دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب البيوع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 11:33 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب شروطه وما نهي عنه منه (23/34) [النهي عن أن يبيع حاضر لباد]


وعنْ طاوُوسٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ)). قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: ما قولُهُ: ((وَلَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟)) قالَ: لا يكُونُ لهُ سِمْسَارًا. مُتَّفَقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ.
وعنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ)). رواهُ مسلمٌ.

  #2  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 02:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


27/762 - وَعَنْ طَاوُسٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ)). قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: ((وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ))؟ قَالَ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَاراً.مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
(وَعَنْ طَاوُسٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَلَقُّوا الرُّكْبَانَ، وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَاراً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ).
اشْتَمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ صُورَتَيْنِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ:
الأُولَى: النَّهْيُ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ؛ أَي: الَّذِينَ يَجْلِبُونَ إلَى الْبَلَدِ أَرْزَاقَ الْعِبَادِ لِلْبَيْعِ، سَوَاءٌ كَانُوا رُكْبَاناً أَوْ مُشَاةً، جَمَاعَةً أَوْ وَاحِداً، وَإِنَّمَا خَرَجَ الْحَدِيثُ عَلَى الأَغْلَبِ فِي أَنَّ الْجَالِبَ يَكُونُ عَدَداً.
وَأَمَّا ابْتِدَاءُ التَّلَقِّي فَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ خَارِجِ السُّوقِ الَّذِي تُبَاعُ فِيهِ السِّلْعَةُ. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُم الطَّعَامَ، فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ. وَفِي لَفْظٍ آخَرَ بَيَانُ أَنَّ التَّلَقِّي لا يَكُونُ فِي السُّوقِ.
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ، فَنَهَاهُم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَصْدَ إلَى أَعْلَى السُّوقِ لا يَكُونُ تَلَقِّياً، وَأَنَّ مُنْتَهَى التَّلَقِّي مَا فَوْقَ السُّوقِ.
وَقَالَت الْهَادَوِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إنَّهُ لا يَكُونُ التَّلَقِّي إلاَّ خَارِجَ الْبَلَدِ، وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى الْمَعْنَى الْمُنَاسِبِ لِلْمَنْعِ، وَهُوَ تَغْرِيرُ الْجَالِبِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَدِمَ إلَى الْبَلَدِ أَمْكَنَهُ مَعْرِفَةُ السِّعْرِ وَطَلَبَ الْحَظَّ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ تَقْصِيرِهِ.
وَاعْتَبَرَت الْمَالِكِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ السُّوقَ مُطْلَقاً؛ عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. وَالنَّهْيُ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ حَيْثُ كَانَ قَاصِداً التَّلَقِّي عَالِماً بِالنَّهْيِ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالأَوْزَاعِيِّ، أَنَّهُ يَجُوزُ التَّلَقِّي إذَا لَمْ يَضُرَّ بالنَّاسِ، فَإِنْ ضَرَّ كُرِهَ، فَإِنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى صَحَّ الْبَيْعُ عِنْدَ الْهَادَوِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَثَبَتَ الْخِيَارُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِلْبَائِعِ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: "لا تَلَقُّوا الْجَلَبَ؛ فَإِنْ تَلَقَّاهُ إنْسَانٌ فَاشْتَرَاهُ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إذَا أَتَى السُّوقَ".
ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي النَّهْيِ نَفْعُ الْبَائِعِ وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهُ، وَقِيلَ: نَفْعُ أَهْلِ السُّوقِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: " لا تَلَقُّوا السِّلَعَ حَتَّى تَهْبِطُوا بِهَا السُّوقَ".
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَل الْبَيْعُ مَعَهُ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ؟ فَعِنْدَ مَنْ ذَكَرْنَاهُ قَرِيباً أَنَّهُ صَحِيحٌ؛ لأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يَرْجِعْ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، وَلا إلَى وَصْفٍ مُلازِمٍ لَهُ، فَلا يَقْتَضِي النَّهْيُ الْفَسَادَ.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ؛ لأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْفَسَادَ مُطْلَقاً، وَهُوَ الأَقْرَبُ. وَقَد اشْتَرَطَ جَمَاعَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ لِتَحْرِيمِ التَّلَقِّي شَرَائِطَ، فَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ يَكْذِبَ الْمُتَلَقِّي فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَشْتَرِي مِنْهُمْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَقِيلَ: أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِكَثْرَةِ الْمُؤْنَةِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّخُولِ، وَقِيلَ: أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِكَسَادِ مَا مَعَهُمْ؛ لِيَغْبِنَهُمْ. وَهَذِهِ تَقْيِيدَاتٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ، بَل الْحَدِيثُ أَطْلَقَ النَّهْيَ، وَالأَصْلُ فِيهِ التَّحْرِيمُ مُطْلَقاً.
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: مَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: ((وَلا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ))، وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْسَاراً؛ بِسِينَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَهُوَ فِي الأَصْلِ: الْقَيِّمُ بِالأَمْرِ وَالْحَافِظُ، ثُمَّ اشْتُهِرَ فِي مُتَوَلِّي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِغَيْرِهِ بِالأُجْرَةِ، كَذَا قَيَّدَهُ الْبُخَارِيُّ، وَجَعَلَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ مُقَيَّداً لِمَا أُطْلِقَ مِن الأَحَادِيثِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ وَالْمُعَاوَنَةِ فَأَجَازَهُ.
وَظَاهِرُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّهْيَ شَامِلٌ لِمَا كَانَ بِأُجْرَةٍ وَمَا كَانَ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ، وَفَسَّرَ بَعْضُهُمْ صُورَةَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي بِأَنْ يَجِيءَ لِلْبَلَدِ غَرِيبٌ بِسِلْعَةٍ يُرِيدُ بَيْعَهَا بِسِعْرِ الْوَقْتِ فِي الْحَالِ، فَيَأْتِيهِ الْحَاضِرُ فَيَقُولُ: ضَعْهُ عِنْدِي؛ لأَبِيعَهُ لَكَ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَعْلَى مِنْ هَذَا السِّعْرِ. ثُمَّ مِن الْعُلَمَاءِ مَنْ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالْبَادِي، وَجَعَلَهُ قَيْداً مُقَيَّداً.
وَمِنْهُمْ مَنْ أَلْحَقَ بِهِ الْحَاضِرَ إذَا شَارَكَهُ فِي عَدَمِ مَعْرِفَةِ السِّعْرِ، وَقَالَ: ذِكْرُ الْبَادِي فِي الْحَدِيثِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ، فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الأَسْعَارَ فَلَيْسُوا بِدَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ.
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ، وَأَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ الْمَجْلُوبُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْحَاجَةُ، وَأَنْ يَعْرِضَ الْحَضَرِيُّ ذَلِكَ عَلَى الْبَدَوِيِّ، فَلَوْ عَرَضَهُ الْبَدْوِيُّ عَلَى الْحَضَرِيِّ لَمْ يَمْتَنِعْ. وَكُلُّ هَذِهِ الْقُيُودِ لا يَدُلُّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ، بَل اسْتَنْبَطُوهَا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ لِلْحَدِيثِ بِعِلَلٍ مُتَصَيَّدَةٍ مِن الْحُكْمِ. ثُمَّ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الأَصْلَ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ، وَإليهِ هُنَا ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِن الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ، وَإِنَّهُ جَائِزٌ مُطْلَقاً؛ كَتَوْكِيلِهِ، وَلِحَدِيثِ النَّصِيحَةِ. وَدَعْوَى النَّسْخِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ؛ لافْتِقَارِهَا إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ لِيُعْرَفَ الْمُتَأَخِّرُ.
وَحَدِيثُ النَّصِيحَةِ مَشْرُوطٌ فيهِ أنَّه: ((إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ))؛ فإنَّهُ إذَا اسْتَنْصَحَهُ نَصَحَهُ بِالْقَوْلِ، لا أَنَّهُ يَتَوَلَّى لَهُ الْبَيْعَ، وَهَذَا فِي حُكْمِ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الشِّرَاءِ لَهُ، فَلا يَشْتَرِي حَاضِرٌ لِبَادٍ.
وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: بَابُ لا يَشْتَرِي حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ: إِنَّ الشِّرَاءَ لِلْبَادِي كَالْبَيْعِ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ))؛ فَإِنَّ مَعْنَاهُ الشِّرَاءُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَن ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: لَقِيتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أيَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، أَمَا نُهِيتُمْ أَنْ تَبِيعُوا أَوْ تَبْتَاعُوا لَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ.
وَعَن ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: كَانَ يُقَالُ: لا يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَهِيَ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ، لا يَبِيعُ لَهُ شَيْئاً، وَلا يَبْتَاعُ لَهُ شَيْئاً. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ لُوحِظَ فِي النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الْجَلُوبَةِ عَدَمُ غَبْنِ الْبَادِي، وَلُوحِظَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي الرِّفْقُ بِأَهْلِ الْبَلَدِ، وَاعْتُبِرَ فِيهِ غَبْنُ الْبَادِي، وَهُوَ التَّنَاقُضُ.
فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّارِعَ يُلاحِظُ مَصْلَحَةَ النَّاسِ، وَيُقَدِّمُ مَصْلَحَةَ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْوَاحِدِ، لا الْوَاحِدَ عَلَى الْجَمَاعَةِ. وَلَمَّا كَانَ الْبَادِي إذَا بَاعَ لِنَفْسِهِ انْتَفَعَ جَمِيعُ أَهْلِ السُّوقِ، وَاشْتَرَوْا رَخِيصاً، فَانْتَفَعَ بِهِ جَمِيعُ أهلِ الْبَلَدِ، لاحَظَ الشَّارِعُ نَفْعَ أَهْلِ الْبَلَدِ عَلَى نَفْعِ الْبَادِي.
وَلَمَّا كَانَ فِي التَّلَقِّي إنَّمَا يَنْتَفِعُ المُتَلَقِّي خَاصَّةً، وَهُوَ وَاحِدٌ، لَمْ يَكُنْ فِي إبَاحَةِ التَّلَقِّي مَصْلَحَةٌ، لا سِيَّمَا وَقَدْ تَنْضَافُ إلَى ذَلِكَ عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ، وَهِيَ لُحُوقُ الضَّرَرِ بِأَهْلِ السُّوقِ فِي انْفِرَادِ التَّلَقِّي عَنْهُمْ فِي الرُّخْصِ وَقَطْعِ الْمَوَارِدِ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ أَكْثَرُ مِن الْمُتَلَقِّي، فَنَظَرَ الشَّارِعُ لَهُمْ، فَلا تَنَاقُضَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، بَلْ هُمَا صَحِيحَتَانِ فِي الْحِكْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ.
28/763 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَلَقُّوا الْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَلَقُّوا الْجَلَبَ) بِفَتْحِ اللاَّمِ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَجْلُوبِ، (فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
تَقَدَّمَ الْكَلامُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ شَرَاهُ الْمُتَلَقِّي بِسِعْرِ السُّوقِ؛ فَإِنَّ الْخِيَارَ ثَابِتٌ.

  #3  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 02:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


686- وعَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُما قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ))، قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ: ((وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ))؟ قالَ: لا يَكُونُ لَهُ سِمْساراً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللفظُ للبُخارِيِّ.

مُفْرَداتُ الحديثِ:
-لا تَلَقَّوْا: بفتحِ التاءِ والقَافِ، وأصْلُهُ " لا تَتَلَقَّوْا " بتاءَيْنِ فحُذِفَتْ إِحْدَاهُما؛ أي: لا تَسْتَقْبِلُوا الذينَ يَحْمِلُونَ السِّلَعَ إلى البَلَدِ للشِّرَاءِ منهم قَبْلَ قُدومِهم البَلَدَ، ومَعْرِفَةِ السِّعْرِ.
قالَ ابْنُ عبدِ البَرِّ: وأمَّا قَوْلُهُ: ((لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ)) فقَدْ رُوِيَ هذا المعنَى بألفاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، والمَعْنَى وَاحِدٌ.
-الرُّكْبَانَ: بضَمِّ الراءِ المُهْملةِ وسكونِ الكافِ، جَمْعُ رَاكِبٍ، هم الجماعةُ من أصحابِ الإِبِلِ في السَّفَرِ، فهو فِي الأَصْلِ يُطْلَقُ على رَاكِبِ الإِبِلِ خَاصَّةً، ثم اتُّسِعَ فيهِ فأُطْلِقَ على كُلِّ مَن رَكِبَ دَابَّةً.
والمُرادُ بهم هنا الذينَ يَجْلِبونَ إلى البُلْدانِ المَواشِيَ والطَّعَامَ وغَيْرَهُ لبَيْعِها، سواءٌ كانوا رُكْباناً أو مُشاةً، جَماعَةً أو وَاحِداً، ولكنْ عَبَّرَ بالغَالِبِ.
-حَاضِرٌ: حَضَرَ المَكانَ يَحْضُرُ حُضُوراً: شَهِدَ، فالحَاضِرُ هو المُقِيمُ في المُدُنِ والقُرَى.
-بَادٍ: بَدَا بألفٍ من دُونِ هَمْزةٍ يَبْدُو بَدْواً: سَكَنَ البَادِيَةَ، فالبَادِي: هو المُقيمُ في البَادِيَةِ؛ أي: الصَّحْراءِ، جَمْعُهُ بَادُونَ.
-سِمْساراً: بكَسْرِ السينِ المُهْملةِ وسُكونِ المِيمِ وفَتْحِ السِّينِ الأُخْرَى، آخِرُهُ رَاءٌ، وأصْلُ السِّمسارِ هو: القَيِّمُ بالأَمْرِ والحَافِظُ له، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في مُتَولِّي البَيْعِ والشِّراءِ لغَيْرِهِ، فمعناه: هو الوَسِيطُ بينَ البَائِعِ والمُشْترِي ( الدَّلاَّلُ )، والمَعْنَى مُنْطَبِقٌ عليه على الصحيحِ، سَواءٌ كانَ مُتَوَلِّياً البيعَ، أو مُتَوَلِّياً الشِّرَاءَ للمُشْتَرِي.
قال الْبُخَارِيُّ: قالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ: " لا يَبِيعُ لَهُ شَيْئاً، وَلاَ يَبْتَاعُ لَهُ شَيْئاً ".

687- وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قال: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ، فَمَنْ تُلُقِّيَ فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

مُفْرَداتُ الحديثِ:
-الجَلَبَ: بفتحتَيْنِ، مَصْدَرُ المَجْلُوبِ، يُقالُ: جَلَبَ الشَّيْءَ: جَاءَ به مِن بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ للتِّجَارَةِ.
-سَيِّدُهُ: المُرادُ بهِ جَالِبُ السِّلْعَةِ.
-الخِيَار: أي: يَخْتَارُ أحَدَ الخِيارَيْنِ؛ إمَّا أنْ يَخْتَارَ إِمْضَاءَ البَيْعِ، أو فَسْخَهُ.
ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثَيْنِ:
1-الحديثانِ فيهما فِقْرتانِ لبيانِ نَوْعَيْنِ مِن المُعاملاتِ المُحرَّمَةِ، قولُهُ: ((لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ)) والرِّوايَةُ الأُخْرَى: ((لاَ تَلَقَّوُا الْجَلَبَ))، معناهُ النهْيُ عن استقبالِ القادمِينَ إلى البَلَدِ لبَيْعِ بَضائِعِهم فيه، حِينَما يَتَلَقَّاهُم السَّماسِرَةُ والدَّلاَّلُونَ خَارِجَ السُّوقِ الذي تُبَاعُ فيهِ السِّلَعُ؛ إِمَّا لِيَشْتَرُوا منهم بَضَائِعَهم على جَهْلٍ من القَادمِينَ بقِيَمِها في السُّوقِ، وإِمَّا لِيَتَوَلَّى السَّمَاسِرَةُ بَيْعَها عن أصحابِها على الناسِ.
2-مَذْهَبُ جُمهورِ العُلماءِ تَحْرِيمُ تَلَقِّيهِم والشِّرَاءِ منهم، وتَرْكُهم يَبِيعُونَ سِلَعَهُم بأنْفُسِهم على النَّاسِ.
3-عِلَّةُ التَّحْرِيمِ أمْرانِ:
الأوَّلُ: غَبْنُ القَادِمِينَ بشِرَاءِ سِلْعَتِهم مِنهم بأقَلَّ مِن قِيمَتِها في السُّوقِ.
الثاني: التَّضْيِيقُ علَى النَّاسِ المُحتاجِينَ المُسْتفيدِينَ، وذلك باستقصاءِ جَمِيعِ ثَمَنِها، فقَدْ جَاءَ في مُسْلِمٍ والسُّنَنِ عن جَابِرٍ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: ((لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقُ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِن بَعْضٍ)).

4-الفِقْرَةُ الثَّانِيَةُ: ((فَمَنْ تُلُقِّيَ، فَاشْتُرِيَ مِنْهُ، فَإِذَا وَصَلَ البَائِعُ السُّوقَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ)) ففيهِ إثباتُ الخِيارِ للبَائِعِ بينَ إِمْضاءِ البَيْعِ، أو رَدِّهِ.
قالَ شيخُ الإسلامِ: أثْبَتَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ للرُّكْبانِ الخِيارَ إِذَا تُلُقُّوا؛ لأنَّ فيهِ نَوْعَ تَدْلِيسٍ وغِشٍّ.
وقالَ ابْنُ القَيِّمِ: نَهَى عن ذلكَ لِمَا فيهِ مِن تَغْريرِ البائِعِ؛ فإنَّهُ لا يَعْرِفُ السِّعْرَ، فيُشْتَرَى منه بدُونِ القِيمَةِ؛ ولذا أثْبَتَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ الخِيَارَ إِذَا دَخَلَ السُّوقَ.
جاءَ في حَاشيةِ الشيخِ عَبْدِ الرحمنِ بنِ قَاسِمٍ: الحديثُ وإنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الإطلاقَ، فيُقَيَّدُ بما هو جَارٍ مُتَسامَحٌ فيهِ، من التَّغَابُنِ اليَسِيرِ، والعَقْدُ صَحِيحٌ؛ لأنَّ النَّهْيَ قُصِرَ على التَّلَقِّي، ولَمْ يَقُلْ: لا تَشْتَرُوا، ولا نِزَاعَ في ثُبوتِ الخِيارِ للبَائِعِ من الغَبْنِ غَبْناً يَخْرُجُ عن العَادَةِ.
5-الإسلامُ يُراعِي المَصالِحَ العَامَّةَ، فيُقَدِّمُها على المَصالِحِ الخَاصَّةِ؛ ولذا فإنَّ تَلَقِّيَ الرُّكْبانِ، وبَيْعَ الحَاضِرِ للبَادِي، فيه مَصْلحةٌ خَاصَّةٌ للمُتَلَقِّي الحَاضِرِ، ولكنْ لَمَّا كَانَتْ مَصْلَحَةُ أَهْلِ البَلَدِ بشِرَائِهِم السِّلَعَ رَخِيصَةً قُدِّمَتْ على انْتفاعِ الواحدِ.
6-قالَ شيخُ الإسلامِ: مِن البُيوعِ ما نُهِيَ عنه لمَعْنًى فيه، من ظُلْمِ أحَدِ المُتبايعَيْنِ للآخَرِ؛ كبَيْعِ المُصَرَّاةِ، والمَعِيبِ، والنَّجْشِ، ونَحْوِ ذلك، والشارِعُ لَمْ يَجْعَلْها لازِمَةً كالبُيوعِ الحلالِ، بل جَعَلَ الخِيَرَةُ إلى المَظْلومِ، إنْ شاءَ أَبْطَلَها، وإنْ شَاءَ أجَازَها، فإنَّ الشَّارِعَ لم يَنْهَ عنها لحَقٍّ مُخْتَصٍّ باللَّهِ، كما نَهَى عن الفَوَاحِشِ، ونِكَاحِ المُحَرَّمَاتِ، والمُطَلَّقَةِ ثَلاثاً، وبَيْعِ الرِّبا. وبعضُ الناسِ يَحْسَبُ أنَّ هذا النَّوْعَ من جُمْلَةِ ما نُهِيَ عنه، والنَّهْيُ يَقْتَضِي الفَسَادَ، فأفْسَدُوا بَيْعَ النَّجْشِ، والبَيْعَ على أَخِيهِ، وبَيْعَ المُدَلِّسِ، والتَّحْقِيقُ أنَّ هذا النَّوْعَ لَمْ يَكُنِ النهْيُ عنه فيه لحَقِّ اللَّهِ، بل لحَقِّ الإنسانِ.

خِلافُ العُلماءِ:
ذهَبَ جُمهورُ العُلماءِ إلى صِحَّةِ شِرَاءِ مُتَلَقِّي الرُّكْبانِ؛ للحديثِ رَقْمِ ( 686 )، ولأنَّ النَّهْيَ لا يَعُودُ إلى نَفْسِ العَقْدِ، ولا إلى رُكْنِهِ، أو شَرْطِهِ، وإنَّما هو لأجْلِ الإِضْرارِ بالرُّكْبانِ.
واخْتَلَفُوا في ثُبوتِ الخِيارِ إذا قَدِمَ السُّوقَ.
فذَهَبَ الشافعِيُّ وأحْمَدُ إلى ثُبوتِهِ إذا غُبِنَ البَائِعُ غَبْناً يَخْرُجُ عن العَادَةِ؛ للحديثِ رَقْمِ ( 686 )، ولأنَّ هذا ضَرَرٌ نَزَلَ به ولا يُمْكِنُ تَلافِيهِ بغَيْرِ الخِيَارِ.
وذهَبَ أبو حِنيفَةَ إلى عَدَمِ الخِيَارِ، والقَوْلُ الأَوَّلُ أصَحُّ.
واخْتَلَفوا في صِحَّةِ بيعِ مَن باعَ على بيعِ أخيهِ، أو اشْتَرَى على شرائِهِ.
فذهَبَ أحمدُ والظاهريَّةُ إلى أنَّ البيعَ والشراءَ غيرُ صَحيحَيْنِ للنهْيِ، والنَّهْيُ يَقْتَضِي الفَسَادَ.
وذهَبَ الثلاثةُ إلى صِحَّةِ البيعِ؛ لأنَّ النهْيَ لا يَعُودُ إلى نَفْسِ العَقْدِ، بل إلى أمْرٍ خَارِجٍ عنه.
واخْتَلَفوا في صِحَّةِ بيعِ الحاضِرِ للبادِي.
فالمَشهورُ عندَ أحمدَ البُطلانُ بشُروطٍ أربعةٍ:
1-أنْ يكونَ بالناسِ حَاجَةٌ إلى السِّلْعةِ.
2-أنْ يَقْدُمَ البائِعُ لبَيْعِ سِلْعَتِهِ بسِعْرِ يَوْمِها.
3-أَنْ يَكُونَ جَاهلاً بسِعْرِها.
4-أنْ يَقْصِدَهُ الحاضِرُ لبَيْعِها.
ودليلُهم: أنَّ النهْيَ يَقْتضِي الفَسادَ.
وذهَبَ جُمهورُ العلماءِ إلى صِحَّةِ البيعِ، معَ التحريمِ؛ لمُخالفتِهِ النهْيَ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, شروطه

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:41 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir