دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 8 محرم 1440هـ/18-09-2018م, 01:31 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب الحجاج

تطبيقات على درس أسلوب الحجاج
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 محرم 1440هـ/22-09-2018م, 08:29 PM
ميمونة التيجاني ميمونة التيجاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
الدولة: Makkah almokrmah
المشاركات: 385
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى {(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ *)}
الحمد الله رب العالمين و الصلاة و السلام على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم
يُبين الله عز وجل حال المتقين الذين خشوا الله و عبدوه محبة و خوفا وطمعا ، و اجتنبوا ما نهاهم عنهم و جعلوا بينهم و بين معاصي الله ما يقيهم من غضبه و عذابه من الطاعات الذي أوصلهم بان يكونوا يوم القيامة عند ربهم في جنات و نعيم دائم لا يزول و لا يحول ، ثم ذكر الله عز وجل الآيات الدالة على نفي ما زعموه الكافرين بأنهم سيكون حالهم يوم القيامة كحالهم في الدنيا او افضل حيث حالهم في الدنيا في لهوا و لعب و زينة و تفاخر و تكاثر في الأموال و الأولاد و و صف الله حالهم في الدنيا بقوله تعالى ﴿اعلَموا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُم وَتَكاثُرٌ فِي الأَموالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكونُ حُطامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ﴾ [الحديد: 20] و قال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا سجن المؤمن و جنة الكافر ) رواه مسلم فقال تعالى ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين) الآيات فيها من الحجاج على الكافرين ففي السؤال أفنجعل المسلمين كالمجرمين التقرير وهو التقريع و التوبيخ و توقيف للمخاطب على ما يعلم ثبوته أو نفيه ففيه توبيخ و تقريع فان من يظن تساوي المسلمين و المجرمين في الثواب و العقاب يوم القيامة فان ظنه فاسد و اعتقاده غير صحيح ، ثم استنكر الله عليهم حكمهم فقال ( ما لكم كيف تحكمون ) اي ان المجرمين اذا اعتقدوا ذلك فما بال حكمهم ذلك هل لقولهم ذلك وحكمهم مستند او بينة بنوا عليها كلامهم ام كان قولهم على ما عندهم من كتب يدرسونها و وتخبرهم بان جزاء المتقين و المجرمين في الآخرة سواء و تكرار السؤال لهم بما يعتقدونه من التسوية بين المجرمين و المتقين فيه مزيد من التقريع و التوبيخ و الاسكات الذي يدحض حجتهم و اعتقادهم ( ما لكم كيف تحكمون ) أين عقولكم و شواهدكم و برهانكم فيما تقولونه أم ما دعاكم الى ذلك القول هو كتاب جاءكم من السماء تدرسونه وفيه انه سيكون لكم في الآخرة ما تختارون و تشتهون ( ان لكم فيه لما تخيرون) ، ام اخذوا العهود و الايمان الغليظة من عند الله عز وجل بان سيكون مصيرهم في الآخرة كالمتقين ، ان هذا هو حكمكم الباطل ، ثم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ( سلهم ايهم بذلك زنيم ) ان كان لهم كتاب من عند الله او كانت لهم ايمان من عند الله او دلتهم عقولهم بشواهد لديهم بأن لهم في الآخرة من الأجر كالمتقين فسألهم من الذي يضمن و يتكفل و يكون قائد لهم في دعواهم تلك، فهذا توبيخ اخر لهم على ما هم فيه من الباطل ، ثم قال الله تعالى ( ام لهم شركاء فليأتوا بشركائهم ان كانوا صادقين ) ان لم يكن هناك زعيم يتزعمهم في قولهم بان لهم في الآخرة مثل ما للمتقين الهم شركاء مع الله وعدوهم ان يكونوا في الآخرة من المتقين و ان كان كذلك مرهم ان ياتوا بشركائهم ليقروا لهم زعمهم ان كانوا صادقين في قولهم ان لهم في الآخرة النعيم المقيم ،
الآيات السابقة فيها السبر و التقسيم في مجادلة الكفار الزاعمين انهم يوم القيامة سيكون لهم مثل ما للمسلمين من النعيم فقد ابطل الله زعمهم بعدد طرق منها العقلية و منها الاستقراء التام و حصرت الآيات بما يبطلها في الاستفهام الاستنكاري الذي في توبيخ و تعجيز لهم في الاحتمالات الثمانية ثم ختم الآيات بالاحتمال الاخير الذي هو الحق بأنهم غير صادقين في دعواهم
الاول : انهم افتروا بقولهم مصير المجرمين المكذبين لرسل الله كالمسلمين و لهم من الثواب ماللمسلمين
الثاني: ان عقولهم أرشدتهم و هدتهم الى ذلك القول فحكموا لأنفسهم بالنعيم في الآخرة
الثالث: ان يكون لهم ادلة حسية و شواهد تدل انهم منعمين في الآخرة
الرابع: ان يكون الله عز وجل اعطاهم كتاب منذُ الأذل و درسوه و توارثوه و فيه ان للكافرين النعيم يوم القيامة
الخامس: ان يكون لهم عهود و ايمان من عند الله عز وجل بان لهم النعيم في الآخرة
السادس : ام ان حكمهم كان حُكماً هوائياً دون دليل عقلي او حسي
و لكي يبطل دعواهم السابقة و حتى لا يكون موضوعهم في دعواهم الباطلة عامة دون من يترأس قولها او حكمها طلب منهم في السبر بأقوالهم ان
السابع : ان يكون زعيم يتزعم تلك الاقوال و الاهواء فيؤخذ للمناظرة و المجادلة و لن يكون لهم ذلك
الثامن : او ان يكون لهم شركاء حق يثبتوا زعمهم و يكونوا معهم في قولهم
التاسع : تعين احتمال كذبهم و عدم صدقهم في قولهم بأن للمجرمين النعيم في الآخرة كالمسلمين0
و الحمد الله رب العالمين و صلى الله على نبينا محمد و على اله و صحبه اجمعين0

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12 محرم 1440هـ/22-09-2018م, 11:22 PM
عبد الكريم محمد عبد الكريم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 194
افتراضي

{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُون * قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِين * قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَـذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون}[الأنعام:150]


بيان الحجاج الواردة في الآية و بالله التوفيق:
1- [سيقول] إظهار في مقام الإضمار ، فأخبر أنهم سيقولون ذلك و هذا اعجاز و ابلاغ بما تكنه نفوسهم من التزوير. من أن الله راض عن شركم و أنه سبحانه راض عما يحلون و يحرمون من عند أنفسهم.
2- إن كانوا يؤمنون بالله و يستدلون على فعلهم بأن الله راضي عنه، و لولا رضاه لما تركهم يفعلونه فماذا يقولون في خبر الرسول الذي أخبرهم بأن الله لا يرضى بهذا الفعل، فإخبار الرسول لهم يقين لا شك فيه، و أما قولهم بأن الله شاء ذلك فهو باطل، فهم لا يفرقون بين الإرادة الكونية و الإرادة الشرعية، فليس كل ما أراده الله كونا فهو محبوب لديه و راض عنه. فلا يقع شيء في الكون إلا بإذنه غير أن بعض ما يقع يكون محبوبا و هذا تسمى الإرادة الشرعية، و بعض ما يقع لا يكون محبوبا له و هذه تمسى الإرادة الكونية.
3- إن كانوا يؤمنون بأن كل ما يقع من أفعالهم فهم راضون به لأن الله شاء ذلك؛ فهل يرضون بالظلم إذا وقع عليهم، و هل يسكتون عن حقوقهم إذا سلبت، أم أنهم يستشهدون به في الموضع الذي يريدون و ينكرونه حيث يشاؤون.
4- الله سبحانه الذي يستشهدون بأنه راض عن فعلهم و لولا رضاه لما فعلوه؛ أنكر على الأمم التي قبلهم نفس صنيع القوم، فيكونون بذلك محجوجين من وجهين:
- من جهة الرسول الذي يعيش بين ظهرانيهم و يخبرهم بما أمر الله و أن صنيعهم مخالف لمراده سبحانه.
- و من جهة السابقين الذين كانوا قبلهم على نفس ملتهم و قد أنكر الله فعلهم و توعدهم على صنيعهم.
5- تحداهم الله بأنهم إن كان لهم علم و مستند يستندون إليه فليأتوا به و إلا فهم كاذبون.
6- أتى الله سبحانه بما ينفي العلم عنهم و أخبر بأنهم إنما يتبعون الظن، و الظن أكذب الحديث فلا حجة لهم و لا علم عندهم.
7- أخبر سبحانه أن الحجة التي أقامها عليهم قد بلغت الغاية في البيان و الوضوح فليس معها مقال لقائل و لا عذر لمعتذر.
8- تحداهم سبحانه بأن يحضروا من يشهد أن الله حرم هذا، و التحدي هنا للتعجيز، فلم يستطيعوا و لن يستطيعوا.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 12 محرم 1440هـ/22-09-2018م, 11:31 PM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

التطبيق الرابع
رساله تفسيرية بأسلوب الحجاج
قوله تعالى " لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا الله .."
تضمنت الآيات حججاً وآيات على بطلان ما اعتقده طوائف النصارى في عيسى بن مريم وأمه عليهما السلام ، واتخاذهم إلهين من دون الله ،
وصرف الله الآيات في خطابهم تنبيها وتعريفا وتبصيرا وترغيباً ..، ببديع محكم، وإلزام بالحجة ومن وجوه الرد:-
1- الحكم بتحقيق كفر قائلي المقالة ، فحرف " قد" للتحقيق ، واللام مؤكدة للحكم .
وتقديم الحكم الإلهي في أول القضية لتشنيع الجرم ، وقطع محاولات التنصل أو التبرير .
2- قوله " وما من إله إلا إله واحد " هذا نفي قاطع بأسلوب الاستغراق والحصر ،"ما" نافية ، و"من " للاستغراق فالإله الحق واحد،
3- في قوله " وليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " فيه تقريع شديد ، وتشنيع ، والنص بالكفر وليس الضمير ، وليشمل الحكم أي مقالة كفرية ، مثل قولهم "إن الله هو المسيح ابن مريم" . وقوله " وإن لم ينتهوا " فتح باب التوبه والرجوع عن المقالة الكفرية .
4- قوله " أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه " فيه تقرير أنهم أذنبوا ذنباً عظيماً يتوجب التوبة والاستغفار .
وختم الآية بقوله " والله غفور رحيم " ترغيب ورجوع وطرد لليأس من قلوبهم وتحريك دواعي الاستغفار والتوبة .
5- لاجتماع خطابي الترغيب والترهيب في الآية ، وخطاب العقل والقلب ، ثم فتح باب التوبة ، ولا يتركها إلا محروم .
6- التبصير بالأدلة التي تثبت غلوهم في عيسى ابن مريم وأمه ، من غير إنقاص قدرهما .
7- قوله " ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " أي أنه سيموت مثل ما ماتوا ، والله سبحانه حي لا يموت .
8- أنه رسول مكلف ، يأمرهم بالعبادة لله وحده ، ولو كان إلها يستحق العبادة لدعى لعبادة نفسه.
9- أن الرسل أعظم الناس عبادة والعابد محتاج لربه ، والمحتاج لا يكون إله .
10- قوله " وأمه صديقة" :-
- يدل أنه مخلوق مولود ، فلا يصلح أن يكون إله ، فالإله الحق ليس قبله شيء .
- أنه محتاج في أصل حياته إلى غيرة
- أنه مولود
- أمه صديقه عابدة فقيرة .
- 11- قوله " كانا يأكلان الطعام "
- يدل على حاجتهما وفقرهما ، فالفقير لا يصلح أن يكون إلها .
- الذي يأكل له جوف ، والإله الحق صمد لا جوف له .
- أن الذي يأكل يخرج الفضلات والإله الحق لا يتصف بها .
- 12- قوله" انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أني يؤفكون "
- أي جمعوا بين الكذب العظيم والصرف عن الحق .
- 13- التبكيت في قوله " أنى يؤفكون "
- 14- عدم النص على من أفكهم : يشترك في ذلك كل من صرفهم عن الحق . ومن أعظم أسباب انحرافهم :-
- 1- اتباع خطوات الشيطان .
- 2- اتباع الأهواء .
- 3- الإعراض عن الحق .
- 4- طاعة الأحبار والرهبان بالباطل .
- 15- قوله " قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً" فالعاقل يعبد من يملك النفع والضر وليس هذا الا لله .
- 16- أن عيسى عليه السلام لم يكن له طاقه بهم حين هموا بقتله ، ولم يملك لنفسه النفع فكيف يزعمون أنه إله .
- 17- قوله " والله هو السميع العليم " الذي يسمع أقوالهم واستبدال من لا يسمع بمن يسمع من أعظم الجهل والسفه والطيش .
- 18- اُسلوب الحق في " هو " مقتصر على الله سبحانه في سماع كل شيء. .
- 19- قوله " والله هو السميع العليم " والوعد بالاستجابة لمن هو واحد .
- 20- دلالة الآيات على أسماء الله وصفاته الحسنى العليا ، وهي من آثار تلك الأسماء ، وبه جذب سبحانه القلوب .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 01:19 AM
هويدا فؤاد هويدا فؤاد غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 164
افتراضي تطبيق اسلوب الحجاج

تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ -ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ - وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} الحج: 5-7
تضمنت هذه الآيات الكريمات من بسط للحجج القاطعة، والآيات البينات فى محاجاة الذي أخبر عنه من الناس أنه يجادل في الله بغير علم، اتباعا منه للشيطان المريد، وتنبيه له على موضع خطأ قيله، وإنكاره ما أنكر من قدرة ربه، فأظهر الله به بطلان ما زعم مخالفوا البعث منكروا المعاد، وقد صرَّف اللهُ الآياتِ وبسطها في خطابهم، فذكرهم بنشأتِهم الأولى، ثُمَّ بأطوار حياتِهم منذ كانوا أجنة في بطون أمهاتهم إلى أن يتوفاهم الموت وتحتويهم القبور، ثم ضرب لهم مثلاً من واقع الحياة فيه صورة لبعث الحياة بعد الموت، يتمثل في الأرض الهامدة المقفرة، حين ينزل عليها الماء، وذلك تبصيراً وتذكيراً، وإلزاما لهم بالحجج الظاهرة التي لا يردّها إلا مكابرٌ معاند، واستعمل معهم اعمال العقل والمنطق باستنتاج النتائج الصحيحة عن طريق المقدمات الصادقة، ففى الآيات خمس نتائج تُستنتج من عشر مقدمات، وفيما يلى بيان ذلك:

أحدها: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ} لأنه قد ثبت بالخبر المتواتر أنه تعالى أخبر بزلزلة الساعة معظما لها وذلك مقطوع بصحته لأنه خبر أخبر به من ثبت صدقه عمن ثبتت قدرته، منقول إلينا بالتواتر فهو حق ولا يخبر بالحق عما سيكون إلا الحق، فالله هو الحق.
ثانيها: {وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَىٰ} لأنه أخبر عن أهوال الساعة بما أخبر وحصول فائدة ذلك موقوفة على إحياء الموتى ليشاهدوا تلك الأحوال التى يقلبها الله من أجلهم، وقد ثبت أنه قادر على كل شيء، ومن الأشياء إحياء الموتى، فهو يحيى الموتى.
ثالثها: {وَأَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لأنه أخبر أنه من يتبع الشياطين ومن يجادل بغير علم يذقه عذاب السعير، ولا يقدر على ذلك إلا من هو على كل شيء قدير، فهو على كل شيء قدير.
رابعها: {وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا} لأنه أخبر بالخبر الصادق أنه خلق الإنسان من تراب ..إلى قوله : {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} وضرب مثلا بالأرض الهامدة التى ينزل عليها الماء فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج، ومن خلق الإنسان على ما أخبر به فأوجده بالخلق ثم أعدمه بالموت، ثم يعيده بالبعث، وأوجد الأرض بعد العدم فأحياها بالخلق ثم أماتها بالمحل ثم أحياها بالخصب، وصدق خبره فى ذلك كله بدلالة الواقع المشاهد على المتوقع الغائب، حتى انقلب الخبر عيانا، صدق خبره فى الإتيان بالساعة.
خامسها: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} ولا يأتى بالساعة إلا من يبعث من فى القبور، لأنها عبارة عن مدة تقوم فيها الأموات للمجازاة، فهى آتية لا ريب فيها، فلا تشكوا في ذلك، ولا تمترُوا فيه.[1]
فالله سبحانه هو المتفرد بهذه الأمور، كما أشهدكم من بديع قدرته وعظيم صنعته ما أشهدكم، وأنها من شأنه لا يدعي غيره أنه يقدر على شيء منها فدل سبحانه بهذا على أنه الحق الحقيقي الغني المطلق، وأن وجود كل موجود مستفاد منه.
فأما اثبات أن الله تعالى هو الحق، وثبوت قدرته على كل شيء، فبدلالة المسبب على السبب.
أما إحياء الموتى، ومجىء الساعة، والبعث، فبدلالة التمثيل على المُمَثل والواقع على إمكان نظيره الذى لم يقع.

[1] - الإتقان فى علوم القرآن – جدل القرآن ( بتصرف)

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 04:26 AM
وحدة المقطري وحدة المقطري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 216
افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

الأسلوب الحجاجي

ذهب أهل السنة والجماعة لإثبات أسماء الله وصفاته على الوجه اللائق به من غير تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل، وخالفهم في ذلك فئام كثيرة من الناس؛ البعض عن جهل والبعض عن هوى أو عن مرض في قلوبهم، والله أعلم بما في القلوب وسيحاسب كلا بما قدمت يمينه يوم تكون الأرض جميعا قبضته والسموات مطويات بيمينه.
ولقد انقسم الناس -عدا أهل السنة- في صفات الله لفرقتين:
1- فرقة ذهبت لتشبيه صفات الله بخلقه من كل وجه وهذا هو معنى التمثيل، أو تكييفها وفق عقولهم بكيفيات غير موجودة في الواقع وهذا التكييف، وهؤلاء هم الممثلة والمشبهة.
2- فرقة ذهبت لردها صراحةً بتعطيلها أو تكنيةً بتأويلها ، وهؤلاء هم الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والكلابية وأضرابهم.

ومن بين الصفات التي ردها المبتدعة وخالفوا فيها أهل السنة صفة الكلام لله؛ وترتب على ذلك مخالفتهم لقول أهل السنة في القرآن؛ فمنهم من جعل القرآن مخلوق كالجهمية ، ومنهم من ذهبت إلى إثباته كصفة لله لكن من مفهوم مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة وهم الأشاعرة وأضرابهم ، فقالوا إلى أنه كلام نفسي قائم بالذات الإلهية لا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتفاضل ،،، وغيرها من الترهات التي تمجها الأفهام السليمة ولا تستسيغها إلا العقول السقيمة، وما دفعهم لذلك إلا تنزيههم الباري عن مشابهة خلقه -على حد زعمهم- ولو نزهوه حقا لأثبتوا له كل ما أثبته لنفسه ولم يسلبوه حقه، ولما وقعوا في أبشع مما قصدوا، فالخير كل الخير في الإتباع والشر كل الشر في الابتداع ، وما قال بما قالوه من أحد من الصحابة لا تصريحا و لا تلويحا وفي هذا رد عقلي على ما ذهب إليه الفريقين من المشبهة للصفات والمعطلة لها.


وأما من ناحية سمعية فقد ثبتت نصوص كثيرة في الكتاب والسنة تثبت صفة الكلام للرب سبحانه وأنه يتكلم بما شاء وقتما شاء، بكلام مسموع بصوت وبحرف، وإن كانت صفة الكلام صفة ذاتية فيه منذ الأزل ، لكن آحاد الكلام محدثة وفق مشيئته.

ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى} (النازعات/ 16).
قال الرازي في مختار الصحاح تحت مادة: (ن د ا)، النِّداءُ: الصوت وقد يُضم، و نَادَاهُ مُنَادَاةً و نِدَاءً: صاح به.
وقال الأزهري في تهذيب اللغة: نادى: ظهر، ونَادَيْته: علمته.
مما سبق يتبين أن النداء هو كلام بصوت مسموع مجهور به، لأن الغرض منه إعلام الآخر ولفت انتباهه لما سيلقى عليه، كما جاء في ذكر الله تعالى للأعراب الذين رفعوا صوتهم في مناداتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته بغرض إخراجه للقائهم: { إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون } (الحجرات/ 4) ولو لم يكن صوتا مسموعا بصوت وحرف مجهورا به لم يكن ليسمعهم من وراء جُدر الحجرات.
وفي قوله تعالى {ناداه ربُّه} فعل ومفعول به مقدم وفاعل؛ فالهاء في {ناده} تعود على موسى عليه السلام، ويكون المنادي هو الرب سبحانه تعالى، فمن لازم ذلك أن الرب سبحانه تكلم بكلام مسموع بحرف وصوت، فلا يكون كلام نفساني قائم بذاته، ومن لازم قوله تعالى {ربُّه} أن لا يكون المنادي لموسى الشجرة أو شيء آخر كما تأول في ذلك المتأولين عند قوله تعالى { فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} رغم أن السياق يبين تفاهة وسماجة وقبح ما ذهبوا إليه فكيف يتسنى للشجرة أن تقول {إني أنا الله رب العالمين}؟!!! ومن باب أولى أن يقال كيف لهم أن يسلبوا اللهَ صفته ويقولوا بأن الرب لا يتكلم والنص على أن المنادي هو الله عزّ وجلّ!، وكما قال الله عز وجل في الآية الأخرى: { فلما أتاها } أي: الشجرة {نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى} فكيف يعقل أن تقول الشجرة: { إني أنا ربك }؟!!! .

ولقد ثبت في النصوص أن موسى لُقِبَّ ب(كليم الله)، منها قوله تعالى: { إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا * وأرسلنا رسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما } فتخصيص تكلم الله مع موسى دونًا عن غيره من الرسل والأنبياء يدل على أن غيره من الرسل لم يختصوا بهذه الخصيصة، ويؤخذ من مفهوم المخالفة أن غيره لم يكلمهم الله، وهي كما قال الله فيهم: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)} فذكر هنا سبحانه القسمة الثلاثية التي لم يخرج عنها أحد من الرسل في تكليم الله لهم بالوحي وهي:

1- { وَحْيًا } في المنام أو يقظة.
2- { مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } كما كلم سبحانه نبينا صلوات ربنا وسلامه عليه كما ثبت عنه في حديث الإسراء ، وكما كلم ربُّنا موسى عليه السلام أكثر من مرة كما ثبت عنه بالنصوص الثابتة .
3- { يُرْسِلَ رَسُولا} جبريل أو غيره من الملائكة.

وفي قوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليما} تكليما: مصدر مؤكد للفعل ولا يؤتى به إلا لرفع أي لبس عن الفعل فلا يصح إطلاقا أن يقال بأنه مجاز كما هو معروف في النحو.

وعلى هذا فصفة الكلام ثابتة من ناحية عقلية ونقلية، كما أنه لا يمتنع العقل عن إثباتها كما أثبتها النصوص والأخذ بظاهرها على الوجه اللائق للرب سبحانه، والشرع لم يأتِ بمحالات العقول وإن جاء بما تحتار فيها ككيفية الصفات، أما معناها فهي لغة عربية مبينة مفهومة يفهمها أي شخص يتكلم العربية فعلينا أن نثبتها له سبحانه تعالى كما أثبتها لنفسه في كتابه، وكما أثبتها لها نبيه سبحانه وكما أثبتها له صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وكما أثبتها له سلفنا الصالحين ومروها وتقبلوها كما جاءت معتمدين على أنها لغة فصيحة فلم يسألوا عنها ولم يعطلوها أو يؤولوها كما فعل من بعدهم ممن يقولون: "طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم"! والصحيح أن طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم وأولى بالاتباع، نسأل الله أن يرزقنا الاتباع ويقينا شر الابتداع والبدع عموما ما ظهر منها وما بطن.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 04:39 PM
حليمة السلمي حليمة السلمي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 321
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (34) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38) أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (39) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40) أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (41)
بعد أن أخبر سبحانه وتعالى عمّا أعده للمتقين ربهم من أنواع النعيم والكرامة في جنات عدن، بيّن سبحانه وتعالى أن من حكمته وهو الحكيم العدل سبحانه عدم المساواة بين المؤمنين المسلّمين لأمره المنقادين لشرعه، وبين الكافرين المجرمين المعاندين، فجاءت هذه الآيات الكريمات بالحجج القاطعة، والبراهين العقلية والنقلية التي تقتضي نقض زعم الكافرين أنهم أحسن حالاً وآثر عيشًا عند الله أسوة بحالهم في الدنيا.
قال ابن حيان: "روي أنه لما نزلت هذه الآية ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ قالت قريش: إن كان ثم جنة فلنا فيها أكثر الحظ، فنزلت: أفنجعل المسلمين كالمجرمين. وقال مقاتل: قالوا فضلنا الله عليكم في الدنيا، فهو يفضلنا عليكم في الآخرة، وإلا فالمشاركة".
فأجابهم الله تعالى ورد عليهم مقولتهم وسدّ عليهم منافذ الدعوى، حتى لم يبقى لهم إلا التسليم بفساد حكمهم وبطلان دعواهم.
وقد نفى سبحانه وتعالى حكمهم هذا بإنكار جميع كيفياته التي يمكن أن يصح معها، فالحكم الصحيح لا بد وأن يكون مستندا إلى عقل أو نقل أو إثبات بعهد وثيق أو كفيل ضامن و غير ذلك، وقد أبطل الله تعالى كل ذلك بوجوه عدة:
1ـ الدليل العقلي.
قال تعالى"﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36)"
قال ابن جرير رحمه الله: يقول تعالى ذكره: أفنجعل أيها الناس في كرامتي ونعمتي في الآخرة الذين خضعوا لي بالطاعة، وذلوا لي بالعبودية، وخشعوا لأمري ونهيي، كالمجرمين الذي اكتسبوا المآثم، وركبوا المعاصي، وخالفوا أمري ونهيي؟ كَلا ما الله بفاعل ذلك.
مالكم كيف تحكمون: إن هذا الحكم الجائر في المساواة بين المطيع والعاصي لا تقره العقول السوية والفطر السليمة، فإنكم أيها الكافرون لا تقرون مثل ذلك، بل من عاندكم نوع معاندة قاطعتموه ولو وصل الأمر إلى القتل.
فالتسوية بين المطيع والعاصي غير جائزة، فانتفت الدعوى بدليل عقلي.
2ـ الدليل النقلي.
قال تعالى: ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (38)
أي : بل ألكم ؟ (كتاب) أي: من عند الله (تدرسون) تدرسون في الكتاب أن لكم لما تخيرون أي: تختارون من النعيم.
إن كان عندكم أيها الكافرون كتاب من عند الله يصدِّق مقولتكم فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون!!!
وهم عاجزون عن ذلك لكذب دعواهم، فقامت الحجة عليهم لانتفاء حصولهم على دليل نقلي يثبت صحة دعواهم.
3ـ العهد الوثيق.
قال تعالى: ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ .
قال مقاتل: يقول: ألكم عهود على الله بالغة ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ استوثقتم بها منه فلا تنقطع. أعهدكم إلى يوم القيامة بأن لكم الذي تقضون لأنفسكم من الخير.
وقال عطاء: يريد ألكم عهد مني ألا أصيبكم بعذاب ولا عقوبة.
والمعنى: أي أم أقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد لإثبات حقكم علينا أن لكم ما تحكمون و تأمرون به دون مراجعة، وفي هذا من التهكم بهم والسخرية من قولهم ما يعجزهم ويكشف عوراهم.
فنفى سبحانه أن يكون مستند زعمهم عهدا أخذوه على الله لأنفسهم أن يعاملهم يوم القيامة بما يحكمون به لأنفسهم.
4ـ الكفيل الضامن الذي يلزمه صحة الدعوى.
﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ أيهم الكفيل بهذه الدعوى الفاسدة، فإنه لا يمكن التصدر بها، ولا الزعامة فيها.
يقول ابن عاشور رحمه الله: " ﴿سلهم أيهم بذلك زعيم﴾ استئناف بياني عن جملة ﴿أم لكم أيمان علينا بالغة﴾ ، لأن الأيمان وهي العهود تقتضي الكفلاء عادة، قال الحارث بن حلزة:

واذْكُرُوا حِلْفَ ذِي المَجازِ وما قُدِّمَ فِيهِ العُـهُـودُ وُالـكُـفَـلاءُ
فلما ذكر إنكار أن يكون لهم عهود، كمل ذلك بأن يطلب منهم أن يعينوا من هم الزعماء بتلك الأيمان"
ولم يكن لهم كفيل وضامن أو سيد أو رئيس أو متكلم بحق أو باطل لتلزمه صحة ادعائه، بل لم يجسر أحد منهم على ذلك لما يعلمون من حَقِّيَّةِ هذا القرآن وما لأقوالهم كلها من العراقة في البطلان والكذب والفساد.
5ـ شركاء وأعوان لإدراك طلبهم.
لما نفى أن يكون لهم منه سبحانه في تسويتهم بالمسلمين دليل عقلي أو نقلي أو عهد وثيق أو كفيل ضامن بصحة الدعوى، أتبعه ما يكون من عند غيره إن كان ثَم غير على ما ادعوا فقال سبحانه: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾
وجاء في معنى الشركاء قولان:
الأول: معبوداتهم من دون الله .وهنا يفترض أن أصنامهم تنصرهم وتجعل لهم حظا من جزاء الخير في الآخرة.
قال أبو حيان رحمه الله: "فليأتوا بشركائهم" هذا استدعاء وتوقيف. قيل: في الدنيا أي: ليحضروهم حتى ترى، هل هم بحال من يضر وينفع أم لا، وقيل: في الآخرة، على أن يأتوا بهم"
الثاني: أم لهم ناس يشاركونهم في هذا المذهب وهو التسوية بين المسلمين والمجرمين، فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في دعواهم. وليس لهم من يوافقهم من العقلاء على هذا القول، وذلك يدل على أنه باطل من كل الوجوه.
فأبطل سبحانه وتعالى قولهم، وأفسد مقالته بكل الوجوه المحتملة له، ونفى جميع شبههم التي يمكن أن يتشبثوا بها، مع البيان لقدرته تعالى على ما يريد من تفتيق الأدلة وتشقيق البراهين الدالة على تمام العلم اللازم منه كمال القدرة فأوصلهم من وضوح الأمر إلى حد لم يبق معه إلا العناد، ليتوعدهم سبحانه ويهددهم بالعذاب الشديد يوم الفصل حين يعاملهم بعدله تبارك في علاه.
والله أعلم.

تم الجواب وبالله التوفيق.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 11:46 PM
سعود الجهوري سعود الجهوري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 346
افتراضي

قال تعالى: ( فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَٰذَا ۚ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ۚ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ (36))


ذكر تعالى في هذه الآيات أدلة نقلية وعقلية تثبت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبت أن ما جاء به صلى الله عليه وسلم من وحي وهدى من عند الله العليم الحكيم، وتنوعت الأساليب في رد حججهم الباطلة، وأضرب إضرابات انتقالية كثيرة في هذه الآيات، وسرد ما ادعوه من ادعاءات وافتراءات باطلة، وردها بحجج دامغة لا تبقي لمن كان له عقل إلا أن يذعن وينقاد إلى هذا النبي الأمي وما جاء به صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: (فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون).

في الآية الكريمة أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بتذكير قومه ما ينفعهم، و"ما" نافية، ونفت أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بما أنعم الله عليه من وحي واصطفاء ورسالة، بكاهن ولا مجنون، والأسلوب فيه تبكيت لقومه وما قالوه في اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كاهن يتلقى الأخبار من الجن، أو أنه مجنون فاقد للعقل، وتزكية للنبي صلى الله عليه وسلم في نفسه وفي رسالته، ونفي الكهانة والجنون المحض لا يتعبر مدحا إلا إذا صحبه كمال الممدوح، وهي حال النبي صلى الله عليه وسلم كانت على أتم الكمال البشري، ولا بد له من مناسبة تناسب هذا النفي، وهي افتراؤهم عليه بالكهانة والجنون، فأتى النفي رد على ذلك.
وأخبر تعالى أن ما جاء به نعمة من الله، والنعمة تكون عادة ظاهرة للخلق بينة، لاسيما أنها وحي من الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولو تبصروها لعلموا أنها نعمة عظيمة لا يساويها شيء من نعم الحياة الدنيا، ولكن لزيغهم وسوء مقاصدهم، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بالكهانة والجنون، فنفى الله عنه ذلك بما امتن عليه من نعمة.

قال تعالى: ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون).

ثم عطف وأضرب إضرابا انتقاليا، وذكر عنهم اتهاما آخر للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه شاعر، وفي الآية التي قبلها أشار باتهامهم له صلى الله عليه وسلم، وصرح به هنا، وفيه إشارة على أن مقولتهم بأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كهانة أو جنون مقولة واضحة الافتراء، يكفي من ردها إيرادها بهذا السياق والإضراب عنها إضرابا انتقاليا، حتى يبين لهم ما ينكر جميع دعواهم بعد عرضها، بما يبين بطلان ما ادعوه.
و"أم" تأتي بمعنى: بل، وعند القول بالعطف، تقديره: بل يقولون شاعر، وعند القول بأن "بل" استفهام، يكون التقدير: بل أيقولون شاعر، ويكون الاستفهام إنكاري، وهو حاصل قول ابن عاشور، وذكر ابن عطية عن الثعلبي ما حكاه عن قول الخليل أن كل "ما" في سورة الطور استفهام وليس بعطف.
وهو الظاهر أنها استفهام إنكاري ينكر مقولتهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر، ويتربصون به ريب المنون أي: ينتظرون أن تحل به حوادث الدهر والموت، فينقطع اتباع ما جاء به من دين وشرع بمجرد مماته.

قال تعالى: ( قل تربصوا فإني معكم من المتربصين).

وفيه توعد لهم وتبكيت على ما افتروه على النبي صلى الله عليه وسلم، لأن حجة الله التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم بينة الدلالة على صدق ما جاء به، وأمر بالتربص والانتظار ليرى من له حسن العاقبة في الدنيا والآخرة، وأخبر تعالى أن النبي متربص معهم، تخويفا لهم وزجرا وتقريعا عن هذا القول، وروى ابن جرير عن قتادة في نزول هذه الآية، أنه قال: قال ذلك قائلون من الناس: تربصوا بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت يكفيكموه, كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان.
وحكى الزجاج أن جاء في التفسير أن هؤلاء الذين قالوا هذا - وكان فيهم أبو جهل - هلكوا كلهم قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: ( أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون).

ثم أضرب إضرابا انتقاليا عن مقولاتهم السابقة، كما ذكر ابن عاشور، واستفهم استفهاما إنكاريا فقال: (أم تأمرهم أحلامهم بهذا)، ولم يرد هذه الأقوال، وكأن الحاجة لا تستدعي الرد عليها لوحدها، لأنها حجج واهية، لم يكن مخرجها من عقول أصحابها، حتى إذا عرض أقوالهم كلها، بين بطلانها بالأدلة والبارهين، والأحلام هي: العقول، منكرا عليهم أن تأمر العقول بهذه المقولة البين خطؤها، ودل عليه الاستفهام الإنكاري المقدر في "أم"، وقال بعدها :( أم هم قوم طاغون)، و"أم" هنا بمعنى بل هم قوم طاغون، ذكر ذلك الطبري وغيره، أي: حملهم طغيانهم على هذا القول، والطغيان مجاوزة الحد، فيكون تقدير الكلام على تقرير كفرهم وطغيانهم قصدا وعنادا، وإذا قلنا بالسبر والتقسيم في الآية، يكون المعنى: أن مقولتهم المتقدمة عن النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به : إما أن تكون صادرة عما عقلوه منها فأصدروا أحكامهم بناء عليها، ورد هذا القول الاستفهام الإنكاري لكونه واضح البطلان لفصاحتهم ولمعرفتهم بلغة العرب وأشعارها وأساليبها، وإما أن تكون صادرة عن طغيانهم وإرادتهم للكفر والتكذيب، ولا اختيار ثالث لهم، وأقره التقرير في معنى "أم" أي: بل ، كما ذكر المفسرون في قوله تعالى: (أم هم قوم طاغون)، فلإنهم عقلوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لم تخرج مقولتهم عن القول الثاني، ورد الأول الاستفهام الإنكاري.

قال تعالى: ( أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون . فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين).

واستفهم استفهاما إنكاريا أن يتقوله النبي صلى الله عليه وسلم وأن يأتي به من تلقاء نفسه، وذكر أن عدم إيمانهم وتصديقهم بالله هو الذي دفعهم لهذا القول، وأما المؤمنون فيوقنون أنه من عند الله فيتلقون ما فيه بيقين وتصديق بأنه كلام ربهم الذي لا يأتيه الباطل، وأنه كله كلام حق يفيد العلم والهدى والتبصير والنور واليقين، فيزيدهم الله بتلاوة آياته والاستماع إليها إيمانا مع إيمانهم، ثم أورد اعتراضا يحير الخصم في جوابه، ويعجز عن إجابته، فتحداهم بأمر فيه تعجيز وبرهان بعد أن زعموا وافتروا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به من الوحي، أن يأتوا بحديث مثله، وهذا الاعتراض يكشف بطلان دعواهم، لعجزهم عن الإتيان بمثله، وهم أهل اللغة والبلاغة والفصاحة، فأتاهم بما قد برعوا واشتهروا به، فإذا تبين ذلك لم تكن لهم حجة على جميع ما سبق، فنقض جميع ما ادعوه بهذا التحدي الذي جعله الله حجة على جميع الأمم من الإنس والجن إلى يوم القيامة.

قال تعالى: ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون).

ثم أضرب إضرابا انتقاليا، وذكر جماعة من العلماء أن الله تعالى استدل بالسبر والتقسيم على بطلان دعواهم وعدم انقيادهم للحق بعد تبينه، فهم إما أن يكونوا خلقوا من غير شيء، أي: خلقوا من غير خالق لهم، وهو ظاهر البطلان، وأنكره بالاستفهام الإنكاري، أو أنهم خلقوا أنفسهم، وهو باطل، فالمعدوم لا يخلق نفسه، وأنكره بالاستفهام الإنكاري، ولم يبق إلا أن لهم خالق من غير أنفسهم، والله تعالى، وهو الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، فاستدل بالربوبية والخلق على ألوهيته واستحقاقه وحده للعبادة سبحانه وتعالى، وأما من يعبد من دون الله فغير مستحق للعبادة، لكونه مخلوق من جنسهم، فكونه مخلوق يدل على حاجته وفقره وعدم كماله، وأما خالق كل شيء فهو الغني الحي القيوم الكامل في صفاته سبحانه وتعالى، المستحق على إثرها بإفراده بالعبادة.

قال تعالى: ( أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون).

وفي هذا الاستفهام الإنكاري إضراب انتقالي آخر كما ذكر ابن عاشور، وفيه إشارة أن من خلق السماوات والأرض هو المستحق للعبادة، وأن خلق السماوات العظام والأرض أعظم من خلقهم، فمن قدر على خلق السماوات والأرض، قادر على البعث والجزاء، وأن ما منعهم من الإيمان وبالله وبالأدلة النقلية والعقلية التي ذكرها سبحانه، إلا عدم إيقانهم بها، لسوء مقصدهم ولعنادهم، فلم ينتفعوا بآياته النقلية والعقلية.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 11:06 AM
ناديا عبده ناديا عبده غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Feb 2016
المشاركات: 540
افتراضي

قوله تعالى: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التوبة: 113]
تضمنت هذه الآية الحجة القاطعة على بطلان الاستغفار لموتى المشركين الذين كشف الله عاقبة مآلهم.

جاءت هذه الآية في مفهومها ومنطوقها , النهي الجازم القاطع عن استغفار المؤمن للكافر الذي مات على الكفر
قبل أن يحظر سبحانه على المؤمنين الاستغفار لآبائهم المشركين، بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ}، وإذا كان النبي ينهى، فالمؤمنون من باب أولى ليس بهم الحق في ذلك, لأن الله لو أراد أن يكرم أحدا من الآباء
لأجل أحد، لأكرم أباء النبي إن كانوا غير مؤمنين.
فإنه ما كان ينبغي بالنبي والمؤمنين به , أَن يستغفروا للمشركين الذين كفروا بالله ولم يصدقوا بالرسول عليه الصلاة والسلام , وما أنزل عليه من القرآن الكريم ، فجحدوا واستكبروا , وجعلوا لله ندا في العبادة . وهذا النهي يعم جميع المشركين , فلا يستثنى من هذا الاستغفار أولى القربى لقوله تعالى : { وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} , ولم يترك تعالى عباده في حيرة يتخبطون , بل أوضح لهم السبب بقوله تعالى : { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } , لأنهم إذا ماتوا على الشرك ، أو علم أنهم يموتون عليه، فقد حقت عليهم كلمة العذاب، ووجب عليهم الخلود في الدار، ولم تنفع فيهم شفاعة الشافعين، ولا استغفار المستغفرين , فالله لا يغفر للمشركين كما قال تعالى : { إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء:48) . وقوله : { إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }. (المائدة:72)
ومفهوم الآية ( مفهوم المخالفة) : مشروعية الاستغفار للمؤمنين.

وقد بين تعالى بالآية التي تليها الحجة على من استدل باستغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه
فقال تعالى : {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } ( التوبة : 114).
فما كان استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه المشرك، إلا عن موعدة وعدها إياه، وهي قوله: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا }. فلما تبين لإبراهيم أن أباه عدو لله ولم ينفع فيه الوعظ والتذكير، وأنه سيموت كافرا، تركه وترك الاستغفار له، وتبرأ منه, تأدبا مع الله. فإن إبراهيم عليه السلام عظيم التضرع لله، كثير الصفح عما يصدر مِن قومه من الزلات.
قال ابن عباس : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات ، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه . وفي رواية : لما مات تبين له أنه عدو لله .
فالمراد هذا الوعد ما جاء في القرآن من قوله له : { قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ ربي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً } ( مريم : 47 ) .وقوله : { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله مِن شَيْءٍ } ( الممتحنة : 4). وقوله :{ واغفر لأَبِى إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضالين } (الشعراء : 86 ). وقوله : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ }, جملة مستأنفة لبيان الداعي الذى دعا إبراهيم إلى الاستغفار لأبيه قبل التبين .

فلا حجة لكم أيها المؤمنون في استغفار إبراهيم ، لأن استغفاره له إنما كان بسبب وعد صدر له بذلك . فلما أصر أبو إبراهيم على كفره ، ومات مشركا بالله تبرأ إبراهيم ومن عمله .


--------------------
المصادر :
-------
* جامع البيان - الطبري ( ت : 310هـ )
* المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز- ابن عطية ( ت: 541 هـ ).
* تفسير القرآن العظيم - ابن كثير ( ت : 774هـ ).
* تيسير الكريم الرحمن - السعدي ( ت: 1376هـ).

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 08:23 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

تقييم التطبيقات على درس أسلوب الحجاج


التعليقات العامة :

- يرتكز أسلوب الحجاج على استخدام أدوات معينة كــ:
السبر والتقسيم / المنع والتسليم / براعة التعليل / إعمال المفهوم / القول بالموجب / الإضراب / المعارضة والمناقضة / المجاراة والإعثار / التبكيت والتشنيع .
- ملاحظة أثر استخدام الأدوات في دحض الباطل والرد على الشبهات .
- يكون التركيز في هذا الأسلوب على المحاججة أكثر من مجرد تفسير ، وهو منحصر في بيان الشبهة وتوظيف أدوات الحجاج في الرد عليها .
- من
المراجع المعينة على كتابة رسائل الحجاج تفسيري ابن عاشور والشنقيطي .
- حتى تتضح الصورة أكثر نوصيكم بالاطلاع على تطبيق الطالبة ميمونة والطالب سعود الجهوري فقد أحسنا في أدائه.

*تنبيه:
نوصيكم طلابنا الأكارم بضرورة التواصل مع قسم ( التواصل مع إدارة المعهد) فيما يشكل عليكم في موضوع أساليب التفسير مع توضيح ماهية الإشكال لديكم ؛ مع ضرورة اطلاعكم على التعليق العام للفائدة. .


1: ميمونة التيجاني:أ
أحسنتِ وفقكِ الله وسددكِ ، فقد أتيتِ على مجمل أدوات الحجاج في الآية وما فاتكِ شيء يسير.
- (أم لكم كتاب فيه تدرسون )، وهنا استخدم أسلوب الإضراب في الانتقال من التوبيخ والتقريع إلى الاحتجاج على كذبهم، باستفهام مقدر مفاده الإنكار .
- إسناد الأحاديث مهم فانتبهي وفقكِ الله .
- ثم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم ( سلهم ايهم بذلك زنيم ) ؛ الصّواب (سلهم أيّهم بذلك زعيم ) الآية .
- انتبهي لكتابة همزة القطع فكثيرا ما تسقطينها، لما فيه من تأثير على جودة النص.


2: عبدالكريم محمد.ب+
أحسنت وفقك الله وبارك فيك .
- كان يحسن بك الابتداء بذكر مقدمة موجزة تضع فيها القارئ على الموضوع العام للآيات ليتهيء لما سيأتي.
- الإظهار في موضع الإضمار في قوله تعالى: (سيقول الذين أشركوا ) فالذين أشركوا هي المظهرة .
- ذكرت عناصر المحاججة ومعناها بشكل حسن إلا أنّ بيانك للأدوات كان ضعيفا فمثلا :
. في قولك: [- تحداهم الله بأنهم إن كان لهم علم و مستند يستندون إليه فليأتوا به و إلا فهم كاذبون.]، الأفضل أن تذكر الآية ثمّ تأتِ ببيان الأدوات فيها،وما ذكرت هنا هو في قوله تعالى :( قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا ) فالاستفهام على معنى التهكم ومفاده الإنكار .
. في قوله تعالى :( إن تتبعون إلا الظنّ ) فيه إضراب إبطالي لما قالوه سابقا .
وهكذا ..

3: عبدالكريم الشملان .
بارك الله فيك وسددك كان يحسن بك اختيار آية أخرى لترى متى قدرتك على تطبيق هذا الأسلوب.
ننتظر رسالة أخرى على غرار ما أداه زملائك.
والله يوفقك.


4: هويدا فؤاد.ج
بارك الله فيكِ ونفع بكِ .
عماد رسالتك ينبغي أن يكون بتفصيل ما لخصتيه هنا وبيانه ؛ إذ أنّ في هذه الحجج تفنيد مزاعم مخالفوا البعث ومنكروا المعاد وبطلان شبهتهم، وقد صرَّف اللهُ الآياتِ وبسطها في خطابهم، فذكرهم بنشأتِهم الأولى، ثُمَّ بأطوار حياتِهم منذ كانوا أجنة في بطون أمهاتهم إلى أن يتوفاهم الموت وتحتويهم القبور، ثم ضرب لهم مثلاً من واقع الحياة فيه صورة لبعث الحياة بعد الموت، يتمثل في الأرض الهامدة المقفرة، حين ينزل عليها الماء، وذلك تبصيراً وتذكيراً، وإلزاما لهم بالحجج الظاهرة التي لا يردّها إلا مكابرٌ معاند، واستعمل معهم اعمال العقل والمنطق باستنتاج النتائج.


5: وحدة المقطري.

أحسنتِ وفقك الله وسددكِ.
اجتهادك طيب وأسلوبك واضح لكنكِ تطرقتِ للتفسير الموضوعي - وهو اختيار موضوع معين نتناول من خلاله الآيات القرآنية التي تحدثت عنه - وهو بعيد عن مقصودنا؛وينبغي أن تتناولي أسلوب القرآن في حجاج أهل الأهواء والبدع والضلالات في دحض شبههم .
فلعلكِ لاحظتِ أنّ الأمثلة والنماذج التي قُدمت لكم فحواها حول مجادلة القرآن لأهل الباطل بأساليب مختلفة ، والمطلوب أن ننحو نحوها في التطبيق، وفي تطبيق الأخت ميمونة والأخ سعود ما يُقرب لكِ الصورة أكثر.
بانتظار تعديل رسالتك .
والله يوفقك.



6: حليمة السلمي.أ
أحسنتِ وفقكِ الله وبارك فيكِ.
- مقدمة حسنة ابتدأتِ بها وكذلك تقسيمك للآيات لبيان وجوه الاحتجاج على مزاعم المشركين أيضا قد أحسنتِ فيه.
- فاتكِ بيان أدوات الحجاج في كل وجه من الوجوه فمثلا :
الدليل العقلي: أتى بالاستفهام للتوبيخ والتهكم على إستدلالهم الكاذب، وهمزة الاستفهام تفيد إنكار التساوي بين الفريقين ، كذلك الآية الثانية أتى بالاستفهام الانكاري في موضعين:( مالكم / كيف ).
الدليل النقلي : انتقل من التوبيخ إلى الاحتجاج بأسلوب الإضراب ، فأتى باستفهام مقدر بعد أم مفاده الإنكار .. وهكذا نشير للأدوات .
- احرصي على التوثيق نفعك الله .
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير.



7: سعود الجهوري.أ
أحسنت بارك الله فيك وزادك علما .
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير .


8: ناديا عبده .ب+
أحسنتِ بارك الله فيكِ وسددكِ .
- يحسن بكِ الابتداء بذكر الآيات المراد الحديث عنها جميعها، وذلك أقرب لتصوّر الشبهة مبدئيا.
- ذكرك لسبب النزول مهم لوضع القارئ في جوّ الآية.
نأسف لخصم نصف درجة على التأخير .

نفع الله بكم جميعا وتقبل منكم

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 06:37 PM
عبدالكريم الشملان عبدالكريم الشملان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 680
افتراضي

إعادة :- التطبيق : لأسلوب الحجاج .
قوله تعالى " ألم تَر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين" 258البقرة .
تضمنت الآية تعليم من الله عز وجل عن طريق السؤال والجواب ،والمجادلة في الدين لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجه الحق ودحض حجة الباطل ، والاحتجاج بالعلم مباح شائع لقوله تعالى " فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ..." كما أن في الآية بيان للتدرج مع المجادل وإقامة الحجة المنطقية عليه ، وإلجامه بالبراهين .
قوله تعالى " ألم تَر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك " ذكر الطبري أن في الآية تعجيب من الله سبحانه للذي عارض وخاصم النبي إبراهيم عليه السلام ، لذا أدخلت "إلى " في قوله " ألم تَر إلى الذي " ، وفيه معنى الإنكار لفعل النمرود، الذي تجبر في الأرض ، كما أنه قوله" ألم تَر " *تنبيه * والرؤية قلبيه ، وحاج وزنه " فاعل" من الحجة أي جاذبه إياها، وكانت المحاجة على ثلاثة
أقوال :- أي : عارض حجته بمثلها ، أو أتى على الحجة بمايبطلها ، أو أظهر المغالبة في الحجة ، وذكر أبو حيّان أن " أن آتاه" مفعول من أجله على معنيين : أحدهما : أن الحامل له على المحاجة هو أن إتياؤه الملك : أبطره وأورثه الكبر والعتو ، فحاج لذلك ، والثاني : أنه وضع الحاجة موضع ما وجب عليه من الشكر لله على إتيانه الملك ، وهمزة الاستفهام لإنكار النفي ؛ وتقرير المنفي ، أي : ألم تنظر إلى هذا الطاغوت..، وفِي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام تشريف له ، وإيذان بتأييده في الحاجه، (إرشاد العقل السليم(251/1).
وهو استدلال مسوق لإثبات الوحدانية لله تعالى وإبطال إلاهية غيره لإنفراده بالإحياء والإماتة ، وانفراده بخلق العوالم المشهودة للناس .
وقوله " أن آتاه الله الملك " تعليل حذفت منه لام التعليل ، وهو تعليل لما يتضمنه حاج من الإقدام على هذا الغلط العظيم ، الذي سهله إزدراؤه بنفسه ،التحرير والتنوير(32/3).
"إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي وأميت" .
أراد إبراهيم عليه السلام أن يقيم الحجة على هذا الطاغية " النمرود" فابتدأ بتقرير توحيد الربوبية " ربي الذي يحيي ويميت " أي ربي الذي بيده الحياة والموت " فكان رد الطاغية بأنه إن شاء قتل فأمات ، وإن شاء أحيا فأبقى وعفى،
ونقل ابن عطية عن الأصوليين أن إبراهيم عليه السلام وصف ربه تعالى بما هو صفه له من الإحياء والإماتة ، لكنه أمر له حقيقه ومجاز، قصد إبراهيم عليه السلام الحقيقة ، ففزع نمرود إلى المجاز وموه به على قومه ، فسلم له إبراهيم تسليم الجدل ، وانتقل معه من المثال وجاءه بأمر لا مجاز فيه .
وذكر أبو حيّان أن إبراهيم عليه السلام اختص من آيات الله بالإحياء والإماتة لأنهما أبدع آيات الله وأشهرها ، وأدلها على تمكن القدرة .
كما أن قوله " ربي الذي يحي ويميت " مبتدأ وخبر ، وفيه إشارة إلى أنه هو الذي أوجد الكافر ويحييه ويميته كأنه قال " ربي الذي يحي ويميت هو متصرف فيك وفِي أشباهك بما لا تقدر عليه أنت ولا أشباهك من هذين الوصفين العظيمين والمشاهدين للعالم الذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء ولا طب الأطباء ، وفيه إشارة إلى المبدأ والمعاد ،
وكذلك فيه دليل على الاختصاص، فتقول زيد الذي يصنع كذا ، أي : المختص بالصنع . واستدل إبراهيم عليه السلام على وجود الله سبحانه بحدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها ، وعدمها بعد وجودها ، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة ، لأنها لم تحدث بنفسها ، فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الرب ( تفسير ابن كثير (525/1).
و"إذ قال " ظرف لحاج، وقد دل هذا على أن إبراهيم هو الذي بدأ بالدعوة إلى التوحيد ، واحتج بحجة واضحة يدركها كل عاقل، وهي أن الرب الحق هو الذي يحي ويميت ، وكل أحد يعلم بالضرورة أنه لا يستطيع إحياء ميت ، فلذلك ابتدأ إبراهيم الحجة بدلالة عجز الناس عن إحياء الأموات ،وتقديم الاستدلال بخلق الحياة إدماج لإثبات البعث ، ثم أعقبه بدلالة الإماتة ، وفيها دلالة على أنها من فعل فاعل غير البشر
""قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فَأْت بها من المغرب""
لما وجد إبراهيم عليه السلام من النمرود التجبر انتقل معه في الحجاج إلى أمر آخر فعارضة بأمرالشمس.
حيث لما رأى إبراهيم من معارضته النمرود ما يدل على ضعف فهمه أو مغالطته فإنه عارض اللفظ بمثله ، ولم يتدبر اختلاف الوصفين ، ذكر له مالا يمكن أن يدعيه ولا يغالط فيه ، لذا عدل إبراهيم إلى الاسم الشائع عند العالم كلهم ، وليبين له أن إله العالم كلهم هو ربه الذي يعبدونه ولأن العالم يسلمون أنه لا يأتي بها من المشرق الا إلههم ( البحر المحيط (639/2).
ولم يرد النمرود لظهور كذبة إن ادعى ذلك لأهل مملكته ، إذ يعلمون أنه محدث ، والشمس كانت تطلع من المشرق قبل حدوثه ، فعجز بعلمه، ورأى أنه لا مخلص له ،فسكت وانقطع . ويعقب ابن كثير على المقامين الأول والثاني في المحاجه بقوله " بل المقام الأول يكون كالمقدمة للمقام الثاني ، ويبين بطلان ما ادعاه نمرود في الأول والثاني ".
" فبهت الذي كفر " :
بهت :أي انقطع ، وبطلت حجته ،والبهت : افتراء الكذب ، فلما سمع النمرود ذلك المقال لم يرجع إليه شيء ، وعرف أنه لا يطيق ،ووقعت عليه الحجه وقامت عليه المحجة "
وبهت الرجل " :انقطع وسكت متحيراً" ودُهش،
ذكر ابو السعود أن إيراد الكفر في خيز الصِّلة للإشعار بعلة الحكم ، والتنصيص على كوّن المحاجة كفراً .
وبهت فعل مبني للمجهول ، بمعنى أعجزه عن الجواب ، فعجز ، أو فاجأه بما لا يعرف دفعه.
" والله لا يهدي القوم الظالمين " :
قال الطبري: " والله لا يهدي أهل الكفر إلى حجة يدحضون بها حجة أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة ، لأن أهل الباطل حججهم داحضة .
والظلم : وضع الشيء في غير موضعه ،والكافر وضع جحوده ما جحد في غير موضعه ،فهو بذلك من فعله :ظالم لنفسه .
والمعنى " أن الله لا يرشد الظالمين في حججهم على ظلمهم ، لأنه لا هدى في الظلم ، فظاهره العموم ، ومعناه الخصوص ، لأن الله قد يهدي الظالمين بالتوبة والرجوع إلى الإيمان ، ويحتمل أن يكون الخصوص فيمن يوافي ظالماً .
واستظهر أبو حيّان أن هذا إخبار من الله بأن من حكم عليه وقضى بأن يكون ظالماً، أي :كافراً ،وقدر أن لا يسلم فإنه لا يمكن أن يقع هداية من الله له .
وهو تذليل مقرر لمضمون ما قبله ، أي لا يهدي الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب إعراضهم عن قبول الهداية إلى مناهج الاستدلال ، أو إلى سبيل النجاة، أو إلى طريق الجنة يوم القيامة .
المصادر :
1- جامع البيان (432/5 ) للطبري.
2- المحرر الوجيز (346/1-350)لابن عطية .
3- الجامع لأحكام القرآن (285/3)للقرطبي.
4- البحر المحيط (627/2).
5- تفسير القرآن العظيم ،(526/1).
6- إرشاد العقل السليم (252/1).
7- التحرير والتنوير(31/3->35).

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 11 صفر 1440هـ/21-10-2018م, 06:17 PM
وحدة المقطري وحدة المقطري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المتابعة الذاتية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2017
المشاركات: 216
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


الأسلوب الحجاجي


قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)} (سورة: التكوير)


المعنى الإجمالي:
في هذه الآيات الكريمات يقسم الله عز وجل بأمور عظيمة على أن القرآن كلامه أوحاه إلى عبده ورسوله البشري محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة الرسول الملكي جبريل.
وذكر في طيات هذا الخبر براهين عدة على صدق خبره.


