رِسَالَتَهُ، وأيَّدَ دَعْوَتَه، وأَظْهَرَه على الدِّينِ كُلِّه، فصَارَتْ أُمَّتُه أَكْثَرَ الأُمَمِ، وأفضلَ الأُمَمِ وخَيْرَ الأتْباعِ، قالَ تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] وقالَ تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 143] والوَسَطُ هُوَ الخِيارُ.
7- الدِّينُ الإسلاميُّ دِينُ حَرَكَةٍ وعَمَلٍ، ولَيْسَ دِينَ عُزْلَةٍ وانْقطاعٍ وبُعْدٍ عن مُعْتَرَكِ الحياةِ، على ألاَّ تَطْغَى أعمالُ الدنيا على أَعْمالِ الآخرةِ، وعلى أنْ تَكونَ أعمالُ الدنيا مَقْصوداً بها رِفْعَةُ الإسلامِ وعِزُّه والنَّفْعُ المُتَعَدِّي,فإنَّ الإسلامَ دِينٌ ودَوْلَةٌ، وليسَ يَقْتَصِرُ على العباداتِ، ثم إنَّ أعمالَ الدنيا وعَادَاتِها إذا قُصِدَ بها الإصلاحُ، والنَّفْعُ العامُّ أو الخاصُّ أَصْبَحَتْ عِبَادَاتٍ.
8- فيهِ دَلِيلٌ على أنَّ المُسارَعَةَ إلى فِعْلِ الخَيْرِ والتسابُقَ إليه والتنافُسَ فيه لا يُعَدُّ من الرِّياءِ المَذْمُومِ، ما دَامَ العَبْدُ يَقْصِدُ وَجْهَ اللهِ تعالى والدَّارَ الآخِرَةَ.
9- وفيهِ دَلِيلٌ على استحبابِ إيثارِ نَفْسِه بفِعْلِ الخيراتِ، ومحاولَةِ سَبْقِ أقرانِه في ذلك، قالَ تعالى: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:63] وقالَ تعالى:َابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الحديد: 21].
10- في الحديثِ حَثُّ العُلماءِ والدُّعاةِ إلى أنه يَنْبَغِي لهم أن يَسْتَكْثِرُوا من المُسْتفِيدِينَ من عِلْمِهم ودعوتِهم، وأَعْظِمْ بذلك فإنَّ هذا فَضْلٌ كَبِيرٌ، فقَدْ قَالَ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.
* نُبْذَةٌ عن تَحْدِيدِ النَّسْلِ:
ظَهَرَ في القَرْنِ الثَّامِنَ عَشَرَ الميلاديِّ عالِمٌ اقْتِصادِيٌّ إنجليزيٌّ اسْمُه مَالْتِس اشْتَهَرَ بنَظَرِيَّتِه في تَحْديدِ النَّسْلِ، خَشْيَةً مِن نُمُوِّ السُّكَّانِ, وزَيادَتُه تَزِيدُ بكَثِيرٍ على نِسْبَةِ زِيادَةِ المَوادِّ الغِذَائِيَّةِ، فيَحُلُّ بالعالَمِ مَجاعَةٌ، وأنَّ تَوازُنَ السُّكَّانِ معَ قَدْرِ مَا يُتَوَقَّعُ إنتاجُه مِن المَوادِّ الغِذَائِيَّةِ، أَمَانٌ مِن كَارِثَةِ المَجاعَةِ.
وما زَالَتْ هَذِهِ النَّظَرِيَّةُ تَتَّسِعُ وتَرُوجُ حتى أَخَذَ بها مَبْدَأً اقْتِصاديًّا كَثِيرٌ مِن الدُّولِ.
ثم إنَّ هذهِ النَّظَرِيَّةَ دَخَلَتْ علينا -نحنُ المُسْلِمِينَ- من أعداءِ الإسلامِ، الذينَ يَكِيدُونَ للإسلامِ، ويُرِيدُونَ أنْ يُقَلِّلُوا من عَدَدِه، ويُضْعِفُوا مِن كِيانِه، فَرَاقَتْ لكثيرٍ مِن أَتْبَاعِ الغَرْبِيِّينَ، فأخَذُوا بها مُعْجَبِينَ بآراءِ أَصْحَابِ العُقولِ القاصِرَةِ، والأنظارِ القَرِيبَةِ، ومُعْرِضِينَ عَمَّا جاءَ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، هو الذي خَلَقَ الخَلْقَ وتَكَفَّلَ برِزْقِهم، فقالَ تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا} [هود: 6] وقالَ تعالى: {وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا} [فصلت: 10] وقالَ تعالى عَاتِباً على الكُفَّارِ الجُفَاةِ الجَهَلَةِ: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء: 31].
والنصوصُ في هذا البابِ كَثِيرَةٌ.
وخَشْيَةً مِن وُقوعِ بَعْضِ البُسَطاءِ بهذهِ الفِكْرَةِ الضَّالَّةِ، فإنَّ مَجْلِسَ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلَماءِ أَصْدَرَ فيها قَرَاراً.
وكذلك أَصْدَرَ فيها مَجْلِسُ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ بمَكَّةَ التابِعِ لرَابِطَةِ العَالَمِ الإسلامِيِّ.
* قَرَارُ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلَمَاءِ بشَأْنِ تَحْدِيدِ النَّسْلِ:
رَقْمُ (42) وتاريخُ 14 / 4 / 1396 هـ.
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى مَن لا نَبِيَّ بَعْدَه محمدٍ، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ، وبَعْدُ:
ففي الدَّوْرَ‌ةِ الثَّامِنَةِ لمَجْلِسِ هَيْئَةِ كِبَارِ العُلَمَاءِ، المُنْعَقِدَةِ في النِّصْفِ الأولِ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ عامَ: 1396هـ، بحَثَ المَجْلِسُ مَوْضُوعَ مَنْعِ الحَمْلِ، وتَحْدِيدِ النَّسْلِ وتَنْظِيمِهِ، بناءً على ما تَقَرَّرَ في الدورةِ السابِعَةِ للمَجْلِسِ المُنْعَقِدَةِ في النِّصْفِ الأولِ مِن شَهْرِ شَعْبَانَ عامَ 1395 هـ، من إِدْرَاجِ مَوْضُوعِها في جَدْوَلِ أَعْمالِ الدَّوْرَةِ الثَّامِنَةِ، وقَدِ اطَّلَعَ المَجْلِسُ على البَحْثِ المُعَدِّ في ذلك من قِبَلِ اللَّجْنَةِ الدَّائِمَةِ للبُحوثِ والإفتاءِ، وبعدَ تَدَاوُلِ الرَّأْيِ والمُنَاقَشَةِ بينَ الأَعْضَاءِ، والاستماعِ إلى وجهاتِ النَّظَرِ، قَرَّرَ المَجْلِسُ ما يَلِي:
- نَظَراً إلى أنَّ الشريعةَ الإسلامِيَّةَ تَرْغَبُ في انتشارِ النَّسْلِ، وتكثيرِه، وتَعْتَبِرُ النَّسْلَ نِعْمَةً كُبْرَى، ومِنَّةً عظيمةً مَنَّ اللهُ بها على عِبادِه، فقَدْ تَضافَرَتْ بذلك النصوصُ الشرعيةُ، من كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، مِمَّا أَوْردَتْهُ اللجنةُ الدائمةُ للبُحوثِ العِلْميَّةِ والإفتاءِ في بَحْثِها المُعَدِّ للهيئةِ، والمُقَدَّمِ لَهَا.
ونَظَراً إلى أنَّ القولَ بتحديدِ النَّسْلِ، أو منعِ الحَمْلِ، مُصادِمٌ للفِطْرَةِ الإِنْسانِيَّةِ التي فَطَرَ اللهُ الخَلْقَ عليها، وللشريعةِ الإسلاميةِ التي ارْتَضَاها الربُّ تعالى لعِبَادِه، ونَظَراً إلى أنَّ دُعاةَ القولِ بتحديدِ النَّسْلِ أو منعِ الحَمْلِ فِئَةٌ تَهْدِفُ بدَعْوتِها إلى الكيدِ للمسلمين بصِفَةٍ عَامَّةٍ، وللأُمَّةِ العربيةِ المسلمةِ بصفةٍ خاصَّةٍ؛ حتى تَكونَ لدَيْهِم القُدْرَةُ على استعمارِ البلادِ واستعبادِ أَهْلِها، وحيثُ إِنَّ في الأخذِ بذلك ضَرْباً من أعمالِ الجاهليةِ، وسوءَ ظَنٍّ باللهِ تعالى، وإِضْعافاً للكِيانِ الإسلاميِّ المُتَكَوِّنِ مِن كَثْرَةِ اللَّبِناتِ البشريةِ وترابُطِها.
لذلك كُلِّه فإنَّ المَجْلِسَ يُقَرِّرُ بأنه لا يَجوزُ تَحْدِيدُ النَّسْلِ مطلقاً، ولا يَجوزُ مَنْعُ الحَمْلِ إذا كانَ القَصْدُ منه خَشْيَةَ الإملاقِ؛ لأنَّاللهَ تعالى هو الرزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا}.
أمَّا إذا كانَ مَنْعُ الحَمْلِ لضَرُورَةٍ مُحَقَّقَةٍ ككونِ المرأةِ لا تَلِدُ وِلادَةً عَادِيَّةً، وتُضْطَرُّ مَعَها إلى إجراءِ عمليةٍ جِراحيةٍ لإخراجِ الوَلَدِ، أو كانَ تَأْخِيرُه لفَتْرَةٍ مَا؛ لمَصْلَحَةٍ يَرَاها الزوجانِ، فإنَّه لا مَانِعَ حِيَنئذٍ من مَنْعِ الحَمْلِ، أو تَأْخِيرِه، عَمَلاً بما جاءَ في الأحاديثِ الصحيحةِ، وما رُوِيَ عن جَمْعِ الصَّحَابَةِ، رِضوانُ اللهِ عليهم ـ مِن جَوازِ العَزْلِ، وتَمَشِّياً معَ ما صَرَّحَ به بعضُ الفُقَهاءِ مِن جَوازِ شُرْبِ الدواءِ لإلقاءِ النُّطْفَةِ قَبْلَ الأَرْبَعِينَ، بل قَدْ يَتَعَيَّنُ مَنْعُ الحَمْلِ في حَالِ ثُبوتِ الضَّرورةِ المُحَقَّقَةِ، وقدْ تَوَقَّفَ الشيخُ عبدُ اللهِ بنُ غديانَ في حُكْمِ الاستثناءِ. وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسَلَّمَ.
هيئةُ كِبارِ العُلماءِ.
* قَرَارُ مَجْلِسِ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ بشَأْنِ تَحديدِ النَّسْلِ:
الحَمْدُ للهِ وَحْدَه، والصلاةُ والسلامُ على مَن لا نَبِيَّ بَعْدَه، وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ.
وبَعْدُ:
فَقَدْ نَظَرَ مَجْلِسُ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ في مَوْضُوعِ تَحْدِيدِ النَّسْلِ، أو ما يُسَمَّى تَضْليلاً تَنْظِيمَ النَّسْلِ وبعدَ المُناقَشَةِ، وتَبادُلِ الآرَاءِ في ذلك، قَرَّرَ المَجْلِسُ بالإجماعِ ما يلي.
نَظَراً إلى أنَّ الشَّرِيعَةَ الإسلاميةَ تَحُضُّ على تَكْثِيرِ نَسْلِ المسلمِينَ وانتشارِه، وتَعْتَبِرُ النَّسْلَ نِعْمةً كُبْرَى، ومِنَّةً عَظِيمةً مَنَّ اللهُ بها على عِبادِه، وقدْ تَضافَرَتْ بذلك النصوصُ الشرعيةُ مِن كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ وسُنَّةِ رَسُولِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، ودَلَّتْ على أنَّ القولَ بتحديدِ النسْلِ، أو منعِ الحملِ يُصادِمُ الفِطرةَ الإنسانيةَ التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عليها، وللشريعةِ الإسلاميةِ التي ارْتَضَاها اللهُ تعالى لعِبادِه ونَظَراً إلى أنَّ دُعاةَ القَوْلِ بتحديدِ النسلِ، أو منعِ الحَمْلِ فئةٌ تَهْدِفُ بدعوتِها إلى الكيدِ للمسلمين؛ لتقليلِ عَددِهم بصفةٍ عَامَّةٍ، وللأُمَّةِ العربيةِ المُسلمةِ والشعوبِ المُسْتَضْعَفَةِ بصفةٍ خَاصَّةٍ، حتى تَكُونَ لهم القُدْرَةُ على استعمارِ البلادِ واستعبادِ أهلِها والتَّمَتُّعِ بثرواتِ البلادِ الإسلاميةِ, وحيثُ إِنَّ في الأخْذِ بذلك ضَرْباً مِن أعمالِ الجاهليةِ وسوءَ ظَنٍّ باللهِ تعالى وإضعافاً للكِيانِ الإسلاميِّ المُتَكَوِّنِ مِن كَثْرَةِ اللَّبِناتِ البَشَريةِ وترابُطها.
لذلك كُلِّه فإنَّ مَجْلِسَ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ يُقَرِّرُ بالإجماعِأنَّه لا يَجُوزُ تَحديدُ النسلِ مُطلقاً, ولا يَجوزُ مَنْعُ الحملِ إذا كانَ القصدُ مِن ذلك خَشْيَةَ الإملاقِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى هو الرزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا}، أو كانَ ذلك لأسبابٍ أُخْرَى غيرِ مُعْتَبَرَةٍ شَرْعاً.
أمَّا تعاطِي أسبابِ مَنْعِ الحَمْلِ, أو تأخيرِه في حالاتٍ قَهْرِيَّةٍ لضَرَرٍ مُحَقَّقٍ؛ ككونِ المَرْأَةِ لا تَلِدُ وِلادَةً عَادِيَّةً، وتُضْطَرُّ معَها إلى إجراءِ عَمَلِيَّةٍ جِراحِيَّةٍ، لإخراجِ الجَنينِ؛ فإنَّه لا مَانِعَ من ذلك شَرْعاً, وهكذا إذا كانَ تَأْخِيرُه لأسبابٍ أُخْرَى شَرْعِيَّةٍ أو صِحِّيَّةٍ، يُقَرِّرُها طَبِيبٌ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ، بل قَدْ يَتَعَيَّنُ مَنْعُ الحَمْلِ في حالةِ ثُبوتِ الضَّرَرِ المُحَقَّقِ على أُمِّه، إذا كانَ يُخْشَى على حَياتِها منه بتقريرٍ مِمَّن يُوثَقُ بهِ مِن الأَطِبَّاءِ المُسلِمينَ.
أمَّا الدَّعْوَةُ إلى تحديدِ النَّسْلِ، أو مَنْعِ الحَمْلِ بصفةٍ عَامَّةٍ، فلا تَجُوزُ شَرْعاً للأسبابِ المُتَقَدِّمِ ذِكْرُها، وأشَدُّ من ذلك في الإثْمِ إلزامُ الشعوبِ بذلك وفَرْضُه عليها، في الوَقْتِ الذي تُنْفَقُ فيهِ الأموالُ الضَّخْمَةُ على سِباقِ التسَلُّحِ العالميِّ للسيطرةِ والتدميرِ، بَدَلاً من إنفاقِهِ في التنميةِ الاقتصاديةِ والتعميرِ.
مَجْلِسُ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ.
* قَرَارُ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسْلامِيِّ حولَ التلقيحِ الاصطناعيِّ وأطفالِ الأنابيبِ.
الحمدُ للهِ وحدَه، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا ونبيِّنا محمدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
وبعدُ:
فإنَّ مَجْلِسَ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ قَدْ نَظَرَ في الدراسَةِ التي قَدَّمَها عُضْوُ المَجْلِسِ مصطفى أحمدُ الزرقاءُ، حولَ التلقيحِ الاصطناعيِّ، وأطفالِ الأنابيبِ، الأمْرُ الذي شَغَلَ الناسَ، وكانَ مِن أبْرَزِ قضايا الساعةِ في العالَمِ، واسْتَعْرَضَ المَجْلِسُ ما تَحَقَّقَ في هذا المجالِ من إنجازاتٍطِبِّيَّةٍ، تَوَصَّلَ إليها العِلْمُ والتقنيةُ في العَصْرِ الحاضِرِ، لإنجابِ الأطفالِ من بني الإنسانِ، والتَّغَلُّبِ على أَسْبابِ العُقْمِ المُخْتَلِفَةِ المَانِعَةِ مِن الاستيلادِ.
وقدْ تَبَيَّنَ للمَجْلِسِ مِن تلك الدِّراسَةِ الوَافِيَةِ المُشارِ إليها أنَّ التَّلْقِيحَ الاصطناعيَّ بُغْيَةَ الاستيلادِ ـ بغيرِ الطريقِ الطبيعيِّ، وهو الاتصالُ الجِنْسِيُّ المباشِرُ بينَ الرجُلِ والمَرْأَةِ ـ يَتِمُّ بأحَدِ طَرِيقَيْنِ أساسِيَّيْنِ.
1- طريقِ التلقيحِ الداخليِّ، وذلك بحَقْنِ نُطْفَةِ الرجُلِ في الموقِعِ المناسبِ من بَطْنِ المَرْأَةِ.
2- وطريقِ التلقيحِ الخارِجِيِّ بينَ نُطْفَةِ الرجُلِ، وبُوَيْضَةِ المَرْأَةِ في أُنبوبِ اختبارٍ، في المُخْتَبَرَاتِ الطِّبِّيَّةِ، ثم زَرْعِ البُوَيْضَةِ المُلَقَّحَةِ اللَّقِيحَةُ في رَحِمِ المَرْأَةِ.
ولا بُدَّ في الطريقيْنِ من انكشافِ المَرْأَةِ على مَن يَقومُ بتَنْفِيذِ العَمَلِيَّةِ.
وقدْ تَبَيَّنَ لمَجْلِسِ المَجْمَعِ من تلك الدراسةِ المُقدَّمَةِ إليه في الموضوعِ، ومِمَّا أَظْهَرَتْهُ المُذاكَرَةُ والمُناقَشَةُ، أنَّ الأساليبَ والوسائلَ التي يَجْرِي بها التلقيحُ الاصطناعيُّ بطريقيْهِ: الداخليِّ والخارجيِّ، لأجلِ الاستيلادِ، هي سَبْعَةُ أساليبَ بحَسَبِ الأحوالِ المُخْتَلِفَةِ، للتلقيحِ الداخليِّ فيها أسلوبانِ, وللخارجيِّ خَمْسَةٌ من الناحيةِ الواقعيةِ، بقَطْعِ النظرِ عن حِلِّها أو حُرْمتِها شَرْعاً, وهي الأساليبُ التاليةُ:
في التلقيحِ الاصطناعيِّ الداخليِّ:
الأسلوبُ الأَوَّلُ:
أنْ تُؤْخَذَ النُّطْفَةُ الذَّكَرِيَّةُ من رَجُلٍ مُتَزَوِّجٍ، وتُحْقَنَ في المَوْقِعِ المُناسِبِ دَاخلَ مِهْبَلِ زَوْجَتِه، أو رَحِمِها حتى تَلْتَقِيَ النُّطْفَةُ التقاءً طَبِيعِيًَّا بالبُوَيْضَةِ التي يُفْرِزُها مِبْيَضُ زوجتِه، ويَقَعَ التلقيحُ بينَهما، ثم العُلُوقُ في جِدارِ الرَّحِمِ بإذنِ اللهِ، كما في حالِ الجِماعِ، وهذا الأُسلوبُ يُلْجَأُ إليه إذا كانَ في الزَّوْجِ قُصورٌ، لسَبَبٍ مَانِعٍ مِن إيصالِ مَائِهِ في المُواقَعَةِ، إلى المَوْضِعِ المُناسِبِ.
الأسلوبُ الثَّانِي:
أنْ تُؤْخَذَ نُطْفَةٌ مِن رَجُلٍ، وتُحْقَنَ في المَوْقِعِ المناسِبِ من زوجةِ رَجُلٍ آخَرَ، حتى يَقَعَ التلقيحُ دَاخِلِيًّا، ثم العُلوقُ في الرحِمِ، كما في الأُسْلوبِ الأولِ، ويُلْجَأُ إلى هذا الأسلوبِ حِينَ يَكُونُ الزَّوْجُ عَقِيماً لا بِذْرَةَ في مَائِهِ، فيَأْخُذُونَ النُّطْفَةَ الذَّكَريَّةَ من غيرِه.
في طَريقِ التلقيحِ الخارِجِيِّ.
الأسلوبُ الثَّالِثُ:
أنْ تُؤْخَذَ نُطْفَةٌ مِن زَوْجٍ، وبُويَضْةٌ من مِبْيَضِ زَوْجَتِه، فتُوضَعَا في أُنبوبِ اختبارٍ طِبِّيٍّ، بشُروطٍ فِيزيائيةٍ مُعَيَّنَةٍ، حتى تُلَقِّحَ نُطْفَةُ الزوجِ بُوَيْضَةَ زَوْجَتِه في وِعاءِ الاختبارِ، ثم بعدَ أنْ تَأْخُذَ اللقِيحَةُ بالانقسامِ والتكاثُرِ تُنْقَلُ في الوَقْتِ المُناسِبِ من أُنبوبِ الاختبارِ إلى رَحِمِ الزَّوْجَةِ نَفْسِها صَاحِبَةِ البويضةِ، لتَعْلَقَ في جِدارِه، وتَنْمُوَ، وتَتَخَلَّقَ ككُلِّ جَنِينٍ، ثم في نهايةِ مُدَّةِ الحَمْلِ الطبيعيةِ تَلِدُه الزوجةُ طِفْلاً أو طِفْلَةً، وهذا هو طِفْلُ الأُنبوبِ الذي حَقَّقَه الإنجازُ العلميُّ الذي يَسَّرَه اللهُ، ووُلِدَ بهِ إلى اليومِ عَدَدٌ مِن الأولادِ ذُكوراً وإناثاً وتَوائِمَ، تَنَاقَلَتْ أَخْبارَها الصُّحُفُ العالَمِيَّةُ، ووسائِلُ الإعلامِالمُخْتَلِفَةُ، ويُلْجَأُ إلى هذا الأُسلوبِ الثالثِ عندَما تَكُونُ الزَّوْجَةُ عَقِيماً بسَبَبِ انْسِدادِ القَناةِ التي تَصِلُ بينَ مِبيَضِها ورَحِمِها, قناةِ فَالُوبَ.
الأسلوبُ الرابِعُ:
أنْ يَجْرِيَ تَلْقِيحٌ خَارِجِيٌّ في أُنبوبِ الاختبارِ بينَ نُطْفَةٍ مَأْخُوذَةٍ مِن زَوْجٍ، وبويضةٍ مَأْخُوذَةٍ من مِبْيَضِ امْرَأَةٍ، لَيْسَتْ زَوْجَتَهُ، يُسَمُّونَها مُتَبَرِّعَةً, ثم تُزْرَعَ اللَّقِيحَةُ في رَحِمِ زَوْجَتِه.
ويَلْجَؤونَ إلى هذا الأسلوبِ عندَما يَكُونُ مِبْيَضُ الزَّوْجَةِ مُسْتَأْصَلاً أو مُعَطَّلاً، ولَكِنَّ رَحِمَها سَلِيمٌ، قَابِلٌ لعُلوقِ اللَّقِيحَةِ فيه.
الأسلوبُ الخامِسُ:
أنْ يَجْرِيَ تَلْقِيحٌ خَارِجِيٌّ في أُنْبوبِ اختبارٍ بينَ نُطْفَةِ رَجُلٍ، وبُوَيْضَةٍ مِن امْرَأَةٍ لَيْسَ زَوْجَةً لَهُ ـ يُسَمُّونَهما مُتَبَرِّعَينِ ـ ثم تُزْرَعَ اللَّقِيحَةُ في رَحِمِ امْرَأَةٍ أُخْرَى مُتَزَوِّجَةٍ، ويَلْجَؤونَ إلى ذلك حينَما تكونُ المرأةُ المتزوجةُ التي زُرِعَتِ اللقيحةُ فيها عَقِيماً بسَبَبِ تَعَطُّلِ مِبْيَضِها لكنَّ رَحِمَها سَلِيمٌ، وزوجُها أيضاً عَقِيمٌ ويُرِيدَانِ وَلَداً.
الأسلوبُ السادِسُ:
أنْ يَجْرِيَ تَلْقِيحٌ خَارِجِيٌّ فِي وِعَاءِ الاختبارِ بينَ بِذْرَتَيْ زَوْجَيْنِ ثُمَّ تُزْرَعَ اللَّقِيحَةُ في رَحِمِ امْرَأَةٍ تَتَطَوَّعُ بحَمْلِها.
ويَلْجَؤونَ إلى ذلك حِينَ تَكُونُ الزوجةُ غيرَ قادِرَةٍ على الحَمْلِ، لسَبَبٍ في رَحِمِها، ولكنَّ مِبْيَضَها سَلِيمٌ مُنْتِجٌ، أو تَكُونُ غَيْرَ رَاغِبَةٍ في الحَمْلِ تَرَفُّهاً، فتَتَطَوَّعُ امْرَأَةٌ أُخْرَى بالحَمْلِ عنها.
الأسلوبُ السَّابِعُ:
هو السادسُ نَفْسُه، إذا كانَتِ المُتَطَوِّعَةُ بالحَمْلِ هي زَوْجَةً ثَانِيَةً للزَّوْجِ صاحِبِ النُّطْفَةِ، فتَتَطَوَّعُ لها ضَرَّتُها، لحَمْلِ اللَّقِيحَةِ عنها، وهذا الأسلوبُ لا يَجْرِي في البلادِ الأجنبيةِ التي يَمْنَعُ نظامُها تَعَدُّدَ الزوجاتِ، بل في البلادِ التي تُبِيحُ هذا التَّعَدُّدَ.
هذه هي أساليبُ التلقيحِ الاصطناعيِّ، الذي حَقَّقَه العِلْمُ، لمُعالَجَةِ أسبابِ عَدَمِ الحَمْلِ.
وقَدْ نَظَرَ مَجْلِسُ المَجْمَعِ فيما نُشِرَ وأُذِيعَ، أنَّه يَتِمُّ فِعْلاً تَطْبِيقُه في أُورُبَّا وأَمْرِيكا، من استخدامِ هذه الإنجازاتِ لأغراضٍ مُختلفةٍ، منها تِجارِيٌّ، ومنها ما يَجْرِي تَحْتَ عُنوانِ: تَحْسِينُ النَّوْعِ البَشَرِيِّ, ومنها ما يَتِمُّ لتَلْبِيَةِ الرغبةِ في الأُمومةِ لَدَى نِسَاءٍ غَيْرِ مُتَزَوِّجاتٍ، أو نساءٍ مُتَزَوِّجَاتٍ لا يَحْمِلْنَ لسَبَبٍ فِيهِنَّ، أو في أزواجِهِنَّ، وما أُنْشِئَ لتلك الأغراضِ المُخْتَلِفَةِ من مَصارِفِ النُّطَفِ الإنسانيةِ التي تُحْفَظُ فيها نُطَفُ الرجالِ، بصُورَةٍ تَقنِيةٍ تَجْعَلُها قَابِلَةً للتلقيحِ بها إلى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ وتُؤْخَذُ مِن رجالٍ مُعَيَّنِينَ أو غيرِ مُعَيَّنِينَ، تَبَرُّعاً أو لِقَاءَ عِوَضٍ، إلى آخِرِ ما يُقالُ: إِنَّهُ وَاقِعٌ اليومَ في بعضِ بلادِ العالَمِ المُتَمَدِّنِ.
النَّظَرُ الشَّرْعِيُّ بمِنْظَارِ الشَّرِيعَةِ الإسلاميةِ:
هذا، وإِنَّ مَجْلِسَ المَجْمَعِ الفِقْهِيِّ الإسلاميِّ بعدَ النَّظَرِ فيما تَجَمَّعَ لديهِ من مَعلوماتٍ مُوَثَّقَةٍ، مِمَّا كُتِبَ ونُشِرَ في هذا الشأنِ، وتطبيقِ قَوَاعِدِ الشريعةِ الإسلاميةِ ومَقاصِدِها لمَعْرِفَةِ حُكْمِ هذهِ الأساليبِ المَعْرُوضَةِ، وما تَسْتَلْزِمُهُ، قَدِ انْتَهَى إلى القَرَارِ التَّفْصِيلِيِّ التالي.
أولاً: أحكامٌ عَامَّةٌ:
(أ‌) أنَّ انكشافَ المرأةِ المُسلمةِ على غيرِ مَن يَحِلُّ شَرْعاً بينَها وبينَه الاتصالُ الجِنْسِيُّ، لا يَجُوزُ بحَالٍ مِن الأحوالِ، إلاَّ لغَرَضٍ مَشْرُوعٍ، يَعْتَبِرُه الشَّرْعُ مُبِيحاً لهذا الانكشافِ.
(ب‌) أنَّ احتياجَ المرأةِ إلى العِلاجِ مِن مَرَضٍ يُؤْذِيها أو مِن حَالَةٍ غَيْرِ طَبِيعِيَّةٍِ في جِسْمِها تُسَبِّبُ لها إزعاجاً، يُعْتَبَرُ ذلك غَرَضاً مَشْروعاً يُبِيحُ لها الانكشافَ على غيرِ زَوْجِها لهذا العلاجِ، وعندَئذٍ يَتَقَيَّدُ ذلك الانكشافُ بقَدْرِ الضَّرُورَةِ.
(ج) كُلَّمَا كَانَ انكشافُ المَرْأَةِ على غيرِ مَن يَحِلُّ بينَها وبينَه الاتصالُ الجنسيُّ مُباحاً، لغَرَضٍ مَشْروعٍ، يَجِبُ أنْ يَكُونَ المُعالِجُ امرأةً مُسْلِمَةً إِنْ أَمْكَنَ ذلك، وإلاَّ فامْرَأَةٌ غَيْرُ مُسْلِمَةٍ، وإلاَّ فطَبِيبٌ مُسلِمٌ ثِقَةٌ، وإلاَّ فغَيْرُ مُسْلِمٍ بهذا الترتيبِ.
ولا تَجوزُ الخَلْوَةُ بينَ المُعالِجِ والمرأةِ التي يُعالِجُ إلاَّ بحُضورِ زَوْجِها أو امْرَأَةٍ أُخْرَى.
ثانياً: حُكْمُ التلقيحِ الاصطناعيِّ:
1- أنَّ حاجَةَ المرأةِ المُتَزَوِّجَةِ التي لا تَحْمِلُ، وحَاجَةَ زَوْجِها إلى الوَلَدِ تُعْتَبَرُ غَرَضاً مَشْروعاً يُبِيحُ مُعالَجَتَها بالطريقةِ المُباحَةِ من طُرقِ التلقيحِ الاصطناعيِّ.
2- أنَّ الأسلوبَ الأولَ: الذي تُؤْخَذُ فيهِ النُّطْفَةُ الذَّكَريَّةُ من رجُلٍ مُتزَوِّجٍ ثم تُحْقَنُ في رَحِمِ زَوْجَتِه نَفْسِها في طَرِيقَةِ التلقيحِ الداخليِّ، هو أسلوبٌ جَائِزٌ شَرْعاً بالشروطِ العامَّةِ الآنفةِ الذِّكْرِ، وذلك بعدَ أَنْ تَثْبُتَ حَاجَةُ المَرْأَةِ إلى هذه العَمَلِيَّةِ لأجْلِ الحَمْلِ.
3- أنَّ الأُسْلُوبَ الثالثَ: الذي تُؤْخَذُ فيه البذرتانِ؛ الذَّكَريَّةُ والأُنْثَوِيَّةُ مِن رَجُلٍ وامْرَأَةٍ زوجيْنِ أحَدِهما للآخَرِ، ويَتِمُّ تَلْقِيحُها خَارِجِيًّا في أُنبوبِ اختبارٍ، ثم تُزْرَعُ اللقيحةُ في رَحِمِ الزوجةِ نَفْسِها صاحبةِ البُوَيْضةِ ـ هو أُسلوبٌ مَقْبُولٌ مَبْدَئِيًّا في ذاتِه بالنَّظَرِ الشرعيِّ، لكنَّه غيرُ سَلِيمٍ تَمَاماً من مُوجِباتِ الشَّكِّ فيما يَسْتَلْزِمُه ويُحِيطُ به مِن مُلابَساتٍ، فيَنْبَغِي ألاَّ يُلْجَأَ إليه إلا في حَالاتِ الضَّرُورَةِ القُصْوَى، وبعدَ أَنْ تَتَوَفَّرَ الشرائِطُ العَامَّةُ الآنفةُ الذِّكْرِ.
4- أَنَّ الأُسْلُوبَ السَّابِعَ: الذي تُؤْخَذُ فيه النُّطْفةُ والبويضةُ من زوجينِ وبعدَ تَلْقِيحِهما في وِعاءِ الاختبارِ، تُزْرَعُ اللقيحةُ في رَحِمِ الزوجةِ الأُخْرى للزوجِ نَفْسِه، حيثُ تَتَطَوَّعُ بمَحْضِ اختيارِها بهذا الحَمْلِ عن ضَرَّتِها المَنْزُوعَةِ الرحِمِ ـ يَظْهَرُ لمَجْلِسِ المَجْمَعِ أنَّه جَائِزٌ عندَ الحاجَةِ، وبالشروطِ العَامَّةِ المَذْكُورَةِ.
5- وفي حالاتِ الجَوازِ الثلاثِ يُقَرِّرُ المَجْمَعُ أنَّ نَسَبَ المولودِ يَثْبُتُ من الزوجينِ مَصْدَرِ البذرتيْنِ، ويَتْبَعُ المِيرَاثُ والحُقُوقُ الأخرى ثُبُوتَ النَّسَبِ، فحَيْثُ يَثْبُتُ نَسَبُ المَوْلُودِ مِن الرجُلِ أو المرأةِ يَثْبُتُ الإرثُ وغَيْرُه مِن الأحكامِ بينَ الوَلَدِ ومَن الْتَحَقَ نَسَبُه به.
أمَّا الزَّوْجَةُ المُتَطَوِّعَةُ بالحَمْلِ عن ضَرَّتِها ـ في الأسلوبِ السابعِ المذكورِ ـ فتكونُ في حُكْمِ الأُمِّ الرَّضَاعِيَّةِ للمَوْلُودِ؛ لأنه اكْتَسَبَ من جِسْمِها وعُضوِيَّتِها أَكْثَرَ مِمَّا يَكْتَسِبُ الرَّضِيعُ مِن مُرْضِعَتِهِ في نِصابِ الرَّضاعِ الذي يَحْرُمُ به ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ.
6- أمَّا الأساليبُ الأربعةُ الأخرى مِن أساليبِ التلقيحِ الاصطناعيِّ في الطريقيْنِ الداخليِّ والخارجيِّ مِمَّا سَبَقَ بَيانُه، فجَمِيعُها مُحَرَّمَةٌ في الشَّرْعِ الإسلاميِّ، لا مجالَ لإباحةِ شيءٍ منها؛ لأنَّ البذرتيْنِ الذَّكَريةَ والأُنْثويةَ فيها لَيْسَتَا من زوجيْنِ، أو لأنَّ المُتَطَوِّعَةَ بالحَمْلِ هي أَجْنَبِيَّةٌ عن الزوجيْنِ مَصْدَرِ البذرتيْنِ.
هذا ونَظَراً لِمَا في التَّلْقِيحِ الاصطناعيِّ بوَجْهٍ عامٍّ مِن مُلابساتٍ حتى في الصورِ الجائزةِ شَرْعاً، ومن احْتمالِ اختلاطِ النُّطَفِ، أو اللقائحِ في أَوْعِيَةِ الاختبارِ، ولا سِيَّمَا إذا كَثُرَتْ مُمارَسَتُه وشاعَتْ؛ فإنَّ مَجْلِسَ المَجْمَعِ يَنْصَحُ الحَريصِينَ على دينِهم ألاَّ يَلْجَؤوا إلى مُمارَسَتِه إلا في حالةِ الضرورةِ القُصْوَى، وبمُنْتَهى الاحتياطِ والحَذَرِ من اختلاطِ النُّطَفِ أو اللقائِحِ.
هذا ما ظَهَرَ لمَجْلِسِ المَجْمَعِ في هذه القَضِيَّةِ ذاتِ الحَساسيةِ الدينيةِ القويةِ من قَضايا الساعةِ، ويَرْجُو مِن اللهِ أنْ يَكُونَ صَوَاباً.
واللهُ سُبحانَه أعْلَمُ، وهو الهادي إلى سواءِ السبيلِ، ووليُّالتوفيقِ.


(1) لعلها : " الباء" في قوله : بالصوم .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الحث, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir