ص: مسألة: الأمر لطلب الماهية لا لتكرار ولا مرة والمرة ضرورية، وقيل: مدلولة، وقال الأستاذ والقزويني: للتكرار مطلقاً، وقيل: إن علق بشرط أو صفة وقيل بالوقف.
ش: اختلف في الأمر المطلق أي الذي ليس مقيدا بمرة ولا تكرار على مذاهب:
أحدها: أنه لطلب فعل الماهية، من غير دلالة على تكرار ولا مرة، لكن المرة الواحدة لا بد منها في الامتثال، فهي من ضروريات الإتيان بالمأمور به، وهذا مختار الإمام مع نقله عن الأقلين، ورجحه أيضاً الآمدي وابن الحاجب وغيرهما.
الثاني: أنه يدل على المرة بلفظه، وأن هذا مدلوله فلا يحمل على التكرار إلا بدليل، وحكاه الشيخ أبو إسحاق عن أكثر أصحابنا وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء وعن اختيار القاضي أبي الطيب والشيخ أبي حامد، وقال ـ أعني الشيخ أبا حامد ـ: إنه مقتضى قول الشافعي.
الثالث: أنه للتكرار، وبه قال الأستاذ أبو إسحاق والشيخ أبو حاتم القزويني كما نقله عنه صاحبه الشيخ أبو إسحاق في (شرح اللمع).
وقول المصنف: (مطلقاً) يحتمل أنه أراد به التكرار المستوعب لزمان العمر، وهو كذلك عند القائل به، لكن بشرط الإمكان دون أزمنة قضاء الحاجة والنوم وضروريات الإنسان كما قاله الشيخ أبو إسحاق وابن الصباغ، ويحتمل أنه أراد به مقابل ما سنحكيه من التفصيل في القول بعده، وإليه ذهب الشارح.
والرابع: أنه إن علق على شرط أو صفة اقتضى التكرار مثل: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} وإن كان مطلقاً لم يقتضيه، وقال البيضاوي في هذه الصورة: يقتضه قياساً لا لفظاً.
الخامس: الوقف وهذا محتمل لأمرين كلاهما قول محكي، أحدهما: أن يكون مشتركاً بين التكرار والمرة، فيتوقف إعماله في أحدهما على قرينة.
والثاني: أنه لأحدهما ولا نعرفه، فيتوقف لعدم علمنا بالواقع، فتكون الأقوال ستة وفيه قول سابع، وهو: أن المعلق بالصفة يقتضي التكرار دون المعلق بالشرط، ارتضاه القاضي أبو بكر، ورجحه بعض المتأخرين، لأنهم لم يذكروا في القياس أن تعليق الحكم على الشرط يفيد كونه علة له، إنما ذكروا ذلك في الصفة، وذكر الآمدي وابن الحاجب والصفي الهندي وغيرهم: أن محل الخلاف فيما لم يثبت كونه علة فإن ثبت كونه علة كالزنا، تكرر الحكم بتكرره اتفاقاً، وهذا مناف لكلام الإمام وأتباعه، حيث مثلوا بهاتين الآيتين مع كون الجنابة علة للطهر، والسرقة علة للقطع، والله أعلم.
تنبيه:
جعل الشارح لفظ المصنف الأمر بطلب الماهية بالباء، وشرحه على أنه تصوير للمسألة، والخبر في قوله: (لا لتكرار ولا مرة) ولا معنى لذلك، فإن الأمر هو الطلب وإنما عبارة لطلب الماهية باللام وهو الخبر، وقوله: (لا التكرار ولا مرة) لتقرير ذلك، وتأكيده والله أعلم.