المعنى التفصيلي:
قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)}
أقسم الله تعالى بالخنس وهي النجوم المختفية في النهار متوارية بضوئه عن البصر، فإذا طلعت و رآها الناس جرت في أفلاكها، حتى إذا حان موعد غروبها استترت في محالها كما تكنس الضباء في بيوتها، ومنه: تكَنَّسَت المرأةُ؛ إذا دَخَلَت فى هَوْدَجها، وأقسم سبحانه بالليل إذا أقبل وإذا أدبر معلنا طلوع الصباح، وأقسم بالصباح بهوائه ونسماته الباردة ، وفي إقسامه بالنجوم إشارة إلى أن هذا القرآن هداية للسالكين لربهم كما في النجوم هداية للسالكين في ظلمات الليل ، وفي إقسامه بالليل والصباح تنبيه على عظيم قدرته ومنته على خلقه، باعتبار أن الليل والنهار آيتين عظيمتين لا غناء للخلق عن أحدهما ، كما أن هذا القرآن أعظم منة من الله على عباده، وكما قال: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) } (سورة: القصص).
وفي إقسام الله بهذه الآيات الكونية تنبيه من الله للمكذبين بشأن القرآن ، وهذا من البراهين العقلية.
ثم بعد هذه الثلاثة الإقسامات ذكر سبحانه المقسم به فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُو عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)}


فالمقسم عليه أمران متلازمان؛ أولهما ذكره سبحانه في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} أي: هذا القرآن هو قول رسول صفته أنه:
1-كريم، أي ذي خلق وهيئة حسنة، وفي هذا إيماء إلى انه ليس بقول شيطان؛ لأن الشياطين هيئاتها مفزعة بلغت الغاية في القبح كما هو معروف.
2-ذي قوة. وفي التنصيص على أنه قوي ، للتأكيد على شدة القوة التي أعطاها جبريل فوق قوة الملائكة المعروفة، وإيماءً لرد من قد يلتبس عليه الوصف فيظنه الرسول البشري.
وفي قوله تعالى: {عند ذي العرش} -وذو العرش: هو الله- إشارتين:
الأولى: أن هذا الرسول المذكور هو جبريل؛ لأنه هو من عند ربه في السماء أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو في الأرض.
الثانية: أنه كريم على ربه؛ ذو قدر عالٍ ومكانة عظيمة. وفي هذا إيماء إلى عظيم قدر محمد صلى الله عليه وسلم لأن ربه اختص رسولا إليه بهذا القدر عنده، فعلى قدر أهمية الرسالة وعظيم شان المرسل إليه تختار الملوك رسلها.
3-مكين؛ أي: ذي جاه ومكانة في الملإ الأعلى عموما وعند ربه خصوصا. وفي هذا إيماء إلى عظيم قدر محمد صلى الله عليه وسلم لأن ربه اختص رسولا إليه بهذه المكانة.
4-مطاع ثَمَّ. وثم بمعنى: هناك، أي: في الملإ الأعلى؛ وفي هذه الصفة (مطاع) إشارة إلى أنه لا يتسلط عليه أحد سوى ربه، فهو من يملي على الملائكة أوامره فيطيعونه.
وبمفهوم الموافقة الأولوي؛ إن كانت الملائكة الكرام مطيعة لجبريل و لا تستطيع مخالفته أو مقاومته؛ فغيرهم من المخلوقات التي لا تداني الملائكة قوة -كالإنس والجان- من باب أولى.
وفي هذه الثلاث الصفات (ذي قوة، مطاع ، مكين) إشارة إلى أنه متمكن من حفظ الوحي فلا أحد يستطيع أن يقهره ويغير في الوحي بزيادة أو نقص أو تحريف.
5-أمين، تنصيص على أنه مؤتمن في شأن الوحي فهو قد بلغه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحاه إليه ربه دون تغيير منه متعمد.
وفي صفات أمين الوحي جبريل برهان عقلي إلى أنه من كان هكذا شأنه فهو حقيق عليه ألَّا يبدل و ألَّا يغير في الرسالة التي حُمِّلها؛ لا متعمدا و لا مكرها، فسبحان الله ممن جحد هذه الحقيقة وتنكر لها ولم يعمل عقله كمشركي قريش ومن شابههم كالرافضة التي تدعي أن الله أرسل جبريل لعلي -رضي الله عنه- فخان الرسالة وأعطاها لمحمد صلى الله عليه وسلم!!.

وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} وما بعدها من وصف جبريل؛ رد على إدعاء المشركين وغيرهم ممن ادعوا بأن القرآن قول بشر كما في قوله تعالى عنهم: {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} (سورة: الدخان، آية: 14)، وفي قوله: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) } (سورة: النحل).


وأما الأمر الثاني الذي أقسم الله عليه؛ فقد ذكره في قوله تعالى:{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)}
ففي هذه الآيات يبرهن الله عقليا على صدق نبوة محمد وبأنه رسوله الذي أوحى إليه وليس بمدع مفترىٍ للكلام، مستخدما أسلوب السبر والتقسيم:


:1- فقال تعالى: { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)}
هنا يذكر الله الاحتمال الأول وهو كونه مجنون -وحاشاه- منكرا لهذا الاحتمال بأداة النفي (ما) ومستغرقا للنفي بحرف (الباء) ، وزاد في ذلك بقوله (صاحبكم) وفي إضافة لفظة (صاحب) لـ (هم) تقريع وتبكيت لهم، وإشارة إلى كذبهم، لأنها من منطوقها تفيد أنه صاحبهم الذي صحبوه مدة عمره مذ ولادته حتى صار عمره أربعين عاما فأوحى إليه ربُّه، ومن مفهومها؛ أنهم يعرفون كمال عقله، وإيماءً؛ أنه ليس بكاذب فهو المشتهر بينهم بالصادق الأمين، فكيف يرتابون ويشككون في كلامه بعد كل هذا العمر والزمان بل ويكذبونه بافتراءات واضح بطلانها!.

2 - قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}
اللام في قوله: {ولقد}: واقعة جواب قسم محذوف. والله لا يقسم إلا على عظيم، ففائدة القسم كما هي معروفة عند العرب تأكيد الكلام بمعظم، والرب سبحانه أقسم على صدق رؤية محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل الذي أرسله له بالوحي، وبأنه رآه بالأفق المبين، والأفق: هو الفضاء الواسع بين السماء والأرض، والمبين صفة للأفق من الإبانة أي: الوضوح، وهذه الرؤية هي الروية الأولى التي رأى بها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الملائكية في كرسي بين السماء والأرض يسد الأفق كما جاء في الحديث الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت زملوني زملوني فأنزل الله تعالى {يا أيها المدثر . قم فأنذر - إلى قوله - والرجز فاهجر} فحمي الوحي وتتابع ". رواه البخاري (حديث رقم: 4).
ونلاحظ أن الله أكد كلامه في هذه الآية بثلاثة مؤكدات:
أ‌- القسم؛ أفادته اللام الموطئة للقسم في قوله: {ولقد}.
ب‌- حرف (قد) الذي يفيد التحقيق.
ت‌- وصف الأفق بأنه (مبين).
وفي هذا دليل على أنها رؤية واضحة لا لبس فيها و لا تخليط، فلم يكن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم رئيا كما كان يزعم المبطلون، كما أنه لم يكن وهما أو تخييل توهمته عيناه؛ كمن يرى السراب فيظنه ماءً! بل هي رؤية حقيقية ببصر رأسه، وبمفهوم هذه الآية يخرج احتمال غلط النبي في الوحي عن غير قصد، وبدلالة الإيماء والتعليل تؤكد صدق ما أخبر عنه من أمر الوحي.

3- قال تعالى: {ومَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}
والغيب: بإجماع هو الوحي (القرآن)، وجاء في ضنين قراءتان: قراءة العامة وهي بالضاد ومعناه بخيل ، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي بالظاء المشالة (بظنين) ومعناه بمتهم، ذكرهما الشوكاني، وباعتبارهما قراءتان فهما كالآيتين، فيكون في منطوق الآية الرد على احتمال كون النبي -صلى الله عليه وسلم- متهما باختلاق الوحي من نفسه، لأنه ليس بمتهم، وكذلك هو ليس بباخل للوحي رغم نفاسته لكنه يبذله ويعلمه دون مقابل يبتغيه منهم، وفي المعنى إيماء لمباعدته عن صفات الكهان الذين لا يتكلمون في أمور الغيب تخرصًا إلا بعد إعطائهم الحلوان.
ففي المعنى الأول على قراءة العامة (بضنين) فيها إشارة إلى أنه كريم، مؤدي لما ائتمنه ربه من أمر الوحي، لا يكتم منه شيئا، ومن لازم ذلك كونه صادق وأمين.
وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي (بظنين) فيها التصريح على أنه ليس بكاذب.
كما جاء أن معنى (ظنين) هو ضعيف من قول العرب للرجل الضعيف أو قليل الحيلة: هو ظنون ، قاله الفراء ، ذكره الأزهري، وفي هذا المعنى إشارة لكونه -صلى الله عليه وسلم- محتملا للوحي، مبلغا له دون تغيير من تحريف أو زيادة أو نقصان، فلا أحد يستطيع أن يقهره -صلى الله عليه وسلم-و يبدل فيما أوحاه إليه ربه شيئا.
ويُلاحظ أن هذه الآية ردت بالنفي الإنكاري بـ (ما) وأكدته بـ (الباء) على احتمالين قد يختلقهما المبطلون وهما:
أ‌- التبديل والتغير للوحي عن غير قصد من النبي صلى الله عليه وسلم، على معنى (ظنين): ضعيف.
ب‌- الافتراء-أي: الكذب تعمدا- للوحي، واختلاق الرسول صلى الله عليه وسلم له، على معنى (ظنين): متهم، ومن لازم القراءة بـ (بضنين) . كما قال تعالى: {أم يقولون افتراه}: و{َإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (24)} (سورة: النحل).

4- قال الله عز وجل: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)} .
وهنا أعاد الله الكلام عن القرآن الذي أقسم عليه أولا، فاقسم مجددا بأن القرآن ليس بكلام شيطان يوحيه لنبينا صلوات الله وسلامه عليه وهذا منطوقها، وأما مفهومها المخالف فهو أن القرآن قول الرسول الملكي الموحى إليه من الله، وهو المذكور في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)}.
وفي هذا القسم أنكر ربنا على المشركين بأداة النفي الإنكاري (ما) وأكده بحرف (الباء) وأوغل في الإبعاد بقوله (رجيم) وصفا للشيطان المطرود المبعد من رحمة الله، ولفظة شيطان فيها هذا المعنى أيضا لأنها على وزن (فَيْعَال) من شَطَن أي: بعد، فأفادت الآية إيماءً أن هذا الوحي الذي نزل رحمة للعالمين على الصادق الأمين -المعروف بحسن خَلقه وخُلقه لهؤلاء المشركين- والذي نزل به ملك كريم على ربه جميل الخلق والهيئة بعيد كل البعد عن هذيان السحرة والكهان ومن شابههم ممن يتعاملون مع الشياطين.
وأفادت الآية من لازمها إبطال إدعاء كل من اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو ساحر أو كاهن، وذلك أن هذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) .... هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) } (سورة: الشعراء).
قال البيضاوي في تفسيره لقوله تعالى: { والشعراء يتبعهم الغاوون }: وأتباع محمد صلى الله عليه و سلم ليسوا كذلك، وهو استئناف أبطل كونه عليه والصلاة والسلام شاعرا.
وقال ابن تيمية: ". فالكاهن مستمد من الشياطين، { والشعراء يتبعهم الغاوون } وكلاهما في لفظه وزن؛ هذا سجع وهذا نظم، وكلاهما له معان من وحي الشياطين . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم . من همزه ونفثه ونفخه } وقال : " همزه الموتة ونفثه الشعر ونفخه الكبر " إلى أن قال رحمه الله: "ثم ذكر علامة من تنزل عليه الشياطين : بأنه أفَّاك أثيم وأن الشعراء يتبعهم الغاوون . فظاهر القرآن : ليس فيه أن الشعراء تتنزل عليهم الشياطين إلا إذا كان أحدهم كذابا أثيما فالكذاب : في قوله وخبره . والأثيم : في فعله وأمره . وذاك والله أعلم : لأن الشعر يكون من الشيطان تارة ويكون من النفس أخرى". ا.هـ باختصار من مجموع الفتاوى.
فمما سبق يتضح بأن الشياطين تتنزل على كل أفاك أثيم من الشعراء، كما تتنزل على الكهنة، وأضرابهم من السحرة من باب أولى.

قال تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)}.
وهذا تفريع بالفاء على كل البراهين السابقة، وفيه تبكيت وتوبيخ واستضلال لهؤلاء الذين عموا وصمّوا عن كل هذه الحجج والبراهين التي تثبت علو سند القرآن وصحته، كما تثبت صدق الرسول والمرسل إليه بما لا يتطرق إليه شك، فقد ذكر الله عز وجل بطريق السير والتقسيم كل الاحتمالات الواردة في شأن (الوحي)، وهي كالتالي على سبيل الاختصار:

الاحتمال الأول الرئيس: أن يكون الوحي كذبا، وهو ما ادعاه المبطلون في اتهامات واحتمالات كثيرة، بعضها تخص الرسول الملكي وبعضها تخص الرسول البشري (المرسل إليه)، ففندها القرآن كالتالي:
أ‌- أن يكون الرسول (جبريل) كاذبا عمدا ، أو محرفا بغير عمد ، وقد رد الأول بقوله: {أمين}، ورد الثاني بقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ}.
ب‌- أن يكون المرسل إليه (محمد صلى الله عليه وسلم):
1- مجنونا: ورد ذلك بقوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ}.
2- مخطئا أو واهما: ورد ذلك بقوله: { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}.
3- محرفا عن غير قصد: ورد ذلك بقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍعلى معنى (ظنين): ضعيف.
4- كاذبا مختلقا للوحي، أو محرفا له بقصد: ورد ذلك تصريحا بقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ}، وبطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضنِينٍ}، وبطريق الإيماء والتعليل بقوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ}.
5- شاعرا: ورد ذلك بطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍوبطريق الإيماء والتعليل بقوله: { وَمَا صَاحِبُكُمْ }.
6- كاهنا: ورد ذلك بطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍوبطريق الإيماء والتعليل بقوله: { وَمَا صَاحِبُكُمْ }.
7- ساحرا: ورد ذلك بطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍوبطريق الإيماء والتعليل بقوله: { وَمَا صَاحِبُكُمْ }.

الاحتمال الثاني الرئيس: أن يكون الوحي حقا وهو من عند الله، والقرآن كلامه.

وبعد تفنيد كل الاحتمالات وتبيين عوار ما اعتبرها المبطلون حجج ردوا بها الحق، ألزمهم الله بقبول الخيار الأخير وهو أن القرآن حق وهو وحيه لرسوله البشري محمد سيد ولد آدم الذي بلغه إياه عظيم الملائكة جبريل، لذا قال-موبخا لهم، ومبكتا، ومضللا لعقولهم، ومنكرا عليهم، ومعجِّزا -: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)} ، أي: فبعد كل هذه الحجج إلى أين تعدلون عن هذا القرآن، وأي سبيل أهدى مما أرشدكم له محمد صلى الله عليه وسلم تسلكون؟!، وهذا كما قال تعالى: {فذلكم ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون}.

المصادر
تفسير الطبري
تفسير ابن كثير
تفسير ابن جزي
تفسير القرطبي
تفسير البغوي.
تفسير البيضاوي.
تهذيب اللغة للأزهري.
صحيح البخاري.
فتح القدير للشوكاني.
مجموع الفتاوى لابن تيمية.
التبيان في أقسام القرآن لابن القيم.
روح البيان للألوسي
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير لابن عاشور
أضواء البيان للشنقيطي.
تفسير جزء عمّ للعثيمين.
التفسير الوسيط للطنطاوي.
التفسير اللغوي لمساعد الطيار

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 3 ربيع الأول 1440هـ/11-11-2018م, 09:10 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالكريم الشملان مشاهدة المشاركة
إعادة :- التطبيق : لأسلوب الحجاج .
قوله تعالى " ألم تَر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين" 258البقرة .
تضمنت الآية تعليم من الله عز وجل عن طريق السؤال والجواب ،والمجادلة في الدين لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل إلا بظهور حجه الحق ودحض حجة الباطل ، والاحتجاج بالعلم مباح شائع لقوله تعالى " فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم ..." كما أن في الآية بيان للتدرج مع المجادل وإقامة الحجة المنطقية عليه ، وإلجامه بالبراهين .
قوله تعالى " ألم تَر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك " ذكر الطبري أن في الآية تعجيب من الله سبحانه للذي عارض وخاصم النبي إبراهيم عليه السلام ، لذا أدخلت "إلى " في قوله " ألم تَر إلى الذي " ، وفيه معنى الإنكار لفعل النمرود، الذي تجبر في الأرض ، كما أنه قوله" ألم تَر " *تنبيه * والرؤية قلبيه ، وحاج وزنه " فاعل" من الحجة أي جاذبه إياها، وكانت المحاجة على ثلاثة
أقوال :- أي : عارض حجته بمثلها ، أو أتى على الحجة بمايبطلها ، أو أظهر المغالبة في الحجة ، وذكر أبو حيّان أن " أن آتاه" مفعول من أجله على معنيين : أحدهما : أن الحامل له على المحاجة هو أن إتياؤه الملك : أبطره وأورثه الكبر والعتو ، فحاج لذلك ، والثاني : أنه وضع الحاجة موضع ما وجب عليه من الشكر لله على إتيانه الملك ، وهمزة الاستفهام لإنكار النفي ؛ وتقرير المنفي ، أي : ألم تنظر إلى هذا الطاغوت..، وفِي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه السلام تشريف له ، وإيذان بتأييده في الحاجه، (إرشاد العقل السليم(251/1).
وهو استدلال مسوق لإثبات الوحدانية لله تعالى وإبطال إلاهية غيره لإنفراده بالإحياء والإماتة ، وانفراده بخلق العوالم المشهودة للناس .
وقوله " أن آتاه الله الملك " تعليل حذفت منه لام التعليل ، وهو تعليل لما يتضمنه حاج من الإقدام على هذا الغلط العظيم ، الذي سهله إزدراؤه بنفسه ،التحرير والتنوير(32/3).
"إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي وأميت" .
أراد إبراهيم عليه السلام أن يقيم الحجة على هذا الطاغية " النمرود" فابتدأ بتقرير توحيد الربوبية " ربي الذي يحيي ويميت " أي ربي الذي بيده الحياة والموت " فكان رد الطاغية بأنه إن شاء قتل فأمات ، وإن شاء أحيا فأبقى وعفى،
ونقل ابن عطية عن الأصوليين أن إبراهيم عليه السلام وصف ربه تعالى بما هو صفه له من الإحياء والإماتة ، لكنه أمر له حقيقه ومجاز، قصد إبراهيم عليه السلام الحقيقة ، ففزع نمرود إلى المجاز وموه به على قومه ، فسلم له إبراهيم تسليم الجدل ، وانتقل معه من المثال وجاءه بأمر لا مجاز فيه .
وذكر أبو حيّان أن إبراهيم عليه السلام اختص من آيات الله بالإحياء والإماتة لأنهما أبدع آيات الله وأشهرها ، وأدلها على تمكن القدرة .
كما أن قوله " ربي الذي يحي ويميت " مبتدأ وخبر ، وفيه إشارة إلى أنه هو الذي أوجد الكافر ويحييه ويميته كأنه قال " ربي الذي يحي ويميت هو متصرف فيك وفِي أشباهك بما لا تقدر عليه أنت ولا أشباهك من هذين الوصفين العظيمين والمشاهدين للعالم الذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء ولا طب الأطباء ، وفيه إشارة إلى المبدأ والمعاد ،
وكذلك فيه دليل على الاختصاص، فتقول زيد الذي يصنع كذا ، أي : المختص بالصنع . واستدل إبراهيم عليه السلام على وجود الله سبحانه بحدوث هذه الأشياء المشاهدة بعد عدمها ، وعدمها بعد وجودها ، وهذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورة ، لأنها لم تحدث بنفسها ، فلا بد لها من موجد أوجدها، وهو الرب ( تفسير ابن كثير (525/1).
و"إذ قال " ظرف لحاج، وقد دل هذا على أن إبراهيم هو الذي بدأ بالدعوة إلى التوحيد ، واحتج بحجة واضحة يدركها كل عاقل، وهي أن الرب الحق هو الذي يحي ويميت ، وكل أحد يعلم بالضرورة أنه لا يستطيع إحياء ميت ، فلذلك ابتدأ إبراهيم الحجة بدلالة عجز الناس عن إحياء الأموات ،وتقديم الاستدلال بخلق الحياة إدماج لإثبات البعث ، ثم أعقبه بدلالة الإماتة ، وفيها دلالة على أنها من فعل فاعل غير البشر
""قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فَأْت بها من المغرب""
لما وجد إبراهيم عليه السلام من النمرود التجبر انتقل معه في الحجاج إلى أمر آخر فعارضة بأمرالشمس.
حيث لما رأى إبراهيم من معارضته النمرود ما يدل على ضعف فهمه أو مغالطته فإنه عارض اللفظ بمثله ، ولم يتدبر اختلاف الوصفين ، ذكر له مالا يمكن أن يدعيه ولا يغالط فيه ، لذا عدل إبراهيم إلى الاسم الشائع عند العالم كلهم ، وليبين له أن إله العالم كلهم هو ربه الذي يعبدونه ولأن العالم يسلمون أنه لا يأتي بها من المشرق الا إلههم ( البحر المحيط (639/2).
ولم يرد النمرود لظهور كذبة إن ادعى ذلك لأهل مملكته ، إذ يعلمون أنه محدث ، والشمس كانت تطلع من المشرق قبل حدوثه ، فعجز بعلمه، ورأى أنه لا مخلص له ،فسكت وانقطع . ويعقب ابن كثير على المقامين الأول والثاني في المحاجه بقوله " بل المقام الأول يكون كالمقدمة للمقام الثاني ، ويبين بطلان ما ادعاه نمرود في الأول والثاني ".
" فبهت الذي كفر " :
بهت :أي انقطع ، وبطلت حجته ،والبهت : افتراء الكذب ، فلما سمع النمرود ذلك المقال لم يرجع إليه شيء ، وعرف أنه لا يطيق ،ووقعت عليه الحجه وقامت عليه المحجة "
وبهت الرجل " :انقطع وسكت متحيراً" ودُهش،
ذكر ابو السعود أن إيراد الكفر في خيز الصِّلة للإشعار بعلة الحكم ، والتنصيص على كوّن المحاجة كفراً .
وبهت فعل مبني للمجهول ، بمعنى أعجزه عن الجواب ، فعجز ، أو فاجأه بما لا يعرف دفعه.
" والله لا يهدي القوم الظالمين " :
قال الطبري: " والله لا يهدي أهل الكفر إلى حجة يدحضون بها حجة أهل الحق عند المحاجة والمخاصمة ، لأن أهل الباطل حججهم داحضة .
والظلم : وضع الشيء في غير موضعه ،والكافر وضع جحوده ما جحد في غير موضعه ،فهو بذلك من فعله :ظالم لنفسه .
والمعنى " أن الله لا يرشد الظالمين في حججهم على ظلمهم ، لأنه لا هدى في الظلم ، فظاهره العموم ، ومعناه الخصوص ، لأن الله قد يهدي الظالمين بالتوبة والرجوع إلى الإيمان ، ويحتمل أن يكون الخصوص فيمن يوافي ظالماً .
واستظهر أبو حيّان أن هذا إخبار من الله بأن من حكم عليه وقضى بأن يكون ظالماً، أي :كافراً ،وقدر أن لا يسلم فإنه لا يمكن أن يقع هداية من الله له .
وهو تذليل مقرر لمضمون ما قبله ، أي لا يهدي الذين ظلموا أنفسهم بتعريضها للعذاب المخلد بسبب إعراضهم عن قبول الهداية إلى مناهج الاستدلال ، أو إلى سبيل النجاة، أو إلى طريق الجنة يوم القيامة .
المصادر :
1- جامع البيان (432/5 ) للطبري.
2- المحرر الوجيز (346/1-350)لابن عطية .
3- الجامع لأحكام القرآن (285/3)للقرطبي.
4- البحر المحيط (627/2).
5- تفسير القرآن العظيم ،(526/1).
6- إرشاد العقل السليم (252/1).
7- التحرير والتنوير(31/3->35).
أحسنت في اجتهادك وفقك الله .
- لابدّ من بيان الشبهة أولا قبل التطرق لتحرير مسائل الآيات، ثم نبين أدوات الحجاج في دحض هذه الشبهة من براعة التعليل بمعرفة إبراهيم عليه السلام أنّ النمرود بنى حجته بقوله أنا أحيي وأميت على سبيل المجاز،لذلك أتى له بمثال لا مجاز فيه؛ بحيث انتقل بأسلوب الإضراب الانتقالي في قوله تعالى: ""قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فَأْت بها من المغرب""، حيث انتقل للحديث عن أمر آخر غير الأول دون إبطاله.
... وهكذا تستفيد من كلام المفسرين بأسلوبك دون الحاجة للنقل الذي بدا واضحا .

- جميع ماذكرت كان رائعا إن وظفته جيدا بأسلوبك .
سددك الله ونفع بك .

الدرجة: ب
تم خصم نصف درجة للتأخير .

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 3 ربيع الأول 1440هـ/11-11-2018م, 09:21 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة وحدة المقطري مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم


الأسلوب الحجاجي


قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25) فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)} (سورة: التكوير)


المعنى الإجمالي:
في هذه الآيات الكريمات يقسم الله عز وجل بأمور عظيمة على أن القرآن كلامه أوحاه إلى عبده ورسوله البشري محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة الرسول الملكي جبريل.
وذكر في طيات هذا الخبر براهين عدة على صدق خبره.


المعنى التفصيلي:
قال تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18)}
أقسم الله تعالى بالخنس وهي النجوم المختفية في النهار متوارية بضوئه عن البصر، فإذا طلعت و رآها الناس جرت في أفلاكها، حتى إذا حان موعد غروبها استترت في محالها كما تكنس الضباء في بيوتها، ومنه: تكَنَّسَت المرأةُ؛ إذا دَخَلَت فى هَوْدَجها، وأقسم سبحانه بالليل إذا أقبل وإذا أدبر معلنا طلوع الصباح، وأقسم بالصباح بهوائه ونسماته الباردة ، وفي إقسامه بالنجوم إشارة إلى أن هذا القرآن هداية للسالكين لربهم كما في النجوم هداية للسالكين في ظلمات الليل ، وفي إقسامه بالليل والصباح تنبيه على عظيم قدرته ومنته على خلقه، باعتبار أن الليل والنهار آيتين عظيمتين لا غناء للخلق عن أحدهما ، كما أن هذا القرآن أعظم منة من الله على عباده، وكما قال: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) } (سورة: القصص).
وفي إقسام الله بهذه الآيات الكونية تنبيه من الله للمكذبين بشأن القرآن ، وهذا من البراهين العقلية.
ثم بعد هذه الثلاثة الإقسامات ذكر سبحانه المقسم به فقال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُو عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)}


فالمقسم عليه أمران متلازمان؛ أولهما ذكره سبحانه في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21)} أي: هذا القرآن هو قول رسول صفته أنه:
1-كريم، أي ذي خلق وهيئة حسنة، وفي هذا إيماء إلى انه ليس بقول شيطان؛ لأن الشياطين هيئاتها مفزعة بلغت الغاية في القبح كما هو معروف.
2-ذي قوة. وفي التنصيص على أنه قوي ، للتأكيد على شدة القوة التي أعطاها جبريل فوق قوة الملائكة المعروفة، وإيماءً لرد من قد يلتبس عليه الوصف فيظنه الرسول البشري.
وفي قوله تعالى: {عند ذي العرش} -وذو العرش: هو الله- إشارتين:
الأولى: أن هذا الرسول المذكور هو جبريل؛ لأنه هو من عند ربه في السماء أما محمد صلى الله عليه وسلم فهو في الأرض.
الثانية: أنه كريم على ربه؛ ذو قدر عالٍ ومكانة عظيمة. وفي هذا إيماء إلى عظيم قدر محمد صلى الله عليه وسلم لأن ربه اختص رسولا إليه بهذا القدر عنده، فعلى قدر أهمية الرسالة وعظيم شان المرسل إليه تختار الملوك رسلها.
3-مكين؛ أي: ذي جاه ومكانة في الملإ الأعلى عموما وعند ربه خصوصا. وفي هذا إيماء إلى عظيم قدر محمد صلى الله عليه وسلم لأن ربه اختص رسولا إليه بهذه المكانة.
4-مطاع ثَمَّ. وثم بمعنى: هناك، أي: في الملإ الأعلى؛ وفي هذه الصفة (مطاع) إشارة إلى أنه لا يتسلط عليه أحد سوى ربه، فهو من يملي على الملائكة أوامره فيطيعونه.
وبمفهوم الموافقة الأولوي؛ إن كانت الملائكة الكرام مطيعة لجبريل و لا تستطيع مخالفته أو مقاومته؛ فغيرهم من المخلوقات التي لا تداني الملائكة قوة -كالإنس والجان- من باب أولى.
وفي هذه الثلاث الصفات (ذي قوة، مطاع ، مكين) إشارة إلى أنه متمكن من حفظ الوحي فلا أحد يستطيع أن يقهره ويغير في الوحي بزيادة أو نقص أو تحريف.
5-أمين، تنصيص على أنه مؤتمن في شأن الوحي فهو قد بلغه لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما أوحاه إليه ربه دون تغيير منه متعمد.
وفي صفات أمين الوحي جبريل برهان عقلي إلى أنه من كان هكذا شأنه فهو حقيق عليه ألَّا يبدل و ألَّا يغير في الرسالة التي حُمِّلها؛ لا متعمدا و لا مكرها، فسبحان الله ممن جحد هذه الحقيقة وتنكر لها ولم يعمل عقله كمشركي قريش ومن شابههم كالرافضة التي تدعي أن الله أرسل جبريل لعلي -رضي الله عنه- فخان الرسالة وأعطاها لمحمد صلى الله عليه وسلم!!.

وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} وما بعدها من وصف جبريل؛ رد على إدعاء المشركين وغيرهم ممن ادعوا بأن القرآن قول بشر كما في قوله تعالى عنهم: {وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ} (سورة: الدخان، آية: 14)، وفي قوله: { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103) } (سورة: النحل).


وأما الأمر الثاني الذي أقسم الله عليه؛ فقد ذكره في قوله تعالى:{ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)}
ففي هذه الآيات يبرهن الله عقليا على صدق نبوة محمد وبأنه رسوله الذي أوحى إليه وليس بمدع مفترىٍ للكلام، مستخدما أسلوب السبر والتقسيم:


:1- فقال تعالى: { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)}
هنا يذكر الله الاحتمال الأول وهو كونه مجنون -وحاشاه- منكرا لهذا الاحتمال بأداة النفي (ما) ومستغرقا للنفي بحرف (الباء) ، وزاد في ذلك بقوله (صاحبكم) وفي إضافة لفظة (صاحب) لـ (هم) تقريع وتبكيت لهم، وإشارة إلى كذبهم، لأنها من منطوقها تفيد أنه صاحبهم الذي صحبوه مدة عمره مذ ولادته حتى صار عمره أربعين عاما فأوحى إليه ربُّه، ومن مفهومها؛ أنهم يعرفون كمال عقله، وإيماءً؛ أنه ليس بكاذب فهو المشتهر بينهم بالصادق الأمين، فكيف يرتابون ويشككون في كلامه بعد كل هذا العمر والزمان بل ويكذبونه بافتراءات واضح بطلانها!.

2 - قال تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}
اللام في قوله: {ولقد}: واقعة جواب قسم محذوف. والله لا يقسم إلا على عظيم، ففائدة القسم كما هي معروفة عند العرب تأكيد الكلام بمعظم، والرب سبحانه أقسم على صدق رؤية محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل الذي أرسله له بالوحي، وبأنه رآه بالأفق المبين، والأفق: هو الفضاء الواسع بين السماء والأرض، والمبين صفة للأفق من الإبانة أي: الوضوح، وهذه الرؤية هي الروية الأولى التي رأى بها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته الملائكية في كرسي بين السماء والأرض يسد الأفق كما جاء في الحديث الذي رواه جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرعبت منه فرجعت فقلت زملوني زملوني فأنزل الله تعالى {يا أيها المدثر . قم فأنذر - إلى قوله - والرجز فاهجر} فحمي الوحي وتتابع ". رواه البخاري (حديث رقم: 4).
ونلاحظ أن الله أكد كلامه في هذه الآية بثلاثة مؤكدات:
أ‌- القسم؛ أفادته اللام الموطئة للقسم في قوله: {ولقد}.
ب‌- حرف (قد) الذي يفيد التحقيق.
ت‌- وصف الأفق بأنه (مبين).
وفي هذا دليل على أنها رؤية واضحة لا لبس فيها و لا تخليط، فلم يكن ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم رئيا كما كان يزعم المبطلون، كما أنه لم يكن وهما أو تخييل توهمته عيناه؛ كمن يرى السراب فيظنه ماءً! بل هي رؤية حقيقية ببصر رأسه، وبمفهوم هذه الآية يخرج احتمال غلط النبي في الوحي عن غير قصد، وبدلالة الإيماء والتعليل تؤكد صدق ما أخبر عنه من أمر الوحي.

3- قال تعالى: {ومَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ}
والغيب: بإجماع هو الوحي (القرآن)، وجاء في ضنين قراءتان: قراءة العامة وهي بالضاد ومعناه بخيل ، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي بالظاء المشالة (بظنين) ومعناه بمتهم، ذكرهما الشوكاني، وباعتبارهما قراءتان فهما كالآيتين، فيكون في منطوق الآية الرد على احتمال كون النبي -صلى الله عليه وسلم- متهما باختلاق الوحي من نفسه، لأنه ليس بمتهم، وكذلك هو ليس بباخل للوحي رغم نفاسته لكنه يبذله ويعلمه دون مقابل يبتغيه منهم، وفي المعنى إيماء لمباعدته عن صفات الكهان الذين لا يتكلمون في أمور الغيب تخرصًا إلا بعد إعطائهم الحلوان.
ففي المعنى الأول على قراءة العامة (بضنين) فيها إشارة إلى أنه كريم، مؤدي لما ائتمنه ربه من أمر الوحي، لا يكتم منه شيئا، ومن لازم ذلك كونه صادق وأمين.
وعلى قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي (بظنين) فيها التصريح على أنه ليس بكاذب.
كما جاء أن معنى (ظنين) هو ضعيف من قول العرب للرجل الضعيف أو قليل الحيلة: هو ظنون ، قاله الفراء ، ذكره الأزهري، وفي هذا المعنى إشارة لكونه -صلى الله عليه وسلم- محتملا للوحي، مبلغا له دون تغيير من تحريف أو زيادة أو نقصان، فلا أحد يستطيع أن يقهره -صلى الله عليه وسلم-و يبدل فيما أوحاه إليه ربه شيئا.
ويُلاحظ أن هذه الآية ردت بالنفي الإنكاري بـ (ما) وأكدته بـ (الباء) على احتمالين قد يختلقهما المبطلون وهما:
أ‌- التبديل والتغير للوحي عن غير قصد من النبي صلى الله عليه وسلم، على معنى (ظنين): ضعيف.
ب‌- الافتراء-أي: الكذب تعمدا- للوحي، واختلاق الرسول صلى الله عليه وسلم له، على معنى (ظنين): متهم، ومن لازم القراءة بـ (بضنين) . كما قال تعالى: {أم يقولون افتراه}: و{َإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ (24)} (سورة: النحل).

4- قال الله عز وجل: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)} .
وهنا أعاد الله الكلام عن القرآن الذي أقسم عليه أولا، فاقسم مجددا بأن القرآن ليس بكلام شيطان يوحيه لنبينا صلوات الله وسلامه عليه وهذا منطوقها، وأما مفهومها المخالف فهو أن القرآن قول الرسول الملكي الموحى إليه من الله، وهو المذكور في قوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19)}.
وفي هذا القسم أنكر ربنا على المشركين بأداة النفي الإنكاري (ما) وأكده بحرف (الباء) وأوغل في الإبعاد بقوله (رجيم) وصفا للشيطان المطرود المبعد من رحمة الله، ولفظة شيطان فيها هذا المعنى أيضا لأنها على وزن (فَيْعَال) من شَطَن أي: بعد، فأفادت الآية إيماءً أن هذا الوحي الذي نزل رحمة للعالمين على الصادق الأمين -المعروف بحسن خَلقه وخُلقه لهؤلاء المشركين- والذي نزل به ملك كريم على ربه جميل الخلق والهيئة بعيد كل البعد عن هذيان السحرة والكهان ومن شابههم ممن يتعاملون مع الشياطين.
وأفادت الآية من لازمها إبطال إدعاء كل من اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر أو ساحر أو كاهن، وذلك أن هذه الآية شبيهة بقوله تعالى: {وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) .... هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنزلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنزلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) } (سورة: الشعراء).
قال البيضاوي في تفسيره لقوله تعالى: { والشعراء يتبعهم الغاوون }: وأتباع محمد صلى الله عليه و سلم ليسوا كذلك، وهو استئناف أبطل كونه عليه والصلاة والسلام شاعرا.
وقال ابن تيمية: ". فالكاهن مستمد من الشياطين، { والشعراء يتبعهم الغاوون } وكلاهما في لفظه وزن؛ هذا سجع وهذا نظم، وكلاهما له معان من وحي الشياطين . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم { أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم . من همزه ونفثه ونفخه } وقال : " همزه الموتة ونفثه الشعر ونفخه الكبر " إلى أن قال رحمه الله: "ثم ذكر علامة من تنزل عليه الشياطين : بأنه أفَّاك أثيم وأن الشعراء يتبعهم الغاوون . فظاهر القرآن : ليس فيه أن الشعراء تتنزل عليهم الشياطين إلا إذا كان أحدهم كذابا أثيما فالكذاب : في قوله وخبره . والأثيم : في فعله وأمره . وذاك والله أعلم : لأن الشعر يكون من الشيطان تارة ويكون من النفس أخرى". ا.هـ باختصار من مجموع الفتاوى.
فمما سبق يتضح بأن الشياطين تتنزل على كل أفاك أثيم من الشعراء، كما تتنزل على الكهنة، وأضرابهم من السحرة من باب أولى.

قال تعالى: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)}.
وهذا تفريع بالفاء على كل البراهين السابقة، وفيه تبكيت وتوبيخ واستضلال لهؤلاء الذين عموا وصمّوا عن كل هذه الحجج والبراهين التي تثبت علو سند القرآن وصحته، كما تثبت صدق الرسول والمرسل إليه بما لا يتطرق إليه شك، فقد ذكر الله عز وجل بطريق السير والتقسيم كل الاحتمالات الواردة في شأن (الوحي)، وهي كالتالي على سبيل الاختصار:

الاحتمال الأول الرئيس: أن يكون الوحي كذبا، وهو ما ادعاه المبطلون في اتهامات واحتمالات كثيرة، بعضها تخص الرسول الملكي وبعضها تخص الرسول البشري (المرسل إليه)، ففندها القرآن كالتالي:
أ‌- أن يكون الرسول (جبريل) كاذبا عمدا ، أو محرفا بغير عمد ، وقد رد الأول بقوله: {أمين}، ورد الثاني بقوله: {ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ}.
ب‌- أن يكون المرسل إليه (محمد صلى الله عليه وسلم):
1- مجنونا: ورد ذلك بقوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ}.
2- مخطئا أو واهما: ورد ذلك بقوله: { وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ}.
3- محرفا عن غير قصد: ورد ذلك بقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍعلى معنى (ظنين): ضعيف.
4- كاذبا مختلقا للوحي، أو محرفا له بقصد: ورد ذلك تصريحا بقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ}، وبطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضنِينٍ}، وبطريق الإيماء والتعليل بقوله: {وَمَا صَاحِبُكُمْ}.
5- شاعرا: ورد ذلك بطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍوبطريق الإيماء والتعليل بقوله: { وَمَا صَاحِبُكُمْ }.
6- كاهنا: ورد ذلك بطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍوبطريق الإيماء والتعليل بقوله: { وَمَا صَاحِبُكُمْ }.
7- ساحرا: ورد ذلك بطريق اللازم بقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍوبطريق الإيماء والتعليل بقوله: { وَمَا صَاحِبُكُمْ }.

الاحتمال الثاني الرئيس: أن يكون الوحي حقا وهو من عند الله، والقرآن كلامه.

وبعد تفنيد كل الاحتمالات وتبيين عوار ما اعتبرها المبطلون حجج ردوا بها الحق، ألزمهم الله بقبول الخيار الأخير وهو أن القرآن حق وهو وحيه لرسوله البشري محمد سيد ولد آدم الذي بلغه إياه عظيم الملائكة جبريل، لذا قال-موبخا لهم، ومبكتا، ومضللا لعقولهم، ومنكرا عليهم، ومعجِّزا -: {فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (26)} ، أي: فبعد كل هذه الحجج إلى أين تعدلون عن هذا القرآن، وأي سبيل أهدى مما أرشدكم له محمد صلى الله عليه وسلم تسلكون؟!، وهذا كما قال تعالى: {فذلكم ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون}.

المصادر
تفسير الطبري
تفسير ابن كثير
تفسير ابن جزي
تفسير القرطبي
تفسير البغوي.
تفسير البيضاوي.
تهذيب اللغة للأزهري.
صحيح البخاري.
فتح القدير للشوكاني.
مجموع الفتاوى لابن تيمية.
التبيان في أقسام القرآن لابن القيم.
روح البيان للألوسي
نظم الدرر للبقاعي
التحرير والتنوير لابن عاشور
أضواء البيان للشنقيطي.
تفسير جزء عمّ للعثيمين.
التفسير الوسيط للطنطاوي.
التفسير اللغوي لمساعد الطيار
أحسنتِ وأجدت رسالة قيّمة وفقكِ الله وسددكِ.
الدرجة : أ
تم خصم نصف درجة للتأخير .

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 29 ربيع الأول 1440هـ/7-12-2018م, 05:07 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة في قول الله تعالى:﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾[الكهف:29]

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن أعداء الأمة لا يدخرون جهدا إلا وبذلوه في سبيل مهاجمة هذا الدين القويم، قاصدين طمس الحق، وإعلاء الباطل، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

ومن تلك السبل التي سلكها أعداء الدين، سبيل الطعن في مراد الله من كلامه، ليستدلوا على باطلهم، فأوّلوا المراد من النصوص، وجردوها عن السياق، وفرحوا بانتصارهم الهزيل، وسعيهم الخائب، فوقعوا في مخالفات وتناقضات كشفت عن جهلهم، وسوء قصدهم.

ومن تلك النماذج التي يفرح بها الأعداء، ويروج لها المشككون، ودعاة التحرر المزعوم، قول الله تعالى:﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، ويستدلون به على حرية الاعتقاد، وحرية المسلم في تغيير دينه، زعما أنه لم يعد يصلح لهذا العصر، فمن أراد من المسلمين أن يغير دينه فله الحرية في ذلك، ويدعون أن الله أقر ذلك في كتابه، فتعالى الله عن افترائهم علوا كبيرا !

والرد على ذلك من وجوه:
1. فأما الوجه الأول:
- فإن المخالفون للحق استدلوا بدليل خبري، ومن شروط صحة الاستدلال بالدليل الخبري أن يكون يكون موافقا للسياق الذي ورد فيه، أي أنه يؤدي إلى لزوم المعنى وهو الأكمل، وألا يخالفه.

فالله عز وجل قال: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾
فالله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن هذا هو الحق الذي جاءهم به، فلا شك فيه، فمن شاء فليؤمن بسلوك طريق النجاة، ومن شاء فليكفر باتباع هواه، وإن دل ظاهر الآية على التخيير لكنه ليس المراد، فهذا الكلام محمول على التهديد والوعيد لمن خالف أمر الله وضل وكفر بعدما تبين له الحق، وما يؤكد أن المراد هو التخويف من الكفر ذِكر الله عز وجل بعد ذلك ما أعده للكافرين فقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ...﴾ وهذا بيان لمصير الذين كفروا واختاروا طريق الضلال واستحبوا العمى على الهدى، أن أعد الله لهم نارا محاطة بسور فلا يجدون منها مهربا، وإن طلبوا ما يبرد عليهم حرها، جاءهم ماء شديد الحرارة كأنه رصاص مذاب، تشوي أبخرته الحاره وجوههم، فقبح المشروب، وقبح مآواهم الأبدي.
وهذا الأسلوب معروف في العربية معمول به، أن يّذكر التخيير في أمرين وتذكر عاقبة أحدهما خيرا كانت أو شرا.
فالسياق الذي وردت فيه الجملة دال على التهديد، كما أن الأسلوب المتبع هو أساليب العرب المعروفة من كلامهم.

2. الوجه الثاني:
أن الأدلة التي دلت على عذاب الكافرين كثيرة، فيُفهم قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
بأن الكافر له العقوبة على كفره من مجموع ما ورد من أدلة في هذا الباب، كما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، وقول الله تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴾ فهذه الآيات وغيرها كثير تؤكد أن الكافر معاقب عل كفره.

فإن قال المخالف: وما علاقة الظالمين بالكفر، فالظالم يجور على غيره فيظلمه، ومن كفر فلا يظلم أحدا؟
وهذا القول مردود عليه من وجهين:
الأول: بأن الظالمين في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ...﴾ المراد بهم الكفار، الذين اختاروا الكفر.
ودليل ذلك : إنّ من عادة القرآن إطلاق الظلم على الكفر، كما في قول الله تعالى: ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿والكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾، وغيرها من الآيات.
والوجه الثاني: أن الظلم في اللغة يعني : وضع الشيء في غير محله، فمن اغتصب حقا ليس له فهو ظالم، قد ظلم غيره وظلم نفسه بتعريضها للعقوبة، ومن الظلم أن يكفر الإنسان بالخالق ويجحد نعمته ولا يطيع أمره، فهو ظالم لنفسه بتعريضها لعقوبة مخالفة الحق.
فمما عرفناه من عادات القرآن المراد بالظلم، وعرفنا من اللغة معنى الظلم ، وكيف يظلم المرء نفسه.

فإن أبى المخالف ما عرضناه، وحاول أن ينتصر لرأيه واستدل بقول الله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ على حق المسلم في تغيير دينه وعقيدته..

فقوله مردود عليه:
1.بأنه وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه سابقا وهو اقتطاع الآية من سياقها التي وردت فيه، وهذا يعد خطأ عند الاستدلا بالدليل الخبري.

2. كما أنه لم يفهم المراد من الآية ولم يعرف في أي باب ورد هذا الدليل، فإن قول الله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ جاء في حق الكافر الذي يأبى الدخول في الإسلام، فلا يُكره ولا يُجبر على ذلك، لا في حق المسلم ليترك دينه.
--------------------------
المراجع:
ابن كثير ت:774 هـ
السعدي ت:1376ه
الشنقيطي ت:1394هـ

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 9 ربيع الثاني 1440هـ/17-12-2018م, 09:12 AM
صالحة الفلاسي صالحة الفلاسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Feb 2017
المشاركات: 242
افتراضي

أسلوب الحجاج
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } المؤمنون (91)
بسم الله الذي لا إله إلا هو وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه ، أم بعد:
فقد جاءت هذه الآية بالاستدلال على انتفاء الشركاء لله تعالى بعد الآيات التي أثبتت الوحدانية لله له سبحانه ، وقدأبطل سبحانه وتعالى من أدعى أن لله ولد أو أشرك معه غيره بإقامة الحجة عليهم وبين سبحانه وتعالى في هذه الآية ثلاثة مسائل:
الأولي: أنه لم يتخذ ولدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
الثانية أنه لم يكن معه إله آخر سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
الثالثة: أنه أقام البرهان على استحالة تعدد الآلهية بقوله:{ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
ففي قوله {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} افتراء منهم ،كذّبه الله بالإخبار عن نفسه في آيات كثيرة نفي فيها الولد، قال تعالى:{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم
ونفى سبحانه عن وجود الشركاء في آيات كثير منها قوله {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}النحل
فنفى سبحانه عن نفسه الولد الشريك ثم أقام عليه الحجة والبرهان بالدليل العقلي على امتناع إلهين في قوله { إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي لو كان معه إلهه كما يقولون لانفرد كل إلهه بمخلوقاته واستقل بها لأنه يقتضى أن يكون الآلهه سواء في صفات الإلهية ، ولحرص على مغالبة الآخر والظهور عليه ، ويتعين على كل إله أن ينفرد بطائفة من المخلوقات، فإذا انفرد كل إله بمخلوقات لم تكن للآخر ربوبية على من استقل به منهم ، وهذا يفضى إلى نقص في أحد الإلهين ينافي ما يتسم الآلهه من الكمال، ثم أنه لانعكس ذلك على ما في الكون من مخلوقات وأظهر الكثير من التناقضات ، ولا يتصور من يرى هذا الانتظام العجيب في الكون ، أن يكون ذلك تقدير إلهين اثنين ؟! وهذا الدليل كما دل على نفي الشريك فإنه يدل على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه في ملكه.
فإذا انتقضت حجتهم بالدليل فوجب تنزيه الله تعالى عن قول المشركين {فسبحان الله عمّا يصفون} فسبحانه كامل الأسماء والصفات ، فكما لا وجود ولا دوام إلا بربويته ، فكذلك لا صلاح إلا بعبادته وإفراده في طاعته.
المراجع
تيسير الرحمن السعدي
أضواء البيان الشنقيظي
التحرير والتنوير ابن عاشور

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 21 ربيع الثاني 1440هـ/29-12-2018م, 09:24 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صالحة الفلاسي مشاهدة المشاركة
أسلوب الحجاج
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } المؤمنون (91)
بسم الله الذي لا إله إلا هو وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل وارزقنا اجتنابه ، أم بعد:
فقد جاءت هذه الآية بالاستدلال على انتفاء الشركاء لله تعالى بعد الآيات التي أثبتت الوحدانية لله له سبحانه ، وقدأبطل سبحانه وتعالى من أدعى أن لله ولد أو أشرك معه غيره بإقامة الحجة عليهم وبين سبحانه وتعالى في هذه الآية ثلاثة مسائل:
الأولي: أنه لم يتخذ ولدا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
الثانية أنه لم يكن معه إله آخر سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
الثالثة: أنه أقام البرهان على استحالة تعدد الآلهية بقوله:{ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
ففي قوله {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} افتراء منهم ،كذّبه الله بالإخبار عن نفسه في آيات كثيرة نفي فيها الولد، قال تعالى:{ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) مريم
ونفى سبحانه عن وجود الشركاء في آيات كثير منها قوله {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}النحل
فنفى سبحانه عن نفسه الولد الشريك ثم أقام عليه الحجة والبرهان بالدليل العقلي على امتناع إلهين في قوله { إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} أي لو كان معه إلهه كما يقولون لانفرد كل إلهه بمخلوقاته واستقل بها لأنه يقتضى أن يكون الآلهه سواء في صفات الإلهية ، ولحرص على مغالبة الآخر والظهور عليه ، ويتعين على كل إله أن ينفرد بطائفة من المخلوقات، فإذا انفرد كل إله بمخلوقات لم تكن للآخر ربوبية على من استقل به منهم ، وهذا يفضى إلى نقص في أحد الإلهين ينافي ما يتسم الآلهه من الكمال، ثم أنه لانعكس ذلك على ما في الكون من مخلوقات وأظهر الكثير من التناقضات ، ولا يتصور من يرى هذا الانتظام العجيب في الكون ، أن يكون ذلك تقدير إلهين اثنين ؟! وهذا الدليل كما دل على نفي الشريك فإنه يدل على نفي الولد لأن الولد ينازع أباه في ملكه.
فإذا انتقضت حجتهم بالدليل فوجب تنزيه الله تعالى عن قول المشركين {فسبحان الله عمّا يصفون} فسبحانه كامل الأسماء والصفات ، فكما لا وجود ولا دوام إلا بربويته ، فكذلك لا صلاح إلا بعبادته وإفراده في طاعته.
المراجع
تيسير الرحمن السعدي
أضواء البيان الشنقيظي
التحرير والتنوير ابن عاشور
أحسنت وفقكِ الله في اختيارك للآية التي تتضمن الرد على شُبه الكفار، لكنّها مختصرة.
ووددت لو بيّنتِ اكثر نوع الأداة التي تظهر في محاجتهم- وهي المناقضة - ويكون لكِ أسلوب في عرض المعلومات تفصلي للقارئ أكثر من التعويل على النقل.
وفي تفسير ابن عاشور مزيدا من البيان لرسالة غنية .
الدرجة: ب

تم خصم نصف درجة على التأخير .

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 8 رجب 1440هـ/14-03-2019م, 08:06 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إنشاد راجح مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة في قول الله تعالى:﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾[الكهف:29]

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فإن أعداء الأمة لا يدخرون جهدا إلا وبذلوه في سبيل مهاجمة هذا الدين القويم، قاصدين طمس الحق، وإعلاء الباطل، ولكن الله متم نوره ولو كره الكافرون.

ومن تلك السبل التي سلكها أعداء الدين، سبيل الطعن في مراد الله من كلامه، ليستدلوا على باطلهم، فأوّلوا المراد من النصوص، وجردوها عن السياق، وفرحوا بانتصارهم الهزيل، وسعيهم الخائب، فوقعوا في مخالفات وتناقضات كشفت عن جهلهم، وسوء قصدهم.

ومن تلك النماذج التي يفرح بها الأعداء، ويروج لها المشككون، ودعاة التحرر المزعوم، قول الله تعالى:﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، ويستدلون به على حرية الاعتقاد، وحرية المسلم في تغيير دينه، زعما أنه لم يعد يصلح لهذا العصر، فمن أراد من المسلمين أن يغير دينه فله الحرية في ذلك، ويدعون أن الله أقر ذلك في كتابه، فتعالى الله عن افترائهم علوا كبيرا !

والرد على ذلك من وجوه:
1. فأما الوجه الأول:
- فإن المخالفون للحق استدلوا بدليل خبري، ومن شروط صحة الاستدلال بالدليل الخبري أن يكون يكون موافقا للسياق الذي ورد فيه، أي أنه يؤدي إلى لزوم المعنى وهو الأكمل، وألا يخالفه.

فالله عز وجل قال: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا ﴾
فالله عز وجل أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن هذا هو الحق الذي جاءهم به، فلا شك فيه، فمن شاء فليؤمن بسلوك طريق النجاة، ومن شاء فليكفر باتباع هواه، وإن دل ظاهر الآية على التخيير لكنه ليس المراد، فهذا الكلام محمول على التهديد والوعيد لمن خالف أمر الله وضل وكفر بعدما تبين له الحق، وما يؤكد أن المراد هو التخويف من الكفر ذِكر الله عز وجل بعد ذلك ما أعده للكافرين فقال تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ...﴾ وهذا بيان لمصير الذين كفروا واختاروا طريق الضلال واستحبوا العمى على الهدى، أن أعد الله لهم نارا محاطة بسور فلا يجدون منها مهربا، وإن طلبوا ما يبرد عليهم حرها، جاءهم ماء شديد الحرارة كأنه رصاص مذاب، تشوي أبخرته الحاره وجوههم، فقبح المشروب، وقبح مآواهم الأبدي.
وهذا الأسلوب معروف في العربية معمول به، أن يّذكر التخيير في أمرين وتذكر عاقبة أحدهما خيرا كانت أو شرا.
فالسياق الذي وردت فيه الجملة دال على التهديد، كما أن الأسلوب المتبع هو أساليب العرب المعروفة من كلامهم.

2. الوجه الثاني:
أن الأدلة التي دلت على عذاب الكافرين كثيرة، فيُفهم قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾
بأن الكافر له العقوبة على كفره من مجموع ما ورد من أدلة في هذا الباب، كما جاء في قول الله تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾، وقول الله تعالى: ﴿ وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ۚ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۖ وَمِنْ هَٰؤُلَاءِ مَن يُؤْمِنُ بِهِ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ ﴾ فهذه الآيات وغيرها كثير تؤكد أن الكافر معاقب عل كفره.

فإن قال المخالف: وما علاقة الظالمين بالكفر، فالظالم يجور على غيره فيظلمه، ومن كفر فلا يظلم أحدا؟
وهذا القول مردود عليه من وجهين:
الأول: بأن الظالمين في قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا ...﴾ المراد بهم الكفار، الذين اختاروا الكفر.
ودليل ذلك : إنّ من عادة القرآن إطلاق الظلم على الكفر، كما في قول الله تعالى: ﴿إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿والكافِرُونَ هُمُ الظّالِمُونَ﴾، وغيرها من الآيات.
والوجه الثاني: أن الظلم في اللغة يعني : وضع الشيء في غير محله، فمن اغتصب حقا ليس له فهو ظالم، قد ظلم غيره وظلم نفسه بتعريضها للعقوبة، ومن الظلم أن يكفر الإنسان بالخالق ويجحد نعمته ولا يطيع أمره، فهو ظالم لنفسه بتعريضها لعقوبة مخالفة الحق.
فمما عرفناه من عادات القرآن المراد بالظلم، وعرفنا من اللغة معنى الظلم ، وكيف يظلم المرء نفسه.

فإن أبى المخالف ما عرضناه، وحاول أن ينتصر لرأيه واستدل بقول الله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ على حق المسلم في تغيير دينه وعقيدته..

فقوله مردود عليه:
1.بأنه وقع في نفس الخطأ الذي وقع فيه سابقا وهو اقتطاع الآية من سياقها التي وردت فيه، وهذا يعد خطأ عند الاستدلا بالدليل الخبري.

2. كما أنه لم يفهم المراد من الآية ولم يعرف في أي باب ورد هذا الدليل، فإن قول الله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ جاء في حق الكافر الذي يأبى الدخول في الإسلام، فلا يُكره ولا يُجبر على ذلك، لا في حق المسلم ليترك دينه.
--------------------------
المراجع:
ابن كثير ت:774 هـ
السعدي ت:1376ه
الشنقيطي ت:1394هـ
أحسنتِ في رسالتك وفقكِ الله.
فاتكِ بيان ما تبقى من الآية ولو باختصار لتعلق شدة وصف العذاب بمقصود الرسالة.
تفسير ابن عاشور فيه ما يعينك في أسلوب الحجاج.

الدرجة: أ

تم خصم نصف درجة للتأخير.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir