فَإِنْ قَالَ:
إِنَّهُمْ لَمْ يَكْفُروا بِدُعَاءِ المَلائِكَةِ وَالأنْبِياءِ، وَإنَّمَا كَفَروا لَمَّا قَالُوا: (المَلائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ) وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ: إِنَّ عَبْدَ القَادِرِ وَلا غَيرَهُ ابنُ اللهِ.
فَالجَوابُ:
أَنَّ نِسْبَةَ الوَلَدِ إِلَى اللهِ تَعَالى كُفرٌ مُسْتَقِلٌّ؛ قَالَ اللهُ تَعالَى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص: 1-2]وَالأَحَدُ: الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ، وَالصَّمَدُ: المَقْصُودُ فِي الحَوائِجِ، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ آخِرَ السُّورَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص: 3]، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ أَوَّلَ السُّورَةِ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ} الآيةَ [المؤمنون: 91]، فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّوعَيْنِ، وَجَعَلَ كُلاًّ مِنْهُمَا كُفْراً مُسْتَقِلاًّ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} الآيةَ [الأنعام: 100]، فَفَرَّقَ بَيْنَ الكُفْرَيْنِ.
وَالدَّلِيلُ عَلى هَذَا أَيْضاً:
أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِدُعَاءِ اللاَّتِّ - مَعَ كَونِهِ رَجُلاً صَالِحاً - لَمْ يَجْعَلُوهُ ابنَ اللهِ، وَالَّذينَ كَفَروا بِعِبَادَةِ الجِنِّ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ كَذَلِكَ.
وَكَذَلكَ الْعُلَمَاءُ - أَيْضاً - فِي جَميعِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ يَذْكُرُونَ فِي بَابِ حُكْمِ المُرْتَدِّ أَنَّ المُسْلِمَ إِذَا زَعَمَ أَنَّ للهِ وَلَداً فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِاللهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الوُضُوحِ.