دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > الرسالة التدمرية

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #4  
قديم 16 ذو الحجة 1429هـ/14-12-2008م, 03:48 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي التوضيحات الأثرية للشيخ: فخر الدين بن الزبير المحسِّي


معنى الإحكامِ والتَّشَابُهِ

قولُه : ( ومِمَّا يُوَضِّحُ هذا : أنَّ اللهَ وَصَفَ القرآنَ كلَّه بأنه مُحْكَمٌ وأنه مُتَشَابِهٌ، وفي موضِعٍ آخَرَ جَعَلَ منه ما هو مُحْكَمٌ ومنه ما هو مُتَشَابِهٌ، فيَنْبَغِي أن يُعْرَفَ الإحكامُ والتَّشَابُهُ الذي يَعُمُّهُ ، والإحكامُ والتَّشَابُهُ الذي يَخُصُّ بعْضَه، قالَ اللهُ تعالى : { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ } فأَخْبَرَ أنه قد أُحْكِمَتْ آياتُه كلُّها، وقالَ تعالى : { اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} فأَخْبَرَ أنه كلَّه مُتَشَابِهٌ) .

التوضيحُ

أي: ومِمَّا يُوَضِّحُ اختلافَ الأوصافِ للشيءِ الواحدِ أنَّ اللهَ تعالى وَصَفَ القرآنَ بأنه مُحْكَمٌ كلُّه كما في قولِه تعالى : { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} ووَصَفَه بأنه مُتَشَابِهٌ كلُّه كما في قولِه : { اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ} .
وأَخْبَر بأنَّ منه ما هو مُحْكَمٌ ومنه ما هو مُتَشَابِهٌ كما سَبَقَ في آيةِ آلِ عِمرانَ.

كيفيَّةُ الجمْعِ بينَ الوَصْفَينِ

أوَّلاً : معنى الإحكامِ .
قولُه : ( والْحُكْمُ هو الْفَصْلُ بينَ الشيئينِ، فالحاكِمُ يَفْصِلُ بينَ الْخَصْمَيْنِ، والحكْمُ فَصْلٌ بينَ المُتَشَابِهاتِ، عِلمًا وعَمَلاً، إذا مَيَّزَ بينَ الحقِّ والباطِلِ، والصِّدْقِ والكَذِبِ، والنافِعِ والضارِّ، وذلك يَتَضَمَّنُ فعْلَ النافِعِ وتَرْكَ الضارِّ، فيُقالُ: حَكَمْتُ السَّفِيهَ وأَحْكَمْتُه إذا أَخَذْتَ على يَدَيْهِ ، وحَكَمْتُ الدابَّةَ وأَحْكَمْتُها : إذا جَعَلْتَ لها حِكَمَةً، وهي ما أَحاطَ بالحَنَكِ من اللِّجامِ، وإحكامُ الشيءِ إتقانُه، فإحكامُ الكلامِ إتقانُه بتمييزِ الصدْقِ من الكَذِبِ في أخبارِه، وتمييزِ الرَّشَدِ من الغَيِّ في أوامرِه، والقرآنُ كلُّه مُحْكَمٌ بمعنى الإتقانِ، فقد سَمَّاهُ اللهُ حَكِيمًا بقولِه: { الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} فالحكيمُ بمعنى الحاكِمِ، كما جَعَلَه يَقُصُّ بقولِه : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وجَعَلَه مُفْتِيًا في قولِه: { قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} أي: ما يُتْلَى عليكم يُفْتِيكم فيهنَّ، وجَعَلَه هاديًا ومُبَشِّرًا في قولِه : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} .

التوضيحُ

يَتَبَيَّنُ الجمْعُ بتعريفِ كلٍّ من الإحكامِ والتَّشَابُهِ
أوَّلاً : الإحكامُ : مأخوذٌ من الْحُكْمِ وأصْلُه مَعْنَيان 1) الْمَنْعُ ومنه الفَصْلُ بينَ الشيئينِ ،والحِكْمَةُ فَصْلٌ بينَ الْمُشْتَبِهَيْنِ عِلْمًا وعَمَلاً ، حَكَمْتُ السَّفِيهَ وأَحْكَمْتُهُ إذا أَخَذْتَ على يَدَيْهِ؛ لأنَّ فيه الْمَنْعَ من السَّفَهِ ، وحَكَمْتُ الدابَّةَ جَعَلْتُ لها الْحِكَمَةَ, وهي ما يُحِيطُ بالْحَنَكِ من اللِّجامِ 2), وإحكامُ الشيءِ إتقانُه.

- والمرادُ هنا : إحكامُ الكلامِ, أي: إتقانُه بتمييزِ الصدْقِ من الكَذِبِ في أَخبارِه, والغَيِّ من الرَّشَدِ في أوامرِه، فبهذا الاعتبارِ: القرآنُ كلُّه مُحْكَمٌ .
لذلك سَمَّاهُ اللهُ حَكِيمًا وجَعَلَه يَقُصُّ الْحَقَّ وجَعَلَه مُفْتِيًا وهَادِيًا ومُبَشِّرًا ، ومِن هذا يُؤْخَذُ جَوازُ نِسبةِ الأفعالِ للقرآنِ, فيقالُ : أَمَرَ القرآنُ وقَصَّ وهَدَى بمعنى مُتَضَمِّنٍ للأمْرِ والقَصَصِ وغيرِه، وأَدِلَّةُ ذلك ما يَلِي.
قولُه:{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ} وقولُه : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} وقولُه : { قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} وقولُه : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ} .
وهذا ما يُسَمَّى بالإحكامِ العامِّ

ثانيًا : معنى المُتَشَابِهِ

قولُه : ( وأمَّا التَّشَابُهُ الذي يَعُمُّه: فهو ضِدُّ الاختلافِ الْمَنْفِيِّ عنه في قولِه : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} وهو الاختلافُ المذكورُ في قولِه : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} فالتَّشَابُهُ هنا: هو تَمَاثُلُ الكلامِ وتَنَاسُبُه، بحيث يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا ، فإذا أَمَرَ بأمْرٍ لم يَأْمُرْ بنقيضِه في مَوْضِعٍ آخَرَ، بل يَأْمُرُ به أو بنظيرِه أو بملزوماتِه، وإذا نَهَى عن شيءٍ لم يَأْمُرْ به في مَوْضِعٍ آخَرَ، بل يَنْهَى عنه أو عن نَظِيرِه أو عن ملزوماتِه ، إذا لم يكنْ هناك نَسْخٌ ، وكذلك إذا أَخْبَرَ بثُبوتِ شيءٍ لم يُخْبِرْ بنقيضِ ذلك . بل يُخْبِرْ بثبوتِه أو بثبوتِ ملزوماتِه ، وإذا أَخْبَرَ بنَفْيِ شيءٍ لم يُثْبِتْهُ ، بل يَنْفِيه أو يَنْفِي لوازِمَه ، بخِلافِ القولِ المُختلِفِ الذي يَنْقُضُ بعضُه بعضًا ، فيُثْبِتُ الشيءَ تارةً ويَنْفِيهِ أخرى ، أو يَأْمُرُ به ويَنْهَى عنه في وقتٍ واحدٍ، ويُفَرِّقُ بينَ المُتَمَاثِلَينِ، فيَمْدَحُ أحدَهما ويَذُمُّ الآخَرَ.

فالأقوالُ المُختلِفةُ هنا: هي الْمُتَضَادَّةُ، والمُتَشَابِهةُ: هي الْمُتَوَافِقَةُ ، وهذا التَّشَابُهُ يكونُ في المعانى, وإن اختَلَفَت الألفاظُ، فإذا كانت المعاني يُوَافِقُ بعضُها بعضًا ويُعَضِّدُ بعضُها بعضًا، ويُنَاسِبُ بعضُها بعضًا ، ويَشْهَدُ بعضُها لبَعْضٍ ، ويَقْتَضِي بعضُها بعضًا: كان الكلامُ مُتَشَابِهًا ، بخِلافِ الكلامِ الْمُتناقِضِ الذي يُضَادُّ بعضُه بَعْضًا) .

التوضيحُ

ثانيًا : التَّشَابُهُ : هو تَنَاسُبُ الكلامِ وتَمَاثُلُه، والمقصودُ بكونِ القرآنِ مُتَشَابِهًا, أي: يَتَنَاَسبُ بعضُه مع بعضٍ, ويُصَدِّقُ بعضُه بعضًا ، وهو ضِدُّ الاختلافِ الذي نَفَاهُ اللهُ تعالى بقولِه : { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} فالمَنْفِيُّ مُجَرَّدُ الاختلافِ والتضارُبُ والكثيرُ من بابِ أَوْلى ، وفي قولِه سبحانَه وتعالى : { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} فإذا أَمَرَ بأمرٍ لم يأمُرْ بنَقِيضِه في مَوْضِعٍ آخَرَ، بل يَأْمُرُ به أو بنظيرِه أو بملزوماتِه ، ثم قَيَّدَه بشرْطِ أن لا يكونَ نَسْخًا؛ فالنسْخُ دالٌّ على أنَّ الأمْرَ الأوَّلَ مُوَقَّتٌ بوَقْتٍ, ثم جاءَ الأمْرُ الثاني بشيءٍ مِثْلِه أو أَحْسَنَ منه؛ فمَثلاً الصلاةُ إِمَّا أنْ يَأْمُرَ بها أو بنظيرِها كالصيامِ والزكاةِ، أو بما تَسْتَلْزِمُها كالوضوءِ، كذلك إذا نَهَى عن شيءٍ كالشرْكِ مَثلاً فإنه لا يَأْمُرُ به بعدَ ذلك, بل يَنْهَى عنه أو عن نَظيرِه ، كنَهْيِه عن ضَرْبِ الأمثالِ للهِ أو عن لوازمِه الْمُفْضِيَةِ إليه كالْغُلُوِّ والذرائعِ والوسائلِ الشِّرْكِيَّةِ، وإذا أَخْبَرَ عن خَبَرٍ ما فإنه لا يَنْبَغِي ذلك الخبرُ، وهكذا مِمَّا يَدُلُّ على تصديقِ بعضِه لبعضٍ ، وتَنَاسُبِ آياتِه ، لذلك قالَ سبحانَه تعالى : { اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ } وقولُه : { مَثَانِيَ } لتَثْنِيَةِ القَصَصِ وتكريرِه للأحكامِ والمواعِظِ، ولأنه يُثَنَّى في التلاوةِ فلا يَمَلُّ سامعُه, ولا يَسْأَمُ قَارِئُه.

أنواعُ التَّشَابُهِ والإحكامِ والعَلاقَةُ بينَها
قولُه : ( وهذا التَّشَابُهُ العامُّ لا يُنَافِي الإحكامَ العامَّ بل هو مُصَدِّقٌ له؛ فإنَّ الكلامَ المُحْكَمَ الْمُتْقَنَ: يُصَدِّقُ بعضُه بعضًا، لا يُناقِضُ بعضُه بَعْضًا، بخِلافِ الإحكامِ الخاصِّ فإنه ضِدُّ التَّشَابُهِ الخاصِّ) .

التوضيحُ

من خلالِ ما سَبَقَ تَبَيَّنَ لنا أنَّ الإحكامَ نوعان والتَّشَابُهَ نوعان:
إحكامٌ عامٌّ بمعنى الإتقانِ ، وإحكامٌ خاصٌّ أو نِسْبِيٌّ, وهو الذي سَبَقَ في آيةِ آلِ عِمرانَ، وتَشابهٌ عامٌّ بمعنى التناسُبِ والتَّمَاثُلِ في الصِّحَّةِ والفَصاحةِ، وتشابُهٌ نِسْبِيٌّ, وهو الذي سَبَقَ في آيةِ آلِ عِمرانَ.

- والإحكامُ العامُّ لا يُنَافِي التَّشَابُهَ العامَّ؛ فإنه كُلَّمَا كان الكلامُ مُتْقَنًا كان مُصَدِّقًا بعضُه لبعضٍ ومُتَنَاسِبًا ، فلذلك وُصِفَ القرآنُ بأنه مُحْكَمٌ كلُّه ، وكلُّه مُتَشَابِهٌ؛ لأنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتوافقان بل ومُتلازِمان.

- وأمَّا الإحكامُ الخاصُّ فإنه ضِدُّ التَّشَابُهِ الخاصِّ، لذلك ذَكَرَ اللهُ تعالى أنَّ بَعْضَ القرآنِ مُتَشَابِهٌ وبعضَه مُحْكَمٌ، وقد وَقَعَ الخِلافُ في معنى كُلٍّ من المُحْكَمِ الخاصِّ والمُتَشَابِهِ الخاصِّ، وتفصيلُه في الفِقْرَةِ التاليةِ :

الخِلافُ في الإحكامِ والتَّشَابُهِ في آيةِ آلِ عِمرانَ
قولُه : ( والتَّشَابُهُ الخاصُّ : هو مُشَابَهَةُ الشيءِ لغيرِه من وجهٍ، مع مخالَفَتِه له من وجهٍ آخَرَ، بحيث يَشْتَبِهُ على بعضِ الناسِ أنه هو هو ، أو هو مِثْلُه ، وليس كذلك, والإحكامُ: هو الفصْلُ بينَهما بحيث لا يَشْتَبِهُ أحدُهما بالآخَرِ، وهذا التَّشَابُهُ إنما يكونُ لِقَدْرٍ مُشْتَرَكٍ بينَ الشيئينِ مع وجودِ الفاصِلِ بينَهما، ثم مِن الناسِ مَن لا يَهْتَدِي للفَصْلِ بينَهما فيكونُ مُشْتَبِهًا عليه، ومنهم مَن يَهْتَدِي إلى ذلك.
فالتَّشَابُهُ الذي لا تَمَيُّزَ معه قد يكونُ من الأمورِ النِّسْبِيَّةِ الإضافيَّةِ ، بحيث يَشْتَبِهُ على بعضِ الناسِ دونَ بعضٍ. ومِثلَ هذا يَعْرِفُ منه أهْلُ العلْمِ ما يُزيلُ عنهم الاشتباهَ) .

التوضيحُ

أوَّلاً: المعنى اللُّغَوِيُّ : التَّشَابُهُ: من الشَّبَهِ: وهو أن يُشْبِهَ أَحَدُ الأمْرَيْنِ الآخَرَ حتى يَلْتَبِسَا.
وعَرَّفَه شيخُ الإسلامِ بأنه: مشابَهَةُ الشيءِ لغيرِه من وجهٍ مع مخالَفَتِه له من وَجهٍ آخَرَ ، بحيث يَشْتَبِهُ على بعضِ الناسِ أنه هو هو أو هو مِثْلُه ، وليس كذلك ، وأمَّا المُحْكَمُ في اللغةِ فقد سَبَقَ أنه على مَعْنَيَيْنِ: الْمَنْعُ والفَصْلُ بينَ الشيئين أو الإتقانُ ، وأمَّا معنى المُحْكَمِ والمُتَشَابِهِ الوَارِدَيْنِ في الآيةِ ففيهما أقوالٌ كثيرةٌ, وخُلاصَتُها ما يَلِي:

قيلَ: المُحْكَمُ ما اسْتَقَلَّ بنفسِه وظَهَرَ معناه، والمُتَشَابِهُ ما احتاجَ إلى بيانٍ فيَدْخُلُ فيه الْمُجْمَلُ وغيرُه. وهو قولُ مُجاهِدٍ واختيارُ الإمامِ أحمدَ والشافعيِّ.

وقيلَ: المُحْكَمُ هو المعمولُ به والمُتَشَابِهُ هو المنسوخُ, وهو قَوْلُ ابنِ عبَّاسٍ وابنِ مسعودٍ وغيرِهما.
المُحْكَمُ ما فَهِمَهُ العلْماءُ والمُتَشَابِهُ ما اسْتَأْثَرَ اللهُ بعِلْمِه كالغَيْبيَّاتِ والحروفِ الْمُقَطَّعَةِ ، وهو قولُ جابِرٍ والثوريِّ, ورَجَّحَه ابنُ جَريرٍ والقُرْطُبيُّ.
المُحْكَمُ ما أَحْكَمَهُ اللهُ وفَصَّلَه كالمواريثِ والقَصَصِ وغيِرها ، والمُتَشَابِهُ ما اشْتَبَهَت الألفاظُ فيه.
الإحكامُ والتَّشَابُهُ أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ من حيث الْمَعْنَى, يُفْهَمُ بِحَسَبِ تفاوُتِ أَفهامِ الناسِ ، وهو اختيارُ شيخِ الإسلامِ حيث قالَ هنا : " فالتَّشَابُهُ الذي لا تَمْيِيزَ معه قد يكونُ من الأمورِ النِّسْبِيَّةِ الإضافيَّةِ بحيث يَشْتَبِهُ على بعضِ الناسِ دونَ بعضٍ .
ومن أَدِلَّةِ هذا القوْلِ :
- قولُه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ . وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ )) .
- ويَشْهَدُ له كذلك أَجوبةُ ابنِ عبَّاسٍ لنافِعِ بنِ الأزْرَقِ, وقد سألَه عن آياتٍ في مُختلَفِ الأبوابِ مِمَّا يَدُلُّ على أنَّ التَّشَابُهَ نِسْبِيٌّ إضافيٌّ ، ومِثْلَه كذلك ما ذَكَرَه الإمامُ الْمَلْطِيُّ من عشراتِ الآياتِ في مُختلَفِ الموضوعاتِ, ثم قالَ :" فهذه جُمْلَةٌ مُخْتَصَرَةٌ من تفسيرِ المُتَشَابِهِ بَيِّنَةٌ كافيةٌ نافِعَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَتَدَبَّرَ " .
ومُنَاقَشَةُ هذه الأقوالِ يَطُولُ, والذي تَجْتَمِعُ عليه الأَدِلَّةُ والأقوالُ هو القولُ الأخيرُ, واللهُ أعلَمُ.

والخُلاصَةُ:
إنَّ الإحكامَ الخاصَّ ضِدُّ التَّشَابُهِ الخاصِّ، فالمُتَشَابِهُ الخَاصُّ هو مُشَابَهَةُ الشيءِ لغيرِه من وجهٍ مع مخالَفَتِه له من وَجْهٍ آخَرَ بحيث يَشْتَبِهُ على بعضِ الناسِ.
والإحكامُ هو الْفَصْلُ بينَ الشييئينِ بحيث لا يَشْتَبِهان, وهما أَمران نِسْبِيَّانِ.

صُوَرٌ من التَّشَابُهِ الخَاصِّ
قولُه: ( كما إذا اشْتُبِهَ على بعضِ الناسِ ما وُعِدُوا به في الآخِرَةِ بما يَشْهَدُونَه في الدنيا, فَظَنَّ أنه مِثْلُه، فعَلِمَ العُلَماءُ أنه ليس مِثْلَه، وإن كان مُشَابِهًا له من بعضِ الوُجوهِ، ومن هذا البابِ : الشُّبَهُ التي يَضِلُّ بها بعضُ الناسِ، وهي ما يَشْتَبِهُ فيها الحقُّ والباطلُ حتى تَشْتَبِهَ على بعضِ الناسِ، ومَنْ أُوتِيَ العلْمَ بالفَصْلِ بينَ هذا وهذا لم يَشْتَبِهْ عليه الحقُّ بالباطلِ، والقياسُ الفاسدُ إنما هو من بابِ الشُّبُهَاتِ؛ لأنه تَشْبِيهٌ للشيءِ في بعضِ الأمورِ بما لا يُشْبِهُهُ فيه، فمَن عَرَفَ الفصْلَ بينَ الشيئينِ اهْتَدَى للفَرْقِ الذي يَزُولُ به الاشتباهُ والقياسُ الفاسِدُ) .

التوضيحُ

ذَكَرَ هنا من صُوَرِ التَّشَابُهِ ثلاثَ صُوَرٍ:

أحدُها : اشتباهُ ما أَخْبَرَ اللهُ تعالى به في اليومِ الآخِرِ بما هو موجودٌ في الدنيا ، فيَظُنُّ بَعْضُ الناسِ أنهما مُتَمَاثِلان فيَهْتَدِي أهْلُ العلْمِ إلى التفاوُتِ العظيمِ بِناءً على ما دَلَّتْ عليه النصوصُ, كما سَبَقَ عن ابنِ عبَّاسٍ.

ثانيها: الشُّبَهُ التي يُلْقِيهَا أهلُ الباطِلِ على أهلِ الحقِّ هي من قَبِيلِ المُتَشَابِهِ حيث تَشْتَبِهُ على بعضِ الناسِ فيَظُنُّه حقًّا ، ولكنَّ أهلَ العلْمِ يَرُدُّونَ ذلك فيُمَيِّزُونَ بينَ الحقِّ والباطلِ، والْمَلِيءِ والعَاطِلِ ، كما قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحريفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ )) .

ثالثًا: القياسُ الفاسِدُ من المُتَشَابِهِ كذلك ، فإنه كما قالَ شيخُ الإسلامِ: تَشْبِيهٌ للشيءِ في بعضِ الأمورِ بما لا يُشْبِهُهُ فيه، كما سَبَقَ في قياسِ الْمُتَكَلِّمِينَ استواءَ اللهِ باستواءِ خَلْقِه, فكلُّ ذلك من المُتَشَابِهِ.

 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
معنى, وصف

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir