دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأطعمة والأشربة واللباس

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 08:17 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي [ النهي عن التختم بالذهب، وبيان الألبسة المحرمة ]

عن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ : (( أَمَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا: بِعَيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَائِز، وتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ –أَو المُقْسِمِ- وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلاَمِ، وَنَهَانَا : عَنْ خَوَاتِيمَ - أَو تَخَتُّمٍ - الذَّهَبِ، وَعَنِ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ )) .
وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، (( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِن ذَهَبٍ، فَكانَ يَجْعلُ فَصَّهُ في باطِنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، فَنَزَعَهُ، وَقَالَ: ((إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هذَا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِن دَاخِلٍ)) فَرَمَى بهِ، ثُمَّ قَالَ: ((وَاللهِ لاَ أَلْبَسُهُ أَبَدًا))، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ .
وفي لفظٍ : (( جَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى ))


  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

الْمَيَاثِرُ: بالثاءِ المثلَّثَةِ جمْعُ مِيثَرَةٍ مأخوذٌ من الوِثارِ قُلِبَت الواوُ لسكونِها وانكسارِ ما قبلَها .
وجاءَ في روايةٍ الْمَيَاثِرُ الحمْرُ: وهو وِطاءٌ كان يَصنعُه لأزواجهن على السروجِ وكان من مَراكبِ العجَمِ .
القِسِيُّ: بفتْحِ القافِ وكسْرِ السينِ المهمَلَةِ المشدَّدةِ (........) تُنسَبُ إلى القِسِّ وقالَ بعضُ المحدَثين بكسْرِ القافِ ويُخفَّفُ السينُ .

قالَ الخطابيُّ : وهو غلَطٌ لأنه جمْعُ قوسٍ وإنما هي ثيابٌ مضَلَّعَةٌ تأتي من مِصْرَ والشامَ فيها شَبَهُ كذا . هذا لفْظُ روايةِ مسلِمٍ .
وقيلَ : يُعْمَلُ بالقَصِيِّ بفتحِ القافِ موضِعٌ ببلادِ مصْرَ وهي قريةٌ على ساحلِ البحرِ قريبةٌ من تِنِّيسَ وقيلَ : أصلُه ثيابُ القَزِّ وهو رَديءُ الحريرِ , فأُبْدِلَت الزايُ سينًا .
وقالَ النوويُّ : الصوابُ ما ذكَرَه مسلِمٌ عن عليٍّ أنها ثيابٌ مضلَّعةٌ تُعمَلُ بالقِسِّ وهذا إن كان حريرُه أكثرَ فالنهيُ للتحريمِ وإلا فلا .

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الْحَدِيثُ الرَّابِعُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وعن البَرَاءِ بنِ عازِبٍ – أَيْضًا- رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: ((أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا: بِعَيَادَةِ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعِ الجَنَازَةِ، وتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ –أَو المُقْسِمِ- وَنَصْرِ المَظْلُومِ، وَإِجَابَةِ الدَّاعِي، وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ، وَنَهَانَا: عَنْ خَوَاتِيمِ- أَو تَخَتُّمِ- الذَّهَبِ، وَعَنِ شُرْبٍ بِالْفِضَّةِ، وَعَنِ المَيَاثِرِ، وَعَنِ الْقَسِّيِّ، وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، وَالإِسْتَبْرَقِ، وَالدِّيبَاجِ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (تَشْمِيتِ العَاطِسِ). الدُّعَاءُ لهُ بالرحمةِ.
قَوْلُهُ: (المَيَاثِرِ). جمعَ مَيْثَرَةٍ، مأخوذةٌ من الوَثَارِ لِوَثَارَتِهَا وَلِينِهَا، وهيَ لَيِّنُ الحريرِ.
قَوْلُهُ: (القَسِّيِّ). بفتحِ القافِ وكسرِ السينِ وتشديدِهَا، ثيابُ خَزٍّ.
قَوْلُهُ: (الإسْتَبْرَقِ). بكسرِ الهمزةِ، ما غَلُظَ من الدِّيبَاجِ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ المريضِ، واتِّبَاعِ الجنائزِ للصلاةِ والدَّفْنِ، ويَتَأَكَّدُ هذا لِمَن لهُ حَقٌّ.
الثَّانِيَةُ: تَشْمِيتُ العاطسِ باسْتِحْبَابِ قولِ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، إذا حَمِدَ اللَّهَ.
الثَّالِثَةُ: إِبْرَارُ قَسَمِ المُقْسِمِ لِمَا فِيهِ منْ جَبْرِ القلبِ.
الرَّابِعَةُ: نَصْرُ المظلومِ؛ لأنَّهُ إعانةٌ للمظلومِ. وكشفٌ للظالمِ، وَرَدٌّ للشرِّ.
الْخَامِسَةُ: إجابةُ الدعوةِ وإفشاءُ السلامِ.
السَّادِسَةُ: النَّهْيُ عنْ تَخَتُّمِ الرجالِ بالذهبِ والشُّرْبِ والأكلِ وسائرِ الاستعمالاتِ في آنيةِ الفِضَّةِ، وأَعْظَمُ منهُ الذهبُ.
السابعةُ: النَّهْيُ عنْ لبسِ القَسِّيِّ والحريرِ والإِسْتَبْرَقِ والدِّيبَاجِ وسائرِ أنواعِ الحريرِ.

الْحَدِيثُ الْخَامِسُ وَالتِّسْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وعنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَكانَ يَجْعلُ فَصَّهُ في باطِنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، فَنَزَعَهُ، وَقَالَ: ((إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هذَا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ)) فَرَمَى بهِ، ثُمَّ قَالَ: ((وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا))، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.
وفي لفظٍ: ((جَعَلَهُ فِي يَدِهِ الْيُمْنَى)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: اسْتِحْبَابُ التَّخَتُّمِ، وأنْ يُجْعَلَ فَصُّهُ منْ قِبَلِ الراحةِ.
الثَّانِيَةُ: تحريمُ التَّخَتُّمِ بخاتمِ الذهبِ للرجالِ بعدَ أنْ كانَ مُبَاحًا.
الثَّالِثَةُ: الأفضلُ أنْ يكونَ الخاتمُ في اليَدِ اليُمْنَى.
الرَّابِعَةُ: سُرْعَةُ امتثالِ الصحابةِ رَضِيَ اللَّهُ عنْهُم، واقتدائِهِم بِنَبِيِّهِم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

الحديثُ السادسُ والتسعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
396- عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ، أَمَرَنَا : 1- بِعَيَادَةِ المَرِيضِ ، 2- وَاتِّبَاعِ الْجَنَازةِ ، 3- وتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ، 4- وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ - أَوِ المُقْسِمِ- 5- وَنَصْرِ المَظْلُومِ ، 6- وَإِجَابَةِ الدَّاعِي ، 7- وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ .
وَنَهَانَا عَنْ 1- خَـوَاتِمَ - أَوْ عَنْ تَخَتُّمٍ - بِالذَّهَبِ، 2- وَعَنْ الشُّرْبِ بِالْفِضَّةِ، 3- وَعَنِ المَيَاثِرِ، 4- وَعَنِ الْقَسِّيِّ، 5- وَعَنْ لُبْسِ الْحَرِيرِ، 6- وَالإِسْتَبْرَقِ، 7- وَالدِّيبَاجِ .(223)

الحديثُ السابعُ والتسعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
397- عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْطَنَعَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَكانَ يَجْعلُ فَصَّهُ في بَاطِنِ كَفِّهِ إِذَا لَبِسَهُ، فَصَنَعَ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثمَّ إِنَّهُ جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، فَنَزَعَهُ، فقَالَ:((إِنِّي كُنْتُ أَلْبَسُ هذَا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ)) فَرَمَى بِهِ، ثُمَّ قَالَ:((وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا))، فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ .
وَفِي لَفْظٍ : جَعَلَهُ في يَدِهِ الْيُمْنَى .(224)
_______________________
(223) الغريبُ :
تشميتُ العاطسِ : بالشينِ المعجمةِ . قَالَ ابنُ فارسٍ فِي ((مقاييسِ اللغةِ)) : [الشينُ وَالميمُ وَالتاءُ ] أصلٌ صحيحٌ، ويُشَذُّ عنهُ بعضُ ما فيه إشكالٌ وغموضٌ . فالأصلُ: فَرَحُ عدوٍّ ببليَّةٍ تُصيبُ مَن يُعاديهِ .
والذي فيه إشكالٌ وغموضٌ، تسميتُهم تشميتَ العاطسِ، وَهُوَ ما يُقالُ عِنْدَ عُطَاسِهِ ((يَرْحَمُكَ اللهُ )) تشميتًا .
قال الخليلُ : تشميتُ العاطسِ دعاءٌ لَهُ، وكلُّ داعٍ لأحدٍ بخيرٍ فهو مشمِّتٌ لَهُ .
هَذَا أكثرُ ما بلغَنا فِي هذهِ الكلمةِ، وهوَ - عندي - من الشيءِ الذي خفيَ علْمُهُ .
ولعلَّهُ كَانَ يُعلمُ قديمًا، ثُمَّ ذهبَ بذهابِ أهلِهِ . اهـ . كلامُ ابنِ فارسٍ .
وقال ثَعْلَبٌ : [معناهُ - بالمعجمةِ - أبعدَ اللهُ عنكَ الشماتَةَ] .
المياثرُ : بفتحِ الميمِ بعدها ياءٌ، ثُمَّ ثاءٌ مثلثةٌ، جمعُ ((مِيثرةٍ)) بكسرِ الميمِ، مأخوذٌ من الوثارِ، قُلِبَت الواوُ - لسكونِها وَانكسارِ ما قبلَها - ياءً .
وهي مراكبُ تُتَّخَذُ من الحريرِ وَالديباجِ . وسميتْ ((مياثرَ)) لوثارتِها ولينِها .
القَسِّيُّ : بفتحِ القافِ وكسرِ السينِ المهملةِ المشدَّدةِ، ثيابُ خزٍّ، تُنسبُ إِلَى ((القَسِّ)) قريةٌ فِي مصرَ .
وبعضُ المحدِّثينَ يَكسرُ القافَ، ويُخَفِّفُ السينَ . قَالَ الخطابيُّ : وَهُوَ غلطٌ؛ لأنَّهُ جمعُ قوسٍ، وإنَّما هِيَ ثيابٌ مضلَّعةٌ، يُؤتى بها من مصرَ وَالشامِ .
الإستبرقُ : بكسرِ الهمزةِ : ما غلُظَ من الديباجِ، كلمةٌ فارسيَّةٌ نُقِلَتْ إِلَى العربيَّةِ .
المعنى الإجماليُّ :
بُعث النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُتِمَّ مكارمَ الأخلاقِ؛ ولذا فإنَّهُ يحثُّ عَلَى كلِّ خُلُقٍ وعملٍ كريمينِ، وينهى عن كلِّ قبيحٍ.
ومن ذلكَ ما فِي هَذَا الحديثِ من الأشياءِ التي أَمَرَ بها وهيَ عيادةُ المريضِ التي فيها قيامٌ بحقِّ المسلمِ، وترويحٌ عنهُ، ودعاءٌ لَهُ . وَاتباعُ الجنازةِ؛ لِمَا فِي ذلكَ من الأجرِ للتابعِ وَالدعاءِ للمتبوعِ، وَالسلامِ عَلَى أهلِ المقابرِ، وَالعظةِ وَالاعتبارِ .
وتشميتُ العاطسِ، إذا حمدَ اللهَ، فيقالُ لَهُ : يرحمُكَ اللهُ .
وإبرارُ قسمِ المقسِمِ، إذا دعاكَ لشيءٍ وليسَ عليكَ ضررٌ، فتبرُّ قسمَهُ؛ لِئَلَّا تحوجَه إِلَى التكفيرِ عن يمينِهِ، ولتجيبَ دعوتَهُ، وتجبرَ خاطرَهُ، وتتمَّ دالَّتُه عليكَ .
ونصرُ المظلومِ من ظالِمِه؛ لِمَا فيهِ من ردِّ الظلمِ، ودفعِ المعتدي، وكفِّهِ عن الشرِّ، وَالنهيِ عن المنكرِ .
وإجابةُ مَن دعاكَ؛ لأنَّ فِي ذلكَ تقريبًا بينَ القلوبِ، وتصفيةَ النفوسِ، وفي الامتناعِ الوَحْشَةُ، وَالتنافُرُ .
فإنْ كانتِ الدعوةُ لزواجٍ، فالإجابةُ وَاجبةٌ، وإنْ كَانَت لغيرِهِ، فمستحبَّةٌ .
وإفشاءُ السلامِ، وَهُوَ إعلانُهُ وإظهارُهُ لكلِّ أحدٍ، وَهُوَ أداءٌ للسُنَّةِ، ودعاءٌ للمسلمينَ من بعضِهم لبعضٍ، وسببٌ لجلبِ المودَّةِ .
فقد جاءَ فِي الحديثِ ((ألا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تحاببَتْمُ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ )) .
أمَّا الأشياءُ التي نَهَى عنها فِي هَذَا الحديثِ، فالتختُّمُ بخواتمِ الذهبِ للرجالِ؛ لِمَا فيهِ من التَّأنُّثِ وَالميوعةِ، وَانتفاءِ الرجولةِ التي سِيمَاها الخشونةُ .
وعن الشربِ بآنيةِ الفضةِ لما فيه من السرفِ وَالبطرِ، وإذا مُنعَ الشربُ معَ الحاجةِ إليه فسائرُ الاستعمالاتِ أَوْلَى بالمنعِ وَالتحريمِ .
وعن المياثرِ، وَالقَسِّيِّ، وَالحريرِ، الديباجِ، وَالإستبرقِ، وأنواعِ الحريرِ عَلَى الرجالِ .
فإنَّهَا تَدْعُو إِلَى اللينِ وَالترفِ اللذينِ هما سببُ العطالةِ وَالدعةِ .
والرجلُ يُطلبُ مِنْهُ النشاطُ وَالصلابةُ وَالفتوَّةُ؛ ليكونَ دائمًا مستعدًّا للقيامِ بواجبِ الدفاعِ عن دينِهِ وحرمِهِ ووطنِهِ .
مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- استحبابُ عيادةِ المريضِ وتجبُ إذا كَانَ يجبُ برُّهُ، كالوالدينِ، أَوْ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى تركِهِ مفسدةٌ .
2- استحبابُ اتباعِ الجنائزِ للصلاةِ عليها ودفنِها، وَهُوَ فرضُ كفايةٍ : يسقُطُ مَعَ قيامِ مَن يكفي، وَإِلَّا أثمَ مَن علم َبحالِهِ وقدرَ عليهِ فتركَهُ .
ومَن تبعَها حتى يُصلَّى عليها فلهُ قيراطٌ من الأجرِ، ومَن شهدَها حتى تُدفنَ فلهُ قيراطانِ .
3- تشميتُ العاطسِ إذا حمدَ اللهَ بقولِهِ : ((يرحمُكَ اللهُ )) وَهُوَ وَاجبٌ إِلَى نهايةِ ثلاثِ مراتٍ، وبعدهنَّ يدعُو له بالشفاءِ .
4- إبرارُ قسمِ المقسِمِ، وَهُوَ مستحبٌّ لما فيه من جبرِ القلبِ وإجابةِ طلبِهِ فِي غيرِ إثمٍ .
5- وفيه وجوبُ نصرِ المظلومِ بقدرِ استطاعتِهِ؛ لأنَّه من النهيِ عن المنكَرِ . وفيه رَدٌّ للشرِّ، وإعانةُ المظلومِ، وكفُّ الظالمِ .
6- إجابةُ الدعوةِ .فإن كَانَت لعرسٍ وجبت الإجابةُ إن لم يكن ثَمَّ منكَرٌ لا يُقدرُ عَلَى إزالتِهِ وإن كَانَت لغيرِهِ من الدعواتِ المباحةِ اسْتُحِبَّتْ .
وتتأكَّدُ بما يَتَرَتَّبُ عليها من إزالةِ ضغينةٍ، أَوْ دفعِ شرٍّ .
7- إفشاءُ السلامِ بينَ المسلمينَ؛ لأنَّه دعاءٌ بالسلامةِ، وعنوانٌ عَلَى المحبَّةِ وَالإخاءِ .
8- النهيُ عن تختُّمِ الرجالِ بخواتِمِ الذهبَ، فهو مُحَرَّمٌ .
وقد ابتُلِىَ بهِ كثيرٌ من الشبابِ المائعِ .
9- النهيُ عن الشربِ بآنيةِ الفضَّةِ، وأعظمُ مِنْهُ الذهبُ، وأُلْحِقَ بهِ سائرُ الاستعمالاتِ، إلَّا للسلاحِ .
10- النهيُ عن لبسِ القَسِّيِّ وَالحريرِ، وَالإستبرقِ، وَالديباجِ للرجالِ .
ومثلُهُ جعلُ المياثرِ للجلوسِ، وكذلكَ جعلُها ستورًا للأبوابِ أَو الحيطانِ ونحوُ ذلكَ، فهو مُحَرَّمٌ . وكذا ما فيه صورُ الحيواناتِ، وَالصلاةُ باطلةٌ بلبسِ الحريرِ للرجلِ وبلبسِ ما فيه صورٌ، لِلرجالِ وَالنساءِ .
(224) مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الحَدِيثِ :
1- فيه دليلٌ عَلَى استحبابِ التختُّمِ، وأنَّهُ من زينةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
2- أنْ يجعلَ فصَّهُ من قِبَلِ الراحةِ ليقبضَ عليهِ فِي المحالِّ القذرةِ، إذا كَانَ فيهِ اسمُ اللهِ تعالى .
3- إنَّ التختُّمَ بخاتمِ الذهبِ كَانَ مباحًا للرجالِ أوَّلًا، ثُمَّ نُسِخَ .
4- تحريمُ التختُّمِ بخاتمِ الذهبِ للرجالِ، ونزعُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخاتمَ الذهبيَّ ورميُهُ بهِ وقسَمُهُ أَلَّا يلبسَه أبدًا .
5- فضلُ الصحابةِ، وسرعةُ اقتدائِهم بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ إذْ نزعُوا خواتيمَهم ساعةَ نزعِ خاتمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
6- أنْ يكونَ التختُّمُ باليدِ اليمنى؛ لأنَّ اليمينَ لكلِّ طَيِّبٍ، وَالشمالَ مُعَدَّةٌ لمباشرةِ الأشياءِ غيرِ المستطابةِ .
7- فِي هَذَا وأمثالِهِ من الأحاديثِ المتقدِّمةِ وغيرِها الزجرُ عن لبسِ خواتمِ الذهبِ، وبيانُ أنَّ عملَ كثيرٍ من الناسِ اليومَ بتختُّمِهم بالذهبِ منافٍ للشرعِ .

