دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 03:22 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

تطبيقات على درس الأسلوب البياني
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 محرم 1440هـ/26-09-2018م, 10:46 PM
ميمونة التيجاني ميمونة التيجاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
الدولة: Makkah almokrmah
المشاركات: 385
افتراضي

التفسير البياني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الله عز وجل في سورة القيامة ﴿بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفسِهِ بَصيرَةٌ﴾ [القيامة: 14]
بل : حرف اضراب وانتقال الى معنى اخر .
الإنسانُ : مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة .
على نفسه : جار ومجرور متعلقان ببصيرة .
بصيرةٌ : خبر مرفوع بالضمة ، والبصير هي : رؤية القلب والإدراك الباطني وتقدير " بصيرة" اي : ذو بصيرة من قبيل حذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه كقوله تعالى " أن اعمل سابغات " اي : دروعاً سابغات( منتدى المفيد في معنى بصيرة)
بدأت الآية بحرف ( بل ) الذي يفيد الإضراب و الانتقال من معنى سابق الى معنى اخر فالآية السابقة يُنبى الانسان بما قدم و اخر و مع ان الانسان سيُنبى بما قدم و اخر فهو مع هذا الأنباء و الأخبار سيكون بصير وشاهد على نفسه عالم بما قدم و اخر من اعمال صالحة او سيئة و لو اعتذر او أنكر وهو الزم له كما قال الله تعالى ( اقرأ كتابك كفى بنفسك عليك اليوم حسيبا ) ، فكلمة ( بصيرة ) على صيغة "فعيل" و ذكر العلماء في لفظ ﴿بصيرة﴾ ثلاثة أقوال:
القول الاول :أنه اسم مصدر، فيكون المعنى أن الإنسان هو بصيرة على نفسه، أي: أنه سِجِلُّ على نفسه، فهو كما تقول: أنت حجة وبرهان على نفسك".
الثاني: أنه صيغة مبالغة، ودخلت الهاء على صفة المذكر كما دخلت على راوية وعلامة وطاغية.
الثالث: أن البصيرة هي جوارحه تشهد عليه بما عمل»([مفاتيح الغيب 16/27.]) وذلك كقوله تعالى ( ﴿اليَومَ نَختِمُ عَلى أَفواهِهِم وَتُكَلِّمُنا أَيديهِم وَتَشهَدُ أَرجُلُهُم بِما كانوا يَكسِبونَ﴾ [يس: 65] وقال تعالى ( ﴿وَقالوا لِجُلودِهِم لِمَ شَهِدتُم عَلَينا قالوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذي أَنطَقَ كُلَّ شَيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيهِ تُرجَعونَ﴾ [فصلت: 21]، وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {بل الإنسان على نفسه بصيرةٌ} يقول: سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه ذكره ابن كثير في تفسيره
وهذه الأقوال الثلاثة مما يحتمله سياق الآية، ولا مانع من حمل المعنى عليها جميعا، فالسياق يحتملها كلها ، فالإنسان في هذا اليوم بصير على نفسه أتم البصر، فقد انكشف عنه غطاء الغفلة والشهوات ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾[ق:22]. «فجاء البصر موصوفاً بحديد على سبيل المبالغة، مما يشعر بقوة البصر والبصيرة في هذا اليوم، وله من جوارحه بصيرة له وعليه»([المفردات للراغب: 49]).
وهو نفسه بصيرة، أي حجة على نفسه، ومن ثم تتلاقى ظلال تلك المعاني جميعاً لإثراء المعنى لدى القاريء المتدبر فيزداد يقينا و تقوى

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 09:01 PM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

قال الله عز وجل:﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾( الجمعة : 5 )
في الآية الكريمة مثل ضربه الله تعالى لأحبار بني إسرائيل المعاصرين لرسول الله ، وهو صفة عموم اليهود، فقد مَثَّلهم سبحانه في تحملهم للتوراة، وعدم انتفاعهم بها بحمار يحمل أسفارًا. فكما أن الحمار لا ينتفع بما في تلك الأسفار من العلوم النافعة، ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ؛ كذلك اليهود لم ينتفعوا بما في التوراة من العلوم النافعة ؛ لأنهم نبذوها وراء ظهورهم، واشتروا بها ثمنا قليلا وتركوا العمل بها وكان حظهم منها بأن أن يحملوها دون فهم، ويتفاخرون على العرب في زمانهم بأنهم أهل علم وكتاب ، ويحقرون من لم تكن بين يديه هذه الأسفار.
قال تعالى :﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾( آل عمران : 187 )

﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾: مثل، وقوله :﴿ مَثَل الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ مثل آخر، وبين المثلين وجه شَبَهٍ، دلَّت عليه كاف التشبيه ؛فقد شبه سبحانه اليهود- في أنهم حملة التوراة وقرّاؤها وحفاظ ما فيها، ثم إنهم غير عاملين بها ولا منتفعين بآياتها، والآية فيها نعت رسول الله ﷺ والبشارة به ولم يؤمنوا به- بالحمار يحمل أسفارا وهو من تشبيه المعقول بالمحسوس المتعارف ؛ ولذلك ذُيِّل بقوله تعالى :﴿ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ ﴾.
﴿حُمِّلُوا : أي كُلِّفوا أن يقوموا بحقها من القيام بالأوامر والنواهي يقال: حملت فلانا أمر كذا فاحتمله، وفي هذا المعنى إشعار بثقل التكليف منه جل وعلا لهم، كان عهدًا مؤكدًا عليهم، حتى لكأنهم تحملوه كما يتحمل الإنسان شيئًا قد وضع فوق ظهره، أو كتفيه، ولكنهم نبذوه وألقوه وراء ظهورهم وفيه استعارة: بتشبيه تكليفهم بالأمر بحمل الحِمْل على ظهر الدابة، وبذلك كان تمثيل حالهم بحال الحمار يحمل أسفارا تمثيلا للمعنى المجازي بالمعنى الحقيقي. وهو من لطائف القرآن.
وفي البناء للمجهول لطيفة أخرى وهي صيانة اسمه الشريف عن أن يذكر عن العصيان.
وقد ذكر الجرجاني معنى آخر فقال: حُمِّلُوا من الحَمْلة بمعنى الكفالة، لا من الحمل على الظهر، والحميل هو الكفيل أي ضمنوا أحكام التوراة.
﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا: لم يفوا بما كُلِّفوا به، ولم يعملوا بموجبه ؛ لأن حملَ التوراة يبدأ بالفهم والفقه والإدراك وينتهي بالعمل لكن سيرة بني إسرائيل- كما عرضها القرآن الكريم، وكما هي في حقيقتها- لا تدل على أنهم قدَّروا هذه الأمانة حقَّ قدرها، ولا أنهم فقهوا حقيقتها، ولا أنهم عملوا بها ، بل أوَّلوا التوراة، وبدلوا فيها، وحرفوا ومن ثَمَّ كان مثلهم في ذلك ؛ كمثل الحمار يحمل أسفارًا بل كانوا أسوأ حالاً من ذلك الحمار فالحمار لا فقه عنده، وهم قد عطّلوا منافذ الفقه والفهم في عقولهم.
وفي التعبير بأداة البعد (ثم) معنى بديع، قال البقاعي في نظم الدرر: ولما كان تركهم لحملها وهي من عند الله وعلى لسان رجل منهم هو أعظم في أنفسهم وأجلهم إحسانا إليهم في غاية البعد ولا سيما مع طول الزمان المسهل لحفظها الميسر لتدبرها وتعرف مقدارها، عبر بأداة البعد فقال: ﴿ثم لم يحملوها﴾.
﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ: أي مثل ﴿الحمار﴾ الذي هو أبله الحيوان، فهو مثل في الغباوة ، فمثَّلهم بالحمار، ولم يمثِّلهم بالإبل مع أن المشهور عن العرب أنهم يستعملون الإبل في حمل أثقالهم وأمتعتهم بلن الله تعالى جعل الإبل آية من آياته، ودعا إلى النظر في خلقها نظر تأمل وتفكر واعتبار، فقال سبحانه :﴿ أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ ﴾( الغاشية: 17 )، وجعلها أيضًا من شعائر دينه، فقال سبحانه :﴿ الْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾( الحج : 36 ). وأهل الكفر والضلال لا يحسُن أن يمثَّلوا بما جعله الله تعالى آية من آياته، وشعيرة من شعائره ؛ وإنما يمثَّلون بما هو مَثَلٌ للسَّوْء، وليس هناك مثلٌ أسوأ من مَثَل الحمار في هذا المقام، يمثَّلون به، فكان هذا التمثيل إشعارًا بكبر مقت الله تعالى لهم، وغضبه عليهم.
﴿يحْمِلُ أَسْفَارًا: جمع سِفْرٌ، بكسر السين، وهي الكتب الكبار الجامعة للعلوم النافعة، وفي لفظ السِّفر، معنى الكشف. وقد قيل : سُمِّيَ السِّفر سِفرًا ؛ لأنه إذا قرىء يسفِر يسفر عن الحقائق. أي : يبيِّنها ويوضِّحها. وقيل : يعني كتابًا، بلغة كنانة. وقيل : الكتاب بالنبطية يسمَّى : سِفْرًا. والسَّفَرَةُ، محركةً : الكَتَبَةُ، جمع : سافِر، وهو بالنَّبَطِيَّة : سافرا. والسَّفَرَةُ : كتَبَةُ الملائكة الذين يحصون الأعمال. قال الله تعالى :﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴾( عبس : 15 ). وما بأيديهم هو الأسفار.
وجملة ﴿ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ قيل حال من الحمار ؛ لكونه معرفة لفظًا، ونسب أبو حيان للمحققين تعيُّنَ الحالية في مثل ذلك، وقيل : صفة له ؛ لأن تعريفه ذهني، في معنى النكرة، فيوصف بما توصف به ويؤيد ذلك قراءة ابن مسعود :﴿ كَمَثَلِ حِمَارٍ ﴾ بالتنكير.
﴿بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ
﴿ بِئْسَ ﴾ لفظ جامع لأنواع الذمِّ كلها، وهو ضد نِعْمَ في المدح، وهما فلان جامدان، لا يتصرفان ؛ لأنهما أزيلا عن موضعهما. فنِعْم منقول من قولك : نَعِم فلان، إذا أصاب نعمة. وبِئْس منقول من بَئِس فلان، إذا أصاب بؤسًا. فإذا قلت : بِئْس الرجل، دللت على أنه قد استوفى الذم الذي يكون في سائر جنسه. وإذا قلت : نِعْم الرجل، دللت على أنه قد استوفى المدح الذي يكون في سائر جنسه. وعليه فإن هذا المثل قد دل على أنه استوفى الذم الذي يكون في سائر أمثال السَّوْء، فهم قد ضموا إلى جهلهم بمعاني التوراة تكذيبا بآيات الله وهي القرآن. و ﴿مثل القوم﴾، فاعل بئس، و(﴿الذين كذبوا﴾) صفة (القوم) .
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ: تذييل فيه إخبار عنهم بأن سوء حالهم، لا يرجَى لهم منه انفكاك ؛ ﴿والله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال لا يهديهم فلا يخلق الهداية في قلوب الذين تعمدوا الزيغ ؛ لأنهم ظلموا أنفسهم وتعمدوا الظلم بمنابذة الهدى الذي هو البيان الذي لم يدع لبسا حتى صار الظلم لهم صفة راسخة، فكذبوا النبي محمد دون نظر، وجحدوا آيات الله تعالى دون تدبر.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: قاس من حمَّله سبحانه كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ثم خالف ذلك ولم يحمله إلا على ظهر قلب، فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع ولا تحكيم له وعمل بموجبه، كحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدري ما فيها، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا؛ فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره؛ فهذا المثل وإن كان قد ضرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به، ولم يؤد حقه، ولم يرعه حق رعايته.
والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 10:45 PM
عبد الكريم محمد عبد الكريم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 194
افتراضي

{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّين}[الفاتحة:7]


و هذه الآية هي دعاء و طلب من الله سبحانه و تعالى، و هو دعاء عظيم فمن هداه الله لهذا الطريق المستقيم فقد فاز بخيري الدنيا و الآخرة و وفق توفيقا عظيما من خالقه سبحانه.
فمن هداه الله فقد وفقه للعلم و العمل لأن الهداية تستلزم العلم ثم يكون تمامها بالتوفيق للعمل .
و الناس في الهداية أصناف فمنهم من حقق أصل الاسلام و قارف المعاصي و منهم من المتقين و من أهل الإحسان و هم أعلى الدرجات.
و لذلك تختلف النيات عند الدعاء بهذا الدعاء العظيم فمن كان من المحسنين كان دعاؤه بطلب التوفيق لأعلى المراتب و معرفة الحق و التزام طريقه والتوفيق لسلوكه في جميع شؤونهم، و من دونهم فهم في منزلة أدنى في النية و كل بحسب نيته حتى إن بعضهم يدعوا به بقلب غافل لاه لا ينوي بها شيئا غير القيام بالواجب من قراءة السورة.
فمن كان دعاؤه بحضور قلبه ليس كمن دعا بقلب غافل لاه، و من كان يدعوى بها متضرعا متذللا متوسلا و هو يشعر أنه بأمس الحاجة إليها ليس كغيره.
و المؤمن بحاجة إلى سؤال الهداية في كل حين لأسباب:
- أن الهداية قائمة على العلم والعمل فهو بحاجة للبصيرة في الدين و الاعانة على العمل. فمتى عرف الطريق و السبيل الموصله إلى ربه بقي عليه التوفيق لسلوكها، فليس كل من عرف الحق اتبعه و لا كل من عرف الباطل اجتبه و لذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : اللهم أرني الحق حقا و ارزقني اتباعه و أرني الباطل باطلا و أرزقني اجتنابه، فطلب من الله معرفة الحق و هذا هو العلم ثم طلبه التوفيق لاتباعه ، و كذلك الباطل.
- القلب يتقلب و يتلون فهو بحاجة للثبات. فمتى سال العبد ربه الهداية فهو يطلبه أن يثبته علىا لحق و أن يزيده تمسكا به و ثباتا عليه .
- كثرة الفتن التي تعرض للعبد في طريقه إلى ربه.فربما زاغ عن الصراط قليلا أو كثيرا فلا بد له من توفيق إلاهي ليرده إلى صوابه فيسأل ذلك من ربه.
و لما ذكر الله الصراط ذكره بصيغة معرفة لتدل على الصراط الذي جعله الله طريقا لعباده و دليلا لهم هو أحق من يوصف بالصراط و هو كذلك طلب الهداية لهذا الصراط المعروف و ليس أي صراط بل يراد به الصراط الذي جعله الله طريقا لرضوانه و جنته .
و قد يأتي الصراط منكّراً في غير مقام الدعاء و إنما في مقام الإخبار
و إنما يأتي معرفا في موضعين:
- أن يكون لها معهود ذهني، ففي الآية محل دراستنا، يعلم المخاطبون أن لله صراطا مستقيما يدعو إليه الرسل
- أن يكون لها ذكر لفظي تكون اللام مصروفة إليه.
و لفظ صراط مشتقة من (( صرطتُ الشيءَ أصرطْه)) إذا بلعته بلعا سهلا
و الطريق سمي : صراطا؛ لأنه يسترط المارة فيه
و الصراط يجمع خمسة أوصاف: الاستقامة و السهولة و السعة و أن يكون مسلوكا موصلا.
و قد بين الله الصراط المستقيم في الآية التي تليها بأحسن بيان . فهو الطريق لمن أنعم الله عليه و اختصهم برحمتهم ممن سلكوا هذا السبيل الذي جاءت به الرسل و دعت إليه و بينوه أوضح بيان، و هذا الطريق ليس بطريق المغضوب عليهم من اليهود و من شابههم ممن علم و تكبر و عاند، و لا هو بطريق أهل الضلال من النصارى و من شابههم ممن عبد الله بما لم يأمر به ، بل هو طريق الرسل و ما دعوا إليه من الحق و ساروا عليه.
و الله سبحانه و تعالى أضاف الإنعام إليه فقالت [ أنعت عليهم ] و لم يقل: المنعم عليهم. و ذلك لأن أفعال الاحسان و الرحمة و الجود تضاف إليه سبحانه، بخلاف العقوبة و الجزاء فإنه يحذف الفاعل و يبنى الفعل للمفعول كقوله [ المغضوب عليهم ] .
و نعمة الهداية هي مما اختص الله بها دون أن يشاركه غيره فأضيفت إليه، و أما لمغضوب عليهم فهم في مقام الإعراض و عدم الالتفات لهم فأشار إلى الصفة فقط.
و الله سبحانه حذف متعلق الانعام في هذه الآية ليدل على كل ما من شأنه حصول تمام الهداية.
و هذا يستوجب شكر النعمة
و الهداية هنا لم تتعدى بإلى و لا باللام و إنما عديت بنفسها و قد وردت الثلاث في القران:
- [ لتهدي إلى صراط مستقيم ] عديت بإلى .
- [ الحمد لله الذي هدانا لهذا ] عديت باللام
- [ و يهديك صراطا مستقيما ] عديت بنفسها كالآية موضع الدراسة.
و القاعدة أن كل فعل يتعدى بحروف متعددة فإن له مع كل حرف معنى زائد عن غيره.
و الله سبحانه و تعالى خص أهل الهداية بالنعمة دون غيرهم و يتبين ذلك بـ :
- النعمة المطلقة : لا تكون إلا لأهل الإيمان. لأنها تكون في الدارين.
- مطلق النعمة : يكون للبر و الفاجر

و تقدم المغضوب عليهم على الضالين لأوجه:
- أنهم قبلهم في الزمان.
- كانوا جيران النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة .
- لغلظ كفرهم فهم أهل عناد و بغي و خصهم الله باللعنة
- الغضب ضد الإنعام فناسب ذكر ما هو ضد الانعام المتقدم ذكره.

و الهداية لها أنواع أربعة :
1- الهداية العامة، من حسن الخلق و كمال الصورة و الهداية لما خلقه له من الأعمال و هذا تعم جميع المخلوقات، فالحيوانات تهتدي لمصالحها ، و الأعضاء تهدي لما خلقت له فالرجلين للمشي و اليدين للعمل و البطش و غيرها.
2- هداية البيان لطريق الحق و طريق الضلال.
3- هداية التوفيق و الإلهام.
4- الهداية للجنة و النار.

و الحمد لله أولا و آخرا

ملاحظة:
جل هذا المكتوب مستخلص من :
- كتاب الفوائد لابن القيم رحمه الله
- تفسير سورة الفاتحة للشيخ الداخل
جزاهما الله خير الجزاء

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 محرم 1440هـ/28-09-2018م, 10:48 PM
عبد الكريم محمد عبد الكريم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 194
افتراضي

تصحيح
- كتاب بدائع الفوائد لابن القيم رحمه الله

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 محرم 1440هـ/29-09-2018م, 06:16 PM
ناديا عبده ناديا عبده غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
المشاركات: 540
افتراضي

الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
سبحانه الذي خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، وأوضح لهم دينه، وفصل لهم شريعته، وبين لهم حدوده، ووعد الطائعين أجرا عظيما، وفوزا كبيرا، وتوعد العاصين بالخسران المبين, والعذاب الأليم الذي لا بد له من أن يقع .


فقال تعالى :{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } (1) المعارج.

لنقف مع هذه الآية الصغيرة لفظا , والكبيرة معنى ,والعظيمة قوة , ولننظر في سر بلاغتها مستعينين بالله تعالى.
قال أبو جعفرٍ: ( اختلفت القرأة في قراءة قوله: {سأل سائلٌ} فقرأته عامة قرأة الكوفة والبصرة: {سأل سائلٌ} بهمز {سأل سائلٌ} بمعنى سأل سائل من الكفار عن عذاب اللّه، بمن هو واقع , وقرأ ذلك بعض قرأة المدينة: (سال سائلٌ) فلم يهمز (سال)، ووجهه إلى أنه (فعل) من السيل. فالذين قرءوا ذلك بغير همز فإنهم قالوا : السائل هو واد من أودية من جنهم يقال له سائل ).
وقرئ سال بغير همز، يقال:. سالت اسال، وسلت أسال، والرجلان يتساءلان ويتساولان بمعنى واحد.
قال العوفي، عن ابن عباس: {سأل سائل بعذابٍ واقعٍ} قال: ذلك سؤال الكفار عن عذاب اللّه وهو واقع.
وقال ابن زيد في قول الله : {سأل سائل بعذاب واقع } قال : قال بعض أهل العلم : هو واد في جهنم يقال له سائل. لكن ذكر ابن كثير أن هذا القول ضعيف، بعيد عن المراد. والصحيح الأول لدلالة السياق عليه .
فقال الزمخشري : سال سائل هو على وجهين إما ان يكون من السؤال وهو لغة قريش, يقولون سلت تسأل , وهما يتسايلان , وأن يكون من السيلان , ويؤيده قراءة ابن عباس سال سيل , والسيل مصدر معنى السائل , كالغور بمعنى غائر , فإن قريشا قد يخففون المهموز في مقام الثقل , وليس ذلك قياسا في لغتهم , بل لغتهم تحقيق الهمز .
قال حسان :
سالت هذيل رسول الله فاحشة ضلت هذيل بما سالت ولم تصب.
( أي سألوه الزنى ).
وقد قرأ جمهور السبعة: {سأل} بهمزة مخففة , بينما كان ممن قرأها ( سال) نافع , وابن عامر.
والذي رجحه الطبري أن أولى القراءتين بالصواب قراءة من قرأه بالهمز لإجماع الحجة من القراء على ذلك، وأن عامة أهل التأويل من السلف بمعنى الهمز تأولوه.
ومن ذلك عن مجاهد، {إن كان هذا هو الحقّ من عندك}. الآية، قال: {سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ}.

وفي قوله تعالى : { سأل سائل } بمنزلة سئل لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب , لأن مجيء فاعل الفعل اسم فاعل من لفظ فعله , لا يفيد زيادة علم بفاعل الفعل ما هو .
{ سأل سائل بعذاب واقع} استعجل مستعجل, و دعا داع من المشركين على نفسه وقومه , فقيل: هو النضر بن الحارث, وهو منحرف عن منهج الله , وأعمى القلب و البصيرة , فقوله تعالى عن لسان كفار قريش :{وإذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}( الأنفال : 32)
. كان في طلب نزول العذاب ,لأنه يرى أن القرآن ليس بحق , وهذا هو عين الافتراء والكذب .
وقيل هم كفار قريش يسألون الرسول- صلى الله عليه وسلم - : متى هذا العذاب الذي تتوعدنا به , فقال تعالى في قولهم { قالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب }, { ويستعجلونك بالعذاب }. لاستخفافهم و استهزائهم بحقائق الدين ولعدم تصديقهم لكلام الله عز وجل-: أين العذاب ؟ فليأت . فسؤالهم وقوع العذاب , وهو واقع لا محال له , لكنهم مستعجلون , وقولهم هذا يدل على جهالتهم ; حيث لم يطلبوا الهداية إليه إن كان هو الحق .
{ بعذاب }
وهنا يظهر لنا بلاغة القرآن , حيث تعدية سأل بالباء , وقد اختلفوا في حرف الباء :
* ليصلح الفعل لمعنى الاستفهام والاستعجال , فيكون بمعنى " عن " كقوله : {فاسأل به خبيرا }.
*وقال بعضهم: هذه الباء زائدة.

,ماذا عن العذاب؟
و أما وقوع العذاب المسئول عنه فإنه واقع بهم , وواجب لهم يوم القيامة ، وإنما عبر بالمضارع الدال على الحال للتأكيد على وقوعه ، وكأنه مشاهد ، وهو نظير قوله تعالى : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه} ( النحل : 1).


















المصادر :
---------------
* جامع البيان عن تأويل آي القرآن – أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ( ت : 310هـ).
* معاني القرآن وإعرابه – الزجاج أبو إسحاق إبراهيم السري ( ت: 311هـ ).
* الكشاف – أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد، الزمخشري ( ت : 538 هـ).
* المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي ( ت: 546هـ ).
* الجامع لأحكام القرآن .- أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي ( ت 671 ﻫ ) .
* تفسير القرآن العظيم – عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي \ ابن كثير (ت : 774 هـ).
* التحرير والتنوير – محمد الطاهر بن عاشور ( ت: 1394هـ ).

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 محرم 1440هـ/29-09-2018م, 11:15 PM
هويدا فؤاد هويدا فؤاد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق الأسلوب البيانى

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة في تفسير قول الله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ - حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} التكاثر 1:2


من إحكام الله وكمال رحمته أن جعل كتابه الكريم معجزا فى ألفاظه، وتراكيبه ومعناه،، وذلك ليعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله، وقد تضمنت هاتان الآيتان من الأوجه البيانية البديعة، والفوائد واللطائف العجيبة ما يملأ قلب متأمّلهما تعظيماً لكلام الله جلّ وعلا، ويقيناً بحسن بيانه، وأنّه ليس كمثل كلام الله تعالى كلام.
وهذه الرسالة فيها بيان لما يسّر الله معرفته من الأوجه البيانية في هاتين الآيتين، وبديع اختيار بعض الألفاظ على بعض، وقوّة دلالتها على المعاني المرادة، وسعة آثارها ولوازمها.
فعن جرير بن عبد الله قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إني قارئ عليكم سورة (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) فمن بكى فله الجنة " فقرأها فمنا من بكى، ومنا من لم يبك فقال الذين لم يبكوا قد جهدنا يا رسول الله أن نبكي فلم نقدر عليه، فقال " إني قارئها عليكم الثانية فمن بكى فله الجنة، ومن لم يقدر أن يبكي فليتباك " أخرجه البيهقي في الشعب وضعفه، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول.
وعن مطرف عن أبيه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ (ألهاكم التكاثر)، قال: " يقول ابن آدم: مالي، مالي (قال) وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت"
قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ..}
واللهو لغة: ما يُلهى الإنسان، وفسر الراغب الأصفهانى الإلهاء بأنه: بالاشتغال عما هو أهم.، وعند الرازى: الانصراف إلى ما يدعو إليه الهوى.
وقوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}
فالمتعين هنا أن الإلهاء هنا بالتكاثر، وهو لغة: تفاعل من الكثرة نقيض القلة، ونماء العدد، فالقلة والكثرة تستعمل فى المعدودات، كقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} الأعراف:86
ويُكنى بالقلة عن الذلة، كما يُكنى بالكثرة عن العزة، كما قالَ الأعْشى:
ولَسْتَ بِالأكْثَرِ مِنهم حَصًى وإنَّما العِزَّةُ لِلْكاثِرِ
وفُسر التكاثر هنا، بالمبالغة بالكثرة، وجمهرة المفسرين على أن المراد هنا هو المباهاة والتفاخر، آخذين من التكاثر معنى المفاعلة - مع أن اللغة استعملت "تفاعل" فى المفاعلة وغير المفاعلة، فقيل: كاثر الماء واستكثره، إذا أراد أن يستأثر لنفسه بكثير منه وإن كان الماء قليلا- تأثرا بما ورد فى أسباب نزول السورة، فذهب الطبرى إلى "إنها المباهاة بكثرة المال والعدد....." وبالجملة يدخل فيه التكاثر بكل ما يكون من الدنيا ولذاتها وشهواتها، ولهذا ذمهم الله تعالى لأن التفاخر بالمال والجاه والأعوان والأقرباء تفاخر بأخس المراتب من أسباب السعادات، والاشتغال به يمنع الإنسان من تحصيل السعادة النفسانية بالعلم والعمل، فيكون ذلك ترجيحا لأخس المراتب فى السعادات على أشرف المراتب فيها، وذلك يكون عكس الواجب ونقيض الحق. والخطاب هنا عام لكل من ألهاهم التكاثر والتكالب على زينة الدنيا من مال وولد، مهما تكن خصوصية السبب الذى قيل أن الآية نزلت فيه.
وعن قتادة أنه قال: كانوا يقولون: نحن أكثر بنى فلان، ونحن أعد من بنى فلان"
وفى (البحر المحيط) أنها نزلت فى اليهود.
وقال النيسابورى: إنه التكاثر بالأموات منهم.
لطائف بيانية:
1- قال تعالى "ألهاكم" ولم يقل : شغلكم، فلا يترادف اللهو والمشغلة فى القرآن، فالانشغال يكون بالُمجدى والغير مُجدى، أما اللهو فلا يكون إلا بغير المُجدى.
2- نوع "ال" فى (التكاثر): للعهد وليست للإستغراق، حيث أن مطلق التكاثر ليس بمذموم، بل التكاثر فى العلم والطاعة والأخلاق الحميدة محمود، ويُندب إليه.
3- حذف معمول التكاثر: فقال سبحانه ألهاكم التكاثر ولم يقل عن كذا بل أطلقه لأن الإطلاق أبلغ في الذم لأنه يذهب فيه الوهم كل مذهب، فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام، لأن حذف المتعلق مشعر بالتعميم كما تقرر في علم البيان.
والمعنى أنه شغلكم التكاثر عن علم كل شيء يجب عليكم الإشتغال به من طاعة الله والعمل للآخرة والاستعداد لها قبل الموت.
قوله تعالى: {حَتَّىٰ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}
و (حتى) غاية، واختلاف التفسير على اختلاف معمولها على معنيين:
الأول: يحتمل أن تكون الغاية للمتكاثر به الدال عليه التكاثر، أى: بكل شيء حتى القبور تُعدونها، وذكرتم الموتى وعددتموهم للمفاخرة والمكاثرة فيكون ذلك على طريق التهكم بهم، وهذا يجرى على ما روى مقاتل والكلبى أن بنى عبد مناف وبنى سهم تفاخروا بكثرة السادة منهم، فكان عبد مناف أكثر، فقال بنو سهم: عُدوا مجموع أحيائنا وأمواتنا مع مجموع أحيائكم وأمواتكم، ففعلوا فزاد بنو سهم، فنزلت الآية، وهذه الرواية مطابقة لظاهر القرآن.
فتكون الزيارة مستعملة فى معناها الحقيقى، أى: زرتم المقابر وذكرتم الموتى وعددتموهم للمفاخرة والمكاثرة فيكون ذلك على طريق التهكم بهم، والعرب يُكنون بالقبر عن صاحبه، قال النابغة:
لَئِنْ كانَ لِلْقَبْرَيْنِ قَبْرٍ بِجِلِّقٍ ∗∗∗ وقَبْرٍ بِصَيْداءَ الَّذِي عِنْدَ حارِبِ
وقالَ همام الرقاشى:
لَوْ عُدَّ قَبْرٌ وقَبْرٌ كُنْتُ أقْرَبَهم ∗∗∗ قَبْرًا وأبْعَدَهم مِن مَنزِلِ الذّامِّ
أي: كنت أقربهم منك قبرا، أى: صاحب قبر.
الثانى: يحتمل أن يكون غاية لفعل (ألهاكم)، كما فى قوله تعالى: {قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْنا مُوسى} طه: ٩١.
والمعنى: دام إلهاء التكاثر إلى أن زرتم المقابر، أى: استمر بكم طول حياتكم.
ولكون الزيارة على هذا الوجه عبارة عن الحلول فيها بالموت، أى: قبور المقابر، وعبر عن موتهم بزيارة المقابر لأن الميت قد صار إلى قبره كما يصير الزائر إلى الموضع الذي يزوره.
لطائف بيانية:
1- فى استعمال حتى: أى أن غاية التكاثر إلى زيارة المقابر، وليس وراء هذا التكالب إلا المقابر، وأتى بها القرآن هكذا إثر التكاثر فيبلغ الترويع منتهاه بقصر المسافة بينهما، والانتقال السريع، بل المباغت، من التكاثر إلى المقابر.
2- فى استعمال لفظ "زرتم" دون غيره: استعمال لفظ الزيارة صريح الإيحاء بأن الإقامة فى القبر ليست اقامة دائمة، وإنما نحن فيها زائرون، والزائر غير مقيم، وسوف تنتهى الزيارة حتما إلى بعث وحساب وجزاء، فهى إقامة عابرة مؤقتة، يعقبها بعث ونشور.
وقد سمع أعرابيا الآية، فقال: بُعث القوم للقيامة ورب الكعبة، فإن الزائر منصرف غير مقيم"
3- التعبير بالفعل الماضى "زرتم" لتنزيل المستقبل منزلة الماضى لتحقق وقوعه، مثل قوله تعالى: {أتى أمْرُ اللَّهِ} النحل:1.
4- استعمال لفظ "المقابر" دون "القبور":
ا- رعاية للفاصلة بين "التكاثر" و"المقابر".
ب- المقابر جمع مقبرة، وهى مجتمع القبور، أى: الأرض التى فيها قبور كثيرة، واستعمالها هنا يقتضيه معنويا، أنه اللفظ الملائم للتكاثر، الدال على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون من متاع دنيوى فان... هناك حيث مجتمع القبور ومحتشد الرمم ومساكن الموتى على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم ودرجاتهم وأزمنتهم، وهذه الدلالة من السعة والشمول لا يمكن أن يقوم بها لفظ "القبور" بما هى جمع لقبر، فبقدر ما بين قبر ومقبرة من تفاوت، يتجلى إيثار البيان القرآنى "المقابر" على "القبور"، حين يتحدث عن غاية ما يتكاثر به المتكاثرون، وحين يلتفت إلى مصير هذه الحشود من ناس يلهيهم تكاثرهم عن الاعتبار بتلكم المقابر التى هى مجتمع الموتى ومزار الراحلين الفانين.
هذا –بفضل الله- غاية ما توصلت إليه من الإعجاز البيانى فى هاتين الآيتين الذى يوجز رحلة الدنيا وعبرة الموت ونذر المصير، فى جملة خبرية -أوقع فى الزجر وأبلغ فى الوعيد- مكونة من أربع كلمات فحسب، تفجأ اللاهين فى نشوة الدنيا، بصدمة "زرتم المقابر" ليس بينها وبين "ألهاكم التكاثر" إلا "حتى" أداة غاية.[1]
اللهمَّ إنا نسألك ألا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن تجعل الآخرة هى همنا، ونكون ممن قلت فيهم :" إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ"
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] - المراجع:
- مفاتيح الغيب — فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
- نظم الدرر — البقاعي (٨٨٥ هـ)
- فتح البيان — صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)
- التحرير والتنوير — ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
- التفسير البيانى للقرآن الكريم – بنت الشاطىء

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 محرم 1440هـ/30-09-2018م, 12:23 AM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

التطبيق : رسالة تفسيرية بالأسلوب البياني
قوله تعالى " نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم .وأن عذابي هو العذاب الأليم "
قوله تعالى " نبئ عبادي"
الإنباء أخص من الإخبار ، وهو :
إخبار صادق ، عن أمر ذي شأن ، يفيد علما،له أثر على المنبأ به.
ولا يطلق النبأ على الخبر التافه إلا على سبيل التهكم، فيطلق النبأ على مايعتلى به و يهتم به ويركن إليه ، ويحتاج من المنبئين به أن ينصتوا له ، ويعوه بقلوبهم ، ويعرفوا له قدرة،
والتشديد في "نبئ" للدلالة على التوكيد ، وبيان عظم الأمر المنبأ به
تشديد الآيه بالأمر " نبئ " :يهيئ النفس لتلقي هذا النبأ ذي الشأن ، فيلقى السامع سمعه ، ويحضره بعقله ، ويتفكر فيه ، ويتبصر به ، وحتى يدرك مقصده وأثره ، ويتبع مافيه من الهدى "
قوله " أني "
استهلال البيان موضوع النبأ وأنه أشرف موضوع وأجل منبأ به ، فهو نبأ عن الله ، صيغ بأداة التوكيد "أن" وحذفت نُون الوقاية "أنني" للإشعار بجلالة النبأ ، وسرعه الدخول في المراد
قوله "أنا":
ضمير الفصل ، دال على معنى الحصر والتوكيد لمعنى الإضافة في "أني" ليدل على رهبة الرسالة ، وجلالة قدرها ، وعظم خطرها ، لأجل تلقي هذا الخطاب بالتعظيم والإجلال ، وإلقاء السمع قوله " الغفور":
بدأ بالمغفرة لإذهاب مافي النفس من رهبة أول الخطاب ، ليحل محلها الرجاء ، وحتى يكون أوقع في النفس وأحسن أثر
" غفور" كثير الغفران ، لما استعظم من الذنوب ، وفيه دعوه للاستغفار ، رجاء ، لا ييأس معه " الرحيم" وسعت رحمته كل شيئ ، كثير الرحمة ، وصيغة المبالغه : تأتي لمعنى الكثرة ، والعظمة ، فهو رحيم بالمعنيين : رحمته عظيمة واسعه وفيه قوه قذف معنى الرحمة في القلب حتى يمتلئ بذلك الشعور.
كثرة رحمته : ترجو أن تناله ولا تضيق عنه
عظم رحمته : ترجو أن تصيبه وتسعده في الدنيا والأخرى
والرجاء من أقوى دوافع العمل ، والتعظم الرجاء في القلب يتحمل العبد المشاق ، ويعاني الصعاب ، فرح مبتهج غير آسف على مامضى ، يهون عليه مايلقى في سبيل الرجاء " أولئك يرجون رحمة الله " " يرجون تجارة لن تبور" فلما عظم الرجاء في قلوبهم أقدموا على الأعمال ولما اختلف الرجاء على الكافرين هان عليهم الانحراف " إنهم كانوا لا يرجون حسابا"
"عذابي"
الإضافة تقتضي التعريف والاختصاص ، بما يدل على أنه عذاب عظيم " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد"
والمراد بالعذاب :
1_شامل لكل عذاب من الله في الدنيا والآخرة " عذابي أصيب به" وهو قول مبناه على لفظ العذاب في الآية نكرة مضافة ، فأفادت العموم
ويدل عليه ماورد من العقوبات على المعاصي " فليحذر الذين يخالفون ..."
وهناك نصوص تدل على أن من العذاب مايعجل عقوبة صاحبه ، فالمؤمن له تكفير ، والكافر عذاب
2-أن المراد بالعذاب الأكبر ، هو عذاب الخلود في النار ، وهو مبنى على أن لفظ العذاب في الآية عام أريد به الخصوص ، وهو العذاب في قوله " فيعذبه العذاب الأكبر " كما أن يخرج لمناسبة اُسلوب الحصر في قوله " هو العذاب الأليم "
والوجهان يدل بعضها على بعض، فالوجه الثاني داخل في الأول دخولا أوليا ، فإذا هو أولى مايطلق عليه العذاب ، كما يقتضي هذا الوجه الترهيب من كل معصية ، لأن مخالفة الله متوعد عليها بعذاب .
-ومن حملها على الوجه الثاني : فيه دلالة على الترهيب من التعرض لأسباب ذلك العذاب ، فدل على التحذير من المعاصي ، لأنها سبب للعذاب الأكبر ، ومن عذب على الفسق الأكبر بالعذاب الأكبر ،
فكلا الوجهين فيه تحذير من العذاب ، وعلى قدر عظم المعصية يعظم الوعيد
"هو "
ضمير الفصل ، لإفادة الحصر ، على معنى الأولوية في اعتبار الصفة ، إن حمل العذاب على الوجه الثاني ،كان وحده العذاب الأليم وماسواه لا يعد ألمه على شدته
فكل عذاب من آلام الأمراض لا يعد شيئا مقارنة بعذاب الله الأليم .
ومايسمى عذابا يقع على العبد أحد نوعين :
1-مايقع ابتلاء للعبد على الأقدار المؤلمة ، إيلاما جسديا أو نفسيا ، وهذا يسمى عذابا لأن النفس تتعذب به ، وفِي الحديث " السفر قطعة من العذاب"
2- مايقع عقوبة على ذنب ، والإنسان لا يكاد يسلم من تقصير او ذنب " وماأصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "
لذا فإن الاستغفار يدفع العذاب ، وقد يخفف الله العذاب رحمة منه بعبادة فلا يجد إلا ألما يسيرا ،
وقد يجتمع في حق المسلم عذاب الابتلاء وعذاب العقوبة ، فيكون عقوبة لهم على ذنب سابق ، وابتلاء لهم مثل من تولى عن الجهاد " وإن تتولوا كما توليتم يعذبكم .."
وقد تشبه صورة عذاب العقوبة بصورة عذاب الابتلاء سترا من الله لعبادة
وقد يقع عذاب عام ، فيكون للبعض عقوبة ولبعضهم ابتلاء والعبرة بحال العبد ، فإن كان مستقيما كان ابتلاء وإن كان عاصيا كان عقوبة لذنبه ، حتى يتوب قبل عذابه في : سكرات الموت أو القبر أو عرصات يوم القيامة ، أو النار ، فمن لم يتطهر بالتوبة عذب حتى يتطهر من ذنوبه ومقصد الآية تخويف من معصية الله فمن أيقن الإنذار خاف من العذاب

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 محرم 1440هـ/30-09-2018م, 04:49 AM
وحدة المقطري وحدة المقطري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 216
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الحشر/ 1) ، (الصف/ 1)

ذكر الله تعالى في هذه الآية العظيمة الأوصاف، الجليلة المعاني، تسبيح الخلق له، والتسبيح هو مما اختص به الرب سبحانه لنفسه؛ لذا لا نجده يضاف إلا إليه، فلا يقال سبحان فلان أو سبِّح فلانَ أو لفلان أو باسم فلان، ومن أسمائه السُّبوح؛ وهو مما لا يجوز لأحد التسمي به كالله والرحمن ونحوهما، وفي هذا الآية الكريمة مسائل منها:
1- معنى التسبيح لغة:
2- المراد بالتسبيح:
3- هل يكون التسبيح باللسان أم بالقلب أو بالجوارح؟
4- على ماذا يدل التسبيح بالفعل الماضي كما هو في الاية؟
5- معنى اللام في قوله {لله}:
6- هل الأصل أن يتعدى فعل التسبيح بمفعوله بحرف الجر أم يتعدى بنفسه ؟
7- لماذا اختير لفظ الجلالة دونا عن غيره من الأسماء كالرب والرحمن والخالق وغيرها؟
8- معنى {ما} في الآية ؟
9- معنى {في} في الآية؟
10- لماذا ابتدأت الآية بذكر السماوات قبل الآرض.؟
11- لماذا جاء ذكر السماوات بالجمع؟
12- معنى الواو في الآية؟
13- لماذا كرر {ما في} ولم يقل {ما في السموات والأرض} كآية الحديد؟
14- صيغ ورود التسبيح في كتاب الله:
15- دلالة ورود التسبيح بصيغه المتعددة في القرآن:
16- استعمالات التسبيح القولي:
17- من البديع والبيان في الآية:
18- معنى الآية إجمالا:
وأما الجواب على هذه المسائل فهو كالتالي:
1- معنى التسبيح لغة:
جاء في تاج العروس:السَّبْح : ( الإِبْعادُ في السَّيْرِ ) . قال ابن الفَرَج : سمعتُ أَبا الجَهْمِ الجَعْفَريَّ يقول : سَبَحْتُ في الأَرْضِ ، وسَبَخْتُ فيها ، إِذا تَبَاعَدْت فيها .ا.هـ
وقال أبو القاسم الزجاجي: سبحان الله معناه براءة الله من السوء تنزيها لله معناه إبعادا لله من السوء .
والنزهة البعد ورجل نزيه أي بعيد من السوء.ا.هـ كتاب حروف المعاني.
وقال ابن الأثير: وأصلُ التَّسْبِيح : التَّنزيهُ والتقديس والتبرئة من النَّقاَئِص ثم استُعْمِل في مواضعَ تقْرُب منه اتِّسَاعا . يُقال سبَّحته أسبِّحه تسبيحا وسُبحانا فمعنى سُبْحان اللّهِ : تَنْزيه اللّهِ وهو نَصْب على المصدر بفِعْل مُضْمر كأنه قال : أُبَرئُ اللّه من السُّوء بَراءةً . وقيل معناه : التَّسرُّع إليه والخِفَّة في طاعَته . وقيل معناه : السُّرْعة إلى هذه اللَّفْظة . ا.هـ النهاية في غريب الأثر.
وقال الطبري: وأصلُ التسبيح لله عند العرب: التنزيهُ له من إضافة ما ليس من صفاته إليه، والتبرئة له من ذلك، كما قال أعشى بني ثعلبة:
قُولُ -لمَّا جَاءَنِي فَخْرُه-:... سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الْفَاخِرِ
يريد: سُبحان الله من فَخر علقمة، أي تنزيهًا لله مما أتى علقمة من الافتخار، على وجه النكير منه لذلك. ا.هـ جامع البيان في تأويل القرآن.
مما سبق يتلخص أن التسبيح من السبح وهو المر السريع ولهذا قيل هو السرعة والخفة في العبادة ومنه هذه الكلمة الخفيفة على اللسان (سبحان الله) ، وكذلك لأنه من السبح بمعنى التباعد فقائله يبعد الله بلسانه قولا متوافقا به قلبه عن أي نقص وعيب يتنزه عنه الله عز وجل.
2- المراد بالتسبيح:
ورد معنيان عن السلف في التسبيح عند تفسير قوله تعالى: {ونحن نسبح بحمدك} ذكرهما الطبري وابن كثير وغيرهما، فقيل:
1- نصلي لك، قاله ابن عباس ،وابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله السدي ذكره ابن أبي حاتم بإسناده .
2- التسبيح: التسبيح (المعروف)، قاله قتادة، ذكره ابن أبي حاتم بإسناده.
ويضاف معنىً ثالث وهو: الطاعة، يؤخذ من قول أعلام اللغة كالفيروز آبادي وابن الأثير وغيرهما من المتقدمين.
قال الفيروز آبادي: وسُبحانَ اللَّهِ : تَنْزيهاً لِلَّهِ من الصَّاحِبَةِ والوَلَدِ... أو معناهُ: السُّرْعَةُ إليه والخِفَّةُ في طاعَتِهِ . وسُبْحانَ مِن كذا : تَعَجُّبٌ منه .أ.هـ. القاموس المحيط.
وقال ابن عثيمين: إن كل ما في السماوات والأرض يسبح الله بلسان الحال وبلسان المقال إلا الكافر فإنه يسبح الله بلسان الحال لا بلسان المقال؛ لأن الكافر يصف الله بكل نقص. ا.هـ باختصار من تفسير العثيمين لسورة الحجرات.
ومما سبق يتضح أن هذه الأنواع الثلاثة لا تتخالف، وتسعها دلالة اللغة، وكلها تشمل التسبيح؛ فالتسبيح قول ياللسان بسبحان الله خصوصا، أو بلا إله إلا الله وغيرها من الأذكار، وعمل بالجنان وأخصها الصلاة، وكل مخلوق فهو طائع لربه كونا تحت أقداره.
3- هل يكون التسبيح باللسان أم بالقلب أو بالجوارح؟
يكون بالجميع ودليله:
# قوله: { ومن الليل فسبحه } (ق/ 40، الطور/ 49) أي: فصلِّ له، وكذا قوله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين} (الصافات/ 143) أي : من المصلين.
# عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعات. رواه أحمد في المسند. فهو قد سمى النافلة سبحة من التسبيح.
ويكون باللسان -وأفضله ما توافق عليه القلب- كقوله تعالى: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب* إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} (ص/ 17، 18) وقال: { يا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ والطَّيْرَ } [سبأ 10].
4- على ماذا يدل التسبيح بالفعل الماضي كما هو في الاية؟
يدل على تمكن الفعل وثباته وتحقق حدوثه، فمنذ الأزل لم يزل الله مبعد عن كل نقص وعيب وينزهه كل المخلوقات شاءت أم أبت، وليس تنزيهه أمر حادث بعد أن لم يكن.
قال ابن عاشور: وصيغ فعل التسبيح بصيغة الماضي للدلالة على أن تنزيهه تعالى أمر مقرر أمر الله به عباده من قبل وألهمه الناس وأودع دلائله في أحوال ما لا اختيار له ، كما دل عليه قوله تعالى : ( ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ( ( الرعد : 15 ).
5- معنى اللام في قوله {لله}:
فيها احتمالات:
# لام التعليل؛ بمعنى: لأجل ، أي لطاعتك أحدث التسبيح ولوجهك خالصًا ، قاله السمين الحلبي وذكره الزمخشري.
# لام التقوية، للتأكيد، وفائدتها: زيادة بيان ارتباط المعمول بعامله لأن فعل التسبيح متعد بنفسه لا يحتاج إلى التعدية بحرف، قال تعالى : {فاسجد له وسبحه} ( الإنسان/ 26 ) ، فاللام هنا نظيره اللام في قولهم : شكرت لك ، ونصحت لك. ذكره وابن عاشور وبمثله قال الزمخشري.
# لام التبليغ أو لام التبيين: قالوا: نصح له ونصحه، كقوله تعالى: {واشكروا لي و لا تكفرون} وكقوله تعالى : {فتعسا لهم}( محمد/ 8 ) ذكره بان عاشور.
والراجح: أنها تجمع المعنيين الأول والثاني فنحن نسبح لأجل وجه الله وجاءت اللام لتأكيد حصول الفعل، وإن كان المعنى الأول معنىً لطيف وعقدي عظيم، والله أعلم.
6- هل الأصل أن يتعدى فعل التسبيح لمفعوله بحرف الجر أم يتعدى بنفسه؟
له حالات:
1-يأتي متعديا باللام، نحو الفواتح في المسبحات الخمس ابتداء بسورة الحديد وانتهاء بالتغابن.
2- ويأتي متعديا بالباء، كما في قوله تعالى: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) } (الواقعة/ 96).
3-ويتعدى بنفسه وهذا الأصل، كما في قوله تعالى: { ومن الليل فسبحه وأدبار السجود} (الطور/ 49 وكما قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى/ 1) .
وممن ذكر من العلماء أن الأصل فيه عدم التعدية: الزمخشري من المتقدمين، وابن عاشور من المتأخرين.
7- لماذا اختير لفظ الجلالة دونا عن غيره من الأسماء كالرب والرحمن والخالق وغيرها؟
وذلك لأن التسبيح اختص به الله، فكان من المناسب أن يوقع على اسم لله يختص به دونا عن العالمين، ومن الأنسب أن يكون هو اسم الجلالة الجامع لمعاني الجلال والكبرياء والجمال والكمال، كما أن التسبيح هو تنزيه وهو من التعظيم فناسب أن يكون التعظيم لأعظم اسم في الوجود ليدل على حقيقة عظمة وجلال مسماه ولا بوجد ما هو أجل من لفظة (الله)، والله أعلم.
8- معنى {ما} في الآية ؟
(ما) موضوعة لغير العاقل، وقيل تشمل العاقل وغير العاقل ؛ فعلى القول الثاني لا إشكال، وعلى الأول تكون جاءت للتغليب ، لأن من يسبح الله من غير العاقل كحيوان ونبات وجماد أكثر من جنس العقلاء من ملائكة وإنس وجن ومما لا يعلمهم إلا الله لو وجدوا.
قال ابن عاشور: قال السهيلي: أن ما الموصولة يؤتى بها لقصد الإبهام لتفيد المبالغة في التفخيم، كقول العرب: سبحان ما سبح الرعد بحمده، وقوله تعالى: والسماء وما بناها.ا.هـ التحرير والتنوير.
وعلى هذه المسالة تتفرع مسألة: هل تسبيح الغير عاقل حقيقة أم مجاز؟
الجواب: هو تسبيح حقيقي وإن كنا لا نعرف كنهه ، وذلك لعدة أسباب:
1- أن الأصل في الألفاظ هو الحقيقة لأنه هو ما وضعت له، وهو مذهب المحققين من أهل العلم كالشافعي وأحمد وابن تيمية وابن القيم من المتقدمين، ومن المتأخرين محمد الأمين الشنقيطي والسعدي.
2- قال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم}(الإسراء/ 44). فنص الله على أن كل شيء يسبح لله؛ وذلك لأن النفي والاستثناء يفيدان الحصر وفيه توكيد الجملة بما لا يدع للبس مجال، ثم نص سبحانه أننا لا نفقه تسبيحهم، وهو خبر عن الله وجب تصديقه؛ سمعا لوروده وعقلا لأنه أمر معقول؛ فلو تكلم أعجمي لما فقهنا حديثه وهو آدمي مثلنا، فمن باب أولى ألا نفقه من هو من غير جنسنا.
3- ذكرت نصوص صريحة من الكتاب والسنة تثبت حدوث الفهم والاستجابة لله حقيقة من غير العقلاء، منها: {ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته} (الرعد/13) وكقوله تعالى: { واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب* إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} (ص/ 17، 18) وقال: { يا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ والطَّيْرَ } (سبأ/ 10).وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إني لأعرف حجرا كان يسلم علي في مكة" روه مسلم، وحديث حنين الجدع حين مرّ به رسول الله، بعدما تركه ليخطب على المنبر الذي صنع لأجله، فضمه إليه رسول الله ليسكت، وقال : "لو لم أفعل لظلّ يحن ليوم القيامة" وأصل الحديث عند البخاري ورواها غيره.
9- معنى {في} في الآية؟
هي للظرفية ، لتدل على أن كل مخلوق سواء كان يسكن العالم العلوي أو السفلي فهو مسبح لربه طائع له شاء أم أبى لا يخرج عن ذلك كائن من كان.
10- لماذا ابتدأت الآية بذكر السماوات قبل الأرض.؟
لفضلها وشرفها وشرف من فيها، ومن ناحية ثانية لأن السموات أسبق في الوجود من الأرض فناسب ذكرها أولا، قال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} (النازعات 27-30).
11- لماذا جاء ذكر السماوات بالجمع؟
للدلالة على الكثرة،كثرة المسبحين لله .
12- معنى الواو في الآية؟
إما أن تكون لمطلق الجمع والتشريك في الحكم فكل من في السماوات وكل من في الأرض يسبح لله ، وإما أن تكون بحسب السبق الوجودي؛ فمن في السموات وجدوا قبل وجود الأرض وأهلها فكان من المناسب ذكرهم قبل، ولعل هذا أرجح والله أعلم.
13- لماذا كرر {ما في} ولم يقل {ما في السموات والأرض} كآية الحديد؟
لأن في التكرار توكيد ومبالغة من ناحية، ومن ناحية أخرى أبلغ؛ للدلالة على اختلاف تسبيح العالم العلوي عن تسبيح العالم السفلي؛ وذلك لأن العالم العلوي أشرف؛ ففيهم {مَلَائِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} و {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ}، فتسبيحهم ليس كتسبيح من هو محاط بالمعاصي ، قلبه لاهي، وعن الكمال عاري، تسبيح من يعبد قليلا فيملّ أو يتعب أو تشغله صروف المعيشة من طلب رزق ومرض ومشاكل وأعباء، أو قواطع أو الشيطان أو إخوان الردى أو النفس والهوى.
أما آية الحديد فلما كان في نظمها ثلاث آيات -خلاف فاتحتها- فيهن العطف مباشرة بدون تكرار لـ (ما في) ، فناسب أن تنتظم معهن فاتحتها بدون تكرار ، والآيات هن: {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}( آية: 2،5) ، {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} (آية/ 4).
14- صيغ ورود التسبيح في كتاب الله:
ورد التسبيح على أربع صيغ:
1- بالمصدر أو اسم المصدر على الخلاف: ورجح الأول الكرماني وكذلك المبرد في المقتضب لكنه قال: ليس منه فعل فإنما حده الإضافة إلى الله - عز وجل - وهو معرفة | وتقديره - إذا مثلته فعلا : تسبيحا لله، ورجح الثاني ابن عاشور- كما في قوله تعالى: { قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } (البقرة/ 32) وفي قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا} (الإسراء/ 1).
2-وبالفعل الماضي: كما في قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحديد/ 1) وفي قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (الحشر/ 1) ، (الصف/ 1).
3-والمضارع: كما في قوله تعالى: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الجمعة/ 1) ، (التغابن/ 1) .
4-والأمر: كما في قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} (الأعلى/ 1).
15- دلالة ورود التسبيح بصيغة المتعددة في القرآن:
استوعب سبحانه كل تصريفات هذه الكلمة من جميع جهاتها في كتابه العزيز للتنبيه على شرفه سبحانه وعظمة جلاله، وعلى استحقاقه التسبيح في كل زمان ومكان وعلى أنه وصفا لازما له ، وللدلالة على عظيم قدر التسبيح وفضله عند الله، ومحبة الله له ولفاعله، وفيه من الحث على فعله ما هو بيِّن لكل ذي لب.
قال أبو البقاء:
وفي مجيء هذا بلفظ الماضي والمضارع إشعار بأن من شأن ما استند إليه تعالى أن يسبحه في جميع أوقاته وأما مجى ء المصدر مطلقا فهو أبلغ من حيث إنه يشعر بإطلاقه على استحقاق التسبيح من كل شيء وفي كل حال. أ.هـ. كتاب الكليات
وقال علي الطنطاوي: جاء التسبيح بهذه الصيغ المتنوعة للإشعار بان تسبيح هذه المخلوقات لله تعالى شامل لجميع الأوقات. ا.هـ التفسير الوسيط.
16- استعمالات التسبيح القولي:
يستعمل في التنزيه وفي التعجب وكليهما متلازمين؛ فمن الأول قوله تعالى: { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا } (الإسراء/ 1) فهو يقصد به التنزيه أصالة والتعجب تبعا وكما في قوله: {قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه له ما في السموات وما في الأرض} (يونس/ 68 )، ومن الثاني: قوله تعالى: { سبحانك هذا بهتان عظيم } (النور/ 16)إذ المقصود التعجب من عظم أمر الإفك أصالة والتنزيه عما قالوه تبعا.
مستفاد من كلام أبي البقاء صاحب كتاب الكليات.
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (سبوح) وهو حرف مبني على (فعول)، من (سبح الله) إذا نزهه وبرأه من كل عيب ... وقال الأعشى:
سُبْحان مِنْ عَلْقَمَة الْفاخِر
أراد التبرؤ من علقمة ، وقد يكون تعجب بالتسبيح من فخره ، كما يقول القائل إذا تعجب من شيء: سبحان الله، فكأنه قال: عجبا من علقمة الفاخر.
17- من البديع والبيان:
حسن البيان: لأن السامع لم يتوقف في فهم الكلام ولم ينفر من الألفاظ ، بل حتى في الألفاظ فقد جاء بما هو معروف متداول، فلم يقل الغبراء بدلا من الأرض، ولم يقل الخضراء بدلا من السماء!.
الطباق: السموات يقابلها الأرض.
الإيجاز: ذكرت الآية على وجازتها العالم العلوي بما فيه -بقوله تعالى: {ما في السماوات}-، والسفلي بما فيه -بقوله تعالى: {ما في السماوات}-، وخالقهما -بقوله تعالى: {لله}-، وكل أنواع العبادات -بقوله تعالى: {يسبح}- بعبارة موجزة.
قال أبو البقاء الكفومي: ودل على التنزيه البليغ من جميع ما لا يليق بجنابه الأقدس وقد استوعب النظم الجليل جميع جهات هذه الكلمة إعلاما بأن المكونات من لدن إخراجها من العدم إلى الوجود إلى الأبد مسبحة لذاته تعالى قولا وفعلا طوعا وكرها. كتاب الكليات.
التعريض: فإنه تعالى عرض بمن لا يسبحه طاعة وينزهه عما يليق، وهو في حقيقة أمره تحت قهره وسلطانه وطاعته وليس له خروج عن أقداره شأنه كل مخلوق.
قال ابن عاشور: تعريض بالمشركين الذين أهملوا أهم التسبيح وهو تسبيحه عن الشريك والند .أ.هـ التحرير والتنوير (تفسير سورة الحديد، آية1)
18- معنى الآية إجمالا:
ذكر الله عز وجل في هذه الآية العظيمة أن جميع من في السماوات السبع والأرضون السبع من العقلاء وغيرهم كلهم لا يخرج عنهم أحد سبحوا لله بمعنى نزهوه عن كل نقص وعيب لا يتناسب مع جلالة قدره وعظمة سلطانه وكمال صفاته، وأطاعوه بلسان الحال والمقال، وحتى الكافر ليس له خروج عن قهر ربه وسلطانه وأقداره وإن لم يحصل منه التنزيه عن نسبة ما لا يليق بربه وخالقه ومربيه بنعمه وإحسانه من الشريك والولد والزوجة وما أشبه ذلك.
المصادر:
1- تفسير الطبري.
2- تفسير ابن كثير.
3- تفسير العثيمين لسورة الحجرات.
4- تفسير ابن أبى حاتم.
5- تاج العروس للفيروز آبادي.
6- غريب القرآن لابن قتيبة الدينوري.
7- الكشاف للزمخشري.
8- كتاب حروف المعاني لأبي القاسم الزجاجي.
9- .التحرير والتنوير لابن عاشور.
10- الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي.
11- النهاية في غريب الأثر لابن الأثير.
12- أسرار التكرار في القرآن للكرماني.
13- المقتضب للمبرد.
14- كتاب الكليات لأبي البقاء.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 محرم 1440هـ/1-10-2018م, 01:14 AM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة تفسير قول الله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الحشر:21)

بسم الله والحمد الله رب العالمين الملك القدير منزل الهدى والرحمة على عباده، والصلاة والسلام على من بلغ كلامه، أما بعد:

فإن الله تبارك وتعالى قد أنزل القرآن وقد اشتمل على أعظم وأجلّ العلوم، وهو العلم عن ذاته الكريمة، والتعريف بأسمائه وصفاته وأفعاله في خلقه وفق حكمته، وعلمه، وتقديره، وقد اشتمل القرآن على الأحكام والشرائع والآداب، واشتمل على الوعد والوعيد، والإنذار والتبشير، والترهيب والترغيب، وما يُصلح قلوب العباد، ويُهذب نفوسهم، فإن سعادة العباد متوقفة على تدبره والتفكر في معانيه، ولذا فإن الحاجة إليه ماسة، ومن حكمة المولى تبارك وتعالى، أن جعل القلوب تحتاج للارتواء من معين كلماته، ولا تمل النفوس منها مهما كُررت على المسامع.

وفي هذه الآية الكريمة تعظيم لشأن القرآن وبيان أثره على القلوب التي يخاطبها بالأساس وذلك بذكر أثره على ما هو أقسى منها، فإن أثره على القلوب لابد أن يكون أعظم من باب أولى.

وقد تضمنت هذه الآية العظيمة موعظة بليغة لمن أبحر في الغفلات، وأعرض عن شاطئ الهدى والرحمة، وتولى عن أفضل كلام، وأبلغ موعظة، وأعظم شفاء، وأجل هداية، وقد عطّل قلبه عن التدبر لمعانيه، والتفكر في أمثاله.
فإن لهذا القرآن أثرا عظيما بليغا على الفطر السليمة والعقول المستنيرة والنفوس المهدية، فما بال قلبك أيها العبد الفقير الذليل المحتاج، يفوق في قسوته الحجارة، ويزداد إعراضا بترك ينبوع الهداية، والإغراق في ينبوع الغواية.

وقد يسأل سائل ما مناسبة قول الله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ بما سبقها من آيات، يقول ابن عاشور في ذلك كلاما حسنا نورد معناه، فإن الله سبحانه وتعالى لما حذر عباده من اتباع سبل الشيطان المؤدية إلى نسيانه سبحانه والإمعان في سلوك سبل الغي والضلال، ولما كان القرآن كلام الله هاديا لكل خير، محذرا من كل شر، وكان عهد كل فاسق وفاجر البعد عن هديه، فكان ذلك المثال البديع المضروب لأولي الألباب وتوبيخا لكل معرض مرتاب.


قال الله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ﴾
-(لو): حرف شرط غير جازم، أفاد في هذا الموضع امتناع جواب الشرط وهو حدوث الخشوع والتصدع للجبل كما قال تعالى:﴿ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا ﴾ لامتناع فعل الشرط، وهو إنزال القرآن على الجبل كما قال تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ﴾، فلو أنزل الله القرآن على جبل، لخشع وتصدع، وفي الحقيقة أن الله لم يُنزل القرآن على الجبل، وهو غير مُكلف ولا يعقل، ولا يُمييز، ومع ذلك فإنه لو أراد أن يُنزلّه عليه لأنّزله، ولجعل فيه التمييز لكلامه ولخشع الجبل وذل، وتشقق وتصدع من خشيته للملك الحق، وإنما جاء ذلك على سبيل ضرب المثال، لحث الغافلين المعرضين على إحياء قلوبهم بإعمالها فيما خُلقت له من التدبر والتفكر في كلام الله، وفيه توبيخ لهم على غلظة قلوبهم، وقسوتها التي فاقت قسوة وصلابة الجبال، فإن تصدعت وتشققت الجبال من خشية الله فتأثر القلوب من باب أولى لأنها هى المقصودة بالخطاب القرآني وهى التي تعقل وتبصر الحق، كما قال تعالى:﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾.
وقد ذكر الشيخ الشنقيطي رحمه الله أن جواب الشرط محذوف، وقال بعض العلماء أن تقدير جواب الشرط: ( لكان هذا القرآن أرجح من تقديرهم ... ) .اهـ.
و( لو) حرف له استعمالات أخرى، اكتفينا بذكر استعماله في هذه الآية الكريمة.

-(أنزلنا): (أنزل) فعل ماضٍ على وزن (أفعل)، أما (نزل) على وزن فعل. و(نَزَلَ) النون والراء واللام كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه.كما ذكره ابن فارس في مقاييس اللغة.
والفعلان دالان على نفس المعنى إلا أنه بينهما فرق، وقد تنوعت عبارات المفسرين في ذكر الحكمة من وراء استعمال كل فعل منهما في المواضع التي ذُكر فيها.

-فهناك من قال أن ( نزل ) يكون للإشارة إلى نزول القرآن مفرقا، وقد نزلت الآيات مبينة لحوادث وقعت، ونزلت بالأحكام ونزلت تنبئ عما سيقع في المستقبل.. ، وأما (أنزل) فيكون لما أُنزل جملة واحدة وهذا يشمل القرآن حين أُنزل إلى السماء الدنيا من اللوح المحفوظ، وكذلك يشمل إنزال التوراة والإنجيل فهما مما نزلا جملة.
وقد ورد الفعلان في آية واحدة، حيث قال الله تعالى: ﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ﴾، فالفعل (نزل) جاء مع الكتاب وهو القرآن لأنه نزل مفرقا، و(أنزل) جاء مع التوراة والإنجيل لأن نزولهما كان جملة.
وكان هذا هو قول الزمخشري واتبعه عدد من المفسرين كالرزاي الذي قال: "إن التنزيل مختص بالنزول على سبيل التدريج، والإنزال مختص بما يكون النزول فيه دفعة واحدة". وقال أيضاً: "ولفظة (نزل) تدل على التفريق، وأما لفظة (أنزل) فتدل على الجمع". اهـ.
وهناك من قال أنما بنفس المعنى وأن استعمال الصيغتان من باب التنويع.
وهذان القولان يحتاجان إلى استقراء الآيات التي ورد فيها الصيغتان، للخروج بقول فصل، أو محاولة لاستظهار الحكمة من وراء استعمال كل صيغة بحسب كل موضع، ولعل هذا يُفرد له بحث خاص، لا مجال له الآن.
ونحن نعتقد بأن لله تبارك وتعالى حكمة في ذلك، وأنه لا حرف وضع في القرآن إلا وهو الأكمل في موضعه إذ يفيد معنى لا يفيده حذفه.

- و(أنزلنا): ضمير نون العظمة، وهذا يناسب الإجلال والتعظيم في حق ذي الكمال والجلال.
- وفائدة الإتيان باسم الإشارة (هذا) وهى للقريب، للتنبيه على أن القرآن قريب منهم، بمقدورهم تدبره والتفكر فيه، وقال ابن عاشور: " وهَذا القُرْآنُ إشارَةٌ إلى المِقْدارِ الَّذِي نَزَلَ مِنهُ، وهو ما عَرِفُوهُ وتَلَوْهُ وسَمِعُوا تِلاوَتَهُ" اهـ.
وقول ابن عاشور يخالف ما اتجه إليه الزمخشري ومن تبعه في التفريق بين ( أنزل ) و( نزل)، ولعل في الاستقراء تتجلى لنا حكمة أو فائدة.

-والمراد ب (جبل) جنس الجبال، واستعمال (الجبل) هنا في ضرب المثال لدلالته على الصلابة والقسوة، فلا يؤثر فيه شيء بسهولة، وذلك لبيان غلظة قلوب المعرضين عن القرآن، فإن حرّكت عظمة القرآن ومواعظه الجبال وشققتها على قسوتها وصلابتها، فإن أثره على مضغة أعظم، ولكن الذين أعرضوا قد تبلدت أحاسيسهم، وتحجرت قلوبهم.

ونظائر هذا المعنى، قول الله تعالى :﴿وَلَوْ أنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ أوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أوْ كُلِّمَ بِهِ المَوْتى﴾

﴿ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾
وهذه الجملة الثانية في الآية وهى جواب الشرط على قول الله تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ﴾
-(لرأيته): الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن جرير الطبري والبقاعي في تفسيريهما. فهو أول مُخاطب بالقرآن، وقد ذكر بعض المفسرين أنه هو الأولى بهذه الرؤية إن كانت واقعة كما ذكر البقاعي.
وقال ابن عاشور: "والخطاب في ( لرأيته ) لغير مُعين، فيعمُ كل من سمع هذا الكلام، والرؤية بصرية، وهى منفية لوقوعها جوابا لحرف ( لو) الامتناعية." اهـ.

وقد أورد ابن عادل في اللباب كلاما في هذا فقال:
"وقيل: الخطاب للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أي: لو أنزلنا هذا القرآن يا محمد على جبل لما ثبت وتصدع من نزوله عليه، وقد أنزلناه عليك وثبتناك له، فيكون ذلك امتناناً عليه أن ثبته لما لم يثبت عليه الجبال.
وقيل: إنه خطاب للأمة، وأن الله - تعالى - لو أنذر بهذا القرآن الجبال لتصدّعت من خشية الله، والإنسان أقل قوة وأكثر ثباتاً، فهو يقوم بحقه إن أطاع، ويقدر على ردّه إن عصى؛ لأنه موعود بالثواب، ومزجُور بالعقاب." اهـ.

- ونقول :ولا يمتنع أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، وأغلب القرآن على هذا، فلا قرينة تفيد اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم هنا، كما أن المراد من الآية هو تنبيه المعرضين على ما فاتهم في إذ انصرفوا عن درب القرآن وهداه.

والتعبير ب( رأيت): دال على الرؤية البصرية المحسوسة، فإن للقرآن أثرا ظاهرا يُرى على من شرح الله صدورهم بنور كلامه فيظهر ذلك على الجوارح وعلى أحوال العباد الظاهرة.

-(خاشعا): من خشع يخشع خشوعا، أي متذللا، والخشوع: التَّطَأْطُؤُ والركوع، كما قال ابن عاشور.
وقيل هو:الانكسار والتذلل والسكون. وقيل أنه قريب من الخضوع إلا أن الخضوع يكون في الأبدان، والخشوع يظهر على الأصوات كما قال تعالى: ﴿ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَٰنِ ﴾،ويظهر على الأبدان كما قال تعالى: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩﴾، وعلى الأبصار كما قال تعالى: ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾، وظهور الخشوع على الجوارح هو بسبب ما اعتمل في القلب ، وهو الأساس، فإن خشع القلب خشعت الجوارح كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾.

-(متصدعاً): متشققا، والتصدع : الشق في الشيء الصلب كالزجاجة والحائط وغيرهما، والجمع: صدوع.وتصدع: شق الشيء نصفين فافترق كل شق، وقيل: شق الشيء دون أن يفترق.
كما أورده ابن منظور في لساب العرب، واستدل بما قاله قيس بن ذريح:
أَيا كَبِداً طارتْ صُدُوعاً نَوافِذاً، ... وَيَا حَسْرَتا مَاذَا تَغَلْغَلَ بِالْقَلْبِ؟

ومما يدل على القول الأول: قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾، وفيه قال الزجاج: يتفرقون فيصيرون فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير.وأصلها يتصدعون فقلب التاء صاداً وأُدغمت في الصاد.
وما يدل على القول الثاني: القول للأرض التي خرج منها النبات: تصدعت بالنبات: أي تشققت و حدثت فيها شقوقا، وذلك ليخرج النبات منها لكن دون أن تصير أجزاء متفرقة.

وجاء ف( متصدعا) قراءة حيث قرأ طلحة بن مصرّفٍ: "مُصَّدِّعًا" عَلى إدْغامِ التاءِ في الصادِ .كما ذكره ابن عطية، والزمخشري والسمين الحلبي.
وكما هو معلوم فإن زيادة المبني زيادة في المعنى فهنا "مُّتَصَدِّعًا" تفيد شدة التصدع والانشقاق الذي صار بالجبل من نزول كلام الله عليه وخشيته.

لطيفة ( استعمال الخشوع والتصدع ):
ولنا هنا وقفة- وهو استنباط ولعلنا نُصيب فيه- فإنه سبحانه وتعالى قد وصف حال الجبل إذا أُنزل عليه القرآن بوصفين: الخشوع والتصدع، فالأول هو وصف ذُكر في مواضع عدة في القرآن الكريم، كم أسلفنا فإن الخشوع يظهر على الأبدان والأصوات والأبصار، وهذا بسبب خشية الله الواقعة في القلب، فخشعت الجوارح وذلت، فوصفُ الجبل به وهو جماد لبيان عظيم ما أحدثه القرآن من أثر عليه.

ثم وصفَ الجبل بوصف التصدع وهو ما يتناسب مع طبيعته الصلبة القاسية، ليكون الوصف متصورا تستحضره الأذهان لمشهد جبل عظيم صلب قد تصدع وتشقق من كلام الرحمن.

و الخشوع هو عبادة قلبية، إن صدقت في القلب، ظهرت على الجوارح، وكذلك الحال إن كان بالجبل تمييزاً لخشع الجبل من نزول القرآن عليه ولظهر أثر ذلك على طبيعته تصدعا وشقوقا.
فسبحان الذي اختار الكلمات، ووضعها في نسق عجيب، يعجز عن الإتيان بمثله الخلق جميعا ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيرا.

لطيفة (تأثر الجمادات):
وتأثر الجمادات وحصول الخشوع منها والبكاء قد ورد في القرآن وفي السُنة، وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾.
-وقال الله تعالى: ﴿تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنهُ وتَنْشَقُّ الأرْضُ وتَخِرُّ الجِبالُ هَدًّا﴾.

وقد أورد ابن كثير في تفسيره ما ثبت عن تأثر الجذع وحنينه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا عُمِلَ لَهُ الْمِنْبَرُ، وَقَدْ كَانَ يَوْمَ الْخُطْبَةِ يَقِفُ إِلَى جَانِبِ جِذْعٍ مِنْ جُذُوعِ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ أَوَّلَ مَا وُضِعَ، وَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ لِيَخْطُبَ فَجَاوَزَ الْجِذْعَ إِلَى نَحْوِ الْمِنْبَرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَنّ الْجِذْعُ وَجَعَلَ يَئِنُّ كَمَا يَئِنُّ الصَّبِيُّ الَّذِي يُسَكَّن، لِمَا كَانَ يُسمَع مِنَ الذِّكْرِ وَالْوَحْيِ عِنْدَهُ. فَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بَعْدَ إِيرَادِهِ: "فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الْجِذْعِ".


لطيفة ( حق القرآن):
وهذا حال الجبل القاسي الصلب، يخشى الله ويخشى ألا يؤدي حقه عليه في تعظيم كلامه. كذا أورده ابن جرير، وهو معنى بديع، نستنبط منه لطيفة هنا:
فإن للقرآن حقا، ومن حقه عليك يا ابن آدم تلاوته وتدبره والعمل به، والتمسك به منهجا يُقيم حياتك ويُصلحها، فلا تكن ممن اتخذوه مهجورا، فلا تلاوة لألفاظه ولا تدبر لمعانيه، ولا تفكر في أمثاله، ولا عمل بأحكامه، ولا استشفاء بآياته، فخذه بقوة، واستحضر الخشية من قائله، واخشع وتذلل، واحذر أن تكون من الخائضين فيه المعرضين عنه.

وإنما يحدث التأثر من التدبر، فإن صمت الآذان فكيف تسمعه، وإن عمت القلوب فكيف تتدبره، وانظر لخطاب ربك الرحيم بعباده، وهو يدلك على مصلحتك ويخبرك بعلة عدم تحصيلها ﴿أفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أمْ عَلى قُلُوبٍ أقْفالُها﴾ فحطم أقفال الذنوب واكسر قيود اليأس التي كبلّت قلبا تألم من بعده عن مصدر سعادته، وأزل طبقات الغفلة عن قلبك التي حجبت عنه نور الهداية.

(الخشية): من خشي، وهى الخَوْف،كما قال ابن منظور وابن فارس. وقيل:هى الخوف الشديد المقرون بالعلم، وقد قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾، فلما علم العباد أسماء الله وصفاته وأفعاله الدائرة بين الحكمة والعدل صارت في قلوبهم الخشية منه.


﴿وتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾
-الواو عاطفة، وتلك اسم إشارة للبعيد، وأراد الأمثال التي ذُكرت لهم سابقا، وأن هذا المثال المذكور في هذه الآية من جُملة الأمثال التي عليهم التفكر فيها.
وهذه الجملة - وهى الثالثة في الآية- معطوفة على ما قبلها، وقال ابن عاشور:" إنما هى تذييل لأن ما قبلها سيق مساق المثل فذُيل بأن الأمثال يضربها الله في كلامه مثلُ المثلِ أراد منها أن يتفكروا فإن لم يتفكروا بها فقد سُجل عليهم عنادهم ومكابرتهم."اهـ.
-وقد ذكر الشنقيطي رحمه الله كلاما في الأمثال وسنقتصر على النقل من كلامه بما يُحقق المراد، فقد قال: "الأمثال:جَمْعُ مَثَلٍ، وهو مَأْخُوذٌ مِنَ المَثَلِ، وأصْلُ المَثَلِ الِانْتِصابُ، والمُمَثَّلُ بِوَزْنِ اسْمِ المَفْعُولِ المُصَوَّرِ عَلى مِثالِ غَيْرِهِ.
قالَ الرّاغِبُ الأصْفَهانِيُّ، يُقالُ: مَثُلَ الشَّيْءِ إذا انْتَصَبَ وتَصَوَّرَ، ومِنهُ قَوْلُهُ ﷺ: «مَن أحَبَّ أنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجالُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ»أخرجه أبو داوود وأحمد، والتِّمْثالُ: الشَّيْءُ المُصَوَّرُ، وتَمَثَّلَ كَذا تَصَوَّرَ قالَ تَعالى: ﴿فَتَمَثَّلَ لَها بَشَرًا سَوِيًّا﴾ "اهـ.

وقال ابن فارس: "المثل يَدُلُّ عَلَى مُنَاظَرَةِ الشَّيْءِ لِلشَّيْءِ."
والأمثال المضروبة في القرآن تتنوع صورها، وفي هذه الآية المثل المضروب هو لشيء حسي ليتصور السامع هذه الصورة لتصدع الجبل، فيحدث له الخشوع وتقع في قلبه المهابة من خالقه.
ونظير هذا المعنى قول الله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾

وضرب المثل: هو سَوْقُهُ، أطْلَقَ عَلَيْهِ الضَّرْبَ بِمَعْنى الوَضْعِ، كما ذكر اللغويون.
ومن الحكم من ضرب الأمثال تقريب المعنى إلى الأذهان باستحضار شيء محسوس يُتصور به المعني المراد، فيكون أبلغ في انفس تأثيرا، والتفكر في خلق الله وحدوث الخشية والخشوع للقلب.

-(يتفكرون): من فكر، وهو تردد القلب في الشيء. ويقال تفكّر إذا ردد قلبه مُعتبرا. قاله ابن فارس.
وقد حُذف المتعلق ليفيد العموم، عموم التفكر في الآيات والأمثال وفي خلق الله وفي أفعاله في عباده، وفي كل ما شُرع التفكر فيه لأخذ العبرة والموعظة.
ولعل الإتيان بكلمة ( يتفكرون) دون غيرها من الكلمات المرادفة لها له دلالة، فإن الآية تتحدث عن قسوة القلوب، والقلوب هى مركز التفكر والتعقل، فناسب أن تُختم الآية بعمل من أعمال القلوب.
والتفكر يفتح للعبد آفاقاً من كنوز العلوم النافعة، وأجلها وأشرفها هو العلم عن الله، فكان التفكر في مواعظ القرآن وتدبر معانيه، هادياً إلى صراط العزيز الحميد.


والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 12:19 AM
سعود الجهوري سعود الجهوري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 346
افتراضي

رسالة في التفسير البياني لقوله تعالى: ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ).

جاءت هذه الآية الكريمة في سورة يس، وفي التي قبلها والتي بعدها دلائل وآيات على كمال قدرة الله تعالى وعظم خلقه، وأن الله لم يخلق هذه الخلائق بهذه الدقة المتناهية عبثا، وأن فيها دلائل على البعث والجزاء، وأنها موجبة لتوحيد الله وعدم الإشراك به، وسنشرع في تفسيرها تفسيرا بيانيا بإذن لله، وبيان بعضا مما فيها من حسن بيان وبلاغة، ومن علم البديع.

قال تعالى: (وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ).

الواو حرف عطف، وعطفها على ما قلبها، وهي قوله تعالى: ( وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون)، ووصل هذه الآية بالعطف ولم يفصل، لأن الآيات في مقام سرد الدلائل على قدرة الله وعظيم خلقه، وليتصل الكلام في أحسن سياق وتتابع مع ما سبقه.

والآية: هي العلامة والدلالة، وهي التي تدل على الشيء، وإعرابها: مبتدأ ، ولهم: صفة آية، الليل: خبر آية، وذكر ذلك ابن عاشور(1)، وقال غيره: آية: خبر مقدم، والليل: مبتدأ، وذكره أبو السعود ، وعلى هذا القول يكون التقدير: والليل آية لهم، قلت: وإن قلنا بالتقديم هنا يكون فيه تنبيه لهذه الآية، ليلقي المستمع لها أذنه، ويتطلع لما جاء فيها من دلائل على قدرة الله سبحانه وتعالى.
وحاصل قول أبوالسعود أن الراجح هو القول بتقديم الخبر على المبتدأ لأن مصب الفائدة في ذكر أن الليل آية لهم، وهو الظاهر والله أعلم.(2)

قلت: وهذا التقديم مناسبة لسياق الآيات السابقة، ومشابه له في اللفظ، كما جاء في قوله تعالى: (وآية لهم الأرض) ثم ذكر (وآية لهم الليل)، وكأن فيها بيان وتوجيه لتتبع ما يأتي بعد هذه الآيات والعلامات والدلائل، فإنها لعظمتها تدل على قدرة الله الذي خلقها، وعلى ما تقتضيه من توحيد الله والإيمان بالبعث والجزاء.
وجاءت آية نكرة للتفخيم وذكره أبو السعود.

فإن قلنا أن الآية بمعنى العلامة، فما الفرق بينها وبين العلامة؟

قلت: أن العلامة تكون كالإشارة للشيء ليعرف، وفي الآية معنى زائد، وأن الآية تأتي بمنزلة الدلالة التي تدل على الشيء، والتي تستلزم العمل بما تدل عليه، والله أعلم.
وفي قوله تعالى: (لهم)، اللام للاختصاص، الضمير عائد للمشركين، كما ذكر ابن جرير وغيره(3)، قلت: وأن هذه الآيات والأدلة بيانها للمشركين أخص، وإن كانت عامة لكل الناس، ولكن تخصيصها للمشركين أكبر في ذلك الزمان، لنزول القرآن عليهم وبلغتهم، وبيانه لهم أحسن البيان على صدق ما جاء به نبيهم صلى الله عليه وسلم، وعلى صدق ما أخبر به من وحي تشهد له العقول السليمة من عظيم خلق الله، وهذا لا ينفي عموم دلالتها للناس أجمعين، والله تعالى أعلم.
الليل: مبتدأ مؤخر على القول الراجح، والليل: عقيب النهار ومبدؤه من غروب الشمس.

وفي قوله تعالى: (الليل نسلخ منه النهار).

استعارة لزوال نور النهار وتشبيهه بانسلاخ وإزالة الجلد عن الحيوان كسلخ الشاة، فيبقى بعد ذلك الليل بعد انسلاخ نور النهار، لأن فعل سلخ يتعدى إلى الجسم الذي أزيل جلده بحرف الجر، فالمقصود بالتشبيه زوال نور النهار عند قدوم الليل وأنه هو الآية، وليس المقصود بالتشبيه الليل كما ذكر ابن عاشور، والليل هو بمنزلة جسم الحيوان المسلوخ منه جلده، والنهار بمنزلة الجلد. (4)
وفعل سلخ يتعدى بحرف الجر (من) الابتدائية إلى الجسم الذي أزيل جلده، ويتعدى كذلك بحرف (عن) بمعنى واحد لأن في فعل سلخ مباعدة بعد اتصال، وذكر ذلك ابن عاشور(5)، وحاصل قول الزمخشري (6) وأبو السعود، (7)وغيرهم، وهذا يدل على أن الآية من ذكر الليل هي انسلاخ النهار منه، وهي الشاهد، وبقرينة قوله تعالى بعدها: (فإذا هم مظلمون).
قلت: ولعل السر في اختيار (من) الابتدائية (8) على (عن) أن (من) فيها ذكر أن الآية والدلالة من ذكر الليل هي من ابتداء انسلاخ النهار من الليل حتى حلول الظلمة، واستعمالها هنا أفصح وأحسن عن ذكر (عن) التي بمعنى المباعدة بعد الاتصال، والله تعالى أعلم.
وحاصل قول أبو السعود (9) وابن عاشور (10)، أن في الآية إشارة أن الظلمة هي الأصل وأن النور عارض، فإن الظلمة هي حالة الكون قبل خلق النور، فالظلمة عدم والنور وجود، وليس المراد هنا في الأرض ولكن المراد ظلمة الكون قبل خلق الشمس والأرض جميعا.

وفعل (نسلخ) فعل مضارع للدلالة على أنها آية تتجدد وتتكرر باستمرار، وتدل على عظمة الخالق وتقديره الدقيق في خلق هذه الآيات، والتي تدل على رب عليم قدير، حق على كل أحد يعبده وحده ولا يشرك معه أحدا، وأنه لم يخلق هذه المخلوقات العظيمة بهذه الدقة التيي تتجدد وتكرر كل يوم عبثا.

فإن قال قائل لم جاءت لفظة نسلخ وهي مجازعقلي في هذه الآية، ولم تأتي ما يقارب معناها من الذهاب والإزالة وغيرها؟

فالجواب والله أعلم: أن فيها من حسن التشبيه وحسن البيان في اللغة المناسب للمقام، وفيه جذب لانتباه المستمع لهذه الآية بالإتيان بلفظ (نسلخ) أكثر من غيره، وأن السياق في هذه الآية جاء مناسب للاستعارة.
قلت: وفي اختيار لفظة (نسلخ) نكتة لطيفة، وأن سلخ النهار ومجيء الليل يكون بشكل تدريجي شيئا فشيئا حتى يزول النهار بالكلية، فيبقى الليل، ويعم ظلامه، فيبقى كمنزلة الجسم بعد سلخه، وكذلك سلخ الشاة وغيرها، فيكون شيئا فشيئا، فلا يكون السلخ دفعة واحدة كما هو معلوم ومشاهد.
والنون في (نسلخ) للتعظيم، وأن هذا الفعل العظيم، لا يكون إلا من لدن عليم قدير، ولم يصرح بالفاعل لأنه معلوم ومقرر لديهم، فمعلوم أنه لا يفعل هذا الفعل العظيم بالمخلوقات من خلق وتدبير وتصرف إلا الله سبحانه وتعالى.

فإن قيل: هل يصح إطلاق هذا الانسلاخ على العكس، أي: النهار نسلخ منه الليل؟

ذكر الفراء وابن جرير أن هذا جائز(11)(12)، واستدل ابن جرير بقوله تعالى: ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها) بمعنى: خرج منها وتركها، وحاصل كلامه: أن هذا جائز قوله في اللغة على انسلاخ الليل من النهار، وأما حاصل قول أبو السعود وابن عاشور أن إطلاق هذه اللفظة على معنى الآية التي هي بمعنى الدلالة فيه إشارة إلى أن الظلمة هي الأصل في الموجودات، وأن النور بمنزلة الجلد المسلوخ وهو الطاريء، فهذا التعبير فيه من حسن البيان والمعاني ما لا يوجد إذا ذكر العكس. (13)

وفي قوله تعالى: ( فإذا هم مظلمون).

الفاء للعطف وتدل على التعقيب، وإذا: فجائية، وتدل على الحال (14)، بمعنى: يعقب انسلاخ النهار من الليل الظلمة وهي حالهم بعد دخول الليل، ومرجع الضمير في (هم): إلى الناس، مظلمون: بمعنى داخلون في الظلام كما قال جمهور المفسرين واللغويين.(15)
هم: للاختصاص، أي: كونهم دخلوا في الظلام بعد أن كانوا في ضياء النهار، آية لهم بما يحل عليهم من تلبس الظلام بهم، وأن هذا الشيء يحل بهم ولا يغيب عن أحد منهم، فهم شاهدين عليه بأنفسهم، ويدل على قدرة الله على تبديل الأحوال في زمن قصير، وفي زمن محدد لهم ومعلوم، وفي دقة متناهية.
وفي قوله تعالى (مظلمون)، يدل على أنهم واقعون في هذا الظلام وأنه متلبس بهم، ومحيط بهم، ولا سبيل لإنكار هذه الدلالة المتكررة يوميا، ويدل على عظم دلالة هذه الآية لكونها عامة وظاهرة وتحل بالخلق كلهم.
وفي الوصل بالفاء الدالة على التعقيب، يدل على سرعة حلول الظلام وأنه يعقب انسلاخ النهار من الليل مباشرة.

فإن قيل: ما الفائدة من ذكر تعقيبه بأنهم مظلمون، بعد أن ذكر انسلاخ النهار من الليل؟

قلت: بعد أن ذكر وبين عظيم قدرته على ما يشاهدونه من انسلاخ النهار من الليل، ذكر لهم نتيجة ذلك وما يعقبه، وأنه تقدير من الله سبحانه وتعالى، وأن ما حل بهم من تلبس الظلام بهم، وهو أمر مشاهد ومحسوس ومتكرر، فهي ليست ظاهرة كونية فحسب، بل هو أمر مشاهد ومحسوس يحل بهم، ويغير من نمط حياتهم، فيأتيهذا الانسلاخ بالليل وبالظلمة ليرتاح البدن بعد النصب، بعد أن أعقب النهار وما فيه من الضياء الداعي للسعي في المصالح.

فقد جاءت هذه الآية في أحسن بيان، وأكمل نسق، وأحسن معاني، فجاءت ألفاظها مناسبة للمعاني، وجاءت ألفاظها مؤدية للمعنى المقصود بالمطابقة، وهو ما يعرف بالمساواة، (16) بما يناسب المقام وهو إيراد الدلائل على قدرة الله وعظمته.

وفي هذه الآية من علم البيان والبديع:(17)

- المجاز، في ذكر انسلاخ النهار من الليل، وكذلك في قوله: (مظلمون)، كما تقدم بيانه.
- الاستعارة: في قوله تعالى: (الليل نسلخ منه النهار).
- الإرداف في قوله تعالى: (فإذا هم مظلمون)، والإرداف: أن يأتي المتكلم بكلام قريب من المعنى المقصود ويقرر ذلك المعنى به.
- الإشارة في (الليل نسلخ منه النهار)، والإشارة: دلالة اللفظ القليل على المعاني الكثيرة، وقد تقدم بيان قوله تعالى:(نسلخ)، وما يفيده من معان، ومنها أن الظلمة هي الأصل للموجودات.
- الوصل في قوله تعالى: ( وآية لهم)، وفي قوله: (فإذا )، وقد تقدم بيانه.
- الإضمار في قوله تعالى: (لهم) وفي قوله:(هم)، لأن المضمر معلوم ومتقدم وأن الآيات في سياق الحجج على المشركين، ولا تكون الدلالة مبهمة بترك التصريح بالمضمر.
- التسهيم ، وهو أن يتقدم بالكلام ما يدل على ما تأخر منه، وفي الآية تقدم ذكر انسلاخ النهار من الليل، وهو يترتب عليه ما أتى بعده من الظلمة.
- الطباق في الليل والنهار.
- التهذيب في الآية كلها، لأن المفردات موصوفة بالحسن وسليمة من التعقيد ومن التقديم والتأخيرالمخل بالحسن.
- التمكين في الآية، الفاصلة والقافية مستقرة في قرارها بتمهيد لها، مطمئنة في مكانها، غير متكلفة، في قوله: (فإذا هم مظلمون).
- براعة الاستهلال، لأن في الآية ابتداء بذكر الآية، وتقديم الخبر على المبتدأ للتنبيه، وبيان انسلاخ النهار من الليل، وما يترتب عليه من آية ودلالة تنتهي بحلول ما ينتج منها وهو الظلام.
- حسن النسق، في العطف بين الآية والآيات السابقة، وبين الآية وقوله تعالى:(فإذا هم مظلمون)، لأن المعنى على التمام في حال الافتراق والانفراد.
- الائتلاف في الآية، وهو ائتلاف اللفظ مع المعنى فلا يصلح معه غيره، كما تقدم بيانه في الآيات، في معنى نسلخ، و مظلمون.
- الإبداع في الآية، وهو أن تكون مفردات كلمات متضمنة بديعاً بحيث تأتي في القرينة الواحدة عدة ضروب من البديع بحسب عدد كلماته أو جملته، وربما كان في الكلمة الواحدة المفردة ضربان فصاعداً من البديع.






------------------------------------------------------------------------------------
1) التحرير والتنوير لابن عاشور.
2) تفسير أبي السعود.
3) تفسير ابن جرير الطبري.
4) التحرير والتنوير لابن عاشور.
5) التحرير والتنوير لابن عاشور.
6) الكشاف للزمخشري.
7) تفسير أبي السعود.
8) التحرير والتنوير لابن عاشور.
9) تفسير أبي السعود.
10) التحرير والتنوير لابن عاشور.
11) معاني القرآن للفراء.
12) تفسير ابن جرير الطبري.
13) التحرير والتنوير لابن عاشور.
14) إعراب القرآن لقاسم دعاس.
15) تفسير ابن جرير الطبري.
16) رسالة كفاية الألمعي في آية يا أرض ابلعي، للجزري.
17) تحرير التحبير لابن ابي الاصبع.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 12:21 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تقويم التطبيقات على درس الأسلوب البياني



أحسنتم جميعا ووفقكم الله وسدّد خطاكم .


- ميمونة التيجاني .ب
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددكِ.
- يستحسن ذكر الآية السابقة بنصها لتميزها عن سائر الكلام وفقكِ الله، وللآية التي تليها تمام للمعنى كان يحسن بكِ ذكره.
- مما فاتكِ من أوجه البيان هو بيان وجه التقديم والتأخير في قوله تعالى :(بل الإنسان على نفسه بصيرة) .
وكذلك بيان المجاز في لفظة (بصيرة) التي هي الحجة البينة الواضحة التي لا تحتاج لإنباء عنها .
- القول الثاني مما ذكرتِ فيما ذكره العلماء من الأقوال في لفظة البصيرة مسألة منفصلة ، حيث أوردتِ الآتي:
[أنه صيغة مبالغة، ودخلت الهاء على صفة المذكر كما دخلت على راوية وعلامة وطاغية.] هذه المسألة ذُكرت في سبب تأنيث لفظة البصيرة وما ذكرتِ هو أحد الأقوال فيها وقد ذكر الزمخشري قولا آخر يحتمل معناه وهو أنّ التأنيث جاء إذا كان المراد بالإنسان هنا جوارحه وعليه يكون المعنى كالآتي: بل جوارح الإنسان على نفس الإنسان بصيرة .
- نوصيكِ الاهتمام بالكتابة فهناك أخطاء إملائية واضحة لا ينبغي تجاهلها وفقكِ الله.
- من المهم ذكر المراجع التي استعنتِ بها ، وقد ذكرتِ ( منتدى المفيد في معنى بصيرة) ، فلم يتبين لي ما هذا المصدر فنرجو التوضيح وفقكِ الله.


- حليمة السلمي.أ
أحسنتِ وفقكِ الله وسددكِ ، وددتُ أن يكون أسلوبك أظهر .


- عبد الكريم محمد.ب+
أحسنت بارك الله فيك وسددك.
- بداية رسالتك كان الأسلوب الاستنتاجي واضحا فيها.
- قولك: أضاف الإنعام إليه فقالت [ أنعت عليهم ]،، ينبغي مراجعة الكتابة قبل اعتمادها .
- التطرق للمسائل المتعلقة بلفظة (اهدنا) يجب أن تكون مجتمعة وليست متفرقة، مراعاة للترتيب الموضوعي .
- أحسنت إجمالا مع بيان أنّه كان يحسن بيان أوجه البلاغة في الآية كذكرك للاستعارة التصريحية في لفظة الصراط، وبيان المراد بالصراط في الآية الثانية هو نوع من التفسير بعد الإبهام.
- تنوع المصادر يثري رسالتك أكثر فاحرص على ذلك وفقك الله .


- ناديا عبده .ب+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددكِ.
. يحسن ذكر سبب النزول.
. مما يفيدكِ أيضا من أنواع البديع والبيان في الآية هو: جناس الاشتقاق في قوله تعالى:(سأل سائل) وهو غير تام لاختلاف في عدد الحروف.

تصويب: [وإنما عبر بالمضارع الدال على الحال للتأكيد على وقوعه] عبّر بالماضي.


- هويدا فؤاد .أ+
أحسنتِ بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

- عبدالكريم الشملان .أ+
أحسنت بارك الله فيك وسددك ونفع بك.
. فاتك ذكر المصادر والمراجع وفقك الله .

- وحدة المقطري.أ+
أحسنتِ جدا بارك الله فيك وسددكِ.
. القول الثالث في المراد بالتسبيح بأنّه الطاعة فهو لازم من معنى التسبيح .
. قائمة المراجع والمصادر ينبغي أن تذكر مرتبة حسب تاريخ الوفاة لكل مفسّر فنبدأ بالأقدم.


- إنشاد راجح.أ
ممتازة جدا زادكِ الله علما ونفع بكِ.
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير .


- سعود الجهوري.أ
أحسنت بارك الله فيك وسددك.
. لم أقف على ذكر مسألة تنكير لفظة آية للتفخيم أنّه من تفسير أبي السعود ولعلك تتأكد من المصدر.
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير .



تقبل الله منكم حسن صنيعكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 08:12 PM
سعود الجهوري سعود الجهوري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 346
افتراضي

أحسن الله إليكم وجزاكم الله عنا خيرا ونفع بعلمكم.

ذكرها أبو السعود في تفسير الآية التي قبلها في قوله تعالى: ( وآية لهم الأرض الميتتة أحييناها)، فأوردتها هاهنا للتناسب بين التنكير والسياق في لفظة ( آية) في الآيتين.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 11 ربيع الثاني 1440هـ/19-12-2018م, 01:04 PM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

الإسلوب البياني
تفسير قوله تعالى" {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الحديد(12)
جاءت هذه الآية لبيان فضل أهل الإيمان وفضل أعمالهم من الصدقات والأعمال الصالحة ، وأثر هذه الأعمال على المؤمنين في عرصات يوم القيامة و على الصراط ، وتضمنت الآية بعض اللمسات البيانية مما زادت في بيان فضل الله على المؤمنين في ذلك اليوم وزيادة الإستبشار في قلوب أهل الإيمان وزيادة همتم للسعي لرضوان ربهم.
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} :
و"يوم"ظرف متعلق بقوله تعالى: {كلا وعد الله الحسنى} أو {فيضاعفه له وله أجر كريم} فتكون الجملة متصلة باللتي قبلها ، فيكون المعنى: يؤجرون يوم ترى.
أو يكون "يوم" ظرف منصوب بفعل محذوف تقديره: اذكر ، تعظيما لذلك اليوم. فتكون الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا لمناسبة ذكر ما تميز به المؤمنين في ذلك اليوم.
والمراد ب"يوم" : هو يوم القيامة والجزاء.
"ترى": والرؤية هنا رؤيا العين:أي يوم يرى الرائي . والخطاب في "يوم ترى" لكل من يصلح له الخطاب ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم (ذكره الألوسي).
"المؤمينن والمؤمنات": ووصفوا بهذا الوصف لبين أن الإيمان صفة راسخة لهم. ووجه عطف المؤمنات على المؤمنين هنا : "للتنبيه على أن حظوظ النساء في هذا الدين مسوية لحظوظ الرجال إلا فيما خصصن به من أحكام قليلة لها أدلتها الخاصة وذلك لإبطاب ما عند اليهود من وضع النساء في حالة ملعونات ومحرومات من معظم الطاعات" ذكره ابن عاشور.
"يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم"
وقيل: في المراد بالنور في " نورهم بين أيديهم وبأيمانهم" :أي يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ،وهو نور حسي، وجمهور المفسرين على هذا القول ، واستُدل بقول عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ:﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾قَالَ: عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، مِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَن نُورُهُ فِي إِبْهَامِهِ يتَّقد مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً ورواه بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُوره مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدن أَبْيَنَ وَصَنْعَاءَ فَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ".

والنور هنا نور حقيقي حسي ، يجعله الله معهم على الصراط أو يكون معهم في المحشر ويستمر إذا مروا على الصراط إكراما لهم وتمييزا لهم عن غيرهم في ذلك اليوم، وسعي النور: امتداده وانتشاره ، وإنما عُبر هنا بلفظ السعي لأن النور إنما يسعى إذا سعى صاحبه وإلا انفصل عنه وتركه" معنى ما ذكره ابن عاشور.
وقوله في يسعى نورهم: هذا النور على حسب الإيمان؛ لأن الحكم إذا عُلق بوصف كان قويًّا بقوة ذلك الوصف وضعيفًا بضعفه. فنورهم على حسب إيمانهم.
وإضافة نور إلى ضمير هم في "نورهم" إضافة تخصيص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يتمزون عن غيرهم من الناس.
وقيل: في المراد بالنور :أن النور هنا استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه ، قال الضحاك: قوله:﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ :بأيمانهم: كتبهم، يقول الله: فأما من أوتي كتابه بيمينه، وأما نورهم فهداهم.أ.ه
ويسعى هنا يكون بمعنى: يمضى، فيكون المعنى على هذا القول: يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم تتطاير.
ورجح هذا القول ابن جرير. وذكر:
"أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف، لم يخص عنه الخبر بالسعي بين الأيدي والأيمان دون الشمائل، لأن ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الآخرة يضيء لهم جميع ما حولهم، وفي خصوص الله جلّ ثناؤه الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل، ما يدلّ على أنه معنّى به غير الضياء، وإن كانوا لا يخلون من الضياء" انتهى.
وقيل : أريد بالنور القرآن .
بين أيديهم : ومعنى (بين أيديهم) أمامهم، غير أنه لم يقل (أمامهم) لأن الأمام قد يكون بعيدا عن الشخص، فعبر بهذا اللفظ لبيان قربهم منه.
والباء في "بأيمانهم" : قال الفراء : الباء بمعنى (عن) على القول الأول من معنى النور ، : أي عن جميع جهاتهم ، أو يجوز أن يكون الباء للملابسة ، ويكون النور الملابس لليمين نور كتاب الحسنات ، فيعنى به الكتاب الذي يكون في أيمانهم ، كما قال تعالى:{فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا}(الإنشقاق 7) ، ويؤيده ما جاء في السنة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَضِيرٍ أنَّهُ سَمِعَ أبا ذَرٍّ وأبا الدَّرْداءِ قالا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:««أنا أوَّلُ مَن يُؤْذَنُ لَهُ في السُّجُودِ يَوْمَ القِيامَةِ وأوَّلُ مَن يُؤْذَنُ لَهُ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ فَأرْفَعُ رَأْسِي فَأنْظُرُ بَيْنَ يَدَيَّ ومِن خَلْفِي وعَنْ يَمِينِي وعَنْ شِمالِي فَأعْرِفُ أُمَّتِي بَيْنَ الأُمَمِ فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وكَيْفَ تَعْرِفُهم مِن بَيْنِ الأُمَمِ ما بَيْنَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى أُمَّتِكَ ؟ قالَ: غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِن أثَرِ الوُضُوءِ ولا يَكُونُ لِأحَدٍ غَيْرِهِمْ وأعْرِفُهم أنَّهم يُؤْتَوْنَ كُتُبَهم بِأيْمانِهِمْ وأعْرِفُهم بِسِيماهم في وُجُوهِهِمْ مِن أثَرِ السُّجُودِ وأعْرِفُهم بِنُورِهِمُ الَّذِي يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ )
فإذا كان كتاب الحسنات فيه الهدى فيكون لفظ النور قد استعمل في معنييه الحقيقي والمجازي.
و تخصيص النور بجهه الأمام والأيمان فقيل: وخُصّا لِأنَّ السُّعَداءَ يُؤْتَوْنَ صَحائِفَ أعْمالِهِمْ مِن هاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ كَما أنَّ الأشْقِياءَ يُؤْتَوْنَها مِن شَمائِلِهِمْ ووَراءَ ظُهُورِهِمْ، وفي البَحْرِ الظّاهِرُ أنَّ النُّورَ قِسْمانِ: نُورٌ بَيْنَ أيْدِيهِمْ يُضِيءُ الجِهَةَ الَّتِي يَؤُمُّونَها. ونُورٌ بِأيْمانِهِمْ يُضِيءُ ما حَوالَيْهِمْ مِنَ الجِهاتِ، وقالَ الجُمْهُورُ: إنَّ النُّورَ أصْلُهُ بِأيْمانِهِمْ والَّذِي بَيْنَ أيْدِيهِمْ هو الضَّوْءُ المُنْبَسِطُ مِن ذَلِكَ" ذكره الألوسي.
القراءة في "بأيمانهم" : وقَرَأ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السّاعِدِيُّ، وأبُو حَيْوَةَ " بِإيمانِهِمْ " بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّ المُرادَ بِالإيمانِ ضِدُّ الكُفْرِ، والجمهور : على أن أيمانهم جمع يمين.
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ:والبشرى: اسم مصدر بَشّرَ هو الإخبار بخبر يسر المخبر ، وأطلق المصدر على المفعول ،أي: الذي تبشرون به جنات ، وبشراكم مبتدأ ، وخبره "جنات" ، وجملة "بشراكم جنات" مقول قول مقدر: أي تقول لهم الملائكة.
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ: وهي في موضع الصفة لجنات، وجمع "جنات" لبيان تعددها وتنوعها واختلاف درجاتها. وقوله "تجري للدلالة على جريانها وليس ركودها ، والركود مضنة الأسن ، كما أن الجري له متعة للناظرين.وأشار في قوله "من تحتها" إلى علو قصورها وأشجارها ، وقد بين سبحانه هذ الأنهار أنها أربعه أنهار في قوله تعالى{أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}(محمد ١٥)،
خَالِدِينَ فِيهَا: وهي حال من "جنات"، أي : ما كثين فيها ، مكث لا زوال له ولا انقطاع له وهذا مما يزيدهم استبشارا.
ذَلِكَ:أي: ما تقدم من الوعود بالجنات والكرامات،وأتي باسم الإشارة هنا للتعظيم والتنبيه هُوَ: وجاء بالضمير المنفصل لتأكيد الخبر واختصاصهالْفَوْزُ الْعَظِيمُ: وعرف الفوز ب"ال" للدلالة على أنه الفوز الذي لا فوز مثله ، ولا أعظم منه.


من المسات البيانية التي جاءت في هذه الآية:
1. (يسعى نورهم) : ولم يقل (يمشي نورهم) للدلالة على الإسراع بهم إلى الجنة، وهذا إكرام فإن الإبطاء إلى السعادة ليس كالإسراع إليها.
2. أنه تعالى أسند السعي إلى النور ولم يسنده إليهم فلم يقل (يسعون) لأن السعي قد يجهدهم، فأسنده إلى النور.
3. أضاف النور إليهم، وهذا فيه أمران: الأول الدلالة على أن هذا النور إنما هو نور المؤمن، وهو يدل على قدر عمله. فهو حثا للمؤمن ليعظم نوره ويكثره. ومن ناحية أخرى لم يقل (يسعى النور) فيجعله عاما يستضيء به المنافقون، فجعل لكل مؤمن نوره الذي يستضيء به فلا يشاركه فيه غيره، وهذا إكرام للمؤمنين وحسرة على المنافقين.
4. قال (بين أيديهم) ومعنى (بين أيديهم) أمامهم، غير أنه لم يقل (أمامهم) لأن الأمام قد يكون بعيدا عن الشخص، وقد يكون النور أمامك و لا تتمكن من الاستضاءة به لبعده فقال (بين أيديهم).
5. وقال (وبأيمانهم) ولم يقل (عن أيمانهم) لأن معنى بأيمانهم أنه ملتصق بالأيمان وليس مبتعدا عنها، ولو قال (عن أيمانهم) لدل أنه متراخٍ عن أيمانهم أو منحرف عنها لأن (عن) تفيد المجاوزة، والباء تفيد الإلصاق.
6. قال (بشراكم)، ولم يقل (يقال لهم بشراكم) لأنه أراد أن يجعل المشهد حاضرا ليس غائبا، يُسمع فيه التبشير ولا يُنقل.
7. البشرى إلى ضمير المخاطبين لتنال البشرى كل واحد، ولم يقل (البشرى جنات) وهذا فيه إكرام آخر.
8. وقال (جنات) ولم يقل (جنة) للدلالة على أن لكل منهم جنة أو أكثر تتفاوت على حسب أعمالهم ودرجاتهم.
9. قال: " تجري من تحتها الأنهار" ولم يقل (فيها أنهار) وذلك للدلالة على أنها جارية وليست راكدة، والركود مظنة الأسون، هذا إضافة إلى التمتع بمشهد الجري.
10. وقال (الأنهار) ولم يقل (نهر) للدلالة على كثرة الأنهار.
11. قال (خالدين) وهي بشرى أخرى، وقال (فيها) للدلالة على أن الخلود في الجنات وليست الجنة مرحلة أو مكانا ينتقلون منه إلى ما هو أقل سعادة.
12. قال (ذلك هو الفوز العظيم) ولم يقل (ذلك فوز عظيم) وإنما عرف الفوز بأل للدلالة على القصر وعلى أنه لا فوز أعظم منه، ثم جاء بضمير الفصل للزيادة في التوكيد.





المراجع:
جامع البيان — ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ)
معالم التنزيل - البغوي 516)
مفاتيح الغيب — فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
الجامع لأحكام القرآن — القرطبي (٦٧١ هـ)
فتح القدير — الشوكاني (١٢٥٠ هـ)
روح المعاني — الآلوسي (١٢٧٠ هـ)
محاسن التأويل — القاسمي (١٣٣٢ هـ)
التحرير والتنوير — ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
تفسير القرآن الكريم — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
التفسير البياني – فاضل السامرائي

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 23 ربيع الثاني 1440هـ/31-12-2018م, 09:00 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالحة الفلاسي مشاهدة المشاركة
الإسلوب البياني
تفسير قوله تعالى" {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الحديد(12)
جاءت هذه الآية لبيان فضل أهل الإيمان وفضل أعمالهم من الصدقات والأعمال الصالحة ، وأثر هذه الأعمال على المؤمنين في عرصات يوم القيامة و على الصراط ، وتضمنت الآية بعض اللمسات البيانية مما زادت في بيان فضل الله على المؤمنين في ذلك اليوم وزيادة الإستبشار الاستبشار في قلوب أهل الإيمان وزيادة همتم للسعي لرضوان ربهم.
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} :
و"يوم"ظرف متعلق بقوله تعالى: {كلا وعد الله الحسنى} أو {فيضاعفه له وله أجر كريم} فتكون الجملة متصلة باللتي قبلها ، فيكون المعنى: يؤجرون يوم ترى.
أو يكون "يوم" ظرف منصوب بفعل محذوف تقديره: اذكر ، تعظيما لذلك اليوم. فتكون الجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا لمناسبة ذكر ما تميز به المؤمنين في ذلك اليوم.
والمراد ب"يوم" : هو يوم القيامة والجزاء.
"ترى": والرؤية هنا رؤيا العين:أي يوم يرى الرائي . والخطاب في "يوم ترى" لكل من يصلح له الخطاب ، أو للرسول صلى الله عليه وسلم (ذكره الألوسي).
"المؤمينن / المؤمنين والمؤمنات": ووصفوا بهذا الوصف لبين أن الإيمان صفة راسخة لهم. ووجه عطف المؤمنات على المؤمنين هنا : "للتنبيه على أن حظوظ النساء في هذا الدين مسوية لحظوظ الرجال إلا فيما خصصن به من أحكام قليلة لها أدلتها الخاصة وذلك لإبطال ما عند اليهود من وضع النساء في حالة ملعونات ومحرومات من معظم الطاعات" ذكره ابن عاشور.
"يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم"
وقيل: في المراد بالنور في " نورهم بين أيديهم وبأيمانهم" :أي يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم ،وهو نور حسي، وجمهور المفسرين على هذا القول ، واستُدل بقول عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ:﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾قَالَ: عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ يَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ، مِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ الْجَبَلِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ النَّخْلَةِ، وَمِنْهُمْ مَن نُورُهُ مِثْلُ الرَّجُلِ الْقَائِمِ، وَأَدْنَاهُمْ نُورًا مَن نُورُهُ فِي إِبْهَامِهِ يتَّقد مَرَّةً وَيُطْفَأُ مَرَّةً ورواه بن أبي حاتم وابن جَرِيرٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُوره مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى عَدن أَبْيَنَ وَصَنْعَاءَ فَدُونَ ذَلِكَ، حَتَّى إِنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ".

والنور هنا نور حقيقي حسي ، يجعله الله معهم على الصراط أو يكون معهم في المحشر ويستمر إذا مروا على الصراط إكراما لهم وتمييزا لهم عن غيرهم في ذلك اليوم، وسعي النور: امتداده وانتشاره ، وإنما عُبر هنا بلفظ السعي لأن النور إنما يسعى إذا سعى صاحبه وإلا انفصل عنه وتركه" معنى ما ذكره ابن عاشور.
وقوله في يسعى نورهم: هذا النور على حسب الإيمان؛ لأن الحكم إذا عُلق بوصف كان قويًّا بقوة ذلك الوصف وضعيفًا بضعفه. فنورهم على حسب إيمانهم.
وإضافة نور إلى ضمير هم في "نورهم" إضافة تخصيص النور بهم في ذلك اليوم بحيث يتميزون عن غيرهم من الناس.
وقيل: في المراد بالنور :أن النور هنا استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه ، قال الضحاك: قوله:﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ :بأيمانهم: كتبهم، يقول الله: فأما من أوتي كتابه بيمينه، وأما نورهم فهداهم.أ.ه
ويسعى هنا يكون بمعنى: يمضى، فيكون المعنى على هذا القول: يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم، وفي أيمانهم كتب أعمالهم تتطاير.
ورجح هذا القول ابن جرير. وذكر:
"أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف، لم يخص عنه الخبر بالسعي بين الأيدي والأيمان دون الشمائل، لأن ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الآخرة يضيء لهم جميع ما حولهم، وفي خصوص الله جلّ ثناؤه الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل، ما يدلّ على أنه معنّى به غير الضياء، وإن كانوا لا يخلون من الضياء" انتهى.
وقيل : أريد بالنور القرآن .
بين أيديهم : ومعنى (بين أيديهم) أمامهم، غير أنه لم يقل (أمامهم) لأن الأمام قد يكون بعيدا عن الشخص، فعبر بهذا اللفظ لبيان قربهم منه.
والباء في "بأيمانهم" : قال الفراء : الباء بمعنى (عن) على القول الأول من معنى النور ، : أي عن جميع جهاتهم ، أو يجوز أن يكون الباء للملابسة ، ويكون النور الملابس لليمين نور كتاب الحسنات ، فيعنى به الكتاب الذي يكون في أيمانهم ، كما قال تعالى:{فَأمّا مَن أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِسابًا يَسِيرًا}(الإنشقاق 7) ، ويؤيده ما جاء في السنة عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نَضِيرٍ أنَّهُ سَمِعَ أبا ذَرٍّ وأبا الدَّرْداءِ قالا: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:««أنا أوَّلُ مَن يُؤْذَنُ لَهُ في السُّجُودِ يَوْمَ القِيامَةِ وأوَّلُ مَن يُؤْذَنُ لَهُ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ فَأرْفَعُ رَأْسِي فَأنْظُرُ بَيْنَ يَدَيَّ ومِن خَلْفِي وعَنْ يَمِينِي وعَنْ شِمالِي فَأعْرِفُ أُمَّتِي بَيْنَ الأُمَمِ فَقِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ وكَيْفَ تَعْرِفُهم مِن بَيْنِ الأُمَمِ ما بَيْنَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى أُمَّتِكَ ؟ قالَ: غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِن أثَرِ الوُضُوءِ ولا يَكُونُ لِأحَدٍ غَيْرِهِمْ وأعْرِفُهم أنَّهم يُؤْتَوْنَ كُتُبَهم بِأيْمانِهِمْ وأعْرِفُهم بِسِيماهم في وُجُوهِهِمْ مِن أثَرِ السُّجُودِ وأعْرِفُهم بِنُورِهِمُ الَّذِي يَسْعى بَيْنَ أيْدِيهِمْ وعَنْ أيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ )
فإذا كان كتاب الحسنات فيه الهدى فيكون لفظ النور قد استعمل في معنييه الحقيقي والمجازي.
و تخصيص النور بجهه الأمام والأيمان فقيل: وخُصّا لِأنَّ السُّعَداءَ يُؤْتَوْنَ صَحائِفَ أعْمالِهِمْ مِن هاتَيْنِ الجِهَتَيْنِ كَما أنَّ الأشْقِياءَ يُؤْتَوْنَها مِن شَمائِلِهِمْ ووَراءَ ظُهُورِهِمْ، وفي البَحْرِ الظّاهِرُ أنَّ النُّورَ قِسْمانِ: نُورٌ بَيْنَ أيْدِيهِمْ يُضِيءُ الجِهَةَ الَّتِي يَؤُمُّونَها. ونُورٌ بِأيْمانِهِمْ يُضِيءُ ما حَوالَيْهِمْ مِنَ الجِهاتِ، وقالَ الجُمْهُورُ: إنَّ النُّورَ أصْلُهُ بِأيْمانِهِمْ والَّذِي بَيْنَ أيْدِيهِمْ هو الضَّوْءُ المُنْبَسِطُ مِن ذَلِكَ" ذكره الألوسي.
القراءة في "بأيمانهم" : وقَرَأ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السّاعِدِيُّ، وأبُو حَيْوَةَ " بِإيمانِهِمْ " بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّ المُرادَ بِالإيمانِ ضِدُّ الكُفْرِ، والجمهور : على أن أيمانهم جمع يمين.
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ:والبشرى: اسم مصدر بَشّرَ هو الإخبار بخبر يسر المخبر ، وأطلق المصدر على المفعول ،أي: الذي تبشرون به جنات ، وبشراكم مبتدأ ، وخبره "جنات" ، وجملة "بشراكم جنات" مقول قول مقدر: أي تقول لهم الملائكة.
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ: وهي في موضع الصفة لجنات، وجمع "جنات" لبيان تعددها وتنوعها واختلاف درجاتها. وقوله "تجري للدلالة على جريانها وليس ركودها ، والركود مضنة الأسن ، كما أن الجري له متعة للناظرين.وأشار في قوله "من تحتها" إلى علو قصورها وأشجارها ، وقد بين سبحانه هذ الأنهار أنها أربعة أنهار في قوله تعالى{أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}(محمد ١٥)،
خَالِدِينَ فِيهَا: وهي حال من "جنات"، أي : ما كثين فيها ، مكث لا زوال له ولا انقطاع له وهذا مما يزيدهم استبشارا.
ذَلِكَ:أي: ما تقدم من الوعود بالجنات والكرامات،وأتي باسم الإشارة هنا للتعظيم والتنبيه هُوَ: وجاء بالضمير المنفصل لتأكيد الخبر واختصاصهالْفَوْزُ الْعَظِيمُ: وعرف الفوز ب"ال" للدلالة على أنه الفوز الذي لا فوز مثله ، ولا أعظم منه.


من المسات البيانية التي جاءت في هذه الآية:
1. (يسعى نورهم) : ولم يقل (يمشي نورهم) للدلالة على الإسراع بهم إلى الجنة، وهذا إكرام فإن الإبطاء إلى السعادة ليس كالإسراع إليها.
2. أنه تعالى أسند السعي إلى النور ولم يسنده إليهم فلم يقل (يسعون) لأن السعي قد يجهدهم، فأسنده إلى النور.
3. أضاف النور إليهم، وهذا فيه أمران: الأول الدلالة على أن هذا النور إنما هو نور المؤمن، وهو يدل على قدر عمله. فهو حثا للمؤمن ليعظم نوره ويكثره. ومن ناحية أخرى لم يقل (يسعى النور) فيجعله عاما يستضيء به المنافقون، فجعل لكل مؤمن نوره الذي يستضيء به فلا يشاركه فيه غيره، وهذا إكرام للمؤمنين وحسرة على المنافقين.
4. قال (بين أيديهم) ومعنى (بين أيديهم) أمامهم، غير أنه لم يقل (أمامهم) لأن الأمام قد يكون بعيدا عن الشخص، وقد يكون النور أمامك و لا تتمكن من الاستضاءة به لبعده فقال (بين أيديهم).
5. وقال (وبأيمانهم) ولم يقل (عن أيمانهم) لأن معنى بأيمانهم أنه ملتصق بالأيمان وليس مبتعدا عنها، ولو قال (عن أيمانهم) لدل أنه متراخٍ عن أيمانهم أو منحرف عنها لأن (عن) تفيد المجاوزة، والباء تفيد الإلصاق.
6. قال (بشراكم)، ولم يقل (يقال لهم بشراكم) لأنه أراد أن يجعل المشهد حاضرا ليس غائبا، يُسمع فيه التبشير ولا يُنقل.
7. البشرى إلى ضمير المخاطبين لتنال البشرى كل واحد، ولم يقل (البشرى جنات) وهذا فيه إكرام آخر.
8. وقال (جنات) ولم يقل (جنة) للدلالة على أن لكل منهم جنة أو أكثر تتفاوت على حسب أعمالهم ودرجاتهم.
9. قال: " تجري من تحتها الأنهار" ولم يقل (فيها أنهار) وذلك للدلالة على أنها جارية وليست راكدة، والركود مظنة الأسون، هذا إضافة إلى التمتع بمشهد الجري.
10. وقال (الأنهار) ولم يقل (نهر) للدلالة على كثرة الأنهار.
11. قال (خالدين) وهي بشرى أخرى، وقال (فيها) للدلالة على أن الخلود في الجنات وليست الجنة مرحلة أو مكانا ينتقلون منه إلى ما هو أقل سعادة.
12. قال (ذلك هو الفوز العظيم) ولم يقل (ذلك فوز عظيم) وإنما عرف الفوز بأل للدلالة على القصر وعلى أنه لا فوز أعظم منه، ثم جاء بضمير الفصل للزيادة في التوكيد.





المراجع:
جامع البيان — ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ)
معالم التنزيل - البغوي 516)
مفاتيح الغيب — فخر الدين الرازي (٦٠٦ هـ)
الجامع لأحكام القرآن — القرطبي (٦٧١ هـ)
فتح القدير — الشوكاني (١٢٥٠ هـ)
روح المعاني — الآلوسي (١٢٧٠ هـ)
محاسن التأويل — القاسمي (١٣٣٢ هـ)
التحرير والتنوير — ابن عاشور (١٣٩٣ هـ)
تفسير القرآن الكريم — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
التفسير البياني – فاضل السامرائي
أحسنتِ جدا بارك الله فيكِ وسددك.

لا يشترط الوقوف على جميع مسائل الآية وذكر موقعها من الإعراب لئلا ينصرف الأسلوب إلى التقرير العلمي، ويكفي التركيز على الكلمات والجمل وإظهار الأوجه البيانية فيها.
الدرجة:أ
تم خصم نصف درجة للتأخير .

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir