33/768 - وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لا يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ): هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ المُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ، وَيُقَالُ لَهُ: مَعْمَرُ بْنُ أَبِي مَعْمَرٍ، أَسْلَمَ قَدِيماً، وَهَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، وَتَأَخَّرَتْ هِجْرَتُهُ إلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ هَاجَرَ إلَيْهَا وَسَكَنَ بِهَا.
(عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ) بِالْهَمْزِ: هُوَ الْعَاصِي الآثِمُ، (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الاحْتِكَارِ، وَفِي النِّهَايَةِ عَلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنِ احْتَكَرَ طَعَاماً))؛ قَالَ: أَي اشْتَرَاهُ وَحَبَسَهُ لِيَقِلَّ، فَيَغْلَى.
وَظَاهِرُ حَدِيثِ مُسْلِمٍ تَحْرِيمُ الاحْتِكَارِ لِلطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، إلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ لا يُقَالُ: احْتَكَرَ، إلاَّ فِي الطَّعَامِ. وَقَدْ ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إلَى عُمُومِهِ، فَقَالَ: كُلُّ مَا أَضَرَّ بِالنَّاسِ حَبْسُهُ فَهُوَ احْتِكَارٌ، وَإِنْ كَانَ ذَهَباً أَوْ ثِيَاباً. وَقِيلَ: لا احْتِكَارَ إلاَّ فِي قُوتِ النَّاسِ وَقُوتِ الْبَهَائِمِ، وَهُوَ قَوْلُ الْهَادَوِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَلا يَخْفَى أَنَّ الأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي مَنْعِ الاحْتِكَارِ وَرَدَتْ مُطْلَقَةً وَمُقَيَّدَةً بِالطَّعَامِ، وَمَا كَانَ مِن الأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا الأُسْلُوبِ فَإِنَّهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لا يُقَيَّدُ فِيهِ الْمُطْلَقُ بِالْمُقَيَّدِ؛ لِعَدَمِ التَّعَارُضِ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَبْقَى الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلاقِهِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ فِي مَنْعِ الاحْتِكَارِ مُطْلَقاً، وَلا يُقَيَّدُ بِالْقُوتَيْنِ إلاَّ عَلَى رَأْيِ أَبِي ثَوْرٍ؛ فَإِنَّهُ يُقَيَّدُ عَنْدَهُ الطَّعَامُ فَقَطْ؛ لأنَّهُ الذي وَرَدَ بهِ النَّصُّ المُقَيِّدُ لا غَيْرُهُ، فلا يَحْرُمُ الاحْتِكارُ.
وَقَدْ رَدَّهُ أَئِمَّةُ الأُصُولِ، وَكَأَنَّ الْجُمْهُورَ خَصُّوهُ بِالْقُوتَيْنِ؛ نَظَراً إلَى الْحِكْمَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلتَّحْرِيمِ، وَهِيَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ عَامَّةِ النَّاسِ، وَالأَغْلَبُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَن الْعَامَّةِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقُوتَيْنِ، فَقَيَّدُوا الإِطْلاقَ بِالْحِكْمَةِ الْمُنَاسِبَةِ، أَوْ أَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِمَذْهَبِ الصَّحَابِيِّ الرَّاوِي؛ فَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ كَانَ يَحْتَكِرُ، فَقِيلَ لَهُ: فَإِنَّكَ تَحْتَكِرُ؟ فَقَالَ: لأَنَّ مَعْمَراً رَاوِيَ الْحَدِيثِ كَانَ يَحْتَكِرُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَا يَحْتَكِرَانِ الزَّيْتَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّ سَعِيداً قَيَّدَ الإِطْلاقَ بِعَمَلِ الرَّاوِي، وَأَمَّا مَعْمَرٌ فَلا يُعْلَمُ بِمَ قَيَّدَهُ، وَلَعَلَّهُ بِالْحِكْمَةِ الْمُنَاسِبَةِ الَّتِي قَيَّدَ بِهَا الْجُمْهُورُ.