  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

401 - الحديثُ الرَّابعُ: عن الْبَرَاءِ بن ِعازبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: أَمَرَنَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ بسبعٍ. ونهانَا عن سبعٍ: أَمَرَنَا بعِيادةِ المريضِ. واتـَِّبَاعِ الجنازةِ. وتَشْمِيتِ العاطسِ. وإبرارِ الْقَسَمِ أو الْمُقْسِمِ. ونَصْرِ المظلومِ. وإجابةِ الدَّاعِي. وإفشاءِ السَّلامِ. ونهانَا عن خَوَاتِيمَ -أو عن تَخَتُّمٍ- بالذَّهبِ، وعن شُرْبٍ بالفضَّةِ. وعن الْمَيَاثِرِ وعن القَسِّيِّ، وعن لُبْسِ الحريرِ، والِإسْتَبْرَقِ، والدِّيبَاجِ.
"عيادةُ المريضِ" عِنْدَ الأكثرِينَ: مُسْتَحَبَّةٌ بالإطلاقِ. وقد تَجِبُ، حَيْثُ يُضْطَرُّ المريضُ إلى مَن يَتَعَاهَدُهُ، وإن لم يُعَدْ ضاعَ. وَأَوْجَبَهَا الظَّاهريَّةُ من غيرِ هذا القيدِ، لظاهرِ الأمرِ.
و "اتِّبَاعُ الجنائزِ" يُحْتَمَلُ أن يُرَادَ بهِ اتِّبَاعُهَا للصَّلاةِ عليهَا. فإن عَبَّرَ بهِ عن الصَّلاةِ فذلكَ من فروضِ الْكِفَايَاتِ عِنْدَ الجمهورِ. ويكونُ التَّعبيرُ بالاتِّباعِ عن الصَّلاةِ من بابِ مَجَازِ الْمُلَازَمَةِ في الغالبِ؛ لأنَّه ليسَ من الغالبِ أن يُصَلَّى على الْمَيِّتِ ويُدْفَنَ في مَحَلِّ موتِهِ. ويُحْتَمَلُ أن يُرَادَ بالاتباعِ الرَّوَاحُ إلى مَحَلِّ الدَّفنِ لِمُوَارَاتِهِ. والْمُوَارَاةُ أيضًا من فروضِ الْكِفَايَاتِ. لا تسقطُ إلا بمَن تَتَأَدَّى بهِ.
و"تشميتُ العَاطسِ" عِنْدَ جماعةٍ كثيرةٍ: من بابِ الاستحبابِ، بخلافِ "رَدِّ السَّلَامِ" فإنهُ من واجباتِ الْكِفَايَاتِ.
وقولـُهُ "إِبْرَارِ الْقَسَمِ، أو الْمُقْسِمِ" فيهِ وجهانِ: أحدُهُما: أن يكونَ الْمُقْسِمُ -مضمومُ الميمِ مكسورُ السِّينِ-. ويكونُ بمعنَى الْقَسَمِ وإبرارِهِ: هوَ الوفاءُ بِمُقْتَضَاهُ. وعدمُ التَّحْنِيثِ فيهِ. فإن كانَ ذلكَ على سبيلِ اليمينِ -كمَا إذا قالَ: واللهِ لَتَفْعَلَنَّ كذَا- فهوَ آكَدُ ممَّا إذا كانَ على سبيلِ التَّحْلِيفِ. كقولـِهِ: باللهِ أفعلُ كذَا؛ لأنَّ في الأوَّلِ إيجابُ الكفَّارةِ على الحالفِ. وفيه تَغْرِيمٌ للمالِ. وذلكَ إضرارٌ بهِ.
و"نَصْرِ المظلومِ" من الفروضِ اللازمةِ على مَن عَلِمَ بظلمِهِ، وقَدَرَ على نَصْرِهِ. وهوَ من فروضِ الْكِفَايَاتِ. لمَا فيهِ من إزالةِ الْمُنْكَرِ، ودفعِ الضَّررِ عن المسلمِ.
وأمَّا "إجابةُ الدَّاعِي" فهيَ عامَّةٌ. والاستحبابُ شاملٌ للعمومِ، مَا لم يَقُمْ مانعٌ. وقد اختلفَ الفقهاءُ من ذلكَ في إجابةِ الدَّاعِي إلى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ: هل تَجِبُ أم لا ؟ وحَصَلَ أيضًا في نَظَرِ بعضِهِم تَوَسُّعٌ في الأعذارِ الْمُرَخِّصَةِ في تركِ إجابةِ الداعِي. وجَعَلَ بعضَهَا مُخَصَّصًا لهذا العمومِ، بقولـِهِ: "لَا يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْفَضْلِ التَّسَرُّعُ إِلَى إِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ" أو كمَا قالَ. فجعلَ هذا الْقَدْرَ من التَّبَذُّلِ بالإجابةِ في حقَِّ أهلِ الفضلِ مُخَصِّصًا لهذا العمومِ، وفيهِ نَظَرٌ.
و"إِفْشَاءِ السَّلَامِ" إظهارُهُ والإعلانُ بهِ. وقد تَعَلَّقَتْ بذلكَ مصلحةُ الْمَوَدَّةِ كمَا أشارَ إليهِ في الحديثِ الآخَرِ، من قولـِهِ عليهِ السَّلامُ: ((أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بِيْنَكُمْ)).
وَلْيُتَنبَّهْ؛ لأنَّا إذا قلنَا باستحبابِ بعضِ هذهِ الأمورِ الَّتي وَرَدَ فيها لفظُ الأمرِ، وإيجابِ بعضِهَا: كنَّا قد اسْتَعْمَلْنَا اللَّفظةَ الواحدةَ في الحقيقةِ والْمَجَازِ معًا. إذا جعلْنَا حقيقةَ الأمرِ الْوُجُوبَ. ويمكنُ أن يُتَحيَّلَ في هذا على مذهبِ مَن يمنعُ استعمالَ اللَّفظِ الواحدِ في الحقيقةِ والْمَجَازِ بأن يُقَالَ نَخْتَارُ مذهبَ مَن يَرَى أنَّ الصِّيغةَ موضوعةٌ لِلْقَدْرِ المشتركِ بَيْنَ الوجوبِ والنَّدْبِ، وهوَ مُطْلَقُ الطَّلَبِ. فلا يكونُ دالًّا على أحدِ الْخَاصَّيْنِ -الَّذي هوَ الوجوبُ، أو النَّدْبُ- فتكونُ اللَّفظةُ اسْتُعْمِلَتْ في معنًى واحدٍ.
وفيهِ دليلٌ على تحريمِ التَّخَتُّمِ بالذَّهبِ. وهوَ راجعٌ إلى الرِّجالِ.
ودليلٌ على تحريمِ الشُّربِ في أوانِيَ الفضةِ. وهوَ عامٌّ في الرِّجالِ والنِّساءِ. والجمهورُ على ذلكَ. وفي مذهبِ الشَّافعِيِّ قولٌ ضعيفٌ: أنَّه مكروهٌ فقط. ولا اعْتِدَادَ بهِ لورودِ الوعيدِ عليهِ بالنَّارِ. والفقهاءُ القياسيِّونَ لم يَقْصُرُوا هذا الْحُكْمَ على الشُّربِ. وعَدَوْهُ إلى غيرِهِ. كالْوُضُوءِ والأكلِ، لعمومِ المعنَى فيهِ.
"والْمَيَاثِرِ" جمعُ مِيثَرَةٍ -بكسرِ الميمِ- وأصلُ اللَّفظةِ: من الواوِ؛ لأنَّها مأخوذةٌ من الْوِثَارِ. فالأصلُ: مِوْثَرَةٌ: قُلِبَت الواوُ ياءً لسكونِهَا وانكسارِ مَا قبلَها وهذا اللَّفظُ مُطْلَقٌ في هذه الرِّوايةِ، مُفَسَّرٌ في غيرِهَا.
وفيهِ النَّهْيُ عن المياثرِ الْحُمْرِ. وفي بعضِ الرِّواياتِ: "مَيَاثِرِ الْأُرْجُوَانِ".
و "القَسِّيِّ" بفتحِ القافِ وكسرِ السينِ الْمُهْمَلَةِ المشدَّدةِ: ثيابُ حريرٍ تُنْسَبُ إلى الْقَسِّ. وقيلَ: إنَّها بلدةٌ من ديارِ مصرَ.
و "الْإِسْتَبْرَقُ" مَا غَلُظَ من الدِّيبَاجِ. وَذُكِرَ الدِّيبَاجُ بعدهُ: إِمَّا من بابِ ذِكْرِ العامِّ بعدَ ذِكْرِ الخاصِّ، لِيُسْتَفَادَ بِذِكْرِ الخاصِّ فائدةُ التَّنصيصِ، ومن ذكرِ العامِّ زيادةُ إثباتِ الْحُكْمِ في النَّوعِ الآخرِ، أو يكونُ ذِكْرُ "الدِّيبَاجِ" من بابِ التَّعبيرِ بالعامِّ عن الخاصِّ. ويُرَادُ بهِ: مَا رَقَّ من الدِّيبَاجِ لِيُقَابَلََ بمَا غَلُظَ. وهوَ "الْإِسْتَبْرَقُ" وقد قيلَ: إن "الْإِسْتَبْرَقَ" لغةٌ فارسيَّةٌ. انتقلَتْ إلى اللُّغةِ العربيَّةِ وذلكَ الانتقالُ بِضَرْبٍ من التَّغييرِ، كمَا هوَ العادةُ عِنْدَ التَّعريبِ.
402 - الحديثُ الخامسُ: عن ابنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهمَا أَنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: اصطَنعَ خَاتَمًا من ذهبٍ. فكانَ يجعلُ فَصَّهُ في باطنِ كفِّهِ إذا لَبِسَهُ. فصَنَعَ النَّاسُ كذلكَ. ثم إنَّه جلسَ على المنبرِ فنزعَهُ. فقالَ: ((إنِّي كنْتُ أَلْبَسُ هذا الْخَاتَمَ، وَأَجْعَلُ فَصَّهُ مِنْ دَاخِلٍ، فَرَمَى بهِ ثم قالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا)) فَنَبَذَ النَّاسُ خواتيمَهُمْ.
وفي لفظٍ "جعلَهُ في يدِهِ اليُمْنَى".
فيهِ دليلٌ على منعِ لباسِ خاتمِ الذَّهبِ، وأنَّ لُبْسَهُ كانَ أوَّلًا وتَجَنُّبَهُ كانَ متأخِّرًا. وفيهِ دليلٌ على إطلاقِ لفظِ "اللُّبْسِ" على التَّخَتُّمِ.
واستدلَّ بهِ الأصوليُّونَ على مسألةِ التَّأَسِّي بأفعالِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، فإنَّ النَّاسَ نَبَذُوا خواتيمَهُمْ، لمَّا رَأَوْهُ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ نَبَذَ خاتمَهُ. وهذا عندِي لا يَقْوَى في جميعِ الصُّوَرِ التي تُمْكِنُ في هذه المسألةِ. فإنَّ الأفعالَ الَّتي يُطْلَبُ فيهَا التَّأَسِّي على قسميْنِ: أحدُهُما: مَا كانَ الأصلُ أن يُمْتَنَعَ، لولا التَّأَسِّي لقيامِ المانعِ منهُ. فهذا يقوَى الاستدلالُ بهِ في مَحَلِّهِ. والثَّانِي: مَا لا يُمْنَعُ فِعْلُهُ، لولا التَّأَسِّي، كمَا نحنُ فيهِ. فإنَّ أقصَى مَا في البابِ: أن يكونَ لُبْسُهُ حرامًا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، دونَ الأمةِ. ولا يَمْتَنِعُ حينئذٍ أن يَطْرَحَهُ مَن أُبِيحَ لـهُ لُبْسُهُ. فمَن أرادَ أن يَسْتَدِلَّ بمثلِ هذا على التَّأَسِّي فيمَا الأصلُ مَنْعُهُ، لولا التَّأَسِّي: فلم يَفْعَلْ جيدًا. لمَا ذكرْتُه من الفرْقِ الواقعِ.
وفيهِ دليلٌ على التَّخَتُّمِ في اليدِ اليمنَى. ولا يُقَالُ: إنَّ هذا فِعْلٌ منسوخٌ. لأنَّ المنسوخَ منهُ جوازُ اللُّبسِ، بخصوصِ كونِهِ ذهبًا، ولا يَلْزَمُ من ذلكَ نَسْخُ الوصفِ. وهوَ التَّخَتُّمُ في الْيُمْنَى بخاتمٍ غيرِ الذَّهبِ.


  #6  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 05:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

......................

  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 05:31 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

كذلكَ أيضا في حديث البراءِ الذي أوردَه كما سمعنا المؤلف قوله: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعٍ ونهانا عن سبعٍ . الأمر: أمر وجوب ، أو أمر إرشاد وأمر استحباب ، الصحيح أنه أمر استحباب ، يعني أمرنا أن نفعل هذه الأشياءَ، وأكَّد في أمرها وإن لم يصل إلى الوجوب ؛ وذلك لأن هذه السبع هي من حقوقِ المسلمين بعضهم على بعض ، فمثلا إجابة الداعي ، إذا دعاك أخوك مثلا إلى طعام كوليمة أو نحو ذلك ، فحقٌّ عليك أن تجيبه ، ولكن لا يكون ذلك واجبا ، فقد يكون ذلك عذرا ، وقد يكون مسبوقا بدعوة أخرى أو نحو ذلك ، فهذا دليل على أن الإجابة ليست فرضا واجبا ، ولكنها من حقوق المسلمين بعضهم على بعض .

كذلك الأمر بتشميت العاطس ، لا شك أنه من حقوق المسلمين ، وإن لم يجب على كل أحد ، إنما الحاضرون إذا سمعوه يعطس ويحمد الله تعالى يشمتونه بقولهم: يرحمك الله ، فهذا أيضا من حقوق المسلمين بعضهم على بعض .
كذلك الأمر ببدءِ السلام أو برد السلام من حقوق المسلمين ؛ لقوله الله تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} , فإن هذا من الحقوق المتبادلة بين المسلمين ، والتي تسبب المحبة والمودة بينهم ؛ لقوله عليه السلام: ((ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم , أفشوا السلام بينكم)) .

كذلك عيادة المريضِ من الحقوق المسلمينَ ؛ وذلك لأن المريض قد حبسه المرض عن إخوته ، وعن أصدقائِه وأقعدَه، وجلس في بيته أو على فراشه ، فكان حقا عليهم أن يعودوه ؛ ليطمئنوا وليسلوه ، وليحثوه على الصبر ، وليعرف بذلك المحبة والمودة في قلوبهم ، ويعرف من هو صادق المحبةِ من غيرها ، فعند ذلك تثبت الأخوة بين المسلمين ، وكذلك أهلُه وأصدقاؤه وأولاده إذا رأوا إخوته وأصدقاؤه يعودونه عرفوا بذلك محبتهم ومودتهم .

كذلك اتباع الجنائز من حقوق المسلمين ؛ وذلك لأن هذا الأخ الذي كان أخا لك وصديقا أتاه أجله ، ووافاه الموت ، ونُقل إلى القبر ، فكانَ من حقه عليك أن تشيعه ، وأن تتبع جنازته ، وأن تحضره , تحضرَ الصلاة عليه ، وتحضر دفنه، وتدعو له ، وتسلم على أقاربه ، وتسليهم ، هذا أيضا من حقوق المسلمينَ بعضهم على بعض .

كذلك نصر المظلومِ من حقوق المسلمين بعضهم على بعض ، إذا رأيتَ مظلوما عرفت أنه معتدى عليه ، فمن حقه عليك أن تنصره بقدر ما تستطيع ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالما أو مظلوما)) , فالمظلوم تنصره وترد عنه الظلم , والظالم تردعه عن الظلم ، وتحجزه عنه ، فذلك نصرك إياه .

فهذه الحقوق لا شك أنها مما يدعو إليه الإسلام ، ويرغب فيه . ولا شك أيضا أنه ما أمر بذلك إلا لما فيه من المصلحة ، وما فيه مما يسبب الألفة بين المسلمين ، ولا شك أيضا أن المناهي السبع التي نهى عنها أغلبها من الأكسية ومن الألبسة ، الشرب في آنية الذهب ، والأكل في صحاف الذهب أو الفضة ، لا شك أيضا أنه محرم ، وقد وردت أدلة تؤكد التحريم . والنهي هنا يكون للتحريمِ ؛ لأنه ورد قوله صلى الله عليه وسلم: ((الذي يشرب في آنيةِ الذهبِ والفضةِ إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)) . فهذا الوعيد دل على أنه محرم استعمال آنية الذهب والفضة . وكذلك قال صلى الله عليه وسلم: ((لا تأكلوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تشربوا في صحافهما ؛ فإنها لهم في الدنيا ، ولكم في الآخرة)) .

وأما الأكسيه التي نهى عنها ، القسي نوع من الحرير ، وكذلك الديباج نوع من الحرير , فيه ..القسي فيه خطوط ملونة . الحرير قد ورد أنه حرام على الرجال ، مباح في حق النساء ؛ لحاجة النساء إلى التجمل دون الرجال ، فكان ممنوعا أن يلبسه . والأدلة دلت على التحريم لقوله صلى الله عليه وسلم في الذهب والحرير: ((هذان حرام على ذكور أمتي , حلٌّ لإناثهم)) . يعني الذهب والحرير حرام على الذكور , وحلال للإناث للتجمل كما قلنا ، فلباس الديباج ولباس القسي واستعماله يعتبر حراما في حق الرجال ؛ لأنه من جملة الحرير . وكذلك المياثر ، وهي مثل الأقضية ، أو مثل الفراء ، إلا أنها مبطنة بحرير ، فالنهي عن المياثر والأغلب أنها تكون حمر , نهى عنها ؛ لما فيها من الإسراف ، ولأن فيها حرير داخل في النهي عنه ، فلأجل ذلك دخلت في التحريم ، فإن النهي عن الحرير كله لأجل أن فيه إسراف ، أو تنعم وتلذذ ، أو تشبه بالنساء أو نحو ذلك .
وهكذا أيضا ورد في أحاديث كثيرة النهي عن التختم بالذهب في حق الرجال ، فقد سمعنا هذا الحديث ، أنه صلى الله عليه وسلم صنع له خاتم من ذهب ولبسه ، وجعل فصه في داخل كفه ، ولبسه في اليد اليمنى ، ولما رأى الناس توسعوا في ذلك نزع ذلك الخاتم ، والناس ينظرون ، وقال: ((والله لا ألبسه أبدا)) . فعند ذلك نزع الناس خواتيمهم . ووردت أدلة في أنه محرم لباس الرجال خواتيم الذهب ، وأبيح لهم أن يلبسوا خواتيم الفضة . فالخاتم كما هو معروف ما يلبس في الإصبع ، والأصل أنه مباح أن يتخذ الرجل خاتما من فضة ، كما ورد في بعض الأحاديث ، وأنه صلى الله عليه وسلم كان له خاتم مكتوب عليه اسمه ، فيه محمد رسول الله ، وأنه كان أحيانا يلبسه في البنصر من اليد اليمنى ، وأحيانا في اليد اليسرى ، يلبسه في هذه أو في هذه . وأما خاتم الذهب فقد وردَ ما يدل على تحريمه ، وأنه صلى الله عليه وسلم رأى مرةً رجلا في يده خاتم من ذهب فنزعه ، وقال: ((يعمد أحدُكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده)) . نزعه فألقاه , ولما ذهب قيل للرجل: خذ خاتمك فانتفع به . فقال: لا , والله لا آخذه وقد ألقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لا شك أن هذا دليل على المبادرة ، وعلى الامتثال ، وأن الصحابة إذا أمرهم بأمر بادروا به ولم يراجعوا فيه . فالحاصل أنه لما نزع خاتم الذهبِ وقال: والله لا ألبسه ، نزع الناس خواتيمهم مبادرة ، وتعهَّدوا بأنهم أيضا لا يلبسون ، ولا يتحلون الذهب ، وبقي الذهب محرما في حق الرجال ، سواء في الخواتيم في الأصابع ، أو في الحلي في غير الأصابع ، ومثله أيضا ما ورد أنَّه لا يجوز ما تجدد ، فلا يجوز أن يكون النظارة مثلا من ذهب ، يعني ما تمسك به ، وكذلك الساعات لا يجوز أن تكون من الذهب ، ولو محلاة أو مطلية ، إلا في حق النساء ؛ وذلك لأن فيه استعمال لهذا الذهب , وقد سمعنا قوله إنه: ((حرام على ذكور أمتي , حل لإناثهم)) . ينتبه المسلم ، ويتجنب ما نهى الله تعالى عنه ؛ حتى يكون من المتبعين المطيعيين .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
النهي, عن

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir